Ads by Google X

رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل الثاني 2 - بقلم اية حسين

الصفحة الرئيسية

 

رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل الثاني 2 - بقلم اية حسين

 الفصل الثاني: باب الذكريات
          
                
خرج من الشقة وأغلق الباب خلفه، الباب الذي كان بمثابة باب الذكريات.
                                      ∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆



استيقظت "إسراء" مبكرًا هذا الصباح، فاليوم هو يومها الأول بالجامعة، تشعر بالحماس مع بعض النشوة تتخلل صدرها، ارتدت ملابسها ثم لبست معطفًا أسودًا منفوخًا دون أكمام فوق قميصها الصوفيّ، جلست على الأريكة منتظرةً أخاها الذي خرج من غرفته أخيرًا بعدما كان يُطالع صورة والديه التي وجدها في المنزل القديم الذي زاره منذ يومين، لقد أصبحت تلك الصورة لاتنفك تترك يده، خرج فسأل شقيقته قبل أن تقع عيناه عليها:
- مشوفتيش الجاكيت الأسود بتاعي؟
نظرت لما ترتديه بعين جاحظة، إنه هو! حاولت خلعه قبل أن يراها و هي ترد:
- لأ مشوفتوش، البس حاجة ثانية.
لكنها لم تلحق، إذ أمسك بطرف المعطف و هو يقول ساخطًا:
- ما هو واضح إنك مشوفتيهوش.
ثم أضاف متوعدًا و قد علا صوته:
- اقلعي الجاكت يا بت بدل ما تبقي في صفحة الوفيات النهارده.
قالت الأخرى محاولةً إستعطافه:
- ما تسيبهولي النهارده يعني ميجراش حاجة، و بعدين يرضيك أروح أول يوم جامعة وأنا نفسي في الجاكت بتاعك؟ 
- ما تروحي وأنتِ نفسك في الجاكت بتاعي ايه المشكلة يعني؟
كان لايزال يمسك بطرف المعطف و هي ترتديه فقالت "إسراء" متذمرة:
- سيب الجاكت طيب أنا أختك مش حد غريب أنت مش قافش حرامي.
ترك "عمر" المعطف و هو يقول:
- هتقلعيه برده
قالت "إسراء" بسرعة أفجعت "عمر":
- بص هناك كده
و في ثوانٍ كانت تركض من أمامه إلى الأسفل فارّةً بالمعطف. ركض "عمر" خلفها و هو يتوعد لأخته.



تكررت زيارات "آية" خلال تلك المدة، فقد أحبت الكتابين اللذَين رشحتهما "إسراء" بشدة، و أرادت أن تكون "إسراء" من يقودها للقراءة فقد رأت فيها ما جعلها تحبها، ومازالت "إسراء" تراها مائعة.



دخلت "إسراء" من باب الكلية بنظرات تائهة ومشاعر متضاربة، وتبقى الخطوة الأولى الأصعب دائمًا، بعد تيه وسؤال هذا و ذاك استطاعت الوصول للمدرج لتدخل محاضرتها الأولى في كلية الإعلام، لم تحضر في الأيام الأولى، فضّلت الجلوس على الفراش و قراءة كتاب ما عن التعرف على ناس جدد.



استمعت للمحاضرة متجنبةً الحديث للآخرين، رد السلام مع ابتسامة خفيفة فقط، لا تحب الإختلاط بالبشر، كانت دومًا تجلس وحدها في زاوية بعيدًا عنهم، ليست قلة ثقة أو تكبر، هي فقط تعلم أنها مختلفة، و تحب إختلافها. انتهت المحاضرة فوجدت فتاةً تمشي نحوها، إنها "آية" الفتاة المائعة التي زارتها بالمكتبة، ضربت "إسراء" على جبهتها متذمرة، ماذا فعلت في حياتها لتقتحمها فتاة كتلك؟ ركضت "آية" نحوها فعانقتها قائلة بعدم تصديق:
- مش ممكن، أنتِ "إسراء" بتاعة المكتبة؟
أجابت "إسراء" ببسمة ود مصطنعة وقد تمنت لو لكمت "آية" في وجهها:
- اه أنا، عاملة ايه يا "آية"؟
أجابت "آية" بفرحة تجلّت على محيّاها لم تجد لها "إسراء" تفسيرًا:
- الحمدلله، و أنتِ؟ أنا فرحانة اوي إني شوفتك وإننا طلعنا زمايل، شكلنا هنبقى صحاب بقى.
- اه أكيد.
كان ذلك عكس ما تشعر به "إسراء" تلك اللحظة، إذ تمنت لو فرّت من أمامها الآن. خرجتا من القعة فوجدتا شابًا متأنقًا بملابسه العصرية و هو يقول في مرح:
-  يا أهلًا بالحلوات.
تضايقت الفتاتان من إقتحامه وأسلوبه، بينما لم يكترث هو لتعابير وجهيهما و استطرد بذات مرحه:
- أنا "مروان"، معاكم في أولى، بس صديق مفيد جدًا ومليان مميزات و أعرف الجامعة كلها كلهم حبايبي، يعني هفيدكم فاكسبوا ودي أحسن لكم.
ثم مال قليلًا قائلًا بخبث:
- و بقدر الجمال على فكرة.
نظرت له الفتاتان بإشمئزاز و سرعان ما رحلتا من أمامه و "إسراء" تقول ساخرةً بصوت تعمدت أن يسمعه "مروان":
- سلام يا مهزأ.




        
          
                
انتهى اليوم ورحلت "آية" و البسمة الرقيقة مرتسمة على شفتيها دليل على سعادتها بأن "إسراء" صارت زميلتها و قد توقعت أنها أكبر منها، فقد أُعجبت بشخصيتها المميزة وتفكيرها الناضج، و ببراعتها و البريق الذي يطلُّ من عينيها حين رشحت لها كتابًا، وتأمل أن تكونا صديقتين.



دخلت "آية" منزلها و هي تمسك بكيس مقرمشات ابتاعته أثناء عودتها في يدها، ألقت السلام على والدتها الجالسة على الأريكة التي قامت تعانقها بحنو حين رأتها، نظرت الأم إلى كيس المقرمشات ثم عاتبت ابنتها في أسى:
- يا بنتي بطلي أكل رايح جاي كده بجد مينفعش هتتخني وأنتِ مش ناقصة.
تلاشت الفرحة على وجه "آية" وحل محلها الحزن، قالت:
- يا ماما مش لازم كل ما تشوفيني تفكريني إني تخينة والمفروض أخس.
ردت أمها و قد ازدادت غضبًا:
- ماهو أنتِ مينفعش تسيبي نفسك كده، منظرك هيبقى فظيع.
قالت "آية" بعينين مغرورقتين بالدمع و هي تفرُّ من أمام والدتها:
- حاضر يا ماما، حاضر.



وقفت أمام مرآتها في غرفتها، تخلع حجابها لتفرد شعرها البنيّ الناعم، ثم تطالع نفسها، شعرها البني ناعم جميل، عيناها العسليتان يذوب المرء في حلاوتهما، بشرتها البيضاء الصافية تغبطها عليها زميلاتها، الكل يُثني على جمالها، إلا والدتها التي لا ترى إلا بدانتها، نزلت دمعة من عينها تحفر أخدودًا في وجهها، آه لو تعلمين يا أمي أني لا أرى نفسي إلا من خلالك.



هذا ما فكّرت فيه "آية" تلك اللحظة.



                                    ∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆



أنهى "عمر" عمله ثم اتجه إلى العنوان المكتوب على الصورة بعد تفكير كثير و تردد أكثر، وجدها مكتبة مما زاد على حيرته حيرة، دخل فوجد رجلًا في الأربعين من عمره تقريبًا فسأله عن  أبيه وقلبه يخفق متسارعًا، أجاب الرجل متذكرًا:
- واخد أجازة، خير عايزه في ايه؟
تساءل "عمر" رافعًا حاجبه:
- هو بيشتغل هنا؟
أومأ له الرجل فسأل "عمر":
- طب هيرجع امتى؟
- بص الصراحة يا أستاذ، هو دب خناقة مع مدير المكان هنا وشكله كده مش راجع ثاني.
زفر "عمر" في ضيق على حظه الأسود، ثم سأل الرجل مجددًا:
- طب متعرفلوش رقم تليفون؟ عنوان؟ أي حاجة؟
- أعرفله عنوان بس مش متأكد
قال "عمر" في لهفة:
- هاته مش مهم
أملى عليه الرجل العنوان و الذي وجده "عمر" على بعد خطوات من هنا.



وقف يتأمل المكان، كان أبوه يعمل في مكتبة! يبدو أن "إسراء" ورثت من والدها شيئًا. طلع إلى الطابق الذي حدده الرجل، ثم أخذ يطرق الباب منتظرًا الإجابة. خرجت سيدة من الشقة المجاورة تسأله بإستغراب:
- خير، عايز مين؟
أخبرها بإسم والده فردت السيدة متذكرةً:
- أستاذ "إبراهيم" ومدام "هدى" مراته عزلوا من زمان.
- طب ما تعرفيش راحوا فين؟
- لا معرفش الصراحة.
همّ لكي ينصرف فنادته السيدة بتردد، التفت إليها يستعلم عمّا تريد، قالت السيدة:
- في واحدة ست جاتلي من كام يوم كده و قالتلي لو حد جيه سأل عن أستاذ "إبراهيم" أديله الورقة ديه.
ثم مدت يدها ليلتقط "عمر" الورقة متعجبًا من كونها أنثى فسأل:
- واحدة ست؟! طب تعرفي توصفي شكلها؟
- لا معرفش كانت منقبة.



منتقبة! كلما تعمق خلف تلك العناوين يزداد الأمر غرابة، تنهد، لقد ملّ حقًّا من ذلك الذي يحركه كيفما يشاء، أو.... تلك التي تحركه!
فتح الورقة ليجد عنوانًا جديدًا فيها كُتب تحته:
- الرحلة خلاص خلصت، يلا يا بطل.



ابتسم نصف بسمة مستهزئة، أصبحت ذات الأوراق تشجعه!
وصل إلى العنوان الجديد، رغم تأخر الوقت لم يستطع الإنتظار للغد، كاد يدخلها لولا الإتصال الذي أتاه من "علي" صديقه جعله يهرع إليه متناسيًا كل شيء.



                                      ∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆



كان يعدو بسرعة لم يتخيل أنه قد يستطيع الركض بها يومًا، يريد إنقاذ صديقه، من ماذا؟ هو لا يعلم، لم تتضمن المكالمة سوى كلمات إستغاثة من "علي" لحقها صوت لهاثه المتقطع ثم إخباره بالمكان، وجده "عمر" ليس بالبعيد فهرع إلى هناك، وصل فوجده مقهى، استفرب قليلًا لكنه دخل على أية حال و أنفاسه تضطرب قلقًا على صاحبه، رأى "علي" يقف أمامه داخل المقهى و هو يضحك، سأله "عمر" متعجبًا عندما رآه:
- هو في ايه؟

 

 
google-playkhamsatmostaqltradent