رواية جوازة ابريل (2) الفصل السابع 7 - بقلم نورهان محسن
الفصل السابع (نبأ مفجع) ج2
لدي قلب من ثلج ، وبداخلى الكثير من الحماقات التي أتحكم فيها بحكمة ونضج ، مثل إسكات صوت عاطفتى ، وصفع قلبي ، ورسم الضحكات الساخرة على مشاعري ورميها في حاوية ، هكذا أكون عندما تنكسر الثقة بالآخرين بداخلي ، أصبح صلبة وليست فتاة لها أحلاما وردية ، تعلمت الصمت وقت الكلام ، والهروب وقت الحضور ، تعلمت أن الزمن لا يرحم ولن يشفق على أحد ، وأن العمل هو تحقيق الذات والاستقلال والأمان ، تعلمت أن أحب نفسي فقط أكثر من الباقي ، لقد تعلمت من دروس الماضي الأنانية ، ومن الطيبة القسوة ، أن أكون استفزازية إن تحتم ذلك وألا أسكت عن حقي ، ولا آخذ حق ليس لي ، تعلمت أن من لا يشتري قلبي سأبيعه بالمجان .. أنا أبريل.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
في المستشفي داخل العناية المشددة
أغمضت أبريل عينيها بضيق شديد ، وهي تدير رأسها إلى الجانب الآخر ، فرؤيته شيء لم تستطع تحمله في الوقت الحاضر
نظرت إلى الممرضة بتشوش وعدم تركيز ، قبل أن تسأل بنبرة ضعيفة مشوبة بسعال خفيف : انا حصلي ايه؟
الممرضة بنبرة لطيفة : جاتلك ازمة ربو شديدة والحمدلله جابوكي في الوقت المناسب وحاليا انتي بخير بس
أشارت بطرف عينيها نحو النافذة الزجاجية للغرفة ، وسألت بجفاء : دول بيعملو ايه هنا؟
التفتت الممرضة نصف استداره للخلف ، مقطبة حاجبيها ، قبل أن تبتسم وهي تروي بثرثرة : ايوه اهل حضرتك يا انسة كانو مستنين يطمنهم عليكي .. ربنا يخليهم ليكي .. الحقيقة كانوا عاملين قلق كبير قدام العناية من شوية من خوفهم عليكي
لم تبد أبريل أدنى اهتمام بما قالتها ، وهي تنظر إلى سقف الغرفة في صمت ، وظنت الممرضة أنها متعبة ، فتحدثت بهدوء : هسيبك تستريحي شوية .. وانا هخرجلهم اطمنهم ليكي .. لحد ننزلك اوضة عادية بعد شوية
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
عند صلاح
دعاء غلبها فضولها ، فرفعت بصرها نحوه ، لترى عينيه الحادتين تلتهمان تفاصيلها الساحرة ، وصولاً إلى عينيها التي عاتبته بصمت.
أجاب صلاح على سؤالها بكل صراحة ، وهو يشرف عليها بجسده مقبلاً قمة رأسها : شوقى اللي جابني ليكي
أنهى صلاح جملته بصوت ذكوري مثير ، وهو يجلس بجانبها على السرير ، مما جعل قلبها يخفق بقوة داخل ضلوعها بسبب تلهفها له ، لكنها قاومت بعناد مشاعرها المتيمة به ، لتتسلح بدرع السخرية الذي مزجته بسؤالها المشوب بالغيرة : وايه الاختراع اللي اخترعته عليها المرة دي عشان تقدر تسيب حضنها وتجيني متسحب زي الحرامية؟!
