رواية جوازة ابريل (2) الفصل الثالث عشر 13 - بقلم نورهان محسن
الفصل الثالث عشر (الخطر بعينيك أمان) ج2
بيني وبينك حروبٌ صامتة ..
لا أنت بدأت السلام لتنهي المعركة ،
ولا أنا انسحبت مهزوم لأنهيها
بيني وبينك جدرانٌ من مكابرة ،
بنيناها بأنفسنا دون أن نشعر ولو للحظةٍ أننا لن نستطيع هدمها
بيني وبينك مللٌ وأحباط ،
لم نكن نعرف في بداية الأمر أننا سنصل إليه يوماً ، كُنا نظن أن قصّتنا ستكون مثل بداياتها الرائعة .
بيني وبينك نار الغيرة الحمقاء التي لا تعرف المنطق أبداً
بيني وبينك كُل موقفٍ أهوجٍ تصرفنا به كالغرباء مع بعضنا البعض
بيني وبينك حماقة ..
بيني وبينك تسرّع
بيني وبينك انفعالاتٌ بغير مكانها سببت لي ولك الجراح
بيني وبينك محادثاتٌ بالساعات مليئةٌ بالحُب والأمل
بيني وبينك محادثاتٌ لم تكمل الخمس دقائق لا نجد فيها ما نقوله !
بيني وبينك تحّولٌ جذريٌّ مخيف
بيني وبينك فراق كان مثل بداياتنا ..
عنيف وصادق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عند عز
_ولو انطبقت السما علي الارض عمري ماهسامحك
سوسن بقلق : اهدي يا مني كفاية تعملي في نفسك كدا
إقترب عز بلهفة بعد أن إنتابه القلق عليها بشدة ، رغم حزنه من شراسة هجومها عليه : خلاص يا حبيبتي .. اهدي انتي تعبانة وفقدتي دم كتير غلط عليكي كدا عشان صحتك و...
تغضنت حاجبيها بإستنكار ، ورددت بقهر منتحب : صحتي!! انا عاوزه ابني يا ماما مالحقتش حتي احس بوجوده ولا افرح بيه
ألقت بنفسها على صدر أمها مع كلماتها الأخيرة ، لتربت سوسن على خصلات شعرها البنية بحزن ، محاولة التخفيف عنها : ربنا هيعوضك يا حبيبتي .. استهدي بالله كدا دا قضاء الله مكنش مكتوبله يكمل
جلس عز سريعًا على حافة السرير ليخبرها بأسلوب رقيق حنون ، محاولًا استرضائها : انا مستعد اعملك كل اللي تطلبيه كل حاجة الدنيا كلها ماتغلاش عليكي عشان تسامحيني وتتحسني يا حبيبتي
_مش عايزة اي حاجة منك غير ورقة طلاقي تبعتهالي وبعدها مش عايزة اشوفك تاني
حدقت مني إليه بضراوة حارقة مع إختتام حديثها القاس على قلبه الذي يرتعد بين ضلوعه من شدة اللوعة ، إنه لا يعرف ماذا يفعل ، فهل يبكي على حاله أو حالها؟ يلتمس لها كل أعذار العالم لما فعله بها ، ولكن فكرة ابتعادها عنه تفقده عقله وتنتزع روحه من جسده مما جعل دموعه تتساقط من مقلته لا إراديا قائلا بخوف من فقدانها : انتي بتقولي من قهرتك وجرحك كبير ومقدر ان اللي مريتي بيه مش سهل وانا مستعد استحمل منك كل حاجة .. بس انا مقدرش ابعد عنك يا مني انتي محتاجلي زي ما انا محتاجلك ومش هسيبك هردك لعصمتي تاني ودلوقتي
امتزج إصرارها الحاد بدموعها الغزيرة على خديها المحتقتين من شدة الانفعال في قلبها المحطم : اذا عملت كدا هخلعك يا عز .. مش مكفيك كل الاذي اللي وصلته بسببك .. انت اكتر مخلوق علي الارض بقيت بكرهه و بحتقره فاهم بحتقرك وبكرهك اطلع من حياتي خالص مش طايقة اشوفك قدامي ومش عايزة منك حاجة
