Ads by Google X

رواية آصرة العزايزه الفصل السابع 7 - بقلم نهال مصطفى

الصفحة الرئيسية

 رواية آصرة العزايزه الفصل السابع 7 - بقلم نهال مصطفى 

رد الأخير بعرفان :

مفيش تعب يا عمدة ، ديه واجب

مد هارون يده ليصافحه : وأردف داعيا : نورتنا يا داكتور عمار خلينا نشوفك في فرح هيام أختي يوم الخميس الجاي

أحس قلبه بهوية الفتاة الذي يدعى على حفل زفافه حتى جاءت نجاة لتقطع حبال الشك باليقين : موضحة : هيام اللي شوفتها جوه یا داکتور عمار ....

تركت له الصدمة والحلم الذي انتهى قبل أن يبدأ واتبعت موضحة لهارون وهيثم : اصلو الداكتور عمار غايب عن إهنه له عشر سنين ولساته بيتعرف على العزايزية من أول وجديد ... يعني اللي سابهم صغار رجع لقاهم عرايس .

إعتاد على عدم لمسه لشيء أبدي ، منذ تلك الفتاة التي أحبته وفارقها إثر أعرافهم المظلمة ، وأمه التي تأمل أن يعود من غربته فيجدها تنتظره ، واخته الوحيدة التي تزوجت وتركته بمفرده ، ظن أنه للتو عثر على من ستشاركه قلبه وحياته وفراشه الموحش ولكنه تقبل الأمر

معتادًا على الوداع : ابتلع غصة آماله المتحطمة بابتسامة مؤسفة وطاطا رأسه مستنذنا :

بالإذن أنا يا غمدة ، وأي حاجة جديدة بلغني رقمي مع نجاة .

بعد ما انصرف عمار وعلى كتفيه أحجار الخيبة وهنا لقد عاد الحج خليفة متعكرا على ابنه الشيخ هلال" الذي رمق أخيه بنظرات ساخطة وأردف معاتنا :

إكده يا هارون !! يعني الفاسق ديه مشيرا لهيثم ومفيش منه رجا وأنا رميت طوبته !!! أنت بردك تفوتك ظهر الجمعة !!

تم نظر واعظا :

دي الصلاة عماد الدين والقلب .

تدخل هيثم مدافعا : كنت في جهاد و عمل خيري أنا كمان !!! احكي له يا هارون أنا عملت ايه !!

لا ونعم الجهاد !! ما بلاش إنت !!

ثم حك هارون ذقنه القصيرة وقال متوعدا :

سيبهولي يا هلال وأنا هعرفه كيف يكون جهاد الصوح !!

ثم وضع كفه على كتف هيثم المترقب مصيره وقال امرا بعنفوان : قصاد أبوك أهو ، أحضرنا يا حج خليفة الله يرضى عنك .. الأوضة دي لو شوفتك معتب من قصادها هكسر لك رجلين الاثنين ، البت المذيعة دي لو قربت منها ولا حدثتها يا هيثم مقطع خبرك عن النجع كله .. تنسى أن فيه ضيفة إهنه من أصلو !!

و بخه هيثم معترضا : يعني ايه !!! انا اللي جايبها وما ينفعش انجس معاها وأسيبها لروحها !!

ينبرته المبطنة بالسخرية لا ونعم الشهامة اللي خلتك تسيبها في عرض الجبل وتهرب زي الأرنب ! _ ثم تهامس معه محذرًا بنبرة لا يفهمها سواهم - اظبط روحك معاي .

مازحه قائلا : ما سمعتش عن المثل اللي يقولك الجري نص الجدعنة !!! ما تحضرنا يا حج خليفة !!

تعكز أبيه على رسغ هلال وقال : نفذ كلام اخوك بالحرف يا ولد ، عليك بيه يا هارون يا ولدي ... ثم نظر لهلال دخلني لجوه يا هلال ما جادرش .

انتظر هيثم حتى انصرف أبيه ودار طالبا العفو من أخيه الثائر والمقيم الحد عليه : افهم بس ، ليه يعني ولا احدثتها ولا أهوب من جارها !!

رد الأخير بثقة :

لإني خابرك زين رطاط و ماشي تحب على روحك ، ومش هورطك واسلمك للموت بيدي وترجع تقول لي رايدها يا خوي .. وهي حب عمري هي كمان .

تنهد هيثم بارتياح واردف : انا اتورطت واللي خصل خصل ... انت مش واعي للبت !!! دي تتأكل وكل يا هرن ياخوي .

ورب الكعبة هقتلك بيدي !! .

ثم عض على شفته باغتياظ وبنبرة لا تقبل الجدال بحاجبيه المنكمشين :

تطلع من إهنه على المحجر متفارقهمش غير لما يحملوا آخر عربية ، وتنزل تشق على الأرض والمحاصيل وتكلم التجار يجيوا يحملوا الغلة ... ولو خلصت كل ديه قبل ما يحل الليل والنجع يتقفل تفضل تلف لحد ما راسك توجعك وترجع تتخمد طوالي .. مفهوم !!! ومن طلعة الشمس
هتلف نفس اللغة من اللول لحد ما البت دي ترجع بلدهم .

تفوه معارضا :

هارون متهزرش !! أقولك طاه جوزني وارتاح من همي ، ستر الولاية مطلوب ، أنا مش ههدا غير لما اتجوز .

حدجه بغل : وبردك مش هتتربى، ديل الـ *** عمره ما هيتعدل .

توسل له ممازحًا :

طب جربني !!! ولو متربتش جوزني تاني لحد ما نقفلوا الشرع يمكن ربك يتوب علي في الرابعة ....

ثم مال نحوه بغمزة خفيفة وهمس له : هخليك عم من أول سبوع اسمع مني ..

أنت لو ما انشكت من وشي هرنك عقلة تخليك تقعد جار صفية عمرك كله لا هتنفع في جواز ولا غيره ... انقلع من قصادي يا هيثم مش طايقك ، ولا طايق مجايبك الكحلة

الفجر ضاحكا وقال بسخرية :

انا مجايبي كحلة !! دي كيف القشطة ، اسم الله على مجايبك، زينة يا هارون !! طب أيه اللي عجبك فيها !! اكمنها فرعة هبابة يعني !!

كاد أن ينزع حذائه مغلوبا على أمره : بالمركوب فوق راسك ، عشانك شكلك اتدبيت على الأخير ...

استحلفه ضاحكا محاولا أن ينصحه :

أمركم شورى بينكم بصوت الشيخ هلال ، هدي روحك !!! بقليلك نور يكش تفوق !! أنت بس لو ركزت هبابة مع القشطة اللي جوه دي هتعرف

أنا هتكلم عن أيه !!

ثم غمغم على عجل كي يهرب من بطش نظرات أخيه الثاقبة :

هنفذ كل أو امرك بالحرف ! ولو افتكرت اي تعليمات جديدة من على الخمار ينفذها ...

