رواية دموع شيطانية الفصل التاسع 9 - بقلم چنا ابراهيم
9• البجعة السوداء.
'دموع شيطانية'الفصل التاسع'
•البجعة السوداء•
للكاتبة: چنا ابراهيم♡قطة♡
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
❀❀❀
"كعاصفة تسحق كل ما تصادفه، اقتحمت الذكرياتُ عُمقي، وكشفت عن وحشٍ كامنٍ في أعماقي. هل أنا هذا الوحش أم مجرد قناع يرتديه؟ أصواتٌ هامسة تحكي قصصاً عن دماءٍ سُفكت وأرواحٍ ضاعت، هل أنا كاتبة هذه القصص أم مجرد قارئٍه مشدوه؟ في عالمٍ مليء بالظلال، أبحث عن نورٍ لا أراه، وأخشى أن أجد نفسي غارقه في ظلمات لا نهاية لها."
وفي النهاية أتمنى لكم قراءة طيبة.
❀❀❀
"ويقول إن الأمر تسبب في صدمة في جميع أنحاء تركيا، لكن لم يتم الإبلاغ عنه بشكل صحيح. الأغنياء يفعلون ذلك مرة أخرى، ومن الواضح أنهم يتسترون على الحادث!''
''على الأقل قل إننا لم نعتقل الفتاة، بدلا من القول إنه لم يتم العثور عليها!''
"يقال إن الفتاة هربت إلى إسرائيل، وإلا كيف لم يتم العثور عليها حتى الآن؟ لا تستطيع الوصول إلى أموال عائلتها، بالإضافة إلى أن جميع أقاربها في إسرائيل، ولا يوجد أحد هنا يمكنها اللجوء إليه أو الحصول على المساعدة منه. إذا كانت في تركيا، لكان قد تم العثور عليها حتى الآن! بالتأكيد هربت إلى إسرائيل!"
"هل من الصعب أن نقول باختصار أن أقاربها تستروا على الأمر؟"
"الفتاة بالتأكيد من حزب معين".
كنت ملتوية على حافة الأريكة، أتحقق من هاتفه تحت بطانية ألقيتها على نفسي، وأقرأ بذهول التعليقات المكتوبة عني على الإنترنت. لم يكن هناك الكثير من الأخبار على أي حال، فقد تم حذف معظمها.
كنت في الصالة وقد أشعلت المدفأة، وكان تميم مقيداً في الأعلى لساعات، كانت الساعة تقترب من الرابعة صباحًا لكنني لم أرغب في الصعود. لم أرد مواجهته، ولم أجد الشجاعة لتنفيذ الأفكار التي تراودني.
لم يكن هناك الكثير لأبحث عنه في الهاتف، في جهات الاتصال كان هناك فقط رقم داوود وبعض الأغراب، وكانت قسم الرسائل فارغًا، ولم يكن هناك الكثير من الأرقام غير المسجلة في قسم المكالمات الأخيرة، وكانت المعرض فارغة، ولم يسجل أي شيء في الملاحظات أو التقويم. من الواضح أنه كان يستخدم الهاتف للتواصل فقط، وكان داوود هو الشخص الوحيد الذي يتواصل معه بانتظام. كان من الواضح أن الأرقام غير المسجلة تتعلق بالعمل. لم يكن لديه عائلة أو أصدقاء آخرون وهذا كان أمرًا غريبًا للغاية. هل كان تميم وحيدًا إلى هذا الحد؟
نظرًا لعدم وجود شيء آخر لأتصفحه في هاتفه، عدت إلى الإنترنت، وتحققت مما إذا كان هناك أي رسالة جديدة على موقع الأخبار، بالطبع لم يكن هناك، وفتحت صفحة أخرى. كتبت "كيف يمكنني إثبات براءتي؟" وبحثت، وقرأت بعض الأشياء بتشتت، ثم "كيف يمكن إعادة فتح قضية مغلقة؟" وأصبحت أكثر يأسًا مع كل ما أقرأه. "إثبات ودليل في الإجراءات الجنائية." وفي مرحلة ما قبلت الأمر. "ما هي عقوبة قتل 5 أشخاص؟" ، "هل يعتبر حرق شخص ما جريمة قتل بوحشية؟ ما هي مدة العقوبة؟" ، "ما هي شروط الحصول على تخفيف العقوبة والتوبة؟"
دفنت وجهي في الأريكة من الملل، كنت أعاني من الأرق والتعب، وكنت أفكر في أنني يجب أن أنام لبضع ساعات على الأقل، وأغلقت عيني محاولًا أن أفراغ ذهني من كل الأفكار حتى أتمكن من النوم. حاولت ألا أفكر في المواقع التي تقول أن عقابي سيزداد فقط، وحاولت ألا أفكر في تلك الأخبار التي قرأتها مئات المرات، وصورة أبي، والتعليقات بالطبع. تعليقات على الخبر. التعليقات.
فجأة، تذكرت تفصيلاً ما فاجأني، فرفعت رأسي وأمسكت هاتفه مرة أخرى. فتحت الإنترنت مسرعًا ووقفت على الخبر. كنت قد غرقت في تفاصيل الخبر والتعليقات لدرجة أنني نسيت حتى أن أتحقق من تاريخه.
7 أكتوبر 2015.
كان الخبر قد نُشر في عام 2015.
وكنا في عام 2019، في أكتوبر أيضًا.
تجمدت مكاني أمام الشاشة لبرهة. بقيت متجذرة في مكاني دقائق عديدة، عيني مثبتة على تاريخ النشر. كان رأسي يدور، وكأن أحدهم ضربني بمطرقة.
أربع سنوات.
أربع سنوات كاملة.
دفعت الباب بعنف وكأني دائنٌ يطالب بدينه، ودخلت. كان تميم قد أنحنى برأسه قليلًا، ونظره ثابتًا على الأرض بلا تعبير، وحرك ساقه ونظر إليّ مباشرةً دون أن يرفع رأسه. كان هدوءه نابعًا من ثقة شخص يعلم تمامًا ما يدور، وليس من الشك أو الفضول أو القلق.