ظلت تتلوى بشكل متشنج بين ذراعيه التي كان يحاول أن يحيطها بهم حتى يسيطر علي حركاتها الخرقاء ، لكنها استمرت في الصراخ وهي منهارة ، تبكي بمرارة ، حتى جاءتهم الطبيبة بسبب الضجيج ، قائلة بنبرة جدية : كدا مينفعش يا جماعة حالة المدام ماتسمحش بكل الانفعال دا خصوصا مع كمية النزيف اللي حصلتلها
تابعت بعملية : لو سمحتم اطلعو برا
وقف مكانه بعينين متحجّرتين وملامح جامدة ، نقشت العذاب على ملامحه بإتقان ، بينما تنهدت الطبيبة باستسلام وأعطتها حقنة مهدئة بعد أن أصيبت بانهيار عصبي من قوة صدمة فقدان جنينها ، وبعد عدة لحظات بدأ الدواء يسير مفعوله في عروقها مما جعلها تسترخي تدريجياً على السرير ، وهي لا تزال تتعرق وتهذي بكلمات غير مفهومة حتى ذهبت إلى عالم آخر أمام نظراتهم الحزينة والمشفقة.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
في غرفة ابريل بالمستشفي
جحظت عيناها على اتساعها بذهول ، واحتبست أنفاسها تلقائياً في صدرها ، وهي تنطق بسعادة مشدوهة : عمر
ركض الطفل نحوها مباشرة ، ورمى جسده الصغير بين ذراعيها ، وهو يقول بصوت لاهث : جيت اديكي حضن كبير بتاع انهاردة وامبارح .. انتي وحشتيني ابريل انتي كويسة
سأل عمر باهتمام ، لتقبل خده بلطف تحت أنظار باسم ، حيث كان مذهولاً من تغيرها الجذري مع عقلة الإصبع هذا ، بينما قالت بحب حقيقي : يا حبيب قلبي انا زي الفل .. وانت كمان وحشتني اوي .. انت ازاي جيت هنا؟
اجابها عمر بتلقائية طفولية : مع ماما وجدو وتيتة بس انا سبقتهم وجبتلك دي عارف انك بتحبيها هناكلها مع بعض
نظرت إلى الكيس البلاستيكي بإنشداه ، ثم قبلت خده مجدداً بضحكة جميلة : يا روح قلبي ربنا مايحرمنيش منك ابدا
همت بفتح الكيس ، فقاطعها باسم ، وهو يأخذها منها بحركة مباغتة بعد أن جلس بجانبهما على الأريكة ، و مد يده لها بالكوب قائلا بنبرة آمرة باردة : اشربي اللبن الاول
رد عمر بسرعة بدلا منها : لا ابريل بتكح كتير ووشها بيحمر من اللبن
ابتسمت للطفل ، وأخذت الكأس من يد باسم ، وأعطته له قائلة بحنان : خد انت اللبن اشربه يا حبيبي و لما تخلصه هناكل غزل البنات اتفقنا
تعجب باسم من هذا الحب الشديد بينهما ، وقال بتساؤل : بتاكلي بسكوت مع الشاي ولا عايزة كروسون .. اوعي وشك يبقي بيحمر منه دا كمان!!
انزعجت إبريل من أسلوبه الساخر المعتاد معها ، وهمست بحدة : مش عايزة حاجة قولتلك انت مابتفهمش عربي رجعلي باسبوري واتفضل امشي من هنا كتر خيرك لحد كدا
مال باسم نحو أذنها ، وتمتم بنفس النبرة : طيب عناد فوق عنادك مش ماشي ولا هرجعلك باسبورك الا لما تسمعي الكلام وتخلصي فطارك ادينا قعدين
اغتاظت ابريل من تهديده لها ، لتدمدم بعناد رهيب : مش سامعة كلام و هات الباسبور بالادب والا...
قطع صراع الهمس بينهما صوت أنثوي يقول بهدوء : صباح الخير
اتجهت أنظارهما نحو الباب ، ليجدوا ريهام تدلف بطلة أنثوية جذابة ، ورائحة عطرها الرائعة تسبقها ، فردا التحية في نفس الوقت.
