رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الخامس 5 - بقلم فاطمه طه
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
يحنو علينا الحُب مرّة
ويقسو ويردَع ،ألف مرّة
لكننا رُغم هذا لا نملكُ سوى أن نُحب لنعيش .
#مقتبسة
••
وما الحبُّ إلَّا للذينَ تمكَّنوا
من القلبِ، إنَّ القلبَ مَأوى الأحبَّةِ .
#مقتبسة
_______________
في فيلا عز الدين...
كان يجلس جواد ونسمة على الطاولة، يراقبها وهي تتناول طعامها ببطئ لكن الدموع لا تفارقها...
توقف جواد عن الطعام الذي لم يكن يتناوله بشهية من الأساس متحدثًا وهو يراها تنظر ناحية مقعد أبيها الفارغ الذي يتوسط السفرة:
-خلاص يا نسمة كفايا عياط، أدعيله يا حبيبتي..
ردت عليه نسمة بنبرة متلعثمة وهي تنظر له بأعين تغمرها الدموع:
-حاضر، أنا بدعيله كتير والله بس هو واحشني أوي..
نهض جواد من مقعده وتوجه صوبها وأنحني مُقبلًا وجنتيها ورأسها هاتفًا وهو يحاول أن يكون متماسكًا قدر المستطاع تحديدًا أمامها هي...
-وحشنا كلنا، وبعدين أنا مش قولتلك هاخدك تزوريه يوم الجمعة، أكيد لو روحتي وأنتِ كده هيضايق منك......
-خلاص هكون كويسة أن شاء الله...
هبطت رانيا من الدرج؛ وكانت على وشك الرحيل من دون حتى إلقاء التحية...
استوقفتها نسمة هاتفة ببطئ وهي تبتسم ببراءة رغم الدموع التي تهبط من عيناها:
-تعالي أفطري معانا يا رانيا قبل ما تمشي..
لم تعقب رانيا على الحديث بل ظلت تنظر لهما بانوعاج واضح وهنا تحدث جواد بنبرة جادة:
-لا رانيا مش هتفطر معانا كملي أنتِ اكلك هي وراها ميعاد مش كده يا رانيا؟!.
عقبت رانيا على حديثه بلا مبالاة تحت عبوس نسمة الشديد بعدما اختفت ابتسامتها:
-فعلا ورايا ميعاد كلوا أنتم عند أذنكم..
غادرت رانيا من الباب بعدما سارت بضعة خطوات وهنا تحدث جواد بنبرة جادة:
-منيرة..
جاءت أمرأة في الاربعينات من عمرها ليغمغم جواد وهو يداعب خصلات شقيقته:
-خليكي مع نسمة عقبال ما أجي.
سألته نسمة باستغراب:
-رايح فين؟!.
-أبدًا في حاجة نسيت أقولها لرانيا كملي فطارك عقبال ما أجي..
رحل جواد وخرج من البوابة الداخلية للمنزل وسار بضعة خطوات ليجد رانيا تجلس في سيارتها وكانت على وشك الرحيل ليشير لها هاتفًا بنبرة مرتفعة:
-استني...
وما أن أقترب من السيارة حتى هتف:
-أنزلي..
نظرت له رانيا بضيقٍ ثم فتحت باب السيارة؛ وهبطت منها ثم أغلقت الباب خلفها متححدثة بانزعاج:
-خير يا جواد في إيه على الصبح؟!.
تمتم جواد باقتضاب:
-النهاردة مترجعيش بعد الشغل على هنا..
سألته رانيا بعدم فهم وهي تنظر له رافعة حاجبيها بذهول:
-أومال أرجع على فين مش فاهمة؟!.
-ترجعي على شقتنا، مترجعيش هنا، ولا هتدخلي البيت ده تاني..
ابتلع ريقه ليعقب ساخرًا:
- كده كده أنتِ مجبتيش حاجتك لسه هناك، خليكي هناك لغايت ما أفضى وأجيلك ونتكلم...
نظرت له رانيا بغيظٍ:
-ويعني إيه ده بقا؟! هو أنا بمزاجك شوية تعالي نروح وتجبرني أجي وشوية أقعدي لوحدك؟! هو في إيه؟!..
أمسكها من معصمها بعنف لم يستعمله معها أبدًا من قبل:
-أنتِ بجحة بحاجة مشوفتهاش على بني أدم...
ابتلع ريقه ليقول هادرًا بعنفٍ وقسوة:
-كل يوم بيعدي علينا بقول هتعقلي، هتتعاملي زي البني أدمين الطبيعية بس مفيش فايدة، نسمة نفسيتها أهم من أي حاجة وكفايا أصلا اللي هي حاسة بيه بسبب بابا، أنا مش هسمح أنك تتسببي بانتكاسة ليها، اقعدي في شقتك لغايت يا تعقلي وربنا يهديكي وساعتها تعالي يا أما هيكون لينا كلام تاني مع بعض، ويلا مش ناقص تعككني عليا أكتر من كده....
ردت عليه رانيا بنبرة منفعلة:
-ماشي براحتك يا جواد وأنا في انتظارك بس أفتكر انك أنتَ اللي طردتني....
-طب امشي قبل ما أرتكب فيكي جناية..
___________
يقف "دياب " في الشرفة والسيجارة تتواجد بين أصابعه يشربها بحرية لأنه في الداخل أصبح هناك أطفال يزعجهم الدخان.......
مر أسبوعين دون أن يتلقى خبر من عمرو أو عائلته وفي الواقع هو يكبح نفسه بصعوبة بالغة من الذهاب وتكسير عظامه....
الآن يبحث عن عمل حتى أنه سوف يُجبر إلى أخر حل......
فهو لا يستطيع أن يظل عاطلًا أكثر من هذا، تحديدًا في المسوؤليات الجديدة التي تم إضافتها إلى ما يحمله، لا يستطيع أن يجعل المنزل يستمر بهذا الشكل...
صدع صوت هاتفه الذي يتواجد بين يديه فأستند على السور الحديدي وهو يجيب عليه:
-ألو.
جاءه صوت خطيبته ليلى الحانق:
-والله كتر خيرك أنك اتنازلت و رديت يا دياب أنا قولت شكلك نسيت أنك خاطب من أساسه.
