Ads by Google X

رواية الحصان و البيدق الفصل العاشر 10 - بقلم ناهد خالد

الصفحة الرئيسية

    

  رواية الحصان و البيدق الفصل العاشر 10 - بقلم ناهد خالد

   



دلفت من باب الفيلا وهي تخلع حذائها ذو الكعب العالي بتعب، فاليوم كان مرهق لها، كانت تستلم طلبية عمل طلبتها من فرنسا خصيصًا، والأمر أخذ منها فوق الاربع ساعات لتنهي استلامها ونقلها للاتيلية الخاصة بها والاشراف على ترتيبها بالمكان المناسب بداخل الاتيلية، كان يومًا حافلاً بالاعمال، ولم يكذب دياب حين اخبرها أن تستطيع فقط مجاراة العمل، فها هي على يومين متتاليين لا تنتهي من العمل، منذ تحط قدامها ارضية الاتيلية وحتى تنصرف لا يتوقف العمل، وتذمرها الذي كان في اول ايام اسبوع عملها، تبخر بعد ايام قليلة جدًا، حتى انها باتت لا تعود في موعدها الذي حدده.. الأمس عادت بعد الثامنة مساءً.. واليوم اعلنت الساعة عن وصولها للتاسعة مساءً، وهي للتو دلفت من باب الفيلا.. امسكت حذائها بيدها وهي تسير بتعب، ليتبخر تعبها فور وقوع عيناها على طفلها وهو يركض ناحيتها يصيح بحماس:




_ ماما جت.. 




التقطته في احضانها تقبل رأسها بحب بالغ وهي تغمغم:




_ روح قلب امك أنتَ، وحشتني. 




ابعد رأسه عن صدرها الذي دفنه فيهِ قبلاً، وقال بنزق طفولي يجعلها تريد اكله:




_ لو وحشتك مكنتش اتاخرتي. 




_ والله وحشتني، بس معلش غصب عني كان عندي شغل لازم يخلص، وبعدين انا جيبالك اللي يصالحك.




همست بالاخيرة باغراء له، ونجحت حين ابتسم باتساع يسألها بفضول ولهفة:




_ ايه؟ 




وضعته أرضًا وفتحت حقيبتها تخرج لوح كبير من الشيكولاته وهي تقول:




_ جبتلك شوكيلت كبيرة.. 




صاح بحماس وفرحة وهو يقبلها على وجنتها بحب وقال وهو يلتقط اللوح منها:




_ أنتِ أحسن مامي. 




داعبت وجنته بحب تخبره:




_ وأنتَ أحسن ابن في الدنيا، بس مش هتاكل كتير من الشوكليت عشان متتعبش، هتاكل جزء صغير ماشي.. الشوكليت دي بتاعت اسبوع. 




اومأ متحمسًا، وابتسمت هي بحنان ما إن رأت سعادته الواضحة، ولكن لم تدم ابتسامتها حين سمعت صوته يأتي من مكان ما وهو يقول:




_  طب هو وضحكتي عليه بالشيكولاته، وانا هتضحكي عليَّ بايه عشان اسكت؟ 




نهضت مستقيمة ونظرت للجانب حيث خرج من غرفة مكتبه، لتنادي بصوتٍ عالٍ:




_ ماري. 




أتت مهرولة من الداخل وهي تجيب بلكنة اجنبية:




_ نعم مادام؟




اخبرتها "رنا" بنفس اللكنة:




_ من فضلك خذي عُمر لغرفته، ولا تدعيه يأكل كثيرًا من لوح الشيكولاته، ثم اغسلي اسنانه لينام.

 

                

_ حسنًا مادام، هيا سنيور عُمر.




_ تصبح على خير يا حبيبي.




قالتها وهي تنحني لتقبله على وجنتيهِ تباعًا، ليردف بحب:




_ تصبحي على خير مامي..




واتجه بعدها لوالده الذي رفعه لاحضانه ليطبع الصغير قبله على وجنته وهو يردف بهدوء:




_ good night dady.




رفعت "رنا" حاجبها باستنكار، فصغيرها يتعامل مع والده كأنه من طبقة أخرى غيرها! مع يغير من طريقته في الحديث و "يعوج لسانه" كما تطلق عليهِ دومًا، كأنه يعامل كل شخص حسب المكانة التي يراه فيها.




_ good night يا قلب ابوك.




انهى "دياب" جملته وهو يطبع قبلة على وجنته بحب، ثم انزله ارضًا وهو ينظر لماري ويقول:




_ خذيه.