ريهام بهدوء : ازيك يا باسم .. عاملة ايه دلوقتي يا حبيبتي حاسة انك احسن
اكتفي باسم بهز رأسه ، في حين ردت ابريل بإقتضاب : الحمدلله
شعرت ريهام بإستمرار ابريل في الانزعاج منها ، لتقول بنبرة عادية : بالمناسبة بابا بيتكلم مع الدكتور برا عشان يطمن علي صحتك وداخلين يشوفوكي
أضافت وهي تشير إلي الطفل : تعالي يا عمر اغسل ايدك عن اذنكم شوية وجاية
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
عند هالة
_انتي بتعملي ايه؟!
أمسكت هالة كف يده الباردة بأطراف أصابعها المرتجفة وبسطتها ، لتضع خاتم الخطوبة الذي لم تلبسه إلا ساعات قليلة ، قالت بابتسامة باهتة : اتفضل .. دي مش بتاعتي وماكنش المفروض البسها وهي من حق واحدة تانية
رمق ياسر الخاتم الذي في يده بتعجب ، وخاطبها باستنكار : هالة .. انتي منفعلة دلوقتي بلاش قرارات نندم عليها بعدين عشان شوية حكايات في بالك مالهاش اساس
هالة بإبتسامة حزينة : بالظبط هي فعلا كانت حكاية وكل حكاية وليها نهاية .. بس تصدق انا كنت عارفة النهاية قبل ماتبدأ الحكاية دي بس كنت بقاوح مع نفسي
قالت هالة ذلك لتهم بالرحيل ، لكن قبضته على معصمها منعتها ، قائلة بنبرة غاضبة : استني هنا .. انتي عمالة تجيبي كلمة من الشرق وكلمة من الغرب ومش مدياني فرصة ادافع فيها عن نفسي ولا عايزة تسمعيني
نظرت هالة إلى يده بارتباك ، وتحدثت بأهدأ لهجة تملكها ، وأشارت إليه بحزم : الكلام بينا خلص خلاص لو سمحت سيبني امشي
هز ياسر رأسه بالنفي ، وشدها إليه اكثر ، قائلا بحده حاسمة : مش قبل ماتسمعي اللي هقوله
لم يترك لها أي مجال للرد ، بل سحبها خلفه إلى الباب الخلفي للسيارة ، وقال بنفاذ صبر : اتفضلي اركبي
هل أصابه الجنون؟ هذا ما كان يدور في رأسها ، من تحوله المفاجئ ، لتهتف بارتياب ، وكأن أذنيها لا تسمعان ما أمرها به؟ : هو انت مسكني كدا ليه؟
صر ياسر علي على أسنانه ، وهو يشدد قبضته عليها ، وقد وصل سخطه منها إلى أقصى حد ، وهو يتمتم بتحذير : الناس بدأت هتتفرج علينا خلينا نروح نقعد في حتة ونتفاهم
وضعت هالة يدها على يده ، تحاول أن تدفعه عنها ، وكانت على وشك الرد ، لكن قاطعها جسم ضخم وقف كالحاجز بينها وبين ياسر ، وقال بصوت رجولي بارد : مش من الاصول تسحب بنات الناس من ايدها في الشارع وتركبها العربية وبالعافية ماينفعش
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
في غرفة ابريل بالمستشفي
مرت عدة دقائق ، وهما يستمعان إلى صوت صنبور الماء من داخل الحمام ، فيما جلست إبريل بجوار باسم ، تهز قدميها بحركة متوترة ، وعيناها على باب الغرفة ، رمقها باسم بنظرة خاطفة ، وهو يعلم ما يدور في ذهنها.
_اذا وجودي مش مريحك فانا ممكن أمشي
قال ذلك بهدوء خبيث ، ثم نهض من مقعده ينوي الذهاب إلى الباب ، لكن أبريل انتفضت بسرعة خلفه ، وتلقائيا تشبثت بذراعه لتمنعه من الخروج، قائلة بلهفة متوترة : هتروح فين .. انت هتسيبني هنا وسطهم لوحدي خليك وانسي مؤقتا للي كنا بنقوله
كتم باسم ابتسامته ، وهو يحاول الحفاظ على ملامحه الجدية ، بينما كان يستمتع بعنادها الذي تتمسك به بإستماتة ، فرفع وجهه إلى أعلى وكرر بمكر : مؤقتا ها .. لا يا ستي ماتجيش علي نفسك كدا .. شكلي فرضت نفسي عليكي اكتر من اللزوم ودي مسائل عائلية وانا غريب!!