ما كاد أن يخطو خطوتين قدمدم : طب فكر تاني !! زينة يا هارون !!!

غور يا بن ال ** .. ابو تربيتك الـ **** ...

مر ساعات اليوم بدون أي جديد يذكر، قضت هيام ونجاة نهارها فوق رأس ليلة النائمة لرعاياتها .. عادت صفية للبيت مع أحلام لترى نواقص

جهاز ابنتها التي سينتقل لبيتها الجديد بعد يومين .. وعادت زينة لمنزلها لتستعد وتجهز نفسها لكونها عروس جديدة لفتى أحلامها الذي لم

تتمنى غيره من وقت ما رأت ضياء الشمس حتى لهذه اللحظة ، أما عن هارون الذي لم يشغل رأسه وفكره إلا مهام العزايزة وأعمالهم .. خرج

كي لا يمر من أمامه طيف الفتاة التي تشعل عود من الكبريت براسه لا يزيده إلا غضبا .

بأحد الملاهي الليلية المشبوهة .

يجلس ضيا زوج هيام برفقة معتز ابن عمه وصديقه وأكبر عدو لهارون العامل المشترك اللذان اجتمعا عليه، لا يبغض أحد مثلما يبغضه .

في تلك الغيمة المنعقدة من الدخان المتصاعد الذي ينفخونه ممزوجا ببعض المواد المخدرة والتي تعد محرمات بغرف العزايزة قبل الدين

والقانون ... نفت معتز دخان شره و انتقامه وقال متوعدًا :

عايزين نخلصوا من حكم خليفة وعياله، إحنا مش عبيد عندهم ! جبروتهم لازما له حد .

قهقهه ضيا ساخرا :

ولو خلصنا متيهم ، فكرك مجلس العزايزة اللي ما عير حمش هنفلتوا من يده !!! قدرنا إكده .. بس خليفة وعياله مش قدرنا ومش مجبرين

ترضوا بيه .

فعارضه معتز بحسم وقلب يعتصر على فارق حبيبته التي رفض هارون نسبها قطعا :

بس لازما يتغير ومش هيتغير غير لما الحكم يطلع من بيناتهم ... هارون واعر وأوعر من أبوه ، واللي جاي سواد فوق روسنا كلنا .. هو شغال

يتمسكن لحد ما هيتمكن ...

ثم شد معتز من يده خرطوم الشيشة وشد نفس طويل منها واتبع بنفس النبرة بحقد :

و أنت مين كدك، نشنت وغرفت من قلب بيتهم ، وربحت رأسك ، الدور والباقي علي ، وما ليك علي حلفان تاري مع هارون العزايزي ما

هيخلص ولو فيها موتى !
قهقه ضيا بضحكة الثعلب الماكر :

يتلقوا وعدهم مني .. راس خليفة وعياله مش هيرفعوها تاني بينات الخلق .

انت ناوي على ايه يا ضيا!

زفر دخان شروره وقال خليفة وعياله يهملوا الحكم والعمدية ، واللي جاي على كيفي أنا وبس ... كلها أيام والضحك هيبقى على الدقون .

عودة لمنزل خليفة العزايزي .

كل الأماكن خطرة ، فـ لا تأمن مكانا يعطيك ألفته من أول مرة ..

وشوش باذن حصانه الذي أغرقه بنظرات العتاب طويلا حتى أردف هذه الجملة بتلك الثقافة اللغوية التي أحبها وتعلمها من دراسة القانون أولا ثم من حب أخيه لها . همس له وكانه أراد أن يذكره بالعهد الناشب بينهما .. تار الحصان رافعا ذراعيه بالهواء لبرهة محدثا صوتا نافيا أم معتذرا !! يعارضه أم يصدقه القول ... تصرف غريب من " غيم " الذي اعتاد أن ينفذ تعليمات صاحبه بدون تمرد ، ماذا حدث له تلك المرة ؟! ما

الذي يتنبأ غيم بحدوثه لصاحبه الوحيد مستقبلا !!

حدق النظر بعيني حصانه بعتب

بتقا وحني يا غيم عشانها !!

ثم شقت ابتسامة خفيفة على تغره وهو يداعب شعره : اوعاك يكون هيثم عضك !!! بقيت زيه أي بت حلوة تريل عليها زي الأهبل ...

نفس الصوت الاعتراضي والغضب ثار به " غيم كي يضع حدا لتمادي صاحبه الذي انفجر ضاحكا : وه وه !!! أيه في حديثي مش عاجبك يا عم غيم !! لا أنا إكده هبتدي أقلق عليك !! هي قلبتك علي !!! دي يومها مقندل معاي .

ثم أقام عليه الحد :

أقول لك !!! كنت ناوي امشيك هبابة ، بس قفلتني .. خليك إكده مكانك لحد ما انسى خيانتك .. أنا ماشي ..

بغرفة الضيوف .

توسلت نجاة لليلة أن تتناول آخر لقمة من طعامها ولكنها أبت بضعف وهي تتنفس بصوت مبطن بالتأوه :

مش قادرة بجد ، كفاية عشان خاطري ، تسلم ايدك .

رمقتها نجاة بعدم اقتناع : وفين الوكل اللي كلتيه !!! دي أحلام موصياني تخلصي الصحن كله ... معاودلها الوكيل زي ماهو كيف !

ابتسمت ليلة بإحراج : أنا زي الفل والله ...

ثم التفتت لتبحث عن أشيائها : فين شنطتي وموبايلي ، أكيد مامي قلقانة عليا !!

ثم اعتدلت لتلمس أقدامها الحافية الأرض الزخامية وقالت : لازم أمشي .. ممكن بس حد يجي يوصلني!!

جاءت هيام حاملة بيدها دورق المياه ، فلم يروق لها حديث ليلة : يادي العيبة !!! عاوزة تروحي وأنت لساتك عيانة !!! محدش هيوافق لك بالجنان ديه .

ترجتها ليلة بضعف كفاية مشاكل كده لحد كده .. أنا لازم أمشي .

وقفت نجاة أمامها : طب وقفي وخدي نايبك صبر ، الصباح رباح .. خليك إهنه الليلة دي والصبح ربك يحلها .

بوادر الاقتناع خيمت ملامحها ولكنها تذكرت تحذيرات أمها فوثبت متحيرة وهي تفتش بحقيبتها : انا مين جابني هنا !!! أنا فاكرة أن شريف كان بيتخانق وصوت عالي .. بعدها مش فاكرة حاجة.

تدخلت هيام وشدت الحقيبة من يدها : اولا محدش هيسمح لك تمشي دلوق ...
غمغمت بتوجس :

كفاية مشاكل وعشان هارون أخوكي ، ده طردني قدام الكل ، لالا انا مستحيل أقعد هنا مش ناقصة إهانة منه

امتزج صوت ضحك كل من نجاة وهيام ، فأكملت الأخيرة مدافعة عن أخيها : هارون !!! ده مفيش في بياض وحلاوته قلبه ، ده هو اللي قلك على يده وجابك لحد إهنه .. يهينك كيف لالا أنت ظالمة هارون !!

