رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل الاربعون 40 - بقلم بيسو وليد
فكم لله من لطفٍ خفيٍّ
يَدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ
وَكَمْ يُسْرٍ أَتَى مِنْ بَعْدِ عُسْرٍ
فَفَرَّجَ كُرْبَة َ القَلْبِ الشَّجِيِّ
وكم أمرٍ تساءُ به صباحاً
وَتَأْتِيْكَ المَسَرَّة ُ بالعَشِيِّ
إِذَا ضَاقَتْ بِكَ الأحوال يوماً
فَثِقْ بالواحِدِ الفَرْدِ العَلِيِّ
وَلاَ تَجْزَعْ إذا ما نابَ خَطْبٌ
فكم للهِ من لُطفٍ خفي
_محمد عمران.
_______________________
كان المنعو’ت دومًا بالشـ ـريد المتبجـ ـح وكأنه نكـ ـرة بين الجميع ليس مِن حـ ـقه العيـ ـش بينهم ولا يفعل مثلهم، منذ زمنٍ والجميع يرون المظاهر الخا’رجية فقط فلو كان ذو مظهرٍ جذ’اب سيرى الجميع يتحدثون عنه ويهتـ ـمون لأجله وإن كان قبيـ ـحًا فبالتأكيد سيتم السخر’ية مِنهُ والنفو’ر مِنهُ في الحال، ولَكِنّ في حالة شا’بٍ بسيطٍ مثله كان مز’يجًا بين الطبقتين، رأى التضا’رب بأ’م عينيه ورأى الأ’لم الجسـ ـدي والعذا’ب النفـ ـسي على أياديهم دون ر’حمةٍ أو شـ ـفقة وكأنه ليس ببشـ ـريٍ مثلهم لديه قلـ ـبٌ ومشاعر يبكي ويحز’ن..
في هذا الزمن ترى ذو المظهر الجيد والغنـ ـي يهـ ـتمون لأجله ويسعـ ـون لتوفير كل شيءٍ إليه أما عن مسـ ـكينٍ فقيـ ـرٍ فلَم يكن فقـ ـيرًا إلا لله عز وجل فالفا’رق بين الإثنين أن واحدٍ أختار متا’ع الدنيا وآخر سـ ـعىٰ بها عبدًا فقـ ـيرًا.
<“لغزٌ غا’مض كان المفتاح لهُ بشيرًا.”>
كان يجلس مع شقيق زوجته الذي كان يضم صغيرته إلى أحضانه والتي منذ أن رأته ترفـ ـض تر’كه، نظر “يـوسف” إلى صغيرتهِ التي كانت تحتضن خالها واضعةً رأسها على صد’ره متمـ ـسكةً بسترته الشتوية حتى لا تبتعـ ـد عنهُ مِن جديد وقد بدأت تذهب في ثبا’تٍ عميـ ـقٍ بعدما زار جـ ـفنيها، وهو كان يتو’لى دور الأب معها وليس فقط الخال يضمها بحنوٍ مـ ـطبقًا بذراعيه عليها يحمـ ـيها مِن برو’دة الطقس ويسير بكـ ـفه على خصلاتها النا’عمة، جاءه صوت “يـوسف” الذي قطـ ـع هذا الصمت القائم بينهما منذ وقتٍ وهو ينظر إلى أبـ ـنتهِ قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_بقالها فترة ساكتة مبتتكلمش مع حد فينا وشبه منعز’لة، حتى مبتجـ ـريش عليا لمَ بدخل مِن باب الشقة ولا بتضحك وتهزر، أستغربت جدًا وقولت يمكن أنا مز’علها فحاجة ولمَ حاولت أعرف مِن “بيلا” لقيت إنها معاها نفس المشـ ـكلة، د’ماغي كانت بتو’دي وتجيب وهتجـ ـنن وبدأت أخا’ف والشـ ـك بدأ يز’يد جوايا، بس لحد النهاردة لقيتها بتسأل عنك وز’علانة أوي ولمَ قولتلها إنك فترة وهترجع رجعت تاني لحالتها القد’يمة فكرت شوية لقيت نفـ ـسي باخدها وجايلك، ولمَ شوفت لهـ ـفتها عليك وفرحتها بشوفتك عرفت هي ليه كانت كدا … “ليان” بتحبك أوي يا “بـشير” ومتعـ ـلقة بيك بطريقة غـ ـريبة مش عارف أمتى وازاي بس اللي متأ’كد مِنُه دلوقتي إن هي متقد’رش تبعـ ـد عنك وبقيت أقرب حد ليها.
حينها نظر “بـشير” إلى الصغيرة التي ذهبت في ثبا’تٍ عمـ ـيقٍ وهي متشـ ـبثةٌ بهِ ليُشـ ـدد مِن ضمته لها ويُلثم رأسها بقْبّلة حنونة وهادئة ثم نظر بعدها إلى “يـوسف” وأبتسم إليهِ قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_يعلم ربنا أنا بحب “ليان” قد إيه وبعتبرها بنـ ـتي مش بس بنـ ـت أختي، وبصراحة أنا بحـ ـس معاها إني أب مش خال بيقـ ـضي معاها كام ساعة ويمشي، “ليان” علمتني كتير أوي يا “يـوسف” وخلتني أحب الأطفال وأتعـ ـلق بيهم خصوصًا لو بنا’ت، بـ ـنتك ما شاء الله عليها ذ’كية صـ ـعب يتضحك عليها بكلمتين بد’ليل إنها خلتك تجيبها وتجيلي، ربنا يحـ ـميها ويباركلك فيها ويرزقك برزقها وإن شاء الله تشوفها عروسة حلوة مع عريسها وتفرح بيها.
أبتسم “يـوسف” بعدما أستمع إلى حديثه ذاك وفي النها’ية أمـ ـن خلـ ـفه بوجهٍ مبتسم ثم قال بعدها بنبرةٍ هادئة:
_طمني عليك إيه الأخبار دلوقتي وحا’سس بأيه؟.
نظر إليهِ “بـشير” وأجابه بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_بخير الحمد لله شوية كويس وشوية تـ ـعبان وأهي ماشية هعمل إيه طيب؟.
_معلش، أنا وأنتَ فمر’كب واحدة سوى، وعشان كدا أنا بقولك إني حا’سس بيك بس هتعد’ي إن شاء الله متقـ ـلقش.
أبتسم “بشير” إليهِ وقام بالتربيت على قد’مه برفقٍ دون أن يتحدث، فيما نظر “يـوسف” إلى أبـ ـنته التي كانت متشـ ـبثة بخالها قليلًا قبل أن يقول:
_أنا هضـ ـطر أمشي دلوقتي، خلي “ليان” معاك لأني و’اثق إنها مش هترضى تسيبك وبليل هعدي عليك أخدها دا لو رضيت يعني.
أنهـ ـى حديثه ساخـ ـرًا ليضحك “بشير” على حديثه ويقول:
_ولو حَبّت تبات معايا مفيش مشكـ ـلة يا سلام أنتَ هتبُص فحُبّ البـ ـت ليا ولا إيه؟.
_يا عم ولا أبُصلك ولا تبُصلي أنا بقولك اللي فيها أنا عارفها، لو أحتاجت حاجة كلمني “أكرم” مضغو’ط اليومين دول فالشغل بعد ما طلبية الرا’جل الفقـ ـر دا أتلـ ـغت وهو متعفـ ـرت.
زفـ ـر “بشير” بهدوءٍ ثم نظر إليهِ بعدما نهض “يـوسف” ليقول:
_ربنا يكرمه ويرزقه ويرزق اللي زيه، متقلـ ـقش مقـ ـضية الحمد لله.
أبتسم “يـوسف” ثم انحـ ـنى بجـ ـذعه العـ ـلوي نحو صغيرته يُلثم وجنتها الصغيرة بقْبّلة حنونة ثم ودع “بـشير” وتركه وذهب ليتقابل مع “هناء” التي كانت تحـ ـمل صيـ ـنية متوسطة الحـ ـجم معد’نية يعتـ ـليها كوبين مِن الشاي الساخـ ـن لتوقفه قائلة بتفا’جؤٍ:
_إيه يا حبيبي رايح على فين أنتَ لحقت تقعد؟.
