Ads by Google X

رواية بك احيا الفصل العشرون 20 - بقلم ناهد خالد

الصفحة الرئيسية

 

 رواية بك احيا الفصل العشرون 20 - بقلم ناهد خالد

 خطوة إيجابية...


الفصل العشرون..

ونهض بعدما اخفى سلاحه بمهارة، ووقف عائدًا للمطعم وهو يستمع لرنين صوت زغردة المرأة، وكأنها حُررت من محبسها، وقف أمامها تمامًا، مبتلعًا ريقه بوجل من رد فعلها، لطالما اخبرته أنها لا تفضل العنف مهما كان السبب، خشى أن تكون قد أخذت منهُ موقفًا بسبب ما فعله، فبدى كطفل صغير يبرر لوالدته كي لا تغضب وهو يحاول التبرير لها: 


-مكنتش هضربه، هو الي ضر' بني الأول و... 


قاطعته وهي تبتسم في وجهه مرددة بسعادة:


_ لو كنت اعرف إنك هتقدر تضربه مكنتش منعتك من الأول، بس خوفت ليعملك عاهة، لكن برافو عليك. 


_ عاهة! 


رددها غير مصدقًا لردة فعلها وهو يضحك باندهاش، لم يتوقع أبدًا ما قالته، توقع أن تثور إن لم يعجبها الأمر، أو تصمت إن لاقَ لها، ولكن أن تُثني عليه! عجبًا! 


اومأت برأسها وهي تردد بتأكيد:


- اه عاهة، يعني يكسرلك ايد يخبطك بمطوة في وشك كده يعني. 


ضحك بشدة فبدى وسيمًا بحق.. وهذا ما خطر بعقلها أول ما رأت ضحكته التي زينت وجنتيهِ، فطالعته بنظرة بلهاء قبل أن يفصلها حديثه بعدما تحكم في ضحكته التي خرجت من قلبه:


_ أنتِ شرحتيني وأنا واقف! بعدين معقول فاقده الأمل فيا للدرجادي!؟ 


ابتسمت له بلطف وهي تعقب:


_ لأ، بس عارفه الوحش كويس، انسان متوحش صدق من سماه الوحش بصحيح، محدش بيدخل معاه في خناقة غير لما يطلع خسران، خسران ايد، خسران عين كده يعني. 


ذم شفتيهِ بلامبالاة واستخفاف مرددًا:


_على فكرة هو مش بالخطورة دي، بس اكيد الي كانوا بيقفوا قصاده هفق اوي. 


رفعت منكبيها وهي تجيبه بعدم اهتمام:


_ يمكن، يلا بقى نشوف شغلنا. 


أشار لها بيده في لباقة لتتقدمه، فابتسمت له بلطف وهي تتجه لداخل المطعم بعدما تفرق الجمع المتجمع يشاهدون تلك المشاجرة التي علىَ صوتها حتى سمعَ أركان الحي. 

_______________


الثانية صباحًا... 


تحركت السيارات الخاصة ب"مراد" ورجاله، والتي بلغت ثلاث سيارات، في كل منهم ثلاث رجال، وأحدهم كان يقبع فيها "مراد" في المقعد الخلفي، متناولاً بين إصبعيهِ لفافة من التبغ الفاخر، ينفس دخانها بتروي وشرود، وعيناه تتابع خارج النافذة، اليوم ولأول مرة يكن يوم جيد ويمر بسلام على هذا النحو، أول مرة مع انتهاء يومه يتمنى لو يعيده من جديد، وبالطبع أقصد لأول مرة منذُ عشرة أعوام، لأول مرة يشعر بالسلام الداخلي وإن لم يكن بدرجة كبيرة، ولكنه قد زاره على الأقل! يحاول جاهدًا أن يتجنب تذكر حديثها عنهُ وملامحها التي قست وتغيرت حين ذُكر كنيتها المحببة له، سيتجنب كل هذا ليكن اليوم هو يوم سعده! اليوم الذي قابلها فيهِ بعد كل ذلك الغياب، اليوم الذي غرد صوتها في حياته مرة أخرى، وشعر بأنفاسها قريبة منهُ، ورأى ابتسامتها، واجتمعت عيناها بعينيهِ، فقط سيتذكر كل هذا.. 


