Ads by Google X

رواية جوازة ابريل (2) الفصل الحادي و الثلاثون و الاخير - بقلم نورهان محسن

الصفحة الرئيسية

       

رواية جوازة ابريل (2) الفصل الحادي و الثلاثون و الاخير - بقلم نورهان محسن

     الفصل الأخير في الجزء الثانى (بين نار الكرامة والعشق)
 

هي النار وأنا الذئب العاشق،
تشتعل في فيروزيتيها نيران الاستهجان،
وأنا أغرق فيها بلا رجوع.
تحاول الهرب مني كقطة مذعورة،
ترتعش أنفاسها بين أنياب القدر الذي يعيدها إلي.
كأنما كل احتكاك بيننا يُعيد تشكيل العالم حولنا.



ترفع شعلتها في وجهي،
وتمردها يتراقص حولي،
وأنا أبتسم بتحدٍ.
تخشى الانهيار أمام ضراوتي،
بينما أنا لا أخشى الاحتراق بها.
فهي لغز يربك عقلي،
وحقيقة لا يمكن تجاهلها.
نيرانها تجذبني كالمغناطيس،
وحنانها يُعيد إحياء نبض قلبي.



تحاصرنا نار لا تُطفأ،
تدمر كل عذر للتراجع،
وتعصف بكل الحدود التي وضعناها.
نحن مكتوبان في سطور ملتهبة،
أنا الذئب، وهي شعلتي،
في رقصة عشق تختلط فيها الشراسة بالحنان،
وتشتعل القلوب في لهيب لا ينتهي.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



عند دياب



فتح باب الفيلا ، ودخل بخطواته الواثقة ، وملامحه جادة ، تخفى وراءها الكثير من الغموض.



توقف للحظة عند مدخل الصالة ، وبعينين حادتين رمق داغر الذى يجلس في الصالة الكبيرة ، ببدلته الأنيقة ، مشغولاً بترتيب بعض الأوراق على الطاولة أمامه ، لكنه رفع عينيه فور سماعه صوت اقدام.



بصوت بارد وكأنه يلقي تحية غير مكترثة ، قال دياب : إيه؟ كنت خارج؟



داغر رفع حاجبه للحظة ، مستشعرًا أن هناك أمرًا غير طبيعي ، لكنه رد بنبرة حاول أن يحافظ فيها على هدوئه : لسه جاي من ميتنج ... كنت لسه هتعشى ، ناوي تقعد تتعشى معايا ولا كالعادة؟



تقدم دياب بهدوء ، ثم جلس قبالته ، وملامحه لم تتغير ، نظر إليه نظرة طويلة قبل أن يرد بجملة مقتضبة : لا ... أنا كنت جاي أخدك هنروح مشوار



تقوس فم داغر الذي كان قد اعتاد على هذا النوع من الحديث الغامض من شقيقه ، مال بظهره على المقعد وتشدق بلهجة متسائلة : مشوار إيه دلوقتي؟ وإنت جاي منين قالب وشك كده؟



أشاح ببصره بعيدًا قبل أن يرد بذات النبرة : كنت بوصل إبريل عند صحبتها .. كانت منهارة جداً



نبرة القلق التي تسربت إلى صوت دياب لم تفلت من ملاحظة داغر الذى جلس منتصبًا في مكانه ، عينيه تضيّقان بينما يسأله بجدية : إشمعنى؟ حصل حاجة جديدة؟


 
                
دياب أغمض عينيه للحظة بإرهاق ، ثم أجابه بصوت منخفض : مارضيتش تقولي السبب بطريقة مباشرة .. بس من سؤالي ليها فهمت إنها متخانقة مع جوزها .. وبعدها فهمت السبب



بدأت ملامح داغر تشتد ، وحاجبه يرتفع بنوع من الاستفهام المستفز : إنت إيه حكايتك مع البت دي؟ شايفك مهتم بيها زيادة عن اللزوم



ابتسم دياب ابتسامة باهتة ، لكن عينيه كانتا تحملان إمتعاضاً من تفكير شقيقه ثم أخرج من حقيبة جلدية حاسوبه المحمول ، ووضعه على الطاولة أمام داغر ، مفسراً له : في حاجة تهمك أكتر من اهتمامي بيها .. خد شوف بنفسك



لم يكن داغر بحاجة إلى تفسير إضافي ، فقد التقط الحاسوب على قدميه ، وفتح الشاشة ، ليرى تسجيل الكاميرات ، ملامحه أصبحت جامدة أكثر مع كل ثانية تمر ، وهو يشاهد مصطفى يهدد إبريل ببرود مرعب.



_هو دا بقى اللي مخليها منهارة؟ عشان شوية تهديدات من مصطفى في الهوا؟



سخر داغر من الأمر ، بينما دياب ظل صامتًا لوهلة ، ثم شرح له بهدوء لا يخلو من الإزدراء : بعد ما هي خرجت من عنده بحوالي ساعة بعت ريكورد لباسم ... ابن الـ***... سجل كلامها وعملوه ضدها وهو دا أكيد سبب مشكلتها مع جوزها



الإستهزاء في ملامح داغر تحولت إلى استياء واضح ، أدار الحاسوب بملل ليضعه جانبًا ، ثم سأل بنبرة جافة : عادي... إيه علاقتنا ب دا كله؟



دياب انحنى أكثر بجذعه ، وخضراوتيه تلمعان بحدة ، وهو يهتف بصوت صارم : زي ما خربت الدنيا ونارك طالت كل اللي له ذنب واللي مالوش .. ترجع تظبطها



هنا حدق داغر في شقيقه بنظرة باردة ، وأكد بجملة حادة : مفيش حاجة من اللي خططت ليها هغيرها يا دياب .. والبنت اللي جاي دلوقتي محموق أوي وبتدافع عنها؟ مش ملاك بريء. هي اللي رمت نفسها على باسم الشندويلي... مافكرتش في اللي مصطفى هيعمله فيها .. او عشان ابقي حقاني مكنتش عارفة مؤامرات للي بتحصل من وراها



أضاف داغر بنبرة مهيبة ، وهو يسند ظهره إلى الخلف بإريحية ، واضعًا ساقًا فوق الأخرى بغطرسة : كل واحد مشي في سكة مايعرفش آخرتها يتحمل نار جهنم اللي هيولع فيها .. المهم من كل دا إني أخد ابني من ريهام من غير فضايح تطولني ولا تطول ابني طول عمره



وبخه دياب بغضب مكتوم : دا كله كان غلطتك انت من الأول .. محدش قالك تعك وتخرب حياة الناس عشان متعتك



أردف دياب بصرامة : كمل الفيديو للآخر واسمع بنفسك .. البيه بيهدد إبريل .. يا تطلق من باسم يا هيأذي ابن أختها .. يعني ابنك هيبقى كبش فدا لمصطفى



غضب داغر اندلع ، لكنه حاول أن يخفيه خلف قناع من الهدوء البارد ، وقال بإقتضاب : خلاص .. سيبني أتصرف أنا هعرف أوقف مصطفى عند حده




        
          
                
وضع دياب يده على كتف شقيقه ، يجبره على الهدوء بنبرة جادة واثقة : لا .. هدي دماغك مش هينفع نحلها بالدراع مراكزنا ما تسمحش بأساليبك .. الاعلام مفتح عينه علي مصطفي اوي الايام دي .. إدي لغرورك حقنة بنج عشان مفيش قدامنا غير حل واحد مضطرين نعملو



رمقه داغر بحدة تنضح في صوته : بطل شغل الغموض بتاعك دا وكلم دغري



لوى دياب فمه بابتسامة غامضة : هفهمك في السكة



☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼



عند ابريل



كان الهواء البارد يداعب وجهيهما ، وهما تجلسان على طاولة المطعم البانورامي على قمة المبنى الشاهق ، والأضواء الساطعة التي تتلألأ في المدينة أسفل منهما تنعكس على ملامح إبريل الحزينة ، التى كانت تتقلب في دوامة من الأفكار المتناقضة والمشاعر المشوشة ، بينما كانت ريم تنظر لها بهدوء ثابت ، وهي تحاول فك شفرات ما يدور بداخلها ، تشعر بنبض الألم يتدفق في كل كلمة نطقتها إبريل عن جرح باسم الذي لا يزال ينزف في قلبها. 