رد عليها دياب بنبرة جادة فقد فاض به الكيل ولا يستطيع أن يكون صبورًا وأن يصبح رجل لين في تلك الأيام:
-ليلى أنا أقسم بالله العظيم ما فيا حيل أناهدك ولا اتخانق معاكي حتى؛ ولا أنطق بكلمة ولا ناقص نكد هتقولي حاجة عدلة قولي معندكيش أقفلي.
تحدثت ليلى بانزعاج واضح فهو تحاول أن تتحمل الأمر قدر المُستطاع رغم كلمات والدتها التي كالرصاص في وجهها:
-والله أنا اللي عايشة في نكد داخلين في شهر ولا بشوفك ولا حتى بترد عليا ومعظم الوقت بتتجاهلني دي مبقتش عيشة...
أردف دياب بنبرة ساخرة هو الآخر وهو يرى السيارة المتواجدة أسفل المنزل والذي يعلم صاحبها جيدًا بأنه قريب الخالة بهية التي ترفض أي مساعدة منه، هي أمرأة ذات كبرياء حقًا، لكن لحسن الحظ أنه أتى فهي كانت تشعر بالقلق عليه...
-والله أنا مش حاجز شهر عسل ولا متجوز غيرك أنا قاعد ورايا هم ما يتلم وأنتِ عارفة وعرفتك اللي حصل مع جوز إيناس ومش مخبي عليكي حاجة يعني..
تمتمت ليلى بتردد:
-ماشي وأنا مقدرة ده يا دياب بس قدرني أنتَ شوية.
لم تجد رد ولكنها أسترسلت حديثها بنبرة جادة:
-بكرا ماما عازماك وقالتلي أكلمك أقولك، خطيب منة كمان جاي..
تحدث دياب بانفعال طفيف:
-يعني ده وقت عزومة...
قاطعته ليلى بغضب وانفعال طفيف يكاد يشعر بأن دموعها قد هبطت في تلك اللحظة:
-قدرني شوية يا دياب لو سمحت ومتكسفنيش، أنتَ بقالك كتير مجتش ولا شوفتني وماما كلت وشي بالكلام بصراحة...
الأمر كله يكمن في..
"ماما".
رد عليها دياب بنبرة جادة:
-ان شاء الله جاي يا ليلى خلاص متعيطيش ولا تزعلي خير ان شاء الله...
___________
-ده هزار، استحالة...
استحالة....
تتحدث ريناد وهي تضع أصابعها في خصلاتها وفي رأسها، على وشك أن تصاب بالجنون مما تسمعه، هي لم تتحمل الدخول في المنطقة قط؛ لا تتحمل رائحة الرطوبة التي تفوح عند صعودها إلى المنزل..
كيف يريدها أن تقطن هنا؟!..
هتف محمد بنبرة جادة:
-أنا مش بهزر معاكي يا ريناد، يا هتعملي اللي أنا بقولك عليه يا هترجعي معايا البيت وهتكملي حياتك متخرجيش من أوضتك..
تمتمت ريناد بنبرة جادة وهي تصرخ واقفة في منتصف شقة بهية التي تضع يدها على أذنيها بسبب الصةا..
-أنا استحالة أعيش هنا، مش علشان غلطت غلطة واحدة تعمل فيا كده....
نهض محمد متحدثًا بنبرة ساخرة وهو يقف أمامها:
-لما أجيبك من القسم علشان كنتي سهرانة وسكرانة أنتِ وصحابك تقوليلي غلطة واحدة..
تنظر له ريناد وتبكي ليتسرسل حديثه:
-القرار قرارك، أنا قدمت ليكي في كلية تجارة جامعة ******** ، خلاص جامعتك مش هتدخليها تاني، موبايلك هيكون اللي هناك ده.
وأشار إلى هاتف يتواجد على الطاولة، لتنظر له ريناد باختناق شديد هذا الهاتف ضعيف جدًا وقليل الإمكانيات مقارنة بالهاتف التي كانت تحمله...
ستموت، هي لا تتحمل هذا كله...
تمتم محمد وهو ينظر لها موضحًا:
-عربيتك مش هتشوفيها تاني، وبعدين متعمليش نفسك زعلانة أوي أنتِ سقطتي سنتين في الجامعة، وفيهم ترم مروحتيش الامتحان فيه علشان مودك مكنش حلو ونفسيتك تعبانة وروحتي سافرتي مع نفس الشلة الصايعة بتاعتك..
ابتلع ريقه لسترسل حديثه بنبرة غاضبة:
-ساعتها عديتها ليكي بس علشان خاطر خالك وكنت غلطان إني سكت على اللي عملتيه وده خلاكي تتمادي في قلة أدبك وفي غلطك، هتقعدي هنا ومن بكرا تروحي الجامعة تشوفي إيه اللي فايتك لأني دخلتك بصعوبة أساسًا..
ثم أخرج من الحقيبة التي تتواجد على الطاولة الخشبية الصغيرة محفظتها:
-دي محفظتك فيها بطاقتك وحاجتك..
أخذتها ريناد بغضب وهي تفتحها بغيظٍ واضح لتجد كل بطاقاتها الائتمانية غير موجودة، فقط هناك بضعة ورقات نقدية سحبتها ريناد وهي تهتف:
-إيه ده؟!.
-ده مصروفك..
تمتمت ريناد بعدم استيعاب بعدما قامت بعدهم:
-دول ثلاث ألاف جنية؟! مصروف شهري إيه؟! أنا بصرف أكتر منهم وأنا بتعشى مع صحابي في يوم..
رد محمد عليها ببساطة:
-ده علشان لو في كتب أول حاجة أو حاجات هتشتريها للجامعة، بعد كده هيكونوا ألفين بس كل شهر...
صاحت ريناد مستنكرة وهي تصيح بجنون:
-استحالة ده يكون حقيقي ألفين جنية إيه دول مش ثمن الماسكرا اللي بحطها، استحالة، أنا لا يمكن أعرف أعيش كده، وكمان بنزين العربية...
قاطع محمد حديثها بنبرة جادة :
-مهوا مفيش عربية، لما تروحي الجامعة هتروحي بالمترو أبقي اعملي اشتراك الطلبة..
صاحت بهية التي تتابع الموقف وتسمعه في جلستها:
-وطي صوتك أنتَ وبنتك هطرش بسببكم، مش كفايا عيني هيكون السمع كمان...
تمتم محمد بتحذير بسيط:
-أنا نازل دلوقتي رايح مشوار هكلمك أنا جيبتلك خط جديد في الموبايل الجديد بتاعك، هتصل بيكي بليل لو حابة ترجعي البيت هترجعي بس زي ما كنتي عايشة الأيام اللي فاتت لا جامعة هتروحي ولا خروج هتخرجي وكلامي خلص..
ثم أسترسل حديثه بتوضيح:
-اي حركة ملهاش لازمة هتعمليها هعرف، ومتفتكريش إني حتى هنا هسيبك لنفسك، لا موبايلك مفتوح عندي وكل خطوة هتروحيها هعرفها، غير ان في الجامعة عندي اللي هيقولي بتروحي ولا لا وبتحضري ولا لا...
صمت لدقيقة وهو يناظرها يراقب رد فعلها على حديثه وصمتها الغريب:
- جدول محاضراتك معايا هعرف بتنزلي أمته وبترجعي امته، ومش هتخرجي، من الجامعة لهنا ومن هنا للجامعة، وأنا كل ما أجي أشوفك وهجيب ليكم طلبات البيت وأحمدي ربنا أنها مش من المصروف..
______________
-تعالى يا إيناس عايز اتكلم معاكي...
قالها دياب وهو يقف في الصالة أمام أمه الشاردة والتي تحتضن حفيدها، بينما حور تجلس على السفرة وبجانبها تجلس جني تقوم بالكتابة أو النقش على الورق والتلوين حتى تترك حور تنهي واجباتها في سلام فحاولت حور أن تجد شيء يشغلها عنها..
بالنسبة إلى ايناس كانت جالسة على الأريكة صامتة وشاردة هي الأخرى..
فكان كل شخص شارد في همه، وقاطع دياب شرودها بجملته تلك وهنا تحدثت حور منزعجة:
-ما تقول قدامنا عادي، أنا مبحبش كده مش هعرف أكمل اللي بعمله لو معرفتش أنتَ عايز إيه منها..
تمتم دياب ساخرًا:
-خليكي في نفسك يا حشرية أنا عايزها هي وخلصي اللي وراكي لأن لو حد كلمني من مساعدين المدرسين وقالي حاجة، هخلي يومك مش فايت أنتِ سامعة..
هتفت حور مرددة بحماقة:
-ياريتني حطيت رقم عم حودة اللبان أحسن من النزاهة اللي أنا فيها دي.
اقترب منها دياب هاتفًا بانزعاج:
-بتقولي حاجة؟!.
ردت حور عليه بابتسامة كاذبة:
-لا مبقولش غير ادخلوا جوا اتكلموا علشان اعرف أكمل الواجب.
بداخل حجرة دياب التي أصبحت حجرة إيناس وأطفالها بينما حور تنام مع والدتها في الغرفة الأخرى، أما دياب أصبحت الأريكة مكانه وفراشه الجديد...
كانت إيناس تجلس بجانب دياب على الفراش الذي سألها بنبرة واضحة:
-إيناس أنا عايز أتكلم معاكي بوضوح.
ردت عليه إيناس بنبرة هادئة:
-أتكلم يا دياب سمعاك.
ولج دياب في صلب الموضوع ولم يطيل الأمر:
-بما أنه عدى أسبوعين اكيد زمانك اتكلمتي مع امك وصاحبتك وحسبتي الأمور مع نفسك واكيد فكرتي أنتِ عايزة إيه، أنا رأيي في الموضوع ده معروف وواضح وقبل ما أعمل أي حاجة تانية أنا حابب أعرف رأيك..
هتفت إيناس بنبرة جادة لا تظن بأن تحملها الأمر أكثر من ذلك قد يفيد أطفالها على الأقل التي كانت تتحمل من أجلهم كل شيء؛ وتعلم أن الطلاق لن يكن أمرًا سهلًا في ظروفها:
-هخلعه علشان مش هيرضى يطلقني أنا هخلعه، ومش عايزة حاجة منه وهشتغل وهصرف على ولادي....
قاطعها دياب متجاهلا هذا كله ليؤكد على قرارها ولتترك خططها المستقبلية لوقتٍ أخر:
-يعني أنتِ عايزة تتطلقي؟!.
-أه مش عايزاه تاني ومش هينفع اقعد معاه تاني أنا كنت بسكت نفسي وبحاول أقول الوضع هيتحسن بس هو كان عمال كل شوية يتنيل عن قبل كده مش بيتحسن...
رد دياب عليها بنبرة لم تفهمها جيدًا:
-تمام أوي كده...
طرقات خافتة على الباب طرقتها حور ثم فتحت الباب هاتفة:
-اتمنى مكنش جيت في وفت غير مناسب..
قال دياب مستنكرًا:
-مش هتبطلي حشرية بقا...
دافعت حور عن نفسها بشراسة:
-أنا مش حشرية مع أن كل الظروف بتقول إني حشرية، بس المرة دي مظلومة، أحلام برا وجت عايزة تشوف إيناس...
"بعد مرور نصف ساعة"
كانت تجلس إيناس برفقة صديقتها أحلام التي تشعر بالانزعاج منها؛ أحلام شخصية مزاجية من الدرجة الأولى تحدثها وقتما تشاء وتختفي وقتما تشاء، حتى أنها لم تطمأن على أحوالها منذ أسبوع لم تتصل بها ولم ترسل رسالة واحدة حتى...
وها هي الآن تخبرها بمشكلتها..
-جواد متغير معايا أوي، مش طبيعي، مش عادته يكون معايا كده..
ردت إيناس عليها بتلقائية:
-يمكن بسبب الظروف اللي بيمر بيها وفاة أبوه وكده.
-مش مُبرر أنه يبعد عني بالشكل ده..
هتفت إيناس باستغراب شديد:
-مدام بتحبيه أوي كده من بدري رافضة تتجوزيه ليه؟! مع ان أبوه كتن عارف علاقتكم ومراته نفسها عارفة وهي معندهاش مشكلة يتجوز ولا هو عنده مشكلة وعرض عليكي الجواز..
قالت أحلام بمنطقية واضحة:
- مش حكاية بحبه ولا لا بس لما عرفته كنت لسه صغيرة ولسه خارجة من الكلية ومكنش منطقي أوافق عليه بالسرعة دي، كان ممكن يجيلي حد أحسن أكيد..
قالت إيناس باستنكار وهي تنظر لها متحدثة بدهشة:
-أحلام لازم تقبلي أن محدش بيأخد كل حاجة، مش هتاخدي اللي قدك ومعاه فلوس واللي معاه كل المميزات اللي مش موجودة عند حد، مينفعش تكوني رابطة الانسان اللي تشاركيه حياتك بفكرة أنك ممكن تشوفي حد أحسن؛ ما لو اتجوزتي حد ولقيتي حد أحسن إيه هتروحي تطلقي؟!..
تمتمت أحلام بسخرية:
-أنتِ بتهزري يا إيناس..
-بتكلم بجد أنا مليش نفس أهزر عمومًا..
سألتها أحلام بعفوية وهي تنظر لها باهتمام حتى لا تتحدث في أمر علاقتها مرة أخرى على ما يبدو لن تسمع كلام يرضيها:
-الموكوس ده كلمك ولا اتصل بيكي؟!..
-لا من يوم المشكلة مسمعناش صوته....
______________
مر أسبوعين وبدأت تعود إلى عملها...
لكن بنفس غير راضية أبدًا...
لم تتلقى أي اتصال من حمزة خلال تلك المدة، لم يتصل بها، ولم يرسل لها رسالة واحدة حتى يسألها عن أحوالها...
لا تعلم هل فعلت شيء ازعجه دون أن تدري؟!
رُبما أنزعج منها حينما لم تأتِ بسبب عمها ولم تفِ بوعدها له..
لاحظت أيضًا إختفائه من على مواقع التواصل الاجتماعي أيضًا لذلك شعرت بأنه قد أصابه مكروه ويجب عليها السؤال عنه، ألتقطت هاتفها وأخذت نفس طويل وقامت بالبحث عن اسمه ثم قامت بالاتصال به لتسمع صوته الهادئ بعد ثواني معدودة ليُربكها..
-ألو ازيك يا ساسو عاملة إيه؟!.
هتفت سامية بتردد:
-الحمدلله، أنتَ عامل إيه؟!.
-تمام بخير..
طال الصمت بينهما لمدة دقيقتين ولوهلة شعرت بأنه لم يكن يجب عليها الاتصال به، كيف تخبره بأنها كانت تراقبه إذا كان قد قام بتنزيل أو مشاركة أي منشور وأنها كانت تنتظر اتصال منه...
أنه شيء محرج من الدرجة الأولى...
شعر حمزة بما ينتباها لذلك تحدث معها بـ لباقة:
-أسف كنت محتفي الكام يوم اللي فاتو كان عندي شوية مشاكل كده وحاجات في الشغل؛ وفي نفس الوقت حبيت أسيبك براحتك علشان متحسيس إني بضغط عليكي تيجي وكده حتى كنتي لسه على بالي النهاردة وكنت هكلمك..
تمتمت سامية تحاول قول أي شيء قد يحفظ ماء وجهها لكن كل الإجابات تقريبًا لن تخفف من موقفها:
-خير ان شاء الله، أهم حاجة تكون أمورك كويسة دلوقتي.
-تمام أحسن، المهم أنتِ عاملة إيه؟! طمنيني عنك أخبارك واخبار شغلك؟!.
قالت سامية ببساطة وأكثر أريحية:
-يعني الأمور زي ما هي روتينية سواء في الشغل أو في الحياة عادي، يمكن اللي هيختلف إني هجيب عربية وده هيكون أريح بالنسبة ليا علشان إني بتنقل طول الوقت..
-بجد كويس جدًا، مبروك يا ستي ده كده ليا عزومة أكيد حلاوة العربية...
وقبل أن تجيب عليه كان هو يسترسل حديثه بنبرة هادئة:
-هو أنتِ أصلا بتعرفي تسوقي أو معاكي رخصة؟! ولا لسه هتتعلمي على العربية الجديدة؟!...
ردت سامية على أسئلته ببساطة:
-اه معايا رخصة وبعرف، في الصيف كنت بتعلم وكده، عمي اللي كان بيعلمني علشان كان واعدني بالعربية، وخلاص كلها كام يوم وهتكون معايا..
-خلاص هستناكي تيجي بقا بالعربية الجديدة والمرة دي مش عزومة مراكبية أنا عايزك تيجي واتكلم معاكي شوية...
تمتمت سامية بأختصار:
-حاضر ان شاء الله، صحيح ياسمين عاملة إيه؟!.
-كانت في المالديف الفترة اللي فاتت علشان الـ Honeymoon وخلاص راجعة بكرا خلاص..
-ترجع بالسلامة ان شاء الله، سلم عليها كتير بجد كانت عسولة ورقيقة ومريحة جدًا في التعامل.
رد عليها حمزة بنبرة خافتة:
-وهي كمان حبيتك جدًا ومتأكد أنه أكيد هيكون ليكم لقاء مع بعض قريب جدًا....
____________
يجلس "سلامة" على الفراش ويضع الهاتف على أذنيه يتحدث مع جهاد كعادتهما في الآونة الأخيرة يتم النقاش في الأمور التي تخص شقتهما...
الأمر الذي يحمل العديد والعديد من الشجارات الغير متناهية..
-لا يا جهاد البوتجاز أربعة شعلة مش هتجيبي خمسة كده أحسن للمساحة هيكون حلو ومدي مكان للرخامة لأنك أصريتي أن المطبخ ميتفتحش كان ممكن ده يوسع مساحته...
كان هذا رد سلامة على جهاد التي تخبره بأنها في الغد سوف تذهب من أجل شراء "الموقد" و "الميكرويف"...
جاءه صوت جهاد ساخرًا وغاضبًا:
-أنتَ مالك أجيبه أربعة ولا خمسة ولا ستة حتى؟! وبعدين أربعة شعلة مش عملي الخمسة أحسن..
رد عليها سلامة متهكمًا:
-لا وأنتِ يا بت طباخة ماهرة أوي هتشغلي خمس عيون مع بعض علشان كده قلبك حارقك، الأربع عيون أحسن مش هيأخد مكان وهو مرسوم كده...
هتفت جهاد بغضب شديد ونبرة مرتفعة:
-ملكش فيه يا سلامة أنا هجيب البوتجاز خمس عيون يعني خمس عيون، أنا حرة متدخلش في المطبخ وبعدين أه انا طباخة وهشغل الخمس عيون مع بعض..
-الاربع عيون عملي يا جهاد وأنتِ مبتعرفيش تطبخي ابقي اعملي أكلات الحلة الواحدة ولو الاكل معجبناش هنطلب أكل من عندنا أو حتى هننزل نأكل مع نضال يلا عدي ليلتك بقا.
جاءه صوت جهاد التي تشعر بالغيظ الشديد منه:
-سلامة خليك في حالك وعدي ليلتك أنتَ، علشان أنا هعمل اللي في دماغي ومش هتمشي رأيك...
قاطعها سلامة ببساطة:
-لا وأنتِ الشهادة لله بتمشي رأيي في حاجة طب يا جهاد عارفة أن المطبخ كمان اللي الراجل بيعمله لو معجبنيش مش هركبه ويلا سلام..
-سلام يا سلامة والقلب داعيلك يا حبيبي لو مش عاجبك تعالــ
قاطعها سلامة ولم يجعلها تستكمل حديثها الذي يعرفه جيدًا وهو يقلدها:
-تعالى وخد شبكتك.
ابتلع ريقه ثم أسترسل حديثه ساخرًا:
-جملتك المحفوظة بس أنا مش جاي ومش قادر مليش مزاج أفشكل النهاردة لما يكون ليا مزاج هقولك سلام...
-ماشي سلام.
انتهت المكالمة وخرج سلامة من الغرفة ليجد نضال جالسًا أمام الشاشة في الخارج وبين يديه يد التحكم البلاستكية واللاسلكية الخاصة بـ البلاستيشن...
-بتزعق ليه؟!.
عقب سلامة وهو يجلس بجواره متحدثًا بانزعاج:
-جهاد عايزة تجيب البوتجاز خمسة شغلة وأنا عايزاها تجيب أربعة علشان المساحة وهي مصممة مفيش فايدة...
ثم لثواني ثم تحدث مستنكرًا:
-وبعدين ده هي واختها عشرين شعلة لوحدهم..
تمتم نضال وهو يرتدي نظارته الطبية التي لا يرتديها طوال الوقت وتركيزه الكامل مع اللعبة..
-احترم نفسك وبطل غلط في حد مغلطش فيك....
ثم عاتبه وهو يسخر منه:
-وبعدين عامل زي خالتي اللتاتة ليه؟! ولا أنتَ ولا هي بتعرفوا تطبخوا مالكم بالمطبخ؟! سيبها تجيب اللي يريحها وخليك في نفسك وبطل مشاكل ملهاش لازمة، أنتم مش ناقصين مش كل ركن في الشقة هتقعدوا تتخانقوا عليه كده هتتجوزوا بعد عشر سنين...
تحدث سلامة منزعجًا وقد أصبح حديث شقيقه منطقيًا في عقله فهو في العادة المنطق يذهب من رأسه حينما يتحدث معها هي..
-ماشي.
هتف نضال بنبرة جادة وهو يسأله:
-أبوك اتكلم معاك تاني في الحوار ده؟!.
تمتم سلامة نافيًا:
-لا متكلمش في حاجة يعني ممكن كان بيقول كده وخلاص يعني، مهوا علطول بيفكر يتجوز ومدام مأخدش خطوة يبقى فكك اكيد كلامك معاه خلاه يتراجع..
قاطعه نضال ساخرًا:
-أنتَ غلبان أوي يا سلامة وشكلك متعرفش أبوك كويس، وبعدين أنا مش قلقان غير منك أنتَ أول واحد بتعوم على عومه..
تحدث سلامة وهو ينفي التهمة عن نفسه رغم صدقها:
-انا؟! أبدًا...
نظر إلى نضال بخبثٍ ثم حازل استفزازه:
-وبعدين ليه لا يمكن الراجل بيتكلم بجد وهو فعلا بيحبها وناوي يستقر يعني وبعدين في كل طلاق حصل بيكون في أسباب مش بيروح يطلق من نفسه يعني علشان فاضي..
-اه بيحبها، ومستغرب أنتَ أنا ليه أنا بقول أنك بتعوم على عومه وبشك فيك أنه بيعرف يقنعك بكلامه..
ضحك سلامة ببساطة وهو يرد عليه:
-الهوى ملهوش سلطان يا نضال يمكن فعلا حبها..
غمغم نضال بسخرية وهو يستكمل لعبه:
-يا عم أنا غلطان هي جوازتي أنا اللي هتبوظ ولا أنتَ اعملوا ما بدالكم وأنتَ قوم وسيبني لوحدي أحسن...
أستكمل حديثه بتهكم:
- روح اتخانق معاها يلا ومتوجعش دماغي قولها مينفعش تجيب خمسة شعلة كفايا أربعة..
-شوفت أنا قولت كده برضو....
بــــعـــد..
مرور ثلث ساعة كان دياب يقف أمام نضال في منزله.
-هتيجي معايا ولا لا؟!.
-يعني ده اللي اتفقنا عليه؟!.
رد دياب عليه ساخرًا ومغتاظًا:
-اتفقنا إني معملش حاجة لوحدي واديني اهو جيت ليك أقولك تعالى معايا وأنتَ اللي مش عايز...
يبدو أنه مصممًا إلى حدٍ كبير...لذلك تمتم نضال بنبرة منزعجة:
-خلاص استني ألبس وهاجي معاك بس أنتَ قولت مش هتعمل حاجة هتتكلم معاه وتأخد الحاجة بس صح؟!..
رد دياب عليه بنبرة غاضبة وهو ينظر له:
-أيوة صح يلا خلص وأنجز.
بعد بضعة دقائق...
كان يهبط نضال برفقة دياب، وإجباري يجب أن يمر من يهبط من البناية الخاصة بعائلة خطاب على محل الجزارة، مما جعل زهران الذي يجلس على المقعد البلاستكي على الرصيف في مسافة ليست بعيدة كليًا عن المتجر وأمامه طاولة بلاستيكية وبين يديه خرطوم أرجيلته المفضلة..
-على فين العزم ان شاء الله يا حلوين كده...
هتف دياب مختصرًا بعدما توقف الاثنان:
-رايحين نقعد على القهوة شوية..
تمتم زهران وهو يشير إلى مكان ما يبتعد عنهم بمسافة تكاد ترى بالعين المجردة:
-القهوة بتاعتكم اهي مفرقتش كتير أقعدوا معايا واطلب ليكم شاي وقهوة على هنا..
رد دياب ببساطة وهو يكز على أسنانه:
-رايحين قهوة تانية هو لازم القهوة دي؟!
ضيق زهران عيناه ونظر إلى ابنه هاتفًا:
-اخرس أنتَ معجون بمية الكدب، ما تتكلم يا نضال رايحين فين؟! ولا أنتَ واكل سد الحنك.
غمغم نضال بنبرة مقتضبة وعيناه تفضحه، فـ نضال لا يتقن الكذب:
-رايحين مشوار.
عقب زهران على حديث ولده ساخرًا بعدما سحب نفس من الارجيلة:
-وهو المشوار ده ده ملهوش اسم، ملهوش مكان ولا موقع على الخريطة يا بهوات...
تمتم دياب بانزعاج واضح من استجوابه لهم:
-في إيه يا عم زهران هو أنتَ بتكلم عيال في ابتدائية؟!..
هتف زهران بجدية ووضوح:
- ما أنتم مش هتمشوا من هنا غير لما أفهم أنتم رايحين فين علشان أنا مش واثق فيكم ومش مرتاح ليك..
رد دياب عليه تحت انزعاج نضال:
-لا خلاص خلي ابنك معاك تحكم عليه براحتك، علشان أنا ماشي يعني ماشي ومحدش هيمنعني...
تمتم زهران ببساطة شديدة واهتمام في الوقت ذاته:
-ماشي يا بجح قولي رايح فين وانا مش همنعك بس انطق......
_____________
تقوم سلمر بعمل بعض التمارين المنزلية قبل أن تخلد إلى النوم...
نعم الساعة لم تتخطى الثامنة ونصف ولكن تلك حياة سلمى تنام مبكرًا وتستيقظ مبكرًا جدًا حتى قبل موعد عملها...
لذلك ينتهي يومها قبل الجميع..
رُبما هذا سبب خلافها مع والدتها وشقيقتها طوال الوقت، أنها تحب أن تفعل كل شيء مبكرًا بينما لم يبدأ أحد يومه في المنزل وحتى العشاء تجعلهم يتناولوه مبكرًا ليصبح العشاء بالنسبة لها؛ غداء بالنسبة لهما..
دخلت جهاد الغرفة ثم صرخت هاتفة:
-بسم الله الرحمن الرحيم.
ردت سلمى عليها بنبرة منزعجة:
- في إيه شوفتي عفريت..
هتفت جهاد بعدم تصديق:
-سلمى أقسم بالله كل مرة بشوفك فيها فاتحة حوض وعلى الارض كده بحس أنك مش هتعرفي تقومي، هتيجي في مرة مش هتعرفي تقومي أنا بقولك أهو وهنجيب ماس من الشارع تشيلك...
تمتمت سلمى ساخرة منها:
-يلا يا بت روحي برا شوفي بتعملي إيه عقبال ما اخلص علشان هنام ومش هستحمل رغيك طول الليل جنبي ولا الفيديوهات اللي بتشغليها متدخليش الاوضة إلا لما تكوني هتنامي...
-الواحد حاسس بالقهر والظلم في بيته...
قالتها جهاد وكانت على وشك الرحيل لتوقفها سلمى هاتفه بنبرة جادة وتحذير:
-المكوجي هيبعت الأخمرة بتاعتي خديهم، الراجل ده معاه الليل وأخره ولما تاخديهم مترمهمش في أي حتة علشان ميتكسروش زي المرة اللي فاتت علشان مش هرحمك المرة دي، المرة اللي فاتت كانوا كأنهم طالعين من بوق كلب لما رمتيهم بطريقتك المتخلفة دي..
تمتمت جهاد ببساطة:
-أوك متقلقيش وبعدين بطلي طولة لسان وأنتِ في عرض تقومي تقفي على رجلك أساسًا؛ قومي أنتِ بس ولو احتاجتي حد يقومك ناديني..
-ماشي يا ظريفة..
صدع صوت هاتف سلمى بعد رحيل جهاد مباشرة، لتنهض سلمى بمرونة ورشاقة، ثم توجهت صوب الكوميدنو المتواجد عليه هاتفها لتجد رقم غريب فأجابت:
-ألو؟! مين معايا...
-أنا أحمد يا سلمى وحابب أتكلم معاكي شوية..
تمتمت سلمى بانزعاج واضح:
-مش محتاجة أقول جيبت رقمي منين علشان واضح أنه من اختك لكن ازاي تتصل بيا في وقت زي ده؟!.
رد عليها الشاب بنبرة متوترة:
-والله لثانية واحدة افتكرت أن الساعة عدت اتناشر من كلامك الساعة لسه مجتش تسعة يا سلمى في إيه؟! وبعدين أنتِ مش عايزة تديني فرصة ليه؟! أنا مش فاهم مش برضو.
عقبت سلمى على حديثه بجدية شديدة:
-علشان مش عايزة اتجوز معتقدش في شيء محتاج أني اشرحه ولو سمحت متتصلش بيا تاني يا أحمد من فضلك...
جاءها صوته وهو يحاول شرح نفسه:
-سلمى أنا عايز اتجوزك، وأنتِ قاطعة كل الطرق لدرجة أن مجرد ما قالتلك اني هاجي اتقدم ليكي اتخانقتي معاها وعلشان متعمليش معاها مشكلة أنا اخدت رقمك من موبايلها من وراها..
حاولت سلمى أختصار الوقت وتلك المكالمة التي لا ترغب في أن تطيل:
-ربنا يوفقك يا أحمد ويرزقك بـ بنت الحلال لكن أنا مش عايزة أتجوز، ولو سمحت متتصلش بيا تاني سلام..
أغلقت المكالمة دون أن تسمع رده حتى..
وجاءت والدتها متحدثة وهي تحمل بعض الملابس المبللة في الوعاء:
-بتزعقي ليه يا سلمى صوتك عالي كده ليه؟!.
ردت سلمى عليها وهي تخرج بعد الملابس من خزانتها:
-مفيش يا ماما أنا خلاص هاخد دش وأنام...
__________
"بعد مرور ساعة ونصف تقريبًا"
كان زهران يجلس على الأريكة الخشبية الخاصة بحارس البناية المقابلة للبناية التي تتواجد فيها شقة الزوجية الخاصة بـ عمرو وإيناس..
وحارس البناية يجلس بجانبه، بينما الصبي الخاص بأحدى المقاهي في المنطقة يكون بضبط الأرجيلة له بعدما تركه دياب ونضال، الذي ذهب الثاني لشراء بعض الفواكة تحت غضب دياب الواضح...
"الراجل مدشمل لازم ندخل عليه بحاجة مينفعش ندخل عليه وأيدينا فاضية"
وكان وقتها هذا رد نضال عليه..
في الواقع لم يقبل زهران أن يجلس في السيارة بل فضل النزول بعدما تعرف على حارس البناية، وهو من طلب الارجيلة له...
فـ بعد إصرار زهران الشديد عليهما وتصميمه الواضح أخبره نضال إلى أين هم ذاهبين ولم يعترض فهو لو كان في مكان دياب سيفعل مثله وأكثر...
لكن على الاقل رغب في الذهاب معهم لعله يستطيع التصرف إذا حدث شيء...
-اه يعني لبني دي مطلقة ومعاها ثلاث عيال؟!.
هز الحارس رأسه متمتمًا:
-اه بس مش بفضلها ليك يا معلم أنا هشوفلك عروسة مناسبة؛ أصل دي ست بتاعت مشاكل وكانت رافعة خلع على جوزها وخليته على الحديدة..
رد زهران عليه منزعجًا:
-ولما هي بتاعت مشاكل بتقولي عليها ليه؟! ليه بس يا عبدالعزيز بتزعلني منك ما كنا ماشيين مع بعض حلو....
-خلاص عندي واحدة تانية ولا تزعل نفسك...
يتحدث زهران هو والرجل وكأن العلاقة بينهما تخطت سنوات بينما هي في الواقع لم تتخطى النصف ساعة.........
بينما في البناية المقابلة وتحديدًا في الدور الثامن كان نضال يقف أمام باب الشقة وخلفه دياب بعدما قرع الجرس..
كان نضال يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة بسب صعوده تلك الأدوار فـ لم يكن في البناية مصعد لذلك لم يصعد زهران معهما....
بعد وقت فتح عمرو ورأسه ملفوفة بالشاش الطبي، وكذلك ذراعه هذا فقط ما يظهر، احتضنه نضال بعدما أعطى الأكياس البلاستيكية التي تتواجد في يده إلى دياب بينما في الوقت نفسه نضال كان يدفع عمرو نحو الداخل:
-ازيك يا عمرو عامل إيه؟!...
ولج دياب خلفه وأغلق الباب مما جعل عمرو يدفع نضال عنه بصعوبة بالغة:
-إيه اللي جابكم هنا أطلعوا برا بيتي بدل ما أصوت ألم عليكم العمارة كلها..
وقبل أن يتحدث دياب كان نضال يسبقه:
-عيب والله لما تبقى راجل شحط كده وتقول جملة النسوان دي أنك هتلم علينا الناس، عيب عليك يا راجل..
ابتلع نضال ريقه ثم تحدث وأسترسل حديثه بسخافة:
-وبعدين هنكون جايين ليه؟! مش علشان نطمن عليك؟! ده أنا حتى جايبلك شوية تفاح وبرتقال اخضر حقك عليا البرتقال الحلو لسه مطلعش وشوية موز.
تمتم عمرو بنبرة جنونية:
-إيه السخافة دي؟! اطلعوا برا بيتي بدل والله ما هطلب البوليس وأعرفهم أن الباشا جاي يتهجم عليا في بيتي وهو ماضي على عدم تعرض..
أمسكه نضال من ذراعه المصابة بقوة وهو يتحدث بمرونة تعكس نظرته ويده:
-وليه بس الطريقة دي؟! ده دياب جاي بس يأخد شوية حاجات لاخته وللعيال مش جايين نعمل مشاكل فـ بلاش تزعله..
تأوه عمرو ثم صاح بغضب واضح تحت نظرات دياب الهادئة؛ هدوء ما يسبق العاصفة:
-مفيش حاجة هتخرج من البيت، ترجع بيتها هي وعيالها وتقعد وأنا هنسى اللي حصل بس تقطع علاقتها بأخوها..
تحدث دياب مستنكرًا هنا:
-قولت ترجعلك وتقطع علاقتها بمين؟!
-بيك أنتَ.
هنا تحدث نضال منزعجًا وهو يعاتب عمرو:
-ما بلاش تعصبه بقا أنتَ مفيش فيك حتة سليمة لوحدك، ده شكلك شبه سوسن بدر في فيلم الفرح، اهدى كده وكل موز وأسمع الكلمتين اللي هو جاي يقولهم...
تمتم دياب بنبرة جادة:
-ياريت تسمع كلامه لأن والله العظيم لولا إني حالف لعم زهران إني مش همد إيدي عليك ولا هاجي جنبك ولا هلمسك لكنت....
صمت دياب لثواني ثم قال معترفًا بـ صدقٍ
- مع أني والله ما لاقي حاجة تنفعلك بعد اللي أنتَ فيه..
عقب نضال وهو يمسكه من موضع إصابته تحديدًا ويجبره أن يجلس على المقعد الخشبي قائلا:
-بس أنا محلفتش ممكن أكمل عليك أنا واهدى كده لأنه هيكون دشملك قبل ما تصوت يا ***..
تمتم دياب بنبرة هادئة بعد صديقه:
-أنا جاي أخد هدوم أختي وعيالها، و ورقتها توصلها وتجيب المأذون وتطلقها..
عقب عمرو رغم ألمه من حركه نضال:
-طلاق مش هطلق وأعلى ما في خيلك اركبه، أختك عايزة تطلق يبقى مش هتأخد أي حاجة لأنها هي اللي عايزة تتطلق مش أنا، لو عايزة ترجع أهلا وسهلا لكن متحلمش أنها تطلق وتاخد أي حاجة...
هتف دياب بنبرة باردة وكأنه لم يخبره بحديث يزعجه عكس المتوقع، بينما نضال رفع قدمه ووضعها على الطاولة محاصرًا جسد عمرو تقريبًا بها وبين يديه موزه يقوم بتقشيرها ويتناولها ببرود:
-بقا أنتَ مش عايز تطلق علشان اختي متأخدش حاجة صح كده؟!
هز عمرو رأسه موافقًا بجمود رغم قلقه...
رفع دياب أحدى المقاعد الخاصة بالـسفرة على حين غره وقذفها باتجاه التلفاز، "الشاشة المعلقة" ليصدع صوتها بشكل مخيف..
عقب دياب بعدها:
-أنتَ بتتذاكي علينا صح، فاكر إني هقولك خلاص طلقها يا عمرو وأحنا مش عايزين حاجة، أو اقولها تروح تخلعك علشان مندخلش في قواضي كتير ونوجع دماغنا..
خرجت من دياب ضحكة ساخرة ليعقب بعدها بـصلابةٍ:
- لا ده أنا أكسرك و***** وأكسر كل حاجة في الشقة جيبتها أنا وأبويا بشقانا ومخلكش تتمتع بيها ولا تفرق معايا أنتَ ولا التعهد ولا ***** يا ابن اعتماد...