استمع لها صلاح بشرود ذهن ، وعيناه تدحرج بإفتتان على الفتحة الواسعة جدًا لقميص النوم الحريري ، الذى كاشف عن جزء كبير من مقدمة صدرها ، قبل أن يحمحم بخشونة ، محاولًا التركيز بعد أن نظر إليها مرة أخرى وهو يقول كلماته التبريرية : دعاء .. حبيبتي ليه بتعامليني كدا وايه لازمة الكلام دا؟
وجد منها نظرات عدم رضا ، لكنه قابلها بنظرات لينة قبل أن يقبل وجنتيها بلطف اعتذاراً ، مواصلاً سلسلة اعتذاراته التي لا تنتهي ، وكانت هذه طريقته في إرضائها بسبب إهماله الدائم لحقوقها عليه : انا عارف انك زعلانة مني .. بس انا مقدرتش اعدي الليلة .. واحنا متخانقين جيتلك مخصوص عشان اصالحك خلاص سامحيني
قرأت دعاء الإستعطاف على ملامحه ، فلم تستطع إخفاء مشاعرها تجاهه ، إذ تنفلت رغماً عنها أمامه ، ويرق قلبها إليه سريعاً ، فقالت بتنهيدة عميقة تدل على يأسها ، وضعفها أمام نفسها : عايزني اقولك ايه ها .. مشكلتي معاك هي هي مابتتغيرش .. فات اكتر من تلاتين سنة دلوقتي وانا مبعملش حاجة غير اني بسامحك وعايشة احبك يا صلاح وعاجزة ابعد عنك
سحبها صلاح من ذراعها نحوه ، وأحاط خصرها بذراعيه القويتين ، وضمها بينهما ، وقبل رأسها كاعتذار ثان ، وهمس بملكية بالقرب من أذنها : و مش هسمحلك مهما يحصل بينا تبعدي عني
ضمها إليه بحنان أكثر ، فتمسكت به بشدة كما لو أنها تخشى أن يتبخر من بين يديها ، وأخذت تشبع روحها برائحة من أحبته وعشقته حد الجنون والمجون ، بينما عيناها تقطران بالدموع لا إرادياً من شدة الألم الذي يمزق صدرها من فكرة خسارة وجوده فى يوم ، لذا كانت متفاعلة مع قبلاته المٌلحة ، وهمساته المعسولة بطريقة ملتهبة مليئة بالشغف واللهفة ، وكأن حياتها تعتمد على هذا.
ولعل السبب في ذلك هو طبيعة علاقتهما التي يغلفها العشق الممنوع والسرية التامة ، مما يجعلهما يندفعان تجاه بعضهما البعض رغما عنهما فى شوق عارم كلما أختلوا ببعضهما.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى ممر المستشفى
خرجت الممرضة من إحدى الغرف ، تحديداً التي كان الجميع يقف أمامها ، وقالت بنبرة عملية : تقدروا تدخلو .. بس لو سمحتو ماتجهدوش المريضة .. عن اذنكم
دخل كل من ريهام ويوسف على الفور ، وعندما تحرك باسم للانضمام إليهم ، أوقفه خالد وخاطبه بخفوت : أجلها شوية يا باسم
رفع باسم حاجبه إلى الأعلى بدهشة جالت على ملامحه ، متحدثاً بأسلوبه الساخر ، الذى يختبئ وراءه رغبة قلقة لا تزال كامنة في روحه المهشمة حتى يطمئن أنها بخير. : هبص عليها بس مش هاكلها يعني
خالد بتحذير : الاحسن ليك ماتدخلش .. ولا ماشوفتش اول مافتحت عيناها بصتلك ازاي .. ولا نظراتها ليك من دقيقة .. شكلك مهبب معاها مصيبة .. ماتعقدش الموضوع اكتر من كدا
لوح باسم بيده نافخاً الهواء بسأم : يووووه
_معلش اسمع مني خليها مع اخواتها دلوقتي .. وتعالي نقعد في الكافيتريا لحد ما اعصابها تهدي
وضع باسم إحدى يديه على خصره ، وهو يفرك ذقنه بيده الأخرى بطريقة عصبية قبل أن يعترض بنبرة ساخطة غلفت صوته الرجولى الجذاب : مش رايح كافيتريات .. خلاص هروح اعمل كام مشوار لحد ما سموها تهدي
حرك خالد رأسه بإشارة تشير دعمه بهذه الكلمات ، قائلا بإرهاق : يكون احسن و انا خليني اروح انام عشان خلاص بسقط مش شايف قدامي
أماء باسم له بعينه ، ثم تحرك يمشي معه محاولا تجاهل نبض قلبه المضطرب ، إذ يشعر بالخوف من رد فعلها ورفضها لمقابلته بعد ما فعله ، ورغم نفاد صبره الدائم ، إلا أنه أقنع نفسه أنه لن يخسر شيئا بانتظارها حتى تصبح مستعدة للحديث معه بهدوء ، والأهم أنه مطمئن على أن حالتها استقرت.