تناول كوب "الخمر" الموضوع في المكان المخصص له في السيارة أمام مقعدة وتناوله ببطئ متلذذًا بهِ، وما إن خطر بعقله حديثها معه حين انتهى من الشجار مع ذلك الوحش كما يقولون، وردة فعلها الغير متوقعة حينها ولكنها كانت طريفة بالنسبة له، انزل الكوب من على فاهه وقد ابتسم ثغره بتلقائية. 


ضيق "طارق" حاجبيهِ مستغربًا حين رأى ابتسامته البسيطة في مرآة السيارة، ولم يستطع كبح فضوله وهو يعلق:


_ خير ياباشا؟ أنتَ كويس؟ 


انتبه له "مراد" فنظر له بجبين مقطب باستغراب، وكأنه يسأله عن مقصده دون حديث، وقد فهمه الآخر على الفور فوضح قائلاً:


_ اصل لقيت حضرتك مبتسم! 


كان يتحدث وكأنه قد رأى أعجوبة من عجائب الدنيا! او وكأن الابتسامة توشي بمرض ما! 


اختفت ابتسامته وهو يطالعه بجانب عيناه بحدة ولسانة يتولى الرد:


_ خليك في حالك. 


امتعضت ملامحه وهو يعاود النظر للأمام هامسًا لذاته بنزق:


_ كل مرة فضولك يجبلك التهزيق وبرضو مفيش فايدة فيك. 


_ بتقول حاجة؟ 


رددها "مراد" متسائلاً بتهديد مبطن، التقطه "طارق" بوضوح فقال سريعًا رغم امتعاضه:


_ لا ياباشا تسلم. 


رفع الكوب لفمه مرة أخرى مرتشفًا بهدوء بعدما ظهرت السخرية على وجهه لرد فعل الأول، عاود النظر من النافذة حتى يصلوا لوجهتهم. 


بعد عدة دقائق كانوا يصلون لمحل التسليم، ترجل "طارق" فاتحًا الباب لرب عمله، فترجل الآخر بعنجهيته المعروفة، كانت ملامحه جامدة حتى وقع بصره على "دياب" ورجاله الواقفين في انتظار وصول جميع الأطراف، ازاداد جمود ملامحة وباتت عيناه داكنة مُنذرة بما يعتمر دواخله من غضب وتحفز، القى بلفافة التبغ فوق الأرضية والتي تُعد العاشرة تقريبًا خلال الطريق فقط، ودهسها بحذائه، قبل أن يتجه وخلفه رجاله ناحية "دياب". 


والآخر لم يكن أقل منه غضبًا أو تحفزًا، بل وقف بجسد متشدد ينتظر إقبال عدوه اللدود، عدة خطوات فصلت بينهما حتى أصبح "مراد" قريبًا منه، وما جمده محله هو وقوف الآخر محله دون أن يعطيه أي اهتمام، وقف فقط ينتظر قدوم الطرف الآخر، وهذا ما جعله لا يستطع الوقوف صامتًا، فانطلق الحديث من فاهه وهو يقول بصوتٍ عالٍ:


_ جرا ايه يابن وهدان مش مالي عينك الي واقفين!؟ 


كل ما نُتج من رد فعل من "مراد" هو رفعة حاجبه الأيسر ساخرًا ولم يعلق، بينما ألقى "طارق" نظرة عليهم بجانب عيناه لتصطدم عينيهِ بعيني "هاجر" صدفة، فرمق كلاً منهما الآخر بنظرة نارية قبل أن يشيحا بأنظارهما بعيدًا. 


طحن أسنانه بغيظ من تجاهل الأول له، وكاد يتحرك قابضًا على سلاحه ناويًا الفتك برأس ذلك المغرور، ولكن قبضة "هاجر" على ذراعه هي ما اوقفته، ورفعت ذاتها لمستوى أذنه هامسة له:


_ اهدى يا باشا عشان اي مشكلة هتحصل من ناحيتك البوص مش هيعديها، وخصوصًا ان محذرك كذا مرة من أي مشكلة تحصل بينكوا. 


أدخل سلاحه في حامله مرة أخرى وبداخله يشتعل غيظًا ولكن ماباليد حيلة، لا يستطيع الدخول في مشاكل الآن خصوصًا وذلك الماكر يعرف جيدًا كيف يُخرج ذاته منها، ويُلقي بكل الذنب على عاتقه هو. 


وصلَ الطرف الآخر بعدما أرست السفينة في مرساها على الميناء، وبمساعدة بعض الفاسدين كان وصولهم لهذه النقطة أمرًا يسيرًا، بدأت الرجال في إنزال البضاعة من السفينة وبالطبع قد حصلوا على إذن الجمارك للمرور! ودون فحص كانت تُنقل البضاعة من السفينة للسيارات الضخمة التي أتت بصحبة "دياب" لتحمل البضائع.. 


اقترب ذلك الرجل الذي تعدى الخمسون من عمره، مرتديًا قُبعة كلاسيكية قليلاً، وبذلته وحذاءه أوحوا بمدى ثراءه، وقف يمرر عيناه الزرقاء عليهم جميعًا حتى استقرت على "دياب" الذي يعرفه فقال بلكنته الاسبانية:


_ مرحبًا سنيور دياب. 


اقترب "دياب" مصافحًا اياه بود وقال:


_ مرحبًا سنيور باولو.


اخذهما الحديث لدقيقتان ربما، قبل أن تقطع عيني "باولو" على "مراد" الواقف على بُعد يتابع نقل البضائع ويتحدث مع رجل يقف جواره، أشار عليهِ بعيناه وهو يسأل:


_ ما أمر ذلك الرجل؟ لثالث مرة أراه يأتي معك لإتمام المهمة، ما وظيفته؟ 


تأفأف "دياب" من ذِكر سيرته لكنه وضح بضيق:


_ مساعد لي، ينتهي عملي هنا، اما هو فيصل البضاعة للمخازن. 


اومئ برأسه يغمغم:


_ تقصد إجراءات الدخول للميناء وايصال المال لي هذا تخصصك، وهو فقط ينقل البضاعة. 


اومئ برأسه مؤكدًا، ليكمل باستغراب:


_ ولِمَ لا يتعلم إتمام المهمة بأكملها، بدلاً من إنشغالكما كليكما؟ أم أنه غير جدير بالثقة؟ 


نفى برأسه معقبًا:


_ ليس الأمر هكذا، فقط في العمليات الضخمة كهذه، لا يقبل الرئيس بأي أخطاء محتملة الحدوث، لذا فارسالي يطمئنه أكثر بأن كل شيء سيسير على ما يرام، لكنه يقوم ببعض العمليات البسيطة بمفرده. 


هز "باولو" رأسه بعدم اقتناع وهو يقول:


_ربما لكن أظن أنه قادر على القيام بأي عملية مهما بلغت ضخامتها، يبدو أن شخص مُحنك. 


_ربما. 


رددها "دياب" بعدم رضا عن الحديث بأكمله، وغضب من ذِكر ذلك الأحمق في كل شيء يخصه، لا يعلم لِمَ عليهِ دومًا لفت الأنظار! 


اخرج حقائب المال وسلمها ل"باولو" الذي أشار ل "مراد" بالوداع قبل أن يذهب، فأكتفى الأخيرة برفع يده مودعًا دون اهتمام، تحت نظرات "دياب" الحارقة، وما إن تم نقل البضائع للسيارات، حتى اتجه "مراد" لسيارته متجنبًا الحديث مع ذلك الأبله حتى لا يحدث ما لا يُحمد عقباه. 