شهقة طويلة اختتمت بكلمتها الاعتراضية المعتادة : أحيه !!

ثم تقاسمت معالم التوتر والارتباك والصدمة ملامحها وأحمر خجلا وهي تتحرك بفوضوية بجميع أنحاء الغرفة، خطوات عبثية غير محسوبة : يعني ايه هو اللي قلك وجابك هنا هو اللي شالني !!! فهمت صح ، أيووه !!! لا أحيه !! هو الباب منين !!

خطت أقدامها بصخب وهي تسحب الباب الجرار الموجود بعرض الحائط والفطل على حديقة بيتهم ، ما كادت أن تلتف لنداء نجاة وهيام

ففوجئت به امامها ، بنفس النبرة التي لا تختلف عن سابقتها مردفة بعفوية تامة وأعين جاحظة بصدمة :

احيه !! هو أنت !!!

يا صبر الصبر !!

رغم جمال وعفوية الكلمة من شدقها لكنه تمتم جملته وهو يزفر بضيق ويقفل جفونه إثر سماعه تلك الكلمة التي حذرها منها كثيرا والتي تثير

غضبا مبهما براسه ، أطرقت وجهها بخجل وهي تتراجع للخلف لتحتمي منه بظهر هيام يبدو أنها أدركت خطاها للتو .. رفعت نجاة حاجبها

بتعجب :

شوفتي عفريت أياك !! ده هارون ولد حلال زين إنك جيت .

مازالت عينيها ثابتة جاحظة نحوه لا تتحرك عكس شفتيها المرتعشة ، فأكملت هيام كي تورطها أكثر : يرضيك يا هارون ، ضيفيتنا عايزة تروح دلوق

عقد حاجبيه متسائلا باستغراب ده ليه !!

تدخلت مدافعة عن قرارها بنبرتها المهزوزة : مقعد ليه !! أنا خلاص خدت واجبي وكرم الضيافة وتعبتكم والف شكر يا حضرة الغمدة .. مش ده كلامك ...

ثم امتدت بنظرها للخارج وكأنها تبحث عن شخص ما لا تعرفه : ممكن تنادي حد يرجعني الأوتيل ...

تحمحم بهدوء بعد ما ألقى عليها نظرة واحدة والأخرى كانت طائفة بالمكان : خفي محن وحشي نامي

قال جملته الأخيرة وتركها في هول صدمتها محاولة استيعاب إهانته ، اكتفى بنظرة سريعة لاخته ترجمة معناها على الفور وهي تكتم الضحك :

هخليني جارها متعتلش هم .

تم دارت لتلك الصامتة التي مازالت تحت سطو صدمتها : فقالت : سمعتي بودنك أهو ، قال لك خشي نامي وعيننا حرس عليك كمان !!

غمغمت بسهو : ده بيقول لي خفي محن !!! هو على طول كده ولا قلة الذوق دي معايا أنا وبس ؟!

لم تتوقف هيام عن الضحك ثم أجابتها قائلة : هو على طول إكده متتوقعيش ردوده، یاستي عوقنا يلا نناموا والصباح رباح ... بكرة هعرفك على هاجر وهتتعرفي على هاشم ....

فانضمت نجاة الحوارهم : انا هروح اجيب مازن ولدي ، واجي أنام جاركم.

فقبلت على مضض تمام ، بس لازم أكلم مامي الأول .

بغرفة الحج خليفة ...
رفعت صفية الوعاء الممتلئ بالماء والملح بعد ما غسلت أقدام زوجها جيدا وجففتهما بالمنشفة ثم أقبلت إليه وهي تخبره : اتفقت مع صالح العشية هنروحوا تطلبوا يد زينة لهارون، ويد نغم لهاشم ... البت نغم يتيمة وتستاهل كل خير ، ايه قولك يا حج خليفة .

يتكئ على عكازه الخشبي كي ينهض متجها المرقده : القول قولهم ، شوفي رأي هاشم اللول يا ام هارون ، لازما الواد يختار بنفسه

شخللت بأساورها الذهبية التي تملأ معصميها وهي تساعده في رفع الغطاء لتفسح له مجالا للنوم : هاشم واثق في ذوق أمه ومش هيكسر لي كلمة ، متعتلش هم انت يا حج .

ثم تنهدت بارتياح وهي ترسم مستقبل أولادها : اخيرا يا حج هيريحوا قلبي ، واطمن عليهم ، والسنة اللي وراها نفرحوا بهلال وهيثم ... ونختموا بهاجر آخر العنقود .

ثم مددت بجوار زوجها معبرة عن سعادتها : كلهم كوم وفرحتي بهارون كوم تاني .. هارون يا كبد أمه مفرحش ومشفش يوم حلو .. جيه أوانه انه يرتاح مع البت اللي قلبه اختارها ...

تمتم الحج خليفة بيقين : قدمي المشيئة يا ام هارون ، یکش نفرحوا بيهم كلهم في شهر واحد ، ده يوم الفنى .

عارضته بحزم : شهر كيف !! أحنا ناقصين قر ونقم يا حج خليفة !!

القسم .

وشرف أمي يا محسن ما هعديهاله ...

رفع شريف قرية الثلج من فوق عينه المزرقة التي كانت أحدثت كدمة إثر لكمة هارون عندما تجاوز حدوده بمنزله، فعاتبه النقيب محسن :

شريف بيه ، معاليك غلطت ، مكنش له لزوم العنف .. وأهو واقفين مش عارفين ناخدو موقف .

ضرب شريف على سطح المكتب بغل انا هعمله محضر دلوقتي ، والله ما هعديهاله یا محسن ده اتجنن يمد ايده عليا !! .

عارضه محسن يعتب للاسف ، القانون في صفه، أنت اللي اتهجمت على البنت وكنت هتاخدها بالقوة .. وهو كان بيدافع عن ضيفة في بيته وقالت لك أنها مش

مخطوفة .

انت عايزني اسيبها في بيته يا محسن !!! ليلة دي عيلة مجنونة ودماغها على ادها وبتتعالج ما ينفعش تتساب ، دي واحدة عيانة

بنبرته المعنفة أردف جملته الأخيرة التي تحوى الإهانات لخطيبته السابقة بشكل غير لائق جعل محسن يستصغره كثيرا، فأتبع شريف متوعدا :

حسابك تقل معايا يا ابن العزايزي ، أنا هعرفك مين هو شريف أبو العلا .

ثم خبط على مكتبه بغضب يتطاير : انا مش هسيبه يا محسن ولو هقعد في بيتنا بعدها .
قفل مداخل الحديث بوجهها ، أخذت تتجول بانظارها يمينا ويسارا وكأنها تفتش عن موضوع جديد حتى اتسعت ابتسامته وهي تراقب قطرات الندى فوق الزهور حولهم ، فلجات لعالم الأساطير الذي تهواه :

انت عارف .....

فالتفت لها باهتمام مما جعلها ترتبك في تنظر بعيدا عن مرمى أعينه وأكملت : في أسطورة بتقول : أن قطرات الندى دي اللي فوق الورد ، جوابات خب من النجوم ... وفي حد تاني قال أنها قبلات مرسلة ..... أنا بقا شايفاها غير كده خالص ...

تم عقدت ساقيها وولت وجهتها لعنده ، كان يستمع لها بتعابير وجهه المتصلبة التي لا تعى ما تلك الخرافات التي ترويها على رجل يافع عاقل واقعي مثله لا يغريه الخيال مثلها، بللت حلقها ومازالت محتفظة بتلك الابتسامة الزاهية وأكملت بنبرة متأثرة :

شيفاها دموع ، وحزن .. وعجز ، هما الاثنين واقعين في غرام بعض بس محدش عارف يوصل للثاني .

شلت مدارك عقله التي لا تعي من الثقافات إلا التاريخ والحروب ، انعقدت ملامحه مستفهمة :

هما مين عدم اللامؤاخذة!!

اجابته بثقة عارمة وهي تلوح بكفها : الورد والنجوم ...

تأكد من داخله أنها حقا فاقدة للأهلية حسب وصفه القانوني، فتأوه مؤيدا متبغا قول أن ليس على المريض حرجا ودمدم باستهزاء :

اااه ، النجوم والورد .. صلاة النبي أحسن !!

لم تلحظ سخريته واستهتاره بحديثها ، فاتبعت بنفس الشغف :

ودي فيها حكمة لقلوب البشر .. وأن مش كل القلوب العاشقة بتتجمع في قلوب مصيرها زي النجوم والورد اكتفوا من الحب أنهم يراقبوا

بعض من بعيد لبعيد فاقدين الأمل في القرب، بس عمرهم ما فقدوا الأمل في الحب ، بس لما بيجي عليهم ليل بيفضحهم عشان يعيطوا

ويعرفهم حقيقة عجزهم .. ودي الدموع اللي بنشوفها على خدود الورد ....

ثم تنهدت بحماس : الطبيعة بتحكي أسرارنا بس البني آدم عامل نفسه مش واخد باله ، عشان كده هتلاقي الكل تايه ...

لم تمهله فرصة للرد بل أكملت : انا متعلقة جدا بالطبيعة وبحب اسمع لها وتسمع لي .. أنا وهي ضحاب جدا ...

حتى دي معتقتيهاش !!!!

رفع حاجبه متأكدا بوصفه لها من قبل وقال متبعا لفضوله : والأساطير دي أنت مخترعاها من راسك ولا في الكتب !!! مصيبة لتكون في الكتب !!

ردت بثقة لا يمكن أن تهتز : الأغلبية من تأليفي طبقا ، أنا كل كلام الكتب بنتقده ، مش بيعجبني .. جرب تسيب قلبك للطبيعة وهي هتدلك على الحياة الحقيقية .

يا حلاوة !!! لم تمهله الفرصة لاستكمال حديثه بل امتد ذراعها بفضول نحو الكتاب المجاور له وأخذت تقلب صفحاته بـ غرابة : ايه الكتاب ده !!! ااه نسيت ، هيثم صحيح قال لي إنك بتحب كتب التاريخ والقانون .. بس أنا حسيته بيلمعك قدامي مش أكثر ...

عيلمعني !!! تم عض على شفتيه متوعدا له وأكمل : وهيثم الأرعن ديه يجيب في سيرتي معاكي ليه من أصلو !!

كان كل تركيزها بالكتاب الذي تقلبه بيدها وقالت بعفوية : لا أنا اللي كنت بجيب في سيرتك مش هو ...

لا يعلم أن يشفق على سجيتها أم يغضب أم يضحك ويتجاوز الأمر ، اكتفى يضرب كف على كف بخفة مبتلغا تلقائيتها بابتسامة لطيفة وقال : وتجيبي في سيرتي ليه !!

قفلت الكتاب بعفوية وغيرت جلستها لتجيو على ركبتيها : كنت بقوله أد ايه حياتي باظت بسبب اخوك ، حتى فكرة البرنامج وأملي الوحيد أخوك ضيعه ، فهو اقترح عليا فكرة ، وبصراحة عجبتني ...
ولما فكرت قولت ايه المشكلة لو تعمل معاهدة سلام سوا .

اتكئ على جذع الشجر وثني ركبته التي سند عليه مرفقه وقال ساخرا : طلعتي عتفكري زينا !! وياترى طلع أيه في راسك

تحمحمت بحماس وشعور من الألفة غلف قلبها كأنها مع شخص تعرفه من زمن آخر : اسمع يا سيدي .. أنا خلاص غيرت فكرة البرنامج بتاعي ومش هفضحكم ومش هفضح الناس عشان حرام ....

يكملك بعقلك ياشيخة

فأتبعت بنفس اللهفة :

جات لي فكرة برنامج جديد ؛ حكاوي ليلة ... البرنامج ده هيحكي قصص متنوعة، أول فكرة جات في دماغي الأماكن .. كل مكان له قصته وحكايته

رد بجمود : وأنا مالي بالحديث ديه !!

هقولك أهو .. مش اللي بيبوظ حاجة بيصلحها !! وأنت بوظت برنامجي بسبب غبائي ، ما علينا .. المهم هيثم قال لي عليك بتحب التاريخ و أكيد عندك أفكار كتير ممكن تساعديني بيها لحد ما أعمل تقرير إعلامي محترم اقنع بيه صاحب القناة ... حتى فكرة موضوعين بس اقنعه

بيهم .

شبح ضحكة ساخرة رسمت على محياه

وحد قال لك إني فاضي للحكاوي دي!!

تمتمت بتأمل :

هتفضي نفسك دول هما يومين بس يا كابتين ومش هتشوف وشي تاني غير على التلفزيون باذن الله ... وتبقى عملت معايا حركة جدعنة

تمحي كل استندالك معايا اليومين اللي فاتوا .

وجد في حديثها متعة راقت لقلبه : فغمغم بجدية :

وأنا هستفيد أيه من المشوار الهابط ديه اللي يخليني الآخر مصالحي يومين !

أصدرت صوت إيماءة عالية وهي تفكر :

فلوس يعني !!! خلاص هديك الفين جنيه على كل فكرة ومكان تقول لي عليه هنا ...

تصدقي فكرة وأنا في عرض أي قرش اليومين دول .

هبت فرحة لا تصدق مسامعها :

يعني وافقت بجد !!

لأول مرة ينفجر ضاحكا عند سماعه لعرضها الفغري ، شيء ما بداخله أجبره أن يقبل حديثها العبثي رغم عدم اقتناعه به لكنه وافق على عكس

رغبته ، صوت ضحكته الأجهر لفت انتباه قلبها لتبتلع ما تبقى بفمها من كلمات ، تلك أول مرة ترى وجهه خاليا من معالم السخرية ، عادت

لتجلس بهدوء بجواره مسهوبة بجمال ضحكته وتفاحة آدم التي تتوسط حنجرته تتراقص فتزيده وسامة لا يقاومها قلب الأنتى ؛ حيث نظر

إليها رافعا حاجبه متقبلا طلبها :

- اتفقنا ، وأنا اشتريت .

تارجحت عينيها فوق شحب الحيرة المضللة عليهم : متسائلة بحماقة :

اشتريت ايه !! أنا مش معايا حاجة ابيعها !!

وقف هارون عاجزا أمام ضباب غبائها الذي قيد لسانه وشل مدارك عقله مكتفيا بضرب كف فوق الآخر متأفقا :

يا صبر الصبر !!!!

وقفت مثله فلم يمنحها فرصة للجدال فقال نادما على قبوله لطلبها متأهبا للرحيل :

أنا عارف جبت وجع الراس لروحي !!

اوقفته صارخة :

وانا عملت ايه طيب !!! انا ساكته اهو مفتحتش بؤي من الصبح !!

رد بنفاذ صبر :

قفلتيني ، كل ما اقول اهي عاقلة .. تلغي الفكرة من نفوخي .
قفل مداخل الحديث بوجهها ، أخذت تتجول بانظارها يمينا ويسارا وكأنها تفتش عن موضوع جديد حتى اتسعت ابتسامته وهي تراقب قطرات الندى فوق الزهور حولهم ، فلجات لعالم الأساطير الذي تهواه :

انت عارف .....

فالتفت لها باهتمام مما جعلها ترتبك في تنظر بعيدا عن مرمى أعينه وأكملت : في أسطورة بتقول : أن قطرات الندى دي اللي فوق الورد ، جوابات خب من النجوم ... وفي حد تاني قال أنها قبلات مرسلة ..... أنا بقا شايفاها غير كده خالص ...

تم عقدت ساقيها وولت وجهتها لعنده ، كان يستمع لها بتعابير وجهه المتصلبة التي لا تعى ما تلك الخرافات التي ترويها على رجل يافع عاقل واقعي مثله لا يغريه الخيال مثلها، بللت حلقها ومازالت محتفظة بتلك الابتسامة الزاهية وأكملت بنبرة متأثرة :

شيفاها دموع ، وحزن .. وعجز ، هما الاثنين واقعين في غرام بعض بس محدش عارف يوصل للثاني .

شلت مدارك عقله التي لا تعي من الثقافات إلا التاريخ والحروب ، انعقدت ملامحه مستفهمة :

هما مين عدم اللامؤاخذة!!

اجابته بثقة عارمة وهي تلوح بكفها : الورد والنجوم ...

تأكد من داخله أنها حقا فاقدة للأهلية حسب وصفه القانوني، فتأوه مؤيدا متبغا قول أن ليس على المريض حرجا ودمدم باستهزاء :

اااه ، النجوم والورد .. صلاة النبي أحسن !!

لم تلحظ سخريته واستهتاره بحديثها ، فاتبعت بنفس الشغف :

ودي فيها حكمة لقلوب البشر .. وأن مش كل القلوب العاشقة بتتجمع في قلوب مصيرها زي النجوم والورد اكتفوا من الحب أنهم يراقبوا

بعض من بعيد لبعيد فاقدين الأمل في القرب، بس عمرهم ما فقدوا الأمل في الحب ، بس لما بيجي عليهم ليل بيفضحهم عشان يعيطوا

ويعرفهم حقيقة عجزهم .. ودي الدموع اللي بنشوفها على خدود الورد ....

ثم تنهدت بحماس : الطبيعة بتحكي أسرارنا بس البني آدم عامل نفسه مش واخد باله ، عشان كده هتلاقي الكل تايه ...

لم تمهله فرصة للرد بل أكملت : انا متعلقة جدا بالطبيعة وبحب اسمع لها وتسمع لي .. أنا وهي ضحاب جدا ...

حتى دي معتقتيهاش !!!!

رفع حاجبه متأكدا بوصفه لها من قبل وقال متبعا لفضوله : والأساطير دي أنت مخترعاها من راسك ولا في الكتب !!! مصيبة لتكون في الكتب !!

ردت بثقة لا يمكن أن تهتز : الأغلبية من تأليفي طبقا ، أنا كل كلام الكتب بنتقده ، مش بيعجبني .. جرب تسيب قلبك للطبيعة وهي هتدلك على الحياة الحقيقية .

يا حلاوة !!! لم تمهله الفرصة لاستكمال حديثه بل امتد ذراعها بفضول نحو الكتاب المجاور له وأخذت تقلب صفحاته بـ غرابة : ايه الكتاب ده !!! ااه نسيت ، هيثم صحيح قال لي إنك بتحب كتب التاريخ والقانون .. بس أنا حسيته بيلمعك قدامي مش أكثر ...

عيلمعني !!! تم عض على شفتيه متوعدا له وأكمل : وهيثم الأرعن ديه يجيب في سيرتي معاكي ليه من أصلو !!
،
كان كل تركيزها بالكتاب الذي تقلبه بيدها وقالت بعفوية : لا أنا اللي كنت بجيب في سيرتك مش هو ...

لا يعلم أن يشفق على سجيتها أم يغضب أم يضحك ويتجاوز الأمر ، اكتفى يضرب كف على كف بخفة مبتلغا تلقائيتها بابتسامة لطيفة وقال : وتجيبي في سيرتي ليه !!

قفلت الكتاب بعفوية وغيرت جلستها لتجيو على ركبتيها : كنت بقوله أد ايه حياتي باظت بسبب اخوك ، حتى فكرة البرنامج وأملي الوحيد أخوك ضيعه ، فهو اقترح عليا فكرة ، وبصراحة عجبتني ...
الأيام بتربي الواحد على الهادي يا رؤوف .

مع دقات العاشرة صباحًا لمست عجلات سيارة رؤوف بوابات محافظة مركز نجع حمادي .. أردف هاشم الجالس بجواره جملته الأخيرة بعد ما أرسل رسالة نصيبة لرغد التي لم تفارقه للحظة طول رحلته .. قفال الهاتف ليلتفت لحديث رؤوف :

بقا هاشم اللي مقضي حياته بالطول والعرض عيقول إكده !!! أومال إحنا نقول ايه !

ضحكة حزينة خيمت فوق ملامحه وأتبع : احنا الموت محاصرنا يا رؤوف ... على كد ما تقدر اتبسط اليومين اللي انت عايشهم .

ثم فتح " تابلوه" السيارة وفرغ لفافة تبغ بيده وأشعلها فأكمل متعجبا :

أنت من دور هارون أخوي ولساتك متجوزتش ليه !!! ولا تكنش لعنة في جيلكم . التوى ثغر رؤوف الذي يظلل عليه شاربه الأسود كسواد أيامه وقال مشيرا لقلبه :

اللعنة اللي بجد ده ، ده یاهاشم .

عقد هاشم ملامحه بصدمة :

رؤوف لساتك رايد نجاة بت خالك !!

شبح ابتسامة مؤسفة :

ولا عمري هريد غيرها ، أنا لفيت مصر بضواحيها عيني مشفتش ست في جمالها يا هاشم ...

دا أنت واقع !! طب والعمل ؟! هتسيب العمر يسرقك إكده !! لا أنت طايل لا جنة ولا نارا

دار بمقود سيارته أقصى اليسار وأتبع :

وهي واقفة في النص، بين ولدها وقلبها .. لو اتجوزتها ناس جوزها هياخدو ولدها مش هتشوفوا تاني .. وأنا مش هيهون علي أشوفها متعذبة

ومش قادر اهون عليها ... هفضل شايل ذنبها وذنب ولدها لآخر عمري .

تارجحت عيني هاشم مقترحًا : منا عندي فكرة ، طالما أنتوا الاتنين رايدين بعض ما تتجوزها في السر وبعيد عن العزايزة وعيش بدل ما أنت موقف حياتك على سراب .

هتف رؤوف برفض قاطع :

مش رؤوف العزايزي اللي يعمل حاجة في السر .. أي حاجة في السر عمرها قصير ولازما هتتكشف يا هاشم ووقتها هتبقي خسرت نفسك

واللي حوليك وهخسرها هي بقية حياتي ، حتى الأمل اللي متعلق بيه هيموت .. بس أكيد في حل ...

تحمحم هاشم وكأن الحديث كشاف إنارة ضرب بقلبه ليريه مصيره مستقبلا ، فأتبع رؤوف قائلا : متحدث مع هارون وأشوف رأيه ، يمكن ألاقي عنده الحل .

المحطة .

يقف هلال على رصيف محطة القطار المقبل من أسيوط منتظرا أخته بعد إلحاح طويل من صفية إثر انشغال هيثم بالمهام التي كلفه بها

هارون .. يرتدي بنطالا جينز باللون الأسود ويعلوه قميضا باللون الرملي مع بشرته التي تشع نورا وإيمانا والتي ورثها من أمه ولحيته القصيرة

التي تطفو عليه الهيبة والوقار ... نظر بساعته وهو يطالع القطار القادم من بعيد ، فتنهد بارتياح بعد تأخره لساعة عن موعده .. هنا وصلت

رسالة من هاجر تبلغه برقم العربة الجالسة بها ...

دقائق محدودة توقف فيها القطار وتوافد النزلاء والزكاب .. الجميع يصطدم ببعضه من شدة الازدحام ... صعد العربة ليحمل الحقيبة عن أخته

وبدون سلام مسك كفها وسحبها خلفه وهو يحاوط عليها من اصطدام المارة كألا يلمسها أحد .. هبط الاثنان من القطار فسحبته لمكان أقل

ضجيجا على الرصيف وعانقته بلهفة معبرة عن شوفها

وحشتني يا هلال !! أيه الحلاوة دي ، صحتك رادة على وكل صفية !

لم يرق له الحال بل ابعدها عن حضنه وهي يتفقد أعين المارة حولهم معاتبا :

كيف تحضنيني قصاد الخلق والناس عيونهم مفنجلة عليك !!

ي

لم يخل وجهها من البشاشة :

وفيها ايه يعني مش أخوي وأحضنك واحبك على كيفي !!! حدش له حاجة عندينا .

كاد أن يتمسك بمرفقها مستردا لهجته :

لنا بيت يا أختاه ...

وحشتني قوي اختاه منك ...
لم تتحرك خطوة ، فتوقفت وهي تجوب المكان بأعينها باحثة عن شخص ما : استنى يا هلال ... رقية راحت فين عشان توصلوها في طريقنا !!

من رقية !!

ردت بعفوية وهي تمتد بنظرها هنا وهناك : رقية بت عمي أبو الفضل الله يرحمه ، ماهي معاي بالكلية .. ملقيتش حجز في الكرسي اللي جاري ...

حدجها معارضا : ومين هيوصلها !!! أنا مبخر العربية ومش هركب فيها حريم يا هاجر ...

تجاهلته هاجر وهي تبحث عن زقية هنا وهناك وتحاول التواصل معها بالهاتف ، متغاضية عن رفض أخيها القاطع ؛ فأشرت إليها بعفوية :

اهي زقية جات أهي خلاص .

على سهوة منه وبدون أي نية لرؤيتها انحرفت عيناه لتلك الفتاة التي تقترب منهم مرتدية فستانا باللون الأبيض وفوقه خمارًا حديثا باللون " الكشمير " الهادي وتجر حقيبتها ورائها .. تسمرت عيناها وكأنه يراقب بدرا في ليلة تمامه ... فتهامس له القلب بتلك الكلمات التي قرأها لأبو قاسم شباني :

كللت خشتها صباح الورود

ورأينا الجفون تبسم أو تخلم بالنور بالهوى بالنشيد

ولكن سرعان ما عاد له زشده ودار الجهة الأخرى وهو يستغفر بلسان لاهث ، يذكر الله بسره وبقلبه وبلسانه المعتذر عما بدى منه بنظرته

الأولى التي لم ينتويها أبدًا .. اقتربت منهم زقية متسائلة :

هيثم لسه مجاش !!

أشاحت هاجر نظرة نحو أخيه الواقف بظهره :

جيه هلال يا ستي .. حظنا هنركبوا معاه .. عارفة هيثم وخوته ، هلال عاد عكسه تماما ... هتقولي الاثنين مش أخوات ... تارجحت عينيها بفضول أن تطالع ذلك الرجل الباخن ذو الأكتاف العريضة الواقف مصدرا ظهره لهما غارقا في حلقة من الذكر عما اقترفه من

خطأ في حق قلبه .. ربتت هاجر على كتفه :

حبيبي يا خوي ، يلا بينا !

غمغم شاردا بين ذنبه وكيف سيكفر عنه : لاين !!

البيت !!! هتوصل رقية الأول وبعديها نروحوا ...

عقدت رقية حاجبيها بدهشة ثم تدخلت مقترحة بإحراج :

انا ممكن أخد عربية للنجع وأكلم حد يتلقاني على الطريق !

عاتبته هاجر بنبرتها الحادة كي يتحرك :

ودي تيجي كيف !!!! هلال !! يرضيك تركب عربية مع راجل غريب ؟!

تحمحم بخفوت ثم قال مجلجلا :

حالا سأحضر لكما عربة أجرة ...

لكزته هاجر بكتفه : هلال !!! مش وقته وحياة أبوك !!

فتفوه من خلف فكيه المنطبقين

مش هركب إمراة اجنبية عربيتي يا هاجر .

قرصته بخفاء كي يتراجع عما يقوله ووضعت الحقيبة بيده ثم شدت حقيبة رقية كي تجمل الموقف الذي وضعها فيه أخيه وقالت بابتسامة

اعتذار : يلا عاد اتأخرنا .. خد شيل دول ...

زفر على مضض وهو يحمل الحقائب دون أن يلتفت للوراء على عكس مزاح وخفة هيثم المتواصلة معهمن ، كان النقيض تماما بهلال الذي جر

الحقائف وأخذ يغمغم بأذكاره كي يشغل قلبه عن ذلك الاثم الذي سيقترفه .. وصل لسيارته السوداء التي يفوح منها رائحة الطيب والمسك ...

وضع الحقائب بالخلف وما زالت رأسه بالأرض لم تتزحزح إنشا .. فتح باب سيارته وجلس بمقعد السيارة ، جلست هاجر التي تكتم الضحك

بجواره واتخذت رقية من المقعد الخلفي لسيارته مجلسا ... وهو يشغل سيارته الفخمة أخذ يردد بصوت مسموع :

الله اكبر اللهاك

على الله على الله
كانت رقية من حين لآخر تخطف نظرة إلى المرأة التي ينعكس فيها صورته ، شاب فلتحي ، ذو وسامة تسحر أي فتاة تراه ، ملتزم متشدد لم يرفع عينيها إليها أبدا .. أخذ الفضول يتأكل برأسها حول شخصيته وشخصية هيثم الذي يصنع الضحك ومعهم وصوت الغناء واللهو لا يفارق سيارته ، والحلوى والمشروبات التي يستقبلهن بها .. تناقض عجيب ولذيذ يفوز به صاحب الأكثر هدونًا والأكثر رزانة .. تحمحمت هاجر

بجواره لتقطع الصمت السائد بينهم :

هلو ، عطشانة ...

رد باختصار : ابقي اشربي في بيتكم !!

ليه هو حرام اشرب في الشارع ؟!

ود بنبرة تحمل السخرية خالية من أي جدية وهو يمازحها بوقار : لعل وعسى يراك شابا فيفتنه شربك للماء !!

ردت بنفس نبرته الساخرة :

وهو مستنيني أشرب ميه عشان يتفتن !!! انزل هات لنا عصير وفطور .

صفية عاملة وليمة لمين !!!! تلقى مداعبة أخته ببسمة خفيفة شقت النور بسواد لحياته لاحظتها رقية فأشعل نوعا آخر من الفضول حوله ... تحمحمت بخفوت و عزمت

الأمر على ألا تطالعه مرة ثانية ، على أن تتمادي وتتجاوز حدودها في مراقبته وهذا لا يتناسب مع نشأتها الأزهرية وختمها للقرآن الكريم تامة .

استغفرت الله بسرها ثم عادت لتناظر الطريق من النافذة .. كانت عيناه كل ما تراقب الطريق من المرأة الأمامية يتعثر بملامحها الشاردة ... تكرر الأمر مرة واثنان وفي الثالثة أدرك لعنة ذلك العضو أن اتبع هواه والذي دعا الرسول لأجله متبريا من ذنبه قائلا :

ربي لا تلمني فيما لا أملك .

أوقف سيارته فجاة فتارن الفتيات برجفة انتابتهم ، وقالت هاجر بفزع : في أيه يا هلال !!

تحمحم بخفوت وبأنظاره المتدلية أردف بلكنته الفصيحة :

اخت زقية !!! من فضلك انتقلي للمقعد الخلفي لهاجر !

تدخلت هاجر بعد فهم : ده ليه يعني !!

تنهد بلفظ الجلالة وقال متحججا : العجلة الناحية دي نايمة !!

هبطت رقية من السيارة وهي تلعن ذلك الحظ الذي جمعها به وبعقده النفسية ، وقبل أن تنتقل للجهة الأخرى فحصت الإطار الذي يحتج به

سليما لم يمسه خدشا ، فغمغمت متحيرة :

ماله ده كمان !!!!!!!

تهامس مع اخته في ظل انتظار لعودة رقية التي هبطت لتنتقل للجهة الثانية : شايفة أهو بسببك اللعنة حلت على العربية .

ما زحته أخته التي اعتادت على الضحك مع هاشم وهيتم والدلال على هارون ، وبخفة ظل دمدمت ساخرة : حقك علينا ، أبقى وديها زار .

كله من الفاسد هيثم !!

برقت عينيه بغضب لا ينتهي ولكنه زفر متبعا نصيحة الرسول صل الله عليه ان غضب أحدكم فليصمت وليستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .

سعودة لمنزل العزايزة ...

تقف ليلة تحت ظل الشجرة تتوسل أمها مرارا وتكرارا والعبرات تترقرق من مقلتيها متجاهلة الضجة الكبيرة الفخيمة على المكان وتترجاها :

مامي افهميني ، أديني اسبوع واحد بس .. والله أسبوع هاخد شوية صور وهرجع ، دي فرصتي الوحيدة ، بليز يا مامي .. سيبيني أجرب وبس

المرة دي .

فرغت نادية من ارتداء ثوبها الطبي وقالت :

انا مش واقفة ضدتك يا ليلة ، أنا اعتراضي على البلطجية اللي أنت قاعدة عندهم .
حاولت توضيح الفكرة لأمها : والله دول طيبين جدا ، وأنا لو كنت حاسة بأي مشكلة كنت مهرب ، لكن دول مرحبين بيا وهيساعدوني ، بليز يا مامي .. ممكن تسيبيني المرة دي وبس..

فكرت نادية لبرهة ثم عقدت اتفاقها مع ابنتها بحزم كعادتها وشروطها المعهودة التي تبدأها بن تمام يا ليلة جربي ، بس لو فشلتي المرة هترجعي وتتجوزي شريف ومش هقبل أي دلع .. اتفقنا .

غمغمت على مضض غير مقتنعة ولكنها قبلت التحدي معها تلك المرة بشغف : بجد !! مامي وانا موافقة ... ان شاء الله مش هفشل انا قلبي حاسس إني هنجح ومشرفك وها بقي أشهر مذيعة في الوطن العربي ...

عادت نبرتها بنفس الحدة : اتفقنا يا ليلة ، فشلتي هترجعي الشريف ومفيش حلول تانية .

انتهت مكالمتها مع أمها بارتياح ، أخيرا انزاحت الغمة و أمامها سبعة أيام فقط لتتبدل حالها من حال لحال ... اقترب منها هيثم بوجهه

المغازل : ما ليكي عليا يمين ، بيتنا عمره ما شاف النور والحلاوة دي غير بوجودك .

ثم دار حولها بدون ما يمهلها فرصة للرد مكملا كلماته المحفوظة : يا صباح الخير متأخر ، يا عود والع متبخر ... سألت عليك القمر قالي طول الليل نايم تشخر .

بضحكتها العالية التي دوت بساحة منزل العزايزة متناسية نفسها وهي تتمايل بدهشة ، كان هارون يبعدهم بمسافة كبيرة ولكن صوت ضحكتها

جعلت رأسه تلتفت لعندها بأعينه الجاحظة خاصة عندما رأس أخيه يتساير معها :

هيثم أنت قديم ولوكل !!! بس فظيع بجد !

شد ياقة جلبابه : عجبتك الدخلة !! عندي منها كثير كل يوم هسمعك واحدة !

لم تفرغ من غيبوبتها التي غرقت بها ، فأردفت بتنهيدات الضحك : انت ازاي مش مرتبط لحد دلوقتي ، بجد في بنات كتير الجو ده بياكل معاها .

مد ذراعه مستندا على جذع الشجرة خلفها لتجد نفسها محاصرة تماما بينهما وهو يقول : وأنا مش عايز غير جوك ، جو اسكندراني على أبوه .

تصلبت تعابير وجهها وبرقت عينيها عندما وجدته هارون واقفا خلفه وهي ينفث دخان غضبه، تناست كيف تكون الكلمات كيف تحذره ، كل

ما فعلته التصقت بالشجرة خلفها ؛ فأتبع هيثم يبث شكواه من أخيه :

هرن ولد الـ*** قال لي لو قربت منك هيقتلني ، في أحنا نتخاصموا قدامه عشان أنا متعودتش أكسر كلمة كبيرنا ...

اتسعت ابتسامته حتى أكمل حديثه بنفس النبرة : يخفي هارون من قدامنا أنا كلي بتاعك يا أحلى ليلة في عمري .

غمغمت باسم وهي تراقب الشرار المتقاذف من أعين أخيه ، كادت أن تخدره : هيثم .....

أكمل بحماقة : يا أحلى هيثم سمعتها في حياتي ...

أدركت أنه سيتمادى بالأمر فانحنت هاربة من تحت ذراعه الممتد كي تهرب من سطوه ، دار هيثم ليصطدم بأخيه الواقف كالصخرة وهي التي

تراقبه بخوف يتقاذف من مقلتيها ، رفع حاجبه متسائلا بثقة :

هرن أنت هنا من ميتى !!

لم يجد ردا من أخيه الذي طفح كيله من تصرفات أخيه العبثية ، فنظر لليلة معاتبا :

وأنت سيباني أبعبع زي الأهطل !!

ثم شد ياقة جلبابه متلقيا عقاب أخيه : هرن أنا مش هتربى غير لما اترن العلقة ... انا قدامك أهو ... اقتل في لحد ما يبانلي صحاب.

انفجرت ليلة ضاحكة وهي تكتم الضحك بكفها فأشاد بإعجاب : الصلاة على الصلاة ...

تمالك هارون أعصابه بصعوبة واكتفي بنظرته الحادة وهو يأمره لانه لم يعتاد أن يمد يده على أخيه تحت أي ظرف :
هيثم ....

أكمل بحماقة :

يا أحلى هيثم سمعتها في حياتي ...

أدركت أنه سيتمادى بالأمر فانحنت هاربة من تحت ذراعه الممتد كي تهرب من سطوه ، دار هيثم ليصطدم بأخيه الواقف كالصخرة وهي التي

تراقبه بخوف يتقاذف من مقلتيها ، رفع حاجبه متسائلا بثقة :

هرن أنت هنا من ميتى !!

لم يجد ردا من أخيه الذي طفح كيله من تصرفات أخيه العبثية ، فنظر لليلة معاتبا : وانت سيباني أبعبع زي الأهطل !!

ثم شد ياقة جلبابه متلقيا عقاب أخيه : هرن أنا مش هتربى غير لما اترن العلقة .. انا قدامك أهو ... اقتل في لحد ما يبانلي صحاب.

انفجرت ليلة ضاحكة وهي تكتم الضحك بكفها فأشاد بإعجاب : الصلاة على الصلاة ....

تمالك هارون أعصابه بصعوبة واكتفي بنظرته الحادة وهو يأمره لانه لم يعتاد أن يمد يده على أخيه تحت أي ظرف :

أنا قلت ايه !!

ثم زفر بضيق واكتفي برفع حاجبه الأيسر الغاضب حسابي معاك بعدين ، أمشي .

تم دار لـ ليلة التي لم تتحمل تلك النظر من عينيه وقبل أن يبت ببنت شفة وهي تقف على هبوب خوفها قائلة : هيام .. هيام مستنياني في المطبخ ... هروح أشوفها ...

فرت من أمامه كالارنب فزفر دخان غضبه : هي ليلة غبرة على هارون واللي جابوا هارون .

ثم دار لهيثم الذي يتغزل بجمال ليلة وبراءتها جاهزا وهو يشمر أكمامه : هو دبور و زن على خراب عشه !!

بالمطبخ

تغنجت زينة متفاخرة وهي تضع يدها بخصرها وتتمايل بين الخدم خاصة بعد انضمام ليلة لهما : والله الرك على النية : وليته ومراده واللي معششة جوه قلبه وعينه هي أنا ...

ثم أطالت النظر متعمدة إعلان ملكيتها له أمام ليلة : طلع دايب في حبي وممبينش ... مش سهل هارون بردك .

رمقتها صفية بسخط متبعة غيرة الحموات وهي تقرصها : خفي نبر، عشان شاربة رضا الواد عنك بكوباية شاي .. إحنا ما صدقنا .

فتدخلت نجاة غير مصدقة :

يعني خلاص !! العقدة اتفكت وهنفرحوا بهارون يا عمتي !!! طلع وشك حلو علينا يا ليلة .

مشاعر متشتتة خيمت على قلب ليلة لا تفهمها ولم تع ترجمتها اكتفت بابتسامة هادئة ، كانت صفية مشغولة بقطف الملوخية على السفرة ،

فتنهدت بارتياح :

العشية هنروحوا نتقدموا لزينة .. وربنا يحلها ..

هنا دخلت نغم التي استقبلتها زينة بكيد أنثوي : بت حلال يا نغم ، تعالي .. اسمعي الخبر الحلو ديه ، العشية عمتي صفية والحج خليفة جايين يطلبوا يدي لهارون ...

تلك المرة لم يسكن الحزن قلبي كعادته ، بل تغلغل بعظام صدري ، امتزج بروحي ، يحترق بأنفاسي بات كل شيء لا يسكنه إلا الدمع والكثير

من التنهيدات والرعشات التي تحمل الكثير من المشاعر التي لا يمكن وصفها

يتبع

 •تابع الفصل التالي "رواية آصرة العزايزه" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent