رواية اسمنجون الفصل الثامن 8 - بقلم مريم محمد
نوفيلا_اسمنجون
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته
بقلم/ مريم محمد عبد القادر
(بحث)
وبينما كانت زمرد واقفة تنظر الي التمثال فاجأها صوت لجندي من خلف ظهرها يصرخ عليها: أنت .. ماذا تفعلين عندك ؟
فزعت زمرد للغاية من صوته فانزلقت قدمها وسقطت في الماء داخل الدائرة الرخامية
الجندي : هل جننتِ يا فتاة !!
وقفت زمرد مرة آخرى على ساقيها ووجهها مكسو بحمرة الخجل من موقفها فأمسك الجندي بذراعها وقال: أخرجي بسرعة من عندك هل تريدين أن يتم معاقبتك أم ماذا ؟
وبينما كان الجندي يقوم بجذبها خارج النافورة قاطعه صوت آخر: ما الذي يجري هنا ؟
التفت الجندي تجاه الصوت فسارع بترك ذراع زمرد ووقف مستقيمًا ضامًا قدميه معًا وقام برفع يده اليمني بجانب رأسه إحترامًا كما يفعل الجنود ثم قال بصوت مرتفع : القائد ليڤون .. تحية
أومأ ليڤون للجندي فأنزل يده ثم أردف : وجدتها تعبث بممتلكات القصر يا سيدي
سار ليڤون نحو زمرد ونظر الي وجهها وقال: حسب ما اذكر أنتِ واحدة من المستجدين فما الذي تفعلينه هنا في وضح النهار .. أليس من المفترض أن تكوني بالعمل ؟
أجابته زمرد وهي تتخطى الحاجز الرخامي ناظرة الي موضع قدميها: ما أفعله هنا ليس من شأنك على ما أعتقد
رفع ليڤون أحد حاجبيه وقال : ولكن عبثك بممتلكات القصر هو شئ يخصني على ما أعتقد أنا أيضًا
نظرت زمرد في ضيق الي ليڤون وقالت : لم أكن أعبث بشئ .. فقط كنت أنظر الي تلك السيدة الجالسة في الأعلى ولكني وقعت في الماء عندما افزعني صوت هذا الجندي
قال ليڤون متعجبًا وهو ينظر الي التمثال : السيدة في الأعلى ؟
ثم أعاد النظر الى زمرد وقال وهو يبتسم : وهل وجدتي شيئا عند تلك السيدة ؟
نظرت زمرد الي الجرة أعلى التمثال نظرة استشف منها ليڤون الحزن العميق: للأسف لم أجد شئ
كان ليڤون يتأمل وجه زمرد الذي يقطر ماءً .. كاد يمد يده ليمسح عن وجهها الجميل قطرات الماء لكنها حركت وجهها لتنظر الى أطراف ملابسها المبتلة وقالت وهي تربت عليها تحاول إبعاد الماء عنها: لقد تأخر الوقت وعلي العودة الآن
ثم نظرت إليه بنظرتها الواثقة الهادئة ثم أردفت : عن إذنك
ليڤون : لا تعبثي بممتلكات أسمنجون مرة آخرى وإلا ستكون العواقب وخيمة
لم ترد زمرد عليه وسارت تحاول الإسراع قدر استطاعتها لأنها تشعر بالخجل من مظهرها المثير للشفقة هذا
كانت تتجول في المدينة شاردة الذهن فلم يكن تخمينها صحيحا .. كانت تظن أنها توصلت لشئ ما عندما أخبرها السيد هيرمان عن التمثال والآن خابت ظنونها وعادت مرة آخرى الى نقطة الصفر .. ظلت تفكر في معنًى لكلام برسين حتى ضلت الطريق الى حانوت الصائغ فراحت تسأل عنه حتى وصلت اليه وفور دخولها من الباب
هيرمان : ماذا حدث لكِ ؟ لماذا أنت مبللة هكذا ؟
أجابه شخصا ما متهكما: كانت تلعب في الماء منذ قليل
نظرت زمرد بغضب الي صاحب الصوت والذي قد حفظته بالفعل .. أنه ليڤون مرة آخرى
هيرمان : لقد طلبت من ليڤون القدوم الى هنا فقد كنت أريد إعطاءه بعض الأشياء ولكن ماذا تقصد بأنها كانت تلعب في الماء ؟
أجاب ليڤون ضاحكًا : إنها قصة طويلة
زمرد : سأذهب لأغير ملابسي يا سيد هيرمان
هيرمان : أجل افعلي بسرعة قبل أن تصابي بالزكام
صعدت زمرد في عصبية الي الطابق العلوي من الحانوت الذي سمح لها السيد هيرمان بالإقامة فيه لتغير ملابسها المبتلة
ليڤون : يبدو أنها ماتزال غاضبة .. سيد هيرمان ما الذي تفعله تلك الفتاة هنا ؟
هيرمان : أتقصد زمرد .. إنها تعمل في حانوتي الآن .. طلبت منها العمل معي ووافقت .. إنها فتاة رائعة حقا وذكية للغاية
ليڤون : اسمها زمرد إذا .. حقا اسم جميل على مسمىً أجمل
هيرمان : هل تعجبك ؟
ارتبك ليڤون ثم قال : إنها تثير فضولي فحسب .. فهي تبدو مختلفة عنا .. كما أني أشعر بحزن غريب في عينيها
هيرمان : فقط
ليڤون : أحم .. أجل فقط .. علي الذهاب الآن
*****
في أحد الأيام سألت زمرد السيد هيرمان عن مكان المكتبة فهي تريد الذهاب إليها فأخبرها عن مكانها وطلب منها إعادة بعض الكتب التي استعارها منذ مدة بما أنها ستذهب إليها
وصلت زمرد الى مبنى المكتبة والذي كان كبيرا للغاية أصابها بالاندهاش : ما هذا .. هل هذه مكتبة الإسكندرية ؟
مبنى عملاق ذا مساحة ضخمة وتقل مساحة قمته يشبه شكلين هندسيين (شبه المنحرف) متصلين بمربع في منتصفهما .. له العديد من النوافذ مختلفة الأحجام في جميع اركانه وجدارة الخارجي ذا زخرفات وتزينه مجوهرات كباقي مباني أسمنجون الباهرة
دلفت زمرد الى المكتبة التي أزادت دهشتها بروعتها كان المبنى غريب الشكل قليلا من الخارج ولكنه كان مبهرا من الداخل غرفة دائرية الشكل متفرع منها عدة طرقات مليئة بالرفوف الخشبية التي ارتصت عليها الكثير من الكتب المختلفة لم ترى زمرد إبداع كهذا في حياتها
راحت زمرد تتجول داخل المكتبة وتنتقل من ردهة الي آخرى وتلقي بنظراتها الي الكتب المختلفة .. منها ما يتحدث عن الهندسة ومنها ما يتحدث عن الطب ومنها ما يتحدث عن علم الآثار والنجوم وبالطبع العديد من الكتب التي تتحدث عن الأحجار الكريمة
وفي أثناء اندهاش زمرد بكل شئ حولها وجدت قسم في المكتبة يحوي كتبا تتحدث عن الجغرافيا .. وجدت فيه كتاب يتحدث عن جغرافيا أسمنجون دوّن فيه كل شبر داخل المدينة
أخذت زمرد الكتاب وتوجهت الي أمين المكتبة الذي كان رجل كبير في السن يجلس على ما يشبه المكتب الصغير بالقرب من باب المكتبة
أعادت إليه الكتب التي استعارها السيد هيرمان ثم طلبت منه أن تستعير هذا الكتاب الجغرافي
نظر المسن الي زمرد بعينيه التي ظهر فيها أثر طول الزمن وقال: لا يمكنك استعارة هذا الكتاب .. إذا كنت تريدينه بشده فيمكنك قراءته هنا
نظرت زمرد حولها ثم قالت: لقد تأخر الوقت بالفعل اليوم.. سأتي لقراءته لاحقا
فأومأ المسن إليها بالإجاب وخرجت هي من المكتبة عائدة الي حانوت السيد هيرمان
بعد يومين تقريبا عادت مرة آخرى الي المكتبة مع شقشقات العصافير في وقت الشروق وطلبت قراءة الكتاب فسمح لها العجوز بذلك
جلست زمرد تقرأ الكتاب على إحدى الطاولات الصغيرة التي كانت في ساحة المكتبة وعرفت الكثير من الأشياء حول أسمنجون وجغرافيتها وطبيعتاها ووجدت العديد من الخرائط لتضاريسها حتى وقعت عينها على شئ مثير للاهتمام وهو تمثال آشوري عريق لثور مجنح
كانت زمرد لا تعرف الكثير عن التماثيل الآشورية فذهبت تبحث عن كتب للتاريخ تتحدث عنها
أحضرت العديد من كتب التاريخ وظلت تبحث فيها عن التمثال فوجدت أحد الكتب يتحدث عنه .. كُتب فيه أن التمثال قد نُحت منذ عشرات السنين كإثبات للعلاقة الجيدة بين ملك أسمنجون السابق وحاكم المملكة الآشورية بعد توقيع معاهدة السلام معه
رأت أيضا رسما قد رسمه أحد المؤرخين للتمثال.. تمثال لجسد ثور عملاق مجنح له رأس إنسان يرمز إلى القوة والحكمة والشجاعة والسمو .. فقد اشتهرت الحضارة الآشورية بالثيران المجنحة
وفور أن رأت زمرد الرسم التوضيحي لتمثال الثور نهضت في وجل وأعادت الكتب الى مكانها وخرجت من المكتبة تهرول متجهة الي هذا التمثال المجنح
_____يتبع
•تابع الفصل التالي "رواية اسمنجون" اضغط على اسم الرواية