اخذته وصعدت درجات السلم الداخلي للفيلا متجهة لغرفته، ليلتفت على الفور لها وهو يقول بتجهم:




_ لسه بدري، كنتِ فضلتِ لنص الليل بره.




نظرت له بضيق وهي تعقب:




_ عشان جيت ٩ تبقى نص الليل!




احتدت نبرته وهو يقول:




_ الفكرة مش في انك جيتي ٩ ولا ١٠، أنتِ بتكسري كلامي، انا قايلك شغلك من ٢ ل ٦، قوليلي امتى جيتي في الميعاد؟ من وقت ما اشتغلتِ يا تيجي ٧ يا ٨ والنهاردة ٩، يبقى أنتِ بتعندي معايا!.




تنهدت بقوة وهي تجيبه:




_ مش عِند، بس مفيش حاجة اسمها محددلي وقت انا مش صغيرة يا دياب.




_ أنتِ مراتي، ومن حقي احدد وقت خروجك ورجوعك.




جعدت ملامحها بضيق وهي تقول باستنكار:




_ مراتك مش بنتك، ايه ليك حق دي، مين فهمك كده؟




رفع حاجبه مستنكرًا واقترب منها لحد الخطر وهو يقول:




_ مين اداني الحق؟ مراتي ليَّ الحق اتصرف في كل شيء يخصها.. ومش انا الي بقول كده، اسألي اي حد هيقولك كده.. ده انتِ متخرجيش من الباب ده غير لما أأذنلك..




اثار اعصابها، واشعل نار الغضب بداخلها بطريقة حديثه واستفزازه الواضح لكونها انثى تثور دفاعًا عن حقها، لترفع زاوية فمها باستعلاء وهي تقول:




_ حيلك حيلك.. مين ضحك عليك وفهمك كده؟ أنتَ مش واصي عليَّ، وانا ليا شخصيتي وكياني كبني آدمة ملكش تتعداهم. 




ابتسم ابتسامة مقلقة، ثم جذبها من عضدها وسار بها نحو أحد الارائك تحت نظراتها المتعجبة والمستفهمة، حتى جلس فوق الأريكة وجذبها من عضدها بقوة لم تستطع صدها، لتعلو شهقتها حين اصبحت تجلس فوق فخذه الأيسر، فقد ظنت انها سيجلسها لجواره، لكن خاب ظنها، فاخذت تتلوى وهي تحاول ان تنهض وتهتف بتوتر بالغ:





        

          

                

_ اوعى يا دياب ميصحش كده... 




ضحك ضحكة خافتة قصيرة وهو يسألها باستنكار:




_ هو ايه الي ميصحش!؟ ده أنتِ مراتي، هو انا شاقطك! 




_ ايه شاقطك دي! بلاش الفاظك دي معايا قولتلك كذا مرة، بعدين مش قصدي كده، بس حد من الشغالين يشوفنا هيكون شكلنا وحش. 




اجابها بلامبالاة:




_ وحش ليه عادي! واحد ومراته ايه الغريب في كده! 




_ شكلنا مش لطيف، وانا مش هكون مرتاحة، اوعى بقى. 




قالت الأخيرة بضيق حقيقي، ليضطر ان يتركها، فنهضت فورًا، وجلست على الكرسي المقابل للاريكة، تتجنب النظر له، في حين بدأ هو في الحديث.. 




_ أنتِ ناسية ان حتى دينك بيأمر الزوجة تطيع جوزها، وبيملك الزوج كل الحقوق في انه يتحكم فيها، هو مش برضو في الدين مينفعش الزوجة تاخد تصرف او تخرج من غير عِلم وموافقة الزوج. 




_ يتحكم فيها!؟ لا انتَ فاهم الموضوع غلط خالص، ديننا مبيخليش الزوج يتحكم فينا زي مابتقول.. وكل حاجه في الدين لها سبب مش لمجرد التحكم، وكمان الزوجة ليها حقوق ولا أنتَ تعرف الي على مزاجك وبس. 




_ مقصدش، انا فاهم ان الموضوع مش تحكم، على قد ما هو حقوق وواجبات، وكل حاجة ليها سبب فعلاً وحِكمة، سمعت زمان ابويا قال إن السلطة الي الدين ادهالنا بتفيد الست اكتر ما تفيد الراجل، لأنها حماية ليها وأمان ورحمة لضعفها الفطري الي ربنا خلقها بيه، وعشان المفروض ان الراجل هو نقطة قوتها... بس ده طبعا لو الناس عملت باللي المفروض يتعمل. 




