Ads by Google X

رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل الثالث 3 - بقلم اية حسين

الصفحة الرئيسية

  

رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل الثالث 3 - بقلم اية حسين



 الفصل الثالث: وله في كل موضع ذكرى
          
                
أغلق معها المكالمة و هو يبتسم إبتسامةً بلهاء و يرقص بشكل يثير الضحك، ليلاقي غضب صديقه الذي يصبه عليه "عمر" صارخًا:
- أنا بقى عايز أفهم الحركة الزبالة الي أنت هببتها ديه.
قال الآخر بنشوة لا توصف متجاهلًا قول "عمر":
- رنت عليّ!
- طب لما أقتلك بقى متبقاش تزعل عشان أنت عيل مستفز و مُشلّ.
رد "علي" متذمرًا:
- ما خلاص يا عم متزودهاش بقى ده أنت اوفر صحيح.
استطرد حديثه ببهجة وكأنه يبشر بحدث عظيم:
- بقولك "مي" اتصلت بيا، ديه أول مرة تعملها، و عايزاني في موضوع.
تحولت نبرته إلى التساؤل و هو يقول:
- تفتكر عايزاني في ايه؟
سأله "عمر" مستغربًا متعجبًا هازًّا رأسه:
- ثواني بس، أول مرة تتصل بيك ازاي؟! أنتم مخطوبين بقالكم ٣ شهور!
- شفت بقى الغُلب الي أنا فيه
رد "عمر" ساخرًا لكنه لم ينجح في إخفاء نبرة الغضب من صوته:
- لا صعبت عليّ فعلًا.
تحولت نبرته للغضب كليًا وهو يردف:
- لسة مش طايقك على فكرة.



ثم زفر "عمر" زفرة أخرج معها غيظه وسخطه، خوفه وقلقه، تيهه وحيرته، هل يقبع أبواه اللذان أحرقه الشوق لهما خلف ذلك الباب الذي وقف أمامه؟ أم أنه شخص يتلاعب به لا أكثر؟ يحاول البقاء طبيعيًا رغم ما صراع التساؤلات داخله.



ودّع صديقة، لكنه لم يعُد للعنوان في الورقة، هل كان سيدخل لولا إتصال "علي"؟ لا يدري، يخشى المواجهة وبشدة، يخشى أن يكون كل ذلك سراب، ويخشى أن يكون حقيقة، فيُصدم بحقيقة أن أهله تخلّوا عنه، يخشى تلك اللحظة التي قد يراهما بها ويسأل: لماذا تركتماني؟



                                         ∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆



هناك نوعان من البشر، محبو الشاي و محبو القهوة، أما "إسراء" فهي تعشق الكاكاو، حضّرت لها كوبًا من الكاكاو ثم اتجهت نحو فراشها لتسافر عبر كتابها أثناء تلذذها بكوب الكاكاو. وجدت إشعارًا من هاتفها ففتحته لتجد حسابًا باسم "مروان" يرسل لها طلب صداقة، تذكرت أنه ذلك الفتى الذي سلّم عليها أثناء وقوفها مع "آية" في الكلية، كيف حصل على حسابها بتلك السرعة؟ وجدته قد أرسل لها:
- ازيك يا "إسراء" عاملة ايه؟
و تليها:
- أنا "مروان" زميلك في الكلية.



بمجرد أن رأت تلك الرسائل حظرت الحساب، من يظنّ نفسه حقًّا؟ ثم إنّ هيئته و طريقة حديثه لا تبشران بخير أبدًا.



أنهت كتابها و مزاجها متعكر، فلا شيء أسوء من إنهاء كتاب عشنا معه الكثير، بكينا و ضحكنا و صُدمنا و عشقنا، كيف سنكون بعد فراقه؟ وجدت إشعارًا آخرًا على هاتفها، كان طلب صداقة من "آية" تلك المرة، من أين يأتون بحسابها؟! هل يريد الجميع مصادقتها أم ماذا؟ فكرت قليلًا قبل أن تقبله، رغم أنها ترى "آية" مائعة ولا تروق لها، إلا أن لديها العديد من المميزات، هي جميلة، حجابها جميل، متدينة وذكر الله لا يفتأ يترك لسانها، لو لم تكن هناك فائدة من التعرف عليها لن يكون هناك ضرر. قررت في البداية -عندما اكتشفت أن "آية" زميلتها- عدم الإحتكاك بها، أما الآن فهي لا تمانع التعرف عليها، لن تكونا صديقتين حميمتين على أية حال، فهما مختلفتان بشكل كبير.