إبريل بصوت متردد مليء بالاستفهام واليأس قالت : قالي 'مش هعطلك اكتر من كدا عشان ترجعي لخطيبك السابق' ... يعني هو اتخلى عني بسهولة كدا! إزاي ده يكون حب يا ريم؟



ابتسمت ريم ابتسامة صغيرة ، و رفعت يدها بهدوء ، وكأنها تمسح الضباب الذي يثقل عقل إبريل ، قبل أن ترد بنبرة مليئة بالتعقل والجدية : بصي يا إبريل بصراحة .. اللي عملتيه لما روحتي لمصطفى كان غلطة كبيرة منك .. مصطفى استغل كلامك عشان ينصبلك فخ ويوقع بينك وبين باسم .. و نجح في كدا صح؟



اهتزتا عينيها بالندم ، بينما صوت ريم ظل هادئاً متزناً وهي تواصل الحديث ، كأنها تفكك خيوط مؤامرة نسجها مصطفى بدهاء : وواضح إن مصطفى كان بيدبر حاجة مع ريهام تمام زي ما قالك باسم لما سمعه بيقول لاختك إنها تقنعك بأي طريقة إن باسم ماينفعكيش وإن الديون اللي على أبوكي مش هيتنازل عنها غير لما ترجعي له مذلولة



إبريل حدقت في الأفق البعيد ، وعقلها يعيد صياغة الأحداث ، حديث ريم الهادئ كان مثل البوصلة التي توجهها وسط العاصفة ، الآن بدأت ترى الحقيقة المغيبة خلف أقنعة مصطفي وريهام المزيفة.



أكملت ريم بحكمة ، محاولة ربط الأحداث ببعضها بدقة :
"لما صارحتي باسم إنك كنتي عند مصطفى .. ركزي على رد فعله .. مش كان هيجنن و كان عايز يروح يتخانق مع مصطفى. دي أكبر علامة على إنه كان غيران وعنده إحساس كبير بالخوف عليكي



إبريل كانت تستمع ، ولكن العبارة القاسية التي قالها باسم لا تزال تغمر قلبها بالمرارة : طب إزاي يقولي إنه استغلني عشان يوجع ريهام؟ يعني دي مش خيانة؟




        
          
                
ريم بنعومة تليق بشخص يحاول فك رموز ألغاز النفس البشرية ، وضعت يدها بلطف على يد إبريل ، وصوتها كان كالبلسم الذي يخفف الألم : لا يا إبريل .. هو قال كده في لحظة كان مجروح وملخبط فيها بعد ما سمع كلامك عن مصطفى وفهمه غلط .. هو لو كان فعلاً عايز ينتقم من ريهام ماكنش وصل الموضوع بينكم للجواز من كلامك عنه .. باسم مش النوع اللي يتجوز بسهولة او ياخد قرار زي ده عشان ينتقم



تنهدت ابريل غارقة في بحر من الأسئلة التي لا تجد لها إجابة : بس يا ريم كلامه كان جارح جدًا .. في الوقت اللي كنت فيه بدأت أطمّن وأثق فيه .. حاسة إن مش هقدر أعدي اللي قاله ولا أسامحه عليه بسهولة



ريم ابتسمت بلطف أكبر ، كما لو كانت تحاول أن تجعل إبريل ترى النور في نهاية النفق : وأنا مش بقول تسامحيه بسهولة .. بس اديلو عذره دا مهما كان راجل شرقي و حاجة زي اللي حصلت ممكن تكون عمت عينه للحظة و خليته يقول كلام مش محسوب عشان يرد كرامته .. ولما يهدي ويفكر ممكن يراجع نفسه ويفهم إن اللي حصل كان مجرد فخ نصبه مصطفى وريهام 



تابعت بتحذير جاد لمعرفتها بعقلية ابريل المندفعة : المهم دلوقتي أوعي تعملي أي تصرف متهور تاني .. تجنبي مصطفى خالص الفترة الجاية .. دا هيساعد باسم يتأكد إنك مش طرف في أي لعبة وإنك بريئة من كل ده



إبريل شعرت بأن ثقلًا ما قد بدأ يتبدد ببطء من على كتفيها ، بينما ريم أكملت بصوت مليء بالحكمة والنصح : انتي دلوقتي مراته يا ابريل .. الموضوع مابقاش مجرد لعبة تهربي بيها من مصطفى .. انتي متجوزة باسم فعلاً .. ولو مصطفى وريهام عرفوا إنكم هتنفصلوا .. هيتأكدوا إن خطتهم نجحت .. وإنهم فرقوا بينكم هترضي بكده؟



مرت لحظة من الصمت ، تحاول تجميع قطع الأحجية ، قبل أن تهز رأسها بفهم واستيعاب ، فألمها من كلمات باسم منعها من رؤية هذه الأمور بوضوح.



☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼



بعد مرور حوالى ساعة



فى منزل باسم



بدت ملامح الدهشة على وجه باسم عندما رأى رجلَي الأعمال أمام باب منزله وقد قاربت الساعة على الحادية عشر مساءاً ، فقد التقيا مرتين فقط من قبل ، لكن وجودهما الآن أثار فضوله.



جلس أمامهما على الأريكة ، يحاول أن يظهر بمظهر الهادئ بينما تتأجج الأسئلة في رأسه ، بعد دقائق من الدردشة العابرة ، كان يحدق فى الشاشة أمامه ، وهو يشاهد الفيديو الذي يُظهر حديث إبريل مع مصطفى ، ومعه بدأت صدمته تتفاقم.



تجسدت أمام عينيه كل الكلمات التي قيلت ، فانزلق قلبه في معدته ، عندما أدرك أن ما سمعه من إبريل كان مجرد سخرية على تفوهات مصطفى ، ضغط علي شفتيه في ندم ، وهو يشعر بالخزي يتسلل إلى أعماقه عندما استمع إلى دفاعها عنه ، وكلمة "أحبك" التي خرجت من شفتيها ، كانت مثل خنجراً ينغرس في قلبه الذى ينبض بألم قاسي بدلًا من أن يتراقص بفرح غامر بإعلان حبها ، شعور بالقهر من نفسه يجتاحه ، كعاصفة هوجاء ، فقد كان مثل الأعمى يحركه جنون غضبه وكبرياؤه بتهور جم ، تذكر كيف إستقبلها بإهاناته بدلاً من احتضان مخاوفها المتصاعدة من تهديدات مصطفى الحقيرة ، تلك التهديدات التي كانت كالسيف المسلط على رقبتها ، تحاصرها بظلالها القاتمة؟ 




        
          
                
تنهد في داخله مُحبطًا ، كيف له أن يصلح ما أفسده بيده؟



حاول استجماه افكاره والسيطرة علي انفعالاته ، واستدار إلى دياب وداغر ، وتحدث بصوت متماسك : اقدر اعرف وصل الفيديو ده لإيديكوا ازاي؟