ضحكت ساخرة وهي تنظر له بذهول مرددة:




_ يعني فاكر كلام والدك، ومبتعملش بيه.




عقد مابين حاجبيهِ برفض:




_ ليه؟ هو انا أذيتك؟ رنا.. انا حتى لما لاقتيك بعد ما هربتي بابني وكان الطبيعي اني أأذيكِ وقتها واخد حقي منك معملتهاش.. قوليلي بقى امتى أذيتك!




_أنتَ مأذتنيش.. انتَ قتلتني، قتلتني لما نمت وصحيت لاقيت نفسي متجوزة واحد معرفش عنه أي حاجة، لما فجأة اتصدمت بحقيقتك، بعد حياة وردي اشوف اللون الاسود اللي بجد، بعد ما كنت فاكرة اني اختارت الراجل الصح لحياتي الاقيني مع تاجر م.... لا مع راجل مافيا! أنتَ متخيل! وتقولي مأذتكيش! ازاي طيب! هربت واحساسي كل يوم كان بيبقى رعب انك تلاقيني.. كتت بنام مغمضة عين ومفتحة التانية.. كنت بمشي في الشارع اتلفت حواليا... ويوم مالاقتني ورجعت ليك تاني كنت حاسة زي الي فضل يجري في طريق طويل على أمل انه يخرج من متاهة وفجأة بعد كل الجري ده لاقى اخر الطريق هو البداية، ورجع لنفس المكان الي بدأ يجري منه..متخيل بقى احساس الفشل! متخيل خوفي وقتها انك تاخد ابني وتحرمني منه كعقاب، او تأذيني بأي شكل.. بعد كل ده مأذتنيش! 





        

          

                

صمتت تلتقط أنفاسها ومن ثم قالت بقهر حقيقي، ودموع ظهر بها عجزها ومقتها، ولوم عيناها يجلده:




_ أنتَ خلتني زوجة ليك تاني وأنتَ عارف اني مش قابلة، خلتني اكون في حضنك وانا من جوايا رافضة، اجبرتني اديك حقوقك وأنتَ عارف اني مش عاوزه اعمل ده. 




ألمه قلبه من حديثها، وغص حلقه من نظرتها اللائمة، يعلم انه اجبرها على علاقتها معه، وكان هذا جليًا من ردود افعالها وهي باحضانه، على الاغلب كانت متبلدة لا تبادله اي شعور ولا اي لمسة منه، وكل حين وآخر تحاول محاولة ضئيلة ان تشعره بأنها مرحبة، ولكنها لم تكن تدري انها تفشل.. وهو يلاحظ. 




_ انا ماجبرتكيش تكوني معايا، خيرتك. 




نزلت دموعها بضعف وهي تقول باستنكار:




_ خيرتني! بين ده وبين ابني.. انا جحيمك جنة ليا عشان بس ابني فيه.. ازاي بتعتبره خيار!؟ انا طبيعي هختار ابني.. بس قولي أنتَ ازاي قادر تكون معايا وأنت عارف ان ده بيحصل بدون أدنى مشاعر.. أنتَ عارف اني بكون مش متقبله ده. 




شد من قامته بكبرياء زائف، فحديثها في معناه جارح لكرامة أي رجل يسمع حديث كهذا، تخبره صراحًة انها تُرغم على علاقتها معه، وتجاهله لهذه الحقيقة المُرة لن ينفع الآن وهي تُلقي بها في وجهه، ولكنه هو ايضًا مُرغم.. وهُنا مربط الفرس، هو يعلم انه يرغمها، ولكن إن انتظر أن يأتي الأمر برغبتها فلن يحدث.. لن يعيشا حياة طبيعية كأي زوجين، وهو تحمل كثيرًا... لاكثر من اربع سنوات تحمل ان يبقى بدون امرأة، ومنهم عامان كانت أمامه.. بجواره، لكنها محرمة عليهِ، وفاض كيله.. ومن يلومه؟ لقد حفظ حبها لسنوات ولم يلجأ لإمرأة غيرها ويا كثرتهم، ولكن لمتى سيحفظ هذا الحب؟ لمتى سيبقى محروقًا بنيران الشوق والهجر؟ اتخذ موقفًا لينهي كل هذا.. حتى وإن كان سيُحرق بنيران أخرى.. وهي الرفض! 