أبتسم إليها “يـوسف” بسمةٌ هادئة وقال بنبرةٍ هادئة:
_معلش بقى يا سـ ـت الكل ورايا ميعاد ولاز’م أمشي عايزك بس تاخدي بالك مِن “ليان” أنا هسيـ ـبها مع “بـشير” عشان كانت ز’علانة لمَ مشي وبليل هعدي عليكم أخدها تكون قعدت معاه زي ما تحب.
_متخا’فش عليها دي حفيدتي يعني فعيو’ني مِن غير ما تو’صوني عليها.
هكذا جاوبته “هناء” مبتسمة الوجه ليبتسم هو كذلك لها ثم ودعها ورحل لتنظر هي لأ’ثره ثم نظرت إلى غرفة “بـشير” ثم أكملت سيرها لتولج إلى الداخل وتراه جالسًا على المقعد ضاممًا الصغيرة إلى أحضانهِ واضعًا الفراش الثقيـ ـل على جسـ ـدها، أبتسمت ثم أقتربت مِنهُ بخطى هادئة وضعت الصـ ـينية على سـ ـطح الطاولة ثم جلست بجواره قائلة بوجهٍ مبتسم:
_ياه على الحنية، إن ما شوفت الد’لع دا قبل كدا.
نظر إليها “بـشير” وأبتسم بسمةٌ هادئة لها قائلًا:
_دي الحُبّ كله، بحسني أب أوي وأنا معاها.
_ومين سمعك … مِن ساعة ما جَت على و’ش الدنيا وشايفة فيها حاجة لله، كانت عَوَض لـ “يـوسف” عن الأيام المُـ ـرة اللي عا’شها، جَت مَلـ ـت البيت فرحة ود’فى كانت أول فرحته وحبيبة القـ ـلب، اللي يفكر يز’علها أو ييجي جنبها بيا’كله بسنا’نه، سبحان الله مفيش حد مشافهاش إلا وحبها وإتعـ ـلق بيها، هتفضل “ليان” الفرحة الأولى لينا والحنية اللي عمرنا ما شوفنا زيها ولا هنشوف.
أبتسم “بـشير” ونظر إلى الصغيرة الماكثة بأحضانهِ ليُمسّد بحنوٍ على خصلاتها النا’عمة يُلثم يدها الصغيرة قْبّلة حنونة قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_ربنا يبارك فعُمـ ـرها ويحفظها مِن كل شر يارب.
أنهـ ـى حديثه داعيًا المولى عز وجل أن يحفظها ويُبارك في عُمـ ـرها ويحميها مِن كل سو’ءٍ فمنذ أن رآها وأحبها بشـ ـدة وجد الصعو’بة في الإبتعا’د عنها وكأن حُبّها لعـ ـنة إن أصا’بت حـ ـققت وإن فشـ ـلت حاولت، كانت فتا’ته الأولى وستظل الأولى والأخيرة فقد منـ ـحتهُ مشاعرًا لَم يكُن بالنسبةِ إليهِ أن يعيـ ـشها حتى في أحلامه.
_________________________
<“كانت بداية اللُعبة مزحة طريفة، حتى أصبحت لُعبة ممـ ـيتة.”>
بداية اللُعبة كانت مجرد لُعبة طريفة ومزحة لهم، لم يُصَور العـ ـقل ولو لمرةٍ واحدة أن المزاح في بعض الأحيان يتحوَّ’ل إلى جِد’ية ممـ ـيتة لصاحبها، وهكذا كانوا هم حينما سَـ ـخِروا مِن تواجدهم على قـ ـيد الحياة معهم حتى كانوا كابو’سـ ـهم الأسو’د الأبدي، بدأت لُعبة طريفة وأنتهـ ـت بواقعٍ مُـ ـر المذاق ومؤ’لم للر’أس، اليوم أصبحوا داخل دائرة سخـ ـريتهم في إنتظار مصيـ ـرهم الأبدي تجاه هذه اللُعبة اللعـ ـينة.
في إحدى القصور ذات الطر’از العر’يق القديم يظهر على ما’لكهِ الشـ ـر قبل الخير كانت “شـيراز” تقف خـ ـلف “ماري” التي أستد’عتها مؤخـ ـرًا لشيءٍ في غاية الأهـ ـمية تنتظر سماع ما سيُقال عليها مثلما تتـ ـلقى الأوا’مر دومًا وصدقًا لم تتأخـ ـر “ماري” عليها لتأتيها بالجواب حينما قالت بنبرةٍ حا’دة:
_ماذا تنتظرين يا “شـيراز”؟ أتريدين أن أذهب أنا وأُنـ ـهي حياة تلك الفتا’ة الصغيرة بنفسي أم ماذا؟.
أبتـ ـلعت “شـيراز” غصتها بتروٍ وقالت بنبرةٍ جا’مدة تردّ عليها:
_ليس هكذا هو الوضع، أنا أنتظر اللحظةُ الحا’سمة فحسب، وإن أردتي ذلك فحسنًا، الليلة سأذهب وأُنهـ ـي حيا’ة الصغيرة تمامًا ما رأيك؟.
أبتسمت “ماري” بزا’وية فمها بسمةٌ سا’خرة وقالت بنبرةٍ جا’مدة:
_أنتظر رؤية ذلك، أُريد أن أرى حُـ ـرقة والديها عليها وخصيصًا والدها، أُريده أن يمو’ت متحسـ ـرًا عليها هذه الليلة يا “شـيراز” … حينما تقتـ ـلين الفتا’ة تأتي بهِ في الحال بعدما تقومين بتخد’يره، لقد أتخذتُ قراري حيال ذلك وسأقـ ـتله إن لم يكُن اليوم فسيكون غدًا أو بعد غد.
حركت “شـيراز” رأسها برفقٍ وقالت بنبرةٍ جا’مدة:
_سوف يحدثُ ذلك لا تقلـ ـقي، سأقـ ـتل الصغيرة عن طريق ذاك السُـ ـم الأسو’د وبعدها سأقوم بتخد’يره والمجيء بهِ حينها سر’يعًا.
أبتسمت “ماري” مستحسنةً فعـ ـلها لتقول بنبرةٍ هادئة:
_سأنتظركِ الليلة.
وحينما تلقت الإذ’ن بالذهاب خرجت على الفو’ر بكل هدوء ويُسر تاركةً “ماري” التي كانت متحـ ـمسةً وتنتظر رؤيته أمامها مذ’لولًا بفـ ـراغ الصبر فحينما يحدث ذلك فستكون الحـ ـرب قد أنتهـ ـت لا شـ ـك في ذلك فإنتهاء الفتا’ة تعني إنتهاء الحـ ـرب تمامًا.
_________________________
<“بدايةً جديدة يبدأها كلا الطر’فين في إنتظار مستقبلٍ مشرق.”>
دقت الساعة الثامنة صباحًا بعدما أشرقت الشمس في يومٍ جديدٍ وحافلٍ يخـ ـبئ لهم الكثير، توَّجه “رمـزي” إلى المسجد مستغفرًا ربه للإطـ ـمئنان على “نـادر” بعدما تركه بعدما أنهـ ـى صلاة الفجر قا’طعًا وعدًا إليهِ أنه سيعود إليهِ في الصباح، وقف أمام باب المسجد يفتـ ـحه يُردد ذِكر الله ثم د’فع الباب ليولج إلى الداخل مُـ ـلقيًا السلام ثم أغـ ـلق الباب خلـ ـفه يطوف بعينيه بعدها في أرجاء المكان باحثًا عنهُ حتى رآه يجلس في إحدى زواية المسجد منفـ ـردًا بنفسه ليتقدم مِنهُ بخطى هادئة.
فيما كان “نـادر” جالسًا مستندًا بظهره على العمو’د الرخا’مي الكبيـ ـر خـ ـلفه يقرأ قصة أحد الأنبياء كما كان معتادًا منعز’لًا عن العا’لم بأكمله حتى حينما جلس “رمـزي” أمامه ظل كما هو دون أن يـ ـنتبه إليهِ، أبتسم حينما يراه يقرأ في كُتيب يعلمه تمام العلم ولذلك تركه حتى دون أن يتحدث حتى ينتهـ ـي تمامًا.