تبادل داغر نظرات خاطفة مع دياب ، الذي كان يتوقع هذا السؤال منه ، كأنهما قد تواصلا فى صمت بلغة يفهمانها دون حاجة للكلمات ، بناءً على الاتفاق الذي أبرمه مع أخيه خلال مجيئهما إلى هنا ، فأظهر دياب ثقة عالية ، إذ جهر بكلماته بلا تردد ، مفعمًا بعزيمة قوية ؛ فقد قرر أن يمد يد العون لتلك المسكينة التي تشابك كاحلها الصغير في لعبة الكبار ، عازمًا على مساعدتها للخروج من ظلال المأساة التي أطبقت عليها : احنا اللي زرعنا كاميرات مراقبة في مكتب مصطفى



تجمدت ملامح باسم للحظة ، حواجبُه ارتفعت في استغرابٍ كبير ، وعيناه اتسعتا مثل دوائر من الحيرة تنجلى فى إستفهامه : برده مش فاهم .. عشان إيه تعملوا حاجة زي كدا؟ وإزاي عرفتوا إن في مشكلة بيني وبين إبريل.. إي زارعين كاميرات عندي كمان؟



ازدادت حدة نبرته مع سؤاله الأخير بسخرية خطيرة ، 
بينما دياب بدا واثقًا كما لو كان قائدًا في معركة ، لكن في عينيه كان هناك بريق من الحذر : لا أبدًا .. الحكاية مش زي ما أنت فاكر .. في أسباب قوية خليتنا نضطر نعمل كدا



نفى دياب بلهجته الهادئة يتخلل فى طياتها عمقًا من الجدية ، بينما داغر كان يتابع فى صمت غامض التوتر الذى يتصاعد في أروقة الحديث.



واصل دياب مستطرداً : وبالنسبة لسؤالك إزاي عرفنا إن في مشكلة بينك وبينها .. من خلال كلام مصطفي ليك بعد ما إبريل خرجت من عنده



أنهى دياب جملته بينما باسم يميل إلى الأمام فى جلسته ، حواجبُه مشدودة ، ويداه على الطاولة تلامس سطحها بقوة ، وكأنما يريد أن يتمسك بأي خيط من الخيوط المبعثرة حوله ، وأخذ صوته يرتفع بشكل طفيف ، تعكسه ملامح وجهه التي كانت تحمل انفعالات الإمتعاض والاستنكار : وإيه يخلي أصحاب شركة كبيرة زيكم يهتموا بالحياة الخاصة لموظفة جديدة عندهم؟



شعر باسم بدفء الغيرة يتسلل إلى قلبه ، كأنها سُمٌ يزحف ببطء فى أوردته ، قبل أن تأتى الإجابة من داغر هذه المرة وهو ينظر إليه بملامح مفعمة بالثقة : إبريل مش مجرد موظفة عندي وبس .. في صلة تربطني بيها



كانت جملته بمثابة حجارة كبيرة أُسقطت في بحيرة هادئة ، مما أثار دوامات من الغيرة والاستياء في قلب باسم ، لكنه تمالك السيطرة على ذاته ، ومثلما تسرب الغضب في نفسه ، بدأ الفضول يستولي عليه مستفهماً بخشونة : إيه نوع الصلة اللي بتتكلم عنها؟




        
          
                
واصل داغر حديثه بجدية وثبات ، وكأن الكلمات تتدفق منه دون جهد : أنا عارف كل حاجة تخص موضوعك أنت ومصطفى وإبريل .. واللي خلاني أكون عندك دلوقتي هو عشان نتفق لأن مصطفى بقى مصدر تهديد على ابني بسبب مراتك



هتف باسم مستنكراً : ابنك!!! إيه دخل ابنك بإبريل؟!



تحدث داغر بصلابة ، وكأن الكلمة خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه : ابني يبقى عمر ابن ريهام



ارتفع حاجب باسم في ذهول مصعوق ، حيث اجتاحت رماديتيه عاصفة من الصدمة العاتية ، فأردف داغر بتفهمٍ لا يخلو من الحزم : مقدر صدمتك .. لكن ماتطلبش مني أي تفاصيل أنا كشفتلك عن السر دا عشان أنا عارف إن ريهام مصدر ازعاج ليك .. فأرجو إن الكلام دا يفضل بينا وبس



تجاوز عقل باسم صدمة الخبر سريعًا ، واستعاد رباطة جأشه ، بينما يومئ برأسه بفهم ، حيث أن ريهام وما يخصها لا يشغلانه ، بل كان هناك أمراً أهم في طيات ذهنه إستحوذ على تركيزه التام قبل أن يستفسر بهدوء خطير : طيب .. أنا عندي سؤال أخير .. انتوا برده اللي ورا الإشاعات اللي ملأت المواقع عن إبريل وعلاقتي بيها من ورا مصطفى؟



حاول دياب أن يجيب بدبلوماسية لتفادى المنازعات ، ولكن سبقه داغر بإيضاح مشوب بعدم الإكتراث : أنا اللي كنت ورا الخبر دا..



اندفع باسم بغضب متأجج ، يلكم داغر في وجهه بقوة ، فى حين أن داغر لم يظهر أي ردة فعل مضادة ، بدلاً من ذلك ظلت ملامحه صلبة ، وقال بهدوء غريب : هعذرك عشان عارف اللي بيحب بيعمل أكتر من كدا



عاد باسم يجلس مكانه بتعجب لاهث ، بينما الأخر يستكمل حديثه كأن شيئا لم يكن : خلينا في المهم .. أنا اللي يهمني في كل دا ابني وبس .. وعشان كدا قررت أدفع ديون أهل ريهام لمصطفى وأدخل شريك في الأوتيل .. عشان أقطع عليه أي سكة يبتزهم بيها .. وأعرف أتعامل معاه لو فكر تاني يكون مصدر تهديد لابني



أنهى داغر جملته بصلابة وعملية بحتة ، بينما كان باسم يشعر ببركانًا من المشاعر المتضاربة ، مدركاً أن الطريق أمامه مملوء بالأشواك ، وأنه يتطلب منه الكثير من الجهد والصبر على قطته المتمردة حتى يتمكن من إصلاح ما أفسده معها ، وأخذ قلبه يثقله بتساؤلات حارقة ، تدور حول كيفية تجاوز الصعوبات واستعادة ثقة إبريل ، لابد أن تكون كل خطوة يتخذها نحوها ، تتسم بالحذر والذكاء ، عازمًا على إعادة بناء ما تهدم بينهما ، مثل فنان يحاول تجميع شظايا لوحة محطمة ، عاقدًا العزم على إعادة الحياة لألوانها حتى تصبح يومًا نابضة بينهما.



☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼



فى ذات الوقت




        
          
                
داخل فيلا فهمي الهادي



عند غرفة أبريل



دقت ريهام الباب بخفة ، ولم تنتظر ردًا ، بل دفعته ببطء ودلفت إلى الداخل بخطواتها الواثقة التى تشي بشيء من الغطرسة ، قائلة بنبرةٍ تنم عن تحدٍ خفي : أبريل.. أنتي صاحية ولا أنا أزعجتك؟



رفعت أبريل عينيها ، والتعب يلوح في ملامحها الحزينة ، لكنها تحكمت في تعبير وجهها لتبقى ملامحها هادئة ، وهى تعتدل على السرير ، ويدها تشابكت بتوتر على ركبتيها ، محاولة السيطرة على مشاعرها المتضاربة.



_لا .. كنت لسه هنام



جاء رد أبريل بنفى متكلف ، متصنعة الاسترخاء رغم أنها تتأمل بحذر ردود فعل شقيقتها التى إشتعلت زرقاوتيها بشيء من الشرارة ، تحمل في طياتها مشاعر مختلطة من الحقد والكراهية ، رغم تصنعها للهدوء.



جلست ريهام على السرير ، ووضعت قدمًا فوق الأخرى بغطرسة، ثم تابعت بنعومة : كويس أني لحقتك .. عشان في موضوع كدا حابة أخد رأيك فيه



رسمت ابريل ابتسامة زائفة على كرزيتها ، وهمست بصوت هادئ يكتنفه الارتياب ، حيث كانت مشاعرها تعكس إحساساً عميقاً بأن هناك تفكيراً شيطانياً يختبئ خلف ما ستتحدث عنه : اتفضلي...!!!



_بصراحة يا أبريل .. أنا بفكر أغير استايل لبسي كله من باب كسر الملل يعني .. وخطرت على بالي فكرة .. قولت ليه مابعتش هدومي القديمة لناس محتاجينهم .. 



أضافت ريهام بلطف ، وهى تتلاعب بأطراف أصابعها : منها مساعدة للمحتاجين ومنها أفّضي الدواليب عندي فوق بعضها هدوم لسه جداد في حاجات ملبستهاش خالص أو لبستهم مرة على الأغلب 



فهمت إبريل أن هذه الكلمات تخفى في طياتها سمومًا ، بابتسامة باهتة تلوح على وجه إبريل تظاهرت بعدم الفهم : كل دا كويس .. بس أنا لسه مفهمتش عايزة إيه بالظبط مني؟



_زي ما انتي عارفة معنديش خبرة في المواضيع دي ومعرفش إزاي أوصلهم للمحتاجين.. وكنت محتاجة لمساعدة وانتي جيتي في بالي



قالتها ريهام بنبرة تبدو غير مكترثة ، لكن نظراتها بها خبثًا خفيًا ، مما جعل قلب أبريل ينبض بسرعة.



_إزاي يعني؟ 



سألت أبريل مُحاوِلةً أن تُبقي على حذرها.



_المكان اللي اتربيتي فيه بالمنصورة .. منطقة شعبية مش كدا!! وأكيد في ناس حالتهم صعبة ومحتاجين لمساعدات



تغضنت ملامح ابريل ، وهى تدرك أن ريهام تحاول استدراجها إلى فخٍ ما ، بينما اضافت الأخيرة بإستفهام : بالمناسبة .. انتي لسه بتكلمي أهل مامتك ولا لأ؟




        
          
                
_أكيد .. ما هما حضروا كتب كتابي



_ ايوه صح .. معلش .. مكنتش مركزة



احمرّ وجه ريهام توترًا ، وابتسامة شاحبة تراقصت على شفتيها ، إذ كانت تسعى إلى التلاعب بعقل إبريل وكأنها خيوط عنكبوت ، تحيك فخًّا مفعمًا بكراهيتها لشقيقتها ، ولكن إبريل بهدوء ودهاء ، قصفت جبهتها حين ذكرتها أنها الآن زوجة باسم.



_كويس إن لسه في تواصل بينك وبينهم .. واحدة غيرك كانت نسيت المكان دا خالص بكل الموجودين فيهز.. خصوصًا بعد ما بقيت عايشة في فيلا بالمستوى دا ومخطوبة لراجل مشهور وغني أوي .. يعني أي حد لو في نفس ظروفك ماظنش كان هيبقى حابب يشوف حد من ماضيه



تململ شعور الغضب في صدر أبريل من إستفزاز الأخرى لها ، لكنها قاومت الانجراف فيه ، وهى تهتف بإبتسامة واثقة : اللي مالوش ماضي مالوش حاضر .. الناس اللي بتكلمي عنهم دول بيتقال عليهم معندهمش أصل



أخذت ريهام نفسًا عميقًا ، محاولة استعادة توازنها : عندك حق طبعًا



تابعت بخبث تحاول تسليط الضوء على شيئاً معين : بس كمان انتي طموحة أوي وبتفكري بذكاء عالي .. يعني بعد ما رفضتي تتجوزي جوازة عادية .. حياتك اختلفت خالص .. جيتي هنا وكملتي دراستك واتخطبتي مرتين لرجالة تقال في مجالهم .. وكل دا في وقت قصير أوي



أحست أبريل أن كلمات كانت كالرصاصات ، تصيبها في قلبها ، حاولت أن تحتفظ بهدوئها ، لكنها لم تستطع تجاهل شعور الضيق الذي بدأ يتسلل إلى أعماقها ، بينما ألأخرى تتابع بتخابث أنثوى : بنات كتير بيحسدوكي على فكرة .. بس يا تري دا ممكن نسميه إيه؟ نجاح ولا حظك حلو؟ 



لم تنتظر رد إبريل ، وواصلت حديثها البعيد كل البعد عن شعورها الحقيقى المبطن خلف نبرتها الماكرة : حقيقي أنا مبسوطالك أوي من قلبي .. بعد يا حرام ما عانيتي كتير من طفولتك من حرمان ومرض وماتربتيش وسط أهلك زي الناس الطبيعية، بس شوفي أهو ربنا بيعوضك



راقبت ريهام ملامحها علها تجد بها إنكسار أو حزن ، ولكن ابريل ظلت صامدة بالرغم من إستنذاف أعصابها. 



_الحمدلله ربنا لطيف بعباده .. بس مين فهمك إني كنت بعاني بالعكس؟ أحلى أيام طفولتي قضيتها مع الناس اللي بحبهم وبيحبوني .. وللسبب دا أنا متمسكة بذكرياتي هناك واللي بينسوا أصلهم بس هما الناس الواطية



قالتها إبريل بحب لا يخلو من الترقيع الذى جمد ريهام للحظة ، قبل أن تضحك بلكنة مزيّفة : إيه دا!!! انتي زعلتي ولا إيه؟! صدقيني مقصدش اللي فهمتيه خالص.. أنا بدردش معاكي وبس



أومأت إبريل برأسها بثبات ، زعزع ثقة ريهام ، مما دفعها إلى النهوض من مكانها ، لترد بعبارةٍ تنمّ عن هدوءٍ مشوب بالتوتر : المهم مش عايزة أطول عليكي .. هسيبك تنامي .. و إحنا على اتفاقنا أنا وكام صديقة ليا هنحضر الحاجات دي .. انتي يبقى عليكي توصيلهم أوكي؟




        
          
                
خرجت ريهام من الغرفة ، قلبها يغلي بالإحباط الذي يثقل كاهلها ، فلم تُظهر ملامح إبريل أي علامة على حزنها ، كأنّ قناعًا من البرود غطّى مشاعرها ، مما جعل من الصعب على ريهام ، أن تدرك ما إذا كانت تصرفات مصطفى اليوم قد أثارت مشكلة بينها وبين باسم أم لا.



أما إبريل أدركت أن حديث ريهام لم يكن مجرد كلام عابر ، بل كان بمثابة إنذار ، يشي بفرح أختها وشماتتها المحتملة عند علمها بتوتر علاقتها بباسم نتيجة مكائدهم الماكرة.



تساقطت دموع إبريل ، غارقةً في حزن عميق ، وكأن كل همومها تجمعت في لحظة واحدة ، لتثقل قلبها وتجرّه نحو الهاوية. 



احتضنت شال جدتها الحبيبة ، الذي يحمل عبق الذكريات الجميلة ، تستنشق رائحة الريحان المهدئة لروحها المنزقة وتذكّرها بالحنان والطمأنينة ، ثم غاصت في نومٍ مضطرب ، يتخبط بين كوابيس مؤلمة ، يعبث بسلامها ويغتال أحلامها الوردية.



☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼



فى اليوم التالى



بتوقيت الظهيرة



كانت الشمس تتوارى خلف سحب رمادية ، تملأ السماء فوق موقع البناء الضخم ، تتعالى فيه أصوات العمال الذين يركضون من زاوية إلى أخرى في تلك المساحة الهائلة ، ومعدات ثقيلة تتنقل بين الأساسات ، والأتربة تتطاير في الجو ، بينما تقف إبريل ترتدي الخوذة وسترة بيضاء بأزرار بسيطة ، وأكمامها مرفوعة قليلاً ، بنطال واسع بلون بني فاتح ، وشعرها مربوط على هيئة ذيل حصان ، مما يكشف عن ملامح وجهها الناعمة بوضوح ، ويمنحها مظهراً بسيطاً وأنيقاً في الوقت ذاته ، برغم إرهاقها الواضح ، ظلت تقف هناك بثبات ، مشغولة بفحص الرسومات على اللوح ، تتنفس ببطء ، صدرها يعلو ويهبط بصعوبة ، تُقاوم نوبات السعال التي تزورها بين الحين والآخر كضيف ثقيل ، لكن عنادها كان يُلزمها بالبقاء هنا ، هروبًا من أفكارها المتزاحمة.



في تلك الأثناء ، توقفت سيارة باسم أمام موقع البناء بعد أن تتبّع مكانها عبر الهاتف ، ثم ترجل منها بخطوات واثقة ، مستفسرًا عن مكانها من أحد العمال ، وعيناه تشتعلان غضباً وقلقاً ، إذ لم يكن يتوقع أبدًا أن يجدها في مكانٍ كهذا ، حيث يختلط ضجيج الآلات بصدى قلقه العميق.



_انتي كويسة يا باشمهندسة؟ 



سألها زميلها المهندس بقلق حالما لاحظ حدة سعالها ، لكن قبل أن تتمكن من الرد ، اخترق الهواء صوته العميق ، مما جعل جسدها يتصلب للحظة قبل أن تلتفت إليه ببطء ، تخفي في عينيها شبح الإرتباك : معلش .. استأذنك لحظة واحدة يا باشمهندسة




        
          
                
تواكبت نبرته الحازمة مع نظراته المحذرة ، كعاصفة من الوعيد لا تقبل أي اعتراض منها ، جذب يدها بلطف متسلط دون الحاجة لتفسير ، كأنما أسس حولها هالة من الملكية التي جعلتها تتبع خطاه بلا تردد.



عندما ابتعدوا عن باقي الفريق ، توقفت محاولة أن تستجمع قوتها ، وواجهته بتحدي ظاهر في عينيها رغم السعال المزعج : إنت بتعمل إيه هنا؟!



سألت ابريل بصوتٍ متهدج ، بدلاً من الرد نظر إلى وجهها بتركيز شديد ، ثم قال بنبرة باردة تحمل اهتمامًا خفيًا : فين بخاختك؟



أشارت بتردد إلى حقيبتها المعلقة على كتفها ، لكنها فوجئت بيده تسبق يدها ، يفتح سحاب الحقيبة بحركة سريعة وأخرج البخاخة ، ثم ناولها لها دون أن يقول شيئًا ، أخذت البخاخة منه بيد مرتعشة ، استخدمتها أمامه ، ولكن رغم شعورها بتحسن بسيط ، ظل قلبها يخفق بشدة بسبب وجوده بجانبها.



دقائق قليلة مرت قبل أن تستعيد أنفاسها ، لكنها لم تنتظر طويلاً قبل أن تطرح سؤالها الحائر مجددًا ، بصوت متحشرج وغاضب : إيه اللي جابك هنا؟ وعرفت مكاني إزاي؟



حدجها بعينين غاضبتين ، وبنبرته الحادة يتخللها قلق صريح سألها : إنتي اللي بتعملي إيه في مكان زي دا؟ ماتعرفيش إنه خطر عليكي وجودك هنا؟



ازدردت رمقها بتوتر ، ورفعت رأسها بعناد ، وقالت برقة مبحوحة : دي حاجة تخصني 



حاولت ابريل التسلح ببقايا كرامتها ، وقلبها ينبض بخوف من مواجهته ، بينما خطا باسم نحوها خطوة واحدة ، زادت من اضطرابها ، وهو يلتف بأصابعه حول ذراعها ، ليقول بنبرة آمرة : يلا امشي معايا .. كفاية عليكي كده



استدار يخطو بها ، لكنها زرعت قدميها في الأرض ، وعيناها تلمعان بالإستنكار والتمرد ، مخاطبة إياه بنبرة تُغلفها طبقة من الكبرياء : معاك؟ أنا مش هتحرك من مكاني .. امشي لوحدك! 



دمدم باسم بتحذير مكبوت : يلا يا إبريل .. ماطلعيش جناني عليكي



ابتسمت إبريل بسخرية رغم الارتباك الذي يجتاحها من نظراته الغاضبة ، وقالت بتحدٍ متهكم : ولو طلع .. يعني هتعمل إيه؟



يعلم أنها عنيدة ، لكن هذا التحدي استفزه ، لذا دنا منها أكثر ، وعيناه تتسعان بشيء من الجنون المكتوم ، ونبس بنبرة باردة لا تخلو من الشر : هكتفك واخدك معايا .. إنشالله بالغصب



شعرت بتيار مثير يسري في جسدها ، وكأن التهديد تحول إلى حقيقة ملموسة أطاحت بقلاعها ، ومع ذلك إستفهمت بذات النبرة : وبأمارة إيه هتعمل كده؟



همس باسم بصوتٍ ثقيل مليء بالتهديد والحنان في آنٍ واحد : مراتي .. وحر فيها




        
          
                
أضاف بلهجة أكثر رقة : يلا يا حبيبتي .. اسمعي الكلام



أرادت ابريل الصراخ في وجهه ، أرادت دفعه بعيدًا ، لكنها وجدت نفسها عاجزة عن القيام بأي من ذلك ، بصعوبة تماسكت رغم خفقاتها التي زادت من سرعتها ، ثم قالت بمقاومة مريرة : مش فاضية أسمع كدبك



لم يهتز باسم ، لكن التوتر بدأ يتصاعد في عروقه من نبرتها الحزينة ، قال بنبرة تفيض بالإصرار والحب : وأنا مش ورايا غيرك



اشاحت إبريل بوجهها بعيدًا عنه ، وهمست بنبرة حاولت أن تبدو حازمة : اتفضل امشي بالذوق يا باسم .. وخليني أروح أكمل شغلي



عزمت الابتعاد ، لكن قبضته أحكمت سيطرتها على ضعف مقاومتها ، وتغيرت نبرته إلى جدية عميقة امتزجت بالحنان ، ليتركها عالقة بين رغبتها في الفكاك وسحره الذي يأسرها : إبريل .. عنادك ده هيضر صحتك .. أحسنلك ماتزوديش فيه وخلينا نتفاهم



رغم محاولاته الواضحة ، لكن جراحها النفسية كانت أعمق من أن تلتئم بسهولة ، سكتت للحظة ، محاولةً استيعاب ما يدور في رأسه، لتخرج كلماتها من بين شفتيها بإندفاع : انت عاوز إيه تاني مني؟ إيه جاي تديني ورقة طلاقي بنفسك؟



رد باسم بنبرة حانية ، وكأنه يغزل الكلمات بخيوط من حبٍ خفي : هو احنا لحقنا نتجوز عشان اطلقك يا بندقة؟



نظرت إليه بعينين مليئتين بالشك ، لتتفجر كلماته داخلها كجمرة لم تنطفئ بعد : إيه! لسه لعبة انتقامك ماخلصتش؟ جاي تكملها؟



رد بصوت هادئ ممتلئ بالضيق : هنا مش هنعرف نتفاهم



ردت عليه بعناد ، عيناها تلمع بالحدة والبرود معًا : مفيش بينا تفاهم يا باسم



خلل أصابعه فى شعره بنفاذ صبر ، وامتلأت عيناه بالعزم ، وكأن شيئًا بداخله قد انكسر وأفسح المجال لتيار لا يمكن كبحه ، ودون سابق إنذار ، سحبها لتجد نفسها مجبرة على السير بجانبه ، بخطوات متسارعة أشبه بالركض ، تحاول مجاراة سرعته حتى لا تتعثر ، وكلماتها تخرج بلهاث متقطع : انت ساحبني وراك .. ورايح بيا على فين؟! سيب إيدي!!



تجاهلها باسم ، فزاد غضبها وعلت نبرتها بغيظ ، محاولة تحرير يدها بتهديد يائس : انت مابتسمعش؟ بقولك سيب إيدي! بدل ما أصوت وأنادي على العمال يقطعوك!



_أنا كنت عارف إن الذوق مش هينفع معاكي



انفلت صبر باسم في لحظة ، واستدار ليحملها بقبضة حازمة فوق كتفه بسهولة ، امتزجت الصدمة بالغضب والخجل على ملامحها ، وهتفت بنبرة محتقنة ، وهي تضرب بقبضتيها على ظهره بمقاومة : إيه دا؟! إنت مجنون؟! نزلني!




        
          
                
ضحك باسم بيأس من لسانها السليط ، ورد عليها وهو يسير بها بخطواته الواثقة : يلا .. قادرة تصرخي؟ ولا أساعدك؟



صرخت إبريل بخجل : انت اكيد اتجننت! مايصحش اللي بتعمله دا؟



وفجأة ، سمعا صوتًا آتٍ من الخلف: إيه اللي بيجرا هنا؟! إيه اللي بتعمله دا يا حضرتك؟!



توقف باسم لبرهة ، والتفت نحو الرجل ورفع صوته قليلاً بثقة ممزوجة بإبتسامة خطيرة ، وهو يخاطب باقي العمال الذين بدأوا بالتجمع بذهول : شوفوا يا رجالة .. الباشمهندسة تبقى مراتي .. وإحنا بينا شوية خلافات زوجية .. انتو عارفين الستات لما بتتعصب



ضحك أحد العمال محاولًا تهدئة الموقف : أيوه يا باشمهندس إحنا حافظين .. بس برده بالهداوة



رد باسم بلباقة ، وهو يمضي بها نحو سيارته : معلش لو عطلناكم ربنا يوفقكم .. بس مضطر أخدها قبل ما تتعب أكتر



_انت معجون من ايه؟ ايه فاكرها سايبة؟!!



زفرت بإحباط حالما عادوا العمال إلى أشغالهم ، فحاولت تحرير نفسها منه مجددًا ، ركلت بقدميها في الهواء وضربته على ظهره بقبضتيها ، لكن ذراعيه كحصن منيع ، صاحت بإرهاق ، وقد بدأ الغضب يتحول إلى يأس : نزلني! بقولك نزلني!



هددها بصوت هادئ لا يخلو من عبثه الوقح : هتبطلي حركات العيال دي يا باشمهندسة؟ و لا اديهالك علي التوتة؟ ماتعرفيش ترفعي عينك في عين اصغر عيل في الموقع دا!!!



فغرت فاهها ذهولًا من جراءته المفرطة ، قبل أن تصرخ باستنكار يعبر عن استياء خجول يجتاح حصونها : انت بجد سافل .. ومافيش في بجاحتك



_احسنلك بلاش تعانديني عشان تتفادي بجاحتي اللي بجد 



أدخلها باسم السيارة قسراً ، وسط مقاومة شرسة من جانبها ، رغم أنها كانت تدرك تمامًا أن محاولاتها ستبوء بالفشل ، بعد أن أغلق الباب بالمفتاح الألكترونى ، وعندما جلس بجانبها ، لفظت من بين أنفاسها اللاهثة : افتح الباب دا .. خليني أنزل بدل ما أخليك تندم عمرك كله!!



مال باسم عليها فأصبح وجهه على بُعد بوصتين من وجهها ، وهمس بصوت يفيض بحنان مفعم باللهفة : عادي .. ما أنا ندمان .. يلا عشان تبقي بكملت



انحنى باسم قليلاً نحوها ، ويده تتحرك بحذر وثقة نحو حزام الأمان ، محاولاً ربطه حول خصرها ، لكن بنظراتها النارية تحدته ، وأمسكت الحزام بقوة ، وقالت بتصميم : أنا مش هروح معاك أي حتة .. انت فاهم؟



_اربطي الحزام



_لا



شدد قبضته علي الحزام بإنزعاج ، واهتاجت نبرته هاتفاً من بين أسنانه : أبريل .. أنا على آخري .. ماتجبرنيش... أا...




        
          
                
رمقته بعينين متسعتين ، ثم سألته بإندفاع لا يخلو من التمرد : ايه .. هتضربني؟



فى لحظة غير متوقعة ، انحنى نحوها مقبلاً شفتيها برقة ، كانت مثل لمسة من نور يُضيء ظلمة قلبها الجريح ، مما جعل حرارة لذيذة تسرى فى جسدها ، وهى تشعر بملمس شفتيه فوق شفتيها المكتنزة ، قبل أن تدفع نفسها بعيدًا بسرعة ، وصدمة اجتاحت كيانها تحت سطوة مشاعره العارمة أشبه بنيران تتراقص في أعماقها.



_ماتقربش مني كدا تاني!



همهمت بتلعثم خجول ، فابتسم باسم بجانبية ، ورماديتيه تراقبها عن كثب بشغف ، هامساً بصوت اجش من اثر عاطفته العاصفة وأنفاسه الدافئة تضرب جانب وجهها بحرارة تكاد تنصهر من لهيبها : هقرب منك زي ما أحب



تحدته ابريل بنبرة متأججة : انت فاكر ان باللي بتعمله دا هتربطني جنبي بالعافية؟



أشار باسم بإيماءة هادئة نحو خاتم الزواج في إصبعه ، ثم نقل نظراته إلى الخاتم الذي يتلألأ في يدها : اللي رابطك اهو في إيدك



حاولت أن تنزع الخاتم من إصبعها بحركة متهورة ، لكنَّه كان أسرع يمنعها بحزم مطبقاً على أسنانه : اياكي تعملي كدا



أطلقت ابريل زفرة مكتومة ، ثم ردت بكبرياء يشوبه الإرتباك : عملتها مرتين .. و ف مرة منهم حرقتها ومعها فستان فرحي .. المرة دي مش عندي استعداد اولع فيها وبس .. انا ممكن أرمي نفسي في النار ولا اكون معاك في مكان واحد



رمت ابريل عليه نظرةً حادة لم تخفى لمعة العبرات فى فيروزيتها ، ليرد ببرود ساخر يعكس مرارة كلماته التى كانت جمرًا تحت الرماد : ماكنش دا كلامك لحد إمبارح .. انتي قلابة أوي .. خلاص بقيتي بتكرهيني؟



عقدت ابريل ذراعيها أمام صدرها بهدوء ، بينما عيناها تحدقان إلى الأمام ، محاولةً إخفاء ارتجافة أطرافها التي تكشف كذبتها : مين قال اني بحبك عشان أكرهك؟ انت ماتهمنيش من أصله



ضاقت نظراته عليها لثوانٍ ، ثم التفت بوجهه مُديرًا محرك السيارة ، وهو يهمس بصوت بارد يشي بإصرار والتحدى : هنشوف يا بندقة



☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼



بعد مرور فترة وجيزة



عند هضبة جبل شامخة ، حيث تهب الرياح بحذرٍ كأنها تتجنب التدخل في حوارٍ محتدم ، وقفت سيارة باسم وخرج منها ، واستدار حولها ، ثم أنزل إبريل ، وأغلق الباب وراءها ، أسندها إلى السيارة ، محاصرًا إياها بين ذراعيه مربكاُ نبضاتها بترقب.



_في إيه؟! انت جايبنا المكان دا ليه؟



تشكلت الأحرف علي لسانها فى صيغة سؤال مذعور مختلطًا بالاستغراب والغضب.




        
          
                
جاء رده مُتسمًا بنبرة هادئة تهدئ من روعها ، تخفي وراءها بركانًا من الإضطراب : اهدي .. احنا هنا عشان نعرف نكلم في هدوء وعاوز منك تسمعيني..



قاطعته برفض لا يخلو من النعومة كأنما تخشى ان يجرحها مجددا : اسمع إيه؟ مش خلاص اللي كنت عاوز توصلو حصل!! ولا في إهانات جديدة عاوز تسمعها لي؟



تألقت رماديتيه كصواعق تعكس عذابه وغضبه من نفسه بعد إساءته إليها ، قبل أن ينفى بنبرة تجسد جمر الحنان المتأجج في قلبه : لا يا إبريل، اللي قلته دا كان...



توقف عن الحديث عندما دفعتْه في صدره ، فارتد خطوة إلى الوراء ، بينما تابعت إبريل بحدة تشهر فى وجهه سلاح الاتهام المشتعل في نظراتها المعاتبة : كان للي جواك ومخبيه ورا قناع حنيتك الكدابة .. زي كل كلمة حلوة كنت بتضحك عليا بيها .. كلُّه كان كدب في كدب



_ماكنتش كدب يا إبريل .. كل حاجة عملتها وقولتها كنت حاسسها .. كانت من قلبي .. ما كذبتش ولا مثلت فيها.. كنت شايط منك عشان روحتيله من ورايا .. وجه الكلام دا في وداني جنني زيادة .. كنتي عاوزاني أعمل إيه؟ أصقفلك وأبعت له جواب شكر؟



_لا تهزقني وتجرحني بس .. وماتدنيش فرصة أنطق جملة على بعضها .. نسيت في لحظة أن اللي قدامك دي عمرها ما حبت مصطفى .. انت نفسك سألتني قبل كدا وجاوبتك .. ولا لحقت تنسي!!؟ ولو بقرب منك عشان أغيظه كنت بوافق اتجوزك ليه؟!! ها ليه؟



ابتلعت قدماه المسافة الفاصلة بينهما ، ليأسر خصرها بين كفيه ، ويُلصق جبهته بجبهتها ، فإرتجفت أنفاسها إضطراباً مترقباً ، ليهمس بصوت مغموس بالعذاب : أنا فعلاً في لحظة نسيت كل حاجة .. مكنتش حاسس غير بالنار اللي قايدة في كل جسمي من غيرتي عليكي اللي عمت عيني .. وخلتني بتصرف زي المجانين.. كنت بقولك كل حاجة عكس اللي حاسسها عشان..



_عشان تكسرني!



قاطعته ابريل بصوتٍ ضعيف ، يعكس ضجيج قلبها الذي ينبض بجنون تحت ثقل كلماته الملتهبة بنيران الغيرة.



أحس بنيران كلمتها تحرق قلبه ، وكأنها قد شقت عمق مشاعره ، فتمتم من بين شفتيه بلوعة عاشق يعترف بحبه لها للمرة الأولى ، وهو يكور وجهها بين كفيه بحنان عميق : عشان بحبك .. أنا بحبك يا إبريل



جال باسم ببصره على وجهها بنظرة يتخللها شغف مضطرب ،
فإرتعشت على شفتيها إبتسامة مختلطة بعدم التصديق والسخرية : هو انت ازاي متخيل أني ممكن أصدق كلامك بعد اللي سمعته منك؟! ازاي!!؟



وضعت ابريل كفيها على صدره ، تدفعه كما لو كانت تبني جسرًا هشًا بينهما ، وأضافت بنبرة متهدجة بالعذاب : ازاي هنسي ان لما لجأتلك عشان اتحامي فيك .. كنت في نفس الوقت بتستخدمني وسيلة تنتقم بها من اختي.. أاا..




        
          
                
قاطعها باسم بتساؤلٍ حازم مشددًا علي كلماته بقوة ، بينما احتضن كفيها على صدره بكفه الدافئ : وما سألتش نفسك لو حكاية قربي منك كلها مجرد انتقام منها .. أنا معملتش كدا من زمان ليه؟



احتبست ابريل أنفاسها للحظة ، بينما راقب ملامحها التي سكنت بعد أن دوّت طلقات كلماته في أعماق عقلها تحاول تفسيرها بحيرة ، ثم عاد ليطرح سؤاله بهدوء هازئ ، وهو يضع يده في جيب بنطاله : سكتي ليه؟



إستدار بجسده بعيداً عنها ، مُشعلًا سيجارة ، بينما ترمق ظهره بنظرتها المتوجسة ، ثم نفث دخانها في الهواء قبل أن يسألها بهدوء مميت : طيب .. عندك فكرة أن أختك وصلت بيها أنها ترفع عليا السلاح وتهددني تقتلني وتقتل نفسها؟



_إيه اللي بتقوله دا؟ حصل امتى الكلام دا؟



هتفت ابريل من خلفه فاغرة فاهها بعد أن إختطفت أنفاسها الصدمة.



_قبل ما تقعي قدام عربيتي بكام دقيقة ليلة خطوبة أختي .. وقتها مكنتش قادر أفكر كويس ومتوتِّر لحد ما ظهرتي انتي .. 



إلتفت باسم نحوها ، ثم استأنف حديثه بنبرة تنبض بالصدق : كنت عاوز اتخلص من المشاكل اللي هتسببها لنفسها وليا وللكل .. لاقيت أن قربي ليكي ممكن يخليها تبعد وتتأكد أن مالهاش وجود في حياتي .. كنت بهرب زي ما هربتي بالظبط



اقترب منها بخطوات هادئة ، ثم احتضن وجهها بين كفيه بحنان ، كمن يمسك بجوهرة نادرة ، مما جعل دقات قلبها تتسارع بجنون ، ليميل بعينيه نحوها ، قبل أن ينطق بنبرة تهيم عشقاً وهياماً : انا وانتي مربوطين ببعض بطريقة ممكن ماتستوعبهاش .. عشان كدا انا مش هسمحلك تبعدي عني .. ومش عشان لو افترقنا اختك هتفرح وتشمت فيكي .. ولا عشان ممكن مصطفي يحاول يضايقك...



ترك بقية كلماته معلقة في الهواء ، فالتقطتها هي بنظرة متسائلة مشحونة بالاستهجان ، مما أثار في داخله شرارة التحدي : أمال عشان إيه بتحبني مثلاً؟!!



حاصرها بين ذراعيه ، وظهرها مستندًا إلى السيارة ، ثم جاء رده يدوي في أذنيها كصوت الرعد ، قويًا وصريحًا يفتت حصونها : أيوه بحبك



ارتجف قلبها بعنف خلف ضلوعها ، لكن كبرياءها أمرها بالتمرد على تلك المشاعر : وانا مش مصدقاك .. لو كنت اتأثرت بكلامك في لحظة غباء مني .. دلوقتي عقلي مش حاسس الا انه بيكرهك



رد باسم بحزم ، ونبرة صوته تحمل عبق الجمرات الملتهبة التي تشتعل في سماء رماديته ، كعاصفة نارية تجوب الأفق ، وتبعثر دفاعاتها بلا رحمة : بيكرهني عشان قدرت أخطف راحته وتفكيره .. سلطته عليكي ما بقاش ليها أي لازمة قدام سلطتي أنا عليه وعلى قلبك اللي بيدق زي المجنون من قربي ليكي




        
          
                
نطق باسم جملته بنبرة رجولية واثقة ، بينما يلف أصابعه على ذراعيها ، يجذبها نحو صدره حاولت أن تدفعه بمقاومةً ، لكن قبضته مزيجًا من القوة والحنان تأبى أن تفلت منها ، لتهدر بيأس محتدم محاولةً أن تضع حدًا لعواطفها المتضاربة : ابعد عني .. أنا مش هقدر أثق فيك تاني .. واعتبر الاتفاق اللي كان بينا انتهى



_متأكدة من كلامك؟!



سألها باسم بصوت بارد ، تتراقص فيه نغمات السخط ، فأكدت بهدوء مستفز ، لكنها تعرف في أعماقها أن كلماتها لا تتماشى مع مشاعرها : أيوه .. وعاوزة ورقة طلاقي في أقرب وقت عشان هسافر



باسم حاول أن يخفي غضبه خلف تهكمه ، فتساءل بنبرة ساخرة : لا والله .. وعلي فين العزم يا مدام؟



بفظاظة واضحة ردت : مايخصكش 



إستحوذ عليه غضب اسود من فكرة فقدانها ممزوج بضيقٍ حاد من استفزازها ، فأخذ يهزها بين يديه بقوة لطيفة ، بينما يصيح بثوران جامح جعل عروقه تنتفض بقوة ، يعكس تصميمًا حادًا وامتلاكًا حارقًا : انتي كلك تخصيني .. فهماني .. ماتخصيش حد غيري يا إبريل!



تراقصت في أعماقها مشاعر فرحٍ مستتر ، وهي تحدق في سماء رماديته ، التى تعصف بمطر عشق غزير ينساب بلا هوادة يجرف مشاعرها ، أما هو حين لم يتلقى منها اجابة أضحى صوته يتردد كعاصفة من المشاعر الجياشة محملة بشغفٍ عنيف يفيض من أعماق روحه : شوفي .. أنا سبتك تخرجي كل غضبك فيا عشان تستريحي وعشان كنت غلطان في اللي قولته .. بس انتي كده زودتيها .. فكرة إنك تسافري أي مكان من غير موافقتي انسيها مش هتعرفي .. ولو وصلت إنّي أزرعلك GPS تحت جلدك هعملها .. فوفّري طاقة التمرد دي .. عشان تقدري تجهزي نفسك لفرحنا



إخترقت جملته الجدية قلاعها بضراوة فتعثرت كلماتها في حلقها ، لتخرج بحدّة لا إرادياً : يعني إيه هتتجوزني غصب عني؟



_انتي أصلاً على ذمتي ولا نسيتي؟



ذكرها باسم بنبرة قوية ، مؤكدًا أن لا يوجد خطط مستقبلية لها إلا بحضوره ، وهمس يجيش بالسحر اضاف : بس خلاص نضيع وقت ليه؟ نعمل فرح ونتجوز .. 



لامس باسم بنعومة شفتيها المرتعشتين التي انفرجت من حديثه ، ثم تابع بشوق ماكر ، وهو يتلاعب بأفكارها كما يتلاعب العشق بنبضات قلبه العنيفة : خلي التفاهم دا يجي على مهله واحنا في سرير واحد



ارتعشت ابريل بصدمة من جراءته المفرطة ، ولكنها سرعان ما تخلصت من قبضة يده ، لتهتف منزعجة : انت قليل الأدب .. احترم نفسك .. وانت ماتقدرش تجبرني على حاجة



_أنا لحد دلوقتي ما جبرتكيش على حاجة يا إبريل



_بس أنا مبحبكش




        
          
                
توهجت بهذه الجملة أمام عينيه اللتين تجسدان شغفًا متقدًا ، مع كبريائها المتحدى في محاولة يائسة للهروب من لهب هيامٍ مستعر ، فإلتصق بها حتى كاد يختنق أنفاسها من قربه المهلك ، تلاقت نظراتهما في ساحة من نارٍ مشتعلة ، بينما يهمس بلهجة تتفجر بالعشق الجارف : هيجي اليوم اللي هتموتي فيا .. مش بس هتحبيني



☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼



بعد مرور بعض الوقت



وصلت سيارة باسم أمام منزل فهمي الهادي ، نزلت منها ابريل بسرعة ، غير آبهة بانتظاره. 



زم باسم شفتيه بغيظ ، ثم نزل خلفها بعصبية ، وتبعها بخطوات واسعة ، فجأة أمسك بذراعها ، جاذبًا إياها نحوه ، مما جعلها تفقد توازنها للحظة ، لتميل بجسدها نحو صدره ، بينما يقول بسخرية باردة ترتسم على شفتيه : عيب انا جوزك يا مدام مش سواقك الخصوصي



سرعان ما استعادت توازنها ، ونجحت في انتزاع ذراعها من قبضته بعنف ، ثم واجهته بنظرة متمردة تنبض بالإصرار والعناد : ماتلمسنيش كدا تاني .. واوعي تفتكر إنك هتقدر تمشي عليا قرار بالغصب!!



ضغط باسم علي شفته السفلية بإستياء ، ممسكًا بها مرة أخرى ، وهو يسألها بحدة : هو عنادك دا مالوش آخر؟



رفعت إبريل ذقنها بشموخ ، مبتسمة بإستفزاز متحدى ، لكنها في ذات الوقت قلبها يرتجف بحماس : زي ألاعيبك اللي مابتخلصش



تمتم باسم بصوت مشتعل بنفاذ الصبر ، والشياطين تعبث بأفكاره ، وتغريه بأفعال تتسم بالشر : أنا قربت أزهق



أذهلته في اللحظة التالية ، حينما لفَّت ذراعيها حول خصره ، بينما أسندت رأسها على قلبه النابض بعنف تحت وطأة قربها ، ضمّها إليه ببطء مشبعًا بارتباكٍ يعصف كيانه ، تائهًا بين دهشة مبادرتها التي اخترقت صموده ، وبين شوقٍ يفيض بكل ما قاومه طويلًا ، وكأنها أطلقت عاصفة مشاعره الحبيسة.



_في إيه؟



سألها باسم بنبرة مثقلة بالحيرة ، فأخبرته بصوت خافت لا يصل إلى أحد سواه : واقفين بيبصوا علينا من الفرنادة!



مرّت دقيقة ، قبل أن ترفع رأسها عن صدره ، فتشابكت نظراتهما في لحظة مشحونة بلهيب عواطف مضطرمة ، دون تردد ، ضمّها إليه مجددًا ، بحنان يلتهمه شوق دفين ، 
وذراعاه التفّتا حولها كسلاسل قدر ، تمنعها من الفكاك من دوامة المشاعر المستعرة بينهما ، ليهمس لها بصوت أجش : خليكي .. لسه بيبصوا



أدارت ابريل عينيها بحيرةٍ ، بينما لم يرفع بصره عنها لحظة واحدة ، كيف استطاع معرفة ما إذا كانوا لا يزالون يقفون في مكانهم؟ 



تراقصت نبضات قلبها بجنون ، وأدركت في تلك اللحظة بتفكير مُنذهل ، أنه لا يسعى لغيظ ريهام ، بل يرغب بشغفٍ لا يُقاوم في أن تحتل مكانها بين ذراعيه ، كفراشةٍ تتوق للعودة إلى زهورها.



_أنا موافقة عشان ما اسمحش لحد يشمت فيا



أطلقت ابريل همسةً رقيقة من بين شفتيها ، تسللت إلى مسامعه كنسيمٍ دافئ ، مفعمة بكبرياءٍ مشحونٍ بعبق مشاعر جياشة دغدغت أعماق قلبه بسحرٍ خاص برغم غيظه من تمردها اللامنتاهى.



لن أعفو عنه بلمسةٍ عابرة ،
فأنا القطة التي تروض ذئبها بشغفٍ جحيمي.
قوته ليست سلاحًا ، بل سحرٌ أسيرٌ في أحضاني،
ذاب في جنوني ، محاطًا بهالةٍ ساحرة.
أنا الحلم الذي يتراقص في عينيه، ونار شوقه التي لا تنطفئ.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 
google-playkhamsatmostaqltradent