_ عشان لو استنيت مشاعرك مش هطولها، لو استنيتك ترضي يبقى هستنى عمري كله، وانا ليا طاقة.. واللي طلباه عشان ترضي مش هقدر انفذهولك، يبقى رضاكِ مستحيل، ولو سبتك تعيشي بنفس الوضع الأولاني يبقى حياتنا زايفة.. حتى الطبيعي مش موجود فيها، الطبيعي الي هو انك مراتي.. فطبيعي نقرب من بعض ونعيش حياة عادية مش طالب اكتر من كده.. وعشان الحياة العادية تكمل.. ياريت ترمي الحبوب الي في الدرج فوق. 




اتسعت عيناها، ورمشت باهدابها بتوتر وهي تسأله:




_ حبوب ايه؟ 




لمعت عيناه بنظرة وجع، واختنقت نبرته وهو يجيبها:




_ حبوب منع الحمل الي بتاخديها من ورايا، انا شوفتها امبارح ومرضتش انكد واعمل مشكلة، فياريت تترمي ومتحصلش تاني، عشان لو اكتشفت إنك لسه بتاخديها، وحياتك عندي لهتزعلي مني جامد. 




انتفضت واقفة وهي تشيح بيدها بجنون:




_ مش من حقك تجبرني على الخلفة كمان! مش من حقــــك..!!! 





        

          

                

صرختها الاخيرة جعلته ينتفض هادرًا هو الآخر:




_ قولتلك اي حاجة في حياتك من حقي اتحكم فيها، الخلفة دي مش تخصك لوحدك، ده قرار يخصنا احنا الاتنين، وانا عاوز اخلف عيل تاني. 




اشتعلت غاضبة وتنفست بسرعة وهي تقول بعصبية:




_ وانا قولت مش هخلف تاني منك.. واعلى ما في خيلك اركبه.. هو انا بطلت اندم على خلفتي الاولانية عشان اجري اخلف تاني، ده انا ابقى حمارة لو عملتها.. 




التقط معصمها يقبض عليه بقوة بكفه حتى ابيضت مفاصلة وهو يهدر بفحيح مرعب:




_ تمام، اعمليها بقى.. اعمليها وكملي على كده وخدي الحبوب، عشان وقتها محدش يلومني.. واعلى ما في خيلي هركبه فعلاً.. 




ثم لفظها بعيدًا بقوة حتى اختلى توازنها لكنها تماسكت وهي تنظر له بأعين مذعورة، وسمعت صوته يهدر وهو يتخذ خطواته للخارج:




_ وبعد كده ٦ بالدقيقة تكوني في البيت. 




تهاوت على الكرسي تبكي بانهيار على حالها، كيف تنجو منه؟ كيف تتخلص من عبء ما تعيشه؟ لقد قربت طاقتها على النفاذ، لم تعد تستطع الصمود أكثر، لو فقط تجد حلاً مناسبًا.. لو يسمع لها حتى ويفعل ما يرضيها... وآهٍ من كلمة لو التي لا تتحقق. 




__________________




_ خلاص يا زين بقى قولتلك جرح بسيط! 




رفع رأسه لها بعدما كان جاثيًا على ركبته أمامها يطهر جرحها بقلق واضح عليها، ظهر العتاب في نظرته وهو يسألها بيأس:




_ برضو زين؟ 




اشاحت بنظرها بعيدًا قائلة بتوتر:




_ مانا قولتلك على ماتعود بس.




زفر بضيق ولم يعلق وهو يعاود تطيب جرحها البسيط، وبعد ثواني سمعته يقول دون ان ينظر لها:




_ مش ناوية تحكي؟ 




_احكي ايه؟ 




سألته مستغربة، ولم تفهم معنى جملته بأول الأمر، ليوضح وعيناه الحادتان تنظر لها بتدقيق:




_ تحكي الي مرضتيش تحكيه قبل كده وقولت اسيبك براحتك، لكن بعد الي شوفته النهاردة ده.. مش هسيبك غير لما افهم، ايه حكاية الناس اللي بتشوفيها وبتكلميها دي؟ فيكِ ايه يا خديجة؟ 




ادمعت عيناها بشدة، وكتمت شهقاتها بذمة شفتيها بقوة، ليحتضن وجهها بكفيهِ وعيناه يملأها الحزن عليها، بينما يغمغم بنبرة متألمة:




_ مالك بس يا ضيّ، فيكِ ايه يا نور عيني؟ 




وكانت جملته إذنًا لها بالانفجار، لتنهار باكية وصوت نحيبها يرتفع، فأسرع يحتضنها بقوة ويده تتحرك صعودًا ونزولاً على ظهرها، وقد ادمعت عيناه من صوت نحيبها الذي مزق نياط قلبه.. 