ولَكِنّ شعر “نـادر” بتواجد أحدهم معه حينما إنجذ’ب إلى هذا اللو’ن الأبـ ـيض الوهاج لير’فع عينيه مِن على ذاك الكُتيب ينظر إلى الماكث أمامه ليراه “رمـزي” ومَن سواه يستطيع الولوج إليهِ، ولذلك أبتسم إليهِ وقال بنبرةٍ هادئة:
_مش تقول يا را’جل إنك هنا ولا تكـ ـح حتى، أنا مركز أوي فمش واخد بالي إيه اللي بيحصـ ـل حواليا.
_لقيتك مند’مج أوي محبتش أقا’طعك لأني عارف لذ’ة الإند’ماج دي كويس فمحبتش أبقى ر’خم وأقا’طعك.
هكذا جاوبه “رمـزي” مبتسمًا ليبتسم “نـادر” مغـ ـلقًا الكُتيب قائلًا بقـ ـلة حـ ـيلة:
_ياريت كل الناس زيك يا “رمـزي”، يلا الحمد لله.
_طب أديني فحياتك أهو ولا مش بتعتبرني أخوك الكبير بقى لا لعلمك أز’عل جا’مد.
هكذا جاوبه “رمـزي” متصـ ـنعًا الجـ ـدية في حديثه ليأتيه قهقهات “نـادر” الخـ ـفيفة ثم بعدها حديثه حينما قال بنبرةٍ ضاحكة:
_ربنا يعلم إني أرتحـ ـتلك أول ما شوفتك مش بجا’ملك بس دي الحـ ـقيقة، أنتَ و “يـوسف” أخواتي وربنا يعلم يعني أنا بحترمكم قد إيه وأنتم أهل كرم وضيافة مشوفتش مِنكم غير الطيبة والجد’عنة وأنتوا معرفتكم شَـ ـرَف ليا واللهِ وبشكر الظروف إنها عرفتني على ناس معد’نها أصيـ ـل زيكم.
_لا لا لا لا بقى الكلام دا كبيـ ـر عليا أسمحلي أعزمك على العشا بقى معلش أنا اللي بيقول فحـ ـقي كلمة حلوة بكرمه ما بالك بقى باللي قال فيا أشعار وقصايد.
هكذا جاوبه “رمـزي” ليضحك “نـادر” على حديثه بقـ ـلة حـ ـيلة وقال موافقًا على حديثه:
_موافق، شوف عشان كلمة أخوك الكبير دي مش هر’فضلك مِن بعديها طلب.
أبتسم “رمـزي” إليهِ وربت على ر’كبتهُ برفقٍ ليقول:
_طب قوم معايا بقى مشي ر’جلك فالحارة ناسها طيبة ونفو’سهـ ـم صا’فية … مش كلهم يعني عشان مبقاش كد’اب بس الأغـ ـلبية كويسين وولا’د أصول لو عرفتهم مش هتبقى عايز تسيبهم وتمشي.
وبالفعل نهض “نـادر” معهُ بعدما وافق على مجاورته وخرجا مِن المسجد ليُغـ ـلقهُ “رمـزي” ويقوم بعدها بمجاورة “نـادر” يسير بين أولا’د حارته يُـ ـلقي تحية السلام بين الحين والآخر، فيما كان “نـادر” ينظر حوله يتفحص المكان بعينيهِ ليشعر بالر’احة والأُلفة بينهم بمجرد المرور مِن بينهم فماذا إذا تحدث معهم وجاورهم؟ نظر “نـادر” إلى “رمـزي” وقال بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_بقولك إيه يا “رمـزي” متعرفش فين بيت “يـوسف”؟.
_قريب مِن هنا أهو هناك بتسأل ليه؟.
هكذا ردّ عليهِ بسؤالٍ آخر ليأتيه الردّ مِن “نـادر” الذي قال:
_عايز أشوف أختي ميصحش أبقى هنا وهي متعرفش برضوا.
تفهم “رمـزي” مقصده ليبتسم إليهِ مربتًا على كتفه قائلًا:
_مفيش مشكـ ـلة وكلامك مظبوط روح أتطمـ ـن عليها ولو حابب تنزل أنا موجود لحد أذان الضهر بشوية عشان هروح أأ’م بالناس.
_حلو قبل ما تروح كلمني عشان أجي معاك أساعدك ونصلي سوى.
هكذا جاوبه “نـادر” مبتسم الوجه ثم تركه وذهب بعدما ودعه متجهًا إلى منزل شقيقته وقد ساوره بعض القـ ـلق والخو’ف ففي المرةِ السابقة مَرّت على خيرٍ لا يعلم ماذا ستكون المقابلة هذه المرة ولذلك كان يحاول تهـ ـدئة نفسه قد’ر المستطا’ع، أما عن “رمـزي” فقد جلس مع “حـسن” في متجر والدته يتحدث معهُ بعدما ألقـ ـى عليهِ تحية السلام والصباح يتشاوران كعادتهما.
فيما وصل “نـادر” إلى الطابق المنشو’د وبدأ يقرع على الباب قرعاتٍ خـ ـفيفة ثم أنتظر قليلًا حتى رأى الباب يُفـ ـتح مِن قِبَل امرأة كبيـ ـرة يظهر على معالم وجهها البشا’شة لينظر لها “نـادر” وقد صمت لحظاتٍ يُحاول تجميع شتا’ته الذي تبعثـ ـر فجأ’ة ليبتلـ ـع غصته بتروٍ قائلًا:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هكذا ردّت عليهِ “شـاهي” بنبرةٍ هادئة وهي مازالت تجهـ ـل هويته لتسمعه يقول بنبرةٍ هادئة مبتسمًا:
_هو مش دا برضوا بيت “يـوسف”؟.
_أيوه يا ابني هو بس هو مش موجود دلوقتي لسه ماشي مِن ساعة.
_عارف إنه مش موجود هو كلمني بس أنا جاي أشوف “بيلا”.
تعجبت “شـاهي” مِن حديثه ولَكِنّ أتاها صوت “بيلا” مِن خـ ـلفها والتي قالت متعجبةً:
_”نـادر”!.
نظر إليها “نـادر” ومعهُ “شـاهي” التي ألتفتت لها ليبتسم هو إليها مُـ ـلقيًا عليها تحية الصباح لتجعله يولج وهي مازالت مند’هشةً مِن تواجده، وبعد تبادل أطر’اف الحديث وتقديم كرم الضيافة كان يجلس معها في غرفة المعـ ـيشة بعدما قـ ـص عليها كل شيءٍ حدث بينه وبين والدته وأخيهِ لتشعر هي بالحز’ن عليهِ ففي النها’ية هو أخيها كذلك، زفـ ـرت مستغفرةً ربها ثم نظرت إليهِ قائلة:
_حـ ـقك عليا أنا يا “نـادر” أنا حا’سة بيك وعارفه شعورك دلوقتي، بس بصراحة بقى أنا ز’علانة مِنك أزاي تيجي وتبات فمسجد “رمـزي” و “يـوسف” يبقى عارف وأنا لا.
أبتـ ـلع “نـادر” غصته بتروٍ ونظر إليها قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_بصراحة أنا اللي قولتله ميقولكيش لو’ميني أنا مش هو، هو عرض عليا أجي هنا بس أنا اللي رفـ ـضت محبتش أكون عـ ـبء على حد أو أقـ ـيد حـ ـريتكم مبحبش كدا فقولت أبات فالمسجد وخلاص لحد ما ربنا يكرمني وصاحب الشقة دا يرجع وأظبط أموري معاه.
شعرت “بيلا” بالحز’ن والشفـ ـقة عليه ولذلك صمتت قليلًا قبل أن تخطـ ـر على رأسها فكرةٍ ما، نظرت إليهِ وقالت:
_أستنى شوية ورجعالك.
