رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل التاسع 9 - بقلم اية حسين
الفصل التاسع: توقف الزمن
∆∆∆∆∆∆∆∆∆
لم يسأل "عمر" "إسراء" عن أي شيءٍ يوم الحادثة إذ أخرست الصدمة كليهما، و في اليوم التالي سألها، فقصّت له الأمر بوضوح، بدايةً من "مروان" زميلها الذي يلاحقها قائلًا أنه يحبها فتصده. ثار "عمر" غضبًا من هذا الفتى، تلفت أعصابه و هو يتخيله يؤذيها، و تمنى أن يذهب له الآن و يريه عواقب أعماله.
سأل "عمر" معاتبًا:
- و ليه ماقلتيش قبل كده إن الولد ده بيضايقك كنا اتصرفنا معاه قبل ما يحصل الي حصل؟
أجابت "إسراء" بصوت خافت باهت كما لم يكن من قبل:
- أنا عمري ما جه في بالي إن ده ممكن يحصل، وجود "مروان" ده و مضايقاته ليا ما كانتش مأثرة في حياتي، و أكيد مش عايزة أعمل مشاكل.
قال "عمر" متوعدًا لـ"مروان":
- ده أنا هوري الواد ده أهوال ماشافهاش في حياته، ده لازم يتجازى على الي عمله أضعاف.
ثم نظر لها نظرةَ الإنسان لأغلى ما في دنياه قائلًا:
- أنتِ غالية اوي يا "إسراء"، أغلى بكثير من إن واحد زي "مروان" ده يؤذيكِ و يتساب.
- ناوي تعمل ايه يعني؟
- مش عارف لسة بس الي هعمله أكيد مش هيكون كويس بالنسبة له.
- مش لازم يا "عمر".
قال متعجبًا من قولها:
- هو ايه الي مش لازم؟
- مش لازم تشعل بالك بيه ولا تحاول تنتقم منه، أصل ده مش هيرجع نظري، فليه نعمل مشاكل ملهاش لازمة؟ عمرنا أقصر من إننا نضيعه في خناقات و انتقام.
سأل "عمر" معاتبًا مستنكرًا:
- و ماناخدش حقك؟
- مش لازم صدقني، ناخده يوم القيامة قدام ربنا.
- ده ضعف يا "إسراء".
- مش دايمًا العفو ضعف، زي ما مش دايمًا الانتقام قوة. الانتقام ممكن يبقى ضعف لما تلغي حياتك و تفكيرك و شخصيتك عشانه، و تبقى مجرد مسخ عايش عشان تنتنقم و ماتفرقش في أي حاجة عنهم، و تنسى الحياة كانت بتتعاش ازاي. العاقل هو الي بيعرف امتى يعفو.
كان "عمر" معترضًا بشدة على حديثها فظلّ الأخذ و الرد بينهما حتى شُحِنت الأجواء بالعصبية و التوتر فتوقفا عن الحديث عندما لم يقتنع أحدهما بما يقوله الآخر.
∆∆∆∆∆∆∆∆∆
تمرُّ الأيام و الشهور و لا شيء يحدث، كأن الزمن توقف عند اللحظة التي شعرنا بها أن لا شيء أسوء قد يحدث، حين نصل إلى ذروة الألم في حكايتنا فتتزلزل كياناتنا و نظنّ أن لن نسعد مجددًا.
في الحقيقة الزمن لم يتوقف، لكنه حين يسقط الإنسان فيتوهم أنه من شدة السقوط لن يقوم مجددًا فيبقى ساكنًا في حين أن كل الأشياء تتحرك. و يظلُّ هو يتحسّر على ما راح.
كان ذاك حال الشقيقين "عمر" و "إسراء" حيث كانت "إسراء" غارقةً بين دموعها و غضبها الشبه الدائم، تغضب و تشتعل من أتفه الأسباب حتى تصل للذروة ثم تهدأ تمامًا فتغدو ساكنةً بلا حركة ولا كلام.