        

          

                

خمس دقائق كاملة وهي على هذا الوضع، وبعدها بدأت تهدأ تدريجيًا حتى هدأت تمامًا بعد عشر دقائق أخرى، ليبعدها عن احضانه بهدوء ما ان سمعها تقول:




_ قوم من على الأرض اكيد ركبتك وجعتك. 




ليومأ لها برأسه وهو ينهض جاذبًا اياها معه:




_ تعالي نطلع اوضتنا. 




سارت خلفه بهدوء حتى وصلا لغرفتهما فاتجه بها للاركية الموجوده في الركن الأيمن من الغرفة، وجلس عليها واجلسها بجواره ملاصقة له تمامًا، ومازال معتقل كفيها بين كفيهِ وبدأ بالحديث وهو ينظر لها بتمعن وبسؤال مباشر فاجئها:




_ أنتِ بتشوفي سارة؟ بمعنى ادق بتتخيلي وجودها؟ 




اغرورقت عيناها بالدموع وهي تجيبه بقهر:




_ بشوفها! دي يعتبر عايشة معايا.. أنا سارة مختفتش من حياتي ولا يوم.. من سنين وهي عايشة معايا ومهما حاولت ابعدها معرفتش.. واهي هَم تاني بيزيد من همومي. 




_ بتشوفيها ازاي؟ وبتقولك ايه؟ 




شردت بنظرها بعيدًا وكأنها تستحضر كل مرة ظهرت فيها امامها:




_ بتلومني، دايمًا بتلومني وبتتهمني اني السبب في موتها، بتجلدني بكلامها، وبتخليني افقد اعصابي واحس اني فعلاً مذنبة.. 




_ ليه مفكرتيش تتعالجي منها؟ 




نظرت له باستنكار مجيبة:




_ مفكرتش! طب ده انا ابويا خدني بعد موت امي على طول وجه القاهرة مخصوص عشان يعالجني، وفضلت اتعالج مع الدكتور الي جبني له من غير اي نتيجة.. ٣ سنين من غير نتيجة لحد ما يأست، واول ابويا ما مات بطلت اتعالج عنده، واشتغلت في العيادة بس اوهمته اني بقيت كويسه ومش محتاجه اتعالج. 




_ وهو ملاحظش ولا مرة انك بتكدبي؟ 




ابتسمت بسخرية مؤلمة وهي تجيبه:




_ لا مهو انا كنت اتأقلمت مع وجودها، فمبقيتش زي الأول، يعني كنت اشوفها واسمعها بتكلمني وانا قاعده ثابتة ولا كأني سمعاها، ولا كأنها موجودة، فده الي خلاه ميلاحظش، او انا فكرت كده لحد ما اكتشفت انه كان متأكد اني بكدب عليه واني مخفتش، ورجعت اتعالج معاه تاني يمكن اخلص منها.. وبرضو بقالي سنتين ونص اهو لدلوقتي ومفيش نتيجة.. كان قالي ان بداية العلاج اني اقتنع انك مش مذنب، وان انا وانت ملناش ذنب في موتها، بس مانا اقتنعت اهو، ليه لسه بشوفها!؟ 




ابتسامة غريبة ظهرت على وجهه، جعلتها تقطب ما بين حاجبيها مستغربة، واحنى رأسه قليلاً يطالع كفيها الممسك بهما وهو يقول بنبرة ظهرت مختنقة:




_ معقول اذيتك كده! معقول يبقى انا السبب في معاناتك بالشكل ده!؟؟ طب ده انا اكتر واحد يهمه راحتك ويهمه انك تكوني بخير تحت اي تمن.. ازاي ابقى انا السبب في عدم راحتك؟!! 





        

          

                

_ محدش فينا كان قاصد اي حاجه حصلت.. لو بس يرجع الزمن بينا، واليوم ده نقدر نغير فيه اللي حصل، كل ما افكر مبقدرش استوعب ازاي يوم واحد يكون السبب في تغيير حياتنا كلها، يقلب حياتنا بالشكل ده، انتَ متخيل لو مكانش اليوم ده موجود، واللي حصل مكانش حصل.. مكانتش حاجه اتغيرت، مكنتش بعدت، ومكنتش عانيت من هلاوس سارة الي تعبتني نفسيًا وجسديًا فوق ما تتخيل، ومكانش ابويا اضطر يروح بلده ونشوف المر من اهله، ولا كنت عيشت انا واخويا في حياة صعبة ومرينا باسوء ظروف واحنا لوحدنا، كانت حاجات كتير اوي اتغيرت. 




