رواية وابقى بدون لقاء الفصل التاسع 9 - بقلم حور طه
«في دار المسنين»
****************
كاميليا دخلت غرفة ولدها، الجو كان ثقيلًا بالصمت ورائحة الزمن البعيد. والدها كان جالس على كرسي متحرك، عيونه ثابتة قدام، وما عنده قدرة على الكلام أو حتى الحركة بوضوح. وقفت قدامه، لسانها كان متجمد في البداية، لكن كل الحكايات القديمة اللي جوة قلبها بدأت تتسرب للسطح. تقدمت ناحيته بخطوات بطيئة، وبدأت بصوت مليان عتاب ومرارة.”
“عارف يا بابا؟ طول حياتي ما قدرتش أقول لك حاجة.. كنتِ بالنسبة لي جبل واقف في طريقي. لما كنت بنت صغيرة، كان نفسي أكمل دراستي، أدخل الجامعة، أحقق حلمي.. بس إنتِ قررت. قررت إني اتجوز وأنا عندي 16 سنة.. قررت مستقبلي بدون ما تاخد رأيي، زي ما قررت حاجات كتيرة في حياتي.”
جلست قدامه على ركبتيها، عينيها مليانة دموع لكنها متماسكة، وشكلها بين الحزن والغضب. بصت في عيونه اللي بقت ضعيفة، وقالت بصوت مهزوز.”
“دايمًا كنت قاسي عليا.. عمرك ما فكرت أنا عايزة إيه. كل اللي كنت تعرفه إنك تتحكم وتسيطر. كنتِ السبب في حياتي اللي اتحولت لحلقة مفرغة.. من جوزي لكارم.. نفس السيناريو، نفس القيود. كنت بتظن إنك بتحميني، بس في الحقيقة، كنت بتاخد مني حريتي.”
سكتت لحظة، وسحبت نفس عميق، وكملت::”عارف إني المفروض أكون بنت مطيعة، أزورك وأسأل عنك.. بس أنا جاية النهاردة مش عشان أواسيك.. جاية عشان أقولك إنك خدت مني حياتي. وأهو دلوقتي.. أنت قاعد هنا، وأنا لسه عايشة بشبح القرارات اللي فرضتها علي.”
مدت يدها ولمست إيده الباردة، لكن ملامحها بقت جادة وقالت بصوت واطي::”بس خلاص، تعبت من العتاب. يمكن اللي فات ما يتغيرش، بس اللي جاي.. أنا اللي هحدد فيه مصيري.”
نهضت ببطء، تاركة والدها في مكانه، ورغم صمته، كان وكأنه يسمع كل كلمة ويحس كل ثقلها.”
بعد ما كاميليا خرجت من غرفة والدها، لقيت الطبيب اللي بيتابع حالته واقف برا. شافها جاية وابتسم ابتسامة متفهمة وقال بنبرة هادية::”مدام كاميليا، كنت عايز أتكلم معاكي عن حالة والدك. هو حالياً حالته مستقرة، لكن وضعه الصحي للأسف مش بيتحسن بشكل كبير. بيفضل على الكرسي المتحرك ومحتاج رعاية مستمرة.”
كاميليا وقفت قدامه، لكنها كانت شاردة، عينيها بعيدة وكأنها في عالم تاني. كلامه كان زي ضجيج خفيف في الخلفية، ما لقتش أي رغبة في الرد عليه بشكل جدي. ردت بنبرة باهتة، مش بتعبر عن اهتمام::”آه.. كويس. خليكم متابعين معاه.”
الطبيب حاول يلفت انتباهها أكتر، حس إنها مش مركزة وقال بلطف::”عارف إن الوضع صعب عليكِ، بس وجودك ليه تأثير كبير عليه حتى لو هو مش بيقدر يتكلم. الرعاية النفسية ليه مهمة زي الرعاية الجسدية.”
كاميليا نظرت للطبيب بسرعة، وعينيها كانت مليانة بشيء من البرود والانفصال، وقالت بنبرة جافة::”هو اختار حياته بالطريقة اللي كانت تعجبه، وأنا دلوقتي باختار حياتي بطريقتي. إنتو تهتموا بيه من الناحية الطبية، وده اللي يهمني. مش أكتر.”
الطبيب حس ببرود كلامها، لكنه ما حاولش يزيد الضغط. هز راسه بتفهم، وقال::”هنفضل مهتمين بيه بالطريقة اللي يقدر عليها الطب. إذا احتاج أي مساعدة إضافية، احنا موجودين.”