ابتلع دياب ريقه ثم غمغم:
-أنا داخل ألم حاجة أختي والعيال، وياريت لما أرجع متضطرنيش اكسر حلفاني لو لسه مصمم على كلامك ده أنك مش هتطلق لأني هبدأ بيك قبل ما أكسر بقيت الشقة على دماغك....
اختفى من أمامهما ليتحدث نضال منزعجًا وهو يتحدث بجدية غريبة وهو يتناول الموز:
-هو أهلك فين صحيح؟!، لامؤاخذة يعني مدشمل و ***** وسايبينك لوحدك بدل ما يجوا يكونوا جنبك، والله زعلت عليك..
ثم نظر إليه متحدثًا باستنكار واضح:
-أصلا مش عارف ازاي ليك قلب تقعد هنا وكأنك مستنيه يجي يكمل عليك...
هتف نضال بعدها وهو يضع يده على رأس عمرو تحديدًا على جرحه:
-طلقها واديها حاجتها بالمعروف احسن علشان أحنا ماسكينه بالعافية وزي ما أنتَ شايف زي الثور الهايج ولا قسم بيوقفه ولا تعهد بيخوفه وهتكون أنتَ شغلانته الفترة الجاية أنا قلبي عليك..
رد عمرو عليه باقتضاب وكأنه أدرك بأنه لن يتخلص من شر دياب فعلا كما نصحه والده وفي نفس الوقت يريد أن يكسب وقتٍ حتى يفكر في شيء يردعه:
-هطلقها، هجيب المأذون يوم الخميس واطلقها....
قام نضال بتقشير الموز ووضعه في فم عمرو بدون مقدمات وهو يقبل رأسه في موضع الجرح:
-أحسنت والله وريحت نفسك وريحتنا علشان السلم بتاعتكم صعب أوي بصراحة..
ثم ابتعد عن عمرو ووصل إلى باب الشقة ليخرج الهاتف من جيبه ويتصل بوالده...
"في الأسفل تحديدًا امام البناية"
أجاب زهران على ابنه ليعرف ما حدث
-خلاص هقول لعبد العزيز يجيبلكم عربية نقل دلوقتي تشيل الحاجة؛ ومش هنستنى ليوم الخميس علشان يكون كلم حد ويغير رأيه، أنتَ تنزله معاكم دلوقتي وأنا هكلم أحمد سعيد المأذون اللي عندنا يجيلنا على شقة دياب..
ثم قال بعدها زهران:
-اصل أنا ليا جمايل عليه هيجي علطول مفيش حد مشغله غيري أصلا..
كان رد نضال عليه:
-أنتَ هتقولي يا بابا..
تجاهله زهران وأسترسل حديثه:
-ولو على المكان هفتحلك الشقة اللي في الدور الارضي عندنا يحطوا فيها الحاجة لغايت ما يعرفوا هيعمل إيه، يلا سلام علشان نلحق نشوف عربية...
أنتهت المكالمة ليسحب زهران نفس من الأرجيلة قائلا وهو يتحدث مع حارس البناية:
-قولتلي بقا الست عبير دي كام سنة وساكنة فين؟!.............
______________
صباح اليوم التالي..
بعدما انتهت الليلة كما أراد دياب وقام عمرو بطلاق إيناس في حضور أحد الجيران من المنطقة، زهران ونضال...
لم يكن هناك المتسع من الوقت ليلة أمس أن يذهب دياب لزيارة بهية، كان يومه مشغولًا وطويلًا جدًا................
يجلس "دياب" على الأريكة يشاهد أحد الأفلام الكرتونية مع ابناء شقيقته، بينما ايناس كانت جالسة في غرفتها منذ ليلة أمس تقريبًا تجلس بمفردها إلا لو قرر أطفالها اقتحام خلوتها مع ذاتها أو عُزلتها...
جاءت حُسنية من الداخل هاتفة:
-في ريحة شياط و غاز يا دياب أنزل كده شوفي أحسن تكون خالتك بهية ناسية البوتجاز، مهوا أصل مفيش غيرنا وغيرها في العمارة محدش في الدور الأول....
نهض دياب قلقًا وهو يبحث عن ميدالية مفاتيحه وما أن وجدها حتى هبط وهبطت خلفه حور وهي ترتدي إسدال المنزل..
كانت خلفه على الدرج ليتوقف دياب هاتفًا بانزعاج:
-مش هتبطلي حشرية يا بت أنتِ نازلة ورايا ليه؟!
تحدثت ريناد بسُخطٍ:
-اهو سيب البيت اللي هيولع من وركز معايا أنا دي مبقتش عيشة..
جذبها دياب من يدها لتهبط منه وهو يخنقها بذراعه بخفة ويقوم بقرع الجرس الخاص بشقة بهية...
لكن لا تتواجد إجابة...
أخذ يبحث عن المفتاح في الميدالية التي يتواجد بها العديد من المفاتيح بعدما ترك حور التي تحدثت:
-الريحة جاية فعلا من الشقة فايحة أوي من أول ما قربنا من الباب...
أخرج المفتاح أخيرًا وفتح الباب ليجد صريخ فتاة يأتي من أحد الغرف ليتوجه ناحيته برفقة حور، ليجد بهية على الفراش نائمة أو لا يدري ما الذي ينتابها....
وفتاة زادت صراخاتها حينما وجدتهما أمامها وحتى الآن لا تعرف هويتهم..
-أنتم مين ودخلتم إزاي؟!!!!..
ثم قالت ريناد وهي تبكي كطفلة صغيرة رغم أنها لم تتعرف على هاوية الشاب ولا حتى من معه لكنها تريد أن يمد أحدهم يد العون لها:
-هي تقريبًا مغمى عليها الحقوني أنا مش عارفة أتصرف...
حاول دياب أن يفهم وهو ينظر لها وإلى بهية في الوقت نفسه، لا يعلم ما الذي تفعله الفتاة التي تسببت في طردته ويرغب في النيل منها في شقة جارته بهية الحبيبة..
والحقيقة أنه في الوقت ذاته بدأت ريناد تتذكر هويته...
أما حور ركضت فورًا إلى المطبخ بسبب رائحة الغاز الواضحة جدًا....
صرخ دياب في وجهها وهو يقترب من بهية...
-أنتِ إيه اللي جابك هنا وبتعملي إيه هنا؟!..
•تابع الفصل التالي "رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم" اضغط على اسم الرواية