تنفست بعمق، ودفعت شعري إلى الوراء بحركة عنيفة. قلت بلهفة: "هذا الخبر... قلت لي... قلت لي إنني هنا منذ حوالي عام. ماذا تعني بحوالي عام؟ قلت عامًا واحدًا! " شعرت بألم في أنفي. "أربعة أعوام كاملة..."
راقبني وهو يتابع رد فعلي، كان يبدو هادئًا لكنه كان يطرق الأرض بقدمه. وفي النهاية، بدلاً من الرد، هز كتفيه وكأنه يقول إنني قد فاتني شيء تافه وغير مهم.
كان يجلس براحة ويتابعني وأنا أحاول أن أفهم ما يحدث. قلت وعيوني مفتوحة على مصراعيها لأراه، وكدت أن أبكي: "هل كنت معك طوال أربعة أعوام يا تميم؟" "قل شيئًا."
أجاب ببرود: "جزئيًا".
سألته وأنا أمسح أنفي: "الخبر يقول إنني اختفيت بعد ليلة الجريمة. هل كنت معك منذ تلك الليلة؟"
هزّ كتفيه. "أنتِ تفهمِ الأمر"، قال. "بعدما ماتت عائلتك، أخذك عمك إلى جانبه. كان يحاول حمايتك عن وسائل الإعلام، وكشف أنك لم ترتكب الجريمة وأنهم ألصقوا التهمة بكِ، وعندما فشل، اكتفى بمنع انتشار الأخبار. وفي الوقت نفسه، كان يحاول القبض عليّ".
ولكن من كل ما قاله، لم أستطع إلا أن أنتبه إلى كلمة "عمك" فقط. "عمي؟" زرعت هذه الفكرة شعوراً غريباً في داخلي، لكنني لم أستطع وصفه. تلك الياي التي تدل على الملكية، كونه عمي، كونه أحد أفراد عائلتي... سألت بحماس "هل لي عم؟".
صوّبني قائلاً "كان". ساد بيننا صمت، وظهرت في ذهني شخصية أخرى، في مقبرة في الماضي.
همهمت لنفسي "بالتأكيد"، وكان صوتي يرتجف. "لقد قتلته أيضاً..."
بدا غير مبالٍ برد فعلي، هزّ كتفيه وقال "كان غلاماً وقحاً"، وهو ينظر في أعماقي. ثم، كما لو أن السبب الذي قدمه لي لم يكن كافياً، وكأنه كان يجب عليه إقناعي، وإثبات صحته، أضاف "وكان له رائحة كريهة". وكأنني سأقبل ما قاله الآن، وسأقول له "لو قلت ذلك من البداية!".
ضغطت على أنفِي النازف بقوة وأغمضت عيناي، احتجت إلى بضع ثوانٍ لنفسي. وفي تلك اللحظة، سألتُه بخوف: "من غيرهم قتلت؟"
ربما كان صريحًا هكذا بسبب ما فعلته به، ربما كان دائمًا كذلك لكنه زاد من جرعته الآن، كان يبحث عن مكان يعذبني فيه، لم يعد يغطي تصرفاته كما كان يفعل دائمًا.
أجابني بلا مبالاة: "بعض الأعمام"، وكأنه يجيب على سؤال عادي. "بعد موت عائلتك، جاءوا مع عمك ليحموك. كانوا يحاولون إبعادك عني وتبرئتك من الجريمة التي وقعت على رأسك."
عائلة تحاول حمايتي! سألته بتردد: "ماذا حدث بعد ذلك؟"
تلاقت عيناه مع عينيّ وهو يتجول في الغرفة بلا مبالاة، ثم صعدت ببطء من الأسفل إلى الأعلى ووقفت على عينيّ. قال بهدوء: "لم أستطع أخذك منهم إلا بعد أن قتلتهم."
كانت عيناي تحترقان مرة أخرى، بينما كانت شفرة السكين المعدنية في خصري تذكرني به، قلت له "كانوا يحاولون حمايتي فقط".
قال بلا أي تردد، وبواقعية قاسية "وقد فشلوا".
"كيف..." ترددت، كان من الصعب عليّ النظر إليه. "كيف تستطيع أن تكرهني هكذا؟"
صمت مرة أخرى. هذا الصمت، وإعطائه المعلومات التي يريدها ثم الانسحاب، وإدارته لكل شيء حتى وهو مقيد أمامي... كان يجنني وكان يدرك تمامًا ما يفعله.
حذرته مرة أخرى "تحدث"، كانت شفتي ترتجف من الغضب والحزن. "هل تعتقد أن لديك السلطة الآن؟ أنت مقيد على هذا الكرسي وليس أنا"، كنت أحاول إقناع نفسي أكثر من إقناعه بهذه الكلمات.
همهم ردًا "لا تقلقي"، "سيأتي دوركِ".
عقدت حاجبي. "لن يأتي دوري، سأخرج من هنا وانت ميتًا فقط".
هزّ كتفيه. "حتى بعد موتي، لن أتركك وشأنك".
ضحكت بسخرية وغضب. "أنت مجنون تمامًا".
"أجل".
"لقد فقدت عقلك".
"نعم".
"أنت شخص مقرف".
بدت هذه الكلمات وكأنها أسعدته، وكأنه تفاجأ بسذاجتي. قال بصدق "لم ترِ بعد إلى أي مدى يمكنني أن أسقط".
عبست. سألته "إلى أي مدى؟ إلى أين؟".
عدّل جلسته، وسعل بلطف ثم ابتسم. كانت هذه هي الإجابة التي أرادها، معنى ذلك "إلى الأبد". في تلك اللحظة قررت أن أواجهه.
قلت له بأمر ونبرة حادة "ستخبرني. لن تترك أي سؤال من أسئلتي بدون إجابة من الآن فصاعدًا!"
لم يقطع نظره عني، وتحرك كتفيه العريضتين قليلًا، وظهرت على وجهه تعبير تحدٍ.
كنت سأفقد عقلي، كيف يمكنني أن أؤذيه؟ ذكّرني سكين الخصر ببرودة ملمسه، وأشعرني بقشعريرة هذه المرة. كان هناك، آلة تعذيب معدنية. كيف يمكنني إيذائه؟ كنت أريد فقط أن أصل إلى ما هو أبعد من الجسد.
