رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل السابع و الثلاثون 37 - بقلم بيسو وليد
إنَّ أكبرَ إها’نةٍ يمكنُ أن تُلحقها بإنسانٍ،
في عصرنا ومِنْ جـ.ـنسنا،
هي أنْ تنعـ.ـتهُ بأنهُ محر’ومٌ مِنَ الأصالةِ،
والإرادةِ والمواهبِ الخاصة،
وأن تقولَ عنهُ: إنّهُ ر’جلٌ عادي.
– فيودور دوستويفسكي.
_____________________
ألا وأنا المُحا’ربُ في معا’ركِ، وسـ.ـيفٌ لا’معٌ في المخا’طر يرافقني، ألا وأنا بالذكرِ طيبُ الأ’ثرِ، فبأي حـ.ـقٍ تقول أنا المنتـ.ـصرُ؟ خطت الأيادي بالأ’حبار على الأوراقِ، وكُنْتُ أنا كاتبُ المخطو’طاتِ، فيا عد’وٍ ظننتُ أنكَ بثا’ئرٍ، كيف للشـ.ـرِ أن يثأ’ر في أرضٍ تُطالبُ بالعد’الةِ.
<“كان يظن أن القدر دومًا حليفهُ، لا يعلم أن الأقدار تتغيَّر.”>
كانوا مندمجين في إبداع هذا الشا’بُ الذي كان يتابعهم مبتسم الوجه ويشعر لأول مرة بالفخـ ـر بنفسه حينما شعر أنه فعل شيئًا مفيدًا لأول مرة في حياته، كان يشعر بالزهو والراحة وقد راق باله كثيرًا حتى تبد’ل في لمـ ـح البصر حينما أستمع إلى صوت الباب في الخارج يُغـ ـلق يليه صوت المفتاح في المز’لاج يتحرك مغـ ـلقًا الباب بإحكا’مٍ، ألتفت برأسه سر’يعًا نحو الخارج ثم تحرك بخطى وا’سعة نحوه ليقبـ ـض بكفه على مقبـ ـض الباب محاولًا فـ ـتح الباب ليراه مُحـ ـكم الغـ ـلق.
تذكر أنه قد نسي أمره حينما تركه في المز’لاج وولج نحو الداخل ليلـ ـعن نفسه بغـ ـضبٍ، تركه وولج مِن جديد إلى الداخل متخـ ـطيًا إياهم بخطى وا’سعة ليولج إلى الشرفة ينظر إلى الأسـ ـفل وتحديدًا تجاه بوابة البِنْاية منتظرًا تأكيد شكو’كه، فإن كان هو بالفعل فلا بأس في أن يُلاعب الفأ’ر القط مرةٍ أخرى فسيكون أكثر مِن مُرحبًا بهِ، تأكدت ظنونه حينما رآه يخرج واضعًا كفيه في جيوب سترته الثقيـ ـلة يسير وكأنه لَم يفعل شيئًا عائدًا إلى مقر عمله.
أبتسم “يـوسف” بسمةٌ عا’بثة على ثغره ور’مقه نظرةٍ خـ ـبيثة فأن كان يظن نفسه ذكيًا وبفعلته تلك قد نفـ ـد مِنها فبأحلامه فليس هو المُحا’ربُ الذي يستسـ ـلم في منتصف المعركة وير’فع را’ياته البيـ ـضاء، أخذ نفـ ـسًا عـ ـميقًا ثم ز’فره بتروٍ يتابع أثر عد’وه اللدو’د فهو مازال حتى هذه اللحظة منتظرًا اللحظةِ الحا’سمة والفا’صلة بينهما فأ’فعال “فـتوح” وأمثاله تدل على أنه ناجحٌ وإن لَم يكُن في دراسته بل في حياته العامة وهذا ما يجعله يسـ ـعى للنَـ ـيلِ مِنهُ.
_صحيح، قالوا زمان الفا’ر بيحب ينا’كش فالقـ ـط مِن بعـ ـيد لبعـ ـيد عشان يستفـ ـزه، بس نسي إن القـ ـط غد’ار ولو فضل ساكت كتير عليه فدا مش ضُعـ ـف مِنُه قد ما هو مستني اللحظة اللي هيغد’ر بيه فيها، براحتك يا “فـتوح” بس الأهبـ ـل دايمًا بينسى إني معايا نُسخة تانية مِن المفاتيح، لسه متخـ ـلقش اللي يلاعبني يا ولا’د “الجز’ار”.
أنهـ ـى حديثه مبتسمًا ففي هذه اللحظة هو سعيدٌ وبشـ ـدة فدومًا يظنوه أحـ ـمقًا كونه جا’هلًا في الأمور الدراسية ولا يملُـ ـك شهادات تفو’قه مثله أنه أحـ ـمقًا في كل ما يحدث حوله فدومًا نُحر’مُ مِن شيءٍ لأحوالٍ صـ ـعبة ولَكِنّ المولى عز وجل يُعطيه ما أثـ ـمن مِنهُ بمراحل عِدة وكان عطاءه “الذكاء” ففكره يُعادل فِكر الفـ ـتى المتعلم بل ويتخـ ـطاه أيضًا فإن كُنْت تظن أنه بجا’هلٍ فتهانينا لكَ فأنت الجهـ ـل بأ’م عينه.
أخرجه مِن شروده ذاك صوت “عماد” الذي كان يُناديه ليستفيق هو مِن ما كان عليه ثم ولج إليهم ينظر لهم قائلًا:
_لمؤ’اخذة كُنْت بشـ ـم هوى بس بره.
أبتسم إليه “عماد” الذي أقترب مِنهُ بخطى هادئة يرافقه في وقفتهِ مربتًا بكفه فو’ق كتفه قائلًا:
_أنتَ أبهرتني يا “يـوسف” حـ ـقيقي، د’ماغك حلوة بس عايزة اللي يستغـ ـلها صح ويتعامل معاها، بصراحة أنا صوَّرتها وهعرضها على صفحة الشركة وأنا أتفقت مع “راضـي” إننا هنر’جع نفـ ـتح المصنع تاني وأنتَ اللي هتد’يره وكل اللي شغالين فيه هيكونوا تحـ ـت إشرافك أنتَ.
تفا’جئ “يـوسف” كثيرًا مِن حديث عمه الذي فا’جئهُ بحديثه دون أن يُمهـ ـد إليه أي شيءٍ ليُحاول فهم ما يحدث حوله حينما نظر إليهما وقال متعـ ـجبًا:
_ثواني معلش مصنع إيه اللي هـ ـديره وهشرف على مين أنا مش فاهم حاجة خالص!.
أتاه الردّ هذه المرة مِن “راضـي” الذي أجابه بنبرةٍ هادئة:
_هتفهم كل حاجة فوقتها يا “چـو”، عايزك تجيلي بعد بكرا الشركة هبعتلك اللوكيشن تسعة بالدقيقة هكون مستنيك بس أهم حاجة متتأ’خرش عليا عشان هيكون عندي إجتماع مهـ ـم محسوب بالثانية، متفقين؟.
وما عليه سوى أن يرضـ ـخ إليه ويوافقه ليبتسم إليه دون أن يتحدث ليشرد عـ ـقله محاولًا فهم ما يحدث حوله وماذا يُخبـ ـئ لهُ القدر حتى وقتنا هذا؟ خرجوا جميعهم بعدما عادوا إلى المنزل مرةٍ أخرى مارين مِن أمام محل “فـتوح” الذي كان يُد’خن نوعًا مِن أنواع المواد المُخد’رة في الداخل وحينما رآهم أمامه جحـ ـظت عينيه بشـ ـدة غير مصدقًا ما يراه أمامه فهو متأكدًا وبشـ ـدة أنه أغـ ـلق عليهم الباب بالمفتاح، وعلى ذِكر المفتاح وضع كفه داخل جيب سترته ليستشعر بوجود المفتاح بداخله ولذلك شعر أنه لا يفهم شيءٍ أما يراه مجرد تهيؤاتٍ أم أن هذا المُخد’ر لَم يعُد يؤ’ثر على عقـ ـله؟..
نظر إلى الخارج مِن جديد ليرى “يـوسف” يقترب مِنهُ بخطى هادئة ثا’بتة ونظراته با’ردة كبر’ودة الطقس مِن حولهم، ولج إليه مطـ ـلعًا عليه دون أن يتحدث فيما نهض “فـتوح” وهو يحمـ ـلق بهِ غير مصدقًا ما يراه أمامه حتى هذه اللحظة فيتمنى أن يكون في النها’ية “حـد’يدة” أو “عـصفورة” وليس هذا الذي قام بحـ ـبسه هو ومَن معهُ في تلك الشقة، ولَكِنّ ليس كل ما نتمناه نحصل عليه فقد سَمِعَ صوته يشـ ـق السكو’ن مِن حولهما حينما ر’مقه نظرةٍ متشـ ـفية قائلًا:
_إيه؟ مش مصدق صح؟ حـ ـقك بصراحة ما أنتَ قا’فل عليا بالضـ ـبة والمفتاح وفاكرني يا حرام طير ضـ ـعيف ومكسو’ر الجنا’ح مش هيعرف يطـ ـير، بس مش أنا يا “فـتوح” اللي بيستـ ـسلم بدري وير’فع الرا’ية البيـ ـضة، مش أنا ولا هكون لأني نَفَـ ـسي طو’يل مع الأشكال اللي زيك كدا بالظبط، هقولك أنا خر’جت أزاي عشان متفضلش تفكر كتير وتتجـ ـنن أنا لسه عايزك عا’قل.
أنهـ ـى حديثه ثم ر’مقه نظرةٍ ذات معنى تبو’ح بالتشـ ـفي والإنتـ ـصار ليقـ ـطع المسافة الفا’صلة بينهما مستندًا بكفيه على سطـ ـح المكتب الخشـ ـبي منـ ـحنيًا بجذ’عه العلـ ـوي قليلًا نحوه قائلًا بنبرةٍ خافتة أقرب للهمس:
_أصل أنا معايا نُسخة تانية مِن المفاتيح يا ابـ ـن العبيـ ـطة.
رأى الصد’مة بادية على تقا’سيم وجهه بوضوحٍ وهو ينظر إليه مـ ـجحظ العينين ليبتسم هو إليه قليلًا ثم قال مكملًا حديثه:
_بقيت تصـ ـعب عليا أوي يا “فـتوح”، بس هنقول إيه ناس خدت العلام وشهادات ياما وأخرتها قعدة على مكتب في محل بيع إز’از، وناس تانية مخدتش العلام بس الحمد لله خدت الذكاء، ودا الفرق بيني وبينك يا ابـ ـن “الجز’ار” صحيح مش شبه بعض بس أنا حا’طط عليك وعلى عيلتك كلها كبيرها وصغيرها عشان اللي زيكم مشافش ر’باية ومبيفـ ـهموش فالأ’صول … المفتاح يا شاطر يطـ ـلع يلا وأوعى شيطا’نك يو’زك وتروح هناك تكـ ـسر الباب عشان مش هيتكـ ـسر للأسف، أصل أنا عامل الكالون كومبيوتر.
أنهـ ـى حديثه سا’خرًا وهو يبتسم بتهـ ـكمٍ يُطا’لعه بإستخفا’فٍ ليرى ماء وجهه الذي فشـ ـل في الإحتفاظ بهِ واللو’ن الأحـ ـمر الذي أحـ ـتل وجهه حينما شعر بالغـ ـضب الشـ ـديد تجاهه وبالحقـ ـد الذي إزد’اد بداخلهِ نحوه أكثر، أخرج المفتاح بالفعل وأ’لقاه في وجهه بعنـ ـفٍ ليصتد’م بوجه الآخر ثم يسـ ـقط على سطـ ـح المكتب، فيما أغـ ـلق “يـوسف” جفنيه محاولًا تما’لُك نفسه قدر المستطاع ليفرق بينهما بعد دقائق ليعاود النظر إليه لبرهةٍ مِن الوقت ليبتسم لهُ قائلًا بنبرةٍ مستفـ ـزة:
_مش بقولك أنتوا عيلة بنـ ـت *** مشافتش ر’باية.
أزداد غضـ ـب الآخر أكثر عن زي قبل وهو ينظر إليه، فيما سحـ ـب “يـوسف” مفتاحه وأستقام في وقفتهِ أسـ ـفل نظرات “فـتوح” الذي كان يأ’كله حـ ـيًا بنظراته، أرسل إليه الآخر قْبّلة هوا’ئية ثم ألتفت وسار خطوتين ليتوقف فجأ’ةً ويعاود الخطوتين ملتفتًا إلى “فـتوح” الذي كان مازال ينظر إليه ضا’غطًا بقو’ةٍ على أسنانه ليراه يومض جفنه الأ’يسر بعـ ـبثٍ مع أبتسامةٍ ما’كرة يليها قوله الخـ ـبيث:
_أبقى غيَّر الصـ ـنف وأستنـ ـضف شوية دا أنتوا وا’كلينها وا’لعة يا ولا’د النصا’بة.
ألقـ ـى جملته ثم ألتفت مغا’درًا المحل مبتسم الوجه والراحة تغمـ ـر قلبه تاركًا هذا الذي يشتـ ـعل غضـ ـبًا مكانه وللحـ ـق لَم يستطع التحـ ـكم في نفسه كثيرًا ليصر’خ بالصبـ ـي بعلـ ـو صوته قائلًا بغـ ـضبٍ شـ ـديدٍ:
_هاتلي شيـ ـشة يا “لمونة” بسرعة!.
مرَّ الوقت بهم سريعًا حتى ذهبوا جميعًا ولَم يتبقى سوى “شـاهي” حتى ترافق و’لدها وترعاه كما أتفقت مع “بيلا”، أطمئنت “بيلا” على فتا’تيها معًا ثم يليهما حماتها التي كانت تبيت في الغرفة المجاورة لغرفة “بـشير” أخيها الصغير الذي يرافق والدتها الآن وتهتم بهِ، أغـ ـلقت جميع مصابيح المنزل عدا الخا’فتة التي تعمل ليلًا ثم توجهت إلى غرفتها بعدما أطمئنت أن كل شيءٍ بخيرٍ لتجاور زوجها مِن جديد.
رافقتهُ في نومتهِ على الفراش ثم سـ ـحبت الغطاء الثـ ـقيل على جسـ ـدها وأستلقت بجواره تنظر إليه لتراه مغمض العينين ومِن أنتظام أنفا’سه عَلِمَت أنه غطى في ثباتٍ عمـ ـيقٍ بعد أنتها’ء هذا اليوم المر’هق، زفـ ـرت بعـ ـمقٍ ودثرت نفسها جيدًا حينما شعرت بالبرو’دة تدا’عب أذنيها ليبدأ ر’جيف جـ ـسدها، نظرت إلى الساعة المعـ ـلقة على الجدار لتراها أصبحت الواحدةُ بعد منتصف الليل لتعلم أنها لن تستطيع النوم بسهولة في هذا الطقس البا’رد.
لحظاتٍ وشعرت بذراعي زوجها يتسـ ـللان نحوها ثم قربها مِنهُ ضاممًا إياها إلى أحضانه يطبـ ـق عليها بذراعيه بعدما شعر بر’جيف جسـ ـدها بجانبهِ ليتولى هو الأمر واضعًا القبعة الصوفية على رأسها يقوم بتغطية أذنيها حتى تستطيع النوم بشكلٍ أفضل.
_أنا لسه صاحي منمتش كُنْت مستنيكِ عشان عارف إنك مبتعرفيش تنامي فالسـ ـقعة دي بسهولة.
نظرت إليه لتراه مازال مغمض العينين لتبتسم ر’غمًا عنها فغيره لن يتذكر تلك الأمور البسيطة وسيغر’ق في ثُباتٍ عـ ـميقٍ بسـ ـبب أرها’ق اليوم ولن يشعر بشيءٍ، ولَكِنّ هو كان ليس كذلك حتى في أشـ ـد أوقاته مر’ضًا تكون هي أولى أهتماماته، أنتظرت قليلًا حتى بدأ النعاس يتسـ ـلل إلى جفنيها رويدًا رويدًا حتى أو’قعها في شبا’كهِ وذهبت في ثباتٍ عـ ـميقٍ آخر ما شعرت بهِ قْبّلته الحنونة على جبينها ثم لَحِقَ بها هو الآخر وذهب في ثباتٍ عميـ ـقٍ بعدما أنتـ ـهى يومٌ شا’قٌ عليهم جميعًا.
_____________________
<“أشرقت شمسه مِن بعد ظُلـ ـمة الليل.”>
في صـبيحة اليوم الموالي.
أستيقظ وأستيقظت معهُ شمسه مِن جديد تستعد لبدء هذا اليوم بعد مرور يومٍ كان صعـ ـبًا عليه وهر’بَ مِنهُ عن طريق النوم، قام بالإستحمام ثم خرج يبدأ في تصفيف خصلاته بعدما أرتدى ثيابه والتي كانت عبارةً عن بِنطالٌ مِن خامة الچينز ذو اللو’ن الأسو’د ويعتليه كنزته السو’د’اء والتي بها نقو’شٌ بعِدة أحرف إنجليزية بيـ ـضاء على صد’ره، نظر تجاه الفراش ولَم يجدها كالمعتاد ليزفـ ـر بمـ ـللٍ ثم يبدأ بتصفيف خصلاته السو’د’اء بهدوءٍ لبضع دقائق حتى أنتهـ ـى ليقف ينظر إلى إنعكا’س صورته في المرآة برضا.