ردت ابريل بإرتباك : عادي مفيش مشكلة اذا قعدت
جلس باسم علي كانت حافة الأريكة ، فأصبح مستوى طولها تمامًا ، وتساءل في دهشة : تغيير مش متوقع صراحة .. بس عارفة الجملة دي ناقصة حاجة
عقدت ابريل ذراعيها الي صدرها ، وتساءلت بعدم فهم : ايه بقي؟
تأملها عن كثب للحظات قبل أن يقول : احساس واحترام
ارتفع حاجبها بتعجب ، وهمست بتساؤل : انت بتتلكك بقي
رفع باسم حاجبه بحركة مماثلة ، وأجابها بتحدي هامس : اه بتلكك .. قولتي ايه؟
زفرت أبريل الهواء بضيق يظهر مدى الحنق الذي يشتعل في عروقها ، قالت بتبرم : لو سمحت ممكن تخليك
هز باسم رأسه بعدم رضا ، وقال بإبتسامة جانبية : بنفس عشان اصدقك
مضت عدة ثوان أدارت بهم وجهها إلى الجانب الآخر ، لتتنفس بعمق قبل أن تنظر مرة أخرى إلى عينيه الرماديتين الداكنتين ، ثم تحدثت بصوت رقيق مملوء بالرجاء الصادق : ممكن لو سمحت تفضل معايا وماتسيبنيش هنا لوحدي
تبادلا النظرات للحظات بين الحاجة والقلق والرضا والصمت ، قبل أن يقرب شفتيه بجوار أذنها ، لتتغلغل رائحتها الرقيقة إلى رئتيه ، وهمس فى تساءل شارد بصوت حاني جعلها ترتجف كأنه يحادث نفسه : اسيبك و اروح علي فين؟
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
أمام غرفة في ممر المستشفي
جر قدميه إلى خارج الغرفة منهكاً ، وعيناه غير قادرتين على رؤية أي شيئاً مملوءتين بالحزن ، وكلماتها القاسية لا تزال تتردد في أذنيه ، مما جعل حياته سوداء كالليل المظلم ، لكن قلبه الهادر باسمها سيظل متمسكًا بالأمل ، ربما تحدث معجزة سحرية حتى يعود حبيبته بين ذراعيه مرة أخرى.
افاق عز من حالته علي صوت يهتف بأنفاس لاهثة : ماما
رأت سوسن ابنها قادماً بخطوات واسعة نحوهم ، وعندما وصل إليهم قالت بتعب : تعالي يا حازم شوف اللي جرا لأختك؟!
التقط كفها الباردة بين يديه ، يربت عليها بلطف ، ويقول لها في حرج : معلش اتأخرت عليكم غصب عني
تسأل حازم بقلق : طمنوني ايه اخبار مني عملت في نفسها كدا ليه ؟
سوسن بمرارة متجاهلة وقوف عز ودعاء الصامتة : حالتها لا تسر عدو ولا حبيب .. اختك مدمرة علي الاخر
اول ما تقدر تقف علي رجليها هاخدها ونسافر علي الشرقية
سارع عز بالتدخل بشكل فظ : تسافر ازاي يعني يا حجة..
حازم بهوادة : استهدي بالله يا عز .. اكيد مني محتاجة تغير جو و السفر هيساعدها
أطلقت سوسن تنهيدة ساخرة ، ولم تعجب عز نبرة التهديد منها عندما تحدثت بحزم : اسمع يا عز قدام الكل بقولك بنتي ورقتها توصلها لحد عندها و متتقربش منها تاني كفاية للي جرالها بسببك لحد كدا
تدخل حازم يقول بإستنكار : اهدي يا ماما طلاق ايه بس؟
قالت سوسن بجفاء مغمور باللوم : اسأل جوز اختك ولا اقول طليقها بعد ما رميت عليها يمين الطلاق امبارح
تكلم بخشونة تضاهي سوداويته الحادة : اسمع يا حازم خلاص انا موافق انها تسافر عشان تهدي اعصابها وتعرف تفكر كويس بس مش هطلقها رسمي الا لما تبقي متأكدة من قرارها و اي حاجة هي عايزاها انا هنفذها و دا اخر الكلام..