اقتربت منه بضع خطوات، ورفع حاجبه بفضول، يراقبني بدقة. عندما انحنيت أمامه وتقدمت نحوه، تابعني بنظره دون مقاومة أو سؤال. شاهدني وأنا أبدأ في فك أزرار قميصه بعنف وكأنني أريد أن أمزقه.
لم أكمل نصف الأزرار حتى ظهر جزء صغير من جلده. رأيت ابتسامة جانبية على وجهه. قال بمرح: "لم يكن عليكي أن تربطيني من أجل هذا".
حذرته بشدة: "اسكت". انتهيت من الأزرار وسحبت قميصه جانباً، وكشفت عن جسده القوي المنحوت. كان هناك، أثر الرصاصة أسفل عضلة صدره قليلاً، حيث يفترض أن يكون القلب. كان قد قال إنني أطلقت النار عليه، والآن كان أمامي.
عندما رأيت الجرح، لم أتمكن من التحلي بالهدوء الذي كنت أتوقعه. بغض النظر عن مدى كرهي له، كنت أواجه حقيقة أنني فتحت جرحًا قاتلًا في كائن حي، وهذا ما جعلني أشعر بقشعريرة. لقد كان إطلاق النار عليه مخيفًا للغاية لسببين. الأول هو حقيقة أنني كنت على وشك إنهاء حياة شخص آخر، والثاني هو كيف تمكن "تمي" من دفعي إلى هذا الحد.
ماذا فعل لي حتى كاد أن يحولني إلى قاتلة؟ كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ كيف جننا بعضنا البعض إلى هذا الحد؟
ولكنني استعدت قواي، وكررت لنفسي أنه يستحق ذلك، وركزت على هدفي الرئيسي. أردت بشكل خاص استهداف تلك البقعة، ذلك الجرح الشهير الذي فتحته فيه وما زلت أدفع ثمنه. نهضت من مكاني واقتربت منه حتى كاد أن يلتصق ركبتي بركبتيه. رفعت السكين ببطء ووجهتها نحو صدره، وكان طرفها الحاد يلامس الجرح تقريبًا.
تلك النقطة التي أطلقت فيها النار عليه والتي تحولت فيها إلى عدوي... كانت هذه الجرحة هي بداية هذه القصة، وكنت أريه إياه مرة أخرى.
توقف نظره عن متابعة السكين عندما لامس طرفها الحاد قلبه، وبقي ثابتًا لبضع ثوانٍ. هذا الصمت، هذا الوهم بالهدوء، جعلني أشك في قبضتي على مقبض السكين، وبدأت يداي ترتعشان قليلاً، لكنني لم أسمح لنفسي بالانهيار. أردت أن أذكره من هو الأقوى هنا، ومن هو القادر على تكرار هذه الجروح، وأردت أن أمنحه الدافع النهائي للتحدث.
ولكن عندما بدأت تلك النظرات تتسلّق جسدي ببطء مزعج لتستقر في عيناي، شعرت بكل ما بداخلي من شجاعة يبدأ في مغادرة جسدي. كنت أرى في لغة جسده، وعمق نظراته، وفي عنف الغضب المتوهج في قزحيات عينيه، إشارات واضحة على أنني قد أعطيت ردًا خاطئًا جدًا، لكن وجهه استنار بعد قليل بابتسامة مرعبة.
همس بشفتيه بصوت عميق متعب: "أنتِ تجدين ببراعة كل حدود لا يجب تجاوزها وتصرين على تجاوزها"، وعندها عكست حاجبي، وشددت قبضتي على المقبض وبلعت ريقي.
رغم صعوبة الأمر، تجاهلته وقلت: "يكفي لعبًا يا تميم "، ولتذكيره بوجود السكين ضغطت برفق على طرفها. "يجب أن تتحدث. لا أستطيع الاستمرار في هذه اللعبة أكثر من ذلك. لقد وصلتُ إلى حدي".
هز رأسه جانبًا قليلاً. "لديكِ حد أقصى بكثير يا ميرا، سأجعلكِ تتشوقين إلى هذه الأيام".
كان من الصعب اتخاذ موقف حازم في مواجهة تلك العزيمة في عينيه، كانت هناك حرب نفسية بيننا، وسلاحنا النظرات؛ كان الأمر صعبًا لكنني صمدت.
قلت كلمة بكلمة: "من البداية، أريد أن أعرف كل شيء. من أنت؟ ما هو اسمك الكامل؟" بدا غير مهتم مرة أخرى، وكأنه يعتقد أنني أستطيع أن أسأل هذا السؤال بشكل طبيعي. قلت بحزم: "أجب فقط!"
أجاب على سؤالي دون أي تردد أو إزعاج: "تميم عزام". لم يستحضر الاسم الكامل أي شيء في ذهني، فواصلت:
"كم عمرك؟"
"تسعة وعشرون"، أجاب بهدوء.
"وكم عمري أنا؟"
"أربعة وعشرون"، توقف للحظة قصيرة ثم قال بسخرية: "برجك العقرب"، "لونك المفضل الأخضر، وعددك المحظوظ 107".
تشابكت أفكاري للحظة. سألت: "107؟" هز كتفيه، لكن الأمر بدا وكأن وراءه إيحاء ما. "ماذا تقصد بهذه الهراء؟" هل هو مجنون أم ماذا؟ إنه لا يأخذني على محمل الجد على الإطلاق ولا يعتبرني تهديدًا!
واصلت: "ما هي مهنتك؟ من أين تأتي كل هذه الأموال؟"
توقف للحظة قصيرة، وتثبتت عيناه الثابتتان عليّ بدقة، كما لو أنه يقيس رد فعلي على إجابته. قال: "كنت قاضيًا".
كنت أتوقع أن يقول إنه تاجر مخدرات، أو بارون مخدرات، أو عضو في عصابة، لذلك نظرت إلى وجهه لمدة دقيقة تقريبًا كالحمقاء عندما سمعت هذه الإجابة. سألت باستغراب: "قاضي؟ أنت قاضٍ، أليس كذلك؟"
"كنت قاضيًا"، صحح لي. "لم تكن ساعات العمل مرنة بما يكفي لكي أهتم بكِ. لذلك انتقلت إلى المحاماة".
