Ads by Google X

رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل الثامن 8 - بقلم اية حسين

الصفحة الرئيسية

   

رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل الثامن 8 - بقلم اية حسين


الفصل الثامن: حتى يفجعنا الواقع بمرارته
          
                
وصل غضب و الدة "علي" منه إلى حدٍ كبير، ترك خطيبته فجأةً دون سبب واضح! أليست تلك التي كانت أقصى أمانيه أن يوافق والدها عليه، حين أصبحت بين يديه يتركها!
كانت تشعر بالحزن عليه أيضًا، ما شعر و لدها من شعور إلا شعرته معه، تعلم ما في قلبه أكثر منه، و تعلم كم هام بحبها، تستطيع لمس الأسى في نبرته و استشعار الحزن المطلّ من عينيه.



خرج "عمر" متحججًا بأنه ذاهبٌ لدورة المياه إذ أراد أن يتركهما وحدهما، قالت أمه:
- مش ناوي تحكي لي بقى ايه الي حصل؟ مش أنا أمك و أنت على طول بترجع تحكي لي في الآخر؟



أغمض عينيه بقوة ثم فتحهما فقال:
- للأسف يا أمي مش هقدر أحكي لك المرة ديه.



صمدَ "علي" أمام إلحاح أمه و أسئلتها التي كانت إجاباتها جارحةً له و فاضحةً لخطيبته السابقة، كيف يخبرها أنه لقيَ خطيبته تجلس مع شاب و يتغزلان ببعضهما؟!



لم تجد منه إجابةً بعد سؤالها فقامت بعدما قالت:
- ماشي يا "علي"، عمومًا أنت بتفضل تخبي بس ما بتقدرش و بتجيلي في الآخر.



بعد قليل...
أغلق "عمر" هاتفه ليركض نازلًا من الشقة فتبعه "علي" دون أن يعلم ماذا قيل في تلك المكالمة و مع من ليفزع "عمر" و يركض هكذا.
      
                                     ∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆



كان "عمر" يهرول بين ممرات المستشفى و "علي" يتبعه، حتى توقف "عمر"- و توقف بالتابعية "علي"- في ممر تراصت غرف المرضى على جانبيه، كما تراصت بعض الكراسي ملتصقةً بالحائط، كان الممر حيث تجلس فتاةٌ ممتلئة الجسم برداءٍ محتشم و وجه منكمش من الذعر. كانت تلك "آية".



نظر "عمر" حوله بحيرة، أين "إسراء" الآن، قامت الفتاة و سألته:
- أنت أخو "إسراء"؟



أجابها بـ"نعم" فبدأت تقص عليه ما حدث بدايةً من عندما فاجأ "مروان" "إسراء" فتبعتهما "آية" خلسةً إذ لم تكن ابتعدت كثيرًا، حاولت منادة أي شخص من المارّة فلم يستجب أحدٌ لها سوى ذلك الرجل الذي استطاع "مروان" التملص منه، انتظرت بعد ذلك حتى رحل "مروان" ثم اقتربت من جسد "إسراء" الذي تجمهر حوله الناس ينظرون إلى تلك الشابة التي دفعها شابٌ من فوق السلم، نقلوها للمستشفى ثم أجابت "آية" على اتصال "عمر" لهاتف "إسراء" الذي كانت تحاول فتحه لإبلاغ أيٍّ من أهلها.



جاء الطبيب حينها و كان أول شيءٍ سأله "عمر" إن كان بإمكانه الدخول لها، أجاب الطبيب:
- أيوة بس..
لم يعطِه "عمر" الفرصة ليكمل جملته بل كرر سؤاله بحدة زائدة:
- ينفع أدخل لها؟
أدرك الطبيب أن "عمر" لن يهدأ و يسمعه إلا حين يدخل لها فأشار له بالدخول دون أن ينطق.



دخل "عمر" فتطلع كلٌ من "علي" و "آية" إلى الطبيب يستعلمان عمّا حدث لـ"إسراء"، قال الطبيب:
- للأسف، هي وقعت وقعة شديدة على مركز الإبصار في المخ عندها و ده أدى لأنها فقدت البصر.




        
          
                
كانت الإجابة صادمة فعادت "آية" للجلوس على الكرسي إذ لم تحملها ركبتاها بعد المصيبة التي فجّرها الطبيب مستمرةً في بكائها الصامت.
سأل "علي" ملتمسًا الأمل لرفيقه و شقيقته:
- طب هو ما ينفعش يرجع بعملية أو حاجة؟
أجاب الطبيب نافيًا ليزيد من خيبته.



شعر "علي" بالأسى لصديقه "عمر"، لا يدري إن كان لاحظ عليها هذا في الداخل أم لا. "عمر" لا يحتمل على أخته نسمة الهواء، فكيف يتحمل رؤيتها بتلك الحالة؟!
أشفق على "إسراء" كذلك كثيرًا، فتاةٌ في بداية شبابها تقبل على الحياة لتنسى آلام الطفولة فإذا بالحياة تستقبلها بكارثة فقدانها بصرها بسبب شابٍّ لم يتقبل فكرة أنها رفضته!



دخل "عمر" فوجد أخته في حال انخلع لها قلبه و صوت نحيبها يخترق أذنيه، كانت بين بكائها و شهقاتها تنادي "عمر"، لم تعلم بوجوده معها و لم تكن معه أثناء وقوع الحادثة، لكنها لا تعرف غيره مأواها و ملاذها، فور أن رآها ضمَّها إليه و هي ترتجف، بتلعثمٍ حاولت تبرير له ما حدث فقال و هي يضع اصبعه على شفتيها:
- ماتقوليش أي حاجة يا "إسراء" دلوقتي مش مهم، المهم أنتِ.
قالت:
- أنا خايفة!
- بس أنتِ في حضني.
قال جملته بنبرةٍ دافئة، و حنان بالغ، و هو يضمها، فكان وجوده كمسكن لها فسكنت في حضنه. قصد أن يقول حينها:
« صغيرتي مادمتي في حضني فلا تخشي شيئًا،
لا أحد سيقدر على مسِّكٍ بشرٍّ و أنتِ في حضني،
اركضي و العبي و انتشري هنا و هناك،
ثم اختبئي في حضني إن خفتي،
لو عزمت جيوش كل بلاد الأرض على أذيتكِ،
فسأكون هناك كي أذود عنكِ الضربات، و أحميكِ في حضني،
اطمئنّي صعيرتي فأنتِ في حضني».



ظلّت تبكي بين ذراعيه فترةً و هو يربت على ظهرها ثم سألت:
- "عمر" أنا مش شايفة ليه؟
كان ذلك آخر شيء قالته "إسراء" قبل أن يخرج "عمر" قلِقًا مستغربًا من سؤالها. فور أن خرج "عمر" دخلت "آية" و قد سكن عينيها الجزع، لو رأتها "إسراء" لعلمت أنها في مدةٍ قصيرة استطاعت- بفضل الله- الحصول على أفضل صديقة قد تعرفها في عمرها.



قالت "آية" وهي تعانقها:
- الي اسمه "مروان" ده أكيد مش هيتساب كده، أن شاء هياخد جزاءه أضعاف الي عمله فيكِ، حتى لو مش في الدنيا هيبقى في الآخرة بإذن الله.
ردت "إسراء" بصوت باهت إذ كانت قد هدأت قليلًا:
- مش مهم يا "آية" مش هتفرق.
ثم كررت سؤالها الذي سألته لأخيها من قبل:
- أنا بس عايزة أعرف أنا مش شايفة حاجة ليه؟
صمتت "آية" إذ لم تقوَ على الإجابة فصرخت "إسراء" و قد أصابها الشك:
- ما حد يرد عليّ.
استطاعت "آية" تحريك فيها فقالت و كل حرف يجلدها و هو  يخرج:
- أنتِ فقدتي البصر يا "إسراء".
لم يستوعب عقل "إسراء" الصدمة بعد فسألت:
- الدكتور ما قالش هيرجع امتى يعني؟
أجابت "آية" بصوتٍ خافتٍ لو لم تكن "إسراء" قريبةً منها لَما سمعتها:
- مش هيرجع.
لم تتقبل "إسراء" إجابتها فقامت تصرخ و تسبّ بهيستيرية، كانت تتحدث بفظاظة و هي تنكر ممّا أغضب "آية" بسبب كلامها الجارح.




        
          
                
في أشد كوابيسها قسوة لم تتخيل "إسراء" أن هذا قد يحدث لها، لو قال لها أحدٌ بالأمس ستصابين غدًا بالعمى لسخرت منه. نرتعب و نفزع من كوابيسنا و هواجسنا حتى يفجعنا الواقع بمرارته، و أنه أفظع من كل ما خفنا منه.



قالت "آية" بعدما انتظرت حتى هدأت نوبة الغضب لدى "إسراء" ما ترى أنه يواسيها:
- ماعنديش حاجة أقولها لك يا "إسراء" غير قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه) يعني حتى الشوكة الصغيرة الي بتصيبك بتؤجري عليها، ديه أكثر حاجة ممكن أواسيكِ بيها، إني أقول لك على الأجر الي بتاخديه، و أفكرك بالآخرة، فاصبري، أحسن حل إنك تصبري، ده ربنا ييقول في كتابه و بشر الصابرين.



كان يسير بجانب أخته صامتًا، لم يُجد كلمات المواساة و لم يملك لسانًا منطلقًا فسكت، استطاعته تحريك ساقيه و ذراعيه حينها معجزة في حد ذاتها. حين علم بما جرى لها شعر بطعنةٍ تخترق قلبه، هي بالنسبة له ليست شقيقته فقط، بل هي ابنته و أمه، هي غذاءٌ لروحه، يستطيع تحمل كل شيء في سبيل راحتها.



كان فتىً في الثامنة عشرة يعمل بأكثر من عمل بجانب دراسته، يجدُّ و لا يجد وقتًا لراحته كي لا تشعر بأنها أقل من أقرانها. كان طفلًا يحاول أن يجنبها و يفديها بعيدًا عن مشاكل عمه و زوجته كي تنشأ إنسانةً سوية. أكثر ما يهوِّن عليه دنياه كانت رؤية البسمة مشرقةً على وجهها، فيشرق وجهه.
فكيف يتحمل رؤيتها الآن ذابلةً فاقدةً لمعاني الحياة، كيف يتحمل رؤيتها تتحسر يومًا بعد يومٍ على بصرها الذي راح في بداية شبابها... كيف؟!



                                     ∆∆∆∆∆∆∆∆∆



لا يذكر الكثيرَ من ذلك اليوم البعيد القابع بين ثنايا الذاكرة، بعض المقتطفات فقط. كان طفلًا يجلس مع جدته بانتظار أبيه ليعود و يصطحبه لزيارة والدته و شقيقه المولود الجديد. عاد أبوه لكنه لم يصطحبه لزيارة أمه، بل عاد متجهمًا حاملًا الطفل الرضيع دون أن ينظر له، لم تعد أمه، حين سأل والده عنها أجابه بأنها لن تعود... للأبد.



عرف حينها معنى الفقد، أن يرحل الإنسان دون رجعة، أن يُنتَشَل من أمامك فجأةً و لا يعود مجددًا.



في الأيام المقبلة كان يتطلع إلى أخيه كثيرًا، هذا الكائن الصغير البريء، كان يحب الجلوس معه و ممارسة دور الأخ الأكبر عليه، كان يسأل كثيرًا و جدتُه تجيب، أما أبوه... فلم يكن له دورٌ يُذكر تلك الفترة، كان منغلقًا على نفسه في غرفته و لا يخرج منها لدرجة أنه الآن لا يذكر كيف كان شكله حينها.



لا يدري متى بدأ يتغير مع أخيه، هل كان عندما سمع الحوار الذي دار بين جدته و والده مصادفةً حين قالت جدته بحسرة على ولدها معاتبةً:
- هتفضل قافل على روحك كده لحد امتى بس يا حبيبي؟ عيش و ما توقفش حياتك علشانها الدنيا ما بتقفش على حد، حاول تنسى أو على الأقل تعمل نفسك ناسي عشان عيالك حتى! عيالك محتاجينلك يا حبيبي.
لم تجد منه استجابةً فأردفت تستعطفه:
- طب أقول ايه أنا للكبير الي كل شوية يسأل عليك؟ اطلع له و حسسه إنك موجود في حياته مايبقاش خسر أمه و أبوه.
كان أيضًا لا يجيب فتابعت:
- ولا الصغير الي هيكبر مش باين له أهل كده؟ لازم تشوفه و تاخد بالك منه أنا مش عايشة لك العمر كله.
حين جاءت سيرته فقط قال متجهمًا:
- ماتجيبي ليش سيرة الواد الشؤم ده، مش هو السبب في موتها؟



هل كان عندما سمع ذاك الحوار أم كان بعد ذلك بكثير؟



استمرّ "إبراهيم" في اجترار الذكريات ليتذكر كم كان سيئًا قاسيًا، تذكر كيف استغل وصية والده ليحرم "إسماعل" من إرثه، ثم ما فعل بعد ذلك.
في رحلة سريعة للماضي يستطيع أن يقول: لم يحسن هو لأخيه أبدًا، أما أخوه، فقد كان له سَنَدًا.
 


                                  ∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆




        

 
google-playkhamsatmostaqltradent