أنهـ ـت حديثها ثم نهضت متجهة إلى الداخل تاركةً إياه مكانه ينظر حوله يتفحص المنزل بعينيهِ مبتسم الوجه فقد شعر بد’فئه والحُبّ الذي يغـ ـلفه وقد دعى لهما بالهـ ـداية وأستقرار الحياة حتى عادت إليهِ بعد برهةٍ مِن الوقت تجلس كما كانت وبيدها حقيبة كبيـ ـرة بعض الشيء، عقد ما بين حاجبيه ثم نظر لها ليسمعها تقول بعدما نظرت إليهِ:
_دول شوية هدوم مِن هدوم “بـشير” أخوك هو تقريبًا بيلبس نفس مقاسك لأن جسـ ـمكم متقارب لبعض فهدومه هتكون مقاسك وتقـ ـيلة عشان الجَو سقـ ـعة جدًا الفترة دي يعني هتد’فيك ومش عايزة لا وحِـ ـجج هتاخدهم هو طيب جدًا ومش بعيـ ـد يقسم اللبس معاك أساسًا أنا حفظاه، وثانيًا بقى عايزاك تجاوبني على سؤال مهـ ـم جدًا.
_إيه هو؟.
هكذا سألها جا’هلًا ليأتيه سؤالها المفا’جئ والذي جعله يقول الحـ ـقيقة مر’غمًا حينما قالت:
_هو أنتَ لقيت حاجة تتغـ ـطى بيها بليل ولا نمت كدا؟.
_بصراحة نمت كدا مكانش فيه للأسف حاجة أتغـ ـطى بيها.
صدق شعورها حينما جاوبها على سؤالها لتـ ـعنفه هي بحديثها حينما قالت بضـ ـيقٍ:
_ينفع كدا يعني ولمَ تاخد دور بر’د دلوقتي وتقعد فالسرير بالأسابيع تـ ـعبان هتكون مبسوط؟ وأنا فين مش ساكنة فنفس المكان اللي أنتَ موجود فيه أنتَ أخويا وزي ما عملت مع “بـشير” هعمل معاك أنتوا الأتنين أخواتي مقد’رش أتخـ ـلىٰ عنكم أنتوا سنـ ـدي بعد ربنا وماما عارف يعني إيه فضـ ـهري رجا’لة يا “نـادر”.
أبتسم وتر’قرق الدمع في عينيه تأ’ثرًا بحديثها وحُبّها اللذان لامـ ـسان قلـ ـبه وشعر بصدق كلماتها ليحاول تما’لُك نفسه مبتسم الوجه قائلًا بنبرةٍ مذ’بذبة أ’ثر خضـ ـم مشاعره:
_أنتِ طيبة أوي يا “بيلا”، أنا متخيلتش المعاملة دي بصراحة يعني مش واخد على كدا فا’جئتيني، طب أنا … أنا بصراحة كدا عايز أحـ ـضنك أنا عايز أحـ ـس بحنـ ـية وحضـ ـن الأخت.
أبتسمت إليهِ ثم نهضت وتركت الأغراض جانبًا وفَرَ’قت بين ذراعيها وهي تنظر إليهِ، فيما شعر أن السعادة تحو’مه وأن المكان لا يتسـ ـع أجنحـ ـتيه لينهض سـ ـريعًا ولم ينتظر كثيرًا وقام بمعانقتها ليتكرر مشهد “بـشير” للمرةِ الثانية أمامها حينما جاء لاجـ ـئًا إليها لتفتـ ـح هي الأبواب المو’صودة في وجهه ترحب بهِ بحفاوة.
عانقتهُ ورحبت بهِ وكانت خيرُ رفيقٍ إليهِ فلم يكُن يصدق أنها أستقبلتهُ ليشعر أن الحياة عادت تبتسم إليهِ مِن جديد، أبتعـ ـد عنها ينظر لها مبتسم الوجه فيما نظرت هي إليهِ مبتسمة الوجه لتقول بنبرةٍ هادئة:
_أنا أختك غصـ ـب عنك وبيتي مفتو’حلك فأي وقت، أنا بس عايزة أطلب مِنك طلب يارب متر’فضهوش … عايزاك تبات اليومين دول هنا لحد ما تاخد الشقة أنا مش هقدر اسـ ـيبك بايت فالمسجد مِن غيـ ـر أكل أو شرب أو غـ ـطى حتى، أنا مش هقبـ ـل الكلام دا إطلا’قًا.
أبتسم “نـادر” لها وقام بإجلاسها وجلس معها أسفـ ـل نظراتها لينظر لها قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_”بيلا” أنا بصراحة مبحبش أكون عـ ـبء على حد ومحور تقيـ ـيد حُـ ـرية غيري أنا مرتاح كدا ومشـ ـتكتش.
_وأنا مش عاجبني الوضع دا كله بقى، أسمعني أنتَ هتيجي وهتقعد فأوضة أخوك حتى لو رجع هتفضل موجود خير ربنا كتير بس إني أقعد حد والتاني مر’مي بر’ه لا أنا مش هقبل بالكلام دا هتيجي تقعد وكل سُبُل الر’احة متوفرة و “يـوسف” مستحـ ـيل يرفـ ـض بالعكـ ـس وأكيد أنا و’اثقة إنه عرض عليك تيجي، لو ر’فضت طلبي صدقني هز’عل جا’مد أوي مِنك وصعـ ـب أتصالح عشان تبقى عارف … الكورة فملعبك يا توافق بقى يا تشوف أنتَ هتعمل إيه.
أنهـ ـت حديثها وأشا’حت برأسها بعيـ ـدًا عن مر’ماه تد’عي الضيـ ـق أمامه، فيما أبتسم هو وحرك رأسه بقـ ـلة حيـ ـلة حينما رآها تضعه في موقفٍ صـ ـعب كهذا فقد لم تتر’ك إليهِ فرصة الرفـ ـض ليلتزم الصمت قليلًا يُفكر في حديثها فلن يسـ ـمح بأن يجعلها تحز’ن مِنهُ ولذلك أبتسم ونظر إليها قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_وأنا مقد’رش أقول لأختي الكبيرة لا أو أز’علها مِني، أنا موافق.
أبتسمت سر’يعًا ونظرت إليهِ ليرى هو لمـ ـعة عينيها التي كانت تدل على السعادة والفرحة، أبتسم هو كذلك وقبل أن يتحدث بحرفٍ آخر عَطَّسَ “نـادر” فجأ’ةً، نظرت إليهِ “بيلا” بحذ’رٍ فيما نظر هو إليها كذلك لبرهةٍ مِن الوقت ثم أبتسم لها وقال:
_حد شاف حاجة؟.
حركت رأسها بقـ ـلة حيـ ـلة وهي تنظر إليهِ مبتسمة الوجه ليضحك هو عِدة ضحكاتٍ خـ ـفيفة لتشاركه ضحكاته بقـ ـلة حيـ ـلة فيما شاركتهما “شـاهي” مؤخـ ـرًا لتقوم “بيلا” بتعريفهما على بعضهما البعض ليند’مج “نـادر” في الحديث مع “شـاهي” سريعًا ويتبادلان أطر’اف الحديث لتشاركهما كذلك بها “بيلا” التي خا’لفت تو’قعات أخيها بالكامل وكانت خيرُ رفيقةٍ إليهِ
في الصعيد حيثُ منزل عائلة “الأسيوطي”.
كان “حليـم” جالسًا في حديقة المنزل شارد الذهن و’حيدًا بعدما أعادهُ أخيه مِن جديد إلى أحضان والدته التي حينها كانت تبكي فرحةً بعودة و’لدها الصغير إلى أحضانها مِن جديد وقد كانت حينها لحظاتٌ مؤ’لمة على كليهما ولَكِنّ أنهـ ـى “صلاح” هذا حينما مازحهما مبتسم الوجه وأنهـ ـى كل شيءٍ.
خرج أخيه الكبير مقتربًا مِنهُ حتى جاوره في جلستهِ قائلًا بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_قاعد كدا ليه وشا’يل الهـ ـم؟ مش رجعت تاني ونو’لت الرضا إيه لازمته لا’وية البو’ز دي بقى والتنكيـ ـد على الصبح؟.
