رواية جوازة ابريل (2) الفصل الرابع عشر 14 - بقلم نورهان محسن
الفصل الرابع عشر ( قطة بين الوحوش ) ج2
الغدر هو أحقر الجرائم الإنسانية وأكثرها خسة لأن الإنسان يستطيع دائماً أن يفعل ما يريد في مواجهة الآخرين وليس من خلفهم ، فلا تتعاطف مع أشخاص فشلوا في الإحتفاظ بك ، ولا تصدق أن غفرانك الزلات يزيد من حجمك في أعينهم ، فقد انتهى زمن الكريم الذي إذا أكرمته ملكته ، والبكاء على الأطلال يمنحك بعض الدراما اللذيذة ، لكنه لا يأخذك لأي مكان التجاوز هو مفتاح العبور لمرحلة جديدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فى سيارة نبيل الترابلسي
كان السائق يقود سيارة نبيل بهدوء متوجهاً إلى المستشفى ، فيما جلس صاحب العمل في المقعد الخلفي وزوجته بجانبه ، حتى قطع الصمت فجأة بصوته وهو يقول بنبرة الندم : احنا سبب كل اللي حصل؟!
إستفهمت هناء بعد أن أثار دهشتها بكلماته المفاجئة : قصدك ايه
استأنف حديثه موضحًا ، وعذاب الضمير يفتك به : اتحولنا انا وانتي ناس انانية .. من خمس سنين من يوم ما حنين شالت الرحم بسبب الورم بعد ولادتها التانية لتالا واحنا بنضغط علي مصطفي عشان يتجوز تاني فضلنا من كل جهة ننخر في الخشب لحد ما كرهها وكره حياته بعد ماكان راضي بنصيبه ومكتفي بمراته والبنتين
صمتت هناء لبعض الوقت قبل أن تبرر الموقف بالإنكار ، متجاهلة صوتا بداخلها يؤكد صحة أقوال زوجها : احنا كنا بنعمل كدا عشان مصلحته يا نبيل اي ام واب من حقهم يسعوا في اللي في مصلحة ابنهم وفلوسه
هز رأسه بقلة حيلة وهو ينظر من خارج النافذة ، وقال بأسي : و ادي النتيجة يا هناء دنيا ابنك بتتهد فوق دماغه ودماغنا وحتي الشغل بيتدمر عشان مابقاش مركز فيه واللي كانو مستنين له غلطة عشان يسنو اسنانهم عليه استغلو نقطة ضعفه عشان يخسروه كل حاجة
طرق الهلع والخوف باب قلبها على ابنها ، وانعكست مشاعر التوتر على وجهها ، عندما تحدثت بصوت مضطرب : ماتشيلش نفسك اكتر من طاقتها يا نبيل .. ضروري هنلاقي حل .. وبعدين حنين كمان كانت تصرفاتها الاخيرة معانا مستفزة وكل مناسبة تجمعنا بقت تتعمد ماتحضرهاش عشان مانشوفش مصطفي ويكون وسطنا لو مش ملاحظ هو من يوم ما انفصلو عن بعض واغلب وقته معانا
نبيل بإعتراض مثقل بالضيق : ماتحطيش مبررات لغلطتنا يا هناء احنا للي خربنا حياة ابنك من كتر الوسوسة في ودانه .. من تدخلنا في حياته مع حنين لحد تدبيرنا مع قريبتك ومقابلته بإبريل وخطوبته ليها ظلمنا بنت مالهاش ذنب عشان انانيتنا ودلوقتي كلنا بنرمي اللوم علي رد فعلها
أقرت هناء بنبرة منخفضة : مانكرش اني لما شوفت ابريل عجبتني وكلمت سلمي عليها .. بس هو بعدها اعجب بيها وهو اللي طلب مانقولهاش علي جوازه من حنين لحد ما يعرفها بنفسه
نبيل بعبوس أشد : ودي كانت اكبر غلطة غلطناها .. كله عك في عك .. ياريتنا ماسكتناش بسبب كدبته دي اتفضحنا كلنا و سمعتنا هتبقي في الارض
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى نفس الوقت بالمستشفي
داخل غرفة ابريل
_عمالين نضيع الوقت في كلام لا هيودي ولا هيجيب .. بدل ما نفكر ازاي نمنع الفضيحة اللي هتحصل لما مصطفي يتأكد انك اتخطبتي لغيره!!
رددت سلمى تلك العبارة بلهجة حانقة ، فإنجلى الاستنكار من عينيها الفيروزيتين اللامعتين بالغضب ، وهي عقدت ذراعيها أمام صدرها ، ثم قالت إحتجاجاً : ولو عرف يعني هيعمل ايه !! مين اللي لازم يخاف مين اللي غلط في حق مين الاول مين خبي وكذب!! ليه عايزيني اسكت وماوجهش هو مالوش عندي حاجة يبقي اخاف واستخبي منه من الاساس ليه!؟
اتسعت عينا ريهام بذهول الكاذب ، وهي تسأل بتهكم ساخر : عايزة هتقوليله ايه؟! عايزة تخربي الدنيا اكتر من كدا خلاص سيرتنا بقت علي كل لسان
تجهمت معالم فهمى بحنق ، وصاح بصوت نافذ الصبر : بنت انتي تسكتي خالص .. مش مكفيكي المصايب اللي عملتيها لحد دلوقتي .. ماسمعش ليكي حس وخليني اشوف صرفة لمصيبتك الجديدة دي
ضاقت عيناه الرماديتان من حالة العصبية المفرطة التي تظهر على فهمي قبل أن يسأل بحذر ولباقة مشوبة بالدهاء : اعذرني يا فهمي بيه في سؤالي .. بس ابريل عندها حق في كلامها .. هو ليه عندك ايه عشان تبقي متوتر اوي كدا منه؟!
