رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الثامن 8 - بقلم فاطمه طه
ينبغي أن تنتظر عمرًا كاملًا لكي تفهم حكمة الأبواب المغلقة- بسام حجارسوف يمضي بك الزمن وتُعلّمك الأيام أن جعبة الحياة مليئة بما لا تتوقع، وعليك أن تكون على الدوام مستعدًا، وستدرك أن كل خسارة هيّنة ما لم تخسر نفسك، وأن أعظم استثمار هو ما تستثمره في حقول ذاتك، وأنك كلما كنت ممتلئًا بالطيّبات طابَت لك الحياة وجادَت عليك بالأعطيات.#مقتبسة“تجرع الصبر فإن قتلك؛ قتلك شهيدًا، وإن أحياك؛ أحياك عزيزًا.”– ابن القيم______________أنه اليوم الأول لها في الجامعة الحكومية..طلبت سيارة في الصباح من إحدى التطبيقات فـأضاعت الكثير من النقود المتبقية معها، خير تناولها الطعام في أحدى العلامات المعروفة نعم ليست باهظة الثمن إلى حدٍ كبير لكن أسهم مع السيارة في إضاعة أكثر من ألف جنيهًا من الثلاثة التي تمتلكها في اليوم الأول..
حضرت المحاضرات بنفس باهتة لا تصدق هذا العدد الضخم واللامحدود الذي كان يحضر المحاضرة معها كادت على وشك أن تشعر بضيق في التنفس….
أقتربت الامتحانات وهي لا تعلم أي شيء حتى اشفقت عليها فتاة تعرفت عليها وأخذت رقمها وأخبرتها بأنها سوف ترسل لها بعض المحاضرات والملخصات…وجعلتها تركب معها “مترو الأنفاق” لأول مرة في حياتها تقريبًا كان الأمر بالنسبة لها مخيفًا من هذا الازدحام الرهيب تحديدًا لأنها تعود في وقت عودة الموظفين او ميعاد الموظفين كما يتم تسميته…
لكن أفضل شيء أن محطة المترو كانت قريبة جدًا من المنطقة الذي يتواجد بها منزل بهية، لم تعرف هذا الأمر بمفردها بل عرفته من أبيها بعدما سألته عن العنوان وكانت على وشك أن تضيع طريقها لكن لحسن الحظ ها هي هنا…تتناول الطعام التي صنعته بهية؛ وهو لذيذًا بشكل مُريب لولا أنها في المرة الأولى كانت تصنعه أمامها وهي معها في المنزل لظنت بأن أحد يصنعها غيرها رُبما والدة هذا الشاب الوغد التي تحكي عنها بهية…لكنها هي من تصنعه فعلتها أمام عيناها مرةلذلك لم تشك بها…انتهت من الطعام وحاولت غسيل الصحون حتى تساعد تلك المرأة لكن جاءت بهية ووضعت يدها على الصحن متحدثة بنبرة ساخرة:
-إيه القرف ده؟!..تمتمت ريناد بانزعاج واضح من تعبيرها:– قرف إيه مهوا غسلته خلاص ماله؟!.-الطبق ملسلس زي ما هو؛ المفروض تغسلي بمياة سخنة مش ساقعة..هتفت ريناد بنبرة متأففة:-مهوا أكيد مش هستعمل المياة السخنة أنا مش غسالة أطباق..تحدثت بهية بسخرية:-أكيد مش مياة نار ولا مياة مش هتتحمليها يعني، بس المفروض تغسلي بمياة سخنة شوية امشي أنتِ وأنا هكمل..أردفت ريناد باقتراح بسيط:-خلاص أنا عندي فكرة بعد كده.سألتها بهية بعدم فهم:-فكرة إيه دي؟!.-نجيب أطباق اللي بيتأكل فيها مرة واحدة دي ونرميها هي والكوبيات ونريح دماغنا..
غمغمت بهية بسخرية:-أنتِ دماغك تعبانة، الحاجات دي عايزة ميزانية بيت لوحدها، غير كده الأكل في الاطباق الصيني له طعم مختلف..ردت ريناد عليها بهدوء:-كله نفس الأكل في الآخر..-يلا روحي بقا مش هتناقش معاكي، علشان أنا أصلا مش متعودة حد يقعد يناقرني يا تغسلي الحاجة عدل يا تمشي بلاش أفكار متخلفة..بعد وقتٍ…كانت “ريناد” تجلس في الحجرة الخاصة بها أو أصبحت كذلك….تشاهد بضعة مقاطع على الهاتف بعدما صنع والدها لها باقة انترنت صغيرة بعدما ذهبت بهية للتقديم على الانترنت بالخط الأرضي أو المنزلي من أجلها.
لاحظت ريناد العديد من الفيديوهات فتيات تتحدث عن يومهم في الجامعة غير مستحضرات التجميل التي تستخدمها..“Get ready with me”سلسلة فيديوهات لذيذة لأكثر من فتاة اندمجت معها حتى قررت بأنها ستفعل المثل…
فقط ينقصها متعلقاتها الشخصية…زينب هي الحل….ستجعلها تأتي بها لها….هي تحفظ رقم هاتفها ليس صعبًا عليها أبدًا…____________يجلس نضال على الأريكة وبين يديه هاتفه يقوم بمشاهدة المقاطع دون هدف واضح…بعد أذان المغرب وتناول الغداء يظل نضال في المنزل لفترة قصيرة ثم يهبط مرة أخرى…
كان زهران يجلس بجواره على الأريكة يشاهد التلفاز وبين يديه خرطوم أرجيلته الحبيبة.كان الصمت طويل بينهما و سلامة يجلس في حجرته بعدما أتى من العمل…تحدث زهران كاسرًا هذا الصمت:-واد يا نضال..رفع نضال بصره إلى والده بانتباه متحدثًا باحترام :-نعم يا بابا..
سأله زهران بعفوية:-فاكر ميرفت؟!..“ميرفت”.كرر نضال اسمها باستنكار ليس لأنه لا يتذكرها ولكن مرت سنوات عديدة جدًا على انفصالها عن والده وكانت الوحيدة بين زواجاته الذي انتهى الزواج بينهما بشجار كبير جدًا…وعرف فيما بعد عادت إلى محافظتها الساحلية…وكانت هي الزوجة الثانية لزهران بعد وفاة زوجته الأولى والدة أبنائه..تحدث نضال باستغراب:-أيوة فاكرها، بس مالها يعني إيه اللي جابها على بالك دلوقتي؟! ولا أنتَ شوفتها؟!..سحب زهران نفس من الارجيلة متحدثًا بجدية:– لا مشوفتهاش، مش عارف بس بقالها فترة على بالي بطريقة غريبة أصلها كانت حب عمري برضو..هتف نضال مستنكرًا بعدما ترك الهاتف على الطاولة ونظر له:-هي مش كانت اللي هي حب عمرك دي أمي؟!..تمتم زهران بتأييد موافقًا على حديثه:
-أيوة امك حب عمري اللي مبيتنسيش ولا يروح من بالي مهما اتجوزت الله يرحمها، لكن أي حب عمر تاني بيتنسي عادي ممكن افتكره وممكن لا..تحدث نضال بملل واضح:-هتلاقي بس موسم الحنين والرجوع للاكس ناقح عليك شوية..جاء سلامة من الداخل في تلك اللحظة مغمغمًا بسخرية وهو يغلق ساعة يده:-أنهى اكس فيهم؟! ده دابل وتريبل أكس، ده عنده عشروميت أكس…نظر له زهران بغيظٍ:-رايح فين يا شملول مش كنت عمال تقول أنا داخل أنام.تمتم سلامة بعفوية شديدة وهو يخبره:-طنط يسرا خبطها تكتوك وايديها اتشرخت وهي راجعة من الشغل واتجبست فكنت بكلم جهاد وهي قالتلي فلازم أروح اطمن عليها..ترك زهران الأرجيلة متحدثًا بجدية ولهفة جعلت عين نضال تخرج من مكانها:-ومقولتش ليه من بدري يلا نروح..
تحدث نضال وهو ينهض هو الآخر:-إيه النون اللي سمعتها دي؟! ليه في نون جمع؟!رد زهران عليه ببساطة:-هروح مع سلامة، هو أنا جيبت سيرتك..تمتم سلامة بجدية:-لا أنا رايح لوحدي، أنا مش قورني لو سمحت..نظر له زهران بغيظٍ ثم غمغم بنبرة منزعجة:-دي حب عمري اللي جاي مقدرش مروحش أطمن عليها..هنا تدخل نضال هاتفًا:-هو إيه اللي كل دقيقة عندك حب عمر شكل ده؟! هو في إيه؟! هو قلبك قلب رمانة…نظر له زهران مستنكرًا وهو يرد عليه ويعطي تركيزه الكامل له بينما سلامة كان يسير بهدوء وخطوات غير محسوسة:-أنا اصلا هتناقش مع واحد مشاعره ميتة وبايظة زيك ليه؟! اللي قدك كان زمانه فرحني بخلفته، مش يقعد ينظر عليا..وصل سلامة أخيرًا عن الباب وفتحه بخفة وأخذ الحذاء ليرتديه في الخارج:
-حلق على أبوك يا نضال أوي تخليه يجي ورايا…ثم أغلق الباب خلفه وكاد زهران أن يتحرك وهو ينتعه بأفظع وأبشع الشتائم وهنا غمغم نضال بلا وعي:-أنا هكسرلك الشيشة بتاعتك و…قاطعه زهران وهو يستدير له بنبرة غاضبة بشكل مخيف:-تكسر إيه يا روح أمك؟!.تمتم نضال بخوف مصتنع:-شكلها وسعت مني شوية، بلاش أكسرها هخبيها بس في مكان مش هتلاقيها فيه…______________يجلس سلامة على المقعد بينما تجلس جهاد ووالدتها على الاريكة وسلمى تجلس على مقعد أخر…-ألف سلامة على حضرتك يا طنط.ردت عليه يسرا بنبرة هادئة:-الله يسلمك يا ابني تعبت نفسك والله أنا كويسة..تحدث سلامة بنبرة بعتاب لطيف ولكنه صادق:
-تعبت نفسي إيه أنا زعلان بجد أنك متصلتيش بينا أننا نجيلك هناك، الواد ده كان لازم يروح القسم شوية حمير راكبين وبيسوقوا سواقة زي الزفت مش شايفين قدامهم وشاربين..هتفت يسرا بنبرة لطيفة:-مكنتش عايزة لا أقلق حد ولا اتعب حد وكمان الواد عيل صغير في الآخر من دور ولادي مينفعش اعمله مشكلة وخلاص أنا كنت ماشية سرحانة شوية ومش مركزة كعادتي…تحدثت سلمى أخيرًا مقاطعة هذا الحوار بنبرة عقلانية رغم أنها تشاجرت مع والدتها أنها كانت ترغب في التصرف مع هذا الشاب لكن انتهى الأمر لم يعد للشجار وقت:-الحمدلله أنها جت لحد كده.رد الجميع عليها في نفس واحد“الحمدلله”تحدث سلامة بخفة وهو يلتقط هاتفه الموضوع على الطاولة ويستعد للرحيل:-أنا هقوم امشي بقا علشان مطولش عليكم أكتر من كده…قاطعته جهاد بتلقائية وتهور يليق بها:
-لا تقوم تمشي إيه أنتَ تقعد تتغدى معانا سلمى عملت الأكل..قالت سلمى بصوتٍ خافت وكأنها تحدث نفسها ولم يكن صوتها مسموعًا:-سلمى مين؟!رد سلامة بحرج على حديث جهاد:-لا ملهوش لزوم تتعبوا نفسكم أنا كنت جاي بس اطمن عليها ورايح القهوة..غمغمت جهاد برفض:-لا طبعا مدام جيت في ميعاد غداء لازم تأكل معانا وبعدين يعني اعتبرنا القهوة واقعد شوية أنتَ اكتر من نص يومك بيخلص في القهوة…وافقتها يسرا الأمر بسبب الحرج الذي تملكها بمجرد أن عرضت ابنتها الفكرة وكيف ترفضها هي؟!..بعد مرور دقائق……فـي المـطـبـخ…كانت سلمى بين يدها السكين وتقف جهاد أمامها متحدثة بتوتر:-السلاح يطول يا سلمى يا حبيبتي اهدي..
قالت سلمى بانفعال واضح لكنها حرصت على أن تكون نبرتها خافتة قدر المستطاع:-الواد كان ماشي وأنتِ عماله تمسكي فيه وقال إيه سلمى عاملة أكل، سلمى مين اللي عاملة أكل؟! ياللي تنشكي في لسانك ده أنا عاملة شوربة خضار ولحمة أنتِ نفسك مش عاجبك تروحي مقعداه هو…هتفت جهاد بتردد:-أكيد في حل؛ نطلع حاجة من الفريزر…تحدثت سلمى ساخرة:-حاجة إيه اللي هتفك وتطبخ في نص ساعة يا فيلسوفة؟!، اعمل فيكي إيه بس..“في الخارج”.نما إلى سمع سلامة صوت هاتف جهاد الموضوع أمامه وعفوية منه رأي المتصل الذي كان والده وهذا جعله يشعر بالاستغراب الشديد، الهاتف بين يديه ولم يتصل به….كانت يسرا في هذا الوقت تتحدث في الهاتف مع أحدى صديقاتها……فتح سلامة المكالمة وقبل أن ينطق بحرف كان والده يسبقه بلهفة:-ازيك يا جهاد يا بنتي عاملة إيه؟!.
-أنا سلامة يا بابا..نبرة زهران اللينة تحولت إلى أخرى غاضبة وخشنة:“وأنتَ بترد على موبايلها ليه يا بايخ يا تنح؟! هو أنا متصل بيك أنتَ علشان تسمعني صوتك”-في إيه يا بابا بس.رد زهران عليه بصراحة ووضوح:“في إني متصل بيها علشان تخليني أكلم أمها اطمن عليها وأنتَ حاشر نفسك يا بايخ يا ***”تحدث سلامة بخبثٍ:-خلاص يا بابا متزعقش أنا نازل ليك أهو خمس دقائق وابقى عندك..جاءه صوت زهران من الهاتف بعدم فهم:“أنتَ بتقول إيه؟! تزعق فين وجاي فين؟! أنا مش عايز اشوف وشك أساسًا”..غمغم سلامة بنبرة جادة:-خلاص نازل ليك أهو مش هأخرك سلام..تزامنًا مع نهاية المكالمة بين سلامة ووالده كانت يسرا هي الأخرى تغلق المكالمة فتحدث سلامة هنا بلُطفٍ كونه استشعر الحرج على وجه سلمى ووالدتها ويبدو أن جهاد هي فعلت الأمر…
-أنا همشي بقا علشان في مشوار ضروري لازم اروحه مع بابا، حضرتك محتاجة حاجة؟!.-تسلم يا حبيبي أن شاء الله يكون خير مفيش حاجة؟!..قالت يسرا تلك الكلمات متوجسة أن يكن هناك أمرٍ هام بسبب طريقة حديث سلامة وتعابير وجهه…-دي زيارة لحد من قرايبنا تعبان شوية وهما مستنيني هعدي عليكم يوم تاني ان شاء الله.._______________يجلس نضال على الفراش في غرفته وحيدًا…وبين يديه هاتفه، يقوم بالمرور من بين مقطع وأخر بملل رهيب يحتله…كان ملفتًا إلى نظره إحدى المنشورات التي قامت سامية بمشاركتها على حسابها الشخصي، الذي يتواجد عليه أقاربها وصديقاتها وعدد محدود من المعارف، غير حسابها العام الذي يخص عملها…كان المنشور يعود إلى ما قبل ثلاثة أيام…“الحب الحقيقي هو أن يكون حقيقيًا بكل ما يحمل الحب من معاني سامية”.ضحك نضال رغمًا عنه…حينما قرأ كلمة “سامية”..
يعلم بأنه المعنى والنطق شيئًا أخر لكنه تذكر غضبها الملحوظ دومًا من النداء عليها باسمها بدلًا من هذا الاسم المائع والمستفز بالنسبة له التي اختارته لنفسها…….لو كان وقت أخر..لو كان لم يصرف نظر عنها ولم ينزعج منها بهذا القدر..كان قد كتب لها تعليقًا مرحًا على تلك النقطة ولكن لم يعد هذا خيارًا متاحًا هو في طريقه إلى التعافي، فـ حاول النسيان، يحاول الاستمرار في لامبالاته التي تحرقه…ليس من عادته أن يفعلها أن يرى من أعجبوا بالمنشور التي قامت بمشاركته لم يفعلها في أي وقت لكن فعلها الآن…….وجد بضعة صديقات وجيران يعرفهم وأقارب من عائلة والدتها، لكن وجد اسم غريبًا ومختلفًا كونه رجل..“حمزة عبدالله”اسم مكتوب باللغة الإنجليزية قد أبدى إعجابه بالمنشور ولم يكتفِ بهذا بل ترك تعليقًا عبارة عن رمز تعبيري “قلب أحمر”…هنا أنقلبت ملامحه تمامًا..كما اختفت ابتسامته….ليس من عادة سامية إضافة رجال..
حسب ما يعرف…أم كانت تفعل لكنه لم يلاحظ الأمر مُسبقًا؟!!!..بسرعة كالرهوان وحدة السيف ضغط على اسمه وصورته الشخصية وهنا فُتحت له صفحة جديدة خاصة بحساب هذا الرجل التي كانت خاصة تمامًا ولا يستطيع رؤية أي شيء من ملفه الشخصي إلا صورة ملفه الشخصي التي لم تكن واضحة لكنه على حد علمه ليس شخص من أقاربها….من هذا الرجل؟!!….أخذ نفس طويل بعدما اعتدل في الفراش بضيقٍ كبير، المشكلة بأنه انقسم إلى قسمين…القسم الأول يرغب في الهبوط الآن رغم أن الساعة تخطت الثانية صباحًا بعد منتصف الليل وينهرها سائلا أياها من هذا الرجل؟!..رُبما لأنه رجل كان يكن لها بعض المشاعر حسب وصفه، ولأنه ابن عم لها…أما القسم الثاني كان يرى بأن تفعل ما تفعل..لا يجب أن يظهر لها اهتمامًا…هو ليس وصيًا عليها….احترق وغضب بسبب مما يشعر به من مشاعر وتصرفات متناقضة وقاطع تلك المشاعر اتصال من صديقة المُقرب طارق عبر وسائل التواصل الاجتماعي…….
“الو سامعني”.-معاك..“عامل إيه يا نضال؟!”.رد نضال عليه بنبرة مقتضبة:-الحمدلله بخير..لاحظ طارق شيئًا ما في نبرته ليقول بإجهاد واضح فهو عاد من عمله إلى التو:“إيه مالك؟! هو أنا صحيتك من النوم ولا إيه؟”-لا أبدًا صاحي لسه منمتش، أنتَ عارف مش بنام دلوقتي أصلا، أنتَ إيه اخبارك؟!.رد طارق عليه بهدوء:“الحمدلله بخير، اهو لسه راجع من الشغل وهنام بس قولت أكلمك اشوفك عامل إيه بما إني متصلتش بيك من امبارح”..-الحمدلله أنا كويس.سأله طارق بحزن واضح في نبرته وأسى:” أحلام قالتلي على اللي حصل لخالتي حسنية عرفت ولا لسه؟!”
تحدث نضال بنبرة تشبهه:-عرفت، ربنا يشفيها يارب ويشفي كل مريض وبإذن الله محنة وهتعدي أنا بس مش عارف دياب هيلاقيها منين ولا منين بس..“ربنا هيعوض دياب بإذن الله، هيعوضه عن كل حاجة شافها وبيشوفها ربنا كريم أكتر مما تخيل وما ضاقت إلا ما فرجت”.-معاك حق..هتف طارق بنبرة هادئة:“عايزين نحاول نساعده ولا حاجة أنا قولت لأحلام لو تعرف تعمله خصم ولا حاجة على الجلسات بتاعتها بما أنها بتشتغل في المكان أي حاجة مهما كانت صغيرة هتفرق أكيد، لأنه طبعا لو قولنا من هنا للسنة الجاية أننا نساعده هيطنشنا أنا بكلمه بس بيرد عليا بالقطارة”.-اعذره اللي فيه مش شوية…” أكيد طبعًا، ربنا يصلح الحال، المهم متنساش موضوع السمسار يا نضال علشان البيت اللي قولتلك عليه، عايز أعمل حاجة ليا ولاخواتي البنات مطنشنيش، وبكرا برضو هكلمك ان شاء الله اول ما اصحى لأني فصلت شحن”.تحدث نضال بنبرة هادئة:-ماشي متقلقش مش ناسي أنا كلمته وهو لما يشوف حاجة كويسة هيكلمني، يلا تصبح على خير..
“وأنتَ من أهله”.انتهت المكالمة بينهما وبقى نضال مع أفكاره التي تقتله…._____________في اليوم التالي…-بقولك هخرج يعني هخرج لازم أعرفه مقامه…قالت والدة ليلى تلك الكلمات وهي تقف في غرفة نومها هي وزوجها الذي رد عليها بصوتٍ غاضب للمرة الأولى تقريبًا لكن طفح به الكيل….-مش هتخرجي وقسمًا بالله العظيم لو خرجتي برا الاوضة وقليتي أدبك وقولتي حاجة للواد لهكون رامي عليكي يمين الطلاق، ولعلمك الواد مش جاي يكلم ولا يحب فيها، ده جاي يخلص الحوار بسببك وبسبب لسانك..لم تنزعج من حديث زوجها عن الطلاق هي تعلم أنه مجرد تهديد، ما اعجبها في الأمر بأن ابنتها ستكون حرة سوف تختار لها الرجل والزيجة التي تناسبها…هتفت والدة ليلى بفرحة وسعادة:-يا اخي بركة يفشكل ويريحنا، معلق البت بقاله سنين ومعرفش أنتَ عاجبك الواد ده إيه؟! مش شايف خطيب بنتك التاني يا راجل بطل تبص بقا تحت رجلك.
تمتم والد ليلى بجدية:-عاجبني انه راجل، وفي الزمن ده الفلوس بقت سهلة، وكل حاجة في الدنيا بقت سهلة لكن الرجالة مبقتش موجودة؛ وده اللي هتفهميه في يوم من الأيام لما تندمي أنكم ضيعتوه من إيديكم..تحدثت زوجته ساخرة:-بلاش الكلام الخايب ده اللي ملهوش لازمة؛ الحمدلله أن البت هتخلص منه، كان لسه هيقعدها جنبه سنين كمان عقبال ما يخلص، هي بنات الناس لعبة ولا إيه؟!كان الرجل يفكر في مشاعر ابنته…يمتلك شخصية ضعيفة وهو يعترف بهذا ..لكن ما يشغل عقله دومًا هو مشاعر وحياة ابنائه…-اخرسي مش عايز اسمع صوتك ولا اشوفك برا الأوضة حسبي الله ونعم الوكيل ضيعتي البت…___________…في الخارج..كانت تجلس ليلى أمام دياب تشعر بالحرج الكبير فهي ظنت بأن المشكلة كلها أنه قد استمع لكلمات والدتها…
ظنت بأنه أتى من أجل الحديث مع والدها لكن لم يأتِ في عقلها أبدًا أنه أتى من أجل الانفصال…يوم أمس حينما أخذت الهاتف من ابن شقيقتها وجدته قد اتصل وانتهت المكالمة في الوقت التي كانت تتحدث فيه مع والدتها…أخذت تحاول الاتصال به لمدة طويلة بارتباك شديد أرسلت العديد من الرسائل معتذرة له، أو حتى تحاول فهم إلى أي مدى قد سمع؟!.لكنه كان يقرأها ولا يجيب عليها…وفي صباح اليوم أخبرها والدها بأنه تلقى اتصال من دياب وهو يرغب في أن يأتي للجلوس والحديث معها دون توضيح أي شيء..-حقك عليا يا دياب أنا أسفة، دي ماما وأنتَ عارفها.قالت ليلى تلك الكلمات وهي تحاول أن تخفف عن كاهلها الحرج التي تشعر به، تحاول فعل أي شيء بدلًا من هذا الصمت المميت..يعلم بأنها مضطرة لكن استمع الحديث كله تقريبًا وسمع ما يكفيه ورغم معرفته بأنها مجبرة على أمرها وتشعر بالضيق وأنها والدتها…..لكن في كرارة نفسه المتألمة والمصفوعة ألف مرة من الزمن كانت ينتظر أن يسمع منها أي دفاع عنه، سمع بكاء وانهيار لكنه لم يسمع ما قد يرمم رجولته ومشاعره….
هتف دياب بنبرة هادئة:-ملهوش لزوم تعتذري يا ليلى أنا مش جاي علشان كده وصدقيني مامتك مغلطتش في حاجة هي بتفكر في مصلحتك؛ أنا جاي علشان أقولك كل شيء قسمة ونصيب…شحبت ملامح ليلى وهبطت دمعة من عيناها وهي تجده يسترسل حديثه بتوضيح:-وصدقيني أنا أصلا كنت متصل علشان أقولك كده وأن الموضوع مش كلام أمك بس، أنا هبيع الشقة بسبب ظروفي اللي حصلت ومشواري لسه بيبدأ من الصفر تاني وأنا لو ليا أخت مش هرضى أنه واحد يعلقها أكتر من كده.ردت ليلى عليه بنبرة مجروحة؛ قالتها بصدمة وعدم تصديق مما تسمعه، رغم أنها ليست شغوفة أو لديها الجرأة لقولها إلا أنها فعلت..-دياب أنا بحبك…تألم قلبه لكنه رد عليها بتلقائية شديدة..-مهما كنتي بتحبيني ومهما كنت بحبك، مش هتعرفي تكملي في علاقة زي دي، تفضلي طول عمرك بتحاربي علشان أكون حاجة في عين أمك ومش هيحصل، وفي النهاية هي أمك وصدقيني أنا هبدأ من الصفر من تاني لا شغل ولا شقة ولا حاجة…ابتسم لها ثم أردف:
-أنا جاي أقولك كل شيء قسمة ونصيب ولا العيب فيا ولا فيكي هي الظروف بس كانت منحسة معانا ونصيب في الأول والآخر أنا قولت لـ والدك كل حاجة وهو قالي أخد الشبكة والموبايل الهدايا بس الشبكة والهدايا كلها بتاعتك هدية مني ليكي…نهض وهو يختم حديثه قائلا في الوقت نفسه الذي يأتي والدها من الداخل:-اتمنى بس تعرفي أن مكنش قصدي في أي يوم ألعب بيكي أو اعلقك بس أنا ظروفي كانت اوحش من أني اقدر أنفذ كل اللي وعدتك بيه وافتحلك بيت، ربنا يوفقك ويعوضك عني وعن كل حاجة..لم تكن تجد كلمات مناسبة ترد عليه به هي مازالت تشعر بالصدمة والتبلد وكأن ما عادت الكلمات تنفع حتى تصلح وضعهما…..لقد تدمر كل شيء..هل كان الفاعل الزمن أم والدتها؟!.القدر أم النصيب؟!.من كان الفاعل الذي قام بالفعل؟!!لا تعلم لكن المؤكد أنهما كانا المفعول…________________لا يجيب على اتصالاتها الهاتفية….
لا يقوم بمشاركة أو الإعجاب بأي منشور لها…رغم أنه كان حريص على الاعجاب والتعليق على منشوراتها لعدة أيام متواصلة لكنه اختفى مرة واحدة…ولا يقوم بمشاركة أي منشور…لذلك اتصلت به حتى تطمئن على أحواله تارة يعطيها هاتفه بأنه مغلق وتارة لا يُجيب..شعرت بـغضبٍ وانزعاج كبير..ما الذي يحدث معه؟!.هذا السؤال يجعلها تشعر بالقلق عليه بجانب مشاعرها الأخرى….فكرت بأن ترسل رسالة إلى شقيقته تسألها عنه لكن شعرت بالحماقة، ماذا تخبرها؟! وكيف سيكون شكلها وما هي صفتها حتى ترسل إلى شقيقته رسالة كهذه؟!.تركت سامية هاتفها حينما سمعت نداء والدتها من الخارج وهي تخبرها..“يلا يا سامية، الأكل على السفرة”خرجت سامية من الحجرة هاتفة بانزعاج وهي تقترب من الطاولة الموضوع عليها أطباق الطعام هاتفة:-كام مرة أقولك بلاش اسم سامية ده؟! بسمعه بتعصب معرفش ليه مُصره تضايقيني؟!..
ردت انتصار عليها بسخرية لكن ملامحها كانت مُرهقة من تحضير الطعام وهي تجلس على المقعد:-علشان أنتِ اسمك سامية يا عين أمك وساسو ده اسم سايس وملزق كده معرفش عاجبك فيه إيه؟! ومش داخل دماغي ولا عاجبني علشان أقوله مش جاي على لساني اصلا…..تمتمت سامية ساخرة وهي تجلس هي الأخرى وتنظر لها ومازالت لم تنظر إلى محتوى الأطباق التي تتواجد أمامها والطاجن الفخار..-أي حاجة بتفرحني بتكون صعبة عليكم حقكم عليا…ثم نظرت إلى الأطباق هاتفة وكأنه قد قرصها ثعبانًا ما:-أنتِ عاملة بامية؟!.ردت والدتها عليها ببساطة شديدة وهي تناظرها:-اه عملالك بقا طاجن البامية باللحمة الضاني اللي بتموتي فيه عملته مخصوص علشانك….صاحت سامية بنبرة متشجنة فـ كانت أعصابها مشدودة إلى حدٍ كبير تحاول أن تخرج شحنة غضبها بأي شكل من الأشكال..-أنا مبأكلش البامية وأنتِ عارفة..ردت انتصار عليها ساخرة وهي تنظر لها بعدم تصديق:
– ده من امته ده؟! وبعدين أنتِ عبيطة ولا اتجننتي؟!، ده أنتِ بقالك اسبوعين بتتحايلي عليا اعملهولك، واعملك بامية ومبتأكليش أي طبيخ غيرها..تحدثت سامية بانزعاج:-خلاص مش عايزة أكلها دلوقتي أنا حرة..هتفت انتصار بنفاذ صبر:-خلاص كلي ملوخية وطلعي اللحمة من الطاجن وكليهم على الرز كده وخلاص…نهضت سامية هاتفة بنبرة عصبية:-لا شكرا مش عايزة أكل حاجة…صاحت انتصار هي الأخرى بعد رحيل سامية الغير مفهوم:-متأكليش يا سامية، أنتِ شكلك مجنونة دلوقتي وأنا مش رايقة ليكي ولا اللي أنتِ فيه ده يا عين أمك…__________يجلس دياب مع صديقه المقرب على المقهى بعدما هبط من منزل ليلى ليخبره بأنه باع شقته وانفصل عن خطيبته…تحدث نضال معاتبًا له وهو يراه ينفث دخان سيجارته بضيقٍ واضح:
-وليه عملت كل ده من غير ما تعرفني طيب؟! ولا تعرف حد من عيلتك..تمتم دياب بنبرة واضحة ومنطقية بالنسبة له:-علشان مشيلش أمي الهم، وعلشان أنتَ هتقول زي ابوها قال إني استني شوية وصدقني الفشلكة في مصلحة ليلى أكتر مني، مهما كانت بتحبني ومهما كنت بحبها، مش هتعيش سعيدة معايا بخلاف ظروفي الطين؛ طول ما أمها منكدة عليها عيشتها وقاعدة تقارنها باللي رايح واللي جاي ده هيأثر عليها مهما كنت في نظرها وفي قلبها..صمت لثواني ثم تحدث بنبرة هادئة:-العلاقة اللي بيحتار فيها الشخص بين أهله وبين اللي بيحبه تعب قلب، وأنا دلوقتي مقصر في حقها وعندي مسؤوليات كتير والمشاكل ما بينا هتزيد وأصلا امها قالت كل ده لمجرد إني اشتغلت على التوكتوك ومكنتش لسه عرفت حوار الشقة..“اللي بيحب بيستحمل”..كبح نضال نفسه من قولها، لا يدري لما لا يعجبه وهن تلك الفتاة مهما كانت الأسباب…دياب رجل لا تتركه فتاة عاقلة حتى ولو أرادت والدتها، لو كانت تحبه بشكل واضح لم تكن تعنيها المقارنات وهذا كله…تلك وجهه نظره، ولكنه لم يخبر دياب بها ليس وقته قولها، أو لن يأتِ وقته أبدًا رُبما هو من سوف يستنتجها بنفسه في وقتٍ من الأوقات….
-طيب يا دياب ياريت متتصرفش من نفسك تاني حتى لو تصرفك صح شورني، ممكن تسمع حاجة من حد تايهة عن بالك أنا مبقولش تصرفك غلط بس يعني على الأقل بلاش تكون متهور في قرارات زي دي..سحب دياب نفس من سيجارته ثم أردف بيأسٍ:-كلها محصلة بعضها يا نضال..كاد نضال أن يرد عليه لكن قاطعهم صوت هاتف دياب الموضوع على الطاولة الخشبية فأجاب دياب على الفور بمجرد أن لمح اسم أحلام…-ألو.“ازيك يا دياب عامل إيه؟!”.رد دياب عليها تحت أنظار نضال:-أنا بخير الحمدلله، في أخبار؟!.جاءه صوت أحلام بنبرة واثقة:“طبعًا مدام وعدتك إني هتصرف يبقى هتصرف، بكرا الميعاد ان شاء الله الساعة خمسة هستناكم في المستشفى، وهو هيقول كورس العلاج علطول لأنه شاف التقارير يعني هيتكلم معاها شوية وفحص كده، وهيقول هتمشي على الجلسات ازاي”.
-شكرًا بجد يا أحلام مش عارف أقولك إيه.“العفو يا دياب أحنا أهل طول عمرنا، ولعلمك الكشف مدفوع”.تغيرت ملامح دياب متمتمًا:-لا طبعا ليه تعملي حاجة زي كده؟!..ردت أحلام عليه ببساطة وهي تتذكر حديث جواد لكنها حاولت نسب الفضل إلى نفسها..“أنا دكتورة في المستشفى وطبيعي يكون ليا استثناء لما يكون حد جاي من طرفي؛ يلا مع السلامة بقا”لا يدري لما لم يرغب دياب الدخول في نقاش يبدو حديثها وتفسيرها منطقيًا بعض الشيء بالنسبة له ولأنه سعيد بأنها استطاعت فعلها:-مع السلامة…______________-قولتلك بطلي عياط أنتِ مش عيلة صغيرة، يعني أحنا بنعاملك أنك كبيرة؛ وبنقولك علشان نفسيتها الفترة الجاية وأنتِ قاعدة تعيطي زي العيال الصغيرة؟!..اليوم ذهبت حُسنية برفقة سمر لزيارة أحد الأقارب تحاول سمر التهوين على شقيقتها على قدر استطاعتها……
وأخذ دياب يخبر شقيقتيه بالوضع الحالي والصحي لوالدتهما، إيناس حاولت استيعاب الموقف لكن حور كانت تبكي بهستيرية وشكل مخيف….مما جعله يصرخ فيها بغضب كبير رُبما لأنه يشعر بالغيرة منها، لأنها تستطيع البكاء والتعبير عن مشاعرها، بينهما هو لا يمتلك هذا الأمر هو عليه أن يتصرف بأقصى سرعة……..تركهما دياب وذهب إلى الشرفة وهنا أخذتها إيناس في أحضانها وهبطت دموعها هي الأخرى لكنها هتفت بيقين وصلابة:-ربنا بإذن الله هيشفيها؛ خير يا حبيبتي متعيطيش يا نور عيني…بعد وقت هدأت فيه حور قليلًا وضعت إيناس الخمار المنزلي عليها لأنها سوف تخرج إلى الشرفة وهي تجد طفلتها جنى تنظر لهما بتعاطف بينهما طفلها الأخر منشغل بالهاتف..-تعالى اقعدي مع حور وقوليلها متعيطش لغايت ما اجي…هزت جنى رأسها موافقة ثم ذهبت وجلست بجانب حور على الأريكة ثم وضعت يدها الصغيرة على وجنتي حور هاتفة بحروف تكاد تنطق صحيحة وبطيئة جدًا..-خلاص يا حور متعيطش علشان خاطر جوجو..أخذتها حور في أحضانها وبكت أكثر…
“داخـــل الـــشـــرفــة”-ممكن متزعقش في حور كده تاني يا دياب..قالت إيناس تلك الكلمات مما جعل دياب يتحدث بنبرة جادة:-أنا مش متحمل حد ومش متحمل دلع من حد..ردت إيناس عليه بحنان فهي تدرك بأنه غاضب هذا ليس دياب الحنون التي تعرفه؛ حسنًا هو لا يُحسن الحديث طوال الوقت بحديث معسول لكنه رجل المواقف:-هي مش بتدلع يا دياب؛ وبعدين أنتَ فاكرها كبيرة ليه؟! حور لسه صغيرة، زيها زي جنى متختلفش كتير عنها، وهي مشافتش ابوك ولا قدرت تستوعبه زينا، وطبيعي أنها تخاف وتصطدم لما تعرف اللي حصل لماما، احنا كبار بنحاول نلم الموقف رغم أننا هنموت من جوانا لكنها مش كده سيبها تطلع اللي جواها يا حبيبي.حديثها كان منطقيًا جدًا وحقيقيًا…وشعر بالضيقٍ بأنه صرخ في وجهها بتلك الطريقة….إيناس محقة…حتى ولو حاول الجميع تعويض حور لكنها تعاني من نقص كبير في حياتها وخبر هكذا ليس هين بالنسبة لها….
صمت دام لعدة دقائق…مما جعل دياب يفجر القنبلة:-أنا هبيع الشقة في مشتري شافها النهاردة، واحتمال نتفق، وفركشت مع ليلى ولأسباب كتير أوي لكن أنا لو كملت معاها هظلمها اللي مرضهوش على اللي مني مرضهوش عليها…نظرت له إيناس بشفقة وتعاطف كبير…هي يجب عليها البحث عن عمل ومساعدته في أقرب وقت ممكن…اقتربت منه إيناس واحتضنته ليحتضنها دياب بعمق وألم كبير، يحتاج أن يواسيه أحدهم يحتضنه دون عتاب……-ربنا يقويك يا حبيبي؛ ويكرمك، ان شاء الله يا دياب ربنا هيكرمك كرم أنتَ نفسك متتوقعهوش يا حبيبي على قد كل حاجة بتعملها معانا وعلى قد ما بتيجي على نفسك؛ وبإذن الله لو في خير ترجع أنتَ وهي تاني يا حبيبي…ابتعد عنها دياب وترك قُبلة على جبهتها ورأسها بحنان ثم تحدث بنبرة جادة:-أهم حاجة عندي تكونوا كويسين يا إيناس وأمك بإذن الله تكون كويسة ولا هامنني أي حاجة تانية ولا عايز غير ربنا يدينا الصحة ويديم علينا ستره وبس…ثم تحدث بنبرة مشاغبة قليلًا لكنها تحمل الألم في طياتها:
-يلا نشوف البت اللي جوا دي..ولج إلى الشقة وخلفه إيناس ليجلس بجانب حور هاتفًا وهو يمسك يدها بنبرة غليظة:-بطلي عياط ومرقعة أنا عارفك بتتهربي من امتحان الفيزياء بتاع بكرا علشان تقولي أنا كنت مكتئبة وكنت بعيط، وسامحوني معلش وهعوض المرة الجاية بلاش الشغل ده لأني هعلقك ساعتها مش هرحمك هطلع غلي فيكي لو النتيجة معجبتنيش..ضحكت حور من وسط بكائها كالمجنونة، مما جعله يجذبها إلى أحضانه باحتواء كبير هاتفًا:-متزعليش مني يا حور أنا مضغوط شوية..ردت حور عليه وهي تضع رأسها على صدره تحت مشاهدة ايناس لهما وعلى شفتيها ابتسامة حنونة:-أنا عمري ما ازعل منك يا دياب، أنتَ أبويا وأخويا وكل حاجة ليا…ترك قبلة على رأسها هاتفًا بـ نفسٍ عميق يبث الطمأنينة في نفسه قبل أن يكون لهم وكأنه يحدث ذاته:-كل حاجة هتكون كويسة بإذن الله وماما هتكون كويسة……._____________في صباح يومٍ جديد…استيقظت سلمى وارتدت ملابسها وخمارها وهي تستعد للذهاب إلى العمل في يومها الأخير بسبب التصليحات التي سوف تحدث في صالة الألعاب الرياضية…
لكنها لم تخبر أحد بتلك النقطة…سمعت صوت الجرس وكانت جهاد قد هبطت منذ دقائق هل نست شيئًا وعادت؟!.لكن هي معها المفتاح….من سيأتي في هذا الوقت…ذهبت سلمى وفتحت الباب لتجد أمامها أخر شخص تتوقعه…-سلمى حبيبة بابا…..
ينبغي أن تنتظر عمرًا كاملًا لكي تفهم حكمة الأبواب المغلقة
- بسام حجار
سوف يمضي بك الزمن وتُعلّمك الأيام أن جعبة الحياة مليئة بما لا تتوقع، وعليك أن تكون على الدوام مستعدًا، وستدرك أن كل خسارة هيّنة ما لم تخسر نفسك، وأن أعظم استثمار هو ما تستثمره في حقول ذاتك، وأنك كلما كنت ممتلئًا بالطيّبات طابَت لك الحياة وجادَت عليك بالأعطيات.
#مقتبسة
“تجرع الصبر فإن قتلك؛ قتلك شهيدًا، وإن أحياك؛ أحياك عزيزًا.”
– ابن القيم
______________
أنه اليوم الأول لها في الجامعة الحكومية..
طلبت سيارة في الصباح من إحدى التطبيقات فـأضاعت الكثير من النقود المتبقية معها، خير تناولها الطعام في أحدى العلامات المعروفة نعم ليست باهظة الثمن إلى حدٍ كبير لكن أسهم مع السيارة في إضاعة أكثر من ألف جنيهًا من الثلاثة التي تمتلكها في اليوم الأول..
حضرت المحاضرات بنفس باهتة لا تصدق هذا العدد الضخم واللامحدود الذي كان يحضر المحاضرة معها كادت على وشك أن تشعر بضيق في التنفس….
أقتربت الامتحانات وهي لا تعلم أي شيء حتى اشفقت عليها فتاة تعرفت عليها وأخذت رقمها وأخبرتها بأنها سوف ترسل لها بعض المحاضرات والملخصات…
وجعلتها تركب معها “مترو الأنفاق” لأول مرة في حياتها تقريبًا كان الأمر بالنسبة لها مخيفًا من هذا الازدحام الرهيب تحديدًا لأنها تعود في وقت عودة الموظفين او ميعاد الموظفين كما يتم تسميته…
لكن أفضل شيء أن محطة المترو كانت قريبة جدًا من المنطقة الذي يتواجد بها منزل بهية، لم تعرف هذا الأمر بمفردها بل عرفته من أبيها بعدما سألته عن العنوان وكانت على وشك أن تضيع طريقها لكن لحسن الحظ ها هي هنا…
تتناول الطعام التي صنعته بهية؛ وهو لذيذًا بشكل مُريب لولا أنها في المرة الأولى كانت تصنعه أمامها وهي معها في المنزل لظنت بأن أحد يصنعها غيرها رُبما والدة هذا الشاب الوغد التي تحكي عنها بهية…
لكنها هي من تصنعه فعلتها أمام عيناها مرة
لذلك لم تشك بها…
انتهت من الطعام وحاولت غسيل الصحون حتى تساعد تلك المرأة لكن جاءت بهية ووضعت يدها على الصحن متحدثة بنبرة ساخرة:
-إيه القرف ده؟!..
تمتمت ريناد بانزعاج واضح من تعبيرها:
– قرف إيه مهوا غسلته خلاص ماله؟!.
-الطبق ملسلس زي ما هو؛ المفروض تغسلي بمياة سخنة مش ساقعة..
هتفت ريناد بنبرة متأففة:
-مهوا أكيد مش هستعمل المياة السخنة أنا مش غسالة أطباق..
تحدثت بهية بسخرية:
-أكيد مش مياة نار ولا مياة مش هتتحمليها يعني، بس المفروض تغسلي بمياة سخنة شوية امشي أنتِ وأنا هكمل..
أردفت ريناد باقتراح بسيط:
-خلاص أنا عندي فكرة بعد كده.
سألتها بهية بعدم فهم:
-فكرة إيه دي؟!.
-نجيب أطباق اللي بيتأكل فيها مرة واحدة دي ونرميها هي والكوبيات ونريح دماغنا..
غمغمت بهية بسخرية:
-أنتِ دماغك تعبانة، الحاجات دي عايزة ميزانية بيت لوحدها، غير كده الأكل في الاطباق الصيني له طعم مختلف..
ردت ريناد عليها بهدوء:
-كله نفس الأكل في الآخر..
-يلا روحي بقا مش هتناقش معاكي، علشان أنا أصلا مش متعودة حد يقعد يناقرني يا تغسلي الحاجة عدل يا تمشي بلاش أفكار متخلفة..
بعد وقتٍ…
كانت “ريناد” تجلس في الحجرة الخاصة بها أو أصبحت كذلك….
تشاهد بضعة مقاطع على الهاتف بعدما صنع والدها لها باقة انترنت صغيرة بعدما ذهبت بهية للتقديم على الانترنت بالخط الأرضي أو المنزلي من أجلها.
لاحظت ريناد العديد من الفيديوهات فتيات تتحدث عن يومهم في الجامعة غير مستحضرات التجميل التي تستخدمها..
“Get ready with me”
سلسلة فيديوهات لذيذة لأكثر من فتاة اندمجت معها حتى قررت بأنها ستفعل المثل…
فقط ينقصها متعلقاتها الشخصية…
زينب هي الحل….
ستجعلها تأتي بها لها….
هي تحفظ رقم هاتفها ليس صعبًا عليها أبدًا…
____________
يجلس نضال على الأريكة وبين يديه هاتفه يقوم بمشاهدة المقاطع دون هدف واضح…
بعد أذان المغرب وتناول الغداء يظل نضال في المنزل لفترة قصيرة ثم يهبط مرة أخرى…
كان زهران يجلس بجواره على الأريكة يشاهد التلفاز وبين يديه خرطوم أرجيلته الحبيبة.
كان الصمت طويل بينهما و سلامة يجلس في حجرته بعدما أتى من العمل…
تحدث زهران كاسرًا هذا الصمت:
-واد يا نضال..
رفع نضال بصره إلى والده بانتباه متحدثًا باحترام :
-نعم يا بابا..
سأله زهران بعفوية:
-فاكر ميرفت؟!..
“ميرفت”.
كرر نضال اسمها باستنكار ليس لأنه لا يتذكرها ولكن مرت سنوات عديدة جدًا على انفصالها عن والده وكانت الوحيدة بين زواجاته الذي انتهى الزواج بينهما بشجار كبير جدًا…وعرف فيما بعد عادت إلى محافظتها الساحلية…
وكانت هي الزوجة الثانية لزهران بعد وفاة زوجته الأولى والدة أبنائه..
تحدث نضال باستغراب:
-أيوة فاكرها، بس مالها يعني إيه اللي جابها على بالك دلوقتي؟! ولا أنتَ شوفتها؟!..
سحب زهران نفس من الارجيلة متحدثًا بجدية:
– لا مشوفتهاش، مش عارف بس بقالها فترة على بالي بطريقة غريبة أصلها كانت حب عمري برضو..
هتف نضال مستنكرًا بعدما ترك الهاتف على الطاولة ونظر له:
-هي مش كانت اللي هي حب عمرك دي أمي؟!..
تمتم زهران بتأييد موافقًا على حديثه:
-أيوة امك حب عمري اللي مبيتنسيش ولا يروح من بالي مهما اتجوزت الله يرحمها، لكن أي حب عمر تاني بيتنسي عادي ممكن افتكره وممكن لا..
تحدث نضال بملل واضح:
-هتلاقي بس موسم الحنين والرجوع للاكس ناقح عليك شوية..
جاء سلامة من الداخل في تلك اللحظة مغمغمًا بسخرية وهو يغلق ساعة يده:
-أنهى اكس فيهم؟! ده دابل وتريبل أكس، ده عنده عشروميت أكس…
نظر له زهران بغيظٍ:
-رايح فين يا شملول مش كنت عمال تقول أنا داخل أنام.
تمتم سلامة بعفوية شديدة وهو يخبره:
-طنط يسرا خبطها تكتوك وايديها اتشرخت وهي راجعة من الشغل واتجبست فكنت بكلم جهاد وهي قالتلي فلازم أروح اطمن عليها..
ترك زهران الأرجيلة متحدثًا بجدية ولهفة جعلت عين نضال تخرج من مكانها:
-ومقولتش ليه من بدري يلا نروح..
تحدث نضال وهو ينهض هو الآخر:
-إيه النون اللي سمعتها دي؟! ليه في نون جمع؟!
رد زهران عليه ببساطة:
-هروح مع سلامة، هو أنا جيبت سيرتك..
تمتم سلامة بجدية:
-لا أنا رايح لوحدي، أنا مش قورني لو سمحت..
نظر له زهران بغيظٍ ثم غمغم بنبرة منزعجة:
-دي حب عمري اللي جاي مقدرش مروحش أطمن عليها..
هنا تدخل نضال هاتفًا:
-هو إيه اللي كل دقيقة عندك حب عمر شكل ده؟! هو في إيه؟! هو قلبك قلب رمانة…
نظر له زهران مستنكرًا وهو يرد عليه ويعطي تركيزه الكامل له بينما سلامة كان يسير بهدوء وخطوات غير محسوسة:
-أنا اصلا هتناقش مع واحد مشاعره ميتة وبايظة زيك ليه؟! اللي قدك كان زمانه فرحني بخلفته، مش يقعد ينظر عليا..
وصل سلامة أخيرًا عن الباب وفتحه بخفة وأخذ الحذاء ليرتديه في الخارج:
-حلق على أبوك يا نضال أوي تخليه يجي ورايا…
ثم أغلق الباب خلفه وكاد زهران أن يتحرك وهو ينتعه بأفظع وأبشع الشتائم وهنا غمغم نضال بلا وعي:
-أنا هكسرلك الشيشة بتاعتك و…
قاطعه زهران وهو يستدير له بنبرة غاضبة بشكل مخيف:
-تكسر إيه يا روح أمك؟!.
تمتم نضال بخوف مصتنع:
-شكلها وسعت مني شوية، بلاش أكسرها هخبيها بس في مكان مش هتلاقيها فيه…
______________
يجلس سلامة على المقعد بينما تجلس جهاد ووالدتها على الاريكة وسلمى تجلس على مقعد أخر…
-ألف سلامة على حضرتك يا طنط.
ردت عليه يسرا بنبرة هادئة:
-الله يسلمك يا ابني تعبت نفسك والله أنا كويسة..
تحدث سلامة بنبرة بعتاب لطيف ولكنه صادق:
-تعبت نفسي إيه أنا زعلان بجد أنك متصلتيش بينا أننا نجيلك هناك، الواد ده كان لازم يروح القسم شوية حمير راكبين وبيسوقوا سواقة زي الزفت مش شايفين قدامهم وشاربين..
هتفت يسرا بنبرة لطيفة:
-مكنتش عايزة لا أقلق حد ولا اتعب حد وكمان الواد عيل صغير في الآخر من دور ولادي مينفعش اعمله مشكلة وخلاص أنا كنت ماشية سرحانة شوية ومش مركزة كعادتي…
تحدثت سلمى أخيرًا مقاطعة هذا الحوار بنبرة عقلانية رغم أنها تشاجرت مع والدتها أنها كانت ترغب في التصرف مع هذا الشاب لكن انتهى الأمر لم يعد للشجار وقت:
-الحمدلله أنها جت لحد كده.
رد الجميع عليها في نفس واحد
“الحمدلله”
تحدث سلامة بخفة وهو يلتقط هاتفه الموضوع على الطاولة ويستعد للرحيل:
-أنا هقوم امشي بقا علشان مطولش عليكم أكتر من كده…
قاطعته جهاد بتلقائية وتهور يليق بها:
-لا تقوم تمشي إيه أنتَ تقعد تتغدى معانا سلمى عملت الأكل..
قالت سلمى بصوتٍ خافت وكأنها تحدث نفسها ولم يكن صوتها مسموعًا:
-سلمى مين؟!
رد سلامة بحرج على حديث جهاد:
-لا ملهوش لزوم تتعبوا نفسكم أنا كنت جاي بس اطمن عليها ورايح القهوة..
غمغمت جهاد برفض:
-لا طبعا مدام جيت في ميعاد غداء لازم تأكل معانا وبعدين يعني اعتبرنا القهوة واقعد شوية أنتَ اكتر من نص يومك بيخلص في القهوة…
وافقتها يسرا الأمر بسبب الحرج الذي تملكها بمجرد أن عرضت ابنتها الفكرة وكيف ترفضها هي؟!..
بعد مرور دقائق…
…فـي المـطـبـخ…
كانت سلمى بين يدها السكين وتقف جهاد أمامها متحدثة بتوتر:
-السلاح يطول يا سلمى يا حبيبتي اهدي..
قالت سلمى بانفعال واضح لكنها حرصت على أن تكون نبرتها خافتة قدر المستطاع:
-الواد كان ماشي وأنتِ عماله تمسكي فيه وقال إيه سلمى عاملة أكل، سلمى مين اللي عاملة أكل؟! ياللي تنشكي في لسانك ده أنا عاملة شوربة خضار ولحمة أنتِ نفسك مش عاجبك تروحي مقعداه هو…
هتفت جهاد بتردد:
-أكيد في حل؛ نطلع حاجة من الفريزر…
تحدثت سلمى ساخرة:
-حاجة إيه اللي هتفك وتطبخ في نص ساعة يا فيلسوفة؟!، اعمل فيكي إيه بس..
“في الخارج”.
نما إلى سمع سلامة صوت هاتف جهاد الموضوع أمامه وعفوية منه رأي المتصل الذي كان والده وهذا جعله يشعر بالاستغراب الشديد، الهاتف بين يديه ولم يتصل به….
كانت يسرا في هذا الوقت تتحدث في الهاتف مع أحدى صديقاتها……
فتح سلامة المكالمة وقبل أن ينطق بحرف كان والده يسبقه بلهفة:
-ازيك يا جهاد يا بنتي عاملة إيه؟!.
-أنا سلامة يا بابا..
نبرة زهران اللينة تحولت إلى أخرى غاضبة وخشنة:
“وأنتَ بترد على موبايلها ليه يا بايخ يا تنح؟! هو أنا متصل بيك أنتَ علشان تسمعني صوتك”
-في إيه يا بابا بس.
رد زهران عليه بصراحة ووضوح:
“في إني متصل بيها علشان تخليني أكلم أمها اطمن عليها وأنتَ حاشر نفسك يا بايخ يا ***”
تحدث سلامة بخبثٍ:
-خلاص يا بابا متزعقش أنا نازل ليك أهو خمس دقائق وابقى عندك..
جاءه صوت زهران من الهاتف بعدم فهم:
“أنتَ بتقول إيه؟! تزعق فين وجاي فين؟! أنا مش عايز اشوف وشك أساسًا”..
غمغم سلامة بنبرة جادة:
-خلاص نازل ليك أهو مش هأخرك سلام..
تزامنًا مع نهاية المكالمة بين سلامة ووالده كانت يسرا هي الأخرى تغلق المكالمة فتحدث سلامة هنا بلُطفٍ كونه استشعر الحرج على وجه سلمى ووالدتها ويبدو أن جهاد هي فعلت الأمر…
-أنا همشي بقا علشان في مشوار ضروري لازم اروحه مع بابا، حضرتك محتاجة حاجة؟!.
-تسلم يا حبيبي أن شاء الله يكون خير مفيش حاجة؟!..
قالت يسرا تلك الكلمات متوجسة أن يكن هناك أمرٍ هام بسبب طريقة حديث سلامة وتعابير وجهه…
-دي زيارة لحد من قرايبنا تعبان شوية وهما مستنيني هعدي عليكم يوم تاني ان شاء الله..
_______________
يجلس نضال على الفراش في غرفته وحيدًا…
وبين يديه هاتفه، يقوم بالمرور من بين مقطع وأخر بملل رهيب يحتله…
كان ملفتًا إلى نظره إحدى المنشورات التي قامت سامية بمشاركتها على حسابها الشخصي، الذي يتواجد عليه أقاربها وصديقاتها وعدد محدود من المعارف، غير حسابها العام الذي يخص عملها…
كان المنشور يعود إلى ما قبل ثلاثة أيام…
“الحب الحقيقي هو أن يكون حقيقيًا بكل ما يحمل الحب من معاني سامية”.
ضحك نضال رغمًا عنه…
حينما قرأ كلمة “سامية”..
يعلم بأنه المعنى والنطق شيئًا أخر لكنه تذكر غضبها الملحوظ دومًا من النداء عليها باسمها بدلًا من هذا الاسم المائع والمستفز بالنسبة له التي اختارته لنفسها…….
لو كان وقت أخر..
لو كان لم يصرف نظر عنها ولم ينزعج منها بهذا القدر..
كان قد كتب لها تعليقًا مرحًا على تلك النقطة ولكن لم يعد هذا خيارًا متاحًا هو في طريقه إلى التعافي، فـ حاول النسيان، يحاول الاستمرار في لامبالاته التي تحرقه…
ليس من عادته أن يفعلها أن يرى من أعجبوا بالمنشور التي قامت بمشاركته لم يفعلها في أي وقت لكن فعلها الآن…….
وجد بضعة صديقات وجيران يعرفهم وأقارب من عائلة والدتها، لكن وجد اسم غريبًا ومختلفًا كونه رجل..
“حمزة عبدالله”
اسم مكتوب باللغة الإنجليزية قد أبدى إعجابه بالمنشور ولم يكتفِ بهذا بل ترك تعليقًا عبارة عن رمز تعبيري “قلب أحمر”…
هنا أنقلبت ملامحه تمامًا..
كما اختفت ابتسامته….
ليس من عادة سامية إضافة رجال..
حسب ما يعرف…
أم كانت تفعل لكنه لم يلاحظ الأمر مُسبقًا؟!!!..
بسرعة كالرهوان وحدة السيف ضغط على اسمه وصورته الشخصية وهنا فُتحت له صفحة جديدة خاصة بحساب هذا الرجل التي كانت خاصة تمامًا ولا يستطيع رؤية أي شيء من ملفه الشخصي إلا صورة ملفه الشخصي التي لم تكن واضحة لكنه على حد علمه ليس شخص من أقاربها….
من هذا الرجل؟!!….
أخذ نفس طويل بعدما اعتدل في الفراش بضيقٍ كبير، المشكلة بأنه انقسم إلى قسمين…
القسم الأول يرغب في الهبوط الآن رغم أن الساعة تخطت الثانية صباحًا بعد منتصف الليل وينهرها سائلا أياها من هذا الرجل؟!..
رُبما لأنه رجل كان يكن لها بعض المشاعر حسب وصفه، ولأنه ابن عم لها…
أما القسم الثاني كان يرى بأن تفعل ما تفعل..
لا يجب أن يظهر لها اهتمامًا…
هو ليس وصيًا عليها….
احترق وغضب بسبب مما يشعر به من مشاعر وتصرفات متناقضة وقاطع تلك المشاعر اتصال من صديقة المُقرب طارق عبر وسائل التواصل الاجتماعي…….
“الو سامعني”.
-معاك..
“عامل إيه يا نضال؟!”.
رد نضال عليه بنبرة مقتضبة:
-الحمدلله بخير..
لاحظ طارق شيئًا ما في نبرته ليقول بإجهاد واضح فهو عاد من عمله إلى التو:
“إيه مالك؟! هو أنا صحيتك من النوم ولا إيه؟”
-لا أبدًا صاحي لسه منمتش، أنتَ عارف مش بنام دلوقتي أصلا، أنتَ إيه اخبارك؟!.
رد طارق عليه بهدوء:
“الحمدلله بخير، اهو لسه راجع من الشغل وهنام بس قولت أكلمك اشوفك عامل إيه بما إني متصلتش بيك من امبارح”..
-الحمدلله أنا كويس.
سأله طارق بحزن واضح في نبرته وأسى:
” أحلام قالتلي على اللي حصل لخالتي حسنية عرفت ولا لسه؟!”
تحدث نضال بنبرة تشبهه:
-عرفت، ربنا يشفيها يارب ويشفي كل مريض وبإذن الله محنة وهتعدي أنا بس مش عارف دياب هيلاقيها منين ولا منين بس..
“ربنا هيعوض دياب بإذن الله، هيعوضه عن كل حاجة شافها وبيشوفها ربنا كريم أكتر مما تخيل وما ضاقت إلا ما فرجت”.
-معاك حق..
هتف طارق بنبرة هادئة:
“عايزين نحاول نساعده ولا حاجة أنا قولت لأحلام لو تعرف تعمله خصم ولا حاجة على الجلسات بتاعتها بما أنها بتشتغل في المكان أي حاجة مهما كانت صغيرة هتفرق أكيد، لأنه طبعا لو قولنا من هنا للسنة الجاية أننا نساعده هيطنشنا أنا بكلمه بس بيرد عليا بالقطارة”.
-اعذره اللي فيه مش شوية…
” أكيد طبعًا، ربنا يصلح الحال، المهم متنساش موضوع السمسار يا نضال علشان البيت اللي قولتلك عليه، عايز أعمل حاجة ليا ولاخواتي البنات مطنشنيش، وبكرا برضو هكلمك ان شاء الله اول ما اصحى لأني فصلت شحن”.
تحدث نضال بنبرة هادئة:
-ماشي متقلقش مش ناسي أنا كلمته وهو لما يشوف حاجة كويسة هيكلمني، يلا تصبح على خير..
“وأنتَ من أهله”.
انتهت المكالمة بينهما وبقى نضال مع أفكاره التي تقتله….
_____________
في اليوم التالي…
-بقولك هخرج يعني هخرج لازم أعرفه مقامه…
قالت والدة ليلى تلك الكلمات وهي تقف في غرفة نومها هي وزوجها الذي رد عليها بصوتٍ غاضب للمرة الأولى تقريبًا لكن طفح به الكيل….
-مش هتخرجي وقسمًا بالله العظيم لو خرجتي برا الاوضة وقليتي أدبك وقولتي حاجة للواد لهكون رامي عليكي يمين الطلاق، ولعلمك الواد مش جاي يكلم ولا يحب فيها، ده جاي يخلص الحوار بسببك وبسبب لسانك..
لم تنزعج من حديث زوجها عن الطلاق هي تعلم أنه مجرد تهديد، ما اعجبها في الأمر بأن ابنتها ستكون حرة سوف تختار لها الرجل والزيجة التي تناسبها…
هتفت والدة ليلى بفرحة وسعادة:
-يا اخي بركة يفشكل ويريحنا، معلق البت بقاله سنين ومعرفش أنتَ عاجبك الواد ده إيه؟! مش شايف خطيب بنتك التاني يا راجل بطل تبص بقا تحت رجلك.
تمتم والد ليلى بجدية:
-عاجبني انه راجل، وفي الزمن ده الفلوس بقت سهلة، وكل حاجة في الدنيا بقت سهلة لكن الرجالة مبقتش موجودة؛ وده اللي هتفهميه في يوم من الأيام لما تندمي أنكم ضيعتوه من إيديكم..
تحدثت زوجته ساخرة:
-بلاش الكلام الخايب ده اللي ملهوش لازمة؛ الحمدلله أن البت هتخلص منه، كان لسه هيقعدها جنبه سنين كمان عقبال ما يخلص، هي بنات الناس لعبة ولا إيه؟!
كان الرجل يفكر في مشاعر ابنته…
يمتلك شخصية ضعيفة وهو يعترف بهذا ..
لكن ما يشغل عقله دومًا هو مشاعر وحياة ابنائه…
-اخرسي مش عايز اسمع صوتك ولا اشوفك برا الأوضة حسبي الله ونعم الوكيل ضيعتي البت…
___________
…في الخارج..
كانت تجلس ليلى أمام دياب تشعر بالحرج الكبير فهي ظنت بأن المشكلة كلها أنه قد استمع لكلمات والدتها…
ظنت بأنه أتى من أجل الحديث مع والدها لكن لم يأتِ في عقلها أبدًا أنه أتى من أجل الانفصال…
يوم أمس حينما أخذت الهاتف من ابن شقيقتها وجدته قد اتصل وانتهت المكالمة في الوقت التي كانت تتحدث فيه مع والدتها…
أخذت تحاول الاتصال به لمدة طويلة بارتباك شديد أرسلت العديد من الرسائل معتذرة له، أو حتى تحاول فهم إلى أي مدى قد سمع؟!.
لكنه كان يقرأها ولا يجيب عليها…
وفي صباح اليوم أخبرها والدها بأنه تلقى اتصال من دياب وهو يرغب في أن يأتي للجلوس والحديث معها دون توضيح أي شيء..
-حقك عليا يا دياب أنا أسفة، دي ماما وأنتَ عارفها.
قالت ليلى تلك الكلمات وهي تحاول أن تخفف عن كاهلها الحرج التي تشعر به، تحاول فعل أي شيء بدلًا من هذا الصمت المميت..
يعلم بأنها مضطرة لكن استمع الحديث كله تقريبًا وسمع ما يكفيه ورغم معرفته بأنها مجبرة على أمرها وتشعر بالضيق وأنها والدتها…..
لكن في كرارة نفسه المتألمة والمصفوعة ألف مرة من الزمن كانت ينتظر أن يسمع منها أي دفاع عنه، سمع بكاء وانهيار لكنه لم يسمع ما قد يرمم رجولته ومشاعره….
هتف دياب بنبرة هادئة:
-ملهوش لزوم تعتذري يا ليلى أنا مش جاي علشان كده وصدقيني مامتك مغلطتش في حاجة هي بتفكر في مصلحتك؛ أنا جاي علشان أقولك كل شيء قسمة ونصيب…
شحبت ملامح ليلى وهبطت دمعة من عيناها وهي تجده يسترسل حديثه بتوضيح:
-وصدقيني أنا أصلا كنت متصل علشان أقولك كده وأن الموضوع مش كلام أمك بس، أنا هبيع الشقة بسبب ظروفي اللي حصلت ومشواري لسه بيبدأ من الصفر تاني وأنا لو ليا أخت مش هرضى أنه واحد يعلقها أكتر من كده.
ردت ليلى عليه بنبرة مجروحة؛ قالتها بصدمة وعدم تصديق مما تسمعه، رغم أنها ليست شغوفة أو لديها الجرأة لقولها إلا أنها فعلت..
-دياب أنا بحبك…
تألم قلبه لكنه رد عليها بتلقائية شديدة..
-مهما كنتي بتحبيني ومهما كنت بحبك، مش هتعرفي تكملي في علاقة زي دي، تفضلي طول عمرك بتحاربي علشان أكون حاجة في عين أمك ومش هيحصل، وفي النهاية هي أمك وصدقيني أنا هبدأ من الصفر من تاني لا شغل ولا شقة ولا حاجة…
ابتسم لها ثم أردف:
-أنا جاي أقولك كل شيء قسمة ونصيب ولا العيب فيا ولا فيكي هي الظروف بس كانت منحسة معانا ونصيب في الأول والآخر أنا قولت لـ والدك كل حاجة وهو قالي أخد الشبكة والموبايل الهدايا بس الشبكة والهدايا كلها بتاعتك هدية مني ليكي…
نهض وهو يختم حديثه قائلا في الوقت نفسه الذي يأتي والدها من الداخل:
-اتمنى بس تعرفي أن مكنش قصدي في أي يوم ألعب بيكي أو اعلقك بس أنا ظروفي كانت اوحش من أني اقدر أنفذ كل اللي وعدتك بيه وافتحلك بيت، ربنا يوفقك ويعوضك عني وعن كل حاجة..
لم تكن تجد كلمات مناسبة ترد عليه به هي مازالت تشعر بالصدمة والتبلد وكأن ما عادت الكلمات تنفع حتى تصلح وضعهما…..
لقد تدمر كل شيء..
هل كان الفاعل الزمن أم والدتها؟!.
القدر أم النصيب؟!.
من كان الفاعل الذي قام بالفعل؟!!
لا تعلم لكن المؤكد أنهما كانا المفعول…
________________
لا يجيب على اتصالاتها الهاتفية….
لا يقوم بمشاركة أو الإعجاب بأي منشور لها…
رغم أنه كان حريص على الاعجاب والتعليق على منشوراتها لعدة أيام متواصلة لكنه اختفى مرة واحدة…
ولا يقوم بمشاركة أي منشور…
لذلك اتصلت به حتى تطمئن على أحواله تارة يعطيها هاتفه بأنه مغلق وتارة لا يُجيب..
شعرت بـغضبٍ وانزعاج كبير..
ما الذي يحدث معه؟!.
هذا السؤال يجعلها تشعر بالقلق عليه بجانب مشاعرها الأخرى….
فكرت بأن ترسل رسالة إلى شقيقته تسألها عنه لكن شعرت بالحماقة، ماذا تخبرها؟! وكيف سيكون شكلها وما هي صفتها حتى ترسل إلى شقيقته رسالة كهذه؟!.
تركت سامية هاتفها حينما سمعت نداء والدتها من الخارج وهي تخبرها..
“يلا يا سامية، الأكل على السفرة”
خرجت سامية من الحجرة هاتفة بانزعاج وهي تقترب من الطاولة الموضوع عليها أطباق الطعام هاتفة:
-كام مرة أقولك بلاش اسم سامية ده؟! بسمعه بتعصب معرفش ليه مُصره تضايقيني؟!..
ردت انتصار عليها بسخرية لكن ملامحها كانت مُرهقة من تحضير الطعام وهي تجلس على المقعد:
-علشان أنتِ اسمك سامية يا عين أمك وساسو ده اسم سايس وملزق كده معرفش عاجبك فيه إيه؟! ومش داخل دماغي ولا عاجبني علشان أقوله مش جاي على لساني اصلا…..
تمتمت سامية ساخرة وهي تجلس هي الأخرى وتنظر لها ومازالت لم تنظر إلى محتوى الأطباق التي تتواجد أمامها والطاجن الفخار..
-أي حاجة بتفرحني بتكون صعبة عليكم حقكم عليا…
ثم نظرت إلى الأطباق هاتفة وكأنه قد قرصها ثعبانًا ما:
-أنتِ عاملة بامية؟!.
ردت والدتها عليها ببساطة شديدة وهي تناظرها:
-اه عملالك بقا طاجن البامية باللحمة الضاني اللي بتموتي فيه عملته مخصوص علشانك….
صاحت سامية بنبرة متشجنة فـ كانت أعصابها مشدودة إلى حدٍ كبير تحاول أن تخرج شحنة غضبها بأي شكل من الأشكال..
-أنا مبأكلش البامية وأنتِ عارفة..
ردت انتصار عليها ساخرة وهي تنظر لها بعدم تصديق:
– ده من امته ده؟! وبعدين أنتِ عبيطة ولا اتجننتي؟!، ده أنتِ بقالك اسبوعين بتتحايلي عليا اعملهولك، واعملك بامية ومبتأكليش أي طبيخ غيرها..
تحدثت سامية بانزعاج:
-خلاص مش عايزة أكلها دلوقتي أنا حرة..
هتفت انتصار بنفاذ صبر:
-خلاص كلي ملوخية وطلعي اللحمة من الطاجن وكليهم على الرز كده وخلاص…
نهضت سامية هاتفة بنبرة عصبية:
-لا شكرا مش عايزة أكل حاجة…
صاحت انتصار هي الأخرى بعد رحيل سامية الغير مفهوم:
-متأكليش يا سامية، أنتِ شكلك مجنونة دلوقتي وأنا مش رايقة ليكي ولا اللي أنتِ فيه ده يا عين أمك…
__________
يجلس دياب مع صديقه المقرب على المقهى بعدما هبط من منزل ليلى ليخبره بأنه باع شقته وانفصل عن خطيبته…
تحدث نضال معاتبًا له وهو يراه ينفث دخان سيجارته بضيقٍ واضح:
-وليه عملت كل ده من غير ما تعرفني طيب؟! ولا تعرف حد من عيلتك..
تمتم دياب بنبرة واضحة ومنطقية بالنسبة له:
-علشان مشيلش أمي الهم، وعلشان أنتَ هتقول زي ابوها قال إني استني شوية وصدقني الفشلكة في مصلحة ليلى أكتر مني، مهما كانت بتحبني ومهما كنت بحبها، مش هتعيش سعيدة معايا بخلاف ظروفي الطين؛ طول ما أمها منكدة عليها عيشتها وقاعدة تقارنها باللي رايح واللي جاي ده هيأثر عليها مهما كنت في نظرها وفي قلبها..
صمت لثواني ثم تحدث بنبرة هادئة:
-العلاقة اللي بيحتار فيها الشخص بين أهله وبين اللي بيحبه تعب قلب، وأنا دلوقتي مقصر في حقها وعندي مسؤوليات كتير والمشاكل ما بينا هتزيد وأصلا امها قالت كل ده لمجرد إني اشتغلت على التوكتوك ومكنتش لسه عرفت حوار الشقة..
“اللي بيحب بيستحمل”..
كبح نضال نفسه من قولها، لا يدري لما لا يعجبه وهن تلك الفتاة مهما كانت الأسباب…
دياب رجل لا تتركه فتاة عاقلة حتى ولو أرادت والدتها، لو كانت تحبه بشكل واضح لم تكن تعنيها المقارنات وهذا كله…
تلك وجهه نظره، ولكنه لم يخبر دياب بها ليس وقته قولها، أو لن يأتِ وقته أبدًا رُبما هو من سوف يستنتجها بنفسه في وقتٍ من الأوقات….
-طيب يا دياب ياريت متتصرفش من نفسك تاني حتى لو تصرفك صح شورني، ممكن تسمع حاجة من حد تايهة عن بالك أنا مبقولش تصرفك غلط بس يعني على الأقل بلاش تكون متهور في قرارات زي دي..
سحب دياب نفس من سيجارته ثم أردف بيأسٍ:
-كلها محصلة بعضها يا نضال..
كاد نضال أن يرد عليه لكن قاطعهم صوت هاتف دياب الموضوع على الطاولة الخشبية فأجاب دياب على الفور بمجرد أن لمح اسم أحلام…
-ألو.
“ازيك يا دياب عامل إيه؟!”.
رد دياب عليها تحت أنظار نضال:
-أنا بخير الحمدلله، في أخبار؟!.
جاءه صوت أحلام بنبرة واثقة:
“طبعًا مدام وعدتك إني هتصرف يبقى هتصرف، بكرا الميعاد ان شاء الله الساعة خمسة هستناكم في المستشفى، وهو هيقول كورس العلاج علطول لأنه شاف التقارير يعني هيتكلم معاها شوية وفحص كده، وهيقول هتمشي على الجلسات ازاي”.
-شكرًا بجد يا أحلام مش عارف أقولك إيه.
“العفو يا دياب أحنا أهل طول عمرنا، ولعلمك الكشف مدفوع”.
تغيرت ملامح دياب متمتمًا:
-لا طبعا ليه تعملي حاجة زي كده؟!..
ردت أحلام عليه ببساطة وهي تتذكر حديث جواد لكنها حاولت نسب الفضل إلى نفسها..
“أنا دكتورة في المستشفى وطبيعي يكون ليا استثناء لما يكون حد جاي من طرفي؛ يلا مع السلامة بقا”
لا يدري لما لم يرغب دياب الدخول في نقاش يبدو حديثها وتفسيرها منطقيًا بعض الشيء بالنسبة له ولأنه سعيد بأنها استطاعت فعلها:
-مع السلامة…
______________
-قولتلك بطلي عياط أنتِ مش عيلة صغيرة، يعني أحنا بنعاملك أنك كبيرة؛ وبنقولك علشان نفسيتها الفترة الجاية وأنتِ قاعدة تعيطي زي العيال الصغيرة؟!..
اليوم ذهبت حُسنية برفقة سمر لزيارة أحد الأقارب تحاول سمر التهوين على شقيقتها على قدر استطاعتها……
وأخذ دياب يخبر شقيقتيه بالوضع الحالي والصحي لوالدتهما، إيناس حاولت استيعاب الموقف لكن حور كانت تبكي بهستيرية وشكل مخيف….
مما جعله يصرخ فيها بغضب كبير رُبما لأنه يشعر بالغيرة منها، لأنها تستطيع البكاء والتعبير عن مشاعرها، بينهما هو لا يمتلك هذا الأمر هو عليه أن يتصرف بأقصى سرعة……..
تركهما دياب وذهب إلى الشرفة وهنا أخذتها إيناس في أحضانها وهبطت دموعها هي الأخرى لكنها هتفت بيقين وصلابة:
-ربنا بإذن الله هيشفيها؛ خير يا حبيبتي متعيطيش يا نور عيني…
بعد وقت هدأت فيه حور قليلًا وضعت إيناس الخمار المنزلي عليها لأنها سوف تخرج إلى الشرفة وهي تجد طفلتها جنى تنظر لهما بتعاطف بينهما طفلها الأخر منشغل بالهاتف..
-تعالى اقعدي مع حور وقوليلها متعيطش لغايت ما اجي…
هزت جنى رأسها موافقة ثم ذهبت وجلست بجانب حور على الأريكة ثم وضعت يدها الصغيرة على وجنتي حور هاتفة بحروف تكاد تنطق صحيحة وبطيئة جدًا..
-خلاص يا حور متعيطش علشان خاطر جوجو..
أخذتها حور في أحضانها وبكت أكثر…
“داخـــل الـــشـــرفــة”
-ممكن متزعقش في حور كده تاني يا دياب..
قالت إيناس تلك الكلمات مما جعل دياب يتحدث بنبرة جادة:
-أنا مش متحمل حد ومش متحمل دلع من حد..
ردت إيناس عليه بحنان فهي تدرك بأنه غاضب هذا ليس دياب الحنون التي تعرفه؛ حسنًا هو لا يُحسن الحديث طوال الوقت بحديث معسول لكنه رجل المواقف:
-هي مش بتدلع يا دياب؛ وبعدين أنتَ فاكرها كبيرة ليه؟! حور لسه صغيرة، زيها زي جنى متختلفش كتير عنها، وهي مشافتش ابوك ولا قدرت تستوعبه زينا، وطبيعي أنها تخاف وتصطدم لما تعرف اللي حصل لماما، احنا كبار بنحاول نلم الموقف رغم أننا هنموت من جوانا لكنها مش كده سيبها تطلع اللي جواها يا حبيبي.
حديثها كان منطقيًا جدًا وحقيقيًا…
وشعر بالضيقٍ بأنه صرخ في وجهها بتلك الطريقة….
إيناس محقة…
حتى ولو حاول الجميع تعويض حور لكنها تعاني من نقص كبير في حياتها وخبر هكذا ليس هين بالنسبة لها….
صمت دام لعدة دقائق…
مما جعل دياب يفجر القنبلة:
-أنا هبيع الشقة في مشتري شافها النهاردة، واحتمال نتفق، وفركشت مع ليلى ولأسباب كتير أوي لكن أنا لو كملت معاها هظلمها اللي مرضهوش على اللي مني مرضهوش عليها…
نظرت له إيناس بشفقة وتعاطف كبير…
هي يجب عليها البحث عن عمل ومساعدته في أقرب وقت ممكن…
اقتربت منه إيناس واحتضنته ليحتضنها دياب بعمق وألم كبير، يحتاج أن يواسيه أحدهم يحتضنه دون عتاب……
-ربنا يقويك يا حبيبي؛ ويكرمك، ان شاء الله يا دياب ربنا هيكرمك كرم أنتَ نفسك متتوقعهوش يا حبيبي على قد كل حاجة بتعملها معانا وعلى قد ما بتيجي على نفسك؛ وبإذن الله لو في خير ترجع أنتَ وهي تاني يا حبيبي…
ابتعد عنها دياب وترك قُبلة على جبهتها ورأسها بحنان ثم تحدث بنبرة جادة:
-أهم حاجة عندي تكونوا كويسين يا إيناس وأمك بإذن الله تكون كويسة ولا هامنني أي حاجة تانية ولا عايز غير ربنا يدينا الصحة ويديم علينا ستره وبس…
ثم تحدث بنبرة مشاغبة قليلًا لكنها تحمل الألم في طياتها:
-يلا نشوف البت اللي جوا دي..
ولج إلى الشقة وخلفه إيناس ليجلس بجانب حور هاتفًا وهو يمسك يدها بنبرة غليظة:
-بطلي عياط ومرقعة أنا عارفك بتتهربي من امتحان الفيزياء بتاع بكرا علشان تقولي أنا كنت مكتئبة وكنت بعيط، وسامحوني معلش وهعوض المرة الجاية بلاش الشغل ده لأني هعلقك ساعتها مش هرحمك هطلع غلي فيكي لو النتيجة معجبتنيش..
ضحكت حور من وسط بكائها كالمجنونة، مما جعله يجذبها إلى أحضانه باحتواء كبير هاتفًا:
-متزعليش مني يا حور أنا مضغوط شوية..
ردت حور عليه وهي تضع رأسها على صدره تحت مشاهدة ايناس لهما وعلى شفتيها ابتسامة حنونة:
-أنا عمري ما ازعل منك يا دياب، أنتَ أبويا وأخويا وكل حاجة ليا…
ترك قبلة على رأسها هاتفًا بـ نفسٍ عميق يبث الطمأنينة في نفسه قبل أن يكون لهم وكأنه يحدث ذاته:
-كل حاجة هتكون كويسة بإذن الله وماما هتكون كويسة…….
_____________
في صباح يومٍ جديد…
استيقظت سلمى وارتدت ملابسها وخمارها وهي تستعد للذهاب إلى العمل في يومها الأخير بسبب التصليحات التي سوف تحدث في صالة الألعاب الرياضية…
لكنها لم تخبر أحد بتلك النقطة…
سمعت صوت الجرس وكانت جهاد قد هبطت منذ دقائق هل نست شيئًا وعادت؟!.
لكن هي معها المفتاح….
من سيأتي في هذا الوقت…
ذهبت سلمى وفتحت الباب لتجد أمامها أخر شخص تتوقعه…
-سلمى حبيبة بابا…..
•تابع الفصل التالي "رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم" اضغط على اسم الرواية