        
          
                
                                    ∆∆∆∆∆∆∆∆∆



جلستا على الكرسيين بعدما أنهتا محاضرتهما، و قد اشترت "إسراء" فطيرتين لها و لـ"آية" التي باتت تتقبلها أكثر من قبل، فوجدتا "مروان" يدخل عليهما قائلًا بتضاحك:
- ايه يا جماعة متحسسونيش إنكم مش طايقيني، ولا واحدة فيكم قبلت الآد! ليه كده بس؟
قامت "آية" بصمت متأففة من ذاك الفتى المزعج الذي يلاحقهما، تلتها "إسراء" قائلةً بتشفي:
- عيبك إنك مبتتعلمش من الدرس، مش أنا قولتلك قبل كده سلام يا مهزأ؟ يبقى سلام يا مهزأ متصدعناش.



ثم انطلقت حيث غدت "آية" و هي تقول بإنزعاج:
-  الواد ده مستفز اوي بجد هيحل عن دماغنا امتى بقى.
علقت "آية" بسخط:
- اوي يعني، أنا مش فاهمة مين اداله الحق إنه يدخل يهزر معانا كده.
تشعر "إسراء" بالذنب قليلًا أنها لم تكن تطيق "آية" من البداية، إنها خلوقة وجميلة. لمَ عليها أن تكون رقيقة بشكل مستفز لهذا الحد؟!



قالت "آية" بوجه بشوش:
- "إسراء" ينفع أقولك حاجة؟
ردت "إسراء" بإستغراب:
- ماتقولي على طول في ايه؟
قالت "آية" بنبرة صوت محببة للقلب:
- أنتِ جميلة اوي، شكل وشخصية على فكرة، يعني من أول يوم شفتك فيه في المكتبة وأنتِ بتتكلمي عن الكتب كده ووشك بيلمع، حسيت إن شخصيتك حلوة وحبيتك وحبيت طريقتك ودماغك قمر بجد، وفيكِ روح حلوة كده مش أي حد بياخذ باله منها.
ابتهج وجه "إسراء" و سعدت بكلمات "آية" الطيبة التي تطرب الأذن فقالت و قد تجلّت سعادتها:
- شكرًا يا ستي، بس بمناسبة ايه الكلام الحلو ده؟ 
- من غير مناسبة؛ حسيت إني مقولتلكيش فقلت لازم أقولك إني بحبك، مش في حديث لما رجل كان عند النبي ﷺ فمر عليهم رجل ثاني فالرجل الأول قال: يا رسول الله، إني لأحب هذا، فقال له النبي ﷺ: أأعلمتَه؟ قال: لا، قال: أعلِمْه.



لا تتأثر "إسراء" بالكلام عادةً لكن كلمات "آية" كانت سحرية؛ دخلت قلبها بسهولة فقط لأنها خرجت منها بسيطة صادقة.



قالت "إسراء" مغيرةً الموضوع و هي تشير إلى الفطيرة التي لم تمسها "آية":
- كلي مبتاكليش ليه؟
تغيرت تعابير "آية" قليلًا وهي تقول:
- شكرًا مش عايزة.
قالت "إسراء" و قد علا صوتها بعض الشيء:
- لا مهو أنا مينفعش أبقى وقفت في الطابور الطويل العريض ده كله عشان أجيبلنا وفي الآخر يبقى مش عايزة، هتاكلي ومش بمزاجك على فكرة.
قالت "آية" بإصرار:
- وأنا مش عايزة، مش قادرة آكل.
- لا بقولك ايه أنتِ مش هتعملي كيوتة عليّ والله لأنتِ واكلة.



ظل الأخذ و الرد بينهما و قتًا إلى أن عبست ملامح "آية" و انتفخت عينيها بوخز الدموع مما أثار تعجب "إسرء" فقالت:
- في ايه يا "آية" مالك؟
اعترفت "آية" بما يدور داخلها بحزن ملأ قلبها:
- مش عايزة آكل عشان لما أروح البيت ماما تقعد توصف في عيوبي وإني تخينة وعمالة آكل لحد ما هبقى فشلة، عشان كده بحاول ما آكلش؛ يمكن أخس وأعجب ماما.