ولجت في هذه اللحظة إليه مغـ ـلقةً الباب خـ ـلفها لتراه قد أستيقظ بالفعل ويبدو أنه يستعد للذهاب، لَم تتحدث ولَم تهتم كما تفعل دومًا ولذلك تخطته متجهةً نحو غرفة الملابس ليو’قفها صوته حينما قال بنبرةٍ با’ردة:
_حتى صباح الخير مبتتر’ميش.
ظهر الضيـ ـق على تقا’سيم وجهها بوضوحٍ وهي توليه ظهرها لتزفـ ـر قائلة:
_صباح الخير … أستفدت حاجة بقى؟.
نظر إليها بعدما ألتفت لها ليقف خـ ـلفها مباشرةً عاقدًا ذراعيه أمام صد’ره قائلًا:
_وإيه لازمة لا’وية البو’ز دي على الصبح، ما تصطبحي يا “تماسي”.
ألتفتت إليه “تماسي” تر’شقه بنظراتها الحا’نقة لتقول بنبرةٍ يملؤ’ها الضـ ـيق:
_في إيه يا “محمود” هو أنتَ عايز تتخا’نق على الصبح وخلاص؟.
_لا أنا مش عايز أتخا’نق بس شايف واحدة محترمة مش طا’يقة لجوزها كلمة بدون سـ ـبب.
زفـ ـرت بعمقٍ مِن جديد وعقدت ذراعيها هي الأخرى أمام صد’رها قائلة بوقا’حةٍ معتادة:
_”محمود” أنا على أ’خرى، عدي اليوم أحسنلك.
بدأ يقترب مِنها بخطى هادئة وهو ير’شقها بنظراته حتى توقف أمامها مباشرةً وقد قال:
_أعدي يومي؟ ليه إن شاء الله لو معدتهوش يعني هتعملي إيه.
أنهـ ـى حديثه ثم قـ ـبض على ذراعها بقو’ةٍ ضا’غطًا عليه وهو يُعيد حديثه مرةٍ أخرى بعد أن تحوَّ’ل مئة وثمانون درجة عليها ليهـ ـدر بوجهها بغـ ـضبٍ قائلًا:
_ردّي عليا أخر’صيتي ليه دلوقتي ولا فا’لحة تهـ ـللي على الفاضي والمليان؟ بجـ ـحة وعُمري ما شوفت واحدة زيك، أنتِ متنسيش نفسك يا “تماسي” مش معنى إني لسه محا’سبتكيش على اللي عملتيه فمرات “مؤمن” إني نسيت، لمـ ـي دورك عشان بدأت أجيب أ’خري مِنك.
_آه أنتَ بتهـ ـددني بقى، بس لا يا حبيبي معلش مش أنا اللي أتهـ ـدد وأخا’ف يا “محمود” مش “تماسي محرم” اللي تسكوت عن حـ ـقها.
نا’طحته في الحديث كعادتها الو’قحة ولَم تعبـ ـئ بأي شيءٍ حولها فيما أبتسم هو بسمةٍ سا’خرة ثم قال:
_حلو إنك فتـ ـحتي حوار حـ ـقك دا، عشان أنا كمان مبسكوتش عن حـ ـقي.
عقدت ما بين حاجبيها وهي تنظر إليه تنتظر القادم مِنهُ وهي تعلمه تمام العلم ولَكِنّ تُريد سماعها حتى تنا’طحه وتعا’نده مِن جديدٍ، وصدقًا لَم يتأ’خر عنها وقال بنبرةٍ با’ردة:
_أنا كمان عايز حـ ـقوقي، أظن دا مفيهوش كلام وياما صبرت عليكِ وطاوعتك بس أنا فا’ض بيا ومبقتش حِـ ـمل أفعالك دي جبت أ’خري و “محمود” اللي كُنْتِ بتقوليله كلمة وتز’عقي فيه ويسكوت مبقاش موجود فأعملي حسابك بقى النهاردة.
أنهـ ـى حديثه ثم ترك ذراعها وتحرك تاركًا الغرفة لها بعد أن شعر بالضـ ـيقِ يحو’م حوله ليوقفهُ صوتها حينما أعطته الردّ قائلة:
_وأنا مش عايزة وسبق وقولتلك أنا مش مستعدة أبَو’ظ منـ ـظري وشكلي عشان خاطر سعتك، أنا لسه عند قراري.
ألتفت إليها بجـ ـسده ير’شقها بنظراته الحا’دة ليقول:
_متشوفيش نفسك أوي كدا بس أنتِ أصلًا عادية مش ملكة جمال إنجلترا يعني، وبعدين هي الهانم متعرفش إنها لمَ تر’فض بدون أعذ’ار الملايكة بيفضلوا يلعـ ـنوا فيها لحد ما توافق ولا مدرستيش د’ين قبل كدا؟.
حديثه هذه المرة كان قا’سيًا وبشـ ـدة فقد طـ ـعن أنو’ثتها وكبر’ياءها لأول مرة منذ زواجهما الذي دام عامين حتى يومنا هذا فالأن يجب أن يكون لديه طفلٌ صغيرٌ وهذا حـ ـقه ولَكِنّ هذه الحـ ـقيرة المدعوة في الأوراقِ زوجته تحر’مه مِن أبسط حـ ـقوقه فلا تأتي بعد فو’ات الأو’ان تبكي على اللبن المسكو’ب.
توجهت نحوه بخطى وا’سعة حتى وقفت أمامه مباشرةً وقد تو’سطت يديها خصرها وهـ ـدرت في وجهه بعلـ ـو صوتها قائلة:
_أنتَ بتقولي أنا الكلام دا؟ وبعدين مالي يا حبيبي كُنْت واخدني على عـ ـيبي لسمح الله ولا كُنْت ضر’بتك على إيدك عشان تتجوزني هو أنتَ كُنْت تطول أساسًا!.
_صوتك وأنتِ بتتكلمي معايا.
_لا مش هو’طي صوتي وهعـ ـليه كمان وكمان هتعمل إيه يعني، ولعلمك اللي فد’ماغك مش هيحصل لو عملت إيه حتى وأنا على مبدأي ومش هغيَّره عشان خاطر أرضي جنا’بك حلو كدا يا أستاذ “محمود”!.
هـ ـدر بوجهها بعلـ ـو صوته حتى وصل إلى البقية في المنزل حينما قال:
_صوتك بدل ما أعملها وأمـ ـد إيـ ـدي عليكِ بجد! … متر’جعيش تز’علي بقى لمَ أبُص بره هنا بقى أنا ليا أعذ’ار وحـ ـقي.
شهـ ـقت عا’ليًا بطريقةٍ سو’قية وقد لوَ’حت بيدها في الهو’اء قائلة بنبرةٍ عا’لية:
_ليه يا حبيبي كُنْت نا’قصة إيد ولا ر’جل عشان تبُص بره، طب أعملها وأنا يمين بالله ما هقعدلك فيها.
_ياريت واللهِ، عشان أنا قر’فت وز’هقت، دي بقت عيشة تقر’ف!.
صر’خ بها ثم تركها وخرج كما الإعصا’ر صا’فعًا الباب خـ ـلفه بعنـ ـفٍ تاركًا إياها، فيما كانت “نسمة” تجلس في غرفتها مع زوجها تستمع إلى شجا’رهما سويًا حتى أنتهـ ـى بصر’اخ “محمود” بعد أن طـ ـفح بهِ الكيـ ـل وخر’ج، نظرت إلى زوجها الذي كان حز’ينًا على حال ابن عمه محـ ـتقرًا تلك الحـ ـقيرة التي حتى الآن تر’فض وتكابـ ـر إعطاءه لحـ ـقوقه الشـ ـرعية.
زفـ ـر بعمـ ـقٍ ثم مسـ ـح بكفه على وجهه بهدوءٍ مستغفرًا ربه قائلًا:
_دي مستـ ـحيل تكون بني آدمة بجد، منها لله نكـ ـدت عليه على الصبح.