_____________


اليوم التالي عصرًا.. 


انهت جميع الكشوفات ودلفت لغرفة الطبيب لتخبره:


_ الكشوفات خلصت يا دكتور. 


اومئ برأسه وهو يستعد للملمة أشيائه بينما يقول لها:


- تمام، لمي حاجتك عشان تقفلي. 


لم تتحرك بل بدأت في فرك كفيها بتوتر، مما جعله يرفع رأسه مستغربًا وقوفها والحيرة التي بدت

على ملامحها، فسألها:


_ في حاجة يا خديجة؟ 


اومأت برأسها، وأخذت نفسًا عميقًا تزفره على مِهل وهي تقول:


_ بصراحه يعني.. كنت بستأذن لو ينفع أخد جلسة دلوقتي؟ 


لم يبدي لهفته الداخلية بل بدى ثابتًا تمامًا وهو يشير لها لتجلس على الكرسي المقابل:


_ اتفضلي. 


جلست أمامه والتوتر يحيطها، لا تعلم إن كانت هذه الخطوة في صالحها أم لا، وكأن الطبيب "كمال" شعر بما يجوب بداخلها، ولم يريد أن يترك له الفرصة للتراجع، لذا قطع تفكيرها وهو يحثها على الحديث:


_ ها يا خديجة تحبي نبدأ منين؟ 


أخذت نفسًا عميقًا وهي تقرر الحديث وليحدث ما يحدث، فلن يكن الأمر أسوء مما هي بهِ، لا يراهقها رؤية "سارة" قدر ما يرهقها الكوابيس التي تراودها كل يوم في منامها، وحقًا تريد التخلص منها:


_ أنا مش عارفة ابدأ بأيه؟ 


_ لسه بتشوفي سارة؟ 


ساعدها هو في البدأ وقد القى بسؤاله، لتومئ برأسها وهي تبتلع ريقها وبدأت تقول:


_ ايوه، لسه بشوفها، وبحلم بيها في كوابيسي، وده تاعبني اوي، حاولت اتعود على وجودها، بس في الكوابيس لا، مش قادرة، بقيت بكره النوم عشان بس ماشوفهاش. 


_ ليه قررتي تكدبي عليَّ وتقولي إنك بطلتِ تشوفيها. 


احنت رأسها وهي تقول بخجل:


_ بصراحة أنا كنت زهقت، كنت بقالي سنة بتعالج عند حضرتك ومفيش نتيجة، حسيت ان الموضوع مش جايب همه، كل الي بعمله إني بعري نفسي قدام حد تاني.. 


قطب حاجبيهِ بدهشة لمنطقها وقال:


_ تعري نفسك! انا دكتور ودي شغلتي إن اعرف كل الي بيحصل معاكِ عشان اقدر افهم حالتك ومشاكلك فاقدر اعالجك، وبعدين كنتِ عاوزه تتعالجي ازاي بسرعة وأنتِ كنتِ مصممة تخبي وتكدبي؟ من أول مرة جيتِ فيها هنا وانتِ مبتقوليش كل حاجة. 


احتل الحزن ملامحها وهي تقول:


_بالنسبة ليا، فأه تعتبر تعرية، حكايتي مش زي اي حد، ولا حكاية عادية مجرد كلاكيع نفسية وتعدي، الموضوع اكبر واعمق من كده. 


عقب بدون اقتناع:


_ حتى لو، انا دكتور نفسي يعني مهما كانت مشاكلك مينفعش تخبيها عليَّ، مش هتكوني اكتر من واحده جت تعترفلي بخيانتها لجوزها مع صاحبه! صح ولا ايه؟ 


ارتفع حاجبيها ذهولاً وهي تسأله بعدم تصديق:


_ ده بجد؟ وجت حكتلك؟ 


اومئ بتأكيد:


_ كانت ذكية وفهمت إن مفيش داعي تخبي عليَّ، وانا المفروض اساعدها. 