كان ما أسمعه جنونًا، كنت أتوسل في داخلي ألا يكون حقيقيًا. اعترضت: "لكنك لا تذهب إلى العمل أبدًا"، اعتقدت أن كل هذا مجرد خدعة أطلقها كي أهرب منه وألجأ إلى العدالة. كنت آمل ذلك.
لكن بدا مرتاحًا. "أو بالأحرى، أصبحت محاميًا لكي أتمكن من افتتاح مكتبي القانوني الخاص".
عكست حاجبي مجددًا، "ولماذا؟"
هز كتفيه. "مؤسسة خاصة، غسل الأموال فيها سهل، ولدينا فريق قانوني قوي وروابط. إنها توفر مجالًا واسعًا للاستخدام المرن للعديد من الأعمال، ويمكن أن تكون بناءة أو مدمرة حسب كيفية إدارتها".
"إذن..." قلت، أحاول ترتيب أفكاري. "تمكنت من إلقاء تهمة قتل عائلتي عليّ لأنك كنت قاضيًا. على الرغم من كل هذه الأموال والقوة، لم نتمكن من مواجهتك بسبب ذلك".
نظر في أعينى وابتسم، وظهرت تلك الخطوط المتتالية مرة أخرى على جانبي شفتيه. قال: "نعم، ولكن لم يكن الأمر سهلاً. أنتِ..." وعقد حاجبيه بعد قليل وكأنه يبحث عن شيء في وجهي. "أنتِ دائمًا صعبة يا ميرا".
عقدت حاجبي على طريقته في النظر إليّ ومشاهدتي. كان طرف السكين لا يزال يستقر على قلبه بإشارة تهديد. "لدي الآن المعلومات الأساسية. لقد تعرفت علي، ووقعت في حبي -"
قاطعني: "للأسف". تجاهلت ذلك.
واصلت: "وتوترت علاقتنا وأصبحنا أعداء"، "ماذا فعلت لك بالضبط؟"
لقد توقفت، وراقبني، ثم واصل مراقبتي، كان صامتًا وهذا أزعجني. قلت بقسوة: " هيا، احكي كل شيء. ليس لديك خيار آخر".
كان يتجاهلني وما أقوله، ويتجاهل السكين المدفوعة في صدره، ويركز نظره عليّ. فقدت أعصابي ولكنني حاولت الحفاظ على هدوئي، وحاولت تحذيره بقولي: "تميم"، لكنه تحدث أخيرًا.
همهم بتشتت: "رقبتك... تبدو جميلة جدًا".
عقدت حاجبي ردًا على ذلك، واختلطت علي الأمور، ماذا يقصد؟ هل هو لا يزال ثملًا أم ماذا؟ "من أين خرج هذا الكلام-"
"أعتقد أنها كانت لتبدو أجمل بين أصابعي"، كان شديد التركيز على رقبتي، ثم ارتفعت عيناه ببطء كبير إلى عيني التي كانت تنظر إليه في حيرة كبيرة.
لم أفهم، سألته: "كيف تستطيع التحدث معي بهذه الهدوء؟" "كأن بيننا نوع من الجذب".
قال: "لدينا ماضٍ معًا، حتى لو كنتِ لا تتذكرين"، "قد أكون غريبًا بالنسبة لكِ، لكنكِ قريبة مني أكثر من أي شخص آخر".
جعلني هذا الجزء الذي يتحدث عنه عن الماضي أشعر بالقلق. عندما جاء داوود، قال إنني لم أحبكِ أبدًا في الماضي. قلت: "لقد قلت إنه لم يكن هناك شيء رومانسي بيننا".
ظهر تعبيرًا مريبًا على وجهه. قال: "يُمكن القول ذلك".
تذكرت ما قاله داوود. قلت: "أنت تتناقض مع نفسك".
رفع حاجبه الواحد. "هل هذا صحيح؟" أليس مغرمًا بالألغاز؟
ومع ذلك، لم أكن متأكدة مما إذا كنت أريد أن أعرف، على الرغم من أننا لم نكن حبيبين في الماضي، إلا أنني فكرت في ما إذا كنا قد مارسنا علاقة جسدية، وترددت في السؤال. قلت: "نحن..." لم أعرف كيف أسأل. "لم... لم نفعل معًا-"
قال بابتسامة ساخرة: "لا، لم نمارس الجنس"، وتوقف للحظة قصيرة ثم أضاف: "حتى الآن".
عبست، وكدت أسخر، وسألت بتكبر: "حتى الآن؟" "أنت تكرهني وتشتهيني في نفس الوقت؟"
توقف، وبدا وكأن هذا السؤال أزعجه، ولم يعد يبدو سعيدًا كما كان من قبل. قال: "لا أعرف"، وكانت عيناه عليّ، ولم أستطع فهم معناه. اعترف قائلاً: "أنتِ تربكينني حقًا".
"هذه المرة؟"
واصل: "أنتِ مختلفة".
"أنت تقصد أنك لا تكرهني كما كنت تكرهني من قبل لأنك تعتقد أنني تغيرت؟"
قاطعني بقسوة: "لا أعتقد أنكِ تغيرتِ"، "أعتقد فقط أنكِ مرتبكة ولم تجدي ميرا القديمة بعد. لذلك لا، كراهيتي لكِ لن تتناقص أبدًا".
رددت: "لقد قلت للتو أنني أربكك، ومع ذلك"، "تحاول معرفة ما إذا كنت قد تغيرت أم لا".
كان غاضبًا من حقي، وتبنى تعبيرًا معاكسًا، وقال بوضوح: "لا"، "يكفي". تحرك في مكانه فتوترت عضلات كتفه. "بعد أن حصلتِ على ما تريدينه مني، اكتشفي الأمر الآن".
لم يكن هذا سوى محاولة لإظهار أن السيطرة لا تزال بيده حتى وهو جالس. كنت غاضبة لكنني حافظت على هدوئي ووضعت السكين بقوة في نفس الجرح.
كان اختراق السكين للجلد يثير شعورًا مزعجًا بداخلي. "لم تخبرني بعد بما فعلته. أخبرني الآن دون جنون أو ألعاب! بعد أن وقعت في حبي، ماذا حدث؟ ماذا فعلت لك بالضبط؟" عندما استمر في الصمت، انفجرت في الغضب: "أقسم أنني سأمزقك إربًا! بعد أن أخذت كل شيء مني، لم يعد لدي ما أخسره. هل تعتقد أنني لن أحرقك معي؟ تحدث!"