مشى بجانب أمه بضيق شديد ، وقلبه يغلي غضبًا وقهرًا، لا يصدق أنه سيسمح لها بالابتعاد عنه ، لا يستطع تحمل فكرة الفراق عنها بتلك السهولة ، لكن كان عليه أن يمنحهما فرصة للتفكير والاسترخاء ، ربما تغير قرارها الذي اتخذته عن مستقبلهما معًا.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
في شقة زينب ام احمد
_اه يا ركبتي بقالي يا اختي مدة ركبتي بتنقح عليا العيال وطلباتهم هدت حيلي
قالت ذلك أختها بنبرة متعبة ، بينما كانت تجلس معها في غرفة المعيشة ، فخاطبتها زينب بلطف : سلامتك يا حبيبتي ابقي فكريني وانتي نازلة اديكي اسم مرهم هيسكنلك الوجع
ردت بإبتسامة : تعيشي يا قلبي .. طمنيني صوتك في التليفون قلقني خير حصل ايه .. انتي وغوشتيني اوي
خفضت زينب عيناها ، قائلة بتنهيدة يتخللها الاسي : مش خير خالص يا سناء .. انا في غلب من ساسي لراسي يا اختي وضغطي واطي وتعبانة اوي
سناء بفضول : سلامتك .. غلب ايه .. خير كفالله الشر
.. هو مش احمد اسم الله عليه رجع من السفر وخدتيه في حضنك واطمنتي عليه قلباها محزنة ليه بقي؟
زينب بتبرم : يا فرحتي برجوعه .. رجع وناوي يخرب بيته بإيده
_مش فاهمة حاجة؟
روت لها زينب بسخرية الحديث الذي دار بينها وبين أحمد بعد قراره السفر إلى القاهرة : امبارح فتحني في سيرة اللي ماتتسمي
حكت سناء طرف حاجبها بحيرة : قصدك علي مين؟
هتفت زينب بنزق : البت ابريل هو في غيرها ماتتسمي
لوت سناء شدقها بعدم رضا : ايه اللي فكروا بيها تاني .. مش اتقفلت السيرة دي من يجي اربع سنين .. من يوم مافركشتي خطوبتهم والغندورة سافرت عند ابوها وخلصتو من همها وابنك بسم الله ماشاء الله عليه اتجوز وخلف وارتاح قلبك
هزت زينب رأسها بنفي عدة مرات ، وقالت بحسرة : مفيش حاجة اتقفلت يا سناء يا اختي
_يعني ايه الكلام دا ياختي معقولة لسه حاطتها في دماغه
_الله يسامحك يا ابن بطني .. من لحظة ما عرف ان المحروسة خطوبتها اتفسخت والموضوع رجع يشعشع في نفوخه من تاني
سناء بإستفهام : طيب ومراته؟
ردت بإبتسامة متكهمة ممزوجة بالقهر : بيقول ان معندوش حاجة تمنع و يقدر يفتح بيتين .. الحكاية دي تدخلنا في خناق ومشاكل من تاني مش عارفة اعمل ايه
سناء بدراما : يا خبر زعلتيني ليه كدا هي مراته مالها ماهي زي القمر وبتحبه وتتمنالو الرضي يرضي
_اهو اللي حصل مش راضي باللي مقسوملو و كل ما افتح بوقي يقلبلي خلقته .. كأنه بيقولي انتي السبب يمه وانا سيبتها عشان خاطرك .. بس لسانه مابينطقش .. وانا قلبي حرقني عليه يعني كنت مفكرة لما يتجوز ومراته تبقي في بيته هيركز معاها وينسي ابريل وايامها
_يا زينب ماهو دا الطبيعي مش سهل علي البني ادم ينسي حد كان بيحبه ومتعلق بيه خصوصا انهم متربين مع بعض من صغرهم
زينب بضيق شديد : مش عارفة مش عارفة اعمل معاه ايه بس يا خوفي لا ينخرب بيته ويرجع يندم
ربتت سناء علي كتفها بمواساة يتخللها اللامبالاة بالأمر : ان شاء الله خير اهدي انتي بس
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
في غرفة ابريل
_الله الله واضح ان صحتك ردت لابسة ومحضرة شنطتك كمان ايه كنتي عايزة تكرريها تاني مش كدا يا بنت
صاح فهمي مستنكرا بشدة بعد أن اقتحم الغرفة وسلمى خلفه ، ثم واصل حديثه الغاضب : ومعناه ايه اللي منشور في الجرايد وعلي المواقع دا يا ابريل يعني ايه انتي تعلني للصحافة انكو مخطوبين حتي قبل ما يتقدملك في الحفلة ممكن تفهمونا؟
وزع فهمي نظراته بينهم ، ليبادر باسم بالتحدث بصوت هادئ : ممكن تقعد يا عمي وتهدي عشان نعرف نتكلم
بدأ يغزو الارتباك كيان أبريل ، لذا حاولت الحفاظ على بعض الهدوء والاستقرار الإنفعالى ، وهي تسأل بصوت متقطع : هو مين قال اصلا اني هربت؟!
فهمي بنفاذ صبر : اومال ايه كل اللي حصل دا ايه تقدري توضحيلنا؟!
حركت قدميها نحو السرير ، وعقلها يعمل بأقصى سرعة حتى جلست على مسافة قليلة من باسم ، وكأنها تبحث عن ملجأ آمن بجانبه ، وأجابت بتوتر : حصل بالغلط غصب عني .. كنت مضايقة ومخنوقة من القعدة في الاوضة لوحدي .. لاقيت نفسي بلبس عشان اروح الخطوبة
استنكرت سلمي بعدم إقتناع : اومال مين ولع في الفستان ان شاء الله .. كانت الولاعة بتعمل معاكي ايه من الاساس؟!
أخبرتها ابريل بلهجة مغلفة بالثبات والثقة : كانت هدية من مصطفي .. كنت رامية الفستان علي الارض من عصبيتي .. واظاهر ان شبكت فيه النار لما وقعت مني الولاعة من غير ما اخد بالي وانا خارجة .. ولما خرجت لاقيت الامن بيجروا ورايا فاتخضيت وجريت منهم لحد ماوصلت لفيلا اونكل صلاح .. وهناك قبلت باسم وهو اللي فجئني بطلب جوازه مني وقتها اتجمع المصورين علينا وسمعونا معرفناش نوضحلهم حاجة وكل حاجة حصلت بسرعة
سلمي بسخرية : واحنا المفروض نصدق التمثيلية العبيطة بتاعتك دي
اندفعت ابريل تقول بنبرة قوية ذات مغزي : زي ما انا صدقت تمثليتكم الخايبة ليا
صرخ فهمي بعنف على إثر ذلك انتفضت ابريل وشحبت بخوف : شكلك مش حاسة بالفضيحة اللي حصلت بسببك لينا ومصطفي ولأهل باسم كمان
ضاقت عيناها بدهشة حقيقية ، وهي تجيبه بدفاع عن نفسها : فضيحة ليه؟ انا معملتش حاجة اخاف منها .. ومصطفي مالوش عندي حاجة خطوبته وفسختها لانه واحد كداب وغشاش .. وقرار خطوبتي من باسم محدش له انه يدخل فيه دي حياتي ومن حقي انا اللي اختار اعيشها ازاي؟
زجرها فهمي بصرامة حانقة : اخرسي يا بنت انتي جايبة البجاحة دي منين .. بقي دا جزائنا علي اللي بنعملو عشانك يا بنت الهام
سارع باسم بالتحدث بدفاع : فهمي بيه المكتوب دا كلام جرايد ومتفبرك .. اظن انك المفروض تكون اكتر واحد فاهم كدا كويس .. المهم دلوقتي نحضر في اسرع وقت ترتيبات الخطوبة عشان نقفل علي اشاعات طلعت دي نهائي
ريهام بإنخراط في الحديث : وانت تعرفها اصلا منين يا باسم وامتي عشان تتقدملها وليه عايز تتجوزوا بالسرعة؟
تابعت ريهام بخبث خفي : الا اذا انتو حصل بينكو حاجة وعايزين تتجوزوا عشان تداروا عليها
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
في شقة تحية
_تفتكري يا ماما يعني لو كان جاب البنت دي من ابريل مش الحياة كانت هتبقي احسن هتبقي متشحططة معاهم كدا
هزت تحية رأسها بسرعة مستنكرة بشدة ، وقالت : استغفري ربنا يا صابرين لو دي من الشيطان يا صابرين .. دي ارادة ربنا هو اللي بيوفق وهو اللي بيفرق .. يلا ربنا يكتبهم الخير كلهم ويوفق كل واحد في حياته
_اللهم امين يارب العالمين
تابعت صابرين بإغتياظ : بس انا برده لحد انهاردة مفروسة من زينب .. فضلت تزن علي ودانه بكلام فارغ قال ايه .. ابريل دي عاملة زي الطير المهاجر من عشه وبكرا تتلوي عليك لو صالحتها ونفذتلها طلبها وهتركبك وتسوق هي .. وشحنته كلام زي الزفت في حق البت الغلبانة .. ومفيش شهر وراحت خطبيتلو نادية وقال ايه احنا هنجوزهم بسرعة البت اهلها مجهزينها من الابره للصاروخ و هي موافقة ماتكملش بعد الثانوية كمان عشان خاطر عيونه وفي الاخر اهو بقي بيسيبها بالشهور لوحدها وبيطل عليها شهر واحد في السنة بالذمة دا مش حرام عليه
تحية بتنهيدة : الله يصلح حالهم هنقول ايه دا النصيب .. فكرتيني صحيح من ضمن حجج مرات اخوكي اللي مابتخلصش عشان تسم بدنها .. ابريل مش فاضية تجهز نفسها وملخومة في دراستها الله يهديها ويسامحها
صابرين بتأكيد : ابريل عزيزة النفس وكانت مابتتكلمش عن جهازها دا خالص ولا بتجيب سيرته
تحية بقلة حيلة : الله وحده يعلم الحال كان ممشينا بالعافية انا لو عليا كنت جبتلها الدنيا عندها
_بس بابا الله يرحمه ليه فضل رافض خالص انها تشتغل رغم انها كانت بتزن عليه كتير
_ابوكي ماكنش عايزها تتبهدل عشان صحتها ومذاكرتها ماتتأثرش مش هتبقي خربانة من كله .. واختك الله يسامحها مابتسألش في بنتها حاطة ايديها في الميه السقعة وابوها يدوب بيبعتلها مصاريف دراستها بالمعافرة والمحايلة كأننا بنشحت منه
صابرين بخفوت : يلا في الاول و الاخر دا نصيب يا ماما
ابتلعت تحية تلك الغصة بحلقها قبل أن تردف : ايوه بس انا لحد دلوقتي قلبي مش مسامحها خالص .. ابريل السنة دي اخدت الشهادة الكبيرة وزي ما زينب كانت عايزة احمد يتجوز عشان تشوف عياله اهو اتجوز من اربع سنين وعنده بنوته ربنا يخليهاله بس اهو مش راضي بعيشته وسابلها البلد كلها وسافر استفادت ايه بأنانيتها دي؟
هزت صابرين رأسها بالايجاب ، وهي تقول بأسف : ربنا يهديهم يا ماما اهدي انتي وروقي لا ضغطك يعلي مش ناقصين .. هتعملي ايه في تفكير زينب يعني امه وماحليتهاش غيره ومتمسكة بيه اوي .. و من زمان وهي مش متقبلة حبه لإبريل و كانت بتغير منها خصوصا بعد ما بقت خطيبة ابنها
تحية بإنفعال طفيف ينم عن شدة القهر الذي تشعر به علي صغيرتها : هي اللي عقلها صغير ومابتفكرش غير في نفسها .. كل دا عشان معاملته كانت كويسة معها ومراعي ظروفها استكترت علي البت تفرحلها شوية
اهتز صوتها في نهاية العبارة بالحزن ، فتربت صابرين على فخذها بلطف قائلة بضيق : هو دا مربط الفرس يا ماما .. ظروف ابريل و دلعها مننا كلنا .. البنت حلوة شكلا ومضمونا والناس اللي حواليها بيحبوها و مهتمين بيها وكأن الكون بيدور حوليها دا خلي زينب تفكر ان ابنها هيبعد عنها ويقرب من مراته حبيبته وتكون وخداه من امه طول الوقت
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
في غرفة ابريل
حثتها سلمي لتجيب علي سؤال ريهام : ما تردي يا ابريل
سارع باسم بالرد بدلا منها بصوت حازم : ترد تقول ايه علي العك اللي بيتقال دا .. وبعدين عيب يا فهمي بيه تكون مش عارف بنتك ولا واثق في اخلاقها بالمنظر دا
كانت إبريل تحدق في والدها بعينين دامعتين ، و قلب مفطور ، مستوحش بألم الوحدة ، ثم ردت بصوت مقهور مشوب بالخذلان : رد يا بابا هو انت فعلا تعرفني .. لا ماتعرفنيش .. انت عمرك مرة في يوم من وقت ماجيت اعيش عندكو سألتني عن انا كويسة حاسة بإيه بفكر في ايه او لو حاجة مزعلاني او تعباني؟
تغيرت نبرتها في أقل من دقيقة ، وكأن شحنة كهرومغناطيسية استحوذت عليها ، لتتابع بقوة غريبة : و مش هسمح لأيا كان يجبرني علي شئ رفضاه مهما حصل وانا حرة في اختياري
صكت علي بأسنانها خوفا ، وعلقت بقية الحروف في حلقها بمجرد أن تحدث فهمي بسخط شديد : صحيح انتي قليلة الرباية يا بنت الهام
رفع فهمي ذراعه ، وهو ينوي أن يصفعها ، لأنها تمادت في الحديث معه بهذه الحدة الجريئة منها ، ولكن فجأة باسم رمح كالسهم الحاد ، ليقف بينهما قبل أن يصل كف فهمي إلى خد إبريل التي انكمشت بخوف ، وهي تتوارى وراء باسم بصدمة.
رمقه باسم بجدية ، وهو يمسك بذراعه ، وخرج صوته شديد البرودة ، كنسيم هادئ قبل هبوب عاصفة مخيفة : اظن من باب اولي نهدا عشان نعرف نتعامل مع دستة الصحافيين اللي مستنين ع باب المستشفي ومنتظرين لحظة خروجنا واللي حضرتك عايز تعمله مايصحش ولا هيوصل لنتيجة سليمة ولا هسمح انه يحصل للانسانة للي هتبقي مراتي وعلي اسمي
فهمي بزمجرة ، وهو يسحب ذراعه من قبضة باسم : ايه هو اللي ماتسمحش وتسمح .. اتفضل ابعد عن طريقي وماتدخلش بيني وبين بنتي
رفع باسم حاجب واحد بتحدي ، ثم خاطبه برسمية : افهم من كدا انك شايفني ماستحقش شرف نسبك يا فهمي بيه
فهمي بصوت مضطرب : اكيد مكنتش اقصد كدا .. لكن ازاي عايز عايز تتجوزها وهي مخطوبة و..
ضيق رماديتيه الذئبية بتفكير ، ثم تساءل بلهجة غامضة : كدا الكلام متغير ومش متركب علي بعضه لحد امبارح كانت مفسوخة خطوبتها وانت موافق عليا ايه اللي اتغير .. في ايه بالظبط !!
خرجت الكلمات من فم فهمي مثل قنبلة موقوتة ، حان وقت انفجارها : في ان مصطفي رجع من السفر و زمانه جاي علي هنا
اتسعت فيروزيتها من الصدمة ، وهى مازالت تحتمي بظهر باسم ، و تستمع إلى حديثهما بذهن شارد وإحساس دافئ بالأمان يتسرب إلى ثنايا قلبها الهادر بقوة ، حيث لأول مرة منذ رحيل جدها تشعر أن سندها يعود من جديد ولا يستطيع أحد أن يؤذيها طالما هو معها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية جوازة ابريل) اسم الرواية