كاميليا اكتفت بهزة راس سريعة من غير ما تضيف حاجة، وبعدين اتجهت ناحية الباب للخروج. كانت حاسة إن الكلام انتهى، وهي مش قادرة تضيف أكتر من كده.
بعد ما خلصت كاميليا زيارتها لدار المسنين، وهي ماشية في الشارع، فتحت تليفونها واتصلت ببشرى. بشرى ردت بسرعة وكان صوتها فيه شيء من القلق::، إزيك،يا بشري؟ طمنيني، إنتِ كويسة؟ كلمتي حماتك زي ما كنا متفقين؟ قدرتِ تفهميها إنك مستحيل تخوني أسر؟”
بشري سكتت لحظة وهي بتفكر في الكلام اللي قالته، ثم ردت بنبرة هادئة:: لا لسه بصراحه خايفه ومتوتره مش عارفه رد فعلها هيكون ايه عليا انا عارفه انها ما بتحبنيش بس والله انا بعتبرها زي ماما وعايزه علاقتنا تكون كويسه
كاميليا ،تنهدت بقلق وقالت بحزن::”ربنا يهديها. أهم حاجة إنك تحاولي وتفضلي صبورة. إنتِ وأسر علاقتكم قوية، محدش يقدر يهدمها بسهولة.
بشرى تشعر بضيق في صوتها:: ان شاء الله هحاول وهتكلم معاها النهارده، بس قوليلي، صوتك مضايق.. إنتِ كويسة؟”
كاميليا اترددت قبل ما ترد، صوتها كان هادي لكنه فيه لمحة من الثقل::”آه.. لسه راجعة من زيارة بابا في دار المسنين.”
بشرى حسّت بتوتر في صوت كاميليا وسألتها بحنان::”زورتي؟ طيب، أخبارك إيه معاه؟ عارفة يا كاميليا، أحيانًا الماضي بيكون تقيل، بس لازم نعرف نسامح. مش عشانهم، عشاننا.. يمكن لو حاولتِي تسامحيه، ترتاحي.”
كاميليا كانت مستمعة بهدوء، بس ملامحها فضلت جامدة. ردت بهدوء لكنها كانت بتحاول تسيطر على مشاعرها::”عارفة يا بشرى.. يمكن إنتِ صح. يمكن لازم أنسى وأسامح. بس في حاجات بتفضل جوة الواحد، صعب نمحيها. كان قاسي عليا.. دايمًا كان بياخد القرارات نيابة عني. عمري ما حسيت إن حياتي كانت ليّ.”
بشرى حاولت تخفف عنها وقالت بصوت دافيء::”فاهماك يا حبيبتي، بس فكري إنه دلوقتي مش قادر حتى يتكلم.. يمكن هو كمان ندمان، يمكن لو كان يقدر يرجع بالزمن كان اختار حاجة تانية. أحيانًا، العفو بيكون العلاج.”
كاميليا أخدت نفس عميق وقالت بصوت أهدى شوية، بس لسه فيه مشاعر مختلطة::”يمكن يا بشرى.. يمكن. بس لسه مش عارفة أقدر أسامح دلوقتي. مشاعري تجاهه معقدة، مش كلها غضب. في حتة مني لسه بتحبه، بس الجروح القديمة صعب تتنسى.”
بشرى حست إن كاميليا محتاجة وقت وقالت بلطف::”براحتك يا كاميليا، كل حاجة بتاخد وقتها. أنا جنبك لو احتجتي أي حاجة.”
كاميليا ابتسمت ابتسامة صغيرة، وردت بصوت أهدى::”متشكرة يا بشرى. كلامك بيريحني.”
قفلوا المكالمة وكاميليا فضلت ماشية وهي بتحاول تهضم كلام بشرى، لكن الماضي كان لسه بينغزها.
***********************
«في منزل سامر»
*****************
رحمة، تستيقظ بفزع وتضع يدها على قلبها: “ماما خديجة… أكيد في حاجة غلط.”
سامر ،يستيقظ ويطمنها::ايه اللي حصل؟ ،تمام لا تخافي،”
رحمة تأخذ نفسًا عميقًا: “حاسّة إن فيه حاجة حصلت.؟ مع ماما خديجة. لازم نروح نشوفها.”
سامر يستجمع نفسه: “طيب، أنا هجهز نفسي ونروح. بس أهدئي،.”
رحمة تتردد: “بس أنا حاسة إن فيه حاجه؟!”
_______________
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية وابقى بدون لقاء) اسم الرواية