رواية نصف الجمال الفصل الثالث 3 - بقلم ولاء عمر
شايفين إزاي إني هقدر أبدأ وأحارب وأنا كل اللي جوايا مانعني من إني أتحرك سنتي، أو حتى أبطل أخاف، أقلق، أضحك أو حتى احس بطعم الحياة من تاني، بس وكإنها بلا لون أو ريحة.
كمل كلامه:- وشك بيقول إنك يائس من رحمة ربنا.
– مش عارف، بس أنا مش قادر أكمل في حياتي ولا عايز.
– بتبان لك متقفلة ومش محلولة، بس هي عند ربنا محلولة من زمان، إعشم في ربنا يا ولدي، وخد بالأسباب وحاول مش عشان حد كد ما هو عشانك، إسند نفسك يا ولدي وتوكل على الله.
– أنا تايه.
– إرجع لربك من تاني يا نوح، خد بالأسباب وإتعالج كمان.
– وليه يهمك أمري؟
– عشان أنا مربيك على إيدي، نوح اللي كان حافظ لكتاب ربنا، ومحافظ على صلواته كلها في الجامع، الشاب اللي كان بيتضرب بيه المثل في كل حلو، يرضيك بعد كل دا أشوفك كدا؟
خلص كلامه وملحقتش أرد عليه علشان هو كان نادى عليهم يدخلوا، وهي كمان كانت داخلة معاهم، صديقة الطفولة ورفيقتي ساعتها في حفظ القرآن.
– نسيب العرسان مع بعض.
قالها عمي سعيد بعد وقت قليل متمجعين فيه.
– عاملة إيه ؟
– الحمد لله.
– متغيرتيش يا سارة، لسة زي ما أنتِ.
لسة زيّ ما هي هادية، عينها في الأرض، ابتسامتها بسيطة، ضحكتها هادية، لمحة سمارها اللي محلياها.
فوقت لنفسي من خيالاتي وهي بتقول:- بس إنت اتغيرت يا نوح.
وكإن بقى في ثقل على قلبي، أنا وهي والكل مدركين سبب تغيّري، وسبب اللي أنا فيه وإكتئابي، وقلقي وشعور الفقدان اللي محفور جوايا، بس أنا ساكت وما متكلمش.
تجاهلت جملتها وأنا بسألها :- موافقة عليا يا سارة ؟
هزت رأسها دلت على موافقتها، كملت:- أتمنى ميجييش وقت وتحسي تجاهي بالتقل.
قولت كلامي وأنا معارفش أقول إيه، أو بقول إيه! مشتت وضايع من كل النواحي، مش عارف أنا كويس ولا لاء، أو لو صارحت نفسي فأنا فعلاً مش كويس.
دخلوا كلهم وأنا الحقيقة بالرغم من كل المشاعر المختلطة اللي جوايا إلا إني مرتاح، في جزء مني طلع معاها ولو بسيط.
روحت وأنا مشتت، عمي سعيد دا في مقام ابويا، هو اللي طلعت على إيده، لسة فاكر أول لما أنا ونادر تمينا حفظ جزء عم وفرحته بينا، فاكر كل خطوة خطاها معانا.
بس أنا مش عايز اظلمها معايا.
ـ نوح، بكرا الجلسات بتاعتك هتبدأ.
– لسة مُصِر برضوا يا أبوي؟
– وجايب كمان هناء أختك تقنعك.
– خبر إيه عاد؟! ما إنت لسة كنت جايب وائل جوزها!
هلاقيها منك، ولا من عمي سعيد؛ ولا من وائل؛ ولا من أمي؟ لاء وكمان جايب لي هناء؟
ردت عليا هناء:- ومالها هناء بقى يا نوح بيه؟
– مالهاش، هاتي معاكي أختك شادية بالمرة!
– لاء، إحنا مش هنتقل عليك ونجيب ناس كتير.
– إنتوا عارفين إني مبحبش الزن.
– ما أنت هتوافق ترجع لحياتك من تاني وشغلك ودنيتك.
طيب ليه محدش فاهم إن حياتي حياته، وشغلي شغله، ودنيتي هو كان مكملها!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من بعد الحلم وأنا فضولي قاتلني إني أبحث عن المرض وأعرف أكتر، كنت قولت إني مبعملش في يومي حاجات كتير؛ بس مقولتش إني فضولية وبحب أبحث، يمكن في المرات اللي فاتت سمعت فيها عن المرض ما إهتمتش، لكن من بعد الحلم وأنا عايزة أبحث وأعرف.
قاعدة بفتكر أحداث اليوم من أول ما جه لحد ما مشي، بداية من أبوي اللي مقاليش هو طلب يقعد معاه لوحده ليه، وإني قعدت معاه، كـ عادته بطمن بوجوده من صغري كيف ما كانت حالته، مازال الجلابية والشال بيدوه هيبة فوق هيبته، بس لمعة الحزن اللي في عينه ثابته من يومها.
مش هعدي إني أمي وأبوي عمالين يزنوا عليا، هروح أصلي استخارة وبعدها ابدأ أبحث .
خلصت وبالفعل بدأت و عرفت إن
الشلل الهستيري هو حالة نادرة بتحصل لما شخص يتعرض لضغط نفسي شديد أو صدمة قوية، زي مثلاً لما يفقد حد غالي عليه. الجسم بيفضل سليم من الناحية الجسدية، يعني الأعصاب والعضلات بتشتغل بشكل طبيعي، لكن العقل بيترجم الصدمة لحالة جسدية زي الشلل أو فقدان الإحساس في جزء معين من الجسم.
بمعنى أوضح، الشخص اللي عنده شلل هستيري ممكن يحس فجأة إنه مش قادر يحرك رجله أو إيده، رغم إنه طبيًا مفيش أي سبب يفسر الشلل ده. العقل بيكون متأثر جدًا بالمشاعر السلبية، وبيحاول يهرب من الألم النفسي عن طريق التسبب في أعراض جسدية.
اللي بيحصل إن العقل بيوصل لمرحلة مش قادر فيها يتعامل مع الحزن أو التوتر، فبيحصل نوع من “الإغلاق” الجسدي. الحالة دي بتكون غير إرادية تمامًا، يعني الشخص مش بيعمل كده عن قصد، لكنها مرتبطة بالمشاعر المكبوتة.
العلاج غالبًا بيكون عن طريق العلاج النفسي، علشان الشخص يبدأ يفهم سبب الأعراض دي، ويتعامل مع الصدمة بطريقة صحية. ومع الوقت والدعم، الأعراض دي ممكن تتحسن تدريجيًا.
خلصت البحث عن المرض وأنا بفتكر إن فعلاً هما لفوا على دكاترة كتير ومكانش عنده أي سبب عضوي، حتى العلاج مأثرش ولا جاب نتيجة، لحد ما راحوا لدكتور دلهم على دكتور نفسي وساعتها الدكتور قالهم بعد فحوصات وتحاليل إن سبب المرض نفسي مش عضوي، لكن نوح رفض وقعد يقول هو أنا مجنون، ساعتها رفض يتعالج وقفل على نفسه ألف باب وباب.
نمت وأنا مقررة وناوية إني أعرف عن الموضوع أكتر وأعرفي إزاي بيتم العلاج.
أنا أيوا البنت اللي مكملتش بعد الدبلوم بس بحب أبحث وأعرف حاجات كتيرة.
“كوني سبب في علاجه.”
“هو محتاج حد يوعيه.”
تاني؟! للمرة التانية أصحى على نفس الصوت اللي جاي من بعيد في الحلم، كمان مش حاسة إن قلبي مقبوض. كان الفجر خلاص، فتحت الشباب ووقفت قدامه وأنا افكاري عمالة تروح وتيجي.
خلصت روتيني اليومي وقعدت، ومن ساعة ما الحاجة شافتني وهي قاعدة تعد لي في مميزات نوح، وأخلاقه، وتربيته، وكله على بعضه.
يا أخي الأمهات دول عليهم حاجات، يعني عشان ولد أخوها تبينه ولا كإنه شاروخان؟!
– يعني هتوافقي ولا ما هتواففقيش؟
قعدِت شوية ساكتة وبعدين قالت:
– العمر بيجري يا سارة، إحنا مش هنعيش لك العمر كله علشان كل أما يجيلك عريس ترفضيه وتمسكي فينا زي العيل الصغير.
– ربنا يديمكم العمر كله.
– ويبارك فيكي يا حبيبتي بس وافقي.
فنون ردها بتعجبني، بتبهرني، وبتصدمني.
وافقت بعد زنهم، وأنا وافقت من هنا وكل حاجة كانت جهزت في خلال عشر أيام، النهاردة كتب كتابنا، أيوا أيوا كتب الكتاب، كل حاجة بتجري بسرعة أنا مش مستوعباها.
“بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.”
ما بين الزغاريد اللي كانت طالعة كنت شايفة نظرات مراتات أخواتي وأخواتي بشماته.
” يعني حتى حلاية مش حلوة.”
ضحكة صفرة بعد الجملة، اللي طلعت أصلاً من بنت أخويا اللي هي أكبر مني.
كملت بعدها واحدة مراتات أخواتي
” يا بنتي هي أصلاً بصي يعني شكلها؟ كنتي مستنياها تطلع حلوة لمين؟”
مقدرتش أسكت علشان زودوها وقولت بعصبية:- كل واحدة منكم تحط لسانها جوا بوقها، واللي هتتكلم كلمة كمان تتفضل الباب يفوت جمل.
قالت واحدة منهم بغِل:- قال يعني واخدة واحد سليم؟! دا مشلول.
قربت منها وإتكلمت جنب ودنها بنبرة خبيثة:- بتلومي على واحد مرضه مش بإيه؟! واحد سيرته طيبة وسط الناس وبيتضرب بيه المثل في الأدب والأخلاق؟! كيف نسيتي تبُصي على ولدك اللي السيجارة مبتطلعش من بوقه، اللي مبيحترمكيش؛ اللي دايمًا بيهزقك وكاسفك وسط الكل، ولدك اللي صحابه اللي كَدُه فاتحين بيوت وهو لحد دلوقتي بيأخد منك المصروف، مابلاش أعلي صوتي وأكسفك أنا!
طبطبت عليا طبطبة هي فاهمة معاناها ومشيت من جنبها بإبتسامة.
كلامهم يوجع آه، بس أنا مش هسكت، اللي تفكر تدوس لي طرف أدوس عليها.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية نصف الجمال) اسم الرواية