الاصرة السادسة ..
كفى ووفى نزار عندما اختصر جميلته بـ : دكم هو رائع أن تصبح إمراة " قضية " !! >
هل تعلم أن للقلب قوانينه الخاصة التي لا تناسب أراء العرف والقانون ، ومن نسل اللقاء الأول خلقت قضيته معها ، وبدأت أول مرحلة لكونه متهما لدى سلطان الهوى والذي أصدر أمرًا بضبط وإحضار قلوبهم التائهة في خضم الحياة ودروبها ليجمعهما تحت غيمة القدر الذي انتظرهما
أربعة وثلاثين عاما ... فما هي القضية بعد !!
وكيف سيتعامل مع قضيته رجل القانون وحامي ومحامي أعرافهم !! وما سيكون حكم سلطان القلب يا ترى ؟!
#نهال_مصطفى .
" قضية أنت "
ما أن تأكد هارون من هوية أخيه وتلك الفتاة التي ساقها القدر لطريقه دون إرادة منه .. واليوم باتت فوق ظهر حصانه فدوى غضبه برأسه فجعله يستقل سيارته كالمجنون وينطلق إليهم وهي يتشاجر مع الهواء الذي يتنفسه .... كانوا على مسافة لا بأس بها قطعها منحدرا من أعلى بسيارته الهمر في أقل من دقيقتين .. وعلى الجهة الأخرى : نصحها هيثم الذي يصدر ظهره للجهة الفقبل منها أخيه بنبرة الخوف التي تتسابق
بحلقه
كفايانا .. تعالي نعاودوا قبل هارون ما ياخد باله مننا .
شعور الحرية بسط ذراعيها بالهواء كالعصفور المتحرر للتو وهي تستمتع بالنسيم البارد الذي يداعب ملامحها ... تنعم بأول لحظات الحرية بدون أوامر أمها الصارمة ... تحكمات شريف المقيدة لحريتها دائما .. ملأت صدرها من نسمات الحرية التي لم تتنفسها منذ أربع سنوات ...
رفعت جفونها إثر جملة هيثم التي عكرت صفوها وقبل أن تنطق ببنت شفة عقدت حاجبيها بفضول:
في عربية جاية علينا من هناك.....
ترنح هيثم فوق حصانه ليديره للجهة التي تشير إليها ومن أن لمح سيارة أتيه ناحيتهم وبتلك السرعة التي جعلت عجلات سيارته تتعارك مع
حبات الرمل المتطايرة حولها .. فهتف مشدوها :
- يا وقعة سودة إإده هارون .
خطى حصانها خطوة وهي تتمتم بحماقة : أحيه !! اتأفشنا ؟!
على قولتك أحيه بالإذن أنا يا ليلة نتقابلوا على سفرة الحمام ده لو لينا غمر .
كرر كلمتها بنفس النبرة وهو يأخذ وضع الانطلاق والهرب .. فالتفتت إليه بدهشة : انت هتروح فين ؟!
مش هقدر أواجه هارون وأنا جعان .
شد لجام حصانه وفي لمح البصر ذاب من حولها كذوبان فص الملح بالماء .. وحلت محل أقدام فرسه عجلات سيارة هارون التي صنعت نقشا
دائريا حولها وهي تتفقد المكان بكل صوب وحدب وخلوه بعد تخلي هيثم عنها فلم يبقى أمامها غيره .. تار غيم عند رؤية صاحبه .. تمسكت
بكل قوتها وهي تهتف له أن يهدأ وتترجاه أن يكف غضبا ... تصارع كي لا تسقط من فوقه تشبئت كفوفها باللجام وهو يثور هنا وهناك مصدرا صهيلا مزعجا .. هبط مندفعا من سيارته متناسياً أمر بابها المفتوح وأقبل بإقدام نحوه وهو يصيح باسمه محاولا لمس وجهه :
غيم غيم اهدا .. خلاص .
تمسك برابطة عنقه بقوة وأخذ يمسح على رأسه كي يكف عن جنونه ونوبة الفزع التي أصابته .. بدت بوادر الطاعة من الحصان فهبطت ليلة بسرعة من فوق ظهره بمهارة وقالت ساخرة قبل أن ينفجر بوجهها :
سبحان الله .. مش بس أنا اللي كل ما أشوفك بتعصب .. واضح حتى حصانك مش طايقك وأنت محتجزه بالقوة .