        
          
                
زُمَّتْ شفتا "إسراء" التي ظلّت تنظر لـ"آية" بدهشة وهي تستطرد بصوت متحشرج:
- ناس كثير بتقولي إن شكلي حلو، بس ماما مش بتعلق غير على وزني، ياريتها كانت بتقول كده بيني و بينها حتى ديه كل ما يبقى عندنا تجمع عائلي أو مع ناس تقلب القعدة على وزني، في الأول قرايبنا كانوا بيستغربوا ويسكتوا، بس بعدما لاقوا إن ماما مابتبطلش بقوا يتريقوا زيها.



شقت عبرة طريقها على وجهها و هي تقول بحسرة:
- أكيد بيقولوا: ديه أمها نفسها بتهينها وبتتريق عليها يعني جت علينا؛ ماما رخصتني قدام الناس.
نظرت لـ"إسراء" بحيرة و هي تسأل:
- هو أنا فعلًا تُخني مخلي شكلي وحش وما أتحبش؟
أجابت "إسراء" سريعًا بما أملاه عليها قلبها وعقلها:
- أبدًا ده أنتِ زي القمر.
قالت "آية" و قد شعرت بهرس فؤادها قطعة قطعة:
- أنا مش عارفة أشوف كده، مش عارفة أشوف غير الي هي شايفاه.
ثم أضافت بحزن عميق و جرح لا يُشفى؛ و هل تُشفى الجراح حين تكون من الأهل؟:
- نفسي تفهم إني مبشوفش نفسي إلا من خلالها، إنها العدسة الي بشوف بيها نفسي والدنيا.
تنهدت "إسراء" ثم أتبعت تنهيدتها بقولها:
- طول عمري أسمع إن القرد في عين أمه غزال، أول مرة أشوف الغزال الي في عين أمه قرد.



قالت "إسراء" محاولةً التهوين عليها:
- بس والله أنتِ قمر بجد، و حتى لو لا الشكل مش مهم، شخصيتك أجمل وأهم بكثير.
صمتت للحظة ثم قالت لتغير الموضوع:
- أنتِ عارفة أنا أول ما شوفتك وأنتِ بسكوتة كده قلت ايه البت المايعة ديه.
قالت "آية" و هي تمسح دموعها وتشير إلى نفسها متعجبة:
- أنا مايعة؟!
- لا متستعبطيش يا "آية" أنتِ مايعة فعلًا.
نظرت لها "آية" بحنق فتابعت "إسراء" بصدق:
- بس مياعة حلوة، حاجة مكس رقي على ذوق على أخلاق، البنت كما يقول الكتاب يعني. هو أنا مبعرفش أقول كلام حلو بس أنا حبيت شخصيتك في مدة قصيرة الحقيقة بعدما كنت مش طيقاكِ وهموت وأديكِ بالجزمة؛ قدرتي في وقت قصير تخليني أتقبل أقعد معاكِ على ترابيزة واحدة.
قالت "آية" ضاحكة:
- شكرا اوي يا "إسراء" بس بلاش تقولي كلام حلو ثاني بجد.
- سبنالك أنتِ الكلام.



لم تكذب "إسراء" فيما قالته، لقد بدأت تلك الفتاة تأخذ حيزًا من قلبها. غيرت القاعدة لديها إذ دخلت حياتها وجعلتها تحبها بسهولة وهي "إسراء" التي تبغض الإختلاط بالبشر. ثم قالت "إسراء" وهي تشير إليها بالفطيرة:
- كلي يلا بقى متعصبينيش.
وبالفعل بدأت "آية" تقطم قطعة من الفطيرة.



كان موعد المحاضرة فقامتا إليها، جلستا هناك لمدة محاولاتان تفادي مضايقات "مروان"، خرجتا بعدما انتهت المحاضرة ومُحيت آثار الحزن من على وجه "آية" فنادتها "إسراء" ناطقةً اسمها، ردت عليها "آية" مستفسرةً فقالت إسراء:
- مامتك
تبدلت تعابير "آية" فأردفت "إسراء":
- مش عايزة وشك يتقلب لما تسمعي سيرتها كده، اوعي تشيلي منها وسامحيها؛ ديه أمك الي جابتك للدنيا وليها فيكِ أكثر ما ليكِ في نفسك، ومستعدة تعمل أي حاجة علشانك، حاولي تتكلمي معاها في حاجات ثانية واعملي معاها ذكريات كثير؛ عشان لما تسيبك وتمشي تبقي فاكرالها الحلو، كلنا بنغلط واحنا فاكرين إننا ماشيين صح فمتقسيش عليها.




        
          
                
أردفت بحزن تعمق في صدرها منذ أعوام وهي ترى "آية" المرتبكة:
- صدقيني وجود مامتك في حياتك  نعمة غيرك بيتمناها، غيرك يتمنى بس يلمح أمه في حلم.



لم تدرِ "آية" أن الغير الذي يتمنى تلك النعمة هي "إسراء" التي لم ترَ والديها قط، لكنهما يبقيان حاضرين في ذهنها في كل مرة تستمع لـ"عمر" وهو يحكي عنهما، يخبرها كم أحباها، كيف كانا حين حملاها لأول مرة، والكثير والكثير من الأوصاف و القصص، حتى بقيا طيفًا يزوران أحلام يقظتها، تتخيل والدتها و هي تمسح على شعرها و تسرحه لها، تنتقي لها فستانًا جميلًا، تعانقها وتنام في حضنها، تخبرها كم تحبها. تتخيل أيضًا أباها، تتخيله يشتري لها هدية بمناسبة نجاحها، يأخذها من يدها كي يقضيا وقتًا ممتعًا بالخارج، يقبلها ويعانقها، وتتخيله يقف في وجه عمها، يحميها منه ويوبخه على أفعاله ثم يأخذها من هنا لتفيق من أوهامها على صوت شجار عمها وزوجته أو صوته وهو يضرب ويستصرخ أخاها الذي يكون قد منعها من الخروج من الغرفة للدفاع عنه كي لا تُصاب بأذى.... وتبقى الأحلام أحلام.



                                        ∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆



خرج "علي" من عيادته ليقف تحت المبنى السكني الذي يسكن به منتظرًا شقيقته "عالية"، لأن والدته اتصلت به تطلب منه أن يصطحب أخته إلى مدرسة ولدها حيث طلبوا منها الحضور لإجتماع أولياء الأمور، ستحصر ثم تأخذ ابنيها وترحل
نزلت "عالية" ثم ركبت معه لينطلقا نحو المدرسة.



وصلا إلى المدرسة فبقي "علي" بالخارج ينتظر خروج الطفلين في حين دخلت "عالية" للتحدث مع المعلمين، استطاع "علي" سماع حوار دار بين أم وولدها باللغة الإنجليزية مع بعض الكلمات العربية التي تدخل في الوسط، كان الابن يحكي لوالدته عن يومه ثم تخبره أمه بأن عليه حل الواجب المنزلي عندما يصلان للبيت، تعجب "علي" من تحدثهما باللغة الانجليزية رغم أنهما ليسا في محاضرة أو حصة لتعلمها، ثوانٍ قليلة وخرج "مصطفى" و"منة" فوجدا "علي" يقف في الخارج، تبعتهما "عالية" سلم "علي" على الطفلين وهو يداعبهما، ثم أشار إلى الأم وطفلها سائلًا "عالية":
- هو الواد "مصطفى" معاه عيل أجنبي في الفصل؟
نظرت "عالية" للولد ثم إلى "علي" وهي ترد مستغربة:
- أجنبي ايه ده "سليم" مصري عادي.
- يبقى أكيد أمه أجنبية؟
- لا خالص برضو، ليه يعني؟
سألها متعجبًا:
- اومال بيتكلموا إنجليزي ليه؟
ضحكت "عالية" ضحكة قصيرة تبعها قولها:
- لا هو في فئة من البشر عاملين كده عادي، عقلية غبية فاهمين إن لما يتكلموا إنجليزي يبقى هم كده متحضرين، و أي حاجة بالإنجليزي تبقى أكيد أحلى من بالعربي، الولد هينبسط أكثر في الـgarden مش في الجنينة أو الحديقة، الـwater أكيد صحية أكثر من المياه، الـsweets أكيد طعمها أحلى من الحلويات، والدين حاجة مش مهمة في حياتنا، يعني حاجة على جنب كده، لحد ما طلعوا جيل لا فاهم في لغته ولا في دينه، و بقوا شوية ناس تافهة بتدور على حاجات يتمنظروا بيها على بعض و خلاص، أنا بعلم ابني الإنجلش اه لكن لغته لازم يبقى ليها دور في تكوينه ويفتخر بيها و ببلاغتها.




        
          
                
ابتسمت بحنين وهي تضيف عن زوجها الذي لها معه في كل موضع ذكرى:
- عارف، "محمد" دايمًا كان بيقولي كده، وإن اوعي تتكلمي معاهم إنجلش كثير فينسوا لغتهم، وكان مهتم يأسسهم في دينهم صح، لما معاد درس أو تمرين يدخلوا مع معاد حصة قرآن كان يقولي القرآن أهم الغي الباقي أي حاجة ثانية تتعوض، و كان بيحاول يدورلهم على مقاطع للتفسير تكون بسيطة لسنهم عشان ميبقوش بيحفظوا و خلاص، لحد ما بقوا مختلفين عن كثير من زمايلهم.



ابتسم "علي" و هو ينظر لها بحنان ثم قال مشاكسًا:
- لازم تدخلي سيرته في كل حاجة.
ما كان جوابها إلا أن رددت كلمات "أبي نواس" التي تمكنت من الغوص داخلها و وصف حالتها:
- إذا ما الشوق أقلقني إليه
و لم أطمع بوصل من لديه
خططّت مثاله في بطن كفّي
و قلت لمقلتي فيضي عليه



بعد دقائق كانوا يجلسون في سيارة الأجرة حين قال "مصطفى":
- "آدم" صاحبي اتخانق معايا النهارده وقال إني غلطان وأنا مغلطتش.
أتاه رد والدته:
- ليه؟ احكيلي الي حصل 
أجاب الولد ببعض السخط على صديقه:
- مفيش، هو كان واقف لوحده في الفسحة فقلت أخضه بهزر معاه يعني قام زعل مني وكبّر الموضوع، وأنا معملتش حاجة أنا كنت بهزر.



قالت أمه فاعلةً كما تفعل كل أم، تشير لأبنائها على الصواب، تعينهم وتفهمهم، ثم تطلقهم ليكونوا جاهزين على خوض الطريق:
- بس الي أنت عملته غلط، مينفعش تخض صاحبك أو تخوفه لأن ده بيؤذيه، و كمان عشان الرسول صلى الله عليه وسلم قال: 'لا يحلُّ لمسلمٍ أن يروِّع مسلمًا'، و احنا دايمًا بنسمع كلام الرسول.
رد "مصطفى" متململًا:
- عليه الصلاة والسلام، بس أنا كنت بهزر مش قصدي حاجة، و هو محصلوش حاجة هو كويس.
- حتى لو بتهزر مينفعش، في آداب للمزاح.
- حتى ديه ليها آداب؟!



أجابت "عالية" بحنو و هي تمسح على شعره:
- طبعًا، كل حاجة في ديننا ليها آداب، آداب المزاح زي إنك متكذبش ومتقللش من حد أو تتريق عليه عشان تهزر، ولا تخوف حد، ديننا جميل فزينلنا الأدب والأخلاق وحُسن التعامل، عشان تكسب محبة الناس في الدنيا، وأجر كبير في الآخرة.
قال "مصطفى" مقتنعًا:
- خلاص بعد كده مش هخض حد ثاني.
- وتروح تعتذر لصاحبك بكرة.
- حاضر
قالت "عالية" وهي تقبل رأس ولدها:
- شاطر يا حبيبي ربنا يرضى عليك.



أُعجب "علي" بذلك الحوار الذي دار بين شقيقته وولدها، كان يعرف تلك المعلومات لكنه يعرفها قولًا فقط، أما عملًا فلم يعمل بها، شعر بالندم و قد أدرك ما فعله، يحفظ الكثير منّا الأحاديث و الآيات، لكن.... هل يعمل بها؟



                                      ∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆



كانت "هناء" و ابنتها "عالية" تتجهزان للذهاب لمنزل "مي" بينما ذهب "علي" و والده ليصليا صلاة المغرب في المسجد، انقضت الصلاة فعادا إلى المنزل ليصطحبا "هناء" و"عالية"، خرجت "هناء" من غرفتها فقال زوجها "كمال" مداعبًا متغزلًا:
- أعمل ايه في الحلويات والسكر ده بقى؟
ضحكت "هناء" فقالت:
- بس يا راجل يا بكاش، بقى أنا حلويات؟
- طبعًا اومال ايه.
التفت لولده "علي" و أردف:
- قل لها حاجة.
قال "علي" غامزًا:
- حلويات طبعًا مش "أم علي"؟



قهقه الجميع على جملته أثناء نزولهم إلى السيارة. وصلوا للبيت أخيرًا، ثم دخلوا بعد ترحاب من العائلتين، بعد دقائق كان الجميع يجلس على  مائدة الطعام وقلب "علي" يخفق وعينه ترجوه للنظر إليها وعقله لا يتوقف عن تخيل الأمر التي تريده فيه "مي"، مر الوقت حتى صارا يقفان مع بعضهما، و"مي" تفتش عن شيء لتقوله، زاد "علي" من توترها حين سأل:
- كنتي عايزاني في ايه بقى؟
حاولت تكوين جملة مفيدة فكانت النتيجة أن قالت بلسان ثقيل متلعثمة:
- كنت عايزاك في..... ككنت عايزة أقولك يعني...... كنت عايزاك في موضوع مهم.
- ايه هو؟