نظرت إليه “نسمة” والحز’نُ باديًا على تقا’سيم وجهها لأجل هذا الشقيق بالنسبةِ لها لتقول:
_بصراحة بقى هو غـ ـلطان، مخليها ليه على ذ’مته لحد دلوقتي؟ وهي قـ ـليلة الأد’ب عشان تر’فض بدون سـ ـبب وتقف تبجـ ـح وتقـ ـل فأد’بها عليه مش مراعية إن دا جوزها وواجب عليها تطـ ـيعه، ياريت يطـ ـلقها واللهِ ويشوف حياته وير’تاح البـ ـت دي لو فضلت معاه هتمو’ته.
_ربنا يقدمله اللي فيه الخير لِيه أنا عايزُه يكون مر’تاح واللهِ مش عاجبني حاله دا بس هنقول إيه بقى، ما باليد حـ ـيلة.
وافقته الرأي ثم سمعتهُ يقول حينما نهض أستعدادًا للخروج قائلًا:
_أنا هنز’ل أشوفه وأتطمن عليه وأنتِ خلصي وهتلاقيني تحـ ـت.
حركت رأسها برفقٍ إليه ليتركها هو ويرحل عازمًا على الذهاب إلى ابن عمه ومو’اساته فهو يعلم أنه طيب القلب ويستحق حياةٍ أفضل مِن هذه بكثير، ولأنه يعلم موقع جلوسه توَّجه إليه مباشرةً ليراه يجلس على المقعد الخـ ـشبي في الحديقة مستندًا بمرفقيه على قدميه متكـ ـئ الرأس، آ’لمه قـ ـلبه كثيرًا عليه ليتقدم مِنهُ بخطى هادئة حتى رافقهُ في جلستهِ مؤ’ازرًا إياه.
_وأخرتها يا “محمود”؟ لا طا’يل سما ولا أرض متشعـ ـلق زي اللي عليه حُـ ـكم مستني تنفـ ـيذه، ما تر’يح نفسك يا ابن الناس وتطـ ـلقها وتشوفلك غيرها ما’سك فيها كدا ليه وحاطط أملك فيها؟ متأ’خذنيش صوتكم كان جا’يب لأوضتي وسمعتكم أنا و “نسمة” وبصراحة أنتَ لازم تو’قفها عند حـ ـدها هي سا’قت فيها أوي وشايفة نفسها عليك ومهتمة بنفسها أكتر ما هي مهتمة بيك.
أنهـ ـى حديثه وهو ينظر إليه منتظرًا تلقـ ـي الإجابة مِن ابن عمه الذي ألتزم الصمـ ـت برهةً مِن الوقت دون أن يتحدث أو يفعل شيءٍ، حتى ر’فع رأسه ينظر إليه ليقول بنبرةٍ هادئة:
_ما هي مجايب أمي، قعدت تز’ن على د’ماغ اللي خـ ـلفوني وتجـ ـملها فعيوني لحد ما شـ ـيلت أنا الليلة فالآخر، مسأ’لتش نفسك “عامر” أخويا متجوزش ليه لحد دلوقتي؟ عشان عايزاه يتجوز اللي على مزاجها هي، جيباله عروسة وعمالة تقـ ـنع فيه ليل نهار وهو قا’فل د’ماغه معاها بالضـ ـبة والمفتاح وحالف يمين ما تكون واحدة على ذ’مته غير اللي عايزها هو، أمي بتجيب اللي شبهها يا “مـؤمن”، متفتكرش أبويا مبسوط معاها ولا الضحكة اللي بيضحكهالها قدامكم دي مِن قـ ـلبه، بالعكـ ـس أبويا أول ما يجيب آ’خره هير’مي عليها اليمين أبويا مش مر’تاح بس بيبينلنا العكـ ـس.
_والله يا ابن عمي كلنا عارفين وياما عمي “عدنان” الله يرحمه حذ’ره مِنها، قاله دي مش شبهنا ولا زينا دي واحدة ما صدقت تشوف دُنيا ويوم ما تشوفها هتشوفها عليك وكان عنده حـ ـق، كلامه صَدَ’ق دلوقتي كان لِيه نظرة فالناس وعارف طبعهم مِن نظرة عنيهم، بس ربنا أراد كدا بقى هنعمل إيه غير إننا نرضى يعني؟
نظر حينها “محمود” إليه برهةٍ مِن الوقت عينيه تصر’خ أ’لمًا وتطلب النـ ـجاة مِن هذا العذ’اب الذي تحـ ـمله بداخلها ليقول بنبرةٍ مليئةٍ بالو’جعِ:
_تعرف يا “مـؤمن” أنتَ زي “عامر” أخويا بالظبط ومبخـ ـبيش عليك حاجة، أنا قررت أديلها مُـ ـهلة شهر عشان أكون خلصت ذ’متي وضميري مِنها لو فضلت على حالها أنا هر’مي عليها اليمين بالتلاتة ومش هتر’دد وقتها ثانية واحدة، أنا زي اللعبة بقالي سنتين بينها هي وأمي كل ما كُنْت بقرر أخد مِنها مو’قف أمي تمنـ ـعني وتقولي معلش خُدها واحدة واحدة، معلش مش متعودة، أصلها مُحـ ـرجة وأنا كُنْت بقول حاضر واسكوت، بس دلوقتي بجد تـ ـعبت لمَ قعدت حسبتها مع نفسي لقيتني غـ ـلطان … أنا مخدتش ر’دّ فعل شـ ـديد معاها عشان كدا هي بتشوف نفسها عليا وأقسم بالله لولا إني تربية الحج “عماد المحمدي” كُنْت مد’يت إيـ ـدي عليها، بس مينفعش وواخد عهـ ـد على نفسي وقدام ربنا إن إيـ ـدي متتـ ـمدش عليها، مش عايز بسـ ـببها أخو’ن العهـ ـد.
أخذ “مـؤمن” نفـ ـسًا عمـ ـيقًا ثم زفـ ـره بعـ ـمقٍ لينظر إليه قائلًا بنبرةٍ هادئة ورز’ينة:
_عشان تكون عملت اللي عليك لحد الآخر ويوم ما أبوها ييجي يفـ ـتح بوقه معاك تعرف تكتـ ـمه أعمل زي ما قولت وأصبر عليها شهر وخلاله حاول تجيبها بالحنية جايز ربنا يهـ ـديها وترضى، لَكِنّ لو صـ ـممت على اللي عايزاه بقى وقتها أنتَ محدش هيقدر يلو’مك أنتَ مِن حـ ـقك تخـ ـلف وتعمل أسرة متضـ ـيعش عُمرك مع واحدة مبتقدركش يا ابن عمي … رَوَق كدا وقوم روح لابن عمك أتطمن عليه وأقعد معاه شوية واللهِ لترجع مِن عنده مبسوط والضحكة منوَّ’رة وشك، حاول تقرَّب مِنهُ صدقني “چـو” طيب أوي شبه عمي الله يرحمه وقعدته لذيذة، متعملش زي أخوك الأهـ ـبل دا.
_بحاول واللهِ يا “مـؤمن”، عمومًا هروحله دلوقتي سايبهالها مخـ ـضرة عشان مش طا’يق أقعد فالمكان اللي فيه دلوقتي حاسس إني لو شوفتها ببرو’دها دا هبطـ ـحها بأي حاجة فد’ماغها أجيب أجـ ـلها.
ضحك حينها “مـؤمن” على حديث ابن عمه وما وصل إليه فِكره ليربت بكفه فوق كتفه برفقٍ يو’اسيه ويدعمه مبتسم الوجه، فيما نظر إليه “محمود” وأبتسم وقد حضر هذا المجلس “عامر” الذي أقترب مِن أخيه ليطمئن عليه ويستفسر مِنهُ عمَّ حد’ث بينه وبين زوجته ليُعيد حديثه عليه هو الآخر شا’رحًا الأمر فيما كان الآخر منصتًا إليه بأهتما’مٍ دون أن يقا’طعه.
________________________
<“مـ ـكرُ الأنثـ ـى وسطـ ـوة الر’جُل والأنتصا’ر مازال جا’هلًا لرفيقه.”>
كانت تقف في المطبخ تُعد الفطور والضـ ـيق باديًا على معالم وجهها فمنذ أمسٍ تنفرد بعيـ ـدًا عن زوجها الذي كان ير’مقها بين الفينة والأخرى نظرةٍ ذات معنى سا’خرة ففي النها’ية ستلو’مه كما أعتاد دومًا، كانت تقوم بتجهيز الغداء في نفس الوقت فمازال هُناك أشياءٌ أخرى تنتظرها في الخارج ولذلك أرادت أكتساب الوقت، ولج إليها بخطى هادئة ينظر إليها وإلى ما تفعله ليتقدم مِن الثلاجة فا’تحًا بابها يشمل ما بداخله ببصره حتى ألتقـ ـط صحنًا بهِ شطائر الخبز المحشو باللحـ ـم ليلتقفه بكفه مغـ ـلقًا الباب مِن جديد.
وضعه بصحنٍ آخر ثم وضعه داخل الميكروويف وقام بتشغيله منتظرًا إياه أن ينضج وهي بجواره تتجا’هله عن عمـ ـدٍ، أستند على الثلاجة بظهرهِ ونظر إليها قائلًا:
_واللهِ؟ وآخرتها إيه لاو’ية البو’ز دي إيش حال لو ما كُنْتيش غلطا’نة بقى كُنْتِ قا’طعتيني يعني؟.
_أنا مبتكلمش معاك وياريت متوجهليش كلام.
نـ ـطقت بها بنبرةٍ با’ردة وهي تقوم بتقطـ ـيع البصل لير’فع هو حاجبه عا’ليًا وهو ينظر لها ليقول متهـ ـكمًا:
_لا واللهِ؟ دا إيه شغل العيال دا ولمَ أحتاج حاجة أقولك أزاي إن شاء الله؟.
_أبعتلي مسدج على الواتساب.
أستفـ ـزه ردّها بشـ ـدة ليقترب مِنها ممسكًا بذراعها يُديرها نحوه لتُصبح في مواجهته ليقول مغتا’ظًا:
_نعم يا رو’ح خالتك؟ “فاطمة” جـ ـنان مش عايز أعـ ـقلي أنا مغـ ـلطش معاكِ بالعكـ ـس أنتِ اللي غـ ـلطتي.
ر’مقتهُ مجـ ـحظة العينين لا تصدق ما تسمعه ليقول هو بقو’ةٍ:
_آه إيه بتبُصيلي كدا ليه؟ خدتي إذ’ني قبل ما تنزلي؟ نازلة ليه تبعـ ـبعي فخنا’قة رجا’لة مش فاهم؟ نبـ ـهت عليكِ قبل كدا وقولتك بلاش تهو’راتك دي يا “فاطمة” مسمعتيش الكلام وبرضوا بتعملي اللي فد’ماغك هو أنا طرطو’ر هنا يعني كلامي مبيتسمعش؟ طبيعي هعاملك بالمنظر دا مش هسقفلك يعني.
أشا’حت ببصرها بعـ ـيدًا عنهُ دون أن تتحدث وتُجيب على حديثه لتسمعه يتحدث مِن جديد بنبرةٍ هادئة عن سابقتها حينما قال:
_”فاطمة” أنا آه بحبك وكل حاجة وواخد على تلقائيتك بس في أوقات مينفعش فيها التهو’ر دا يرضيكِ وقتها يتقال عليا كلمة مش كويسة؟ لمَ واحد ملهوش لازمة يقولي مش عارف تُحـ ـكم مراتك؟ هتقبلي يتقال فحـ ـقي كلمة زي دي؟.
حينها عادت تنظر إليه بعدما لانت معالم وجهها تُفكر في حديثه لتُحرك رأسها تنفـ ـي ما قاله ليقول هو:
_طب إيه بقى نبقى عا’قلين ونسمع الكلام ونبطـ ـل قرارات مجـ ـنونة ولا نكمل فالجـ ـنان دا بس ساعتها مش هتشوفي مِني غير الجـ ـنان على حـ ـق وأنتِ عارفاني أجَـ ـنّ مِنك ومِن اللي خـ ـلفوكِ.
أبتسمت إليه “فاطمة” وهي تنظر إليه لتشاكـ ـسه كما المعتاد بعدما ضر’بته برفقٍ على كتفه قائلة بنبرةٍ بها بعض الدلال:
_ما أنا عارفة مش محتاجة يعني تقولي شوفته كتير.
أبتسم إليها بسمةٌ عا’بثة ليحاوط خصرها بذراعيه قائلًا بخـ ـبثٍ:
_طب إيه؟ نختار العقل، ولا الجـ ـنان؟.
_عقـ ـل إيه يا خويا خدنا مِنُه إيه يعني، خلينا فالجـ ـنان شوية على الأقل نفرفشلنا شوية.
أعجبه ردّها كثيرًا ولذلك بدأ يدغدغها بخبـ ـثٍ لتعـ ـلو ضحكاتها الرنانة تملئ المكان ويتغلغـ ـل إلى أذنيه يُطربها ليُز’يد مِن دغدغتها أكثر لتز’داد ضحكاتها أكثر وتقول مِن بينهن بأنفا’سٍ لا’هثةٍ:
_خلاص يا “لؤي” مش لدرجة إنك تمو’تني.
أجابها مبتسم الوجه دون أن يتو’قف قائلًا:
_مش بتحبي الجـ ـنان؟ أنا بقى بعشـ ـقه هو واللي يحبّه.
_يا را’جل خلاص همو’ت مِنك مش كدا مش قا’درة أخد نفـ ـسي.
توقف عمَّ كان يفعله ليراها تُحاول أخذ أنفا’سها الها’ربة وهي تنظر إليه لتراه ينظر لها مبتسم الوجه ليقوم بلثم وجنتها المتوردة ثم قال:
_كدا نبقى متصا’فين ومش هنكرر عملتنا تاني.
نظرت إليه مبتسمة الوجه لتُلثم وجنته هي الأخرى قائلة:
_خلاص هتجـ ـنن هنا بره البيت لا هحاول أبقى عا’قلة … بس يا “لؤي” هما اللي بيستـ ـفزوني وبيخر’جوني عن شعوري.
_ما أنا ساعتها هتلاقيني جايبك مِن شعو’رك وأنتِ ونصيبك ساعتها، “فاطمة” أنتِ أديتيني كلمة.
أتسـ ـعت أبتسامتها وهي تنظر إليه لتقول بنبرةٍ ضاحكة:
_خلاص بقى طالما أديتك كلمة يبقى خلاص خُدها ثقة.
حرك رأسه برفقٍ ليراها تُعانق شطري وجهه بكفيها تنهال عليه بالقْبّلات ليتفا’جئ هو مِن فِعلها ذاك ليقول:
_في إيه بـ ـنت المجا’نين حد يخـ ـض حد كدا برضوا؟
أبعـ ـد يديها عن وجهه حينما أشتـ ـم رائحة البصل وكذلك حينما أنتقـ ـل إلى عينيه اللتان بدأت بزرف العبرات وإحتـ ـلال الحر’قان بداخلهما ليضع كفيه على عينيه قائلًا:
_يا “فاطمة” حر’ام على أبو’كِ يا شيخة هتعـ ـميني بالبصل دا مش كدا.
نظرت إليه مبتسمة الوجه لتقول بتـ ـلهفٍ:
_بعد الشـ ـر عليك يا حبيبي متقولش كدا، روح طيب أغسل وشك وهتهـ ـدى.
_هروح فين هو أنا شايف حاجة يا سـ ـت أنتِ مش قا’در أفتـ ـحها.
نا’طحها في الحديث لتُبعـ ـد هي كفيه عن عينيه ترى عبراته التي تسـ ـقط على صفحة وجهه لتصطحبه إلى المرحاض برفقٍ، فتـ ـحت صنبور المياه ليبدأ هو بغسل وجهه مراتٍ متتالية أسـ ـفل نظراتها حتى أنهـ ـى ذلك بعد دقائق ليسـ ـحب المنشفة ويبدأ بتجـ ـفيف وجهه جيدًا أسـ ـفل نظراتها إليه ليُبعـ ـد المنشفةِ أخيرًا عن وجهه وهو يُطا’لعها بنظرةٍ حا’دة لتجـ ـحظ عينيها قليلًا وهي ترى إحمـ ـرار عينيه.
فيما تعجب هو مِن نظراتها إليه ولذلك وجه بصره نحو المرآة تزامنًا مع ركض “فاطمة” إلى الخارج هر’بًا مِنهُ ومِمَّ سيفعلهُ بها بعد قليل ليرى الحُمـ ـرة تكتسي عينيه ولذلك أخذ نفـ ـسًا عمـ ـيقًا ثم زفـ ـره قبل أن يصر’خ بها متوجهًا إلى الخارج يبحث عنها لينقلـ ـب الأمر ويُخر’ج هو جـ ـنونه عليها هذه المرة متو’عدًا إليها.
______________________
<“مَن كان يظن أنه ذكيًا أصبح محط الأنظار اليوم.”>
يجلس خـ ـلف مكتبهِ يُد’خن سيجارته وبصره يأتي ويذهب مع المارين أمامه فبعد أن كان يظن نفسه ذكيًا بالأمس اليوم أصبح محط للأنظار ومصدرًا للسخر’ية مِن بعد الأعوان التابعين إلى “يـوسف” بالنسبةِ إليه، تقدم مِنهُ “حـد’يدة” وجلس بجواره قائلًا:
_قال الكلام اللي وصلي دا يا “فـتوح”؟ الو’اد المفعـ ـوص اللي لا راح ولا جه دا عَلِـ ـم عليك إمبارح وخر’ج مِن الشقة زي القر’د؟ جرى إيه يا “فـتوح” بدأنا نخيـ ـب ولا إيه يابا صحصح معايا الله لا يسيـ ـئك.
ر’مقه “فـتوح” بطر’ف عينه نظرةٍ قا’تلة لبرهةٍ مِن الوقت قبل أن يقول بضـ ـيقٍ:
_أصـ ـطبح، أصـ ـطبح عشان خُـ ـلقي فمناخيري مِن إمبارح ومش طا’يق دبا’ن وشي.
_وأنا مالي يا عم حد قالك إني أديته المفتاح؟ هو عارفك كويس وعشان كدا كل ما تفكر تحـ ـط عليه طا’ق يحط عليك ٢٤ قيراط، فكر بعـ ـقل شوية يا ابو مـ ـخ مفو’ت.
نظر إليه “فـتوح” حينها نظرةٍ ذات معنى لدقائق معدودة قبل أن يقول:
_أزاي يعني مش فاهم؟ بتفكر فإيه يا ابو مـ ـخ شيطا’ن أنتَ.
أبتسم إليه “حـديدة” بسمةٌ خبـ ـيثةٌ للغاية ثم قال بنبرةٍ يخـ ـفي خلفها الكثير والكثير:
_صحصح معايا وبعون الله الوا’د دا مش هيبقاله عيـ ـن يقعد فالحارة دي تاني.
أستطاع “حـد’يدة” جذ’ب إنتبا’ه صديقه حينما بدأ يقـ ـص عليه ما ينتوي عليه بعد أن خـ ـطط ودرس الأمر طو’ال الليل جيدًا ليأتي بتلك الفكرة الجهـ ـنمية التي بالتأكيد ستقـ ـضي على “يـوسف” تمامًا وإلى الأبد حتى أنهـ ـى حديثه قائلًا بتخا’بثٍ:
_ها يا عمنا مش فكرة حلوة برضوا وتستا’هل؟
نظر إليه “فـتوح” مذهولًا لبرهةٍ مِن الوقت قبل أن يبتسم مُبديًا إعجابه الشـ ـديد بأفكار رفيقه ليقول:
_جدع ياض يا “حـديدة”، فكرة شيطا’نية تستاهل مكا’فئة عليها واللهِ، ليك عليا ياض لو ظبطت المرة دي لنغـ ـنغج، نخلـ ـص بس مِنُه على خير الأول وبعدها يحلها المولى.
تخـ ـطيطٌ شيطا’ني يُدَّ’رس للتخلـ ـصِ مِن هذا الشا’ب الذي حظى بمكانةٍ كبيرةٍ في قلو’ب أهل هذه الحارة فقد كان غريبٌ بها أمسٌ واليوم أصبح أبنٌ لها ير’عاها ويقف أمام عد’وه النـ ـد بالنـ ـد دون أن يها’بُ أحدٍ مِنهم، واليوم يتم التخـ ـطيط إليه للتخلـ ـصِ مِنهُ مهما كلفهم الأمر فلن يتر’كوه أكثر مِن ذلك فمِن منظورهما يظنان أنهما الأكثر أحقـ ـية بتو’لي هذا الدور بدلًا عنه … ولَكِنّ هل يوجد حا’كمٌ مليءٌ بالفسا’د كهذا الشا’ب الذي يُخـ ـطط حتى الآن لز’ج هذا عن طريقه إلى الأبد ويحتـ ـل مكانته دون وجه حـ ـقٍ؟.
يبدو أن الجميع سيشهد حر’بًا عظيمة ستجمع كلايهما مرةٍ أخرى فالحر’بُ بينهم لا تنتهـ ـي سوى بمو’ت واحدٍ مِنهم وفوز أحد الطر’فين، لا أحد يعلم ما يتم تخـ ـطيطه سوى المولى عز وجل ولذلك هو عليمٌ بهم ويعلم ما يكمُن داخل نو’اياهم سواه.
في مـنزل “يـوسف”.
كان يجلس في غرفة المعيشة على الأريكة يتحدث في الهاتف وتجلس صغيرته الحبيبة داخل أحضانه هادئةً كعادتها، خرجت “بيلا” إليه حتى تتحدث معهُ لتراه مازال يتحدث في الهاتف للمرةِ التي لا تعلمها ولذلك شعرت باليأ’س مِن جديد يرافقها لتلتفت مِن جديد عائدةً إلى المطبخ ليوقفها هو حينما قام بتحريك المقعد الصغير الخاص بطفلتهِ بقد’مه لتلتفت هي مِن جديد تنظر إليه لتراه يُشير إليها بعينيه للجلوس.
وبالفعل لبـ ـت إليه مطلبهِ وعادت لتجلس على المقعد المجاور إليه تنتظره حتى ينتـ ـهي تنظر بين الفينة والأخرى إلى صغيرتها التي باتت تلتزم الصمـ ـت مؤ’خرًا بطريقةٍ عجيبة مِمَّ أثا’ر ذاك حفيظتها لتجعلها تسأل نفسها العديد مِن الأسئلة التي تجـ ـهل إجابتها حتى الآن، دقائق أخرى مرَّت لتراه أصبح منصـ ـبًا بتركيزه معها قائلًا:
_خير يا “بيلا” شايفك رايحة جاية عليا كل شوية وأنا بتكلم، عايزة تقولي إيه أنا سامعك أهو.
نظرت إليه قليلًا ثم حاولت تهـ ـدأة نفسها خو’فًا مِن الإجابة التي ستتلقاها قائلة:
_كُنْت محتاجة أقولك على حاجة، بس بصراحة خا’يفة تر’فض.
عقد ما بين حاجبيه ونظر إليها نظرةٍ ذات معنى وقال متسائلًا:
_عايزة تقولي إيه؟ وخا’يفة ليه أنا هعـ ـضك يعني قولي.
أبتـ ـلعت غصتها بتروٍ وهي تفـ ـرك كفيها ببعضهما البعض أسفـ ـل عينيه التي كانت تتابعها بهدوءٍ متعجبًا مِن حالتها تلك ليقول:
_ما تقولي يا “بيلا” هو أنا ها’كلك، في إيه؟.
_بصراحة جايلي شغل دلوقتي محتاج يخلص خلال أسبوعين ودي فرصة كبيرة لأني هعمله لناس كبا’ر وأختاروني بعد ما شافوا شغلي.
ألقـ ـت بحديثها د’فعةٍ واحدة في وجهه وأشا’حت ببصرها بعـ ـيدًا عنه خـ ـشيةً مِن رد’ود أفعاله، أما عنه فكان هادئًا كما هو لَم يفعل شيءٍ فقط ينظر إليها بهدوءٍ غير عادي ليز’داد تو’ترها أكثر وتعـ ـلو معها نبـ ـضات قلبها لتنظر إليه بتر’ددٍ وهي تدعو بداخلها أن يوافق لتراه ينظر لها مبتسم الوجه لتبدأ تهـ ـدأ قليلًا حينما رأت عكـ ـس ما كانت تظن لتبتـ ـلع غصتها بتروٍ ثم حاولت تما’لُك نفسها لتقول بنبرةٍ متو’ترة بعض الشيء:
_قولت إيه يا “يـوسف”؟ موافق صح؟.
_عايزة الصراحة ولا أختها؟.
_لا طبعًا الصراحة.
أجابته مبتسمة الوجه والتو’تر باديًا على معالم وجهها ليعتدل في جلستهِ بهدوءٍ ناظرًا إليها بهدوءٍ برهةً مِن الوقت قبل أن يقول:
_لا مش موافق.
حسنًا ما كانت تخـ ـشاه قد حدث بالفعل فقد ضر’بها في مقـ ـتلٍ بحديثه ذاك فلَم ير’فض مسبقًا على عملها لِمَ هذه المرة قد ر’فض على الرغم أن العرض المقدم إليها ليس بالشيء الهين لتعتدل في جلستها مقتربةً مِنهُ قليلًا وهي تنظر إليه قائلةً:
_ليه يا “يـوسف”؟ مش موافق ليه دي فرصتي.
_وأنا مش موافق، ومش هوافق حتى لو دفعولك ملايين يا “بيلا”.
أجابها بنبرةٍ هادئة حتى لا تستمع أبنتهما إلى شيءٍ وهو ينظر إليها نظرةٍ جا’دة لتحاول هي معرفة سـ ـبب ر’فضه ذاك قائلة:
_أيوه ر’افض ليه قولي أسبا’بك متقوليش ر’افض وتسكوت أنا مصدقت الفرصة دي تجيلي تحر’مني مِنها ليه يا “يـوسف” دلوقتي وأنتَ عارف أنا بتـ ـعب قد إيه عشان خاطر أوصل للحظة دي، ليه قولي؟.
_عشان أنا مش مر’تاح للشغل دا يا “بيلا”، مش مقتنع ناس زي دي يكلموكِ أنتِ مخصوص ويعرضوا عليكِ مبالغ كبيرة بالشكل المر’يب دا، الموضوع دا مش داخل د’ماغي ومش مر’يحني ورا’فضه بشكل قا’طع وتقدري تر’فضي عادي محدش هيجبـ ـرك على حاجة.
ر’مقته وهي لا تصدق ما تسمعه وتراه فبالتأكيد هو يمزح معها الآن، فهو أكثرهم علمًا أنها كانت تنتظر هذه الفرصة على أحـ ـر مِن الجمـ ـر وحينما تأتي إليها الآن ير’فضها هو بكل بساطةٍ ويُسرٍ هكذا متحـ ـججًا بعد’م أرتيا’حه لهذا العمل، أبتـ ـلعت غصتها وقالت:
_يعني إيه؟ تقصد إيه بكلامك دا يا “يـوسف”، هو أنتَ شايفني قـ ـليلة ومش قد المقام؟.
_لا أنا مقصدش كدا.
نفـ ـى حديثها سريعًا دون تفكيرٍ وهو ينظر لها لتجاوبه هي بعدما فقـ ـدت السيـ َطرة على نفسها قائلة بضـ ـيقٍ:
_لا تقصد كدا، معنى كلامك كدا ملهوش تفسير تاني، وبعدين أشمعنى جاي تر’فض دلوقتي ما أنا أشتغلت مع غيرهم وأنتَ معتر’ضتش أشمعنى المرة دي بقى إلا إذا كُنْت غيرا’ن بقى.
ر’مقها نظرةٍ قا’تلة بعدما أستمع إلى حديثها ذاك والذي بالتأكيد لن يمر مرور الكرام عليهما ليوجه حديثه إلى أبنـ ـته دون أن يُحيـ ـد بنظره عن الأخرى قائلًا:
_”ليان” خُشي أوضتك دلوقتي يا حبيبتي عشان محتاج أتكلم مع ماما شوية ممكن؟.
لبـ ـت الصغيرة مطلب أبيها وذهبت بالفعل إلى غرفتها مغـ ـلقةً الباب خلـ ـفها بهدوءٍ تاركًا والدها في مواجهة والدتها في حربٍ مشتعلة بينهما الآن، لحظات مِن الصمت دامت بينهما قطـ ـعها “يـوسف” الذي قال بنبرةٍ حا’دة وعالية:
_أعتر’اضي لأسبا’ب تانية خالص يا هانم، مش عشان غير’ان والهـ ـبل دا هغـ ـير مِنك فأيه إن شاء الله ومِن أمتى أنتِ بتفكري فيا بالطريقة دي؟ أنا أكتر واحد بيتمنى يشوفك ناجحة وليكِ مركزك، أنا أكتر واحد كُنْت دا’عم وسند ليكِ وعُمري ما غيرت مِنك ولا مِن نجاحك فو’قي وأعرفي أنتِ بتقولي إيه ولمين … أنا اللي وقفت جنبك وخليتك تكملي تعليمك رغم إن ظروفي كانت ز’فت وكُنْت كل يوم بنام ود’ماغي فيها مليون حاجة هتحصل فاليوم اللي بعده ويوم تخر’جك أنا أكتر واحد كان مبسوط بيكِ وشايف نفسه فيكِ وقولتلك أنا أو’لع المهم عندي أنتِ، جاية بعد دا كله تقوليلي إني غيرا’ن مِنك ومِن نجاحك فشغلك!.
فقد قد’رته في السيـ ـطرة على غضـ ـبه فحينما رأى تفكيرها المخـ ـتل ذاك كان يجب عليه أن يرد’ع فكرها ذاك وبقو’ة حتى وإن أصبح عنيـ ـفًا معها فحينما رأى نظرتها إليه جُـ ـنَّ جـ ـنونه ولَم يستطع تما’لُك نفسه وأفر’غ غضـ ـبه بها حتى أشـ ـتد عليه جر’حه وآ’لمه ليتأ’وه بصوتٍ حا’د وهو يضع كفه على موضع الآ’لم وقد إنكمـ ـشت معالم وجهه أ’لمًا.
وقد أستفاقت هي على صوته المتأ’لم ولذلك أقتربت مِنهُ حتى تطمئن عليه منـ ـعها هو حينما أبعـ ـدها عنهُ قائلًا بصوتٍ حا’د متأ’لم:
_متقربيش مِني أبعـ ـدي مش عايز مِنك حاجة.
في هذه اللحظة خرجت “شـاهي” مِن غرفتها بعدما كانت تحاول مـ ـنع نفسها مِن التدخل بينهما حتى لا يفسـ ـد الأمر ولَكِنّ عند هذه النقطة خر’جت مقتربةً مِنهما لتطمئن على و’لدها الذي كان يتأ’لم قائلة بنبرةٍ مليئة بالقـ ـلق:
_مالك يا حبيبي إيه اللي حصل؟ ماله يا “بيلا” في إيه؟.
وجهت سؤالها إلى الأخرى التي كانت تنظر إلى زوجها الذي ير’فض أقترابها الآن لتحاول للمرةِ الثانية الأقتراب مِنهُ ليمـ ـنعها هو مجددًا حينما د’فع يدها بعـ ـيدًا عنه لتلاحظ “شـاهي” تو’ترت الأجواء بينهما لتنظر إلى “بيلا” ممسـ ـكةً بكفها دون أن تتحدث لتنظر لها الأخرى ترى نظرتها لها لتنقل بصرها إلى زوجها الذي ينظر بعيـ ـدًا عن مر’ماها لتبدأ في الأبتعا’د عنهُ بخطى هادئة دون أن تتحدث.
جلست “شـاهي” بجواره على الأريكة تنظر إليه لتضع كفها على كتفه والآخر تُمسك بهِ كفه لتقول بنبرةٍ هادئة:
_حا’سس بإيه يا حبيبي؟ قولي.
_و’جع شـ ـديد أوي، سكا’كين بتتغـ ـز فيا مش قا’در.
أجابها بنبرةٍ متأ’لمة فيما كانت تمـ ـسح هي بكفها على كتفه ثم تركته وذهبت لتجلب لهُ دواءه وقد أخذت “بيلا” معها حتى لا يز’داد الأمر سو’ءًا بينهما تاركةً و’لدها الذي كان يُحاول تهـ ـدأة نفسه وتهـ ـدأ هذا البر’كان المشحو’م بداخله فحديثها أشـ ـعل فتيـ ـلة غضـ ـبه لا شـ ـك في ذلك.
ولجت “شـاهي” إلى الغرفة ومعها “بيلا” التي رأتها تلتفت إليها تنظر لها لبرهةٍ مِن الوقت قبل أن تقول:
_خليكِ هنا دلوقتي هو متعـ ـصب دلوقتي وهيعـ ـقد الدنيا أكتر بينكم، سيبيه لحد ما يهـ ـدى وبعدين هنتكلم، أنا هخرجله العلا’ج وأتطمن عليه وهجيلك لينا كلام سوى.
أنهـ ـت حديثها وأبتسمت إليها بسمةٌ هادئة ثم تركتها وخرجت إلى و’لدها تاركةً الأخرى تنظر في أ’ثرها بهدوءٍ قليلًا قبل أن تجلس على طر’ف الفراش تنظر في نقطةٍ فا’رغة فلَم تقصد أن تقول مثل هذه الكلمات إليه هو خصيصًا، مسـ ـحت بكفيها على خصلاتها وزفرتٍ بعـ ـمقٍ متمنيةً أن تقوم حماتها بإصلا’ح الأمر بينهما.
عادت إليه بالدواء وجاورته في جلستهِ تبدأ بإعطاءه الدواء وهي تُسمي بالله وتدعو إليه بالشفاء عمَّ قريبٍ وهي تنظر إليه بهدوءٍ حتى أخذ هو دواءه وترك الكوب دون أن يتحدث، زفـ ـر بعمـ ـقٍ ومِن ثم مَدَّت ذراعيها تضمه إلى أحضانها ممسدةً بكفها على خصلاته بحنوٍ وقد ألتزمت الصمـ ـت إجابةً على ما حدث بينه وبين زوجته منتظرةً أن يهـ ـدأ قليلًا حتى تستطيع التحدث معهُ كيفما تشاء.
_______________________
<“السقو’ط ليس فشـ ـلًا مِنا قدر ما هو غبا’ءٌ مِنكم.”>
كان يجلس وحيدًا في الحديقة شارد الذهن كالمعتاد، لا يُفكر في شيءٍ فرأسه هذه الأيام فا’رغةٌ تمامًا مِن أي شيءٍ يُمكن أن يُعـ ـكر صفوها، تقدم مِنهُ والده بخطى هادئة حتى جاوره في جلستهِ ينظر حوله دون أن يتحدث، فيما نظر إليه “عامر” بطر’ف عينه دون أن يتحدث ثم أشاح بصره بعيـ ـدًا منتظرًا سماع ما سيقوله أبيه.
فيما كان “عماد” هادئًا للغاية ملتزمًا الصمـ ـت ما يقارب الخمس دقائق حتى شعر بالمـ ـلل ولذلك قطـ ـع هذا الصمـ ـت القا’تل حينما قال:
_أنا جاي أتكلم معاك شوية، بما إنك را’جل دلوقتي ووا’عي وفاهم الدنيا حواليك ماشية أزاي فواجب لمَ تلاقي حد بيتحـ ـكم فيك وبيفر’ض رأيه عليك تو’قفه عند حـ ـده وتمنـ ـعه وتمشي اللي شايفُه أنتَ صح، أ’مك مش هيهـ ـدالها بال غير وهي مجوزاك اللي على مزاجها وأديك شايف أخوك أهو كل يوم متنـ ـكد عليه ومش عارف يعيش حياته صح ولا عارف يتعامل معاها، حر’ماه مِن كل حاجة حتى حـ ـتت العيل اللي أي واحد فالدنيا دي بيتمناه، عشان كدا عايزك تتمـ ـسك بقرارك يا “عامر” ومتسمعش كلامها أ’مك هتد’مركم دي مبيفر’قش معاها حد قد نفسها.
زفـ ـر “عامر” وشبـ ـك أصابعه ببعضهم البعض مستنـ ـدًا بمرفقيه على قدميه قائلًا:
_عارف يا بابا وفاهم كل كلمة بتقولها وأنا لسه عند قراري ومش هغيَّره لو عملت إيه حتى، يا أتجوز اللي بحبها وعايزها يا متجوزش خالص، بعدين أنا مش فاهم هي بتتحـ ـكم فينا كدا ليه؟ إحنا رجا’لة يا بابا مش بنا’ت هتفـ ـرض رأيها عليهم، صدقني أنا بجد على أ’خري ولمَ شوفت “محمود” أخويا بالحالة دي تـ ـعبت أوي وأتو’جعت عشانه، مش عايز أبقى مكانه يا بابا أنا عايز أختار أنا دي حياتي وأنا حُـ ـر فيها مش معقول الجَـ ـو دا بجد دي غر’يبة أوي.
_أنا فاهم وعارف كويس الكلام دا كله يا ابـ ـني، وعشان كدا أنا بقولك خليك زي ما أنتَ، لحد ما نشوف كلام مين فينا اللي هيمشي وساعتها متجيش تز’عل، أنا حال أبـ ـني الصغير مش عاجبني وعمال أفكر طول الوقت فيه تا’عبني معاه.
نظر إليه “عامر” ثم مدَّ كفه نحو كف أبيه ممـ ـسكًا بهِ مشـ ـددًا مِن ضمته إليه ليرى أبيه ينظر إليه منتظرًا سماع ما سيقوله، وللحـ ـق هو لَم يتأ’خر عليه كثيرًا حيثُ أخرج ما يكمُن داخل جَبـ ـعته إليه، أراد البو’ح عمَّ يكمُن بدا’خله فهو عنيـ ـدٌ وإن لَم يفعل ما يحلو لهُ هو فتـ ـبًا للجميع حتى وإن كانوا أقرب الأقربين إليه، إن كانت والدته تظن أنها بذلك ستجعله يرضـ ـخ لها فبأحلامها فهو لَن يفعل ذلك مهما كلفه الأمر.
أبتـ ـلع غصته بتروٍ ليقول بنبرةٍ هادئة بعض الشيء:
_أنا مش هتجوز غير “أمل”، ولو طولت أتجوزها غصـ ـب عن أمي هتجوزها وتعمل اللي تعمله بقى مش هتفر’ق معايا وقتها.
_حلو يا أستاذ “عامر”، حلو، وإيه كمان؟.
هكذا جاء صوتها مِن خـ ـلفهما ليلتفتا سويًا على أ’ثره ينظران إليها دون أن يتحدث أيٌ مِنهما ليرى كلاهما الغـ ـضب والشـ ـرار يتطا’يران مِن مُقلتيها نحوهما وخصيصًا إلى و’لدها الذي أتخذ البر’ود رفيقًا إليه في هذه اللحظة لتصبح نظراته إليها با’ردة كلو’ح الثـ ـلج لا يهـ ـتم لها ولِمَ تقوله ليعود جالسًا كما كان مو’ليًا ظهره إليها قائلًا:
_هتجوزها وهاخد شقة بره وأعيشها فيها معـ ـززة مكـ ـرمة، مضمنش أجيبها هنا ألاقيكِ كل يوم مبهـ ـدلاها … دا أنا مش بعـ ـيد ألاقيكِ مشغلاها خد’امة عندك أنتِ والسـ ـت “تماسي”، مراتي تاج على راس الكل واللي معتر’ض يخـ ـبط را’سه فالحيط أنا خلاص خدت قراري، فرحي على “أمل بهيج” الشهر الجاي.
مفاجآتٌ صا’دمة وأحاديثٌ كثيرة معـ ـقدة لا يستطيع عقـ ـلها إسعا’فها لأستيعا’ب كم هذا الهجو’م عليها، تشعر وكأن مطر’قةً تسـ ـقط بشكلٍ مستمرٍ على الحد’يد السا’خن، بالتأكيد هي تحلُم فستكون كا’رثةٌ فجـ ـة عليها إن فعل و’لدها ما يقوله هذا بالتأكيد هي مزحة، نقـ ـلت بصرها إلى “عماد” الذي كان راضيًا عن حديث و’لده والنظرات الشا’متة والمتحد’ية تُرسَل لها عن طريقه ليجُـ ـنَّ جـ ـنونها كالمعتاد وتتقدم مِنهما بخطى وا’سعة تقف أمامهما وهي تر’شقهما بنظراتها قائلة بنبرةٍ حا’دة تهـ ـدر في وجهه قائلة:
_أسمع يالا الكلمتين دول عشان مش هكررهم تاني مفيش جواز مِن بنـ ـت الشحا’ت دي، جوازك مِنها على جـ ـثتي ومش هتتجوز غير اللي أنا جيباهالك وبس فاهم ولا لا ولو ر’فضت لا أنتَ ابـ ـني ولا أنا أعرفك وهغـ ـضب عليك ليوم الدِّ’ين … قرر.
_بس أنا مش عايز غيرها هي، ولو سمحتِ متغـ ـلطيش فيها قدامي تاني عشان أنا مبحـ ـبش حد يقول فحـ ـقها كلمة مش كويسة حتى لو كان أنتِ.
و’لدها يُعا’رضها ويقف أمامها النـ ـد بالنـ ـد متمسكًا بتلك الفتا’ة كانت بالنسبة إليه أمله في العيش مرةٍ أخرى بعدما تد’مرت أحلامه بفعل والدته، لن يتخـ ـلى عنها مهما حد’ث حتى وإن حا’رب العالم أجمعه لأجلها فلأجل عينيها تُكرم، فيما هو أنتصـ ـب في وقفته أمامها ينظر إليها نظرةٍ با’ردة وكأنه لَم يقل شيئًا ليراها مازالت تتحـ ـداه لتقول بتكبـ ـرٍ وأستعلا’ء:
_حلو، أنتَ اللي أخترت بقى والقرار فإيدك … يا أنا يا البـ ـت دي.
إن كان الخيلُ يخر’ج عن طو’عية خيَّا’له فوَجَبَ عليه تر’ويضه حتى لا يتحـ ـداه مرةٍ أخرى، وعنه فكان خيلٌ حُـ ـر ير’فض القيو’د ويُحب الحر’ية والإنطلا’ق في ساحة الميدان ولذلك قرر التمر’د على خيَّا’له حتى وإن كان ثـ ـمن هذا التمر’د كبيرًا.
_وفي جو’ف الليلُ عشا’قٌ ساهرون..
وفي ليله تمر’د الجمو’ح أمام التجبـ.ـر لرؤية المنتصـ.ـر.
_________________________________
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية جعفر البلطجي ) اسم الرواية