كانت جبهته مسنودة على جبهة حصانه الذي يداعبه براحة كفه ويتنفس معه ويشعره بوجوده كي يهدا .. اتسعت عينها وهي تحاول فهم ذلك
السر والرباط القوي بينه وبين حصانه كاثنان رفاق يتقاسمان الهم معا ... كان ساكناً صامتاً لا أحد يعلم من بداخله غير ذلك الحيوان الأليف الذي هدأ تماما وانصاغ لشكواه .. رفع هارون رأسه عن فرسه سحبه خلفه بهدوء وقيده بمؤخرة سيارته .. تابعت خطاه بعد ما تناولت فاتح
شهية للكلام معه وأتبعت بسخرية :
واضح كمان أن الندالة وراثة في عيلتكو !!
ثم غمغمت بصوت مسموع مبطن بالسخط : هيثم الندل سابني وهرب !!
ثم أشاحت بمقلتيها التي تقصده بالحديث وأكملت بنفور وهي ترجع خصلة شعرها المتطايرة للوراء
مش هيجيبه من بره يعني !! أخوه سبق وعملها وسلمني تسليم أهالي في القسم .
نفر انفاسه بغضب محاولاً كتم مشاعره الثائرة وهو يكور يده على جمر التوعد لهثيم ... فقال من وراء فكيه المنطبقين انت ايه اللي جابك !!
ردت بتلقائية : جيت مع هيثم ...
قاطعها بتلك النبرة الغاضبة التي جعلتها تتراجع خطوة للوراء وهتف مستخدما مهارته القانونية ودقة تعبيراته : بقول ايه اللي جابك مش مين الزفت اللي جابك !!
لوحت بكفها وهي تنظر على يمينها ويسارها وتفحص المكان حولها متجاهلة سؤاله هي تخطو بعبث أمامه : انا اروح ازاي من هنا ؟!
استنى هنا !
مسكها من مرفقها ولفها كالحلزون حوله فاتخذت من سيارته مسندا لظهرها شاهقة :
انت مجنون!! .. سيب إيدي ..
شهادة الله أنا ماشوفتش أجن منك !!
٣٣ ١٢:٥٩ ص
كان يطوف الفم والسخط بملامحه ، فأتبع موبخا وهو يسبح بفضاء عينيها المتأرجحة ، فحانت منها التفاتة سريعة الى عيناه وهو يقول :
وبعدين قوليلي ، انت كيف تأمني على روحك تركبي مع راجل غريب وتجي معاه لإهنه !
امتصت غضبه هازئة :
هو ده مش أخوك !!
دمدم مغلولا من حماقتها:
اخويا دا رجل ولا رجل كتبة !! أنت أي حد اكده يقول لك تعالي تقومي شبطانة و رايحة معاه ؟!!
قال جملته الاخيرة وهو يلوح بكفه بوجهها لمعت بعينيها عبرات الأوامر التي هربت منها بالاسكندرية الجميع يطعن بصحة تصرفاتها دوما
محل عتاب لكل من حولها ... نفس النبرة الفلامة اغتصبت خلايا منها ... فقالت مدافعة عن نفسها :
انا مش عيلة صغيره عشان تكلمني بالطريقة دي ولا أروح مع أيه حد كده !!
ثانيا ده أخوك وأنا سبق وركبت معاك ولقيتك محترم ومتربي ، قولت أكيد أخوك متربي زيك
تلقى جملتها بهزی :
مين قالك ان هيثم متربي !
اجابت بفطرتها القاتلة لكل ثعابين المكر بروحها :
احساسي ، وأنا بصدقه في كل حاجة ..
ارتاد فكره ساحات الحيرة حول تلك الطفلة البريئة صاحبة الجسد الأنثوي المتكامل والتي لا يلفح قلبها دخان غدر البشر فهي ما زالت بعقل
طفلة لم تتجاوز السبع سنوات ... هتف معارضا وهو يشير بسبابته صوب رأسها :
وعقلك اللي ربنا خلقه ضيف شرف !!! ولا مش موجود من أصلو ؟!
اقولك حاجة ، أنت كمان شكلك مش متربي .. !!
نعم !!
قطع خطوة لعندها فتراجعت لتصطدم بسيارته بخوف مبررة كي تنفذ نفسها من شره بهذا الخلاء :
مش متربي ازاي تتعامل مع بنات الناس ..
فرت من أمامه كفرار غزالة من بطش حيوان شرس كضحية له ولكن سرعان ما أفشل مخططها وهو يلحق بها : جاهرا
جبل وصحرا ... هتهربي فيهم تروحي فين ؟! أنت قاصدة تجننيني ؟!
ما يحرض أسهم غضبه نحوها سوى حماقتها التي جننته أكثر من تصرفات أخيه العبثية .. وقفت أمامه تتأمل ملامحه عن قرب وهي ثقايض
القدر الذي جمعها به فاشتعلت بشهوة إطالة النظر بعيونه البندقية التي تتطابق تماما مع لون عينيها الذي تبغضه معترضة : لم لم تخلق عينيها
بلون عيني أبيها الخضراء !!...
لذلك دوما ما كانت تلجأ للعدسات اللاصقة كي تحقق أمنيتها الزائفة كي تصبغ صفة نسب واحدة بينها وبين أبيها .. ولكن من تلك اللحظة
وبالأخص عندما التقت بتلك الأعين البنية اقتنعت بجمال عينيها الذي وصفه لها ابيها مرارا وتكرارا... تحمحمت بخفوت مستردة وعيها الذي
شرد معه :
طيب ممكن متزعقش ... عشان الصوت العالي بيتعبني .
يبقي تعقلي وتقولي كلام يدخل الراس !
أدرك أنه تمادي في معاملته الجافة .. فزفر ذرات غضبه وقال : مين سمح لك تقربي من غيم !
ردت بلا مبالاة وهي تهز كتفيها : أنا سمحت لنفسي عادي ...
يا صبر الصبر !!
ابتلع جمر غضبه وجزعه الذي لم يعتاد كتمانه وقال بحنق وهو ينفر بقوة
ايه جابك ..؟!
هنیم !
فانفجرت ضاحكة إثر نظرته التي كانت ستبتلعها بداخله، فجاءت ضحكتها كالغيم الممطر على أرض قالحة ... سرعان ما داوت الأمر بخفة
روحها ، قائلة :
يهزر والله ، أنت أصلك بتحقق معايا كإني متهمة عندك ، هو ده كرم الضيافة عندكم !!! نتكلم بجد خلاص ..
سرت قشعريره إعجاب خفيفة تجتاح جسده ولكنه سرعان ما دفنها برمال الصحراء تحت قدميه وقال : ياريت .. عشان انا خلقي جايب آخره .
شرعت بسرد اتفاقها المزيف مع هيثم والذي عقدته معه حيث استردت شخصيتها الثرثارة التي اكتشفتها معه :
بصراحة أنا كنت جاية عشان نخلص الحساب اللي ما بينا .. وقابلت هيثم أخوك بالصدفة طبعا .. وهو اللي جابني وعزمني على حمام
محشي .. وأنا بموت في الحمام المحشي أصلا .. قال لي مامتك بتعمله حلو اوي ، انت ايه رأيك مامتك بتعمله حلو فعلاً ولا هيثم
بيشتغلني !!
بومة تغرد فوق مسامعه جعلت رأسه كقنبلة موقوتة موشكة على الانفجار .. تمسك برأسه ليدور نصف دائرة حول نفسه ثم عاد لعندها هاتفا
بجزع :
یا صبر الصبر !! أنت ضاربة ايه على الصبح ؟!
ردت بعفوية بحتة :
فول وفلافل .
إكمن راسك عمرانة !
تمتمت بإعراض : ممكن متغيرش الموضوع ؟!
رد متعجبا وهو يسب هيثم وحياته كلها بسره :
أنا !!
فاتبع مسايسا وهو يتكئ على مقدمة سيارته بملل :
متاسف مش هغير الموضوع اتفضلي كملي .. ثم غمغم بتوعد أما وريتك يا زفت !
دنت منه خطوة وقالت بهدوء لما فكرت طول الليل عرفت أني ليا حق عندك .. وأنت ليك حق عندي .
رد بفظاظة : أنا ماليش حقوق عند حد ، عشان بخلصها أول بأول ..
ردت بثقة :
لا طبعا ليك .. تمن تصليح عربيتي يا حضرة ... انت هتبكشش عليا ولا ايه !
أحس أن الحوار سيطول ... فلجا للفافة التبغ كي تهون عليه مرارة ما سقط بقعره .. رمى السيجارة بفمه وهم بإشعالها وهو يقول :
ياستي وأنا مسامح ، بجملة الخساير .. مش عايز حاجة .
لا طبعا حقك لازم تاخده و
ثم سحبت السيجارة المشتعلة من فمه والقتها بالأرض :
وبعدين ميصحش تدخن كده وأنا بكلمك .
رد بجمود لتطاولها واقترافها لذلك الفعل الذي لا يجرؤ عليه أحد ، متقبلا بلاءه الذي حل فوق رأسه بسبب أخيه :
ده ليه ؟!
بدون منطق أردفت : عشان أنا عايزة كده .
رفع حاجبه الأيمن :
لا ياشيخة ؟!
ثم وقفت أمامه متحجة بحقها عنده والذي لا يعنيها ربما كان مقصدها أن الكلام معه يطول لا أكثر :
و ... حقي بقا، أنت هتيجي معايا دلوقتي وتحكي الشريف على كل اللي حصل وتبرأني قدامه .. وكده تبقى الحقوق رجعت لصحابها ومش
هتشوف وشي تاني .. قلت ايه ؟!
لم تمهله الفرصة ليتحدث بل أكملت :
لو أنت مسامح في حقك المادي، أنا مش هتنازل عن حقي المعنوي يا عمدة .
اكده هيرجع لك يعني ؟!
ردت بعفويتها الفطرية :
ومين قال لك إني عايزة ارجع له.. أنا بس عايزة أبقي أنا اللي سيباه مش هو اللي سايبني .
حك ذقنه وهو يفحصها باستهزاء من رأسها للكاحل .. حتى تفوه بنيرة هادئة عكس العواصف التي تسكنه، أشار صوب سيارته :
شايفة العربية دي ؟!
ردت مستهزئة : - مش عمية أكيد !
اركبي فيها .....
نبئت بتوجس خشية من أن يطاوعها وينفذ أمرها الذي اختلقته بدون أي رغبة منها بحدوثه :
هنروح لشريف ؟!
رد بنبرته الحازمة :
هتروحي مندرة خليفة العزايزي تاخدي واجبك وترجعي على بلدكم طوالي .. مفهوم ..
كادت أن تعارضه ولكنه الجمها محذرا
واحد ما توصل مش عايز اسمع النفس .. هاه !! النفس .
بزياداك يا هشيم ؟! رايح جاي قصادي زي خيال المآتة .. خبر ايه مالك !!
أردفت أحلام جملتها بضيق إثر فرط حركة هيثم الذي يدور حولها كالدبور .. رسى تحت أقدامها وقال بقلق :
هارون ولد صفية مش هيحلني يا أحلام !!
ثم أكمل وهو يحك بجدار عنقه :
وأنا كمان استندلت مع البت وخدت توبي في سناني وجريت !!! معرفش عملت إكده كيف !!! بس هارون تفتكري عمل أيه في البت ، هو
مرجعش بيها ليه إإدي مش قده يا احلام ؟!
و بخته احلام الجالسة تحت ظل الشجرة وقالت :
يعني ورطتها وخلعت !!! بصراحة حلال فيك اللي هيعملوا هارون .. أنا مش هدافع عنك النوبة دي .
تمتم متوسلا
أحلام دانا هيثم حبيبك !!! حد بيرفع لك السكر غيري ؟! ده فيه اختراع جامد نازل السوق قلت لازما تدوقيه قبل أي حد .
لوحت بكفها خافية عشقها للحلويات التي دوما ما يستجدي بها رضاها ... وقالت :
هارون محلفني ماكلش حاجة مسكرة ؟! وبعد عني عايزة اسمع خطبة الشيخ هلال !
أنت مش جدعة يا أحلام !!
ثم وثب متذكرا
الصلاة !! أنا هروح ادس بالجامع ولو هارون جيه وسأل عليا قولي إنك مشوفتنيش .
مش هكدب لا .. ما أنت زي القرد أهو قصادي .
جاءت زينة حاملة ثلاثة أكواب من الشاي على مائدة معدنية وهي تتدلل بخطاها كعادتها والفرحة ترفرف بقلبها : احلى كوبايتين شاي يا أحلام ... ثم مدت لها مسبحتها الخشبية وسبحتك لقيتها جوه ، خدي سبحي وادعي لي ربنا يحقق المراد .
أخذ هيثم كوب الشاي وارتشف منه رشفة فانكمشت ملامحه : ألف مرة نقولو يا زينة أنت ما عتعرفيش تعملي شاي .. شاي ديه ولا تكفير ذنوب !!
سحبت منه الكوب الزجاجي بامتعاض : طب والله ما أنت شارب !!
ثم ولت الأحلام وهي تشكو منه : قوليلو يحترمني شويه يا أحلام !! أنا هبقي مراة أخوه بردك ؟!
ارتسمت ضحكة ساخرة على محياه متعجبا : أنا مش خابر فين عقل هارون وهو هيقع الوقعة المهببة دي !!
تفوهت بغل : شاهدة يا أحلام !!! أول ما يجي هارون هقوله يربيك ...
تمايلت أحلام ضاحكة : وهارون مش محتاج توصية !!! ده هيعلق رأسه على بوابة النجع ..
جلس بقربها متفاخرا بافعاله : حلاوتي وانا منكد على حريم أخوي !
ضربت الغير برأسها : حريم مين يا هيثم ؟! أخوك يعرف حريم غيري !!
ضحكت أحلام على جنونها وتمايلت لتبوح بالسر الذي أمنها عليه هيثم : الواطي ورط البت مع هارون وخلع ...
بت مين ؟! یا وقعة سودة !!! البت البحراوية اللي كانت هنا مع هارون لحالهم ؟؟!
ثم نهضت لتقف فوق رأسه وتلكزه بكتفه : كلم أخوك شوفه فين !!! قوله تعالى دلوق صفية عمتي بتموت يلحقها .. اخلص يا هيثم .
جاءت صفية حاملة المبخرة وهي تقرأ المعوذات .. فانكمشت ملامحها إثر كلمة زينة الأخيرة : موته في قلبك يا بت صالح .. بتقولي علي وعايزة تموتيني وانا اللي مجوزاكي الواد !!! طب قابليني لو شوفي طيفه .
دارت نحوها زينة حاملة قربان اعتذارها : ورب الكعبة ما اقصد يا صفصف .. يرضيكي هارون مع البت البحراوية لحالهم في الجبل !!! لازم حاجة تجيبه على ملا وشه !
وضعت صفية المبخرة على الطاولة وهي توبخها : تقومي تموتيني !!
جنت زينة على ركبتها : ينقطع لساني !! بس أحب على يدك كلميه يجي البت دي من ساعة ما شوفتها وأنا مش بالعاها .. بت مايعة وسهتانة إكده
وبختها أحلام وهي ترتشف كوب الشاي بتخابت : يمكن عشان أحلى منك ... البت كيف حتة الملبن .
دي حتي معصعصة وكلها تركيب
صفق هيثم بمرح :
حلاوتك يا حلم وأنت ماشية معاي على الخط ... بقول أنا أخوي هارون
يابت خفي صفار هتموتي يخربيتك !!
على الجهة الأخرى ، فرغ هارون من ربط فرسه بمكانه متجاهلا تلك التي ترافقه كظله ... نهض من جلسته متأففا وسار بخطواته الواسعة وهو
يتوعد لهيثم جهرا : طيب يا زفت ...
ودعت ليلة غيم بعجل كي تلحق بصاحب الخطوة الواسعة :
باي باي يا غيم !! قبل ما أمشي هاجي أودعك .
توقف أثر جملتها التأملية وبنظرة اعتراضية مع رفعة حاجبه الأيسر ... أقبلت نحوه ركضا فتحاشى النظر لها وأكمل بحزم : متقربيش من غيم .. أنت فاهمة ؟!
تمتمت مدافعة عن نفسها :
مادام مشي معايا وحبني .. أنا وهو بقينا صحاب ، خليك في حالك أنت بس .
قهقه ساخرا :
انت ماشية تصاحبي خلق الله إكده !!! لا عاتقة بشر ولا بهايم !
غمغمت بخفوت ولكنه وصل مسامعها : وبأمانة نفسي اتعامل مع بشر .. أنا من وقت ما جيت هنا مش بتعامل غير مع بهايم على قولك .
اكتفي بارسال نظرة نارية لعندها جعلتها تركض أمامه كالغزالة الهاربة من صيادها بخوف وابتلعت كل الكلمات المتجمعة بحلقها ، أكمل سيره
بالحديقة الخلفية حتى لمح تجمعهم .. غير مسار سيره التي اتبعته بدقة وبخطوات أشبه بالركض حتى ذاع صوته معنفا :
وكمان قاعد تتساير إهنه .. وحياة أمك ما هحلك يا ولد صفية .
قفز هيثم من مكانه محتميا بظهر أحلام الجالسة :
ولد حلال لسه كنا جايبين في سيرتك ... تعالى يا عريس شوف عروستك ، يا زين ما اخترت والله .
اقترب منه ورياح غضبه تهب هنا وهناك : ورب الكعبة الأربيك من اول وجديد .. صبرك علي يا هيثم ..
فاقتربت منه ليلة وهي تحفر سبابتها بكتفه :
على فكرة أنت طلعت ندل أنت كمان !!! وأنا غلطانة إني وثقت فيك ... كده سبتني وهربت !
تمايل معتذرا : على عيني والله !!! وبعدين أنت مجرتيش وراي ليه !!
تأرجحت عينيها المهزوزة ناحية هارون :
وأنا ههرب ليه !! هيخوفني مثلا !
توسطت له احلام :
صل على النبي يا هارون واقعد ريح رجلك ... هتعمل عقلك بعقله !!
أشار بسبابته متوعدا :
اللي عملته مش هيعدي وأنا هخليك تقول حقي برقبتي !
تدخلت صفية وهي تربت على كتفه :
حقك علي يا حبيبي .. أقعد أما ابخرك .
.. روحي يابت يا زينة هاتي جلابيته البيضة عشان يلحق الصلاة .
جلس هارون على مضض متجاهلا همسات ليلة مع أخيه الغير مفهومة .. نال كوب الشاي وما ارتشف رشفة رجعه مكانه نافرا :
حتى الشاي ما يتشربش !
جهر هيثم ممازحا:
كل المؤشرات عتقولك أهرب من الوقعة دي ياخوي !!
رد بحدة :
مسمعش حسك ...
شرعت صفية أن تقوم بتبخير ابنها فتزحزحت أنظار زينة عن تلك الفتاة التي ملأت قلبها بالغيرة وتغنجت لتأخذ المبخرة من عمتها وهي
تطيل النظر بعيني ليلة المتعجبة من نظراتها اليها :
عنك أنت يا عمتي !!
أخذت البخور وشرعت أن تلفه فوق رأس هارون الجالس ينفث دخان غضبه متعمدة مداعبة كتفيه بدلال وكإنها تعلن صك ملكيتها له وهي تقول بحقد موجه لتلك التي تجهل كل تصرفاتها :
رقيتك واسترقيتك من كل عين شافتك ومصلتش على النبي يا هارون يا بن صفية ...
تحمحمت ليلة بخفوت وهي تهمس لهيثم الواقف بجوارها : هي بتعمله كده ليه !!
دهدم متهامشا معها : باين له محسود !!!
حرکت كتفيها مستنكرة : هيتحسد على ايه يعني مش فاهمة ...
اختنق من رائحة الدخان : قضينا يا زينة !
مالت زينة لمستوى مسامعه بنبرة صوتها التي تعمدت أن تصل المسامع ليلة : تؤمر بحاجة ياسيد الناس ... اشر بس وزينة تنفذ.
هبت عواصف الغيرة بصدر صفية وهي تتهامس مع احلام وتستمع لهمها ليلة التي كتمت ضحكها مع هيثم : اهو ده دلع الفقارة اللي يقفع المرارة يا أحلام !!
فأتبعت وهي تكز على فكيها : أنا جيباها تكيدني ولا ايه !!
تحمحم هارون وهو يعتدل في جلسته : تشكري يا زينة .. الجلابية يا اما قبل هلال ما يقيم الصلاة .
لبت زينة طلبه على الفور : غمض عينك وفتحها تلاقي الجلابية عندك .. حمامة .
نظرت أحلام لـ ليلة التي تقف ورائها :
واقفة ليه يابتي أقعدي .. هشيع لك على هيام ونجاة يقعدوا معاكي وهتحبيهم قوي .
تدخل هارون في حوارهم بجفاء :
ضيفتنا تاخد واجبها وزيادة يا صفية وبعدها خلوا جابر يوصلها لمكان ما تحب .. و يابخت من زار وخفف .
تدخل هيثم مدافعا عن ليلته :
كيف ده !! دي قاعدة جارنا أسبوع ؟!
مین سمح لها بإكده ؟!
أنا !!! وخدت إذن ابوي ومعندهوش مانع !!!
رد بفظاظة :
إذا كنت أنت أصلا هتروح تشوف لك مكنة تتاوى فيها !!
تدخلت أحلام بعتب وهي تتشبت بيد ليلة :
عيب عليك يا هارون ... البت تتشال جوه عنينا وفوق الراس .. وبعدين دي
تدخل هيثم بشجاعة :
يبقى محدش يوصلها غيري ... وروح يا هارون يا ولد صفية ينكد عليك زي ما انت منكد علي عيشتي ...
تمتم بحزم وهو يأخذ عباءته المكوية من زينة : قولت جابر يوصلها وأنت اسبقني على الصلاة ....
ختم جملته بصوت عربة الشرطة التي يدوي صداها بكل مكان ... نهض هارون من جلسته وهو ينظر نحو الخفير الذي جاء ركضا لعنده .. غطت زينة شعرها على الفور وهتف هارون متحيرا :
في ايه بره ؟!
حكومة .. وعايزين هيثم بيه !!
هتف هيثم مذهولا : انت بلغت عني يا هارون !!
رمى العباءة من يده ثم تحرك بعجل ليري ما الأمر لحق به هيثم ثم ليلة التي ركضت خلف فضولها وورائها صفية وزينة .. وصلوا جميعهم للبوابة فإذن بشريف ومعه الضابط محسن .. جاءت نجاة وهيام من الداخل يركضن متوارين خلف الجدار .. تفوهه هارون بنفاذ صبر :
في ايه تاني يا شريف بيه .. !إدانت فاضي !!
ارتعد قلب ليلة إثر نظرات شريف الحادة فهتف محسن بخجل :
هارون بيه في بلاغ من نادية هائم أبو العلا وشريف بيه أن هيثم أخوك خاطف الأستاذة ليلة سامح الجوهري .
أقبلت ليلة نحوهم بشجاعة وهي تحتمي بكتف هارون : ده جنان !!! مين قال الكلام ده ؟! أنا مش مخطوفة وانا هنا ضيفة وبتعامل أحسن معاملة.
اشتعلت النيران بقلب شريف الذي تطاولت يده اليها محاولا الإمساك بها : ليلة اتحركي قدامي .
فوجد ذراع هارون حصنا منيقا امامه يعيق تنفيذ بلطجته في انتابتها عاصفة من الخوف رجت قلبها تحديدا وهي تصرخ مستغيثة : انت اتجننت ؟!!
دفعها هارون للوراء برفق ووقف وجها لوجه أمام شريف مدافعا عنها :
سمعت !!! قالت لك ضيفة إهنه واللي انت بتعمله ده هوه اللي يعارضه القانون .
و بخه شريف بغضب يتقاذف من مقلتيه :
وانت مالك يا جدع أنت ، خطيبتي وجاي أخدها !!
صرخت ليلة المحتمية بصفية وهيثم :
وأنا مش هروح معاك في حتة .
و از دردت ريقها برعب :
انت ملكش دعوة بيا خلاص بعد النهاردة ....
كاد أن يدفع هارون ويتهجم على تمردها ولكنه فوجئ برد ذلك الرجل الذي غلت بعروقه الشهامة ممسكاً بياقة بذلته الميري ، محذرا :
خطوة كمان مش هعمل حساب للدبورة اللي على كتافك .. خليك محترم ولم رجالتك وامشي من إهنه ...
تدخل محسن كي يلطف الأجواء هارون بيه ممكن نحلها ودي !!! شريف بيه من حقه ياخد خطيبته .
كانت خطيبته وفضوها سيرة مش مرته يعني !!! ومفيش نص في القانون يشير بأن المفسوخ يتهجم على بيوت الناس بالقوى عشان ياخد
قطم الكلام معه بحزم :
واحدة مش عايزاه .
ثم نظر الشريف الذي يشتغل شعر رأسه غضبا وجهر بكل قوته :
يالا يا ليلة وبلاش فضايح وإلا .
قاطعه هارون بشموخ : وإلا !!! وإلا ايه ؟! دي اللي عايز اسمعها عشان اعرف هتعمل ايه في واحدة ضيفة هارون العزايزي وفي بيته وفي حمايته !!
والا !!! وإلا ايه !! دي اللي عايز اسمعها عشان اعرف هتعمل ايه في واحدة صيغه هارون العرايري وفي بيته وفي حمايته !!
فتقدم هيثم من وراءه مدافعا : هي مش قالتلك محدش خاطفها !!! ما تزوق عجلك من اهنه وتورينا جمال خطوتك !!! ولا هو تلقيح جنت والسلام !
تدخل محسن متهامشا لرفيقه : شريف بيه !! كفاية كده !
صرخ شريف بكل قوته وهي يدفع هيثم عن وجه بعنفوان هیچ صراخ النسوة فقبض هارون على دبر كتفه وأوقفه صارخا وهو يلكمه بوجنته : انت محدش مالي عينك !! بقولك لو قربت منها هكسحك .
نشبت معركة طاحنة بين هارون وشريف الذي تشابك فيها رجال الشرطة والخفر كي يفصلان بين الاثنين، صوت صاحب من الضجيج والصراخ والجمهرة جعل شريط ماضيها يدور أمامها ... نفس المشهد المهين الذي كان يتكرر أمام عينيها يوميا ، دوى صوت صراخ أبيها المدافع عنها دوما :
بنتي وانا حر يا نادية !! واللي مش عايزاه مش هجبرها عليه !!! ومين شريف ده كمان !!! الولد المدلع ده اللي شايف نفسه !!
فناطحته نادية مدافعة عن رأيها : شريف أنسب حد لليلة ، بيحبها من زمان ومقدر حالتها .
انفجر سامح بوجهها
حالة ايه !! أنت مصدقة نفسك ؟! سبت لك البنت تربيها عقدتيها في حياتها وكمان طلعتيها مريضة !!! أنت ازاي بتعالجي الناس وأنت اول واحدة عايزة تتعالج .
صرخت معاندة ومدافعة عن آرائها العقيمة : دي بنتي وانا عارفة ازاي اربيها واقوي شخصيتها عشان تطلع واحدة مسئولة !! كفاية دلعك اللي بوظها وأدينا كلنا يندفع الثمن ...
رفع سبابته محذرا كي يختم الحوار الثائر بينهما : ليلة خط أحمر يا نادية !!! نظرياتك العقيمة دي طبقيها على المرضى بتوعك مش في بيتي .. وبنتي مش هتتجوز غير الشخص اللي تحبه
ويحبها ، غير كده أنا اللي هقف لها ، أنت فاهمة !!!!
استردت وعيها وهي ترى ضباب سيارة الشرطة تتقهقر وتغادر منزلهم ، فحلت برأسها تلك النوبة النفسية التي تلازمها عند كل صدمة عصبية لا تتحملها ، امتزج الماضي بالحاضر، تداخل بأذانها صوت أبيها المدافع عنها وذلك الرجل الغريب الذي أنقذها من بطش الطامع بأموالها قبل
أنانيته وملكه لها الذي غرسته عمته برأسه .. انسابت ساقيها وتراقصت جفونها لا تسمع إلا همهمات بشرية حتى خرت مغشيا عليها بالأرض ... دار الجميع حولها يتهاتف بفزع ، تقدمت نجاة الدارسة لقسم التمريض لتفحصها فغمغمت ملهوفة :
دي قاطعة النفس !!
ندبت زينة على وجنتها : ماتت !!
دفعها هيثم وجتى على ركبته وهي يربت على وجنتها برفق وقال: دي ما عتنطقش !!! اتصرفي يا نجاة .
ضربت صفية على صدرها بشفقة :
يابتي !!! لساتها صغيرة في عز شبابها ...
جاءت نجاة مقترحة وهي ترفع تلك المغشية عليها من كتفيها : ساعدني يا هيثم ندخلوها جوه وارمح هات الدكتور اللي في الوحدة .
ألم حارق يتوهج دخانه من عينيه وهو يراقبها مرمية بالأرض لا حول لها ولا قوة ، بدون أي إرادة منه أوقف أخيه عن حملها وقال بهدوء تام : روح هات الدكتور أنت ...
ثم انحنى متحاشيا التطلع لملامحها النائمة ، تغلل ذراعه تحت ساقيها والآخر تحت كتفيها وحملها بدون أي مجهود يذكر ، توهجت النيران بقلب زينة وهي تراقبه بسخط :
ضهرك يوجعك يا هارون .. طال على مهلك...
ركض بها للداخل فاتبعه الجميع ما عدا زينة التي وقفت توبخ هيثم : اهو كله من تحت راسك افرض ماتت دلوق هندخلوا في سين وجيم !!
رمقها هيثم مستنكرا وهو يهم لاحضار الطبيب : ان شاء الله أنت يا بعيدة وهي لا ...
•تابع الفصل التالي "رواية آصرة العزايزه" اضغط على اسم الرواية