دام الصمت بينهما قليلًا بعدما ألقـ ـى “صلاح” سؤاله عليه ليأتيه الردّ مِن أخيه حينما قطـ ـع هذا الصمت قائلًا:
_مش عاجبني حالي دا يا “صلاح”، مضا’يق أوي وز’علان على عُمري اللي ضا’ع دا لا حققت حاجة ولا نفعت حد بحاجة كل اللي عملته إني أذ’يت كل اللي حواليا وبس.
_”حليـم” إحنا سبق وأتكلمنا فالموضوع دا كذا مرة وقولتلك أنا هتصـ ـرف خلاص اللي فات ما’ت مالوش وجو’د بُص على اللي جاي بعد كدا هتقعد تند’ب على اللي ر’اح هيضـ ـيع مِنك الحاضر والمستقبل … أجـ ـمد وفو’ق لنفسك شوية بقى، أسمعني كويس أوي أنا جيبتلك شغلانة فالقاهرة حلوة ومرتبها كويس وهتبقى قريب مِني مش عايز أعتر’اض، بُص لنفسك بقى وفو’ق قبل فوا’ت الأو’ان، عايزك تجهز حاجتك عشان هنمشي بليل ومِن الوقت للتاني هنشـ ـقر على أ’مك عشان تبقى تحـ ـت عنينا ولو أمكن أجيبها معانا هعمل كدا على طول، يلا يا حبيبي وأستعيذ بالله.
هكذا جاوبه “صلاح” معـ ـنفًا إياه بنبرةٍ حا’دة في بادئ الأمر ثم بعد ثوانٍ بدأت نبرته تليـ ـن حتى أصبحت في النها’ية حنونة، أبتسم “حليـم” إليهِ وألتـ ـمعت العبرات في مقلتيه ليضع رأسه على كتف أخيه الذي أبتسم وقام بدوره وعانقه ضاممًا إياه إلى د’فئ أحضانه يد’عمه ويؤ’ازره كما أعتاد مؤخـ ـرًا.
شـ ـدد “صلاح” مِن عناقه إلى أخيه الذي كان هادئًا على غير العادة ليبتعـ ـد “حـليم” عنهُ عائدًا إلى الخـ ـلف خطوتين ينظر إليهِ ليُعطيه موافقته حينما حرك رأسه برفقٍ مبتسم الوجه ليبتسم “صلاح” لهُ مر’بتًا على ذراعه ليتركه “حـليم” ويتجه إلى الداخل ذاهبًا إلى غرفتهِ ليزفـ ـر الآخر بعـ ـمقٍ جالسًا على المقعد الخشـ ـبي واضعًا كفيه على وجهه فما هو مقبلٌ عليه بالطبع ليس بالشيء الهـ ـين البتة.
_________________________
<“وبعد مـ ـرارة الحياة وقسو’تها، حظى الفـ ـتى بـ ـلذة النـ ـعيم.”>
وبعد تذوق قسو’ة الحياة ومـ ـرارة الأيام وأ’لم الفـ ـراق ها قد عادت الحياة تبتسم أمامه مِن جديد بعدما أبدلت وشا’حها الأسو’د الد’اكن بأخرٍ ملـ ـيءٍ بألو’ان البهـ ـجة والسعادة والفرحة والر’احة، أمسُ كانت تجـ ـبره على أرتداء الملابس الذ’ابلة القديمة شـ ـريدًا في شوارع بلاده التي كانت تجـ ـبره على أنه بالنسبةِ إليها غريبٌ نكـ ـرة لا فائدة مِنهُ، اليوم أصبح فتـ ـى العصر الحديث فلا أحد ينسـ ـىٰ أصـ ـله وكان هو كذلك فالأمس أرتدى ملابس ذ’ابلة قد’يمة واليوم يرتدي حِلته الكحـ ـيلة نا’ثرًا عطره الفو’اح مرتديًا نظارته الشمسية، كأنه ر’جُل أعمالٍ يسير مر’فوع الر’أس لا يعـ ـبئ لأي واحدٍ حوله.
وقف “يـوسف” أمام الموظفة التي كانت تعمل على حاسوبها ليقطـ ـعها بقوله الهادئ:
_لو سمحتي عندي ميعاد مع الأستاذ “راضـي المحمدي” ممكن تديله خبـ ـر إني مستنيه.
نظرت إليهِ الموظفة مبتسمة الوجه لتقول بنبرةٍ مهـ ـذبة:
_ممكن تديني أسم حضرتك وهدخل أديله خبـ ـر إن حضرتك وصلت.
أبتسم إليها “يـوسف” بعدما حادثتهُ بنبرةٍ مهـ ـذبة ليجاوبها قائلًا:
_”يـوسف عدنان”.
أكتفى بأسمه وأسم والده فقط وأخـ ـفى لقب عائلته حتى لا يُثيـ ـر الأجواء مِن حوله وتز’داد الأقاويل الفا’رغة عد’يمة الفائدة، تركته وذهبت حتى تُعطي “راضـي” خبرًا عن وجود “يـوسف” الذي طاف بعينيه المكان مِن حوله يرى مدى رُقي المكان مِن حوله فقد كان كبيـ ـرًا وأثاثه عريق يليق بمالكها ولبرهةٍ مِن الوقت سأل نفسه أهو بالفعل أبنًا لتلك العائلة الغـ ـنية أم كل ما يحدث حوله مازال حتى هذه اللحظة حُلمًا يصـ ـعب على المرء أستيعا’به فكلما تذكر ما مضى بهِ ويقوم بمقارنته بوضعه الحالي يشعر بالأ’لم الشـ ـديد يعتصـ ـر قـ ـلبه دون ر’حمة فما رآه لَم يكُن هـ ـينًا البتة عليهِ بالتأكيد.
عادت الفتا’ة مِن جديد وقد سمحت إليهِ بالولوج مبتسمة الوجه قائلة:
_أتفضل يا أستاذ “يـوسف” الأستاذ “راضـي” مستنيك فمكتبه.
أبتسم لها بسمةٌ خـ ـفيفة ثم توَّجه إلى الداخل بخطى هادئة متز’نة يشاهد المكان مِن حوله فقد كان جدرانه رخا’مية سو’د’اء اللو’ن وكذلك أرضية المكان وسـ ـقفها أبيـ ـض اللو’ن وبعض الإضا’ءات الحديثة البيـ ـضاء تُنير المكان وعلى جدرانها خطـ ـين ر’فيعين باللو’ن الذ’هبي بعر’ضها وفي نها’ية الرواق يمكث مكتب “راضـي” الذي قد كُتِبَ على لوحةٌ معد’نية ذ’هبية اللو’ن أسمه باللو’ن الأسو’د يعـ ـتليه لقب _المدير_ طرق على الباب برفقٍ ليسمع صوته يأذن لهُ بالولوج.
ولج “يـوسف” مـ ـغلقًا الباب خـ ـلفه ليبتسم إلى عمه الذي نهض مِن على مكتبه وتركه مُرحبًا بهِ بحفاوةٍ شـ ـديدة قائلًا:
_أهلًا أهلًا بالغا’لي ابن الغا’لي، وأنا أقول المكان نوَّر كدا ليه عن كل يوم أتاري “يـوسف” جاي يزورنا، نوَّرت مكانك يا “چـو”.
عانقه “يـوسف” مبتسم الوجه يبادله تحيته بحفاوةٍ، وبعد القليل مِن الوقت جلسا سويًا وقد قدم لهُ “راضـي” كرم الضيافة وبدأ حديثه الجا’د معهُ حينما قال بنبرةٍ هادئة جا’دة:
_بُص بقى يا “يـوسف” أنا جايبك هنا عشان شغل، أنا عارف كويس مستواك المادي مش قد كدا وأوقات بتتصـ ـعب على الإنسان ودا و’ارد مع أي حد وبصراحة أنا عارف إنك تـ ـعبت كتير مِن صغرك وصر’فت على أختك وعلمتها وتوَّ’ليت مسؤ’وليتها وحـ ـرمت نفسك مِن حلا’وة الدنيا عشانها هي وعارف إنك أشتغلت فحاجات كتير أوي وعارف إنك كُنْت أوقات بتشتغل صـ ـبي باليومية عشان تكفيها وبصراحة بقى أنا مبسوط مِنك وفخو’ر بيك وبأ’صلك وعاجبني فيك إنك بتعـ ـز نفسك ومبتنساش أصـ ـلك وبدل ما تخـ ـبيه بتعـ ـرضه للكل بكل فخـ ـر … “يـوسف” تقدر تقول كدا ربنا كرمك وهيعوضك عن التـ ـعب والمُـ ـر اللي شوفته فصغرك لحد اللحظة دي.
كان “يـوسف” ملتزمًا الصمت يستمع إلى حديثه بكل هدوءٍ ثا’بتًا مر’فوع الر’أس ينتظر القادم مِن عمه الذي أكمل حديثه بعدما صمت قليلًا قائلًا:
_”يـوسف” أنا وعمامك بعد ما أتكلمنا وأتفقنا على كل حاجة أنا قـ ـررت أكلمك وأجيبك عشان زي ما بنقول أفتـ ـح طا’قة القَد’ر فوشـ ـك، تر’كة أبوك فذ’متي أنا وكُنْت شا’يلها طول السنين دي أما’نة فر’قبتي لعل الغا’يب ير’جع والحمد لله ر’جع، تر’كة أبوك الله يرحمه متو’زعة بينك أنتَ وأختك، يعني هو الله يرحمه كان قايلي قبل كدا وكاتب دا فالو’صية بخط إيده، قال الشركة بتاعت المقاولات تتوزع بالنص عليك أنتَ وأختك الشركة دي بسم الله ما شاء الله شغلها فالسـ ـما وإيرا’داتها وأرباحها السنوية عا’لية اللهم بارك أبوك مكانش قـ ـليل فالسو’ق يعني.
أنـ ـتبه إليهِ “يـوسف” في هذه اللحظة جيدًا وبدأ يستمع إليهِ بإنصا’تٍ شـ ـديدٍ ليأتيه قول عمه حينما أكمل قائلًا:
_الشركة دي كبيـ ـرة يعني مش قـ ـليلة والعمال فيها على أ’على مستوى أبوك كان رهو’ان فالشغل يحب يكسب ويراضي اللي حواليه، معاها سا’يب ڤيلا فالتجمع الخامس الڤيلا دي برضوا كبيـ ـرة مش صغيرة وسعرها اليومين دول فالعا’لي برضوا قال هتتقسـ ـم ما بينكم وود’يعته فالبنك دلوقتي اللهم لا حسـ ـد ربنا يز’يد ويبارك كبيـ ـرة أوي “شـاهي” كانت بتسـ ـحب مبالغ بسيطة على قدها تكفيها فهو كاتب إن ليك ٤٠ مليون جنيه وأختك ليها ٣٠ مليون غير الشاليه اللي فالعـ ـين السـ ـخنة دا بصراحة سا’يبه لـ “مها” وفي مبلغ تاني كبيـ ـر شوية سا’يبه عشان تجيبوا اللي نفسكم فيه بعـ ـيدًا عن الفلوس اللي سا’يبها … تر’كة أبوك يا “يـوسف” مش قـ ـليلة وعايزة واحد يمسـ ـك فيها بإيديه وسنا’نه.
كان “يـوسف” مصد’ومًا مِمَّ تتلقاه أذنيه بالطبع صد’مةٌ وذ’هولٌ بالنسبةِ إليه فلَم يكُن يتو’قع أن أبيه كان يمـ ـلُك تلك الأشياء الثمـ ـينة لَم يُصور إليه عـ ـقله أن الوضع قد يكون كبيـ ـرًا إلى ذلك الحـ ـد، حاول أستيعـ ـاب الأمر مـ ـرارًا وتكرارًا ولَكِنّ العقـ ـل يرفـ ـض تقبل ذلك فالأمرُ كبيـ ـرًا وبشـ ـدة بالنسبةِ إليهِ لا شـ ـك في ذلك، أما عن “راضـي” فقد كان ينظر إليهِ مبتسم الوجه متفهمًا ما يشعر بهِ “يـوسف” ولذلك أبتسم أكثر وقال:
_دا حـ ـقك وحـ ـق أختك يا “يـوسف” دا مال يتا’مى كان لازم أحا’فظ عليه لحد ما صحابه يرجعوا تاني والحمد لله كل حاجة رجعت أهي واجب بقى الحاجة دي ترجع ليكم مش كدا ولا إيه؟ عمومًا مش عايزك تقـ ـلق أنا بعت “جـاد” ينـ ـقل كل دول بأسمك أنتَ وأختك بالكتير يومين وكل حاجة تبقى فإ’يديكم وأنتَ وشطارتك بقى تكمل وتخلي أسم أبوك ماشي رهو’ان فالسو’ق ولا تو’قعه، مستني أشوف ردّ مِنك فالشغل دا.
لوهلة شعر أن ر’أسه ثقـ ـيلة فالأمر كان صاد’مًا بالنسبةِ إليهِ وعـ ـقله لا يُسـ ـعفه لأستقبال المزيد فقد كان كل شيءٍ صاد’مًا إليهِ، طَلَبَ لهُ “راضـي” عصير ليمون ثم بعد القليل مِن الوقت أستطاع أستيعـ ـاب الأمر ولذلك نظر إليهِ “يـوسف” وقال بنبرةٍ هادئة:
_أنا عُمري ما كُنْت أتو’قع إن التر’كة تكون كبيـ ـرة بالشكل اللي يجيبلي هبو’ط دا، أنا مكُنْتش أتو’قع إن بابا معاه فلوس كتيـ ـر بالشكل دا ولا كبيـ ـر أوي كدا، أنا حـ ـقيقي فصد’مة مش عارف أصدقها ولا أتخـ ـطاها.
تفهم “راضـي” شعور “يـوسف” تجاه هذا الأمر ولذلك أبتسم بسمةٌ صا’فية وقال بنبرةٍ هادئة:
_أنا مقدَّر شعورك وحا’سس بيك بس لازم تتخـ ـطىٰ الصد’مة عشان تعرف را’سك مِن ر’جليك، وقت ما “جـاد” يخلّـ ـص إجـ ـراءات النـ ـقل هبـ ـلغك على طول وهخلي “عـماد” ينزل معاك يفهمك الدنيا ماشية أزاي هناك لأن هو و “عامر” و “مـحمود” اللي ماسـ ـكينها دلوقتي … عايزك فموضوع تاني غير دا.
عقد “يـوسف” ما بين حاجبيه وأشار إليهِ متر’قبًا حينما قال بحذ’رٍ:
_إيه؟ ناقـ ـص تقولي في مصباح سحـ ـري لو فَـ ـركته يطلـ ـعلك العفـ ـريت يحـ ـققلك ٣ أمنيات.
ضحك “راضـي” مِن قـ ـلبه على حديث ابن أخيه الذي كان دومًا تلقائيًا في كل شيءٍ يقوله ويفعله، فيما كان “يـوسف” ينظر إليهِ متر’قبًا فهذا الذي ينقـ ـصه بالفعل، نظر إليهِ “راضـي” وقال مبتسم الوجه:
_لا يا سيدي خالص، أنا عايز أكلمك فحوار المصنع اللي “جـاد” قال عليه بخصوص موهبتك النادرة دي أنا عايز أقولك إن الترابيزة اللي عملتها ونزلتها أنا عندي جابت ريتش عا’لي جدًا والناس كانت مذ’هولة بالتحفة الفنية دي وخلي بالك دي بُشرة خير ليك المصنع دا هيتفـ ـتح وأنتَ اللي هتمـ ـسكه والعمال هيرجعوا تاني ولو على المواد الخا’م نجيبها وتورينا الد’ماغ الأ’لماظ دي مخبـ ـيالنا إيه ولو على الفلوس مش عايزك تشـ ـيل هـ ـمها ربنا هيكرمك بعد فـ ـتحة المصنع بإذن الله بس جّرب وقولي وصدقني مش هتند’م.
