Ads by Google X

رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل الاول 1 - بقلم اية حسين

الصفحة الرئيسية

  رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء كاملة بقلم اية حسين عبر مدونة دليل الروايات 

رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل الاول 1


الفصل الأول: رحلة النبش في الماضي
          
                
وقت آخر، حين عاد من المدرسة، سعيدًا يريد أن يُري عمه درجة إختباره الكاملة، دخل المنزل فلم يجد أحدًا بإستثناء أخته التي كانت تبكي دون أن تجد من يهتم لها، إذ كانت زوجة عمّه جالسة في غرفتها بالأعلى تضع مساحيق التجميل مستعدةً للقاء صديقاتها، و عمه يجلس في مكتبه منشغل بعمله، عانقها و طمأنها ثم ذهب كي يري عمه درجة الإختبار، و بمجرد أن طرق الباب و دخل وجده يقول بحنق:
- ايه الي جابك أنا مش قلت متخشش هنا؟ مش فاضيلك أنا.
خرج "عمر" و قد استطاع "إسماعيل" أن يبدل سعادته غمًا دون جهد، حينها أدرك "عمر" أنه غير مرحب بهما هنا.



مرة أخرى حين كان في الحادية عشر، كان حفل نهاية السنة الدراسية حيث يجتمع الآباء و الأمهات، كلٌ يمسك بيد والده أو والدته، إلا هو الذي كان يمسك بيد شقيقته يبثها الأمان، وقد صار أبًا في الوقت الذي احتاج أباه فيه.



لقد كبُر و أصبح مراهقًا في الرابعة عشر و أخته ذات تسع سنوات حيث يجلسان في غرفتهما، أخرجت "إسراء" ورقة إختبارها ليراها "عمر" و هي تصيح بسعادة:
- جبت عشرة من عشرة يا "عمر" بص!
نظر لها بعين تشع حنانًا وإعجابًا فأشار لها بيده قائلًا بهدوء:
- بالراحة وطي صوتك قبل ما عمو "إسماعيل" أو طنط "شيرين" يسمعونا.
ثم أردف حين رأى الورقة و عينه تشع بالسعادة لسعادتها حتى لو كان الأمر تافهًا:
- شطورة يا إسراء.
- المس سألتني مين بيذاكرلك قلتلها أخويا "عمر" قالتلي اشكريه عشان هو طيب معاكِ و بيساعدك، شكرًا يا "عمر".
نظر لها "عمر" بحب، هاهي بذرته الصغيرة تكبر لتصبح وردةً رائعة. سمعا- و هما على هذا الحال- صوت عمهما يأتي من بعيد غاضبًا ساخطًا:
- قولت مش هتنزلي يا "شيرين" بطلي بقى إستفزازك ده
جاء الرد من زوجة عمهما حانقًا:
- بطل قرف بقى يا "إسماعيل" هو كل حاجة تحكمات، تنزلي، تطلعي، تلبسي، تقابلي مين، تقعدي مع مين، أنا زهقت.
- أنا جوزك يا هانم على فكرة، لو نسيتي أفكرك.
- أحب أفكرك أنت اتجوزتني ليه، أنت اتجوزتني عشان فلوسي و فلوس أبويا الي طمعت فيهم خليك فاكر.
أفزع هذا الصراخ الصغيرة فاختبأت في حضن شقيقها الذي قال مهدئًا:
- بس، متخافيش مفيش حاجة، أنا معاكِ، هم بيزعقوا لبعض مش لينا.



يومٌ آخر، حين كانت "إسراء" تمسك بكوب به ماء و تركض به آتية من المطبخ، سقط منها الكوب و انكسر فتناثرت قطع الزجاج و دخلت إحداهن في قدمها، هرول إليها عمها وزوجته، و بدل أن يطمئنا على الصغيرة التي جُرِحت، قاموا بجرحها بجرح أكبر إذ صبّا غضبهما عليها حتى كادا يضربانها لولا أن "عمر" الذي كان يقف بالزاوية ركض فحالَ بين يد "إسماعيل" و وجه شقيقته فقال:
- أنا الي كسرته، اضربني أنا.... بلاش هي.
أتاه رد عمه ساخطًا:
- أنت هتستعبط ياض؟! هي الي كانت واقفة.
رد عليه "عمر" متلعثمًا:
- ماهو أنا... أنا.... أنا كنت ماسك الكوباية بس جريت.
ابتسم "إسماعيل" نصف إبتسامة فقال و هو يرفع يده يهمّ بضرب الفتى:
- لا راجل يلا، عشان كده بقى هتتضرب مكانها.
ثم هوى بثقل يده على وجه "عمر" مما جعله يرتعش أثر الصفعة، بعد قليل من الضرب و التعنيف أمام شقيقته الباكية أمسكه "إسماعيل" من ياقة قميصه ثم تركه فجأة فسقط على الأرض فأصابت قطع الزجاج إحدى قدميه و يده اليُسرى، قام و أسرع يضمد جرح شقيقته غير مبالٍ بجرحه هو، و هكذا ظلّ.... يُطمئنُ شقيقته و يلملم جراحها غير مبالٍ بجرحه هو.




        
          
                
كبُر "عمر" أكثر و صار في السابعة عشر، غدا شابًا متمردًا، قرر التمرد على معاملة عمه و زجته، استطاع بعد جهد إقناع "إسراء" بالهرب من هذا المنزل الكئيب الذي لم يشهدا فيه إلا الأوجاع، تبعته "إسراء" بالتأكيد، و هل لها إلا ملجأها الآمن المسمّى بـ"عمر"؟
و هكذا أصبحا يعيشان لا يملكان إلا بعضهما، استفاق "عمر" من ذكرياته ليجد أنه قد وصل إلى وجهته المنشودة، منزل عمه "إسماعيل محمد عبدالوهاب".



                                        ∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆



كان "عمر" طويل القامة عريض المنكبين مما جعل الهيبة فرضًا عليه أثناء مشيه، حتى لو ما بداخله عكس ذلك، سأل نفسه: كم  مرّ على آخر مرة التقى بعمه فيها؟ سنوات طويلة. و رغم ذلك مازالت الجراح و الإهانات تلتصق به، ما زال يذكر كيف كان صوته يدب الذعر في قلبه و يجعل أوصاله ترتعد رعبًا.



رغم كل هذا ذهب إليه، فهو يشعر أن أمر شهادة وفاة والده المزورة هذا غريبًا يستدعي القلق و التساؤل، دخل عليه مكتبه بعد أن طرق الباب، فجحظت عينا "إسماعيل" تعجبًا، لا يصدق ما يراه، هذا هو الفتى الصغير الذي هرب منه مع شقيقته! قال "عمر" و هو يبتلع ريقه و يقول بلهجة حاول صبغها بالثبات:
- ازي حضرتك يا عمي؟
رد "إسماعيل" بثقل وعيناه لا تزالان متسعتان:
- بخير يا ابني، بقالنا كثير مشوفناكش يعني؟
- متقلقش مش هتشوفني ثاني.
ثم أردف و هو يضع أمامه ورقة شهادة وفاة والده:
- أنا بس عايز أعرف ايه الموضوع ده، الراجل امبارح بيقولي ديه مزورة.
توتر "إسماعيل" قليلًا و ارتعشت يداه لكنه استطاع إخفاء هذا بسهولة، قال و هو يلقي نظرة على الورقة:
- معنديش علم بالموضوع ده، أكيد غلطة من عندهم.
- غريبة، مع إني رحت الأحوال المدنية أسأل واتأكدت إنها مضروبة.



لم يكن يكذب، فقد ذهب بالفعل ليتحقق من الأمر و اكتشف أنه لا توجد أي أوراق أو شهادة تثبت أن أباه قد تُوفي، حين علم بالخبر من الموظف مادت به الأرض، وقف يحدق في الفضاء أمامه لمدة لا يعلم قدرها، كيف؟! و متى؟! و.... ماذا؟ لم يمت والده! أين كان كل تلك الأعوام، أم يكون قد مات و لكن حدث شيء منع تسجيل هذا؟ يشعر بأن هناك لغز كبير خلف ذلك الأمر، و هذا ما دفعه للذهاب لعمه. أضاف "عمر" و هي ينظر لعيني "إسماعيل" عله يستشف منها ما يخفيه صدره:
- و عرفت إن مفيش أي حاجة تثبت وفاة شخص بالإسم ده.
ابتلع "إسماعيل" ريقه لكنه تابع دون أن يظهر عليه شيء، فقد كان يجيد الكذب، يجيد الكذب حتى صار الكذب صديقه المُعين. قال:
- مستحيل، ده أنا دافنه بنفسي.
ثم استطرد بشيء من الغضب و الإستنكار:
- اسمع يا ولد أنت لو جايلي بعد كل السنين ديه بعدما هربت أنت و أختك بالليل شبه الحرامية تكدبني يبقى تطلع برة أحسن لك.
أدرك "عمر" أنه لن يحصل على شيء من "إسماعيل" بهذه الطريقة لذا قرر الإنسحاب الآن قائلًا:
- تمام بس لو عرفت أي حاجة تبلغني.
- أكيد.



خرج "عمر" من مكتب "إسماعيل" ليرى زوجة عمه "شيرين"، مازالت كما هي، مساحيق التجميل التي لا تُظهر شيئًا من وجهها الطبيعي، شعرها الأشقر المصبوغ كل يوم بحال. حدقت فيه بقوة فاتحةً فاها لا تصدق أنها تراه، "عمر"؟! ذلك الفتى ابن اخي زوجها الذي لم تحسن إليه يومًا؟ ما الذي أتى به؟ مرّت دقيقة اندهاشها ثم تجاهلته واتجهت لمكتب زوجها.




        
          
                
خرج و في رأسه نفس ذات الأسئلة التي دخل بها، شعر أنه كان غبيًّا حقًّا حين ظنّ أنه سيجد إجابات عند عمه بهذه السهولة.
فتش جيبيه باحثًا عن محفظته فلم يجدها، سرعان ما استوعب أنه نسيها فضرب على جبهته بيده ثم اتجه إلى الداخل، وقف أمام باب المكتب المُغلق و قبل أن يطرق الباب سمع "شيرين" تقول:
- مش ده "عمر" ابن "إبراهيم" أخوك؟ هو عرف حاجة؟
أجابها "إسماعيل" مستهزئًا:
- ولا هيعرف.
ردت عليه "شيرين" بأسى على ما يفعله:
- مش عارفة هتبطل تلعب عليهم كده لحد امتى.
في تلك اللحظة تأكد "عمر" أن هناك كذبة تجري عليه وأن أمرًا جللًا يحدث وقد قرر أنه يجب عليه البحث في الامر. طرق الباب، أخذ محفظته ومضى.



                                   ∆∆∆∆∆∆∆∆∆



واقفةً داخل المكتبة التي تعمل بها، كانت "إسراء" تتأمّل الطريق و المارّة، الجو جميل اليوم يلائم مزاجها الرائع، أصبحت تحب عملها كثيرًا، تجتاح النشوة جسدها و هي ترى الإهتمام في عين شخص ترشح له كتابًا ما، عندما تقود شخصًا آخر لعالم القراءة الرائع، عندما ترى الناس الذين لا يزالون يهتمون بالقراءة هذا الزمن.



جلست على الكرسي و قد عقصت شعرها الأسود في شكل كعكة إلى الأعلى كما كانت تفعل دائمًا فجذبت كتابها لتقرأ فيه قليلًا قبل أن تدخل عليها فتاة كانت آية في الجمال، سمينة، بشرتها بيضاء ممّا جعل دخولها يُنير المكان، عيناها عسليتان يذوب المرء فيهما، رداؤها الواسع و حجابها الأحمر الطويل جعلاها تبدو كالأميرة، هذا ما رأته "إسراء" منها، قالت الفتاة في رقة بعد أن ألقت السلام:
- لو سمحتي كنت عايزة أعرف لو الرواية ديه موجودة؟
قالت جملتها تزامنًا مع إخراجها هاتفها لتُري "إسراء" شكل الغلاف، نظرت له "إسراء" ثم قالت و هي ترمق تعابير وجهها بنظرة تفحص:
- شكلك أول مرة تقرئي صح؟
أومأت لها الفتاة إيجابًا فقالت "إسراء":
- طب بصي، أنا عندي ليكِ روايتين جُمال و خُفاف كده هيعجبوكِ اوي، خديهم مع الي أنتِ عايزاها عشان الي أنتِ طالباها ممكن تكون صعبة عليكِ في البداية رغم إن هي جميلة جدًا.
ردت الفتاة بالقليل من التردد والكثير من الرقة لم تُرضِ "إسراء" التي رأتها مائعة بحد كبير:
- طب ممكن تكلميني عنهم؟
استجابت "إسراء" لطلبها و حدثتها عن الروايتين ببراعة تجعل أي شخص يراهما كنزًا يجب إغتنامه رغم أنها لا ترتاح لرقة الفتاة المفرطة، فهي تكره هذا النوع من الفتيات. ختمت "إسراء" حديثها بإبتسامة قائلة:
- لو عجبوكِ يبقى تيجي ثاني و تبقي زبونة المكان هنا بقى، اسمك ايه صحيح؟
- آية
أومأت لها "إسراء" فرحلت الفتاة المدعوة "آية" بعدما دفعت ثمن الكتب، نظرت "إسراء" في أثرها بإشمئزاز و هي تحاول تقليدها ساخرة:
- ممكن تكلميني عنهم؟
ثم قالت لنفسها بصوت عالٍ بحنق:
- مياعة بنات آخر زمن



                                         ∆∆∆∆∆∆∆ 



كانت ليلة هادئة ظفر فيها بنوم عميق، و بينما هو يتقلب على سريره يقاوم كسله للإستيقاظ صفعت كرة وجهه، جعلته تلك الصفعة يتأوه بصوت عالٍ و هو يعتدل جالسًا ثم صرخ غاضبًا بصوت فيه مسحة نوم:
- الي حدف الكورة ديه هياخد بالجزمة يا كلاب.




        
          
                
قام "علي" من على فراشه فغسل وجهه ثم توجه إلى صالة الجلوس حيث تجلس أمه و خلفها يلعب أبناء شقيقيه، جلس على الطاولة كي يأكل و هي يقول لأبناء شقيقيه - التوأمين "زين" و "زياد" ولدي شقيقه "عمرو" و "مصطفى" ابن شقيقته "عالية"- بتوعد:
- الكورة ديه لو متشالتش لأكون مربيكم كلكم من أول و جديد أنت وهو.
علقت والدته و هي تضحك:
- سيبوكم منه يا عيال و العبوا مطرح ما أنتم عايزين، لو عايزين تخشوا تكسروا اوضته براحتكم.
رد "علي" مستنكرًا:
- بقى كده، كسروا اوضته؟
أومأت له فقال هو بأسى مصطنع ممازحًا: 
- بقى بعدما كنت آخر العنقود المتدلع، بقت آخرتها كسروا اوضته، بعتينا عشانهم خلاص يا ماما؟! 
ردت والدته ضاحكة و هي تخبط يدها على كتفه:
- و أنا أقدر أبيعك برضو يا واد يا بكاش أنت.
ايتسم "علي" ثم نظر حوله فلم يجد شقيقه "عمرو" ولا أباه ولا شقيقته  فسأل والدته عنهم فردت:
- أخوك يادوب طلّع عياله و نزل وخد أبوك في طريقه.
أومأ ثم سأل:
- و"عالية"؟
أجابته الأم بحسرة على حال ابنتها:
- قاعدة في اوضتها ماسكة صورة جوزها الله يرحمه و بتعيط.
تنهد "علي" الذي أصابه الحزن و هو يقول:
- هي هتفضل كده لحد امتى بجد؟
- و هو أنت فاكر إن فراق جوزها الي حبته و عاشت معاه على الحلوة و المرة بالساهل كده؟
- طب أنا هقوم أخشلها.
ربتت على كتفه مستحسنة ما قاله و هي تدعو له و لابنتها أن يربط الله على قلبها و يصبرها على ما ابتلاها.



دخل "علي" على "عالية" الغرفة فوجدها جالسة على الفراش تنظر لصورة زوجها المُتوفى منذ شهر واحد فقط و تبكي، رآها "علي" بذلك المنظر فجلس أمامها و احتضنها بقوة قائلًا بصوت دافئ:
- مستنيكِ أنتِ و ولادك في الجنة يا حبيبتي صدقيني، هتقابليه بإذن الله.
ردت عليه و شهقاتها تتعالى:
- مش قادرة أصدق إنه سابني وراح.
- راح للجنة بإذن الله
ثم تابع بحب صادق خرج من قلبه:
- متعلقيش قلبك بقلبه عشان ده هيفنى، علقي روحك بروحه، ديه الحاجة الي هتطلع معاكم الآخرة.
قالت "عالية" بشوق و لهفة و قد شعر "علي" بلوعة قلبها:
- يارب أقابله هناك.
تبسم "علي" و قال مداعبًا إياها:
- طب يلا عشان تفطري بقى، و تلحقي العيال قبل ما يولعوا في البيت.
رسمت ابتسامة باهتة وهي تحمد ربها أن رزقها بهكذا عائلة.



ارتدى "علي" ملابسه مستعدًا للخروج من المنزل فوجد "منة" ابنة شقيقته "عالية" ذات الأربع سنوات تركض عليه ناطقةً اسمه بشكل مضحك:
- ألي، ألي
عانقها ثم حملها فقال ضاحكًا:
- "ألي"؟ أنتِ مش المفروض كبرتي و بتعرفي تنطقي الحروف صح ولا ايه؟
طلبت منه متوسلةً بوجه بريء جعل قلبه يذوب، بسبب عشقه لتلك السوسة الصغيرة:
- هات مصاصة
قبّلها على وجنتها و هو يقول بثغر ضاحك:
- حاضر من عيوني.
ثم وضعها على الأرض خارجًا من الشقة.



تنهد ثم ابتسم، عائلته الجميلة قادرة على شحنه طاقة إيجابية تكفيه لبقية اليوم، يخصص لهم جزءًا من قلبه لا يشاركهم فيه أحد، أدامهم الله له.




        
          
                
كان "علي" متوسط القامة و الجسد، شعره مجعد، طويل قليلًا ربما، لكن ليس بالحد الملفت. وصل إلى المبنى الذي بات يقضي أغلب حياته فيه، فمنذ أن تخرج من كلية الطب البيطري، عزم على إنشاء عيادته الخاصة، فهو يعشق الحيوانات، يالسعادته بقضاء يوم عمله معهم، يمسح على فرائهم، يداعبهم، و يخفف عنهم آلامهم، كثيرًا ما كان يتوقف في الشوارع ليلاعب كلبًا أو قطةً و يطعمه مع تأفف من يمشي معه، دخل فوجد أن المكان قد تم تجهيزه بالكامل كما يحب، بقي فقط الأثاث، تنهد بنشوة فعدل وضع نظارته السوداء التي يضعها أمام عينيه العسليتين و هو يلقي نظرة على المكان الذي سيصبح قريبًا جدًا مكان عمله حيث يقضي وقته في تحقيق حلُمه بين تلك الكائنات الصغيرة اللطيفة.



و بعد أن انتهى من الحديث مع العمال وتفحص المكان ذهب ليقابل من أسرته و سرقت قلبه ثم أمسكت به في قبضتها... خطيبته "مي". دخل إلى شقة والدها بعد ترحيب والدتها به، فوجدها تجلس منزويةً على الأريكة التي يحسدها الآن، جلس على الكرسي أمامها ووالدتها تقدم له الشاي فشكرها "علي"، ثم رحلت من أمامهما لتراقبهما من بعيد.



بدأ "علي" الحوار معها قائلًا:
- عاملة ايه؟
كان يحاول دفعها لتتحدث، فقد بقيت صامتة حتى الآن وألقت على والدتها أمر الإمساك بدفة الكلام، أما وقد رحلت، فعليها التكلم، ردت باقتضاب:
- تمام الحمدلله.



و كأن كلماتها القليلة تلك كانت نهرًا عذبًا روى فؤاده الظمآن لنظرةٍ منها. تحدث معها فترة كان لها النصيب الأكبر من الصمت فيها، رغم أن خطبتهما تمت منذ شهر، لازالت تعامله ببعض الإقتضاب، ظنه هو تحفظ، فلم يشكُ منه، ظلّا على ذلك الحال و هو يختلس النظر اليها من آن لآخر، كيف لها العبث بعقله و قلبه إلى تلك الدرجة؟! كتب عنها في دفتره يومًا:



- عيناها ليست زرقاء كالبحر ولا خضراء كالغابات ولا عسلية تشع عند انعكاس ضوء الشمس، بل هي سوداء تجعل قلبي يرقص فرحًا حين يرى التفاتة منهما.
شعرها ليس أشقر يتوهج كضوء الشمس ولا أسود ناعم منسدل، بل هو أسود مجعد يجعلني أهيم بعفويتها.
بشرتها ليست بيضاء صافية تُنير بها المكان بل سمراء تجعل عيناي تترجاني في اليوم ألف مرة كي أذهب إليها.
صوتها ليس ناعم رقيق تتغنى به لكن ما يخرج من فمها من كلمات هو ما يأسرني.
ببساطة، قد لا تبهر كل من يراها لكنها تبهرني أنا.



مضى بعض الوقت و هو يتناول الغداء معها و مع والدتها ثم انصرف و ترك باله بالداخل.



                                   ∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆



ذهب "عمر" إلى عمله بعدها، "مستشفى النور" حيث يعمل كممرض، كان يتمنى دخول كلية الطب لكن "عمر" المشوش الهارب من منزل عمه لم يحصل على الدرجة العالية التي تسمح له بدخول كلية الطب، فاتجه للتمريض بسبب كون المجال مشابه.



في نهاية يوم العمل حين كان خارجًا من المستشفى أخرج محفظته ففوجئ بورقة و مفتاح لم يسبق له رؤيتهما يسقطان على الأرض، التقطهما و قد ضاق ما بين حاجبيه مستغربًا، وجد المكتوب على الورقة الصغيرة المطوية عنوان أُلحق بـ:
- عنوان بيتكم القديم، ممكن تلاقي طرف الخيط هناك.



توالت الأسئلة عليه بمجرد قراءة محتوى الورقة، أي بيت وأي خيط؟! مضى في طريقه إلى منزله، أيذهب إلى العنوان أم أن العواقب ستنتظره؟ تذكر محفظته التي نسيها. أهو عمه الذي وضع الورقة؟ لمَ لم يخبره مباشرة إذًا؟ وصل إلى الشقة التي يسكن بها وجد "إسراء" وقد خلدت للنوم مسبقًا. لقد حل الليل الآن، سينام ثم يذهب في الصباح إلى ذلك العنوان المريب، هكذا قرر، لم يكن يعرف أن النوم سيجافيه تلك الليلة، يتقلب على الفراش وقد سيطرت الأسئلة والهواجس على عقله الذي لم يتوقف عن نسج الكوابيس منذ الصباح، استيقظ و قد حسم قراره بالذهاب ليريح فضوله عله يهدأ قليلًا، خرج من منزله قاصدًا ذلك العنوان ليبدأ رحلةً جديدة... رحلة النبش في الماضي.



                                   ∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆

 
 
google-playkhamsatmostaqltradent