أدركت أنها لن تستطيع الكذب ولن تجني منه شيئًا فقالت:
- بصراحة أنا معنديش حاجة أقولها، أنا كلمتك عشان حسيت إننا مبنشوفش بعض تقريبًا فقلت لازم نقعد مع بعض.



خجلت أن تعترف بأن والدتها هي من أجبرتها على إجراء تلك المكالمة فقالت ما قالته مما جعل السعادة تنتشر بشكل هيستيري في جسده و اتسعت ابتسامته حتى كادت تصل إلى أذنيه، هي تفكر به أيضًا إذًا! اطمأن بجوابها ذاك كثيرًا فقد ساورته الشكوك بأنها مُجبرةٌ على هذه الخطبة، قال:
- تصدقي إن ده أحلى من أي موضوع تعوزيني فيه.



ثم أضاف مازحًا:
- إلا بقى لو طلبتي نخش على كتب الكتاب على طول.



انقبض قلبها من مجرد أمر عقد القران، مازالت لا تتقبل فكرة أنها ستتزوج، تحاول تجنب التفكير في هذا الأمر، فظلت- في لحظات الصمت التي تحتل حوارهما- تتفكر في شخصية "علي"، يبدو مرحًا لطيفًا، كيف يستطيع البقاء مبهجًا هكذا؟ تذكرت ما قالته والدتها عنه:
- هو غير إنه شاب محترم وبيتقي ربنا وبيحبك وعينيه فاضحاه، سحنته كده فيها حاجة مريحة، متفهميش ديه عينيه الي محلياه ولا ابتسامته اللذيذة كده ولا نظرته الي تحسيه أغلب الوقت فرحان، حاجة كده تتحس متتشرحش، واد يملأ العين و القلب كده بس أنتِ شكلك هتضيعيه بهبلك.



سألته فجأة:
- هو أنت ازاي مريح كده؟
سأل وهو يرمش بعينيه مستغربًا:
- مريح ازاي يعني؟
أحابت تفسر له:
- يعني الي يبص في وشك يحس إنه مرتاحلك كده و يحس بالدفا.
رد و قد ندّت منه ضحكة قصيرة:
- معرفش أنتِ شيفاني بطانية ولا ايه بس وشي مش أنا الي متحكم فيه، ربنا الي خلقني، و لو شايفة حاجة حلوة في وشي يبقى الحمدلله نعمة منه.
- طب هو أنت بتبقى على طول فرحان ومبتسم كده ولا ديه تهيؤات مني؟
- محدش بيبقى فرحان طول الوقت أكيد مهما كانت حياته حلوة لازم يتضايق ساعات ولو بقدر بسيط، بس إن أغلب وقتك يبقى فرحة ديه حاجة في ايد الإنسان نفسه مش حد ثاني، بإنه يبص على النعم مش النقم، ويحقق الرضا مش السعادة؛ لأن السعادة شعور لحظي أما الرضا فهي الحاجة الي هتستمر مع الإنسان حتى لو مفيش سبب للسعادة، أنا الحمدلله حياتي فيها نعم كثير اوي تخليني فرحان.
استطرد "علي" ضاحكًا:
- وبعدين ما طبيعي تشوفيني فرحان مش ببقى معاكِ؟



                                      ∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆



نزل "عمر" من وسيلة المواصلات التي ركبها وقد أصبح يفصله شارعان يعبرهما فقط ثم يصل إلى تلك الشقة مجددًا، يبدو ساكنًا من الخارج وبداخله امواج عاتية تكاد تُغرق كل شيء، و ذهنه يردد: هل بعد الفراق يا أمي لقاء؟ وقبل أن يخطو خطوته الأولى رآه.... إنه عمه "إسماعيل"! ركض نحو الشارع بسرعة دون أن ينتبه للسيارة تعدو نحوه بشكل مُفزع، استطاع في آخر لحظة وقبل أن يطير جسده ليسقط على الرصيف بسبب ارتطامه بالسيارة رؤية عيني قائدها الذي ينظر له بتحدٍ. 
        

google-playkhamsatmostaqltradent