لكن كان داخله شعور بالغضب تجاهها ، لأنها جعلته يعاني من آلام نفسية قديمة تجددت في هذه الليلة الرهيبة ، وهكذا أخذ يبرر لنفسه معنى المشاعر المتضاربة بداخله.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
في غرفة ابريل
داخل المستشفي
_خليني اعدلهالك
نطق بها يوسف ، وهو يعدل بسرعة الوسادة خلف ظهر إبريل حتى تتمكن من الجلوس بشكل مريح : مرتاحة كدا يا ابريل .. تحبيني اساعدك في حاجة اعملك حاجة
هزت ابريل رأسها بالرفض قائلة بنبرة مقتضبة ومنخفضة وهي تتجنب النظر إليه : انا كويسة .. شكرا .. تقدروا تروحوا مفيش داعي تقعدو انا بقيت كويسة
إعترض يوسف ، قائلاً لها بإصرار حنون ، وهو يربت على كفها : لا هفضل معاكي و مش هتحرك لحد ما نخرج من هنا مع بعض يا حبيبتي
سحبت كفها البارد من تحت يده الدافئة دليلاً على رفضها لأي لمسة منه ، مما جعله يشعر بالحزن والذنب أكثر حيث رفعت رأسها ، ورمقته بنظرة حادة مرددة بإصرار : وانا قولت مفيش داعي
ضيقت ريهام عينيها بعدم رضا على طريقة أبريل الجافة ، وسألت بدهشة مختلطة بالقهر منها على ما حدث الليلة : مالك يا ابريل .. حساكي قافشة علينا وشكلك واخدة موقف مننا .. علي فكرة انا ويوسف مالناش اي دخل في حاجة
أنهى يوسف النقاش قبل أن يحتدم حينما قال بصوت هادئ : ريهام خلاص روحي انتي .. انا هستني معاها
استمعت إبريل إلى كلامه الذي أساءت فهمه ، مما أثار حالة من الغضب سيطرت عليها ، وسخرت تسأل بصوت محتدم : ايه!! خايفين عليا و خايفين اهرب؟
رفعت ريهام حاجبيها بإستنكار مع ردها ، ولمع الذهول في عيون يوسف ، وهو ينظر إلي ريهام محذرا إياها من الرد ، ولأن دورها فى حياة أختها سلبى ، فهى لا تهتم مطلقاً بما يتعلق بأمورها ، تمالكت أعصابها بصعوبة بسبب استفزاز ابريل لهم ، لتقول بانزعاج مشوب بالبرود : لا انتي باين اعصابك تعبانة اوي ومحتاجة وقت تهدي وتستريحي .. عموما انا هروح و هجيلك بكرا اطمن عليكي تكوني روقتي .. يلا سلام
_ابريل اا...
قطعت ابريل بقية عبارته ، وهي تدير رأسها إلى الجانب الآخر قائلة في بهمس مرتجف : ياريت تسيبني انام لأني فعلا مرهقة اوي .. ولا حتي دي مش من حقي كمان
سارع يوسف بالقول : مقصدش..
صمت يوسف فجأة عندما رأى التعب واضحا على وجهها ، فأردف مع تنهد : طيب علي راحتك .. انا جنبك هنا لو احتاجتي حاجة
أغمضت ابريل عينيها بضعف بعد زوال القوة الواهية التي كانت تتسلح بها لأنها خائفة ولا تشعر بأي أمان ، مثل قطة مذعورة تاهت من أمها في شارع واسع ، مما جعلها عرضة للإيذاء من كل الكائنات الحية الأخرى.
جلس يوسف على الأريكة متعبًا ، وسرعان ما نام من شدة إرهاقه.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
بعد مرور عدة ساعات
في المنصورة
داخل منزل تحية
قطع رنين الهاتف تحية عن مواصلة قراءة القرآن بخشوع ، أغلقت المصحف ، وأنزلت النظارة الطبية من عينيها الفيروزيتين اللتين لم يخفت إشراقهما رغم مرور الزمن ، لتستقر على صدرها وهي ترد بصوت هادئ.
_السلام عليكم
_الحجة تحية معايا!!
_ايوه انا .. انتي مين يا بنتي؟
_اسمي تقي بنت الست خديجة اللي بتشتغل عند ابو الانسة ابريل
_ابريل .. مالها هي كويسة حصلها ايه ومابتردش عليا ليه من امبارح؟
_اهدي يا حجة .. انا كنت واخدة رقمك من عند ابريل ماعرفتش اتصل بحضرتك غير دلوقتي عشان في حاجة مهمة لازم تعرفوها
_قوليلي بنتي جرالها حاجة؟!
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
في منزل دعاء
مرت الساعات التالية في أجواء حميمة جمعتهما كالعادة ، يسرقوها خلسة من الزمن ، حتى يروا عطش شوقهم الغامر ببعضهما ، وهو يحتويها شغفا وتلهفًا إليها ، وهي غارقة بين أحضانه في الدفء مغر.
انكسرت هالة العشق التي كانت تحيط بهم ، بسبب رنين هاتف دعاء ، لتنهض ببطء ، ووضعت يدها على مقدمة صدرها ، تمنع الملاءة الذي تغطيها من الانزلاق ، فسألها صلاح بسرعة متعجبا : مين هيكون بيتصل في الساعة دي؟
أجابته دعاء بلهاث : دا عز اكيد في حاجة؟!
_ردي مستنية ايه؟!
أومأت دعاء له قائلة قلق وتحذير : طط طيب طيب ماتكلمش بس
تلقت دعاء المكالمة ، ووضعت الهاتف على أذنها ، قائلة بصوت مرتعش ، حاولت أن تجعل الأمر طبيعيًا قدر الإمكان : اا ايوه يا عز .. اهدا اهدا عشان افهم؟!
عقدت دعاء جبهتها غير مصدقة ، وقالت شاهقة بفزع : بتقول ايه!! انتحرت ازاي دي .. وحصل امتي دا؟
سلط صلاح نظره إليها صلاح باهتمام ، وانجذب للحديث ، فيما أمالت دعاء بجسدها إلى الأمام قليلاً بسرعة ، والتقطت قميص صلاح الذى كان أقرب ما وصلت إليه يدها وارتدته بإهمال ، وهي تقول على عجل : حاضر حاضر جيالك علي طوا .. مسافة السكة بس وابقي عندك
رَمى صلاح بسؤاله الحائر : في ايه؟
ردت دعاء بتلعثم من فرط اضطرابها ، دون أن تنظر إليه بعد أن قامت من السرير ، ووقفت أمام خزانة الملابس ، تبحث عما سترتديه دون تركيز : مرات عز دخلوها العمليات بيقول انتحرت .. لازم نروحلو بسرعة
استدارت دعاء ، ورمت الملابس على السرير ، ونظرت إليه ورفعت حاجبيها معبرة عن استهجانها من لامبالاته وسألته بشك : انت جاي مش كدا؟!
أجاب صلاح بنظرة حذرة على سؤالها : هاجي طبعا بس..
نظرة التردد في عينيه تعلمها جيدا ، بينما لاحظت الارتباك الذي ظهر على وجهه ، ممَ جعل الدموع تتجمع في مقلتيها ، لن يتغير طالما أن الأولوية ليست لهم ولن تكون ابداً ، لكن هل كلمة "ليتني لم أحبك" مفيدة بعد كل هذه السنين؟ هذا هو خيارها وحدها ، وها أنتى يا دعاء تحصدى ما زرعتيه ، قاطعته بصوت خافت مفعم بالانكسار والخيبة : طالما فيها بس يبقي متكملش مش عايزة اسمع
هتف صلاح بثبات زائف بعد أن نهض سريعا ، متقدما منها محاولا الإمساك بذراعها : دعاء .. اسمعيني..
دفعته بعيداً عنها ، ورفعت وجهها إليه بنظرة ساخطة وهي تصرخ بانفعال : اسمع ايه!؟ بقولك ابنك واقع في مشكلة وانت زي عادتك متردد تقف جنبه وتساعده ايه .. انت مابتتعبش من الحسابات والتحليلات بتاعتك انت ايه مافيش عندك اي ذرة ابوة ناحيته ابدا؟!
دعاء كانت تتحدث بصوت حاد أزعجه وأربكه كثيراً ، حتى بين عبارة وأخرى ، قامت بنخزه في صدره وكتفه ، مما أثار أعصابه وتحدث بنرفزة : لزومه ايه كل الكلام دا دلوقتى .. انا قولت ايه يخليكي تثوري بالشكل دا؟
أشارت دعاء بإصبعها إليه متهمة ، وهي تخاطبه بصوت هادر بعد أن طفح الكيل بها : ترددك وبرودك واهمالك هما بس اللي بشوفهم منك يا صلاح وخلاص انا تعبت من اني افضل علي هامش في حياتك انا وابنك
تلفظ صلاح مبرراً : دعاء ااا..
