Ads by Google X

رواية جوازة ابريل (2) الفصل الثلاثون 30 - بقلم نورهان محسن

الصفحة الرئيسية

       

رواية جوازة ابريل (2) الفصل الثلاثون 30 - بقلم نورهان محسن

     
الفصل الثلاثون (مكيدة الشيطان) النصف الأول
                                    
                                          
 
عندما تتوقّف المرأة عن كونِها "شرِسة" معك ، 
تُجيب على إتهاماتك بمنتهى الجمود ،
لا تُعاتب ، لا تبرر ، لا تلوم ،
عندما تقول "نعم" انت ربحت دون حتّى مناقشتك ،
تأكّد أنك لم تعد بحوزةِ قلبها ، 
لم تعد تعنيها ،
فالأُنثى داخل الحُب لا تُشبه نفسها وهي خارجه ، 
حين تتوقّف عن فعلِ يثبت لك خطئك فى حقها فأنت خسرتها...



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



في مكتب مصطفي



_زودي علي كدا انك انانية وغدارة ... وخاينة!!!



ابتلعت ابريل ريقها بشق الأنفس من كلماته التى طوقت عنقها بعقد من الشوك السام ، سلب منها القدرة علي التفكير للحظات ، وقفت فى مواجهته تمتزج نيران حقده الحارق ، مع نار التمرد المتأجج بتحدى متوهج على أمواج عينيها الفيروزية المستهجنة في صراع مستعراً. 



_خاينة!!!



رددتها خلفه بصوت يفيض إستنكار ، غير مصدقة إلى أي مدى وصلت حقارته ، هل يحاول تحميلها وزر أكاذيبه الآن ، سرعان ما رسمت ابتسامة باردة على شفتيها متمتمة بهدوء : هو انت ازاي مصدق نفسك كدا وانت بتقولها..؟



رمقته ابريل بازدراء ، وأشارت بإصبعها باستخفاف تجلى فى جملتها بما يكفي لتنهش كبرياءه بخنجر مسموم : عموما اخر حاجة ممكن تهمني هو انت شايفني ازاي..! كنت يعني هنتظر ايه من واحد ساب فعله هو ومسك في رد فعلي اللي كان طبيعي!! 



تقوست زاوية فمه بسخط مكبوت ، أدارت له ظهرها وتقدمت نحو أحد المقاعد أمام المكتب ، جلست بهدوء ، وأرست حقيبة يدها برفق على قدمها ، بينما أبقت نبرتها مشبعة بسخرية لاذعة : سيبتني ابني قصور من رمل واتخيل اني هعيش فيها مع راجل محترم في استقرار .. اتوهمت اني معاك هلاقي الامان والحنان اللي اتحرمت منهم .. سيبتني ارسم احلام في الهوي طلعوا كلهم سراب.. 



تدفقت الكلمات من شفتيها كاعتراف متأخر ، وصوتها خافت كهمس سرٍّ محاط بالأشواك ، لكنها مضطرة لتفريغ شحنات الألم والغضب المكبوت ، بينما هو ظل واقفاً بثبات صامت : اتهد دا كله في اللحظة للي نزلت بجري بفستان الفرح وانا بضحك بفرحة صحيت منها علي صوت واحدة ست وهي بتقولي انا مرات مصطفي ...خطيبك!!



_وبعد دا كله بتقول عني انانية و غدارة وخاينة!!



كررت ابريل كلماته بهدوء مشبع بالاحتقار ، كسيف مسنون مزق ما تبقى من احترامها له ، منهارة صورته في عينيها كقلاع رملية تحت أمواج الخداع ، أما هو يدرك أنه ظلمها ، لكن صراعه مع ضميره تلاشى أمام طغيان مارد غروره ، حالما اخترق صوتها أذنه بتحدٍ يخدش كبرياءه الذي يعتز به.

 
                
خطى مصطفى فى إتجاهها بخطوات حثيثة ، جالسًا أمامها بشموخ ، بينما نظراته تتوغل في عمق عينيها بحدة تنافى هدوء ملامحه الخارجية ، مؤكداً لها بإصرار محتقن بالقهر : ايوه وهفضل اقول .. انتي اعتبرتيني عدوك وفسختي خطوبتك مني من غير ماتديني فرصة وتسمعيني .. افتكرتيني قاصد اذيتك وخربشتي بضوافرك في كرامتي ورجولتي قدام الدنيا كلها .. نسيتي اني كنت احن عليكي من ابوكي نفسه .. نسيتيلي كل الحلو للي عملته معاكي .. حسستيني اني شخيخة بين صوابعك ورميتيها زي دبلتي .. 



أخذ صوته يرتفع أكثر ، غير قادر على كبح غضبه العارم : حرقتي كرامتي زي فستان فرحك .. جبتي حد تاني في مكاني في نفس الساعة للي قلعتي فيها دبلتي .. وكان مطلوب مني في الاخر انخ و اخرس عشان الفضايح.



هو ظلمها بغدر ، لكنها تعترف أن رد فعلها كان أشبه بقنبلة موقوتة فى صميم رجولته ، فأخذت نفسًا عميقًا ، وقررت أن تضع عنادها جانبًا ، عازمة على إنهاء هذا الفصل المظلم من حياتها ، فما الحكمة من مواصلة صراع لن يؤدي إلا لمزيد من الكوارث.



_عارفة اني اتسرعت في اللي عملته .. وكان في طرق كتير يتحل بيها الموضوع .. بس كنت مجروحة مش شايفة غير خداعك ليا .. انا معترفة بكل ده ... واسفة يا مصطفى إني مديتكش الفرصة للي تدافع فيها عن نفسك .. بس لو سمحت كفاية كده ... ونقفل الصفحة دي



أنهت ابريل جملتها بتهدج مغلف بشفرة حادة غمرت نبرتها ، بينما اتكأ بمرفقه على حافة المكتب ، وأخذت أصابعه تتلمس جانب جبهته ، وومض في ذهنه هاجس تزامن مع إستفساره المشوب بتملك صارخ : افهم من كدا ان عندك استعداد تسيبيه و ترجعيلي؟!



_مش فاهمة .. قصدك إيه!!



إرتسم على ملامحها خليطاً من براءة متصنعة وتوجس خفي ، وسؤالها الهادئ حمل شرارة انفجار على أعتاب معركة وشيكة ، فيما اعتدل في جلسته ، مع انحناءة صغيرة نحوها ، موضحاً لها بثبات : قصدي واضح آن الاوان ترجع الامور لموازينها الطبيعية مابقاش له لزوم تكملي معاه افسخي جوازك منه وانا مستعد انسي واغفرلك.. 



صمت مصطفى عدة ثوانٍ عيناه تتفحصان وجهها ، بحثًا عن أي إشارة تدل على استسلامها ، لعله يستعيد السيطرة التي تسرّبت من بين أصابعه كخيوط تلك الدمية الجالسة أمامه ، متابعاً بنبرة أكثر هدوءا مع رغبة تتزايد في استعادتها بأي وسيلة : انا لسه عاوزك يا ابريل وهعوضك بكل للي تطلبيه عشان تحسي بالامان من تاني معايا وا..



طويت ابريل ذراعيها تحت صدرها ، ولوت فمها بابتسامة استفزازية ، لتقاطع حديثه بسؤال ساخر متعجب : يعني انت لسه عندك استعداد تدفع فيا فلوس تاني عشان اكون معاك..؟!