ألقى نظرة جانبية على موقفي، واستطعت أن أرى أنه وصل إلى حافة صبره، لكنني لم أستطع أن أمنع نفسي من غريزة غرس السكين فيه بقوة أكبر.
بدا وكأنه سئم كل هذا. قال بصوت خشن متعب، وعيناه مغمضتان: "مهما ارتفعت صوتكِ، إلا أنه يرتجف يا ميرا. أنتِ تفعلين أشياء ستندمين عليها".
كنتُ في حالة من الفوضى، وكان قلبي ينبض بسرعة. قلت: "لماذا... لماذا تصر على ذلك؟ لماذا لا تخبرني عن الماضي؟ لا أفهم، لا أفهم كل هذا الغموض".
تبنى تعبيرًا مليئًا بالملل. قال بغضب متزايد: "بالطبع هناك سبب لكل شيء"، "ستعرفين عندما يحين الوقت".
قلت: "أريد أن أعرف الآن -"
قاطعني فجأة: "اصمتي!"، "لن أخبركِ بأي شيء، توقف عن إزعاجي". كان واضحًا، كنت أعرف أنه لن يتنازل.
"كل شيء له سبب". هكذا؟
كنتُ هادئة. تجولت عيني على جسده العاري، وتوقفت عند صدره المكشوف. حركت السكين قليلاً، فابتعدت عن الهدف ببضعة سنتيمترات، وأمسكت المقبض بثقة أكبر، ووجهت الطرف نحو أثر الرصاصة، وضغطت هذه المرة بقوة. اخترق الطرف الجلد والعضلات ووصل إلى عمق كافٍ، وسالت دماء داكنة على جلده الأبيض وتدفقت نحو عضلات بطنه. توتر، وشد عضلات كتفه، لكنه لم يتحرك. توقفت عندما وصل الطرف إلى العمق الكافي، لكني لم أسحبه للخارج، وتركته كما هو وبدأت أراقب تعبيره.
رأيت أنه ابتلع ريقه، وحركة تفاحة آدم واضحة، لكنها لم تكن علامة خوف أو ألم، بل كانت نذيرًا للوحشية التي كان يكبتها. كان ينظر في أعينى، ولم يحرف بصره للحظة واحدة، ولم يرمش، بنظرة ضيقة ثابتة محاطة برموش سوداء...
كنتُ هادئة حتى تلك اللحظة، وسألتُ: "ماذا فعلتُ بك؟".
تصلبت فكاه، وبرز وريد في عنقه. قال بصوت عميق، لكن مع بدء دوران السكين في الجرح الذي طعنته فيه، خرج أنين مكتوم من بين شفتيه المضغوطتين.
قلتُ محذرةً: "لا، تميم "، "لا ألغاز، ولا كلام مشفر، ولا شعر، فقط أجوبة. هحاول مرة أخرى. ماذا فعلتُ بك في الماضي؟ لماذا أصبحنا أعداء؟".
هز كتفيه ضاحكًا بصوت خافت، وخفض رأسه، ومع تعميقي لطعنة السكين، كبح أنينه، وأدار رأسه قليلاً نحوي ونظر إليّ من الأسفل. كانت لديه نظرة غائمة، مليئة بالغضب وليس الألم، وكنتُ هدفه الوحيد، وكراهيته الوحيدة. لم يكن يتحدث، ولن يتحدث، كنتُ أعرف ذلك، لكنني لم أتوقف، وعمقت الطعنة أكثر وواصلت الدوران والتقطيع. في تلك المرحلة، لم أكن أريد أن أجعله يكشف أسراره، بل أردت فقط أن أؤذيه، وكانت يداي ترتعشان ليس من الخوف بل من المتعة.
لم أسمح له بخفض رأسه، وغمست يدي الأخرى في شعره ورفعت رأسه، وانحنيت عليه. لم أكن أتوقع أن يفاجئني هذا الفعل.
الدم ينزف منه. الدم... ينساب ماء الحياة من بين أصابعي.
الطفيليات.
في البداية، اعتقدت أن رؤيتي تشوشت بسبب الإضاءة الخافتة في الغرفة، لكنني أدركت متأخراً أنني بدأت أفقد إدراكي للواقع.
لماذا يتغير كل شيء؟ بينما كانت دوارتي تزداد كالسكران، شاهدت كيف تحولت الأجواء من حولي إلى أجزاء باهتة وتطور المكان إلى مكان غريب مجرد، وكأنه سجن مظلم غامض خرج من لوحة. هل هذا عقلي؟ أم منزلي؟ ظننت أني سمعت صرخة، حادة كصراخ فتاة، وشعرت بشعر بين أصابعي.
تراجعت، ونظرت إلى الأسفل. كنت أنتظر أن أرى تميم هناك، جالسًا على الكرسي، مقيد الأيدي ويعاني، لكنني رأيت وجهًا مختلفًا. ظننت في البداية أنها أنا، نسخة طبق الأصل مني بشعرها الأشقر ولباسها الأبيض، لكنها كانت مختلفة تمامًا. كانت مغطاة بالدماء فقط، فستانها الأبيض كان مثيلًا لفستاني مغطى بالدماء، وكانت راكعة على ركبتيها.
وفي يدي سكين، غُرست حتى آخرها في حلقها، وكان الدم يتدفق بيننا كالنهر، وبشرة الفتاة الشابة أصبحت بيضاء شاحبة كميت. كانت شفتاها الرقيقتان مفتوحتان قليلاً، وكأنها تريد أن تأخذ نفسًا أخيرًا أو كلمة أخيرة، لكنها ظلت مفتوحة هكذا، وتعبيراتها جامدة، وقد استطاعت أن تأخذ نفسًا أخيرًا بصعوبة، وأمسكت بيدي التي تحمل السكين وكأنها تحاول إيقافي، لكن كان الأوان قد فات، فقد اخترقت السكين حلقها بالفعل، ويدي الأخرى كانت في شعرها، وقد أمسكت به بإحكام وسحبت رأسها لأعلى، وكشفت عن حلقها.
إنها تموت، بين يديّ. أمامي تماماً. ساجدة على ركبتيها، تعلو وجهها تعابير بائسة وهي تتوسل للحياة، جهداً بائساً. من هي؟ لماذا تفارق الحياة بين يديّ؟
أعود بالزمن إلى الوراء، لا أفهم، كمشاهد من فيلم، كأن أحدهم يلف ويشرّف الفيلم ذهاباً وإياباً، لكن الشاشة صغيرة جداً، قديمة جداً، والمشاهد باهتة وأحياناً بلا ألوان. أسمع عشرات الأصوات، المشاهد تتسارع في كل مكان، الأصوات تأتي من كل مكان، ضحكات، بكاء، صراخ، تحطيم، صوت فرامل صاخب، شتيمة قبيحة، مجاملة لطيفة. كل شيء يأتي من أماكن مختلفة وأنا لا أفهم شيئاً، كلما عدت إلى الوراء شعرت وكأنني أختنق.
أين الفتاة؟
أين تلك الفتاة الغارقة في الدماء؟
تسلطات الضوء تسلب بصري، لحن حلو يأتي من بعيد إلى أذني، وأمامي صورة ضبابية تتشكل ببطء، وعندما اعتادت عيني عليها ظهر لي وجه "تميم".
يقول صاحب الجسد الذي يرتفع أمامي: "اسمي تميم ".
أجيبه مازحاً: "لكنك لا تبدو شخصاً متحضراً كما يوحي اسمك".
يجعد حاجبيه، تعبير قاسٍ على وجهه. "هل تعرفينني؟"
"يعرفك الجميع".
الأحداث تتسارع بسرعة، لا أستطيع اللحاق بها، أحاول رفع يدي، أشعر أنني سأستطيع لمسه بأصابعي، لكنني أجد نفسي أشاهد نفسي في مشاهد مختلفة، كشاهد وكأنني المشارك فيها، أتقاذف بين الذكريات التي تحولت إلى لغز.
نحن في مسرح،
ثم في زاوية منعزلة،
أحيانًا في غابة خضراء،
في غرفة واسعة، جالس على أريكة، أمام مكتبة،
تميم يحمل كتابًا، يستمر في تقليب صفحاته. يقول: "هذا الكتاب"، أستطيع رؤية غلافه، يبدو مألوفًا، "ماذا يحكي؟"
"אלוהים מדבר אלינו בלבד"
هذا الكتاب أخضر، وبجواره مباشرة كتاب أحمر آخر. يعبس وهو يرى التناقض بينهما.
"ـDie Ideen Sterben Nicht." هذا هو عنوان الكتاب الألماني الأحمر الآخر. "الأفكار لا تموت."
"ماذا يحكي هذا الكتاب؟" سألت بفضول. "يبدو أنك تحبه كثيرًا. لقد قمت بوضع علامات على كل مكان فيه."
"كتاب قديم عن علم اجتماع العرق والعلاقات العرقية."
"يبدو أنك تحب التاريخ كثيرًا."
"كثيرًا."
يتغير المكان مرة أخرى بسرعة، أشجار مصطفة على جانبي الطريق تمر بسرعة، نحن في منطقة غابوية مظلمة، داخل سيارة، نثير الغبار والأتربة. أبدو نعسانه ومتعبه، ورأسي مائل على النافذة، وتميم ينظر إليّ بين الحين والآخر من مقعد السائق.
بعد قليل، تتناثر الأشجار، وأرى منزلًا كبيرًا في البعد ولكنني لا أتمكن من تمييزه، يسألني تميم "هل هذا منزلك؟"
مزاجي سيء للغاية، أغمغم "نعم"، ثم أضيف بصوت هامس "للأسف..."
مرة أخرى يمر الوقت، تتغير المشاهد، في مكان آخر وفي زمن آخر، أنا ثملة وخطواتي متعثرة. أنا بين ذراعي تميم، وهو الذي يمشي بي، ورأسي بالكاد يلامس كتفه، أنا متكئة عليه. همس وهو يشعر بالقلق: "لهذا السبب يجب ألا تشربي". "ماذا كنتِ تتوقعين؟ ماذا لو لم أكن هناك؟". أشم رائحة عطر، وأشعر بالأمان وأنا متكئة عليه.
تنزل عيني إلى الأرض، وأرى حذائي ذو الكعب العالي، وأنا أخطو خطوات متعثرة واحدة تلو الأخرى على الأسفلت الرطب، تصدر أصواتًا ثقيلة، ويبدأ المكان في التحرك، ويتغير نسيجه وشكله، ويتحول إلى أرضية خشبية مصقولة. يعكس السطح الخشبي الأملس أضواء المسرح الاصطناعية، وحذائي أصبح ذو كعب أسود، وفي نهايته شريط صغير أنيق.
أرفع رأسي، وفي البداية تسببت الأضواء الكاشفة في إبهار عيني، ولم أستطع تمييز ما حولي، ولكن بعد قليل من التعود، أدركت أنني على مسرح. في الأمام، معظم مقاعد الجمهور فارغة، وفي الظلام، هناك صورة ظلية تشاهد من الصف الخلفي، لكنني لا أهتم كثيرًا، خلفنا أوركسترا، وأمامي قائد أوركسترا، وهو معلم. رجل نحيف مرتعش في منتصف العمر، ذو شنب رفيع، ونظارة ذهبية.
يرفع ذراعيه بفرح ويقول في هذا الاتجاه بحماس: "رائع!"، "أنتم الاثنين مثل الملوك!"
أجعد حاجبي حيرةً، وأنا أعتقد أني وحدي، أدير رأسي وأنظر إلى الجانب وأرى فتاة. تمامًا مثلي، بفستان أبيض، أقصر مني قليلًا، وأكثر بدانة قليلًا، وشعرها أشقر من شعري، وعيناها زرقاوان حيان، وعيونها مسحوبة.
هذه هي تلك الفتاة.
الفتاة المغطاة بالدماء.
يرفع قائد الأوركسترا يده، ويوجه إشارة إلى الخلف، "واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة"، يدخل البيانو. ترتفع كمان الفتاة، وتأخذ مكانها على كتفها، نحن في وسط المسرح، والتركيز علينا، والأضواء الساطعة علينا، ونحن على بعد خطوات قليلة من بعضنا البعض.
أعرف اللحن، يدخل بلطف شديد، "بحيرة البجع"، رومانسي وهش. أنا لا أعزف شيئًا، بل أنتظر وأستمع إليها. في هذه الأثناء، أدير رأسي برفق وأنظر إلى الفتاة بجواري مرة أخرى، وهي تغمض عينيها أثناء العزف، وتستسلم تمامًا لللحن، يتباطأ اللحن، وفي هذه الأثناء يتحرك جسدي من تلقاء نفسه، وأخطو بضع خطوات حولها وأضع الكمان على كتفي، وتفعل هي الشيء نفسه وتتراجع خطوة إلى الوراء، وتبتعد عني ولكنها تدور معي في انسجام.
اللحن الصادر من كماني ليس لطيفًا مثل لحنها، إنه عنيف ومظلم. على الرغم من أنه يتوافق معها، وتتداخل النوتات مثل قطع الأحجية، إلا أن الفرق الواضح بيننا هو أنها مضيئة وأنا مظلمة. هي بيضاء وأنا...
فستاني ليس أبيض. إنه أسود.
مثل فستانها تمامًا ولكن باللون الأسود، وكماني أسود، وحذائي أيضًا. وأنا أحاول المواكبة للرقصة مع الألحان التي تصاحب خطواتنا الرقيقة، أجعد حاجبي، ويصرخ المراقب فجأة: "ميرا! أنتِ تبدين مرتبكة، ليس كأنكِ مشوشة!"، ويقول: "نظرات متوحشة، مثل أنثى نمر، مثل شيطان يمثل الظلام، مثل البجعة السوداء، أخفضي رأسك واثبتي نظرك عليها! لا تفصلي عينيك عنها أبدًا، إنها انعكاسك في المرآة، توأمك التي تكرهينها، ماضيك البريء، عدوتك اللدود!" أحاول أن أتوافق، وأنظر إلى الفتاة التي تتحرك معي بانسجام نظرة طويلة وقاسية. يقول المراقب: "هكذا تمامًا! أخفضي رأسك أكثر قليلاً، وليكن حركتك أكثر حدة، هي ملاك وأنتِ شيطان، حتى خطواتك يجب أن تكون كذلك! اجعليها أكثر وحشية، أكثر خطورة وكراهية!"
يصبح اللحن أكثر وحشية، ويتحرك القوس بسرعة على الكمان، وأنا بالكاد أتمكن من متابعته.
ذلك الفستان... لا أستطيع أن أنظر بعيدًا عن عيني الفتاة، تلك العيون التي تشبه عيون الغزال، مع ذلك الكحل الأبيض. وكلما نظرت إليها بكراهية، نظرت إلي برقة وحنان. متسامحة ومثل إلملاك حقًا. وفستانها، ذلك الفستان الأبيض. أكمامه من التل وطويلة، وياقته مربعة، وخصرها مشدود بكورسيه. تمامًا مثل الفستان الذي ارتداه تميم لي.
يتسارع اللحن، أحيانًا تهيمن هي، ولحنها الحلو يتقدم، وأحيانًا يهيمن لحني، وظلامي يبتلعها. تبدو جميلة جدًا، في ثيابها البيضاء، لكن هذا لا يدوم طويلًا، فكلما عزفت، ودارت حولي بخطوات رشيقة وكأنها ترقص معي، بدأ الدم يتساقط من رقبتها. ينتشر الاحمرار على فستانها الأبيض، مثل نهر يجد طريقه من الرأس إلى الساقين، وهي لا تبدو وكأنها تلاحظ شيئًا، وتواصل عزف لحنها بسلام. أعرف كل البقع الدموية على الفستان.
الفستان الذي ارتداه لي تميم ليس لي، بل لها.
لماذا... لماذا رأيت نفسي في فستان أبيض؟ في الحقيقة... هل هي كانت هي في أوهامي؟ أم أنني لست أنا؟
البجعة السوداء والبجعة البيضاء. هذا هو موضوع الأوركسترا. أنا البجعة السوداء، وهي البيضاء.
تقف الفتاة أمامي تمامًا، نتوقف، ووجوهنا متقابلة، ويفصل بيننا خطوة واحدة. نعزف معًا، ولا أعرف كيف يبدو وجهي، وأسمع المراقب ينبهني عدة مرات، لكنني في حالة من الرعب الشديد لدرجة أنني أعيش أوهامًا داخل أوهامي. قلبي يدق بقوة أمامها، وعينا الفتاة مغمضتان، ويغطيهما رموشها الطويلة. يتسارع اللحن، وينتهي قريبًا.
يقول أحدهم: "عندما تضيع الأغنام في الجبل"، وأعرف صوته جيدًا، لكنه ليس هنا، وكأن مشهدًا آخر قد ترك مفتوحًا، وكأن الصوت قادم من مكان بعيد جدًا.
وتفتح الفتاة عينيها.
ولكننا نعود إلى البداية، هي راكعة في ذلك المكان مرة أخرى، وأنا أقف أمامها وأغرس السكين في حلقها. وعندما أسحب السكين فجأة من حلقها في حالة من الذعر، ترتعش شفتاها الجافتتين المتشققتين كما لو كانت ستقول شيئًا، ولكنها انهارت على الأرض عاجزة عن الحفاظ على توازنها مع هسهسة متقطعة خرجت من حلقها. هربت إلى الوراء خوفًا، ورفعت يدي، وكانت مغطاة بالدماء. والسكين الذي سحبته منها للتو كان في قبضتي.
أنا... لماذا السكين في يدي؟ لماذا تلك الفتاة... مغطاة بالدماء؟ من هي تلك الفتاة؟ هي...
"انهم يبكون"، همس أحدهم يكمل الكلام من حيث توقف. يصبح كل شيء ضبابيًا ويتغير، كل مكان يصبح أخضر، ونحن نجلس على العشب، وغابة مظلمة تمتد إلى الأبد أمامنا، وأنا أرتدي فستانًا أبيض، وبجواري رجل طويل. تميم.
أنا من يقول هذا. شفتاي تتحركان. ميرا تتحدث. تنظر إلى تميم وعبر وجهها تعبير شقي، وكأنه سعيد، وشفتاه ملتوية قليلاً، وعيناه الخضراوان تركزان على تميم فقط.
وأقول: "عندما تضيع الأغنام في الجبل، يا تميم "، أقول، "تبكي. تأتي الأم أحيانًا. ويأتي الذئب أحيانًا أخرى".
يرفع حاجبه قليلًا، وفي نظراته فضول وشك قليل. وأشير إلى الكتاب أمامه. على غلافه مكتوب "ميريديان الدم". وأضيف: "من الكتاب، كلمة من الكتاب".
يخفض رأسه نحو كتفه، ويقول لي بفضول: "أنتِ أيها؟ الأم أم الخروف أم الذئب؟".
أبتسم بصمت.
أجد نفسي في مكان آخر، أنزل الدرج بفستان جميل، وتميم ينتظرني في الأسفل. بين يديه زهرة أوركيد، جميلة في إناء أبيض طويل وأنيق. تميم مفتون، لا يستطيع أن يرفع عينيه عني.
أقول: "أذن أخذت زهرة الأوركيد".
يقول لي وعيناه تتألقان: "إنها رمز الأنوثة والبراءة والحب".
أنظر إلى الزهرة طويلاً، وتلتوي شفتاي قليلًا. أسأله: "هكذا؟" وأرفع نظراتي الخضراء وألتقي بنظراته. أقترب منه قليلاً، وهذا يجعله متوترًا، والاقتراب مني يجعله يتنفس بعمق، لكن وقفته قوية، ولا يتنازل عن نفسه. وعندما أكون قريبة بما فيه الكفاية، أقول: "في الأساطير، أورشيس شاب نصف ملاك جميل في الحقيقة"، وأضيف: "ولكن الملاك عاقبته على خطيئة كبيرة بتمزيق جسده من قبل حيوانات برية. ونمت زهور الأوركيد في الأماكن التي سقطت فيها أجزاء جسد أورشيس".
يمرّ ترددٌ من عينيه، تعبيرٌ ضبابيّ وهو يراقبني، وهذا يجعلني أبتسم وأقترب منه أكثر. وكلماتي تتساقط همساً وأنا على وشك أن ألامس أذنه: "يقولون"، وأنا أبتلع ريقي، "أن زهرة الأوركيد تمثل الجمال النقيّ لأوركس، بينما تمثل جذورها القبيحة الشبيهة بالبصلة الخطيئة التي ارتكبها ولا تُغفر".
عندما ابتعدت، رأيت أن تميم قد تجمد. وعلى شفتيّ تلك الابتسامة الخفيفة الغامضة نفسها.
كنت ألهث بشدة، ظننت أنني سأنهار على الأرض، لكنني أدركت متأخراً جداً أنني كنت على الأرض منذ زمن بعيد.
"من هي؟" كنت أتمتم مراراً وتكراراً، لم أكن أسمع صوتي من شدة بكائي، ولا أستطيع التنفس بشكل كافٍ.
"تلك الفتاة... من هي-" كنت سأقولها مرة أخرى، ولكن هذه المرة أتى الجواب من مكان ما، "انها قصة"، قال أحدهم من الماضي. وبدأت أردد "قصة "، "قصة". لابد أنني كنت في حالة من النشوة، لم أكن أدرك ما أفعل، كل ما كنت أعرفه هو أن جسدي يرتجف بشدة. "من هي القصة؟ من هي القصة؟ من هي؟ هل أنا؟ هل قتلتها أنا؟" نظرت إلى أصابعي المغطاة بالدماء مرة أخرى، ربما للمرة العاشرة. "هل قتلت القصة؟ لماذا..."
كنت على الأرض عند قدمي تميم، وهو لا يزال جالساً على الكرسي نفسه، ويربض فوقي كجبل ببدنه الضخم الذي يرتفع خلف ساقيه. كانت عيناه خاليتين من المشاعر، ولم يشعر بي بأي ألم، وكأنه يعلم بما يدور، وبما يجول في داخلي، وبأوهامي، بل وكأنه شاهد معي للتو.
"تميم..." همهمت، وخرج صوت يبكي من بعيد، من بين أوهامي، "تميم من فضلك!" أكملت لي ميرا في الماضي، وكان صوتها يردد في أذني. "لا تفعل بي هذا! من فضلك، آذني، أرجوك... أنت تحاول الانتقام مني ولكن-"
عندما شعر جسدي بالرعب الشديد، ابتعدت عنه متراجعاً إلى الخلف. وعندما لمس ظهري الجدار البارد، ضغطت على نفسي بكل قوتي، وجذببت ركبتي إلى صدري، وكنت أرتجف وكأنني مصاب بحمى شديدة.
كان تميم راضياً عن حالتي، وركز عينيه الباردتين المتكبرتين عليّ. قال بهدوء: "لهذا السبب لا أخبرك بكل شيء دفعة واحدة وأنهي عذابك يا ميرا، بل أمدده على مر الزمن". "إذا أخبرتك بكل شيء فستبكي وتتشاجر، ولكنك ستتعافى في النهاية، أنتِ بحاجة إلى الوقت لتجاوز هذه الفترة الصعبة، وماضيك ضاع، ولم يتبق منه سوى النتائج. لن يكون لديك فرصة لتبرير نفسك، أو للبكاء والنوم ومحاولة النسيان لتخفيف آلامك، لأن هذا الاكتشاف لماضيك لن يستغرق بضعة أيام، بل سيتمدد قدر الإمكان". توقف للحظة، ثم فحص الرعب الذي ظهر على وجهي باهتمام. وقال بصوت بارد: "ستكتشفي بنفسك"، "ستجمعي الأجزاء بنفسك وستعاني في كل مرة. في كل مرة تتذكر، وفي كل مرة يتم تذكيرك، وفي كل مرة يتم استفزازك ستدمر. لذلك هناك الأدوية. للحفاظ على التوازن، ولخلط عقلك وتأخير عملية استعادة ذاكرتك."
ومسكت بالجدار. لقد تركت عقلي وسط تلك الذكريات، والآن أنا بائسه كالمجنونه تماماً.
التفتُ لأخرج من الغرفة. شعرت بداخلي بشعور غريب غريب، وكان قلبي يدق بقوة، وكانت هناك جملة واحدة تدور في رأسي، تتكون من ثلاث كلمات فقط: "ميرا، من أنتِ؟"
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية دموع شيطانية) اسم الرواية