بترت دعاء بقية جملته بصوت بارد كالثلج ومليء بالجفاء ، فهو لم يكن يفعل شيئا سوى استنزاف طاقتها التي لم تعد تحتمل ما يحدث ، بينما ارتفع صدرها وهبط من قعقعة أنفاسها المضطربة : ماتبررش كفاية معنديش وقت اضيعه في سمع كلام متكرر ومتعاد .. في الوقت اللي لازم اكون فيه جنب ابني
استدارت دعاء تنوي دعاء الذهاب إلى المرحاض هربًا من وجودها معه ، والدموع تسيل الدموع على خديها ، لكنه قبض علي ذراعها يعيدها أمامه ، ممسكًا بذراعها الأخرى قبل أن يخاطبها بحزم لاهث : اسمعي .. انا مراعي قلقك وخضتك دي عشان كدا .. مش هحاسبك علي الكلام دا وياريت ماسمعوش تاني منك يا دعاء .. يلا ندخل ناخد شاور سريع ونروح لأبننا
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى المنصورة
بمنزل أحمد
رن صوت رنين الهاتف في الغرفة ، فدخل أحمد وهو يجفف يديه المبللة بالمنشفة ، متوجهاً نحو مصدر الصوت ليستقبل المكالمة ، بعد أن رأى اسم المتصل بنظرة متعجبة ، قال ببحة خشنة : ايوه يا ستي؟!
_لا انا يدوب لسه صاحي كنت هصلي الفجر وامشي
.. في ايه حاسة انك تعبانة ولا حاجة؟
اتخذت الصدمة دربًا عميقاً بعقله مع تضييق نظرة عيناهُ المُستفهمة ، قبل أن تنبث شفتاهُ بكلمة واحدة : ابريل!!
لم يلاحظ دلوف نادية خلفه بعد أن انتهت من الوضوء ، كان يعطيها ظهره ، لكن أذنها تمكن من التقاط اسمها على لسانه الذي كان مثل خنجر ذو نصل مسموم مغروس في قلبها ، بينما استمع أحمد لتحية لثواني معدودة قبل أن يخبرها بسرعة ، والخوف ينهش خلايا قلبه دون هواده : حاضر هصلي ونازلك علي طول
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
عند ياسر
نظر ياسر إلى ساعة معصمه ، وعندما رأى أنها قد تجاوزت السادسة صباحاً ، قام من المقعد ، وهو يشعر بالتعب من ملل الجلوس والانتظار ، فهو أمضى عدة ساعات في انتظار انتهاء هالة من عملها حتى يتمكن من التحدث معها ، وحتى الآن لم تخرج من غرفة العمليات.
فى تلك الأثناء أمام غرفة العمليات
خرج كل من فريد وهالة بعد نجاح العملية ، ونجاة المصاب من الموت بأعجوبة.
الآن تشعر أن أعصابها هادئة ، وتنفسها منتظما بعد أن سيطرت حالة من التوتر على الأجواء بالداخل
_زين كويس يا دكتور طمنا لو سمحت ؟
أغمض فريد عينيه من الألم ، وهو يفركهما بخفة بأصابعه قبل أن يجيب والدة المصاب بصوت رزين : ادعيله يا حجة وضعه صعب .. الساعات الجاية هتحدد وكله في ايد ربنا
كررت العجوز سؤالها بجزع : بس هيبقي كويس مش كدا هيعيش!!
ردت هالة عليها بصوتها الهادئ : ان شاء الله .. بس اكيد محتاج متابعة لأنه معرض يحصله مضاعفات بعد العملية عشان كدا هيكون تحت ملاحظتنا يا حجة
_ربنا يطمنك يا بنتي .. طيب امتي نقدر نطمن عليه ونشوفه؟
فريد بنبرة حازمة : مش قبل يومين لحد حالته ما تستقر
ترجته السيدة العجوز بإلحاح : طيب حتي نشوفه من بعيد بس يا ابني
ردت هالة بدلا منه بصبر محذرة اياها بلطف : الافضل تسيبوه يرتاح وتبعدوه عن اي حاجة ممكن تتعبه .. ادعولو يقوم منها بخير بس
وافقها الشاب الواقف بجانب والدته بصوت هادئ : كلام الدكتورة مظبوط يا ماما .. عن اذنكم عشان النيابة عايزة تاخد اقوالنا
اقترب منهم رجل مسن ذو هيئة أنيقة ، فسلم عليه فريد بتحية احترام : ازي حضرتك يا دكتور جمال
ابتسم جمال قائلا بترحيب مازح : اهلا وسهلا بيك يا دكتور .. انت شكلك مستعجل جدا علي الشغل معانا ولا ايه
فريد بإبتسامة جذابة : يشرفني طبعا بس الحكاية كلها كانت صدفة
_خير خير جهودك اثبتت كفائتك بسرعة جدا .. انقاذك لحياة المريض رغم صعوبة الجراحة واستقرار الرصاصة عند القلب تستحق عليه التقدير
أدار فريد نظره إليها لوهلة وأضاف بهدوء : متشكر جدا يا دكتور بس الحقيقة الدكتورة هي اللي قدرت تسيطر علي الوضع
أخفضت هالة رأسها في خجل من إطرائه اللطيف على أدائها في العمل ، قائلة بجدية : شكرا انت كمان كان ليك الفضل الاكبر في نجاح العملية يا دكتور
_طبعا بلغني مجهودك انتي كمان يا دكتورة هالة .. مع اني استغربت اوي لما عرفت انك هنا يوم خطوبتك .. يلا عموما الف مبروك
ابتسمت هالة بمجاملة ، وقالت بهمساً منخفض : الله يبارك فيك يا دكتور..
أنهت كلامها عندما لاحظت ياسر يسير في نهاية الممر ، فتحدثت بسرعة في حرج : معلش هستئذن منكم
اقتربت منه هالة بخطوات سريعة ، تنادي باسمه ممَ جعله ينتبه لها ، فتوقف عن المشي واتجه نحوها ، فسألت في دهشة : ياسر .. انت هنا من امتي؟
تطلع ياسر بها طويلاً ، ثم قال بنبرة غامضة : بقالي شوية
بررت هالة بصوت رقيق : معلش انا كنت ف..
ولم يمنحها الوقت الكافي لتكمل جملتها ، إذ نظر إليها بسرعة على ساعة هاتفه : لازم ارجع البيت اغير هدومي واستريح شوية قبل معاد العيادة .. خلينا نتكلم لحد العربية
_طيب يلا
سارت معه إلى الخارج في هدوء تام ، رغم أن طاقتها كانت على وشك النفاذ بعد تعرضها للإرهاق الجسدي من جهة ، وعدم حصولها على الراحة الكافية لها ، وكذلك التعب النفسي من جهة أخرى ، بعد ليلة خطوبتها ، التي كانت بشعة بالنسبة لها بكل المقاييس.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى نفس المستشفى
اقتربت دعاء مسرعة من عز الذي كان يجلس على أحد كراسي الانتظار ، هتفت بخوف وقلق وهي تضع يدها على كتفه : عز .. طمني يا حبيبي علي مراتك ايه اخبارها
رفع عز رأسه إليها بعد أن لاحظ وصولها ، فقام ببطء وأجابها بندم كطفل مذعور ، واغرورقت عيناه بالدموع : انا السبب .. انا اللي عملت فيها كدا .. بس والله ماكنتش اقصد
_ مالوش فايدة الكلام دا .. سلمها علي ربنا يا عز وادعيله و هتبقي كويسة فين الدكتور؟
نظر عز إلى صلاح الذي لاحظ وجوده للتو ، ولكن من ارتباك تفكيره لم يعط الأمر أهمية ، ابتلع غصة في حلقه قبل أن يرد عليه بالألم : لسه محدش عايز يطمني
جلس الثلاثة عدة دقائق في صمت يملأه التوتر قبل خروج الطبيب ، فسارع عز إليه ليسأله بلهفة : طمني يا دكتور مني كويسة عايشة عايشة مش كدا
رد الطبيب بثبات : الحمدلله قدرنا ننقذ الموقف .. لو كنتو اتأخرتو عشر دقايق ماكناش عرفنا نعملها حاجة خصوصا مع النزيف الشديد اللي حصلها بس قدرنا نوقفه وننقذ حياتها لكن للاسف هي وصلت هنا بعد مافقدت الجنين و..
قاطعت دعاء استرسال كلام الطبيب بسؤال متعجب ، وهي توجه نظرها في صدمة نحو عز : جنين ايه يا دكتور هي مني كانت حامل؟!
رد عليها الطبيب بتأكيد ، مما جعل عز يشعر بسحابة داكنة تتكون أمام عينيه ، وتصلب في الأرض من قوة الصعقة التي استهدفت روحه نتيجة هذا النبأ المفجع : ايوه يا فندم الجنين كان لسه عمره تلت اسابيع .. بس دي محاولة انتحار ولازم تعرضوها علي اخصائي نفسي بأسرع وقت هي هتكون في امس لحاجة له
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
وبعد عدة ساعات ، أشرقت شمس يوم جديد ، ومعها المزيد من الأحداث الصاخبة للجميع.
عند ابريل
أغلقت المكالمة مع ريم الطبيبة النفسية ، بعد أن أخبرتها أنها ستزورها قريبا لأنها تشعر بالحاجة إلى التحدث معها ، ثم اتصلت برقم آخر كانت تحفظه ، ووضعت الهاتف على أذنها وانتظرت الطرف الآخر ليجيبها ، أتاها صوت أنثوي نائم لتجيب على سؤالها بحشرجة : انا ابريل .. معلش لو صحيت يا امي..رة
أتاها صوت اميرة تقول بإندفاع : ابريل انتي كويسة انتي فين وايه الرقم دا .. انا بكلمك من يومين وتليفونك مقفول
مسحت ابريل على صفحة وجهها ، وردت بصوت مجهد : تليفوني مش معايا دا تليفون يوسف .. وانا في المستشفي
_مستشفي ليه انتي ايه بيحصل معاكي بالظبط و ايه الكلام المنشور عليكي دا؟
اتسعت عيناها في دهشة مصدومة ، وهي تشير إلى نفسها ، وتسأل دون فهم : عليا انا!! كلام ايه اللي منشور؟
سردت لها أميرة بمزيج من الحيرة والتعجب : الاول قالو انك اتخطبتي للمخرج اللي هزقتيه في المطعم وبعد كام ساعة اتنشر انك سيبتي مصطفي بعد ما خلتيه يطلق مراته عشان طماعة فيه وبعديها روحتي ترتبطي بالمخرج
وضعت أبريل يدها على فمها ، لتمنع شهقة قوية كادت أن تمزق حلقها ، وهي تستمع إلى ما تقوله صديقتها بصدمة شديدة وشعرت أنها على حافة الانهيار
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى بيت كبير رائع التصميم
بقامته الطويلة ، ووقاره المميز دخل بهو المنزل ، وسلم الخادمة حقيبة صغيرة بعد أن رحبت بعودته سالما.
أشار مصطفى لها بابتسامة قبل أن يواصل طريقه نحو غرفة الطعام ، رأى عائلته مجتمعين حول المائدة يتناولون الإفطار في صمت، قاطعه حمحمة رجولية قائلا بهدوء : صباح الخير
ابتسمت والدته قائلة بترحيب : حبيبي حمدلله علي السلامه صباح الورد
انحنى مصطفي وقبل يدها بمحبة ، ثم رفع نفسه ووضع قبلة أخرى على رأسها قائلا مبتسما بشوق : عاملة ايه يا ست الكل وحشاني جدا
نهضت سمر ، البالغة من العمر سبعة عشر عامًا ، ممتلئة الجسم ، وشعرها بني داكن قصير ، من كرسيها ، ثم استدارت حول الطاولة ، لتقترب منه قائلة بحزن مصطنع : هي بس اللي وحشتك يا ابيه؟
اتسعت ابتسامة مصطفى ، عندما احتضنته بحب أخوي ، فقال بإسترضاء وهو يربت على شعرها : انا اقدر علي الكلام دا .. وحشتيني جدا يا سمسمة
_حمدلله علي سلامتك يا ابو الدراويش نورت القاهرة وضواحيها
هذا ما قاله شقيقه معتز توأم سمر ، الذي كان يتصفح إحدى وسائل التواصل الاجتماعي على هاتفه ، واكتفى برفع يده ملوحاً له ، ليرد عليه مصطفى بضحكة : انت لسه واخد بالك اني هنا..
حثته والدته بحنان بعد أن جلس فى مقعده : يلا افطر يا حبيبي
مصطفى بلامبالاة : ماليش نفس .. سمر عايز فنجان قهوة من ايدك يهدي الصداع بتاع الطريق دا شوية
هتفت سمر بتأفف متذمر : هو انتو معندكوش غير سمر بتاعت القهوة يعني ..