جف مصطفى حلقه عقب أن تلقّى كلماتها كصفعة غير متوقعة ، فتراجع قليلاً وعينيه ارتجفتا للحظة ، قبل أن يستعيد توازنه ويرسم قناعًا جليديًا على وجهه ، يخبئ خلفه سيلًا من المشاعر المضطربة ، بينما وضعت قدمها فوق الأخرى بثقة واضحة ، وثمة سخرية لئيمة تتسرب من بين شفتيها : إيه مالك!! انصدمت كده ليه؟ مش هو ده سر تمسكك بيا؟! مش بابا ومراته باعوني ليك عشان الديون اللي اتراكمت عليه والأوتيل اللي دخلوك شريك فيه...




        
          
                
رفعَت إبريل ذقنها عالياً ، بنظرة احتقار تتلألأ في عينيها ، تقابلها نظراته القاسية المشبعة بالتوتر حاول السيطرة على أعصابه ، لكن السخرية في حديثها كانت مثل قبضة فولاذية إعتصرت طغيانه بتحدى.



هزت كتفيها بلا مبالاة ، وأخذت أناملها تعبث بقلم فوق المكتب ، وهى تتابع بنبرة أشبه بالهمس : ده طبيعى مستثمر كبير زيك ... مايحبش يدفع فلوس في بضاعة مايعرفش يستنفع من وراها .. حتي لو هيخسر فيها مستعد يدفع بزيادة .. بس الصفقة ماتروحش لإيد منافس تاني



جزّ مصطفى على أسنانه بغضب جلي يسري في عروقه ينذر بتفجر ثورة بداخله ، فى حين كانت تذكرت حديث أخيها الذي كشف لها جميع هذه التفاصيل ، ثم بضحكة تفيض ألماً وازدراءً ، اضافت مسلطة فيروزيتها نحوه : مش انا كنت بالنسبالك صفقة مجرد سلعة في مزاد عمالين تبيعو وتشترو فيها!! وعارف ليه لحد دلوقتي محدش فيكو كان عايز يقولي ولا حاولتو تضغطو عليا بالكارت دا .. عشان انت متأكد زيهم ان مش هيفرق عندي ولا يصعب عليا للي باعني ليك وقبض تمني يفلس .. يداين .. او يتسجن



أنهت ابريل كلماتها بهدوء قاسٍ ثم إنحنت قليلا بظهرها صوبه وواصلت بنبرة مفعمة بالجدية : مش كنت سألتني انا جاية ليه؟ انا جيت عشان انهي الخلاف بينا بإحترام و اعتذرتلك رغم كل اللي عملته معايا .. بس انت عاوز تستغل دا وفاكرني هتخدع تاني فيك .. للاسف دا مستحيل يحصل ومش محتاجة افكرك اني دلوقتي ست متجوزة وبحب جوزي ومش هسيبه .. فوفر وقتك وابعد عننا .. وروح خد فلوسك من للي اديتهالهم دا مايخصنيش



صدى كلماتها كانت كالرصاص يخرق هدوء المكان ، وصمته يعلن انتصارها في تلك المواجهة ، استقامت بجسدها من الكرسى لتمشي نحو الباب بخطوات ثابتة 



_الفلوس دي هعرف اخدها بطريقتي مش ده اللي شاغلني .. بس انتي فاكرة بعد كلامك ده هتقدري تحميه مني؟



منعتها كلماته الباردة التى نبضت بتهديدٍ صارم قيّد حركتها عن الخروج ، ولا تنكر أن شعورها بالخوف على باسم ، هو السبب الرئيسي لمجيئها ، لكنها عندما رأت الكدمات تملأ وجهه ، اطمأنت لوجود ذئب شرس بجوارها ، قادر على حمايتها من هذا الثعلب الخبيث.



أستدارت بجسدها إليه ودى قلبها بعنف خلف ضلوعها ، حالما رأته يقف من مكانه ويسير فى إتجاهها ، فتجلت نظراتها علي الكدمة الواضحة أسفل عينه وبجانب فكه ، مشيرة نحوه بإيماءة من حاجبها ، نافية بتحدى : لا .. هو مش محتاج مني احميه .. واكبر اثبات باين علي وشك



تشكَّلت ابتسامة ساخرة على شفتيها فى نهاية عبارتها ، مما أغضبه أكثر ، إنحنى قليلاً نحوها مما شكل جسده سحابة داكنة تغمرها بظلها الداكن ، مثبتاً عينيه في فيروزيتها المتحدية ، بينما يتحدث بصوت عدائي من بين أسنانه المضمومة : دي كانت الفرصة الاخيرة ليكي عندي يا ابريل .. للي من بعدها مفيش حاجة هتحوشني عن للي هعمله فيكي ولا هتاخدني شفقة عليكي .. ووراكي لحد ما اندمك كويس اوي .. عشان مش اللي تستهواني بيه ولا هتعرفي تضحكي عليه بإعتذار بارد زي للي قولتيه




        
          
                
_صحيح خالف تعرف ... هي دي حقيقتك .. جواك اسود والحمدلله ان ربنا بيحبني عشان قدرت اخلص منك



_ تبقي غبية لو فاكرة انك هتخلصي مني .. انا زي السرطان يا ابريل هفضل لابد في دمك وانخر في حياتك لحد ما ادمرها بالبطئ .. وصدقيني كل ذرة فيا متشوقة للحظة ماتجيلي وانتي ندمانة ومكسورة وبتطلبي رحمتي عشان اسامحك .. ساعتها هدوسك تحت جزمتي زي اي لعبة تافهة مالهاش اي قيمة



_سبق وقولتلك وفر تهديداتك دي عشان مش هتقدر تخوفني بيهااا.. 



قاطعها مصطفي بإصرار عنيف : بس المرة للي فاتت قولتي ان معندكيش حاجة تخسريها و دي كانت كدبة لان عندك حاجات كتير اوي ممكن تخسريها بسبب العناد للي سايقة فيه قدامي بس خلاص شوية الصبر للي كنت محوشهم ليكي خلصو ومن اللحظة هتشوفي ازاي اقدر اقلب حياتك جحيم ومش بالكلام زي كل مرة الافعال تنفذيها بدأ



ردت ابريل بحسم غاضب : الأفعال اللي بتهددني بيها دي مش رجولة .. دا دليل علي جبنك وخستك اللي مكنتش شايفاهم قبل كدا



عينيه لمعتا بنار لن تُخمد بسهولة ثم بعزم مخيف هتف : التهديد اوانه فات .. من انهاردة هطلعلك جوا كل كابوس هتشوفيه في نومك يا ابريل .. هخليكي دايما خايفة تصحي من عز نومك علي خبر موت حد عزيز عليكي .. اخوكي او ابن اختك ويمكن النسوانجي بتاعك .. وانا هكون اكتر من مبسوط بتعذيبك وحسرتك عليهم .. واوعدك بتاع النسوان مش هيكون جنبك عشان يحميكي من طاقة جهنم اللي فتحتيها علي نفسك وعلي اهلك..



كلماته إنهالت علي قلبها كالسياط مزقه بعنف مرتعب ، وقد وصلت المعركة إلى ذروتها ، لكنها بالتأكيد لن تكون المنتصرة بها.



☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼



عصراً



سارت إبريل نحو شقة باسم بخطوات بطيئة ، وهي تشعر بثقل في قلبها ، وكأنها تحمل جبالًا من القلق فوق كتفيها.



فتح باسم الباب بابتسامة دافئة ، تشبه حرارة حضنه الذي غمرها به ، دفء نبع من أعماقه ليذيب جليد التوتر الذي أحاط بقلبها ، بينما ذراعيه نسجت حولها خيوطاً لا تنفك بسهولة ، وهمس في أذنها بنبرة هادئة : وحشتيني يا إبريل .. اليوم كان طويل من غيرك



كانت جملته كالنسيم الحاني على قلبها ، لكنها شعرت أن الصمت بينها وبين نفسها كان أكثر ارتفاعًا من الكلمات ، فإكتفت بإبتسامة خجولة رداً عليه ، وهى تخرج من بين ذراعيه.



أمسك باسم بيدها بحنان ، وقادها إلى طاولة الطعام التي رتبها بنفسه ، لتتفاجأ بالطاولة مُزينة بأطباق شهية بعناية ، والشموع تضيء بلمسة ساحرة ، ورائحة العطر تفوح منها ، تخلق جوًا خياليًا ، وكأنهما في عالمٍ خاص بهما مع إضاءة خافتة تشع من مصابيح صغيرة بالأركان ، والستائر المغلقة تعزلهم عن العالم الخارجي.




        
          
                
بحركة مليئة باللباقة ، سحب لها كرسي على اليمين لتجلس عليه ، ثم جلس على رأس الطاولة ، بدأوا في تناول الطعام ، ويبادلان أطراف الحديث ، لكن فى عوالمهم الخفية كلاهما مستغرقاً في أفكاره.



إبريل غارقة في دوامة من التردد ، تخشى أن يكون الاعتراف بما فعلته شرارة تشعل غضبه ، فى اللحظة الحالية التى تشع بالسعادة ، حيث تدلّلت على نسمات حبه وعاطفته ، وكل كلمة منه كالعطر الذي ينعش روحها ، لا ترغب في إفساد هذه اللحظة الثمينة ، رغم أنها تدرك أن الصمت قد يمزق الثقة بينهما ، لذا قررت أن تؤجل المسألة ، وتخطط لحديث تدريجي في وقت لاحق.



توجه باسم نحو المطبخ ، ليحضر أطباق الحلوى ، لكن أفكاره كانت تطارده بلا رحمة ، تتقافز في ذهنه كظلال متلاطمة ، فهو يعلم أنها ذهبت إلى مكتب مصطفى ، لم يكن الأمر سرًا بالنسبة له ، هاتفه الذي أصلحه اليوم كشف له عبر تطبيق المراقبة أنها كانت عائدة من طريق الشركة ، والغيرة والشك كوحشين عنيفين ينهشان قلبه بضراوة ، لكنه كبح غضبه بأعجوبة ، منتظرًا أن تبادر هي بالحديث.



بعد فترة وجيزة 



لاحظ باسم شرودها وصمتها الطويل ، مما جعله يحاول كسر الجدار بطريقته الخاصة ، أمسك بقطعة حلوى صغيرة وقربها إلى فمها بابتسامة دافئة ، فتناولتها إبريل مبتسمة بإستحياء ، بنبرة هادئة مصطنعة سألها : إيه يا إبريل .. مش هتحكيلي عن يومك؟ عملتي إيه النهارده؟



إتسعت حدقتاها بدهشة ، كإنما لم تتوقع سؤاله ، بللت شفتيها الجافتين بطرف لسانها محاولة إخفاء توترها ، وردت بكذب عفوي مبالغ فيه : كنت شغالة على المشروع الجديد اللي مسكته



هزّ باسم رأسه ببطء ، وكأنه يصدق ما تقول ، ليُطلق سؤاله كفخ يخفى خلفه جبالاً من الغضب المكبوت : ومكنتيش بتردي على تليفونك ليه؟



ابتلعت ابريل ريقها بتوتر يعتصر ملامحها ، فقد تاه عقلها بين زحام الأحداث الأخيرة ، لكنها أجابت بهدوء صادق : كنت ناسية أرفع الصوت



إجتاحت عيناه الرماديتان برود قاتل ، كأنهما غيومٌ داكنة توشك على أن تُمطر عاصفة ، معتقداً أنها حيلة ضعيفة منها للهروب ، ليدمدم بصوت حاد : كدبتين ورا بعض؟ جراءة زيادة منك يا إبريل



انحنى نحوها بجذعه في نهاية جملته ، ففاجأها بتعجبٍ جعل أهدابها ترمش مرتين ، وبنبرة مترددة سألت : كدبتين ايه؟ مش فاهمة!!



انقبضت شفتيه معًا قبل أن ينفى من بين أسنانه ، وهو يشد على قبضته بقسوة : لا مكنتيش في الشركة .. ولأخر مرة هديكي فرصة تراجعي نفسك وتقولي الحقيقة .. كنتي فين؟!



صاح بسؤاله الأخير فى صرامة جمّدت إبريل في مكانها ، ونبض قلبها تسارع بشدة ، لكنها حاولت التماسك ، مغمغمة بصلابة هشة ، وهي تلهث قليلاً : عصبيتك دي معناها إنك عارف إجابة سؤالك




        
          
                
مال برأسه نحوها ، وهمس بصوتٍ مليء بإنذار خطير : وما دام فهمتي .. ياريت تبطلي اللف والدوران دا .. وتقوليلي إيه اللي وداكي عنده؟



_إنت بتراقبني؟



انبثقت هذه الفكرة في عقلها بإستيعاب ، مما دفعها للاستفسار بتعجب ، وهي ترفع وجهها القريب من وجهه ، حتى تلاقت أنفاسهما في لحظة مشحونة بالتوتر تلاحمت مع عواصف عينيه بشيءٍ من الجنون.



_بعد اللي جرا امبارح ..كنتي متوقعة أسيبك من غير حماية .. إزاي يعني؟!



هكذا جاء رده مستنكراً ، فإرتدت بظهرها ناظرة إليه بعدم رضا تجلى فى قولها المرتعش : بس أنا مش طفلة صغيرة عشان تبعت رجالتك يمشوا ورايا



جز علي أسنانه بعنف ، وعنادها يدفعه إلى حافة الصبر أطلق زفيراً قوياً ، ليخفي عنها مراقبته لهاتفها : مامشيتش حد وراكي .. العربية كان فيها GPS



اجتذبها إليه فجأة من ذراعها ، فتشابكت أنظارهما معاً ، قبل أن يهتف بلهجة تتسرب منها كحمم بركانية : وما تخرجيناش من الموضوع! بتكدبي عليا ليه؟! انتي اتجننتي تروحيله برجلك؟! إيه؟ مستبيعة؟ ماخوفتيش يعمل فيكي حاجة؟! ما فكرتيش فيا أنا؟! وفي اللي هحسه لما تعملي حركة زي دي ومن ورا ضهري؟! بتخبي عليا ليه؟!"



حررت إبريل ذراعها من قبضته القوية ، بدموع ترتعش بفزع في محجريها ، تاهت تبريراتها على لسانها : أنا كنت هقولك .. والله... بس...



قاطعها بصوت عالٍ ، وضرب الطاولة بقبضة يده بعنف : إيه؟! هتفضّلي تبسبسي كتير؟ ماتكلمي على طول! 



بدأت الدموع تتساقط على خديها لا إرادياً ، ردت بصوتها المختنق : انت موترني .. هكلم إزاي وانت بتزعق كده؟!



_انتي بتعيطي ليه؟! هو ضايقك مش كده؟! عملك إيه؟! احكي .. ما تجننيش زيادة بسكوتك دا!



زمجر باسم بعنف ، وعيناه تبرقان بصواعق جنون الغيرة
فتجمدت للحظة ، غير قادرة على الكلام ، فضرب الطاولة بقوة وهو ينهض من مكانه ، يبحث بعشوائية عن مفاتيح سيارته. 



_وعزة وجلالة الله .. لا أعرف أندّمه المرة دي كويس أوي .. ومش هستناه يجيلي أنا اللي هجيبه تحت رجلي .. ومحدش هيقدر يرحمه من إيدي!



قالها بثوران أعمى ، وهو يندفع بخطوات غاضبة نحو باب المنزل ، فركضت إبريل مسرعة لتقف أمامه ، ممسكة بكتفيه ، لتهتف بهلع ينسكب مع حروفها : استنى يا باسم... إنت مجنون! عايز تروح فين؟!



_أوعي من سكتي!



قالها باسم بصوتٍ متقطع من غضبه المفرط ، وهو يحاول دفعها من طريقه ، فنظرت إليه بتوسل ، لتحاول تهدئته لم تدرك أنها تزيد الطين بلة : عشان خاطري .. ما تتهورش! هو معمليش حاجة والله .. أنا اللي روحتله من خوفي عليك




        
          
                
توقف باسم لوهلة محدقاً فيها باندهاش ، ثم هدر بتهكم مشوب بالإستنكار : خوفك عليا!! انتي بتستهبلي صح!! ماتعرفيش انه وسخ!! ماخوفتيش من للي ممكن كان يعملو فيكي وانتي ريحالو برجلك!!!!



استشعرت ابريل خوفه العميق يتوارى خلف براكين غضبه العارمة ، فتضاعف شعورها بالألم ممتزجاً بعبراتها الحارقة ، قبل أن تنطق بتقطع : انا مفكرتش كدا .. مكنتش عاوزة للي حصل امبارح .. يتكرر أو يتجرأ ويأذيك تاني .. ف روحت اوقفه عند حدوده وافهمو يبعد عننا و...



إلتفت قبضته كطوق من نار حول كتفيها ، بعينين تقدحان شررًا ، وهتف بحدة شرسة : وإنتي فاكرة نفسك سوبرمان؟! انا كنت طلبت منك تعملي حاجة؟! كنت قصرت معاكي في حاجة!! كان حد قالك اني خرع وماعرفش اجيب حقي واحميكي منه!!!



ابتسمت إبريل بفخر ، وقالت بهدوء : ما بقتش محتاجة حد يقولي حاجة بعد ما شفت اللي عملته فيه...



لكن ما لبثت أن انسدلت عبراتها أكثر من فرط خوفها العميق ، وهي تكمل بصوتٍ منخفض مليء بالندم الصادق : باسم .. لما عملت دا كله من الاول مافكرتش اننا هنوصل لكدا .. دلوقتي ايه اللي استفدنا غير البهدلة؟ انا مش عايزة حد يتأذي اكتر من كدا بسببي 



تسلل حزنها الي قلبه ، لكنه لم يكن كافياً لإخماد لهيب الشك والغيرة المتأجج في أعماقه ، فهزها بقوة وصوته خرج ممتزجًا بالحنق والغيظ منها : "انتي غبية .. دا كان هدفه من البداية ، يضربني ويلعب على أعصابي عشان يجبرني أجرى عليكي زي المجنون فتترعبي! كان كل دا ضغط عليكي عشان يخليكي تتهوري وتروحيله برجلك .. وإنتي بكل غباء وقعتِ في الفخ



تقر فى داخلها بصحة حديثه الذى زاد من إشتعال نيران القلق في قلبها ، بينما زاد ضغطه على أسنانه مستطرداً بصوت مقهور : عايزة تعرفي قالي ايه ليلة امبارح؟ كان واقف بتحداني انه هياخدك مني زي ماانا اخدتك منه .. كان بيكلم عليكي كأنك لعبة في ميدلية مفاتيحه يا هانم



اجتاحت إبريل نوبة من الاختناق ، فخفضت عينيها إاى الارض ، ووضعت كفيها على صدره ، همست بصوت مختنق معبر عن قلقها : باسم .. الموضوع معقد أكتر من كده! 



قاطعها باسم بإندفاع : اذا كان علي فلوسو اللي مديونين ابوكي ومراته ليه انا هدفعهم عشان نقفل اي سكة عليه



رفعت ابريل رأسها بصدمة تتجلى على قسماتها وهى تسأله بخفوت : يعني كنت عارف .. من أمتي وانت عارف الكلام دا؟!"



تنهد باسم بعمق ، وكأن ثقل العالم يجثم على صدره : من يوم ما كنت عندك في أوضتك .. سمعت ريهام ومصطفى بيكلموا .. وكان عايزها تقنعك وتأثر عليكي بموضوع الديون عشان ترفضي جوازك مني




        
          
                
تزاحمت الشكوك فى عقلها ، وعادت بذاكرتها إلى أحاديث ريهام السابقة معها ، وهى تحاول إقناعها بأن باسم ليس مناسبًا لها ، وبدأت تتبلور فى ذهنها فكرة مفادها أن أختها كانت تسعى لإبعادها عنه ، لكن هل السبب وراء ذلك اتفاقها مع مصطفي أم من غيرتها علي باسم.



قاطع مصطفي تفكيرها بسؤال ممزوج بالشك : منين عرفتي الحكاية دي .. الحيوان دا للي قالك؟



ردت ابريل ببساطة نافية : لا .. يوسف



شعرت بنار الأسئلة تتأجج داخلها ، رفعت عيناها تلتقيان بعينيها الرماديتين : هو ممكن أسألك سؤال واحد وتجاوبني عليه؟



أومأت برأسه بالموافقة ، فإستجمعت شجاعتها ، وكلمات مصطفى السامة ما زالت تتوغل في قلبها كالسوس : هي ريهام كانت هي حبك القديم اللي انت حكيتلي عنه الصبح، مش كدا؟"



تجمدت ملامحه بتفاجئ كأن دلو من الماء البارد صب على رأسه ، فإنعقد لسانه عن النطق.



_هي الإجابة صعبة أوي كدا



قالتها بكبرياء حزين ، فصمته مثل شعلة جديدة من الشك تحرق قلبها ، دفعت يديه برفق من على ذراعيها ، وكأنها تحاول التحرر من قيوده ، والتفتت لتعطيه ظهرها ، فسألها بدهشة ، وخوفه يكاد يتسرب من صوته : رايحة فين؟



_أوقات السكوت بيبقى أبلغ رد على السؤال... وسكوتك كان هو الرد للي ما تمنيتوش منك



هكذا همست فى سرها بخيبة أمل ، قبل أن ترد بهدوء مبحوح ، وهي تمسح دموعها وتمشي بعيدًا : محتاجة أدخل الحمام .. لو ممكن.



تنهد مستسلماً : طيب .. خدي راحتك..



توارت خلف باب الحمام فوقف باسم مذهولاً من سؤالها ، ثم جلس بهدوء على كرسي الطاولة ، محاولاً استيعاب ما حدث ، بينما شعوره بالذنب والغضب يتزايد داخله ، فأخرج باسم هاتفه من جيبه الخلفى ، يعبث به في محاولة منه لتشتيت ذهنه عن مشاعر الغضب التي كانت تهدد بفقدانه السيطرة ، ونيران الحنق لا تزال مشتعلة في صدره ، متأكداً أن مصطفى هو من أخبر إبريل عن علاقته القديمة بريهام ، ساعيًا بذلك لإحداث فتنة بينهما.



لكن تفكيره انقطع حين وصلت إليه رسالة عبر تطبيق الرسائل النصية من رقم غير مسجل. 



فضولٌ غريب انتابه ففتح الرسالة ، ليجدها صوتية فضغط على زر التشغيل ، ليخترق صوتها الرقيق أذنيه ، هذا الصوت الذي يتلهف لسماعه بشغف في الآونة الأخيرة ، لكن هذه المرة كانت تتسرب من بين شفتيها كأنياب الغدر والخيانة القاتلة تنهش قلبه بشراسة ، فإنزلقت دمعة لم يتحكم بها من عينيه على شاشة الهاتف ، تعبيرًا عن مدى قوة قهره وصدمته العنيفة.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 . تكملة الفصل الثلاثون (مكيدة الشيطان)
                                    
  


"كدمية تتراقص بين أصابعه ، يحرك خيوطها بمهارة ذئب قاسٍ ، متلاعبًا بمشاعرها ليحقق انتقامه البارد ، بينما كانت تظن أنها تعيش حلمًا جميلًا تنبض فيه وعود ساحرة ، ثم إستفاقت على مكيدته الشيطانية ، ورغم كبريائها المكسور الذي ينعكس في عينيها الحزينتين من شدة قسوته ، تركته يعتقد أنه المنتصر ، بينما تتأمل مسرحية انتقامه بقلب يغمره الألم ، متشبثة بأمل خافت في الخروج من جحيم عشق وقعت به سهواً."



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



عند باسم



تفكيره انقطع حين وصلت إليه رسالة عبر تطبيق الرسائل النصية من رقم غير مسجل. 



فضولٌ غريب انتابه ففتح الرسالة ، ليجدها صوتية فضغط على زر التشغيل ، ليخترق صوتها الرقيق أذنيه ، هذا الصوت الذي يتلهف لسماعه بشغف في الآونة الأخيرة ، لكن هذه المرة كانت تتسرب من بين شفتيها كأنياب الغدر والخيانة القاتلة تنهش قلبه بشراسة ، فإنزلقت دمعة لم يتحكم بها من عينيه على شاشة الهاتف ، تعبيرًا عن مدى قوة قهره وصدمته العنيفة.



_باسم كداب .. و مالوش امان .. وانا مابحبوش .. ومش فارق معايا .. وهيجي اليوم اللي هتخلص فيه منه وابيعه قبل مايبيعني



بشفتين مضغوطتين كأوتار قيثارة مشدودة ، وقلب ينبض بشدة تحت وطأة الخيبة ، أخذ يستمع إلى التسجيل الصوتي الثاني لها ، بنبرة تحمل اعتذار وندم ، وكل كلمة بمثابة طعنة غادرة تنغرس في قلبه ، تفتح جراحًا قديمة لم تندمل بعد : مصطفي حبيبي!! انا اسفة اني جرحتك ووجعتك كان غصب عني .. كنت بنتقم منك .. كنت فاهماك غلط  .. بس اكتشفت اني ماقدرش اعيش من غيرك ولو كملت معاه هبقي بظلم نفسي .. انا مش هقدر اكمل معاه يوم واحد تاني .. هطلق منه وهكون معك تاني .. وننسي كل اللي فات وتعالي نبدأ صفحة جديدة



ضغط على شفتيه بقسوة ، وعينيه الرماديتين تعكسان عاصفة من المشاعر المتلاطمة ، ويداي تعتصران قلبه بلا رحمة ، يشعر بموجة من الغدر والخيانة تغمره ، تشل أنفاسه كأنه يغرق في بحر مظلم.



هل كانت تحب مصطفى بالفعل؟ هل كان مجرد أداة للانتقام؟



رفع عينيه الممتلئتين بدموع كبريائه المتصدع ، وترددت في عقله همسات الشياطين : كاذبة، كانت تتلاعب بك، كانت تخدعك.



بينما كان يغوص في تهلكة أفكاره ، انقضت عليه رسالة صوتية ثالثة كالسيف المسنون ، ضغط عليها بخفة ، فخرج صوت مصطفى الأجش ، تتردد نبراته الشامتة مفعمة بالتحدي كقذيفةٍ علي رأس الأخر : اتأكدت دلوقتي من كلامي لما قولتلك هخليها تجيلي برجلها وهرجعها لحضني من تاني .. اظاهر ان الدرس القديم للي اخدته من ريهام ماعلمكش حاجة .. بس انت للي غلطان يا بيسو كنت متوقع ايه من اختها؟ اكيد هتكون بنفس الطبع .. واديك سمعت بودانك ياريت تكون اتأكدت دلوقتي ان كان ملعوب بيك من الاخر مكنتش اكتر من كبري ليها عشان تستفزني.. 

  
                
استأنف حديثه بتعاطف مزيف : بس تصدق دلوقتي انت صعبان عليا اوي .. وتصدق كمان انا دلوقتي للي مابقتش عايزاها .. اصل للي تسيب راجل وتروح لغيرو تعملها كتير .. وعموما لو عايز تكمل معاها براحتك حلال عليك .. سلام يا بيسو



إعتصر كفه بعنف وكأنما يسعى للسيطرة على بركان مشاعره المتفجرة ، تزامناً مع خروج إبريل من الحمام التى تجمدت خطواتها مشدوهة ، حين قفزت كلماتها من التسجيل الصوتي إلى آذنيها بعد أن أعاد تشغيله بتعمد ، شعرت كأنها تلقت صفعة قوية ، قلبت موازين عالمها ، وبعدما انتهى التسجيل ، نهض باسم بخطوات ثقيلة ، يتقدم نحوها كمن يقترب من عدو في ساحة معركة ، وعيناه الرماديتان مثبتتان على وجهها الذي خفضته بتوتر.



سألها بنبرة صخرية مفعمة بالشك : صوتك دا وكلامك ولالا؟



شعرت إبريل بلسعة مؤلمة في أنفاسها ، وكأن الهواء المتصاعد قد تحول إلى دخانٍ ملوث يغزو رئتيها مثل سمٍ خبيث ، همست بخفوت كمن يسعى لردم هوة عميقة بينهما : كلامي .. بس .. اسمع الحكاية...



_حكاية ايه المرة دي؟! كدبة جديدة!!!.. 



قاطعها باسم بإستهجانٍ حارق كالبركانٍ ، وتابع متهكماً ، يجلدها بكلماتٍ قاسية كأنها سوطٌ يمزق روحها بسبب جرمٍ لم ترتكبه ، مما زاد من عمق جراحها النفسية : اه .. ما انا عارف .. دا سهل اوي بالنسبالك .. انتي بصراحة عندك قدرة علي التمثيل والغش والتأليف بسرعة تتحسدي عليها



تأملته ابريل بإحباطٍ يلمع بالدموع في عينيها الفيروزيتين ، وبصوتٍ مختنقٍ يطفو علي حافة الإنهيار ، ترجت عقله أن ينفتح لفهم مشاعرها : انت مش فاهم حاجة؟!



_كنت مش فاهم..



تراجعت ابريل بخوف مع إرتفاع صوته الحاد بغلظة ، لتصطدم بظهرها بالحائط ، محاصرة بينه وبين صدره الهادر بهيجان : وخلاص فهمت



قالها باسم مهسهساً ، وعيناه الرماديتان تتوهجان بغضب أسود ليهوى بقبضته على الحائط خلفها بقوة ، وكأنه يُفرغ جمرة ألمه ثم تقدّم نحو طاولة الطعام ، أمسك بمفرشها بقبضة وحشية ، ونفضه بعنف ، فاندفعت الأطباق في الهواء ، ثم تصطدم بالأرض كقلوبهم المحطمة ، وتتناثر شظاياها بفوضى عارمة.



_ كل الحاجات دي مابقاش لها داعي اصلا



كتمت إبريل شهقتها بألمٍ يتخلله الوجل ، مختنقةً بالعبرات ، حين هتف بهذه الكلمات بسخرية لاذعة من بين أنفاسه المتلاحقة. 



سرعان ما احضتنته دوامة حالكة من الضحك الهستيري ، مفعم بالقهر وعدم التصديق ، وكلماتها عنه تخترق عقله كرصاصة غادرة. 




        
          
                
ظل باسم يهذي ، غارقًا في شلال غضبه : انتي بتلعبي بيا انا .. انتي اللي عايزة تخلصي مني انا .. اذا كان انا .. انا اللي كنت بخدعك .. انا .. انا للي كنت بضحك عليكي..



اتسعت مقلتاها في صدمة ، وشظايا كلماته تتسلل إلى أعماق قلبها ، تنغرز فيه بوحشية ، لتزيد من آلامها جرحًا ، بينما كانت ضحكته تتداخل مع كل جملة ، تشكل سخرية مريرة تعكس أوجاع الخيانة المتفجرة من أعماق قلبه الجريح، مُحولة الألم إلى قسوة تشلّ أنفاسها.



حدجها بعينين حمراوتين ، يحملان بقايا إبتسامة ممزقة ، وقال بإستغراب ساخر مفعم بالقهر : "إيه مالك مستغربة ليه؟! أيوة .. زي ما استغلتيني عشان تنتقمي من أختك .. أنا كمان استغليت لعبتك عشان انتقم منها..



أشار بإصبعه نحوها ، متعمّدًا إهانتها وتقليل قيمتها ، كأنها مجرد أداة في لعبته أيضاً : كنتي يعني مش أكتر من وسيلة عشان أوجعها .. كنتي بالنسبالي زي أي علبة فشار مسلي قدام فيلم سهرة تافه



نظرت إليه من خلف فيروزيتيها التي تخفي مزيجاً من الأسى والاستسلام ، ودموعها تنساب دون ضجيج على وجنتيها كوداعٍ أخير من روحٍ منهكة ، شفتيها المطبقتان تحبس الكلمات خلف أسوار قلب متألم ، بماذا يفيد الإفصاح؟



رمقها باسم بنظرة عاصفة حادة ، عيناه تجولان من رأسها إلى قدميها ، وكلماته تقطر قسوة واستخفافًا : وفري دموع التماسيح دي للي هتخدعيه بعدي .. خلاص اتكشفتي قدامي .. ومعدتش يخيل عليا ولا هيأثر فيا وش البراءة اللي بتمثلي بيه علي الكل دا



نظرت ابريل إلى الأسفل ، ملامحها لوحة من الألم والحزن ، توازت مع نبرتها الخافتة في ليل مظلم : خلصت



صمت مريب لفَّ المكان لحظات ، مما جعلها تظن أن سلسلة إهاناته انتهت ، بخطوات مرتجفة ، تقدمت نحو الباب ، محملة بأثقال لطخت كرامتها ، فلتت منها شهقة هشة عندما اجتذب ذراعها إليه ، مغتاظًا من برودها وصلابة ملامحها ، بينما كانت تلك القشرة تخفي دمار روحها المتصدعة : على فين؟! إيه .. هتهربي كعادتك الجبانة؟! إنتي كدا مابتقدريش تواجهي بعد ما بتكشفي عشان جبانة وحقيرة



فاض كيلها من عجرفته وقسوته المبالغ بها ، ونظراته الحارقة التى تخترق كل دروعها ، وكأنها خلف قفص حديدي ، وإتهاماته كالأصفاد تكبّل معصميها فى انتظار حكم الإعدام الذي سيهتف به في نهاية هذه الجلسة 



نفضت قبضته عن ذراعها بجفاء ، قائلة بكبرياء مهدور محاولة التمسك بما تبقى لها من شجاعة : هيفرق في ايه كلامي!! مش المطلوب حصل وانت انتقمت زي ما كنت عايز؟! مبروك عليك نجاحك .. اتسلينا شوية!! زعلان ليه؟ انت مخسرتش حاجات كتير يعني .. اعتبر نفسك كنت في اجازة وخلصت وهترجع لحياتك تاني بعد ما تطلقني




        
          
                
ابتسامة شيطانية ارتسمت على شفتيه تنذر بالخطر ، ثم همس بتهكم جامح ، ونيران الغيرة تنبعث من بين أنفاسه تُشعل حريقاً في قلبها : برافو ، طلعتي نفسك ضحية للذئب الشرير .. بجد اللي يشوفك وانتي بتداويني وبتبكي وبتمنعيني من اني اتهور يبصم بالعشرة انك خايفة عليا .. واللي يشوفك وانتي دايبة في حضني يصدق انك عاشقاني بحق وحقيقي .. انتي بجد ممثلة شاطرة اوي يا ابريل .. بجد برافو عليكي .. انا اللي كنت غبي.. 



ارتد خطوة للوراء ، ممرًا يده على وجهه كأنه يحاول مسح الألم الذي استوطن قلبه ، مكظمًا انكساره بعنفوان ، فهو لن يتقبل الهزيمة بسهولة ، ليتمتم ببرود حاد : يلا .. مش هعطلك اكتر من كدا .. باين عليكي مستعجلة اوي عشان ترجعي لخطيبك السابق .. كان عنده حق لما قال يقدر يرجعك لحضنه تاني .. انا مابحاربش علي بضاعة فاسدة .. واصلا مابقتيش لازماني .. ورقة طلاقك هتوصلك قريب



_يلا .. اتفضلي مع السلامة



_قبل ما امشي هقولك حاجة واحدة بس!! انا معملتش حاجة في حقك استاهل عليها اي كلمة انت سمعتهالي دلوقتي...



قالتها بصوت منخفض ، يضاهي تمزق قلبه ، ثم نظرت إليه نظرة أخيرة مليئة بالأسى قبل أن تخرج مسرعة من الشقة ، وكأنها تُغلق بابًا في قلبها أو هكذا أوهمت نفسها.



انهار جدار الجمود عن ملامحه ، وتحولت مشاعره من غضب إلى ألم غريب يغزو قلبه ، تاركًا إياه محطمًا ، ضائعًا بين شكوكه التي تتغذى على حب ناري لا يمكنه الهروب منه.



رمي الهاتف على الأرض ، وانهار على ركبتيه، صرخ بحرقة نابعة من قلب عاشق مُلكوم، ينطق بما يشعر به بعدم تصديق: "إزاي لحد إمبارح كان عندي استعداد أكون قاتل أو مقتول، ولا حد يقرب لك بسوء، وإنتي النهارده تقتليني بالجحود دا؟"



رمي الهاتف على الأرض ، وصرخ بحرقة نابعة من قلب عاشق مُلكوم ، ينطق بما يشعر به بعدم تصديق : إزاي لحد إمبارح كان عندي استعداد أكون قاتل أو مقتول .. ولا حد يقرب لك بسوء .. وإنتي النهارده تقتليني بالجحود دا؟



تعمَّد جرحها بضرارة تشعل في قلبها شظايا انتقامه المكسور ، عقابًا لكرامته ورجولته المهانة ، بينما كلماتها الأخيرة ، انطلقت من شفتيها كأشباح تُحاصر عقله ، فضغط على أسنانه بقسوة صارخاً بقهر : كدابة 



بينما يدفع الكرسي بعنف ، كأنه يحاول تحطيم سلاسل الذل التي كبلته.



عندما تتوقّف المرأة عن كونِها "شرِسة" معك ، 
تُجيب على إتهاماتك بمنتهى الجمود ،
لا تُعاتب ، لا تبرر ، لا تلوم ،
عندما تقول "نعم" انت ربحت دون حتّى مناقشتك ،
تأكّد أنك لم تعد بحوزةِ قلبها ، 
لم تعد تعنيها ،
فالأُنثى داخل الحُب لا تُشبه نفسها وهي خارجه ، 
حين تتوقّف عن فعلِ يثبت لك خطئك فى حقها فأنت خسرتها...




        
          
                
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼



عند ابريل



نزلت من منزله ، تسير بخطوات متثاقلة ونظرات مشوشة تغمرها دموع كثيفة كغيمات معتمة ، عقلها غارقًا في ضياعٍ لا حدود له ، غير قادرة على تحديد وجهتها ، 
كلماته تتردد في رأسها كطنين نحلة عمياء ، لا تفارقها ، تنخر في أعماقها ، تزعزع أركان قلبها ، ثم تقذفه بعنف على صخرة الحقيقة القاسية : لقد أحبته.



توقفت خطواتها ، تلمس صدع تفكيرها بصدمة مفاجئة ، هل أحبته حقًا؟ 



جاءتها همسات قلبها كنداء مؤلم : لا تنكري استسلامك الكامل بين يديه بوداعة 



تذكرت لحظات السعادة التي غمرتها بالأمس ، كيف كانت نبضاتها تتراقص فرحاً باهتمامه ورعايته كخيوط حرير تلامس جروح روحها بنعومة ، لكن العقل سرعان ما قطع هذا الوهم ، يعنفها : انسِى كل ما يتعلق به ، لقد أهانك ، وكان يتلاعب بمشاعرك كدمية في يده.



بين نيران مشاعرها المتأججة ، كانت تشعر بأن حبها له أصبح سلاحًا ذا حدين ، يرتقي بها إلى قمة السعادة ويهوي بها إلى قاع بحر مظلم في آن واحد.



زفرت بعمق ، يكفيها أن تتوغل في دوامة الوهم ، متمسكةً بفكرة أنه كان يكن لها مشاعر صادقة بل كان يتلاعب بها ، فهى المخطئة رغم أن الشكوك تراكمت كسحب قاتمة فوق عقلها ، لم تصدق حرفًا واحدًا مما قيل عنه ، واختارت بإرادتها أن تمنح له الثقة ، كمن يمنح مفتاح قلبه لأحد الغرباء ، وهي تأمل أن لا تبتلعها غياهب الخذلان مثل كل مرة ، بينما هو في انفعاله ، سرعان ما تسرّع في تصديق ما سمعه. 



كيف لعاشقٍ أن يفرط في حبيبته بهذه السهولة ، إلا إذا كانت في أعماقه لا تعني له شيئًا؟ لم يُعطِها فرصة لتدافع عن نفسها ، لم يتمسك بها ، كأن جراحه القديمة قد تسللت إلى أعماق نفسه ، مكونةً درعًا من الجمود والتخلي ، ربما خائفًا من أن تتركه كما فعلت شقيقته في الماضي؟ لكنها ليست مثلها ، لماذا عليها أن تتحمل دائمًا وزر ما لا ذنب لها فيه؟



استرجعت في ذهنها ما دار من حديث في الصباح داخل مكتب مصطفى



flash back



_وانا هكون اكتر من مبسوط بتعذيبك وحسرتك عليهم .. واوعدك بتاع النسوان مش هيكون جنبك عشان يحميكي من طاقة جهنم اللي فتحتيها علي نفسك وعلي اهلك..



كلماته إنهالت علي قلبها كالسياط مزقه بعنف مرتعب ، وقد وصلت المعركة إلى ذروتها ، لكنها بالتأكيد لن تكون المنتصرة بها ،  مما دفعها للتراجع بخطواتها نحو باب المكتب ، مُصممة على المغادرة ، لكن سؤاله الماكر كان كفيلًا بإيقافها : نسيت اسألك يا تري؟ زي ما عرفتي بموضوع ديون اهلك ليا .. يا تري سيادة المخرج النبيل صارحك باللي كان بينه وبين اختك ريهام ولا...؟!!




        
          
                
إلتفتت ابريل نحوه بريبة يغلفها الحذر ، وكأنها تقرأ ما خلف نبراته المسمومة : قصدك ايه باللي بينه وبينها؟



أجابها مصطفى بنبرة ساخرة ، وهو يمشي نحو مكتبه ، وجلس مستنداً بظهره على الكرسي الفخم : شكله ماحكاش ليكي قد ايه حبها وكان عنده هوس كبير بيها من ايام مراهقته .. بس هي ماكنتش شايفاه اصلا وراحت اتجوزت .. ولأنه عنده نقص كبير في رجولته من وقتها وهو بيسعي يرد كرامته منها بأي طريقة .. وانتي كنتي فرصة كويسة ليه .. يقرب منك ويتجوزك عشان يقهرها عليه ودا طبعا لانها لسه في دماغه ومقدرش ينساها



تشنجت ملامح وجهها بصدمة ، لكن لم تدع لسانها ينطلق قبل أن تستعيد زمام الأمور ، بينما قهقه مصطفى بخشونة ، مستكملاً حديثه : عارفة بضحك علي القدر يا ابريل .. بجد غريب اوي وقت لما هربتي مني عشان حسيتي اني هأذيكي .. روحتي اتحميتي في للي اذاه هيصيبك في مقتل .. و الايام هتثبتلك انه هيرميكي بعد مايزهقك منك 



عقدت ذراعيها أمام صدرها ، وصدى كلماته يتردد في جنبات قلبها المتسارع بقلق ، بينما يردف متلذذًا بكل كلمة يلقيها عليها : نصيحة مني ماتضحيش بالكل عشان خاطر واحد مخدوعة فيه .. دا واحد كداب ومالوش امان وانتهازي .. فكري احسن في اختك واخوكي وابن اختك كل دول هيروحو فين وايه مصيرهم لما ابوكي يدخل السجن .. انتي نفسك هتواجهي المجتمع ازاي!! هتقدري تحققي النجاح للي نفسك توصليلو ازاي!! هو شخصيا اول واحد هيسيبك غرقانة ويروح بعد ما يبيعك بالرخيص..



توقفت أنفاسها للحظة ، ليس لأنها صدقت كلامه ، بل لأن القسوة التي نطق بها أشعلت نار التمرد في قلبها ، فرفعت رأسها ، وعيناها كانتا جمرتين تتحديان نظراته المتعالية ثم بثقة لا تخلو من الإزدراء تكلمت : كل للي قولته دا مغيرش نظرتي فيك يا مصطفي .. بالعكس حاسة اني بحتقرك اكتر من الاول .. ومهما حاولت تشوه صورته في عيني مش هتعرف .. لان اللي بدأ بالغدر والكدب كان انت .. ومش صعب عليك دلوقتي تكررها تاني وتضحك عليا



_وعشان توفر علي نفسك التعب .. ولو باسم كداب .. و مالوش امان .. وانا مابحبوش .. ومش فارق معايا .. وهيجي اليوم اللي هتخلص فيه منه وابيعه قبل مايبيعني .. دي كلها حاجات ماتخصكش .. دي حياتي وانا حرة فيها اكون مع اللي اختاره



هكذا إندفعت كلماتها بتهور ممزوج بالتحدى ، دون أن تنتبه إلى الابتسامة الماكرة التى إرتسمت على شفتيه بعد أن حصل على مبتغاه من هذا اللقاء دون جهد ، مما جعله يقول بعدم اكتراث : براحتك محدش وقتها هيكون خسران كل حاجة غيرك .. انتي مجرد لعبة بيغيظ بيكي اختك .. وكل للي همو ينتصر علي جروحه ماضيه .. وانتي بتديلو الفرصة فاكرة نفسك بالطريقة دي بتستفزيني



إبتسمت بسخرية تخفى خلفها شعور بالغيظ لا يخلو من الغيرة ، ثم أخذت نفساً عميقاً محاولة الحفاظ على هدوئها ، ردّت عليه ببرود متحدٍّ ونبرة تهكمية : وأنت بقا منتظر مني لما تقولي الكلام دا هعمل ايه ها!! هصدقك مثلا .. هحس بالندم واقولك .. مصطفي حبيبي انا اسفة اني جرحتك ووجعتك كان غصب عني .. كنت بنتقم منك .. كنت فاهماك غلط  .. بس اكتشفت اني ماقدرش اعيش من غيرك ولو كملت معاه هبقي بظلم نفسي .. انا مش هقدر اكمل معاه يوم واحد تاني .. هطلق منه وهكون معك تاني .. وننسي كل اللي فات وتعالي نبدأ صفحة جديدة .. مش دي الاوهام اللي بتدور في عقلك عشان كبريائك منعك تعترف اني سيبتك ومش رجعالك!!!!




        
          
                
أردفت بصوت يتسم بالقوة والعزم : للاسف انت غلطان انا معاه بإرادتي عشان انا عاوزاه .. واللي بينك وبين بابا انا مش طرف فيه .. فاهم!؟



حاول أن يخفي غضبه ، وهو يلوى فمه بحقد ، وقال بهدوء زائف مفعم بالخبث : طيب يا ابريل .. افتكري انك انتي اللي حكمتي علي الكل يتحرقوا بنار انتي للي ولعتيها .. واول الناس للي هتنكوي في النار دي هو انتي!!!



back 



فى غياهب الحيرة وقفت حافيةً على جمر الهوس ، 
لا تدري إلى من تسند لومها : إلى مصطفى الذي أحرقها إنتقامه بنيران هوسه ، أم إلى باسم الذي لم تكن له سوى أداة لتحقيق ثأره ، أم إلى نفسها التي اقتادت روحها نحو حافة الهاوية بتهور ، غافلة عن عواقب خطواتها.



وسط دوامة أفكارها المتزاحمة ، تردد أزيز الهاتف في أذنيها ، يسحبها ببطء من أعماق شرودها ، توقفت نظراتها عند اسم المتصل على الشاشة للحظات ، شعرت بأنفاسها تتثاقل ، فرفعت يدها ببطء وضغطت على زر الرد ، محاولة أن تتماسك ، لكن صوتها المخنوق لم يخفِ مشاعرها.



أتاها صوته الرجولي الهادئ ، يحمل في نبراته شيئًا من القلق : مالك يا إبريل؟ النهارده ماجتيش الشركة ليه؟



حاولت أن تستعيد بعضاً من رباطة جأشها ، فاستجمعت ما تبقى من قوة في صوتها ، وقالت بصعوبة مشوبه بالكذب : أنا آسفة يا مستر دياب على غيابي .. كان عندي شوية ظروف



نبراتها لم تخدع أذنه الحذرة ، فتساءل بلهجة حادة بعض الشيء لا تخلو من الغموض : مال صوتك؟ إنتي بتعيطي؟



سرعان ما أنكرت بصوت مرتجف : لا



جاء رده مصراً كأنه يستشف الحقيقة من وراء كلمتها :
لا إيه؟ إنتي بتعيطي



فاض قلبها بالكلمات ، لكنها اكتفت بهمسة مختنقة : مخنوقة شوية



ارتفع القلق في صوته الأجش : ليه؟ إنتي كويسة؟ إيه اللي حصل معاكي؟ إحنا مش بقينا أصدقاء؟ ولا لحقتي تنسي كلامنا الأخير؟



ترددت ابريل للحظات ، لكنها اعترفت بصوت خافت : "لا، مش كويسة



لسألها بحزم : إنتي في البيت؟



_لا



_طيب… ابعتيلي اللوكيشن وأنا هجيلك



حاولت التهرب ، كأنها تخشى مواجهة أحداً بحزنها : لا .. ما تتعبش نفسك ... أنا هروح دلوقتي البيت



لكن إصراره كان واضحًا ، قاطعها بنبرة حاسمة : يلا اسمعي الكلام ... ومسافة السكة وهبقى قدامك



انتهى الحوار عند هذا الحد ، فلم تقوى علي الاعتراض أو الرفض ، فهى في حاجة ماسة إلى من يخفف عنها هذا الثقل الذي يوشك أن يحول قلبها إلى رماد من شدة الاحتراق ، والدفء في صوته ، والاهتمام الجاد الذي لم يخلُ من الحنان الأبوي ، تسلل إلى داخلها ، ليوقظ بداخلها رغبة في أن تفتح قلبها إليه ، وكأنها وجدت أخيراً من يفهم جراحها دون الحاجة إلى كلمات كثيرة.



✾♪✾♪✾♪✾♪✾



في الجهة الأخرى ، بمكتب دياب ، امتدت يده ببطء نحو صورة فوتوغرافية موضوعة على مكتبه ، تجمعه بابنتيه التوأم. 



ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة ، حينما تذكر حديثه مع إبريل منذ أيام ، حين صارحها بأنه توأم داغر ، ومتزوج ، وأيضاً أب لطفلتين تعيشان مع والدتهما في دبي. 



رفع دياب الصورة وقبّلها بمحبة ، كأنه يستمد منها دفئًا وحبًا مخفيًا خلف ملامحه المهيبة ، ثم أعادها مكانها ، قبل أن يسرع بخطوات ثابتة نحو الخارج.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
google-playkhamsatmostaqltradent