تأكدت شكوكه فور أن توترت تعابير فهمي الذى بذل قصارى جهده لإخفائه كما قال بصوت مرتعش : ولا حاجة طبعا لكن .. لكن مايصحش اللي حصل .. ولا اي راجل هيقبل ان خطيبته تسيبه بدون معرفته وتتخطب لواحد غيره بين يوم وليلة كدا
ظلت ملامح باسم هادئة ، وهو يوزع نظراته على الجميع ، ثم زفر الهواء من فمه قبل أن يتحدث بجدية : طيب خلينا نخرج من هنا الاول بدون شوشرة وبعدين نشوف حكايته
وافقه فهمي بهدوء : خلاص انا رايح الاستقبال ابلغهم مايطلعوش مصطفي علي هنا
_طيب علي ما تجهزي حاجتك يا ابريل .. انا وريهام هنروح نطمن علي مني مرات ابن عم باسم مش هنتأخر .. وانت يا يوسف روح هات اذن من الدكتور عشان ناخد ابريل ونرجع البيت
أنهت سلمى جملتها بهدوء ، فاكتفت أبريل بالرد عليها بإيماءة صغيرة ، ولم تخرج من شرنقة المراقبة الصامتة التي وقعت فيها مستسلمة لأرائهم ، فماذا عليها أن تفعل إذا أصروا على توجيه مسار حياتها كما يريدون؟
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
خلال ذلك الوقت أمام بوابة المستشفي
عند هالة
قاطعها جسم ضخم وقف كالحاجز بينها وبين ياسر ، وقال بصوت رجولي بارد : مش من الاصول تسحب بنات الناس من ايدها في الشارع وتركبها العربية وبالعافية ماينفعش
بهتت هالة مصدومة ، بينما جهر ياسر بإستنكار : دي خطيبتي يا استاذ .. ثم انت تطلع مين عشان تدخل في شئ مايخصكش؟
_مبسوطة دلوقتي خلتينا نسمع كلمتين مالهمش لازمة من اللي رايح واللي جاي
قطب الأخر جبينه بعبوس الآخر عند سماع تلك الكلمات الفظة من ياسر ، ليهندم ياقة قميصه بكبرياء ثم قال بنبرة لبقة : لو عايز تعرف انا مين مفيش مانع .. اعرفك بنفسي انا الدكتور فريد عبدالعزيز
ياسر بعنجهية : ومين يعني الدكتور فريد؟
ظهر شبح الابتسامة على شفتيه المقتضبة بسبب أسلوبه الاستفزازي قبل أن يرد بثقة وثبات عاطفي : عبد من عباد الله يا ريس وعلي باب الله كمان .. بس الحمدلله ربنا اداني رجوله ونخوة اللي زيك مايسمعش عنهم ومستعد اعلمك الاحترام عشان شكلك نازل من بيتكو ماتعرفهوش
تجهمت ملامح ياسر بحدة ، منقلباً الوضع بينهما ، ليهتف بسخط نافذ الصبر : محترم غصب عنك .. و دي امور شخصية بين واحد وخطيبته ايه يدخلك فيها؟
تصاعد غضب فريد أكثر من إستخفاف ياسر ، ليهدر بخشونة حاسمة : دا مش بس ادخل واكسرلك ايدك كمان اللي اتمدت وسحبتها بالمنظر دا .. وايا كانت صلتك بيها في اسلوب متحضر تتكلم بيه .. لكن واضح انك واحد محترم في بدلتك بس
استحوذ الاضطراب تماما على هالة التي شعرت بجفاف شديد يجتاح حلقها ، وهي تتابع أنظار المارة إليهم قبل أن تجد صوتها في نبرة مترجية : دكتور .. خلاص لو سمحت الناس بدأت تتفرج علينا .. دا مجرد سوء تفاهم مفيش حاجة
تجلجلت ضحكات ياسر الساخرة ، وهو يصفق متهكماً : والله برافو عليكي .. كمان لحقتي عينتي بودي جارد لحراستك مني؟!
كاد فريد أن يندفع نحوه يريد أن يلقنه درساً قاسياً غير مبالياً بمكان وقوفهم ، لتشعر هالة بما يفكر فيه ، وكاد قلبها ينفطر من صدرها من التوتر ، بينما كان صوتها يرتعش وهي تناشد إلى أدنى ذرة متبقية من العقل في الرجل الآخر : ياسر احنا كبار بما فيه الكفاية .. ارجع لوعيك من فضلك واكلم بعقل .. انت مش حاسب حساب لكلامك ولا للمكان اللي واقف قدامه .. امشي لو سمحت كفاية لحد كدا
_ماشي يا هالة .. بس اتأكدي للي حصل دا هيكون ليا رد فعل عليه مش هيعجبك وكلامي هيبقي مع اهلك
لم تهتم هالة بتلميح التهديد في نبرته ، واستطاعت أن تتنفس الصعداء بمجرد أن رأته يعطيهم ظهره ، ليصعد إلى سيارته.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
بعد فترة وجيزة في غرفة ابريل
كانت منحنية ، وتضع متعلقاتها الشخصية في الحقيبة وهي شبه تائهة فى أفكارها ، داهمها شعور الدوخة من جديد ، فاستندت على السرير بكلتا ذراعيها ، وجلست عليه ببطء ، بينما كان باسم يقف أمام النافذة ينظر إلى الصحفيين الذين ما زالوا أمام المستشفى.
أدار باسم رأسه ، وهو يقول ذلك ، فاتسعت عيناه في دهشة ، ليهرول نحوها قائلا بقلق : ايه مالك انتي تمام؟!
هزت ابريل رأسها ردا على سؤاله بإشارة صغيرة، وهي تغمض عينيها ، أراد وضع يده على ظهرها بتلقائية ، لكن تراجع فى أخر لحظة ، ليسألها بهدوء : اتضايقتي من كلامهم مش كدا؟!
اجابت بإقتضاب : انا كويسة
_طيب تعالي نقف عند الشباك عشان تشمي شوية هوا يريحوكي
أنهى باسم كلماته الهادئة ، وفي الوقت نفسه لف ذراعه حول خصرها ، ممسكاً يدها في الكف الأخرى ، ليساعدها على النهوض بخفة ، دون إعطائها المجال للاعتراض.
وقف كلاهما ينظران إلى الخارج في صمت تام ، بينما كان لا يزال محتفظًا براحة يدها في يده ، ومن يرى موقفهم سيستنتج أنهم في وئام كبير معًا.
قطعت أبريل هذا الصمت قائلة بامتنان ، وهو ما أحسه في رقة نبرة همسها : متشكرة و عارفة ان انت ملكش ذنب انا اللي ورطتك في مشكلة ماتخصكش و..
باسم بتمتمة : انتي عايزة ترجعي لخطيبك؟
رفعت رأسها إليه بارتياب بمجرد أن فاجأها بسؤاله الذى لم تفهم مقصوده منه ، فجاءت إجابتها المندفعة تذهله ، وهي تتراجع خطوة إلى الوراء : لا
_لسه في حاجة مش فهمها .. لما انتي عندك جدتك في المنصورة ليه عايزة تسافري دبي؟!
شردت بنظراتها للأمام ، وهي تفكر في إجابة سؤاله ، بقدر ما افتقدت حنان جدتها ، لكن يصعب عليها الذهاب إلى هناك ، خاصة في ظل وجود أحمد ، لا تعرف ماذا ستفعل لو رأته وهي في قمة ضعفها ، ولا تريد أن تتخذ قراراً تندم عليه بقية حياتها لمجرد إحتياجها للأمان.
اخرجت تنهيدة مثقلة ، وهي تجيبه بإختصار : العيشة بالمنصورة ماتناسبنيش وصعب كنت افضل عايشة مع بابا بعد اللي حصل..
كان على طرف لسانه أن يسألها عن والدتها ، لكنه تراجع ينظر إليها بتردد ، حالما أضافت بنبرة غامضة مزقت أوتار قلبها سرا : مالقتش حل غير السفر في كل الاحوال مفيش هنا مكان بنتمي ليه
أشفق باسم عليها ، وقال عمداً ، وكأنه يتحدث إلى نفسه : بس الهروب من مكان لمكان عشان موقف حصل دا مش هو الحل السليم!!
علت إبتسامة غبر مبالية ثغرها الوردى ، مستهزئة بإحتقان : مابقتش فارقة .. المهم ان بسببي ورطتك وورطتني اكتر وخلاص مبقاش فيه ليا مهرب..
لمعت عيناه دهشةً من تقلب مزاجها السريع ، وضحك بخفة على تذمرها اللطيف قبل أن يسأل : لسه حاسة بالدوخة؟
_بدأت تروح .. هو ممكن اطلب منك طلب؟!
استقطب حاجبيه الكثيفين مستفهماً : ايه؟
تلجلجت كافة خلاياها ، وهى تقول بإستحياء : ينفع تنزل تلحق علبة الشيكولاته قبل ما حد ياخدها يعني مش هتبقي خسرانة من كله
إستعحب باسم من طلبها اللامنطقى ، واستفسر بإرتياب : دي لعبة جديدة عشان تخلعي ولا ايه؟
تنفست بصوت عال ، وهى تتكهم بإستياء : هخلع ازاي وفي طقم الصحافيين دا في انتظارنا؟
أمسك برسغيها على حين غرة ، ليهزها بتمهل ودمدم سخطاً : وكنتي بترميها ليه لما عينك فيها؟
ابريل بتهكم واضح غافلة عن كونها بين براثن الذئب : ما انا رميتك انت شخصيا واهو بقينا مدبسين في بعض
رفع حاجبه متجاهلاً ما قالت ، وتابع بغموض : طيب عشان نبقي واضحين .. في حاجة مهمة لازم تعرفيها عني كويس..
_واللي هي ؟!!
انفرج ثغره مشكلاً إبتسامة مغترة بزغت فى قوله : انا مبقولش ولا بعمل حاجة من غير مقابل..
تخصرت ، وهي تتأمل ابتسامته اللئيمة ، لتسأله بغيظ مصحوبًا بتعبير مريب : وايه المقابل دا اللي انت عايزو يعني؟!
ازدادت نبضات قلبها شيئًا فشيئًا ، وتسمرت فور احتدت جرأته وهو يميل برأسه نحو وجهها ، ليتأمل ببطء جمال عينيها الفيروزية ، برموشها الطويلة التي ترفرف في إرتباك ، لينبس بخفوت مثير إمتزج بحرارة أنفاسه على شفتيها : ومالك اتوترتي كدا ليه يا ام لسان ونص .. ايه اللي خطر علي بالك؟!
أعقب عبارته الأخيرة بغمزة من إحدى عينيه ، ونتيجة لتلك الحركة استفاقت من الفقاعة السحرية التي خلقها حولها بأساليبه الجهنمية ، لتسحب نفسها من حصاره الطاغى ثم تذمرت بإستياء : انت مابتزهقش من اسلوب التلاعب بتاعك دا
راقب باسم إرتباكها بإستمتاع ، وهو يخبرها ببراءة : طبع ماعرفش اغيره
هزت ابريل رأسها بيأس ، واستدعت الهدوء فى قولها : طب اتفضل ممكن تنزل قبل ماتروح علينا
رفع باسم أكمام قميصه ، وهو يقترب منها بخطوات بطيئة ، راقبت بحذر المكر والتهديد الذي لاح في عينيه الذئبيتين ، وهو يقول بصوت منخفض أجش : هنزل بس اياك عقلك يوزك اا..
سارعت ابريل مقاطعة إياه ، بعدما تعبت من كثرة المجادلة معه : والله مش هيوزني خلاص
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
في ذات الوقت
عند الإستقبال
_سجلوا عندكو خناقة بعد كام ساعة من تلبيس الدبل
دكتور ياسر ودكتورة هالة استند باي فركش
هذه العبارة نطقتها ممرضة في منتصف العشرينيات من عمرها بعد أن اقتربت منهم بسرعة من الخارج ، لتسأل إحدى الممرضات في حيرة : بتقول ايه المروشة دي؟
ضحكت أخرى ، وهى تقول بدهشة : ماتاخدي نفسك الاول وبعدين اكلمي عشان احنا مش فاهمين منك حاجة
التقطت أنفاسها ببطء ، وهي تهندم الحجاب فوق رأسها لتسرد بصوت منخفض ، وتلوح بيديها بحماس : الدكتورة هالة والدكتور ياسر كانو واقفين مع بعض قدام البوابة و وشوشهم مقلوبة وفجأة هي قلعت الدبلة واديتهالو
ضربت أحدهن خدها بذهول ، قائلة بشهقة : يا نهار كحلي عرفتي ازاي يا شيخة الحارة ؟
_شوفتهم بعيني وانا راجعة من عند مطعم الفول والطعمية
التزمت الصمت لثوان توزع نظراتها ، بينما تمط شفتيها للخارج وأردفت : لو مش مصدقني ابقو بصو علي صوابعها .. خرجت والدبلة منورة في ايدها و دخلت وصباعها فاضي
أحدهن بشفقة : يا عيني مسكينة دكتورة هالة والله
أضافت أخرى ، وهى تضع كفها على خدها : دي حظها فقري اوي صحيح مش دايما الجمال والمال نعمة
استرسلت الممرضة بإستفاضة : اخدو عين قوية وبكمالة النحس كمان واحدة من المعازيم تقع من طولها في خطوبتها ونقلوها علي هنا .. وفوق دا كله بدل ما تقعد تقضي ليلتها في رقص و هيصة قضيتها في العمليات مع الراجل ابو رصاصة دا
_يخربيتك سوسة بتعرفي دا كله منين؟!
تطلعت إليها ، وهى تكتف يديها بتكبر مصطنع ، لتنبس زميلتهم بحسرة : بجد اغرب خطوبة ممكن تعدي علي واحدة بنت الله يكون في عونها
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى هذه الأثناء
عند ابريل
كانت واقفة وذراعاها مطويتان ، وهي تحدق من النافذة ، وعقلها يتذكر كلام والدها المسموم لها عندما نعتها بلقب "ابنة إلهام" ، في كل مرة ينطق بها تشعر وكأنه يتعمد إهانتها ، فهو لا يعرف شيئًا عن علاقتها بوالدتها ، فيتردد في سرها صوت يسخر من حزنها : زعلانة ليه وهي دي حاجة جديدة يعني .. ما انتي عارفة ان فهمي بيه مايهموش حاجة غير نفسه وبس هيفرق عنده بنته اللي رماها زمان .. كنتي متعشمة ليه ان دا هيتغير دلوقتي وهياخدك في حضنه زي اي اب في الدنيا ما بيعمل مع بنته عشان يطمنها ويقويها .. ازاي الدنيا دي مايلة بالعكس كدا ؟! ازاي الغريب يدافع عنك واللي المفروض أقرب حد ليكي في الدنيا يعاملك زي المجرمين!!!
رفعت رأسها محدقة في السماء بنظرات مؤلمة ، والدموع الكثيفة كونت طبقة كريستالية على عينيها ، قاومت بشدة تلك الرغبة المتصاعدة فى البكاء ، فإذا ضعفت سوف يمضغونها إلى حد سحقها تحت أنيابهم القاسية.
تفاصيل حلمها البشع اخترقت جدران عقلها بقوة ، وزادت من شدة مقاومتها للانهيار الوشيك.
ظهرت على شفتيها ابتسامة ساخرة ، وسبحت أفكارها مستحضرة أحداثا من ذكرى ماضية ، مما جعل جراحها النفسية تنزف أضعافا مضاعفة.
flash back
آخر مكالمة جرت بينهما كانت منذ أربع سنوات ، ولم تكررها مرة أخرى ، بل استمرت في تجنب أي محادثة بينهما ، لن تنسى لها أبدًا عندما انهارت ، وصدمت من تخلي أحمد عنها بعد أن خيرتها بينه وبين استكمال دراستها الجامعية ، لتشعر بألم الظلم والعجز والضعف يشطروا قلبها دون شفقة ، وبدون أدنى تفكير ، التقطت هاتفها ووقفت أمام نافذة غرفتها في منزل جدتها ، لتبحث عن رقم والدتها، بأصابعها المرتعشة مثل خفقاتها المتسارعة من التوتر ، بتردد اتصلت ، وعندما جاء الرد هتفت بخجل : ازيك يا ماما عاملة ايه؟!
_ هكون عاملة ايه يعني يا ابريل اهو الدنيا ماشية بالعافية .. بس الحمدلله علي كل حال ، ايه خير متصلة ليه متأخر كدا في حاجه ولا ايه ؟!
شعرت بالضيق والاختناق ، وانهار سقف توقعاتها فوق رأسها بخيبة أمل ، وتجمعت الدموع في مقلتيها بحزن شديد لعدم سؤالها عن حالها ، واهتمامها فقط بسبب اتصالها بها ، كأن هذا ليس من أبسط حقوقها ، فمررت طرف لسانها ، ترطب شفتيها الجافتين ، لتحاول أن تبث في نفسها الشجاعة ، في حين ردت بإحراج : اسفة ماخدتش بالي من الوقت .. بس كنت محتاجة اكلمك في حاجة ضروري
إستغربت من صمتها : ماما انتي معايا؟
وصلها صوتها الناعس ، وهى تتثاؤب : اه سمعاكي قولي ايه هي الحاجة دي؟!
_انا كنت عايزة اجي اقعد معاكي فترة
_ومن امتي دا ان شاء الله .. ما كل اجازة بتختاري تفضلي عند ستك!!؟
ابريل موضحة : لا انا عايزة اجيلك بكرا مش في الاجازة
الهام مستنكرة : اشمعنا؟! مش عندك مذاكرة وجامعة اللي صممتي تخشيها .. وبعدين ايه اللي قومها في دماغك كدا مرة واحدة ايه زهقتي ستك منك طبعا مش كدا؟
ابريل بإندفاع : انا واحمد فسخنا خطوبتنا يا ماما
شهقت الهام من المفاجأة ، قبل أن تعاود توبيخها : نعم .. دا امتي؟! وازاي دا يحصل ومحدش يعرفني .. ايه انا اخر من يعلم يعني يا بت؟!
ابريل بتنهيدة حزينة : دا حصل انهاردة وعشان كدا محتاجة اجي اقعد عندك .. انا مش عايزة اقعد هنا بعد كدا
حثتها إلهام على الشرح : بلاش الكروتة دي في الكلام وفهميني ايه اللي حصل عشان تفسخو خطوبتكو
انتهت ابريل من سرد ما حدث معها ، لتقول إلهام بعدم رضا : زينب مفيش فيها فايدة طول عمرها كدا ومش هتتغير .. بس انتي غلطانة يا ابريل
استنكرت ابريل لوم والدتها بشدة : وانا غلطت في ايه؟
_الراجل من حقه تكون مراته مهتمة بيه وتاخد بالها من بيتها مش فاهمة ايه حتة الشهادة اللي انتي متمسكة بيها اوي كدا دي؟
شعرت ابريل بالقهر من إستخفافها ، لتجيبها بدفاع : حتة الشهادة دي هي مستقبلي .. وهي اللي هتحسسني بالامان باقي عمري لما اتخرج واشتغل واعتمد علي نفسي .. مش معني اني بحب احمد يعني هفضل متكلة عليه ومحتاجله في كل حاجة بحياتي
الهام بضجر : قصروه يا ابريل شكلك كدا بيقول انك مش عايزة الخطوبة دي وماصدقتي تحصل حاجة تسيبيه بيها طب كان ليه من الاول بقي .. انتي عملتي كدا مشاكل بيني وبين اخويا وابنه
_هو انا عشان بدافع عن حق من حقوقي ابقي بياعة وبتاعت مشاكل يا ماما .. المهم انا مش هقدر اقعد هنا تاني هتوافقي اجي اعيش معاكي ولالا؟!
_قولتلك قبل كدا مينفعش يا ابريل سبق وفهمتك ظروف جوزي واحوالنا المادية علي القد اوي خصوصا وانتي عارفة مصاريف جهاز اختك شمس قطمت وسطنا
أسرعت أبريل لتخبرها بلهجة مترجية ، متجاهلة وخز الألم الذي نقر بحدة في صدرها من إهتمام أمها بأختها التي عاشت حياتها كلها بين ذراعيها ، فى حين أنها في حاجة إليها أيضا ، لكن لتحصل على هذا القدر من الحنان والعطاء يجب عليها أن تتوسل لها : انا مش هكليفكو اي حاجة والله هشتغل وهصرف علي نفسي .. و بابا متكفل بمصاريف جامعتي انا بس هنقل الورق لجامعة اسماعلية .. ماما والله بجد محتاجالك لو سمحتي خليني اجي اقعد معاكي والله مش هزعجك ولا هتحسي بوجودي
إلهام قاطعتها مكررة جملتها السابقة بعدم اكتراث : بطلي زن يا ابريل انتي مابقتيش عيلة صغيرة .. الفترة دي صعبة بقولك واختك محتاجني جدا معاها عشان بننزل نلف علي عفشها حتي مش هبقي فاضية اجي علي المنصورة عشان اشوف موضوعك قدامي لسه كام يوم ادبر نفسي فيهم .. دا غير ان فاروق مش هيوافق يا ابريل .. وهو اصلا عصبي الايام دي عشان انتي عارفة فرح شمس قرب ومشغولين لشوشتنا في ترتيبات الفرح
ابريل بجمود : تمام فهمت
تثاؤبت مجددا ، وهى تخبرها : يلا روحي نامي تصبحي علي خير
back
رسمت دمعة ساخنة خطاً متعرجاً على خدها المحمر ، تزامناً مع إنتباهها إلى طرقات متتالية على باب الغرفة لتمسحه بقية دموعها بخفة ، وسمحت للطارق بالدخول قبل أن تستدير ، لتجد نفسها في مواجهة مصطفى وجهًا لوجه.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
قبل ذلك بدقائق
عند ريهام
ريهام تجلس على أحد الكراسي في الاستراحة أمام غرفة منى بعد أن اطمأنت بشكل سطحي على أحوالها ، وتركت والدتها تواسي سوسن ببعض العبارات المتعاطفة ، لتبدأ باستجواب عمر الذي يقف أمامها ، وهو يمضغ قطعة حلوى ، بينما تقوم بهندمة ملابسه بلطف : اونكل باسم اللي كان مع ابريل يا عمر ماسمعتهمش كانو بيكلمو يقولو ايه قبل ما ادخل عليكم؟!
مال عمر برأسه دليلا على التفكير قبل أن يسرد لها : كان عايز يخليها تشرب اللبن بالعافية .. بس انا قولتله لا .. دا وحش لابريل وشربته انا مش بتعب منه
قطبت ريهام حاجبيها دون فهم شيئا ، لتحثه علي الإستكمال : و ايه كمان؟
رفع كتفيه دلالة علي عدة معرفته ، وهو يواصل كلماته ، شارحا ما يتذكره بعفوية : كانو مقربين من بعض اوي .. بيكلمو بصوت واطي اوي ماسمعتش حاجة
كظمت غيظها زافرة بخفوت ، وهى تأمره بعدم رضا : طيب روح اقعد جنب جدتك وانا لحظة وجيالكم
سلمى بسؤال : رايحة فين يا ريهام
ردت عليها بعدم اكتراث : هرجع لابريل افضل معاها لا تعمل حاجة مجنونة من حركاتها وانتي يا ماما معلش خدي عمر اغسلي ايده من الشيكولاتة
_طيب
✾♪✾♪✾♪✾♪✾
تسير في القاعة المؤدية إلى غرفة أبريل ، لتتسع مقلتا عينيها الزرقاء بتفاجئ ، وهى ترى مصطفى يقترب بخطوات متوازنة من الجانب الآخر من الممر ، فتهادت فى مشيتها ، وعقلها ينسج خطة جديدة راسمة ابتسامة لطيفة على شفتيها بمجرد وقوفها أمامه ، لتمد يدها تصافحه قائلة بنبرتها الناعمة : حمدلله علي سلامتك يا مصطفي انت رجعت من السفر امتي؟!
رفع مصطفى نظارته الشمسية ، لتظهر عيناه السوداوتان ببريق مستاء ، وهو يرد بمجاملة قبل أن يسيطر الاستنكار على صوته الذي كان مليئا بالحيرة : الله يسلمك يا ريهام .. طيارتي وصلت الفجر .. فين فهمي؟ وايه الكلام المكتوب دا؟! انا مش فاهم حاجة ايه علاقة ابريل بباسم الشندويلي و ايه اللي حصلها ؟!
توترت ريهام لوهلة من هذا الهجوم ، وهى تمتم : اهدا واحدة واحدة يا مصطفي ..
تابعت بلوم خبيث : تفتكر هيكون حصلها ايه .. طبعا تعبانة ومضايقة اوي
_يعني عرفت؟
ردت بتعمد : كل حاجة والبركة في حنين
جحظت عيناه بصدمة ، متسائلا بعدم تصديق : يعني حنين هي اللي عملت كدا؟
لمعت زرقاويتها ببريق غامض ، مؤكدة بثقة شيطانية : ايوه جتلها لحد البيت والله اعلم قالتلها ايه من ساعتها وهي منهارة وزعلانة جدا .. و مانصحكش تشوفو بعض علي الاقل لحد ما تهدا
جاءها رفضه بإصرار : انا لازم اشوفها وحالا يا ريهام
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى الوقت الحالي
عند ابريل
_ مالك متسمرة كدا ليه كأنك شوفتي عفريت؟! دا حتي ماطلعتش منك كلمة حمدلله علي سلامتك!!!
قال ذلك بسخرية ، ليخفي توتره من تحديقها المستمر به ، إذ أنها خالفت توقعاته باستقبالها الصامت ، على عكس ظنه منها أنها ستنهمر عليه بالدموع والاستفسارات التي لا تنتهي في مثل هذا الموقف ، لكن مايراه هو بريق غريب يشع من فيروزيتيها ، فيما ظلت أبريل صامتة ، تجمع شتات نفسها بتريث ، وهي تشكر القدر الذي أعد لها هذا اللقاء حتى تتمكن من الافراغ كل قهرها به ، إذ خرج صوتها باردا حالما قالت بتلاعب : مظنش انك جاي عشان تسمع مني حمدلله علي سلامتك .. زي كمان ما انا مش مستنية منك تبررلي اسباب كدبك عليا عشان مفيش اي مبرر بيشفع الكذب
_انا عايزك تسمعيني..
انقطع استرساله حينما وقعت عيناه على يديها اللتين كانت تلوح بهما بإنفعال ليسأل بحدة ، بينما يمسك معصمها في قبضته : دبلتك فين؟
رفعت فيروزيتها التي كانت تتلألأ بلهيب البغض مقابل عيناه المستهجنة ، لتنفض يدها منه ، وتراجعت خطوة إلى الوراء وهي تهتف بإزدراء قاتل : ماتلمسنيش!! انت مين و ازاي تدخل هنا بدون اذن .. وبصفتك ايه؟!
مصطفى بتريث : ابريل اهدي عشان اعرف اشرحلك موقفي
إستهزأت بإستخفاف : تشرحلي موقفك .. الحكاية مش مستاهلة شرح
_كنت ناوي اقولك..
اقتلعت ابريل ثمرة تبريره مقاطعة اياه بقسوة : امتي بقي؟!.. بعد ما تكون اتجوزتني علي مراتك .. وابقي قدام الامر الواقع واختار بقي ما بين ارضي اني الزوجة التانية او اطلق وانا لسه عروسة؟
صمت مصطفي هنية ، وهو ينظر في عينيها المترقبة لإجابته ، قبل أن يقول بصوت منفعل : انتي ليه مصرة علي اني كنت قاصد اكدب عليكي ومش عايزة تسمعيني
تهكمت ابريل بنبرة معبئة بالإشمئزاز : اسمع كدبة جديدة عايز تألفها عليا!! انت متعرفش قد ايه شايفاك صغير اوي في عيني دلوقتي
تجمدت بخوف ، حينما هدر فجأة بلهجة عصبية : احترمي نفسك يا ابريل عمالة تغلطي ومش مدايني فرصة افهمك
ابتلعت غصة من الألم كانت واقفة في حلقها ، قبل أن ترد عليه ببرودة شعرت بها تنخر عظامها : كان عندك مية فرصة تقولي فيها الحقيقة بس انت قررت تخدعني .. بس الحمدلله ان ربنا كشفك علي حقيقتك وبعتلي مراتك عشان تفوقني من الوهم اللي عيشتني فيه قبل ما اغرز في حفرتك القذرة عمري كله
جفلت ابريل بقوة ، وتباطأت نبضاتها الخافقة من الذعر تحت ملمس قبضته ، التي إلتفت بإحكام حول معصمها تعتصره ، هاتفاً بحدة من بين أسنانه المطبقة : انا كنت مقدر وضعك وانك تعبانة وعشان كدا سكت .. بس انتي زودتيها اوي ومش هسمحلك بالغلط اكتر من كدا .. ولا دا الموضوع اللي جاي اتكلم فيه .. ايه اللي بينك وبين باسم الشندويلي والمكتوب دا اساسه ايه؟
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
خلال ذلك
فى ردهة المستشفي
_الدكتور جاي يعملها اختبارات التنفس ويطمن علي حالتها قبل ما يكتبلها علي خروج
تحدث بها يوسف الذي جاء إلى حيث كانت ريهام تجلس تهز قدمها بتوتر ولم ترد ، في نفس الوقت جاء صوت ضجة من خلف باب غرفة أبريل.
_ايه الصوت دا؟
نطق بهذا السؤال ، وهو يتجه نحو الغرفة : استني .. دا مصطفي
دهش يوسف بإستنكار مترقب : نعم ومين جوا معاهم!!
_لوحدهم
اتسعت عيناه بعدم تصديق ، ليهدر بها بإنفعال : انتي اجننتي سايبها لوحدها معاه هو دا كان اتفاقنا
ريهام بإستهانة : وهو هياكلها سيبهم يتفاهمو مع بعض يمكن يتصالحو
_اوعي كدا
قالها دون اهتمام لحديثها بعد أن دفع يديها عن ذراعه ، لكي يتمكن من الاسراع إلى الداخل ، ليصل صوت أبريل إلى أذنيه ، التي سألت بإستخفاف شرير : مش عايز تعرف دبلتك فين؟
_ابريل اهدي خلاص!!
أندفع يوسف لمقاطعتها ، جاذباً يدها من بين مخالب ذلك الأسد المتوحش ، ليقف حاجزا بينهما بعد أن دفع مصطفى إلى الوراء ، وقبل أن يجد أنفاسه للحديث ، أردفت ابريل بما أثلج روحها المحترقة بنيران يؤججها شعورها بالخداع ، والقهر من هذا المتجبر : حرقتها مع فستان الفرح .. و الخطوبة انا اللي فسختها .. واللي قرأته مظبوط انا هتخطب لباسم دي مش اشاعة .. ودلوقتي اطلع برا مش عايزة اشوفك تاني
أنهت حديثها بتحدٍ ، مشيرة بإصبعها نحو الباب ، غير مهتمة بتعابير الغضب المقيت على ملامحه ، لتزداد وتيرة أنفاسه الحارقة ، وهو يصرخ فيها غير مصدق ، بعد أن دفعته للجنون فاقدا زمام تعقله ووقاره : انتي مجنونة بتخرفي بتقولي ايه؟! انتي واعية للي بتقوليه .. دا علي اساس اني لعبة في ايدك وهتحركيها علي مزاجك
لم يردعها صراخه ، لتهتف بنبرة مستنكرة : بس علي مزاجك انت تتجوز وتطلق وتخطب وتكدب .. ايه الجبروت والبجاحة دي؟!
تقدم مصطفى خطوة إلى الأمام يريد الوصول إليها ، وهو يطحن أسنانه بشر ، لكن يوسف منعه قائلا بإرتياع : بس خلاص لو سمحت اخرج من هنا يا مصطفي .. وجودك هنا هيعقد الموضوع اكتر وكفاية اللي حصل منك في حقها
رفض مصطفى بإستهجان ، بينما يحاول إبعاده عن الطريق : مش قبل ما اشوف اللي عملته الست اختك اللي طلع مالهاش كبير
_مصطفي بنفسه هنا .. ايه الزيارة العزيزة دي؟
صاح صوت باسم من الباب بإستهزاء شديد ، قابله مصطفى بجبين مقتطب قبل أن يشير إليه بضحكة غاضبة : دا الحكاية طلعت جد مش تأليف من الاعلام .. انا عايز اعرف دا بيعمل ايه هنا؟!
لم يتلق ردًا من باسم الذي تقدم أمام الجميع بخطوات واثقة ، وعيناه الرماديتان الذئبتان مسلطة عليها كأن لا أحد غيرها في الغرفة.
_الطلب حضر يا بندقتي
ردت على همسه القريب من أذنها بإيماءة خافتة ، وهي تأخذ منه الصندوق بذهول مرتبك ، بسبب لف ذراعه حول خصرها بجرأة ، كرد فعل بدا طبيعيا من جانبه.
أخبره بهدوء رهيب ، قاصداً استفزازه ، ليرمقه مصطفى شرزاً : انا في مكاني الطبيعي جنب خطيبتي
ردد مصطفى بهسهسة خطيرة : خطيبته؟
هز باسم رأسه بالإيجاب ، وإرتفعت زاوية فمه بابتسامة ، مجيبا اياه بنبرة عادية : هو احنا لسه محددناش امتي بالظبط حفلة الخطوبة .. انت عارف الترتيبات بتاخد وقت بس هتكون قريب اوي وانت اول المعازيم يا درش
كاد مصطفى أن يصاب بالجنون في هذه اللحظة ، فما يرآه الآن يتصف بكلمة واحدة مكونة من خمسة أحرف مهزلة ، إقترنت أفكاره بزمجرة حادة ، ظهرت جراءها عروق جبهته النافرة بغضب : انتي ازاي تسمحي لنفسك توافقي علي خطوبة من واحد وانتي مخطوبة لراجل تاني ؟؟؟
خطى نحوها في انفعال ، لكن أوقفته يد باسم التي ارتفعت ، لتدفعه للخلف من صدره ، و اليد الأخرى لا تزال تستقر على خصر أبريل بحماية ، التي كانت تراقب الموقف أمامها برعشة مضطربة ، بينما صاح بصوت حاسم مليئ بالصرامة : كلامك معايا انا ولا انت مابتعليش صوتك غير علي الحريم
تغضنت ملامح مصطفى ، وكل خلية فيه تطالب بالاشتباك معه ، ولكن قبل أن يتمكن من التحرك نحوه اعترض يوسف طريقه بجسده الرياضي ، ممسكًا بذراعه ، مهدئًا إياه حتى لا يتطور النقاش إلى معركة : مصطفي اهدا .. دي مستشفي مش مكان مناسب للزعيق والخناق
قاومه مصطفى بغضب مشحون ، فتدخلت ابريل التى اندفعت واقفة فى المنتصف بينهم ، وهى تنظر إلي مصطفى بتحدي قوي ظهر في صوتها المبحوح ، وهي تقول بنبرة حادة مستنكرة : هو انت بأي حق ليك عين وعايز تحاسبني مش كفاية الكلام اللي اتكتب في حقي بسبب كذبك .. خلاص وقتك هنا انتهي يا مصطفي .. تمن دبلتك هيوصلك مع الشبكة ومعاهم فلوس الفستان واي حاجة كنت جبتهالي هترجعلك .. ولأخر مرة بقولك تتفضل تطلع برا حالا
أنهت كلامها القاسي بأنفاس ثائرة ، وهي تشير إلى باب الغرفة ، فتجعدت ملامح مصطفى بشدة بسبب إهانتها لكبريائه بحضور شقيقها الذي تابع المشهد بصمت ، و باسم الذى ينظر إليه بتحفز ، قبل أن يركز اهتمامه عليها مخاطبا إياها بين أسنانه بغضب وانفعال شديد : بتطرديني عشانه!! بقي هو دا الراجل اللي عايزة تتجوزيه سمعته مع البنات في الوحل
اختتم مصطفي حديثه بنظرات الاحتقار التي وجهها لباسم الذي اشتعلت رماديتيه من الامتعاض ، وهو يهم بالتحرك نحوه ليفتك به ، لكن أبريل وضعت يدها بشكل عفوي على صدره ، وهي تنظر إليه بنظرة ردعته عما كان ينوي فعله ، وبصعوبة سيطر على نفسه.
احترقت خلايا مصطفى بالحقد والغيرة بسبب فعلتها ، بينما التفتت ابريل نحوه ، ولمعت عيناها بالكراهية والاشمئزاز ، تجلى فى صوتها ، تريد كسر غروره تماما ورد الصفعة إليه : بس علي الاقل راجل .. وقد كلامه مش كداب ولا غشاش
حدق فيها مصطفى بنظرة حالكة شرسة ، وهو يهتف بإستياء ووعيد : والراجل دا .. وعد منه .. انه هيعرف ازاي يحاسب حتة عيلة زيك .. علي كل كلمة وفعل عملتيه .. وهندمك عليه
اتسعت عيون باسم غضبا ، فأراد أن ينهي هذا النقاش العقيم بسرعة ، وهو يجذب أبريل تلقائيا حتى وقفت خلف ظهره ، وأصبح هو مقابل مصطفى في وضعية دفاعية ، قائلا بتجهم خشن : حاسب علي كلامك قبل ما اندمك انا عليه .. هي مش قالتلك اللي ليك هيرجعلك خلاص انتهي موضوعك معاها زي ماقالت خلصنا
نظر إليه مصطفى بنظرات لاذعة بعد أن أشتعلت نيران الغضب بداخله بسبب حركاته معها وكلامه الواثق له ، وقال بحدة : مفيش حاجة انتهت اللعبة يدوب هتبدأ يا ابن الشندويلي
مرت ثواني من الصمت على باسم ، قبل أن يهز كتفيه مبتسما بسخرية ، وهو يقول بتحدى عارم : وانا متشوق اوي للعب ووريني هتقدر تعمل ايه؟
وجه مصطفى إليه نفس الابتسامة الساخرة ، ليقول له بنبرة قوية باردة ، عكس نظراتهم النارية نحو بعضهم البعض : تمام .. بس افتكر النار اللي بتلعب بيها مش هتطولك لوحدك .. ولو كنت راجل زي مابتقول عليك ابقي احميها من اللي جاي .. دا لو قدرت تحمي نفسك الاول من اللي هعملو في واحد واحد فيكو
رمقها مصطفى بنظرة وعيد أخبرتها أن ما سيأتي لن يكون ساراً ، بل الأمور ستصبح أكثر خطورة ، قبل أن يضيف بصوت أجش من بين شفتيه المشدودتين : حولتي المحبة اللي بينا لباب عداوة فتحتيه بإيدك .. واللي بينا مش هينتهي بالسهولة اللي انتي فاكرها يا ابريل .. كرامتي اللي دستي عليها .. هدوس قصادها علي رقبتك وتمنها هتدفعيه من دمك
شعرت إبريل بالخوف من جدية تهديده المباشر لها ، لكن باسم قطع تحليل أفكارها بل أنها فزعت بقوة ، عندما رأته يندفع نحو مصطفي بعد أن تخلى عن آخر ذرة من سيطرته ، ووجه له لكمة قوية على أطاحت بفكه للجهة الأخرى ، وهو يصيح بلكنة غاضبة :....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية جوازة ابريل) اسم الرواية