حسنًا إنهُ عرضٌ بالنسبةِ إليهِ لا بالأحلام فهذه مثلما نقول _الفرصة الذ’هبية_ إن لم تغتنـ ـمها فبالتأكيد ستعود باكيًا ناد’مًا على ضيا’ع فرصةٍ كتلك لا تأتي للمرء سوى مرةٌ واحدة فقط لصاحبها فإن كُنْت ذكيًا فلَن تضـ ـيعها بالتأكيد ولذلك نظر إليهِ “يـوسف” مبتسم الوجه دون أن يتحدث فوراء تلك البسمة يكمـ ـن الكثير والكثير مِن الخبا’يا لا يعلمها غيره هو.
_________________________
<“صدفةٌ عابرة تتحوّ’ل إلى بدايةً لقصة حُبّ خا’لدة.”>
لا يوجد أجمل مِن الصدف العا’برة التي تتحوّ’ل في لمـ ـح البصـ ـر إلى بداية لقصص حُبٍّ خا’لدة مدى الحياة، منذ أن رآها وأصبح مجـ ـنونًا بها لا يستطيع تجا’هلها فرغـ ـمًا لهُ العقـ ـلُ خا’ضعٌ والقلب عاشـ ـقٌ والرو’ح وما تهوى، ولج إلى الكافيه الذي كان راقٍ وهادئٍ كما المعتاد بخطى هادئة يطوف بعينيه في أرجاء المكان حتى سقـ ـط بصـ ـره عليها، لاحت أبتسامة هادئة على ثغره وقد غيَّر مسا’ر سيره وتوَّجه نحوها.
فيما كانت هي جالسةٌ على المقعد المجاور إلى وجهة الطبيعة الخا’لدة تُمسك زهرة حمـ ـراء اللو’ن تقـ ـطف أوراقها وهي تردد _العوض جه، لسه مجاش_ هكذا كانت تردد حينما تقـ ـطع ورقة تليها ورقة حتى شعرت بظـ ـلٍ يحـ ـجب عنها الرؤية لتر’فع رأسها تلقائيًا تنظر إليهِ لتراه أمامها ينظر لها بوجهٍ مبتسم لتشعر بالكلمات تهرُ’ب مِن فاهها، أما عنهُ فقد ألقـ ـى التحية عليها وقال مبتسمًا:
_صباح الخير، عاملة إيه؟.
أبتـ ـلعت غصتها بتروٍ وأجابته بنبرةٍ هادئة بعدما أستفاقت مِن صد’متها سريعًا:
_بخير الحمد لله.
أشار نحو المقعد المقابل لها وأضاف محتفظًا ببسمتهِ:
_تسمحيلي أقعد معاكِ؟.
نظرت إلى موضع المقعد قليلًا تُفكر بينها وبين نفسها قبل أن تعطيه إجابتها فهي حينما تراه تسعد وتشعر بالعديد مِن المشاعر نحوه ولَكِنّها كانت تعجـ ـز دومًا عن البو’ح بها وإفشا’ءها، أما عنهُ فقد كان لا يقـ ـل عنها شيءٌ فحاله كحالها تمامًا وقد وجد أخيرًا الفتا’ة التي كان يبحث عنها منذ زمنٍ تمكث أمامه الآن تعطيه موافقتها بوجهٍ مبتسم.
جلس أمامها مبتسمًا ثم نظر لها حينما أعادت هي خصلة شاردة خـ ـلف أذنها ليقول بنبرةٍ هادئة:
_مكُنْتش متو’قع أشوفك بصراحة، فرحت إني شوفتك صد’فة.
شعرت بالخجـ ـل حينما صوَّ’ب بصـ ـره نحوه ينظر إليها فهي تعلم أنهُ قد و’قع في شبا’كها لا محال لا مجال للمفــر فقد سقـ ـط الفأ’ر في مصيـ ـدة المكـ ـر وأنتـ ـهى الأمر، تحدثت دون أن تنظر إليهِ بنبرةٍ هادئة خجـ ـلة:
_تحب تشرب حاجة.
_أحب أجي أشرب شربات … عندكم شربات؟.
حسنًا حا’صرها وأفصـ ـح عن ما يكمُـ ـن في جبـ ـعته دون تر’دد لتتفا’جئ هي مِن ردّه كثيرًا ولذلك أشا’حت برأسها بعيـ ـدًا والخجـ ـل طا’غيًا على معالم وجهها، أما عنهُ فقد كان مبتسم الوجه متعـ ـمدًا قول ذلك حتى يرى كيف سيكون ردّة فعلها ليأتي قوله مِن جديد حينما قال مبتسم الوجه:
_صحيح لازم يبقى عندكم شربات دا السُكّر بنفسه قاعد فالبيت معاهم.
أبتسمت رغـ ـمًا عنها وقد تدرجت الحُـ ـمرة وجهها وإزد’ادت نبـ ـضات القلـ ـب أكثر لتقـ ـرر عد’م الردّ عليه والألتزام بالصمت، أما عنهُ فقد أتسـ ـعت بسمتهُ وخطـ ـف زهرة حمـ ـراء اللو’ن مِن أمامها وبدأ يقطـ ـف أوراقها مثلما فعلت وهو يردد قائلًا:
_بحبها، بحبها أوي.
كان يقطـ ـف كل ورقة يليها الأخرى ويردد هاتين الكلمتين وهو ينظر لها يرى بسمتها التي تحاول إخفا’ءها عنهُ ليبتسم عا’زمًا على فعـ ـل ما ينتوي عليه معها فقد رأى أن هذه هي ساعة الصفـ ـر ووجب عليه التحر’ك في أسرع وقتٍ ممكن.
_________________________
<“والصمت في حضرة المحبوب حُبًّا.”>
كانت تجلس في المطبخ على إحدى مقاعد الطاولة المتوسطة تقوم بتقـ ـطيع الخضراوات بهدوءٍ والصمت سيد المكان بعدما خـ ـلدت الصغيرة إلى النوم لتنتهز هي الفرصة وتقوم بتحضير طعام المساء قبل عودة زوجها مِن الخارج، فيما ولج هو لها بخطى هادئة ينظر إليها مبتسم الوجه ليراها كما أعتاد رؤيتها دومًا، أقترب مِنها بخطى هادئة ثم وقف خلـ ـفها وحاوطها بذراعيه يُلثم رأ’سها بقْبّلة حنونة قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_وحشتيني أوي.
أبتسمت حينما وصلها عبقه المميز والفريد مِن نوعه وقد شعرت كذلك بد’فئه يحاوطها لتر’فع رأسها حتى تنظر إليهِ بشكلٍ أو’ضح تُلثم وجنته بقْبّلة هادئة قائلة:
_وأنتَ كمان، جيت بدري النهاردة عن كل يوم.
أبتعـ ـد عنها جالسًا على المقعد المجاور لها قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_لقيتهم بيقولولي كفاية عليك كدا مع السلامة أقولهم لا يعني؟.
عقدت ما بين حاجبيها ونظرت إليهِ بعدما لَم تفهم حديثه ليقول هو موضحًا الأمـ ـر:
_يعني مِن الآ’خر أستـ ـغنوا عنّي.
أنتا’بها الر’عب حينما فَهِمَت مغزى حديثه الذي أو’قع قـ ـلبها أر’ضًا لتعلـ ـو ضحكاته عا’ليًا حينما قالت بنبرةٍ عا’لية بعض الشيء متحـ ـسرة:
_يا نهار مش معـ ـدي يا “مُـنصف” … طر’دوك!.
_لا يخر’بيتك فهمتي إيه أنا قصدي أستـ ـغنوا عن خدماتي كمهندس با’ئس زيي وعينوني المرة دي مدير للمشروع الجديد اللي مطلوب مِننا وأنا بنفسي اللي هـ ـدي للطلبة الجدد دورات تدريبية.
جحـ ـظت عينيها قليلًا حينما تلقت هذا الخبـ ـر السا’ر لتستغـ ـرق القليل مِن الوقت تحاول أستيعـ ـاب الأمر لتقول بعد برهةٍ مِن الوقت بسعادةٍ طا’غية مفا’جئةً إياه بردّة فـ ـعلها دون أن تشعر بنفسها:
_قول واللهِ العظيم يا “مُـنصف”، دا بجد يا حبيبي، طب أحكيلي بسرعة عايزة أعرف شو’قتني!.
أعتدل في جلسته ونظر لها بنفس الحما’س الذي يحو’مها منذ أن عَلِمَت ليقول بنبرةٍ سعيدة حما’سية:
_بُصي يا ستي جالنا صـ ـفقة جا’مدة أوي بعون الله هنا’كل مِن وراها الشهد ركزي معايا، الصـ ـفقة دي عن روبو’تات بس دي هتكون لرجا’ل أعما’ل يكونوا مسؤ’ولين عن تنظيم الصـ ـفقات بشكل متسـ ـلسل ممكن نستغـ ـنى عن فكرة السكرتير دي ونحط بداله روبو’ت يعرف الخصـ ـم اللي بيبقى داخل مع صاحبه، الداتا بتاعته كبيـ ـرة وهيبقى عنده كل معلومات الخصـ ـم نقاط القو’ة والضـ ـعف وكسب صـ ـفقات قد إيه وسيـ ـر الشركة ماشي أزاي وهل تستحـ ـق تدخل منا’قصة ولا لا حاجات كتير أوي يا “شيرين” وكبيـ ـرة بس إن جيتي للحـ ـق الصـ ـفقة دي هتساعد ناس كتير وهتكون فرصة ليا أنا إني أكون مدير للمشروع دا مخصو’ص وكمان هـ ـدي للطلبة الصغيرين دورات تدريبية بحيث يكتسبوا شوية خِبـ ـرة، بالله عليكِ تدعيلي أنا محتاج الدعوات دي أوي عايز أحـ ـقق اللي بسـ ـعىٰ عشانه.
ألتمـ ـعت مقلتيها بو’ميضٍ لا’معٍ لتقوم بمعانقتهِ بسعادةٍ واضحة مشـ ـددةً على عناقها لهُ، فيما أبتسم هو وضمها إلى أحضانه يُلثم وجنتها بقْبّلة حنونة، لحظات وأبتعـ ـدت عنهُ حتى تُتيح لها رؤيته بشكلٍ أو’ضح لتقول بنبرةٍ سعيدة حما’سية:
_ربنا ييسرلك الطريق ويرزقك مِن حيث لا تحتسـ ـب ويجعلك فكل خطوة سلامة ويوفقك فاللي جاي يا “مُـنصف” يا ابن حو’ا وأدم وأشوفك حاجة كبيرة كدا بقى طا’لع على المسرح بتتكرم على نجاح المشروع دا وأنتَ بقى لابس البدلة الكـ ـحلي وبتستلم شهادتك، لا لا التخيل فرحني أوي.
تعا’لت ضحكاته حينما رأى طريقتها في التحدث وحما’سها الكبير وسعادتها بهِ وبما سيصـ ـل إليهِ ليقوم بمعانقتها هو هذه المرة قائلًا بنبرةٍ ضاحكة مبتسم الوجه:
_يا حبيبتي وربنا أنا أمي كانت راضية عنّي عشان ربنا يرزقني بيكِ، تعرفي أنا عُمري ما أقدر أحب غيرك أنتِ الأولى والوحيدة فحياتي مش عايز غيرها.
أبتسمت هي وضمته إلى أحضانها تشاركه سعادته وحما’سته فيما هو مقبلٌ عليهِ، مسّدت على ظهره برفقٍ ثم أبتعـ ـدت عنه بعد دقيقة لتعاود فعل ما كانت تفعله لتسمعه يقول بنبرةٍ هادئة متسائلة:
_عملالنا إيه النهاردة بقى؟.
أجابته بوجهٍ مبتسم دون أن تحـ ـيد ببصرها بعيـ ـدًا عن ما تفعله قائلة:
_عملالك بصارة.
_أيوه كدا كدا أنا بقيت فقـ ـمة سعادتي و’ش.
هكذا أجابها بمرحٍ لتضحك هي بخـ ـفةٍ ثم قالت:
_أنتَ طلبتها مِني قبل كدا وأنا بصراحة مبقد’رش أر’فضلك طلب.
_تسلم إيدك يا حبيبتي … أومال فين “وتين”؟.
هكذا سألها عن صغيرته بعدما شكرها لتجاوبه هي قائلة:
_نايمة، قعدت تعيط كالعادة حبة حلوين لحد ما زهقت ونامت وبصراحة مصدقت خليني أشوف اللي ورايا شويه قبل ما ترجع تصحى تاني وتقعد تعيط.
حرك رأسه برفقٍ دون أن يتحدث لبرهةٍ مِن الوقت قبل أن ينهض قائلًا بنبرةٍ ظهر عليها الإر’هاق:
_طب أنا هروح أخد شاور وأرتاح شوية ولمَ تخـ ـلصي تعالي خُديلك ساعة معايا كدا كدا أنا مش جعان دلوقتي وقت ما أصحى نبقى ناكل.
حركت رأسها برفقٍ مبتسمة الوجه دون أن تتحدث ليتركها هو ويذهب لتنظر لأثره برهةٍ مِن الوقت قبل أن تعاود فعل ما كانت تفعله مبتسمة الوجه والسعادة تغمـ ـرها فقد سعدت كثيرًا لأجله لا شـ ـك في ذلك.
_________________________
<“لحظةٌ لَم تكن تخـ ـطر على خا’طره بدلت محو’ر اللُعبة بأكملها.”>
قضـ ـىٰ اليوم بأكمله في الخارج كعادته المعتادة خا’تمًا يومه بممازحاتٍ صبيا’نية مع “بـشير” ثم أخذ صغيرته التي كانت تغو’ص في ثبا’تٍ عمـ ـيقٍ دا’فنةً رأسها داخل عـ ـنقه لتقوم “هناء” بوضع الغطاء الصغير الثقـ ـيل عليها حتى لا تمر’ض ثم ودعت زوج أبـ ـنتها وذهب هو في طريقه إلى منزلهِ، كان يسير بخطى هادئة والمكان هادئًا للغاية مِن حوله فجميع المتاجر قد أغـ ـلقت بسـ ـبب بر’ودة الطقس مِن حولهم وأستقروا في منازلهم، ولج إلى ردهة العمارة مغـ ـلقًا الباب خلـ ـفه بهدوءٍ وحينما حانت مِنهُ لحظة الصعود منـ ـعته “شـيراز” التي كانت تقف على أولى الدر’جات تنظر إليهِ بهدوءٍ.
فيما تفا’جئ هو؟ بل صُدِ’م مِن وجودها فلَم يكُن يتوقع وجودها أو مجيئها إلى هُنا حتى لَم يتواصل مع “كين” في الآونة الأخيرة مِمَّ جعله يهـ ـدأ نوعًا ما، ولَكِنّ الآن تفهم هذا الهدوء الصامت الذي كان ملا’زمًا إياهم مؤخـ ـرًا، وسريعًا ضم صغيرته إلى أحضانه أكثر حا’ميًا إليها مِن شـ ـر الماكثة أمامه رامقًا إياها بنظراتٍ حا’دة قا’تلة، فيما نظرت إليهِ برهةً مِن الوقت قبل أن تبتسم إليهِ قائلة:
_أزيك يا “يـوسف”، وحشتني أوي.
متبـ ـجحة؟ نعم هذا أول شيءٍ قاله “يـوسف” داخل عقـ ـله حينما رآها تبتسم وترحب بهِ ليُيـ ـقن أن ساعة الصفـ ـر قد حانت وإن عَلِمَ “كين” الآن تواجدها هُنا فسيُعطي شارة ر’فع را’يات الحر’ب على الجميع فبالنسبة إليهم أبـ ـنته خـ ـطٌ أحمـ ـر عـ ـريض لا ينبغي على أحدهم تخـ ـطيه وإن كان بالخـ ـطأ.
_إن كان القريب غد’ارًا والنفـ ـس أمارة،
فمرحبًا بهم في جحيـ ـم الجبا’برة.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية جعفر البلطجي ) اسم الرواية