أكملت سمر بمرح بعد أن رمقتها والدتها بنظرة تعلمها جيداً : بس عشانك بس هعملها يا ابيه وامري لله
مصطفى بسؤال : اومال بابا فين لسه نايم ولا ايه؟
_لا دا صاحي من بدري وراح يجري شوية حسب تعليمات الدكتور
فجأة غص معتز بالطعام ، واهتز الهاتف في كفه ، وسرعان ما قدمت له والدته كأسا من العصير أمامها قائلة بخوف أمومي : اسم الله عليك يا حبيبي خد اشرب
سارع معتز بتجرع العصير بعد أن وضع الهاتف فوق الطاولة.
_إيه اللي حصلك؟!
أجاب معتز على والدته بصوت مختنق ممزوج بالتوتر : مممفيش انا تمام
نظرت إليه والدته باهتمام ، وفسرت شحوبه المفاجئ أثر الغصة ، قبل أن توبخه بنبرة ساخطة : بطل بص في الزفت دا وكل زي الناس مابيسيبش الموبايل حتي وهو بياكل
أضافت والدته تشكى لمصطفى ، الذي هز رأسه غير قادر على إيجاد حل للأمر ، موضحا ذلك بابتسامة جانبية : السوشيال ميديا دي بقي زي الهوا والميه بالنسبة للكل خلاص
أضاف مصطفى بحيرة : بالحق ماكلمتيش سلمي وعرفتي ايه حكاية ابريل وتليفونها مابيجمعش ليه
_لا ا...
قاطع معتز الحديث بنظرة متوترة ، قائلا بخوف حذر : ابيه .. في كلام مكتوب عنك وعنها مالي المواقع كلها
سألت والدته بدهشة : كلام عن مين يا معتز؟
اعتدل مصطفى فى جلسته ، وقال بأمر بينما يمد يده نحوه : هات دا وريني؟
نظر مصطفى إلى شاشة الهاتف بوجه واجم ، وضاقت عيناه بشكل خطير ، ممَ جعل الآخرين يبتلعون لعابهم ، وهم ينتظرون رد فعله التالي.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
عند ابريل
انزلقت العبرات على خديها واحدة تلو الأخرى، فأغمضت عينيها بإحكام ، وشعرت بضيق شديد يغمر رئتيها ، فرفعت القناع فوق فمها ووضعت راحتيها على صدرها ، ثم بدأت تستنشق الهواء بشكل متقطع، وقلبها ينبض مثل الطبول ، وأحنت رأسها ووضعته بين كفيها ، واستسلم عقلها لهواجسه ، مما تسبب في تصاعد الذعر في خلاياها ، لتتمتم معنفة نفسها بقسوة : انتى للي عملتي فى نفسك كدا!! حطيتي نفسك في موقف زي الزفت كنتي منتظرة تكون ايه النتيجة؟
هل كان هناك سبيل أخر حتى تسلكه ، فهى على وشك الزواج برجل تتمنى العديد من الفتيات أن تنال منه نظرة فقط ، لكنه اختارها لتكون زوجته رغم فارق السن بينهما ، وهذا جعلها سعيدة بحبه ورعايته لها ، والاهتمام الذي يغدقها به ، حتى اكتشفت قبل أيام قليلة من زفافها ، سرًا مهمًا أضمره عنها عمدًا ، لينقلب موقفها منه تمامًا ، وفى الوقت الذى تمردت رافضة الزواج منه حتى لا تكرر ماضي والدتها ، زوجة أبيها لم تهتم برفضها ، بل حبستها لإجبارها على الموافقة رغماً عنها ، لتزعم هى على التملص من القيود والأقفال ، وقررت الهروب وكتابة مصيرها بخط يدها ، لكنهم كانوا وراءها بالمرصاد ، فإنزلقت في خدعة رسمتها الظروف ، لكنها إنغمست فيها إرادتها ، وأنها الآن عليها مواجهة العواقب ، فلم يعد هناك مجال للفرار بعد أن أصبح معلناً للجميع.
انقطعت أفكارها ما أن سمعت طرقا خافتا على باب الغرفة ، فرفعت رأسها ، واتسعت عيناها بذهول ، وفاضت بالدموع أكثر ، وهى تلقي عليه نظرات فيروزية حادة في نفور واضح ، لم يستغرب منه ، بل أخذت رماديتيه تطوف كامل هيئتها الباكية دون تعبير مقروء على وجهه ، وقبل أن يتمكن من الكلام ، أنزلت ابريل القناع ، وصاحت في وجهه بعدائية بائنة للأعمى : انت ايه اللي دخلك هنا؟!!!!
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية جوازة ابريل) اسم الرواية