و "عمر" يراها و قلبه ينفطر عليها و على حياتها التي ضاعت، و لا شيء أمامه يستطيع فعله، كل ما يقدر عليه هو أن يبقى جانبها، لا يفعل شيئًا سوى البقاء بجانبها. تمرُّ الأيام جارَّةً أسابيعًا، و هو لا ينزل من البيت خشيةَ تركها وحدها.
جمعت مكالمةٌ بينه و بين صديقه "علي"، حين سأله "علي" كيف حالك، لم يستطع الإجابة بـ'بخير' إذ لم يشعر بأي خيرٍ قريب. قال "علي" أسِفًا على ما صار إليه رفيقه:
- "عمر" مش كفاية؟ أنت بقالك كثير اوي قافل على نفسك أنت و أختك ما بتخرجش خالص.
- ماهي مش قادرة تخرج تعمل حاجة و أنا مش قادر أسيبها.
- هي حاجة صعبة و ثقيلة بس أنتم مش هتوقفوا حياتكم يعني؟!
أردف "علي":
- "عمر" أنت بقالك أكثر من ٣ شهور قافل على نفسك، شغلك طيب الي مابتروحوش ده، أكيد الاجازة المفتوحة ديه هتخلص و هيقولوا لك يا تيجي يا شكرًا مش عايزينك، و أنت مش ناقص مشاكل من النوع ده.
رد "عمر" بصوتٍ حمل قلقًا كثيرًا:
- أيوة بس هي ماتقدرش تقعد لوحدها ولا تقدر تروح حتة، ديه مابتعرفش تعمل حاجة لوحدها خالص دلوقتي.
- طب هقول لك على حل، أنا ممكن أقول لـ"عالية" أختي تجيب "مصطفى" و "منّة" و تيجي تقعد معاها، و اهو تساعدها و تسليها، و "عالية" و "إسراء" علاقتهم مش وحشة يعني حتى لو مش صحاب.
قابل "عمر" فكرة "علي" باعتراضٍ شديدٍ في البداية لكن "علي" ظلّٕ يلح عليه حتى أقنعه. ختم "علي" حديثه بأن قال:
- ربنا معاك.
أراد بكلمتيه تذكير "عمر" بوجود الله و إعانته علّه يشدد أزره.
انتبه على صوت رنين هاتفه، لم يتعرف على الرقم لكنه أجاب، وجد صوت امرأة تبدو في أواخر الثلاثينيات أو بداية الأربعينيات، تقول:
- أنت "عمر"؟
استغرب من سؤالها ثم أجاب بـ"نعم" سائلًا بعدها عن هويتها و ما تريد منه، قالت:
- مش لازم تعرف أنا مين لأن مش هتفرق معاك في حاجة، أنا طرف مش مهم في القصة.
تعجّب أكثر من كلامها، من تكون تلك السيدة المريبة و ماذا تريد منه؟! قبل أن يفتح فمه قالت:
- لو عايز تعرف أهلك فين دور ورا "إسماعيل".
كان ذلك ما فجع "عمر" بحق، فقام واقفًا متسع العينين سائلًا للمرة الثالثة:
- ما تقولي بقى أنتِ مين يا ست أنتِ؟! و ايه علاقتك بيا و بأهلي؟
أتاه قولها متجاهلًا كل ما قاله:
- "إسماعيل" هو السبب في كل حاجة، هو الي فهّم كل واحد فيكم إن الثاني مات، لو مهتم بجد تعرف خليك ورا "إسماعيل".
سأل هو متشككًا بعد أن استجمع إدراكه و تذكر الورقات و السيدة المنتقبة التي وصفتها الجارة:
- هو أنتِ الي كنتي بتبعتيلي الورق؟
سمع صوتها يوحي بأنها تهمّّ ببدء حديثها، ما كادت تلك السيدة المجهولة تلفظ حرفًا حتى انقطع الاتصال.
و بقي "عمر" وحده مع تساؤلاته.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( هل بعد الفراق يا امي لقاء) اسم الرواية