تسائلت بفضول:


_ وعملت ايه معاها؟ 


اكتفى برد مختصر وهو يخبرها:


_ ساعدتها. 


علمت من اجابته أنه لا يريد البوح بما هو أكثر، فالتزمت الصمت حيال هذا الموضوع، وسألته بحيرة:


- عاوزني ابدأ بأية؟


_ اللي يريحك، بس لو بتسأليني عن فضولي كشخص بيسمعك، ففضولي متجه أكتر انه يعرف مين مراد وبيمثلك ايه بالضبط!؟ 


هزت رأسها بسخرية واضحة وهي تجيبه:


_ كنت عارفة انك حابب تعرف ده اكتر من اي حاجة. 


_ يمكن عشان حكايته غامضه بالنسبالي، وكل الفترة الي فاتت بسأل نفسي اي ممكن يخلي طفلة تكره طفل بالشكل ده؟ 


بداخلها صوت يصرخ بها ألا تبوح بسرها الخطير، وآخر يخبرها أن الأمر لن يصبح أسوء مما هو الآن، تريد التخلص من كل شيء يرهقها، تريد القاء ذلك الثقل الذي يثقل كهليها بعيدًا بأي ثمن حتى وإن كان سينتهي بسجنها..! 


_ مراد هو صديق طفولتي زي ما حكتيلك، وكل حاجه قولتهالك عنه حصلت فعلاً، من وقت ما وعيت على الدنيا واعرف أميز الأشخاص، ومراد كان أقرب حد ليَّ أو بمعنى أدق كان كل حاجة ليَّ، لحد مابقى عندي ٨ سنين.. 


ابتلعت ريقها بوجل وهي مقبلة على الحديث عن أكثر جزء شائك في الحكاية، تغيرت ملامحها واحتلها التوتر مع سحابة حزينة عبرت بعينيها مع ذكرى ذلك اليوم المشؤوم، أغمضت عيناها لبضع ثواني كي تستعد للسرد، حتى نطق لسانها أخيرًا وهي تقول بصوتٍ متحشرجٍا أثر اختناقها بالذكريات:


_ كنت بلعب ما أختي سارة واتخانقنا فزقتني ووقعتني على الأرض واتعورت، وقتها هو جه وشافني وأنا قولتله انها وقعتني واتعورت بسببها، حاولت تنكر وتقوله انها مكنش قصدها توقعني بس انا كدبتها وقولتله انها كانت قاصدة، وقتها خدني يطهرلي الجرح وفضل يقولي كلام غريب زي اني مينفعش افضل اسيب حقي، وكان باين انه متضايق من الي حصل، وبعدها.... 


صمتت تتذكر تلك الذكريات المؤلمة والتي لم تنساها منذ يومها... 


في عام ٢٠٠٨......


قرر عقاب "سارة" عما فعلته ولكي يعطيها درسًا يردعها عن أذية "خديجة" مرة أخرى، لذا وضع خطة مُحكمة لتنفيذ العقاب الذي خطر بعقله.... 


أخبرها أنه سيبقيها لدقائق فقط في الخزانة التي تقبع في المخزن والتي هجرت منذً زمن، فقط لتشعر بالخوف وتبكي وهكذا تكون قد استردت حقها... بسهولة كانا يستدرجناها للمخزن، وبسهولة أكثر كانت تدلف معه لتلك الغرفة القديمة، لم ترى نظرة عيناه الغريبة، ولا تمريره للسانه بدائرية داخل فمه، ولا إمالته لرأسه لليمين قليلاً.. وفجأة وجدت ذاتها تُدفع عنوة للخزانة ويغلق عليها الباب من الخارج بالمفتاح دون اهتمام لصراخها المرتعد.


_ حصل ايه؟


تسائلت بها بقلق بالغ حين خرج لها، ابتسم ورد بهدوء:


_ كله تمام... خمس دقايق وهنخرجها.


توترت نظراتها أكثر وهي تسأله بخوف:


_ مش كتير؟


ذم شفتيهِ بلامبالاة:


- لا، بيقولوا الانسان يقدر يعيش من غير تنفس ل ١٠ دقايق. 


واكتفى بهذه المعلومة دون إكمالها قاصدًا.. فلم يخبرها مثلاً أن علميًا بعد ثلاث دقائق من عدم التنفس قد تبدأ بعض أنسجة المخ في التلف، وأن الإنسان أقصى مدة قد يتحملها دون تنفس لا تصل للعشر دقائق بل هي لا تتعدى الخمس سوى بدقيقتان او ثلاثة.. وإن وصلت للعشر سيكون ميتًا حتمًا. 


وبالداخل أخذت تضرب بقبضتيها على الخزانة برعب وهي تصرخ:


_ افتح الباب، حرام عليك هموت.. حد يلحقني انا بتخنق والله.. مرااد!!! 


وبالفعل كانت تشعر بأنفاسها تثقل، وضيقها ورعبها من المكان أزادوا شعورها.. 


لتصرخ ثانيًة:


_ أنا أسفة، والله ماهضايقها تاني.. افتحوا الباب بقى.. خديجة.. خديجة افتحيلي بالله عليكِ، عشان خاطري..أنا أسفه.. افتحوا بقى.. 


ولكن لم تسمع ردًا، أو صوتًا يدل على اكتراث أحدهم. 


بالخارج استمعت لحديث شقيقتها، لتدمع عيناها وهي تنوي الدلوف لها:


_ لا كفاية كده.. دي خايفة اوي. 


امسك ذراعها يوقفها لتنظر له، فنظر لعيناها مباشرةً وهو يقول:


_ لما تنوي تاخدي حقك متجيش في نص الطريق وتترددي.. ومتسمحيش لقلبك ومشاعرك يتحكموا فيكِ. 


ردت بتبرير وعيناها تنظر للداخل:


_ بس دي خايفة اوي حرام كده.. كمان خايفة يحصل لها حاجة. 


احتدت نظرته وهو يسألها كأنه لم يسمعها:


_ سمعتِ قولت ايه؟ 


وبقلة حيلة كالعادة تستمع لحديثه وكأنه شيطانًا ما يوسوس لها وهي تقتنع فورًا! فأومأت برأسها وهي تقف بجواره صامتة.. 


عادت من ذكرياتها بأنفاس متسارعة ودموع سقطت كالأمطار، وأصبحت تتحدث بسرعة وانهيار وهي تكمل سردها:


_ مكنتش اعرف انها هتموت.. سكت ومقدرتش اخالفه وادخل انقذها، بس لو كنت اعرف انها هتموت كنت دخلت وانقذتها والله ومكنش همني هو، بس انا.. انا فكرت اننا بنعاقبها بس، والله ماكنت اعرف انها هتموت... 


رددتها بانهيار وجسدها بدأ بالاهتزاز بشكل مقلق، فنهض "كمال" ليجلس قبالها ومد يده لها بكوب ماء، فأخذته ترتشف منه بسرعة وهي تسمعه يقول:


_ اهدي، كل الي بتحكيه ده خِلص وانتهى، مفيش داعي للتوتر والانهيار ده. 


نفت برأسها بعدما أنزلت الكوب من على فمها وقالت:


_ لا، منتهاش، عمره ما كان ماضي بالنسبالي، ومش عارفة الوم مين، الومني عشان سكت وشاركته في جريمته ولا ألومه لأنه السبب وهو الي عمل كل ده، هو السبب في كل العذاب الي أنا فيه. 


لم يهتم لحديثها الآن، وسألها عن شيء آخر حين قال:


_ قوليلي، حصل ايه بعدها، اتعامل معاكي ازاي؟ وبعدتِ امتى وازاي؟ 


اكملت السرد حتى آخر ليلة جمعت بينهما، هوت دموعها وهي تقول بقلة حيلة:


_ كان صعب عليَّ البُعد، بس مكانش قدامي حل تاني، خوفت.. خوفت على نفسي ومبقاش مصدر آمان ليَّ.. 


قاطعها وهو يعقب ذاهلاً:


_ خوفتِ! ده قتلها عشانك؟ خوفتِ ليه؟ أصلاً خوفتِ ازاي!! ده كل الي عمله كان عشانك، تفتكري بعد كل ده كان هيأذيكِ!؟ 


نظرت له حائرة، ورفعت منكبيها بتشتت وهي تجيبه:


_ مش عارفة، بس الي يقتل مرة يقتل ألف. 


هز رأسه نافيًا:


_ يمكن، بس ميقتلش الي قتل عشانه، عمرك شوفتي قطة بتدافع عن ولادها وتخربش شخص حاول يأذيهم وبعدها هي تأذيهم! اكيد لأ، بس هتأذي اي شخص يحاول يقربلهم. 


وكأنها حصلت على مفتاح حيرتها، لتقول سريعًا:


_ يمكن فعلاً خوفت يكرر ده حتى لو مش معايا، لمجرد انه يقتل حد فكر يأذيني يبقى أنا كده هعيش مع قاتل ومجرم! هخاف اتعامل مع البشر بسببه. 


أشار لها بسبابته وهو يقول:


_ ده تفكير خديجة الانسة الي قاعدة قدامي، لكن تفكير خديجة الطفلة الي هربت مكانش أي حاجة من الي بتقوليه ده.. هي فعلاً وقتها خافت على نفسها منه، حتى لو مش منطقي، فهي مجرد طفلة مش هتعرف تحلل الأمور بشكل سليم، فالسؤال المهم هنا.. ندمانة إنك هربتي؟ أو لو رجع بيكِ الوقت لورا هتهربي برضو؟ ولا هتفضلي معاه وتحاولي تغيريه؟ 


نفت برأسها بقوة وبثبات على موقفها اخبرته:


_ههرب، ببساطة لأني وقتها كنت طفلة متفهمش في كل ده، ولو هرجع لورا ب تفكيري دلوقتي، فأنا واثقة انه بقى شخص غير سوي، معرفش وصل لفين، بس الي متأكده منه انه عمل جرايم تانية. 


سألها "كمال" مضيقًا ما بين حاجبيهِ:


- ازاي؟ إذا كان السبب الأساسي لجريمته الي هو أنتِ مبقاش موجود.. عنده حد تاني يعمل ده عشانه؟ 


أوضحت وهي تنفي برأسها:


_ مقصدش بالجرايم القتل تحديدًا، أنا أقصد إنه أكيد أذى ناس تانية، مراد من صغره اتربى على العنف، وكلامه الي كان دايمًا يقولهولي عن أخد الحق ده خير دليل.. أكيد أذى كل شخص جه على حقه في يوم. 


باغتها بسؤال جعل تنفسها يقف لثانية قبل أن تعاود التنفس من جديد ولكن هذه المرة باضطراب شديد، وبهتت ملامحها حين قال:


_من جواكي نفسك تشوفية؟ او على الاقل بتتمنى لو القدر يجمعكوا تاني؟ او بلاش كل ده، وقوليلي هتعملي ايه لو مراد لاقاكي بالصدفة؟ او تتوقعي هو هيعمل ايه؟ 


تضاربت الأفكار في رأسها، وبدأ عقلها يصور لشكل اللقاء بينهما، وللأسف ولا صورة خرجت جيدة، فواحدة تخيلت أنه يصرخ بها لغدرها قديمًا وينتهي الأمر بصفعة مدوية، وأخرى كان اللقاء بين شد وجذب منهما، هو يريدها أن تذهب معه، لهناك حيث تلك الفيلا التي شهدت مقتل شقيقتها وصمتها عن حقها، وهي ترفض وتتعنت لينتهي الحال بأخذها عنوة، وأخرى.. وأخرى. 


_ روحتي فين!؟ 


رددها "كمال" بتنبيه، لتفيق من شرودها ورددت فورًا:


_ مش عارفة.. بس أنا عيشت عمري بتمنى مشفوش تاني، عشت عمري جوايا احساس بالهرب من كل مكان بروحه خوف انه يكون عرف طريقي.. يمكن مراد كان هاجس ليَّ، هاجس ملازمني دايمًا بأنه هيوصلي.... لو لاقاني! 


رددتها بتية واضح، وشردت لثانية واحدة كأنها ترى الحدث أمامها، وقالت:


_ اكيد هيأذيني، مراد مبيسبش حقه، وانا عارفة إني أذيته، عارفة إني غدرت بيه، أو على الأقل ده من وجهة نظره. 


_ ووجهة نظرك أنتِ!؟ مش شايفة إنك أذتيه؟ أذيتي انسان حبك وكنتِ كل حياته؟ كنتِ قاعدة بترتبي معاه خروجه حلوه لتاني يوم وأنتِ عارفة أنه مش هيحصل وأنك هتهربي قبلها! مش حاسة إن أيًا كانت مبراراتك فأنتِ كسرتي قلبه!؟ 


قال "كمال" حديثه سريعًا كأنه لا يعطيها الفرصة للمقاطعة، وانتظر ردها الذي طال قليلاً قبل أن تقول بتذبذب واضح:


_ يمكن كل ده صح، بس الحكاية سلاح ذو حدين، كل ناحية منه مؤذية، ناحية مؤذية له فعلاً، والطرف التاني مؤذي ليَّ.. عارف الوضع بينا عامل زي إيه، زي انسان مطعون بالسيف، ومن حبه في شخص تاني قام وحضنه، فبقى السيف فيهم هم الاتنين، بيأذيهم هم الاتنين، وبيوجعهم سوا، ده الوضع بيني وبينه. 


حسنًا.. وقد أجادت الوصف والتعبير عن حقيقة الأمر بينهما، واكملت بتفهم:


_ عنده حق لو لاقاني في يوم يعمل الي هو عاوزه، وانا كمان كان عندي حق أهرب ومش ندمانة.. احنا الاتنين محتاجين طرف تالت يقنعنا بالعكس.. يقنعه إني كنت صح وقتها ويخليه يعذرني، ويقنعني انه كان بيدافع عني بعقلية طفل مقصدش يقتل اختي، ويخليني اعذره. 


باغتها بسؤال اخر أصعب، أعمق، وهو يسألها بحذر:


_ لسه بتحبيه يا خديجة؟ 


طال صمتها أكثر هذه المرة، وشردت.. وشردت، لمعت عيناها بنظرات منكسرة، وحزينة، ومشتتة، فمشتاقة!.. لكنها بالاخير أردفت:


_ مش عوزاه يمر في حياتي ولو صدفة. 


تهربت من الإجابة، وعبرت عن رغبتها.. فهذا يعني إنها وإن مازالت تحبه لا تريد رؤيته مرة أخرى، وهنا الأمر.. معقد!! 


اكتفى بالحديث عن "مراد" لهنا، واتجه بسؤاله لمنحنى آخر، فسألها:


_ قوليلي ايه اللي حصل في بلدك؟ ليه سبتوها وجيتوا هنا؟ ايه المشكلة الي فرقت عيلتك بالشكل ده؟ 


وبجمود وسرعة في الرد كانت تجيبه بعينين ثابتتين:


_ اتهموني في شرفي. 


اتسعت عيناه قليلاً لِمَ قالته ربما لأنه لم يتوقع سرعة الرد، وسألها بتريث:


_ اتهموكي! هم مين؟ واتهموكي مع مين؟ 


التواء طفيف ساخر في جانب فمها هو كل ما صدرَ عنها وهي تقول بعينين متألمتين:


_ عمتي.. تخيل! أما مع مين، فمع باهر ابن عمي..!!


..............انتهى الفصل...........


  •تابع الفصل التالي "رواية بك احيا" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent