رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل الثاني و العشرون 22 - بقلم اية حسين
الفصل الثاني والعشرون: سكّين
استفاق من شروده على صوت "إسراء" تسأل:
- ليه خبيت؟
أجاب متلعثمًا مرتجفًا:
- عشان ماتتعذبيش زي ما أنا اتعذبت، ماتفضليش بين ألف شك ومش عارفة تعملي ايه، ماتبقيش بتسألي نفسك كل يوم هم ليه سابوني؟ طب ايه الي حصل؟ وعمك يبعت حد وراكِ يخبطك بالعربية.
ثمّ وجّه بصره إليها قائلًا:
- بذمتك الليلتين الي عدوا عليكِ وأنتِ عارفة كانوا سهلين؟
- بصراحة لا
قال وقد برز الاعتذار في نبرته:
- أنا كنت عايز ألاقيهم وأظبط كل حاجة وبعدين أعرّفك، ماكنتش عايزك تقلقي.
لم تكن "إسراء" اقتنعت تمامًا لكنّ لهفتها منعتها من الاستمرار في هذا الجدال، فقالت:
- طب خلاص مش مهم، تعالى نروح لهم دلوقتي، لو أنت لسة مش لاقيهم، "علي" صاحبك وصل لهم كلّمه دلوقتي.
استقبل "عمر" لهفة شقيقته بقهر، تمنّى أن يجيب طلبها، ابتلع ريقه محاولًا بدء حديثه، ثم قال:
- لا ماهو ماينفعش نروح.
سألته مستغربة:
- ليه؟
أمسك بيدها علّ ذلك يبثّها بعض الأمان، أخذ نفسًا، ثم قال:
- عشان ماتوا يا "إسراء"، ماماتوش من ١٧ سنة، ماتوا أول امبارح.
تجلّى الاستنكار على وجه "إسراء" في حين كان "عمر" يقصّ عليها ما مرّ به الليلة الأخيرة.
قابلت حديثه بالرفض ثمّ بالانهيار، حين دخلت في نوبة بكاءٍ عنيفة، فعانقها وهي ترجوه أن تكون روايته كاذبة وهو يتألم أمام قلّة حيلته.
∆∆∆∆∆∆∆∆
- ليه قلت لها؟
وجِّه "عمر" هذا السؤال إلى "علي" الذي قال:
- ما أنا لو كنت لقيتك كنت قلت لك أنت الأول، أنت الي مختفي، ولما ظهرت ظهرت ومعاك مصيبة.
ثم أردف ساخرًا:
- ألا صحيح ماقلتليش، ضربت الواد ولا لا؟ ماقتلتوش بالمرة؟
تذكر "عمر" ماحدث تلك الليلة حين عاد لبيته ولم يفعل شيئًا، لكنه قال متجاهلًا قول "علي" ساخطًا عليه:
- أنت بوظت كل حاجة، لولاك كان زمانها مش دريانة بأي حاجة من الي حصلت، هي منهارة دلوقتي بسببك أنت.
تعجب "علي" من حديثه الذي لم يتماشَ مع سياق الأحداث بذهنه. قال مرتبكًا:
- منهارة ليه أنا عارف مكان أهلكم وممكن أقول لك عليه وتروحوا.... أو لو عايزني آجي معاك يلا بينا دلوقتي.
أغمض "عمر" عينيه متألمًا ثم فتحهما وقال متحسرًا:
- ياريت كان ينفع.
ثم نزلت منه عبرةٌ سابقةً فيضان الدموع الذي نزل منه بعد ذلك تزامنًا مع جلوسه على الأرض في الشارع تحت منزل "علي"، فقال:
- كنت رايح أقابلهم، سمعت صوت أمي وهي بتقول لي إني وحشتها، وأبويا وهو بيتفق معايا على مكان نتقابل فيه، بس الموت كان أسرع.
وتحت نظرات "علي" المستفسرة أكّد "عمر":
- ماتوا في الطريق.
اتسعت عينا "علي" مذعورًا يحاول تصديق ما قال صاحبه، قبل أن يقول "عمر" نادمًا:
- بس أنا الي غلطان، أنا كان المفروض أدور أكثر، وما أتخانقش معاك، يمكن لو كنت سمعتك من الأول كان زمانهم معايا.
جلس "علي" بجانب صديقه، ثم قال مربتًا على كتفه:
- ماتقولش كده يا "عمر" ده القدر مش هنعترض عليه.
وبالرغم من عتبه السابق عليه أكمل قائلًا بصوته الدافئ:
- وبعدين أنت عملت كل الي تقدر عليه واجتهدت ودورت، ايه الي كان هيعرّفك يعني ولا يخليك تتوقع أن أنا الي هشوفهم.
∆∆∆∆∆∆∆∆
بدا منظر الأشجار والورد والخضرة جميلًا من الشرفة، حدّقت فيه محاولةً تصفية ذهنها، وعدم تذكر الأحداث الأخيرة، لكنّ الذكريات أخذت تتوالى كالصواعق، حين هربت من قبضة "إسماعيل" في الشقة بعدما رحل أخوه وزوجته، ثم حجزت تلك الغرفة التي هي بها الآن في الفندق، وجلوسها هكذا.
ركّزت "شيرين" بصرها على شجرةٍ قبعت بعيدًا عن باقي الأشجار، لم تكن جميلة الشكل مثلهنّ، وأصابت طفلًا بشوكها حين أمسك بورقةٍ من ورقاتها بينما كان يلهو بجانبها. شعرت أنها تشبه تلك الشجرة، لا تبدو جميلةً من الخارج، بالإضافة إلى أنّها تؤذي من يقترب منها، إلّا أنّها تخفف حرارة الجو، وتثمر الفاكهة ليأكل منها الفقير. هكذا هي، كرّهت طفلين لا ملجأ لهما في حياتهما وبذات الوقت ساعدتهما للوصول لأبويهما، كرهت أخا زوجها وغارت من زوجته وبذات الوقت ساعدتهما للوصول لابنيهما، طوال حياتها مع زوجها تحاول إرضاءه لكنها الآن تنتنقم منه، بدت متكبرةً بسبب كثرة تجميلها لنفسها ومقاومة كبر سنّها وبذات الوقت وبذات الوقت تتواضع للخادمة وتصادقها.
مع شرودها سمعت طرقًا شديدًا على الباب تلاه تكسيره ثم صراخ "إسماعيل":
- أنتِ فين يا قذرة يا الي اسمك "شيرين"؟ فاكراني مش هجيبك؟
ارتعدت "شيرين" ثم تسللت بخفّةٍ إلى المطبخ لتجلب السكّين وهي تتوعد له.
∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( هل بعد الفراق يا امي لقاء) اسم الرواية