رواية جوازة ابريل (2) الفصل التاسع و العشرون 29 - بقلم نورهان محسن
الفصل التاسع والعشرون (خيوط الهيام النارى)
أنتَ لهيب الشوق الذي يُلهب كياني ،
تغمرني همساتك بحبٍ متفجر كالسيل العاتى ،
متأرجحة المشاعر في قلبى بين جنون الحيرة ووهج الأمل ، لأشعر برعشة الخوف تتراقص في عتمة الليل ، فأخشى أن تغيب عني كظلٍّ يتلاشى في الفضاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توقف عن السير وإلتفت إليها ، يعتقل خصلة من شعرها بين أصابعه ، ووضعها خلف أذنها ، وهمس بما أربك خفقات قلبها بعنف : عاوزك الليلة تنامي في سريري
_باسم
نطقت حروف اسمه برقة يشوبها التحذير فرفع وجهها إليه بأنامله حالما وجدها تتهرب من نظراته بخجل أشعل وجهها بإحمرار لذيذ ، وبابتسامة واثقة أخبرها بصوت يحمل مزيجًا من العذوبة والمزاح : ماتقلقيش هكون راجل راقي
دخل معها غرفة النوم المضيئة بخفوت ، ووقف ينظر إلي عينيها المترددتين بعينيه العاشقتين كان يشعر أن قلبه ينبض بسعادة غريبة ، من المشاعر الدافئة التى تحيط بهما ، لكنها بطبعها العنيد كانت تفضل إخفاء مشاعرها ، وكأنها تخشى أن تُظهر مدى تعلقها السريع به ، هو يعلم ذلك جيدًا ، ويعشق هذه المقاومة الرقيقة في شخصيتها.
ذهبت نحو السرير وجلست بإستحياء علي حافته بعدما أشار إليها بفعل ذلك ، بينما هو إتجه صوب الخزانة الصغيرة مد يده يفتحها ، ثم أخرج منها منامة رجالية ليضعها بجوارها فى صمت ، وبعد ذلك توجه إلى الحمام
أدار المياه الدافئة لتملأ حوض الإستحمام فوصلها صوت المياه المتدفقة
فور أن شعرت بقدومه نحوها انزلت اهدابها إلي اصابعها المتشابكة في صمت في حين جثي علي ركبتيه امامها بإبتسامة حنونة تشابهت مع نبرته : الحمام جاهز .. الميه الدافية هتريح جسمك .. أنا قلتلك تنامي في سريري .. مش عشان اخوفك أو احسسك بأي توتر .. بس عشان أديكي إحساس بالأمان اللي تستاهليه
مال أكثر صوبها بشفتيه ليُطبع بقبله حنونة علي جبينها بينما فيروزيتها تتابعه بإنشداه
مرت لحظة صمت قصيرة بينهما ، ثم بنظرة تُفصح عن مزحته الدافئة أردف وكأنه ترجم افكارها المشوشة : وأنا هكون في الريسبشن .. عشان لو احتجتي حاجة .. يعني مش بعيد .. بس مش قريب برضه .. عشان تحسي إنك مرتاحة أكتر
_هتنام علي الكنبة يعني؟!
بابتسامة مشاكسة أجاب علي استفسارها العفوى ملتفتاً إليها بوجهه من عند باب الغرفة : ايه صعبت عليكي و هتنيميني في حضنك؟
اطبقت علي شفتيها بخجل وهي تعبث فى شعرها بتوتر معنفة نفسها داخليا علي تسرعها لتتلعثم في قولها دون النظر إليه : ااانا كنت .. بستفسر بس .. وبعدين احترم نفسك وماتنساش تقفل الباب وراك وانت طالع
انطلقت ضحكاته الرنانة بعذوبة مما جعل ابتسامة تنمو فوق شفتيها رغماً عنها بينما تنصت إلي حديثه المرح يشوبه لمحة تذمر مصتنعة : هي بقت كدا ماشي يا بنت فهمي .. هسيبك تحلمي بيا .. تصبحي علي خير يا بندقتي
غادر الغرفة دون أن ينتظر ردها تاركًا لها مساحة كاملة لتشعر بالراحة والسكينة فإبتسمت بهدوء وداخليًا كانت تشعر بالامتنان فقد كان مختلفًا عن توقعاتها لذا سمحت لنفسها بالاسترخاء فى حمامه وهى تفكر كم هو راقٍ وحساس بطريقة فاجئتها و لأول مرة منذ فترة طويلة ليست مضطرة لإخفاء مشاعرها وهي تشعر أن كل حركة منه مفعمة بالاهتمام والرعاية الرقيقة
ارادت حقاً تصديق نظراته التى يطل منها حنان كبير يروي بستان قلبها المتعطش توقاً له وللدفء الذي تشعر به بين يديه و تبغى بشدة مساعدته فى ترميم قلعة الثقة التى هدمها الأخرين داخلها بلا رحمة وأن تنجح فى حب نفسها من جديد لتتجاوز العراقيل التي تعكر صفه حياتها
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى صباح اليوم التالي
تململت إبريل في نومها بإنزعاج ، وكأنها تحاول الهروب من شيء غير مريح يقترب منها.
أدارت رأسها بتثاقل إلى الجهة الأخرى ، وخرجت من بين شفتيها المطبقتين تمتمة حانقة : بطل رخامة يا عمر .. سيبني أنام
شعرت ابريل بشيء رطب يداعب وجهها مجددًا ، حاولت تجاهل هذا الشعور الذي أيقظها من حلمها ، لكنها في النهاية استدارت نحوه ، ورفعت ذراعها ببطء تحتضن الكائن الذي بجانبها بحنان ، تداعبه بخفة وفجأة انتابها شعور غريب ، أناملها تغوص في فروة ناعمة ، لا تشبه ملمس بشر ، ففتحت عينيها نصف فاتحه ، وصوتها المبحوح من أثر النوم تساءل : إيه دا؟
في لحظة تجمدت أوصالها كما لو أصابتها صاعقة ، نظرت بعينين جاحظتين إلى الكلب الجالس بهدوء بجوارها على السرير ، وكأنها لا تصدق ما تراه ثم ما لبث أن هتفت بدهشة مضحكة من المفاجأة : انت مين يا عم؟! واحنا فين أصلاً؟
ما هي إلا لحظات حتى بدأت تفاصيل الأمس تعود إلى ذهنها ، واسترجعت الأحداث التي أوصلتها إلى هنا ، ثم تنهدت بعمق وهي توجه نظراتها نحو الكلب وكأنها تحاول استيعاب الواقع زافرة بتوجس : ماشي أهلاً وسهلاً .. أنا إبريل .. انت جاي مع مين بقى؟
في هذه اللحظة ، إنتبهت إلى اهتزاز هاتفها الصامت على المنضدة بجانب السرير ، مضيئًا بإسم صابرين ، فالتقطته بسرعة واندفعت نحو الشرفة ، محاولة الابتعاد عن الكلب الذي بدأ ينبح ويركض نحوها ، وكأنه يطالب بالدخول بعد أن أغلقت الباب خلفها.
ردت على الهاتف بصوتها المتهدج ، فجاءها صوت صابرين المتسائل بتذمر : إيه يا بنتي!! برن عليكي من الصبح؟
تلعثمت ابريل وهي تحاول استعادة رباطة جأشها : معلش يا بيرو ، كنت عاملة التليفون سيلنت وراحت عليا نومه
جاء رد صابرين متعجباً : إيه صوت كلب دا؟ انتي جبتي كلب ولا إيه؟
ضحكت إبريل بتوتر : ها؟ لا دا كلب الجيران .. اصل أنا طلعت البلكونة أشم هوا .. المهم طمنيني على ستي صحتها تمام؟
أجابت صابرين على سؤالها بروتينية وهي تهتف بصوت عالٍ من الضوضاء حولها : اه الحمدلله انا نزلت السوق اجيب لوازم ليها
_تمام انتي اخبارك ايه واخبار ابو لهب معاكي ايه ربنا هداه ولا لسه؟!
_هو اللي زي دا بيتهدي ولا بيتهد .. اهو بيتعدل يومين ويرجع تاني يلاقيلو حاجة جديدة يعمل بيها خناقة
_طنشي خلي اعصابك في التلاجة
_من يوم مابقيت اقصف جبهته كلمة قصاد كلمة بالذوق واسكت علي كدا ومازودش في الكلام .. وهو مابقاش عارف يسلك معايا .. بالعكس بيحاول يتقربلي ويتمحلس كدا بس بتقل عليه
_يا واد يا تقيل
_تعرفي لولا انه ابن امه اوي كان زماني لسه بحبه زي اول جوازنا .. بس هو اللي كرهني في عيشتي بسلبيته
حاولت ابريل جاهدة أن تبقى مركزة ، لكن عقلها كان مشوشًا من الحديث وأزمة صابرين مع زوجها جعل قلبها ينقبض ذكريات قديمة بدأت تطفو على السطح بينما الأخرى تتابع بإستفاضة : تعرفي عشان كدا كنت موافقاكي في قرارك ساعة ما سيبتي احمد مكنتش عايزاكي تخيبي خيبتي المقندلة دي وتشوفي المرار من امه زي حلاتي
سألت ابريل بتردد : هو ونادية اخبارهم ايه؟!
أتت إجابة صابرين تجفل نبضات قلبها بصدمة : اسكتي علي للي عملو فيها .. خليها تروح علي بيت اهلها وبعديها بكام يوم بعتلها ورقتها
_طلقها..؟ و بنتهم..!!
صوتها المهتز بالكاد استطاع نطق هذه الكلمات ، فجاء رد صابرين بإيجاز : مع امها
شعرت بالذنب يغمرها ، والوساوس تستولى على ذهنها من كل جهة كأنها كانت السبب في هذه الكارثة ، كما لو أن كل قرار اتخذته ، كل كلمة قالتها ، كانت تساهم بها في تدمير حياة شخص آخر ، فتساءلت بصوت حزين يعكس أفكارها الداخلية : أنا السبب في اللي جرا ده؟
_ايه العبط دا وانتي مالك بحاجة زي دي هو للي خرب بيته بإيده..؟
هكذا ردت صابرين بنفى ، تؤكد لها أن هذا ليس ذنبها ، لكن ابريل لم تستطع طرد هذا الشعور القاتم من قلبها ، وبدأت العبرات تتجمع في عينيها ، ثم بكلمات تقطر حزناً هتفت بقهر : وبنته ذنبها إيه في كل اللي بيحصل ده؟ ليه الأنانية دي؟ ليه يحرمها منه؟ ليه مايخلهاش تعيش حياة طبيعية بين اب وام مع بعض؟ ليه مايرضاش بعيشته و يجي علي نفسه مرة عشان خاطر بيته ليه؟؟؟
حاولت صابرين تهدئتها مسرعة : براحة يا ابريل انتي بتعيطي ولا ايه؟! يا حبيبتي ماتزعليش نفسك انتي مالكيش ذنب في حاجة من كل دا..
لهثت ابريل أنفاسها بصوت عالٍ ، فوضعت كفها فوق فمها ، وأنهت المكالمة بصوت مكبوت : انا تمام يا صابرين ماتقلقيش .. هقفل دلوقتي عشان أحضر نفسي للشغل .. هكلمك بعدين
إلتفتت إبريل فجأة إلى الخلف ، لتجده واقفًا خلفها مباشرة ، فالتقت عيناه الرماديتان بعينيها الفيروزيتين ، وما كان منها إلا أن ألقت بنفسها على صدره دون أي مقدمات ، وأحاطت خصره بذراعيها ، وكأنها وجدت ملاذًا آمناً ، ، تشبثت به كما لو أنه الوحيد الذي يستطيع أن يُنقذها من دوامة مشاعرها.
تجمد باسم لوهلة ، مصدومًا من مبادرتها الجريئة ، لكنه شعر بقوة احتياجها إليه ، فترك جسدها الصغير يغرق في حضنه الدافئ.
أجهشت بالبكاء بشدة ، دموعها تنسدل كأنها سيول هاربة من عاصفة مكبوتة ، لم يكن يدري ماذا يفعل ، لكن كل ما شعر به هو حاجته لإراحتها ، فهَمَس لها بنبرة لينة : اهدي يا حبيبتي...
رفعت رأسها إليه بعينين مغرورقتين بالعبرات ، وصوتها المرتجف يخرج منه بوضوح قسوة الألم فى سؤالها : انت سمعتني .. صح؟
ابتلع ريقه بصعوبة ، يحاول أن يتماسك أمام انهيارها الذي ألمه بقوة ، وأجاب بخفوت يكاد يلامس شفتيه : ايوه
غرست وجهها فى صدره مجددا ، وتابعت بهمس مكتوم : أحمد طلق مراته .. سابها وهما بينهم طفلة صغيرة
كل حرف كانت تقوله مثل سكيناً حاداً يشق قلبها ، ولمس هو وجعها العميق في نبرة صوتها المتحشرجة ، فقرر أن يخفف عنها بقدر استطاعته ، فحرك جسدها برفق معه ليجلسا معًا على المقعد في الشرفة دون أن يفلتها من بين ذراعيه كما لو أنها ستنهار لو أرخى قبضته عنها.
وضعت رأسها على صدره ، بينما كانت نبضاته السريعة تتسارع وكأنها تحاول أن تمنحها الأمان ، رفع ذقنه واتكأ بها على شعرها بحنان ، ويداه تمسدان ظهرها برفق.
بين شهقاتها المتقطعة ، خرجت كلماتها بمزيج من الخوف والضياع: أنا خايفة .. خايفة على البنت .. مش عايزاها تبقي زيي
رد بصوت دافئ مملوء بالصدق : ياريتها تكون زيك .. انتي مفيش حد زيك .. انتي أحسن من ناس كتير يا إبريل
نفت ابريل برأسها في حزن عميق ، وهى تفصح بنغمة طفولية مفعمة بالمرارة : لا .. مش عايزاها تتعذب في الدنيا زي ما أنا اتعذبت .. مش عايزاها تحس باليتم واهلها عايشين .. مش عايزاها تذوق الحرمان اللي أنا عشته .. أو الخوف والوحدة اللي مرافقتني زي ظلي في كل حته اروحها
أحاطها باسم بذراعيه أكثر ، كما لو كان يحاول أن يمحي كل مخاوفها بحنانه ، وطمأنها بلهجته الواثقة مشدداً على الحروف بإصرار : كل دا هيتغير يا ابريل .. مع بعض هنعدى كل دا .. ادينا فرصة مع بعض ماتخافيش.
صمتت ابريل لبرهة ، وكأنها تزن كلماته في داخلها ، ثم رفعت أنظارها صوبه ، وتمتمت بصوت متحشرج بالإرتباك والتردد : ياريتني ابطل خوف .. ياريتني اقدر اقولك اني محتجالك .. بس مش عارفة إذا كان اللي بنعمله دا صح ولالا؟ أنا متلخبطة وخايفة
شعر بنبضات قلبه تتسارع بلهفة ، فأمسك بكفها ووضعه على صدره ، ونظر إليها بعينين تفيض بالجاذبية ، قائلاً نبرة جياشة بالمشاعر : سمعاه؟ دا مابقاش بينبض اوي كدا الا في وجودك انتي .. بيحس بيكي ومش طالب منك غير انه يكون عشانك ملكك وبتاعك وليك .. لسه عايزة ايه تاني يثبتلك اني مابضحكش عليكي؟ اني محتاجلك زي مانتي محتجالي ويمكن اكتر
شعرت ابريل بدفئ كلماته يغمر روحها ، حاولت مقاومة تياره ، فوجدت نفسها محاصرة بين مشاعرها المتأججة وسحره القوى ممزوجاً بعاطفته الجارفة التى كانت أكبر من أي حواجز بينهما.
فاحت نبرة الارتياح فى صوته حالما تابع مبتسماً ، وهو يتذكر الليلة الماضية فى شرود : عارفة ليلة امبارح مجرد احساسي انك معايا في نفس المكان .. قدرت أنام لأول مرة من غير ماتزورني كوابيس كل ليلة .. من غير ما أكون عايز انام مصحاش تاني
تاه عقلها لثوانٍ وسط غياهب الشكوك فور أن أسدل الستار على عبارته المبهمة ، وأخر ما كان يخطر ببالها أن يعبث الموت بأفكاره ، وعلى غير إرادتها ، ارتج قلبها فزعًا من مجرد تخيل فكرة فقدانه ذات يوم.
خرجت ابريل من شرودها حالما إنطلقت أسئلته مفعمة بالتوتر الواضح من صمتها : هتفضلي ساكتة كده؟ مش هتقولي حاجة؟
تطلعت إليه بملامح تعكس تعبيراً متردداً ، ثم عضت على شفتيها قبل أن تجيب سؤاله بسؤال : هقول إيه يعني؟
استكمل باسم حديثه بإبتسامة حانية مثل شمس تنعكس بدفئها علي شواطئ الأمل : قولي موافقة .. وأنا أوعدك إني هعوضك عن كل حاجة وجعتك .. من دلوقتي اطمني حضني هيكون مكانك وبيتك .. ومش هتطلعي من الحضن دا أبدًا .. ومستعد أعمل أي حاجة تخليكي حاسة بالأمان فيه
ابتسمت فور سماعها جملته ، ثم خرجت من بين أحضانه ، والقلق ما زال يعتمل في قلبها ، قائلة بتردد مرتعش : نفسي اصدقك .. عاوزة اثق فيك .. بس خايفة يطلع في حاجات كتير في حياتك مخبيها عني .. والاقي نفسي مخدوعة تاني..
_هيجي الوقت للي نعرف فيه عن بعض كل حاجة مرت في حياتنا احنا الاتنين .. انا حابب اكتشف بنفسي كل تفصيلة تخص مراتي الغامضة واديها فرصة تعرفني علي اقل من مهلنا .. موافقة..!!!
هكذا أجابها بحزم حانى لا يخلو من مرحه المعتاد ، معتنقًا يدها بين كفيه كأنما يحاول أن يبدد ظلال مخاوفها ، وقلبه يتراقص بين اللهفة والترقب ، ليأتيه الرد المنتظر ، بإيماءة خجولة تنم عن موافقتها تمنح نفسها لحظة استسلام تامة لمشاعرها المتدفقة.
تأملها باسم بنظرات مشبعة بشوقه كأن الزمن توقف للحظة ، وأصبحت هي مركز كونه ، ثم دنى بشفتاه يلامس وجنتيها المبللتين بالدموع بنعومة ، كأنما يمتص أحزانها ، وحرارة أنفاسه تُشعل بداخلها مشاعر رائعة ، هامساً فى أذنها بصوت عميق مفعم بالعاطفة ، كأنه يبوح بسر دفين : ياريتني كنت جنبك ومعاكي من زمان .. عمر ما كنت هسمح لنسمة تجرحك .. ولا دمعة زي دي تنزل من عينيكي .. مع إن رموشك المبلولة دي مغرية أوي مخلياني مش على بعضي
شعرت ابريل بخفقات قلبها تتسارع ، وكأن كلماته وصلت إلى أعمق أغوارها ، فرفعت عينيها إليه بحرج مع عبارته الأخيرة التى نطقها بعبثه المميز ، وهى مبتسمة بخجل لترد بلطافة لا تخلو من التوبيخ : لم نفسك
ابتسم باسم بخبث ، وهو يقترب أكثر بعينين تتوهجان بشغف ، وصوته يفيض بالمزاح الممزوج بالحب : هو أنا لسه قلت حاجة؟
حاولت ابريل التملص من آسره المهيمن ، بضحكة صغيرة : وبعدين معاك!!
شدد ذراعيه حولها أكثر ، وهو يسألها بصوت منخفض وعينيه مليئتان بالتوق : عايزة تروحي مني فين؟
_يدوب آخد شاور سريع وأغير هدومي زمانها نشفت وأجري على الشغل
رفع حاجبه بتعجب ممزوج بالفرح مستفسراً : هو انتي غسلتي هدومك هنا؟
أجابته بإندفاع ، مشيرة إلى المنامة التي ترتديها : أه امبارح .. أصل ريحتك كانت باينة في الهدوم .. ودلوقتي موجودة فيا كمان بعد ما لبست بيجامتك
تسللت ابتسامة ماكرة إلى شفتيه مظهرة نواجذه وهو يميل عليها ، ليتساءل بخبث مبطن : وفيها إيه؟ هي ريحتي مش عجباكي؟
شعرت بارتباكها يتصاعد من إجابته ، فردت بابتسامة محرجة : مش قصدي كدا .. بس أصلها ملفتة أوي وباين إنها رجالي .. يعني هتحرج حد يشمها عليا في الشغل هيقولوا...
_هيقولوا ما خرجتش من حضن جوزها طول الليل
أتمّ عبارتها بهمسٍ أجشّ ، مفعمٍ بجرأته المعتادة وأنفاسه الحارة تلامس عنقها مشعلة بداخلها شغفاً متأججاً ،
وبأنفاس متقطعة نكزته في معدته لتنهض من حضنه موبخة اياه : بطل قلة الأدب دي .. إيه اللي بتقوله ده!!
لكنه لم يترك لها مجالًا للهروب ، حيث قام خلفها مسرعًا ، وقبض على خصرها ملصقًا ظهرها في بطنه ، فشعر بإنتفاضة فى قلبه من ملمس جسدها ، ليهمس بالقرب من أذنها بنبرة تشي بولعه : يعني يرضيكي تسيبيني لوحدي وتروحي الشغل؟
أدارت رقبتها إلى الأعلى لتلتقي عينيهما للحظات ، ثم استدارت بين ذراعيه ، ووضعت يدها برقة على جبهته قبل أن تستفسر بدهشة : هو انت دماغك وجعاك
ضحك بصوت عالٍ ممزوج بغرابة من سؤالها : لا .. ليه؟
أجابت بضحكة مشاغبة : بتأكد إن معندكش ارتجاج في دماغك من ضرب امبارح
انطلقت ضحكته العميقة ، كالموسيقى تأسر قلبها ، وتذوب في عمق غمازاته الخلابة ، فى حين دنى منها ليخبرها في أذنها بمزاح عذب : انتي شاطرة في الهندسة بس بليدة في الرومانسية .. أنا بقي هديكي كورس مكثف فيها بالمجان وأخليكي الأولى على قلبي
ارتفع صوت ضحكتها العذبة فى ذهول كأنها قيثارة تُعزف بأوتارها الرقيقة ، لتنسج ألحانًا تسحر قلبه وتغمره بموجات من العشق أطاحت بأخر ذرة تعقل فى رأسه ، ليتضخم شوقه ولهفته لخوض تجربة أخرى تتيح له تذوق شفتيها المسكرتين ، وقبل أن تتمكن من الرد اجتذب وجهها نحوه بشغف لم يتحكم فى مقاومته ، ملتهماً كرزتيها المحمرتين من أثر البكاء ، بجنون وشغف يختلجان في قلبه.
أما هى ارتعش جسدها مع اقترابه المفاجئ ، ومزيج متناقض من مشاعر الخجل المتردد والشغف الجارف يتراقصان في قلبها بانسجام مثير يشعل لهفة لم تعشها هكذا من قبل ، لتغرق في بحر من عواطفه المتلاطمة ، تبتعد شيئًا فشيئًا عن كل ما عرفت ، لتصبح أسيرة لهذه اللحظة الساحرة ، شعر بأصابعها تسللت ، لتتشابك حول رقبته ، حركة صغيرة لكنها أحدثت داخله دوامة من المشاعر ، فزاد من عمق القبلة ، لتنساب أنفاسهما المختلطة كألحان ساحرة تعبر عن شغف روحي لا يمكن وصفه ، مع حرارة جسديهما التى تصاعدت في تزامن مثير مع نبضات قلوبهما المجنونة ، كأنهما يشاركان في رقصة غير مرئية تنسج بينهما خيوط الهيام الناري.
صرخ صوت داخلي في أعماق عقله حالما استغرقت طول القبلة الأخيرة عدة لحظات أطول ، مُنبهًا إياه بضرورة فصلها والإبتعاد عنها ، حتى لا تتأذى رئتها من انحباس الهواء في صدرها مدة طويلة مفسحاً لها مجالاً للتنفس ثم نبس من بين أنفاسه لها بوله : مينفعش تكبري دماغك من الشغل النهاردة وتخليكي معايا
هزت رأسها بالنفي ، محاولًا عقلها تذكيرها بضرورة المغادرة ، لتنفيذ ما خططت له فى الليلة الماضية ، بينما قلبها يتأجج شوقًا ، فى رغبة ملحة للبقاء معه حالما سمعته يستكمل بصوت لاهث : ليه مستكترة عليا كام دقيقة كمان في جنتك؟
_بجد متأخرة أوي وضروري أروح
تسربت نبرتها الضعيفة إلى أعماق روحه ، بينما لمساتها تداعب خده الشائك بنعومة ، تركت أثراً دافئاً على قلبه المتأجج ، أفقدته المقاومة ، ليحتضن شفتيها برقة متناهية ، كما لو كانت تلك القبلة وداعاً مؤقتاً.
فصل القبلة بسرعة ، وقال بلطف مستسلم : طيب خلاص .. هسيبك تخلصير .. بس هنفطر مع بعض ماشي؟
ردت بابتسامة محببة : حاضر
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
في ذات الوقت
داخل غرفة ريهام
تجلس ريهام على فراشها في غرفتها الواسعة ، يغمرها شعور بالتوتر الحانق ينعكس فى حدقتاها الزرقاوتين اللتان تنظران إلى الشاشة المضيئة إلى جهاز الحاسوب المحمول ، ليصدح صوت مصطفى الذي ينبعث منه استفسارٌ : عرفتي اللي حصل منين؟
لترد ريهام بنبرة تتسم بالحدة : أبريل حكيتلي عن اللي عملته في باسم .. انت إزاي تعمل حاجة زي كدا؟ دا مكنش ضمن اتفاقنا!
تدفقت الأسئلة بغضب على لسانها بإندفاع ، فقاطعها بصوت مُحتدٍ : وانتي مش شايفة اللي عملوا ال*** فيا؟
تعكر صفو ملامحها بمزيج من الغضب المكبوت والغيرة اللاذعة ، ليظهر ذلك جلياً فى نبرتها بعتاب جارح : غضبك خلاك تغلط .. و اهو علم عليك وعمل فيك زي ماعملت فيه .. هو مش النوع اللي بيخاف وينسحب زي ماكنت فاكر .. لا دا كمان استغل اللي حصل لمصلحته وابريل بايتة في بيته من ليلة امبارح
مرارة خانقة تشكلت في حلقها ، وهي تنطق العبارة الأخيرة التى تثاقلت بحجم خيباتها ، تشعر للمرة الثانية أن امرأة أخرى تتربع على عرش كانت تتوق لأن يكون ملكًا لها ، وكأن الزمن يعيد لها ذكريات الخسارة والألم بتحدى قاسي ، لتسترجع فى ذهنها مكالمتها معها بالأمس ، ثم كلمات ابنها عمر ، الذي أخبرها هذا الصباح أن أبريل ليست في غرفتها منذ ليلة الأمس.
غير منتبهة إلى معالم مصطفى التى إشتعلت بجمرات الغضب بعد خروج هذه الكلمات من فمها ، وكأنها طلقات نارية فى جسده ثم ما لبث تجعدت تعابيرها بالإستنكار حينما إستمعت إلى صوته الأجش ذو النبرة الخطيرة : فعلا كنت غلطان لما سمعت كلامك وفضلت ساكت عليهم .. لحد ما بقت علي ذمته وقدام عيني .. بس مش انا للي اسيب كلب زي دا يعلم عليا .. وهو واختك ووديني لا اكون قالب حياتهم جحيم
انتفض جسدها من حدته ، لكنها تمالكت نفسها سريعاً عابثة فى خصلاتها ، مُحاولة أن تُظهر الإستخاف الحاد في وجهه عبر الشاشة ، وبنبرة تحمل الشماته قالت : والله أنت اللي محسبتهاش صح .. دا غير إنك عملت اللي عملته من غير ما ترجعلي
_بلاش الشويتين دول يا ريهام .. انتي بس متضايقه من اللي حصل في حبيب القلب .. بس مش معنى كده تنسي روحك وانت بتكلميني
أخذ مصطفي لحظة ليلتقط أنفاسه الثائرة ، ثم أضاف ببرود قاسي : لو مالكيش مصلحة مكنتيش دخلتي في الجيم من الاول .. احنا كان بينا اتفاق اخلصك من الشيكات اللي على ابوكي وديون امك بمجرد ما ابريل ترجع لي ندمانه بس اظاهر اني هلغي الاتفاق دا!!
ضربت ريهام بكفها على الفراش ، وهى تنفث زفرةً حارة ، لترد بنبرة تحمل غضباً حاداً : ابريل ممكن تكون غلطت .. بس انت كمان مش ملاك ولو هترجعها ليك يبقي من غير ما تمس باسم بأي اذية!!
_دا كان قبل ما الهانم تروح تبات عند الحيوان دا .. لكن من دلوقتي خلاص كل هدفي بقي اني ادمر كل اللي يخصو باسم وابريل .. لحد ماتيجي راكعة تحت رجلي واكسرها .. مافيش حد مش هيطوله الاذي حتي انتي يا ريهام..
قال عبارته بنبرة تفيض بالقسوة والشراسة ، ثم إنقطع الإتصال تماماً حالما أغلق شاشة الحاسوب ، فتململت ريهام في مكانها ، وشعور الخوف يتوغل فى قلبها من تهديده ، وهي تدرك أن الجميع سيصبح في خطر حقيقي أمام هذا المختل.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى منزل باسم
كانت الشمس تسلل خيوطها الذهبية عبر النافذة المفتوحة ، وتجلس أبريل وباسم على طاولة تتوسط الصالة أمامهما أكواب من عصير البرتقال الطازج ، وبعض الأطعمة الخفيفة التي تناسب وجبة الإفطار ، حتى قطعت أبريل الصمت بقولها المفاجيء ناظرة له بعينين مليئتين بالتردد والفضول.
_هو أنا ممكن أسألك سؤال؟!
كانت نبرة صوتها متوترة ، تشبه خطوات طفل يخشى أن يعبر عن مشاعره الحقيقية ، في تلك اللحظة ، لم تكن تسأل فقط ، بل كانت تبحث عن إجابة قد تكون مفتاحًا لراحة بالها ، إجابة تتعلق بما يخفيه باسم في قلبه.
_طبعًا .. خدي راحتك
قالها باسم بنبرة ثابتة وواثقة ، لكنه كان يشعر أن السؤال التالي سيحمل شيئًا أعمق من مجرد استفسار عابر ، فهزت رأسها قليلاً وكأنها تجمع شجاعتها للسؤال التالي : انت عمرك .. حبيت .. حب حقيقي؟
كلماتها خرجت كحبات المطر الأولى في يوم شتوي بارد ، بطيئة وثقيلة ، ونظراتها متشبثة بعينيه ، تتوق لمعرفة حقيقة مشاعره القديمة تجاه أختها ، هل لا تزال تلك المشاعر تسكن أعماقه؟ ورغم أن طرح هذا السؤال قد يبدو ، وكأنه طوق نجاة لقلقها المكبوت ، إلا أنها تدرك في أعماقها أنه قد يفتح أبوابًا لدوامة جديدة من عذاب يشعل نارًا خامدة في قلبها ، قد لا تستطيع كبحها إذا اندلعت.
_ماقدرش أقول عليه حب حقيقي .. عشان دايمًا الحب الأول بيكون عفوي ومشاعرك على طبيعتها .. بس دا كان حب قديم .. و من زمان أوي.
هكذا نطق بجملته ، التي تحمل في طياتها صدى الماضي بلا مبالاة ، وهو يقطم قطعة من التوست في فمه ، في تلك الأثناء لم تعد فقط تبحث عن حقيقة الحب القديم ، بل عن مكانها هي في حياته ، لذا سألته بصوت متردد ، ولكنه مكتظ بالتحدي الخفي : مش يمكن لسه الحب القديم دا جواك؟ عشان كدا مش قادر تعيش حب جديد؟
كانت كلماتها تُلقى كحجر في ماء هادئ ، تولّد دوامات من التساؤلات في قلب باسم من إهتمامها الواضح بهذا الموضوع ، لكنه هز باسم رأسه ببطء وأجابها بنبرة مفعمة بالتوازن والهدوء : ما أظنش .. عشان المشاعر بتتغير في كل مرحلة من حياتنا وبننضج .. اللي كنا شايفينه مناسب لينا إمبارح .. ممكن ما يناسبش تفكيرنا وأهدافنا ورغباتنا النهاردة
مع كل إجابة يقدمها كانت تشعر بأنها لا تزال بحاجة إلى المزيد ، لكنها لم تستطيع إخفاء ابتسامتها التى حملت مزيجًا من الاستغراب والإعجاب فى نبرتها الرقيقة : بتعرف تقول كلام موزون
رفع باسم حاجبيه ممازحًا ، وهو يحاول كسر التوتر المتصاعد بينهما قبل أن يتجرع من كوب العصير : هو كنتِ شايفاني تافه أوي كدا؟
ضحكت أبريل بخفة ، وتجنبت عينيه لثانية ، ثم ردت بتمهل ، وكأنها تختار كلماتها بحرص : مقدرش أسميك تافه .. ممكن سطحي وبتاخد كل حاجة بالتريقة و الهزار ومع معظم الوقت بتكون ساخر
أومأ باسم برأسه موافقًا على هذا الوصف جزئيًا ، قائلا بإبتسامة جذابة : يمكن لأن التفكير الزايد بيتعب ويعطل
كانت هذه الجملة بمثابة مفتاح لفهم جزء كبير من شخصيته حيث يفضل السخرية كوسيلة لحماية نفسه من الغوص في مشاعر قد تكون مؤلمة أو مرهقة ، لكنها لمست إستعداده البائن للإفصاح عن مكنوناته معها تدريجياً.
_وانتي لسه للحب القديم مكان جواكي؟
أعادها سؤاله الجاد إلى الواقع ، بهدوء يتناقض مع العاصفة التي تأججها الغيرة فى ثنايا صدره ، بينما تجلت دهشتها في اتساع عينيها ورفع حاجبيها ، فلم تكن تتوقع هذا السؤال المباشر ، نظرت للأسفل للحظة ، ثم رفعت رأسها ، وأخذت نفسًا عميقًا ، لترد بنفس صيغة إجابته المبهمة : كل ما بنكبر اكتر بنحتاج لإنسان يفهمنا ونحس معاه بالامان وانه السند .. خصوصا ان دي هي الحاجات للي طول عمري كنت مفتقدها..
إلتقطت انفاسها لثوانٍ ، مستطردة بجدية لا تخلو من النعومة : بس بعد بحث و معرفة اكتر اكتشفت اننا لازم نتصالح مع نفسنا ونتشافي من جروح الماضي الاول .. عشان يجي لحياتنا الانسان الصح .. والا هنفضل نجذب اللي عندهم نفس احتياجنا
شبك باسم قبضتيه تحت ذقنه ، مرتكزاً بمرفقيه على الطاولة ، بينما ارتسمت على شفتيه شبح ابتسامة إعجاب ، ثم غمغم بنبرة شبه مازحة : بتقولي كلام خطير أوي
ارتفعت ضحكتها الرقيقة تأسر قلبه بأنغامها الساحرة ،
تسللت الكلمات من شغاف قلبه ، لتنساب بنبرته العميقة المفعمة بالشغف ، مثل لحن بديع يثير دقات قلبها برقة : كل شوية بتظهر فيكي تفاصيل بتجنني اكتر .. وبتخليني ماحسش بنفسي وانا معاكي .. فيكي جاذبية عجيبة بتشدني نحيتك زي ماتكوني حبة مغناطيس مابتخلنيش قادر اسيطر علي روحي وانتي قدامي
أنهى عبارته بإبتسامة مهلكة تعلو شفتاه ، وأمسك يدها برقة عبر الطاولة ، كأنه يربط بين قلبيهما بخيوط من الهيام ، توردت وجنتاها بلون قانى يُشبه أزهار الربيع المتفتحة ، بينما عضت على شفتها محاولًة تغيير الموضوع بسرعة، وهى تسحب يدها برفق من تحت كفه : ممكن نكمل فطار؟
لمعت عينيه بعشق يسرى فى شرايينه ، وهو يعقد ذراعيه أمام صدره متسائلاً بهدوء : ماشي قوليلي تحبي تعرفي إيه تاني عني؟
_مش على بالي حاجة معينة ..
هكذا أجابته بصوت غير مبالٍ قبل أن يطرأ فى ذهنها أمراً ما ، فصمتت ثوانٍ تستجمع شتات افكارها ، ثم سألته بنبرة يتخللها القلق الخفى : بس ممكن مثلا تقولي إيه هي أكتر حاجة ممكن تخليك تكره إنسان وماتحبش تعرفه تاني؟
إستغرق باسم لحظات فى التفكير قبل أن يجيبها ، وعينيه تلمعان بشيء من الجدية : الخيانة
_عارف هتستغربي يعني عشان علاقاتي السريعة كتير .. ايوه محبتش ولا واحدة فيهم .. بس تعرفي محاولتش اخون ولا واحدة يعني مابقاش مع حد واروح اعمل علاقة تانية بغيرها .. ف اكتر احساس يعصبني ويطلعني عن شعوري و تخليني اقفل باب التفكير في انسان هي انه يحسسني اني مغفل وبيتلعب بيا من ورا ضهري
رده الحاسم إرتطم بها كمرآة تعكس طباعها ، فهو يفكر بطريقتها ، وهذا جعل قلبها يخفق بجنون ، وكأن طبولًا صاخبة تدوي في صدرها ، أفكارها تداخلت كضباب كثيف يحجب الرؤية ، لتتأرجح بين رياح التوتر وعواصف التردد ، إذ لا تعلم كيف ستكون ردة فعله عندما يكتشف ما هي على وشك القيام به اليوم.
_سرحتي في ايه؟
سألها بنبرة فضولية ، حاولت الرد لكن الكلمات علقت في حنجرتها : انا...
إمتدت أصابعها المرتعشة لإلتقاط الكوب ، ليفلت من يدها لا ارادياً ووقع على الأرض ، مما أحدث صوت تكسير عالٍ متناثرًا إلى شظايا صغيرة ، مما جعلها تجفل لوهلة ، ثم انتفضت من مكانها قائلة بتوتر : أنا آسفة .. مقصدتش
_عادي .. فداكي
نظرت إلي إبتسامته الهادئة بعينين مهزوزتين بعد أن أصبح بجانبها ، ممسكاُ يداها اللتان ترتجفان بشكل ملحوظ : مالك اتوترتي كدا ليه؟
شعرت بنظراته كأنها تخترق جدران قلبها الخفية ،
فابتسمت ابتسامة باهتة ، مُحاولة التظاهر باللامبالاة ، وهي تتوجه نحو الكرسي حيث تركت حقيبتها النسائية :
أصلي اتأخرت على الشغل .. يعني يدوب أطلب أوبر وأروح
إقترب باسم منها بنظرة ماكرة في عينيه ، وكأنه يرى فرصة لتأجيل مغادرتها ، قائلا بهدوء : ليه أوبر؟ خدي عربيتي روحي بيها
_إزاي وانت...
قاطعتها ضحكته الجذابة ، وهو يرفع يده ليوقفها عن الكلام : هروح فين بوشي دا؟ وبعدين كده أضمن إنك هترجعي بالعربية عندي عشان نتغدى سوا ونكمل اليوم مع بعض
_انت أستاذ في التخطيط
ردت بمزحة محاولًة السيطرة على خجلها ، فابتسم باسم كاشفاً عن نواجذه ، رافقت جملته العابثة غمزة شقية : أستاذ في حاجات كتير .. وبكرة تتأكدي بنفسك
مال عليها قليلاً وهو يتحدث ، متكئاً بكفه على ظهر الكرسي خلفها ، مُشعلاً بينهما شرارة شوق لا يمكن إنكارها
_باسم بطل التلميحات السفلة بتاعتك دي!!!
لم تستطع إخفاء نغمة الارتباك الخجول الذي يتسرب إلى صوتها بينما دنا بجسده الذى يتحرك لا إرادياً كخيط مشدود نحوها ، عيناه لا تفارق شفتيها المتوردتين اللتان تألقتا بلمعان مثير من تمرير لسانها عليهما بتوتر ، كأنها ترسم لوحة حية من الإغراء ، أشعلت فى جسده رغبات تحبس الأنفاس فى صدره ، فتتأجج براكينه مهددة بالإنفجار ، انبعثت نبرته مفعمة بشغف مفتون : عارفة لو فضلتي تقولي اسمي بالطريقة دي وتمصمصي شفايفك كدا .. مش هتتحركي أبدًا من هنا .. وسفلتي وقتها هتطلع بجد
إتسعت حدقتاها بصدمة خجولة ، فابتعدت قليلاً وهى تشعر بحرارة مشاعره تسربت إلى وجهها فألهبته ، ثم أطلقت تنهيدة خفيفة رفقت لجلجتها المرتبكة : كلامك دا بيوترني علي فكرة وأنا كدا هتأخر...
أنهت كلماتها بسرعة ، تتحرك نحو باب المنزل ، فاتبعها بخطوات هادئة وثابتة ، محاصرًا جسدها بينه وبين الباب ، وجعلها تلتفت نحوه ، فنظرت بتردد إلى عينيه الغارقتين في تأمل عميق بها.
_ليه كل ما أكون عاوز أعبر لك عن مشاعري نحيتك بتهربي؟ وليه بتبقي حلوة اوي لما بتحمري وتتوتري كده؟"
سألها باسم بصوت خافت ، يحمل عبق الشغف والإفتتان ، نفذ إلى أغوار روحها ، يشعله بحرارة ساحرة اطلق زفيره الحار بجانب أذنها ، لامساً شفتيها بنعومة بأبهامه ، مستطرداً بإبتسامة : طيب عارفة ان التوتر بتاعك دا دليل علي ان قلبك بيتحرك نحيتي زي الاكسبريس .. مهما عاندتي انك توقفيه او تتحكمي في دقاته هيكمل في طريقه ليا .. بطلي معافرة في نفسك... وفيا
رفرفت خفقات قلبها كفراشة مأسورة تحت سحر همساته التي دغدغت أعماق مشاعرها ، أسدلت جفونها بخدر طفيف، حالما اقتربت أنفاسه تلامس شفتيها برقة ، ثم اطبق عليها بشفتيه في قبلة هادئة ، سرعان ما أشعلت فيها نيران شغفه من تجاوبها الخجول معه ، وكأنها أوقدت شرارةً في بركان عواطفه الثائرة.
_استنيني هنا .. هجيبلك المفاتيح من جوا وراجع
همس باسم بخشونة حانية بعدما فصل القبلة التي تركت أثرها في أنفاسه المتسارعة بجنون ، ثم غاب عنها لبضع لحظات ، بينما ظلت هي في مكانها ، تلتقط أنفاسها اللاهثة ببطء ، تتلمس بإنشداه مسرور آثار قبلاته التي ما زالت عالقة على شفتيها حتى عاد إليها بالمفاتيح ، وودعها بعناق حار جعل شيئًا في داخلها يرتعد بألم غامض ، فتشبثت به بكلتا يديها كأنها لا ترغب في انتهاء تلك اللحظة الدافئة.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
بعد مرور ساعة
توقفت سيارة باسم أمام مبنى راقي ، ترجلت أبريل
تسير بخطوات متوترة ، قلبها يتراقص كفراشة حبيسة تضرب جناحيها على جدران صدرها ، لكنها تعلمت إخفاء هشاشتها خلف قناع الصلابة والتهكم.
رفعت رأسها بثقة ، وهي تتقدم نحو الداخل ، تصعد إلى الطابق الموجود به شركته ، ثم تقدمت نحو السكرتارية تطلب منها إذن للدخول ، فرفعت سماعة الهاتف ، لتتحدث بتردد ملحوظ : أيوه يا مستر مصطفى .. مدام أبريل موجودة برا وعاوزة تقابل حضرتك
أغلقت الخط بعد ثوانٍ قصيرة ، ثم نظرت إلى أبريل بابتسامة مهنية : اتفضلي .. مستر مصطفى منتظر حضرتك في مكتبه
_شكرا
قالتها ابريل بإبتسامة صفراء بعد أن لاحظت نظراتها المدهوشة من قدومها الجرئ إلى عرين الأسد ، لتتأكد من متابعة أخبارها بإهتمام ، خاصة بعد أن منادتها بلقب مدام.
قدماها تحركان بثبات ظاهري نحو الباب ، أخذت نفسًا عميقًا وهي تفتحه ، نظراتها تلاقت مع عينيه اللتين كانتا تشبهان شظايا الجليد ، مسلطة عليها بجمود من خلف مكتبه
_جيتي ليه يا أبريل؟
سألها بصوته الذى خرج باردًا قاسيًا ، كما لو كان ينحت الكلمات على حجر
ثبتت عينيها عليه بهدوء دون أن ترمش ، وإبتسامة جانبية إرتفعت على شفتيها المكتنزتين مجيبة بنعومة مثقلة بالسخرية : جيت اتفرج على الراجل الوقور وهو بيتحول لراجل عصابات وقاطع طريق
وقف مصطفى من خلف مكتبه ببطء ، ثم إقترب بخطوات واثقة ، شعرت ببرودة جسده المهيبة تحيطها ، وهو يلتف حولها مثل نمر يدرس نقاط ضعف فريسته ، كتمت أنفاسها تلقائياً ، كأن رائحة الخوف ستفوح منها فتصل إلى حواسه المتأهبة لإلتهامها بلا رحمة.
تابعت حركات مصطفى بزاوية عينيها ، بينما وقف خلفها مباشرة ، وصوته المنخفض تسلل مثل السمّ يملأ الجو بخبث شيطانى وهو يسألها : وأنهى واحد فيهم عجبك أكتر؟
_انت زودتها أوي بتصرفاتك اللي بقت خارجة عن السيطرة..."
صوتها كان مزيجًا من التحدي والإستهجان ، وهى تستدير نحوه بنفاذ صبر ، ثم صاحت تردف : فضلت ساكتة عن قسوتك و تهديداتك و عداوتك لحد ماوصل بيك الحقد والكره تعمل للي عملته امبارح ... بأي حق
ضاقت عيناه قليلاً ، بينما لمعت في صوته نبرة غضب : بتلوميني على إيه وانتي السبب في دا كله؟
إشار قبضته أمام وجهها يعتصرها بقسوة ، معتبراً تحديقها فيه تحديًا مستفز بحد ذاته ، وهذا زاد من تصاعد حقده المكتوم ، وتابع من بين أسنانه المطبقة بعنف : تعرفي .. لولا إني كنت متمسك بآخر ذرة عقل في راسي كنت خلصت عليه
ألسنة الحقد المتأججة في سواد عينيه أنبأتها بأن العناد لن يجدى معه نفعاً ، فخفّضت نبرتها بهدوء لتفادي اشتعال ما هو أخطر : كفاية كدا يا مصطفي .. وقف الحرب دي لو سمحت ... وقفها
نبرتها حملت صدى من رجاء خفي إنعكس فى عيناها اللامعتان ، ليميل برأسه متفرسًا فيها بعينين ثاقبتين ، ثم بسؤال قاتم مليء بالتهكم قال : الدموع اللي جوا عيونك دي .. خوف مني ولا خوف عليه؟
تنفست ابريل بصعوبة ، وخرج صوتها هادئًا ، لكنه مثقل بالتوتر : انا كل اللي عايزاه منك تنهي العداوة دي .. انا معنديش القوة عشان احاربك واتحداك زي ما انت فاكر .. انا مش زيك...
بحاجب مرفوع من كلماتها التى استفزته ، قاطعها بضحكة ساخرة ، وبلهجة لاذعة كحد السيف قال : ماتضحكيش علي نفسك .. انتي زي بالظبط ماتفرقيش عني حاجة..
تلاشت صدى ضحكاته فى الهواء ، ثم بعينين تشتعلان غضبًا إقترب اكثر منها ، ليواصل بهسيس حاد : زودي علي كدا انك انانية وغدارة ... وخاينة!!!
ابتلعت ريقها بشق الأنفس من كلماته التى طوقت عنقها بعقد من الشوك السام ، سلب منها القدرة علي التفكير للحظات ، وقفت فى مواجهته تمتزج نيران حقده الحارق ، مع نار التمرد المتأجج بتحدى متوهج على أمواج عينيها الفيروزية المستهجنة في صراع مستعراً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية جوازة ابريل) اسم الرواية