كان يتابعها بنظراته وهو يستمع لحديثها بتمعن، وما ان انتهت حتى ظهرت ابتسامة بسيطة حالمة ولمعت عيناه لمجرد التخيل:




_ لو مكانش حصل مكنتيش بعدتِ عني، كنتِ فضلتِ معايا وكبرتِ قدام عيني يوم بيوم، مكنتش اتكويت بنار فراقك، مكنتش انام واصحى على أمل اني الاقيكِ، مكنتش بقيت.... 




قطع حديثه وتنهد تنهيدة قوية ثم اكمل:




_ فعلاً، كانت حاجات كتير اوي اتغيرت. 




ساد الصمت بينهما للحظات، قبل ان يقطعه وهو يسألها:




_ معاكي رقم الدكتور الي كنتِ متابعه معاه؟ 




_ لا، بس انا عاوزه اروح البيت اجيب تلفوني القديم، عشان الخط عليه ارقام تهمني، وكمان متنساش اني شغاله عنده وبقالي ٨ ايام مروحتش اكيد اتصل عليا كتير، و عاوزه اكلم رنا معرفش عنها حاجه بقالي اسبوع، وكمان عاوزه اعرف صاحب البيت اني هسيب الشقة واجيب الحاجات الضرورية من هناك. 




_ خلاص، نروح بكره نعمل كل ده، بس أنتِ لسه مشغلتيش تليفونك الجديد؟ 




_ هشغله اعمل بيه ايه؟ ممعيش ارقام حد. 




_ هسجلك عليه رقمي. 




رفعت جانب فمها ساخرة وهي تقول:




_ واتصل عليك وأنتَ في الجنينه! مهي دي ابعد مكان بتروحه،  غير النهاردة بس الي روحت الشغل ساعتين ورجعت، انا عاوزه افهم هو أنتَ معندكش شغل زي الناس الطبيعية!؟ 




ابتسم ابتسامته المهلكة وهو يردد بعبث:




_ عندي، بس اعمل ايه مش قادر ابعد عنك. 




اشاحت بنظرها بخجل، واحمرت وجنتيها قليلاً وهي تقول:




_ هو انا يعني هروح فين، مانت هتروح شغلك وترجع تلاقيني، ما برضو اكيد شركتك محتاجاك. 




هز رأسه بلامبالاة:




_ لا كبري دماغك، بابا هناك هيمشي الأمور في غيابي، انا روحت النهاردة بس لحاجة مهمة، بعدين انا لو روحت الطبيعي بتاعي مش هتعرفي تتلمي عليَّ، واسألي لولا.. كنت بخرج من الصبح مبرجعش غير ٨ بليل، واوقات بضطر اخرج بليل تاني لو في شحنه اخلصها في المينا. 





        

          

                

_ ايوه بس اكيد مش هتفضل معطل مصالحك وقاعد جنبي. 




_ اكيد لا، بس ارتبلك الدنيا الاول، انتِ شايفه عاوزه تروحي البيت وعاوزين نروح للدكتور بتاعك محتاج اسمع منه عن حالتك، ونشوف طرق تانيه غير الي اتبعها معاكي السنين اللي فاتت، وكمان عاوز اطمن ان الامور بينك وبين لولا تمام عشان ابقى مطمن انك هتبقي مرتاحة لما اسيبك معاها لوحدك. 




توترت على ذِكر والدته وقالت:




_ انا مش عارفة احدد موقفها ناحيتي، اوقات بحسها كويسة جدًا، واوقات بحسها متضايقة من وجودي.. 




عقب بجدية:




_ بصي يا ديجا، هقولك حاجة لو فهمتيها كويس هتفهمي تصرفاتها ناحيتك. 




هزت رأسها تشجعه على الحديث باهتمام، ليقول:




_ بصرف النظر عن اني ابنها، وان أي أم بيكون في جواها غيرة على ابنها لما بتشاركها فيه واحده تانية، بس علاقتي بماما غير، طول الوقت معاها وقريب منها وبحكيلها كل حاجة، وهي حياتها متمركزة عليَّ خصوصًا بعد ما علاقتها ببابا شبه انتهت، هي شاهده على حبي ليكِ اه، بس ده وانتِ مش موجودة، لكن لما هتبقي موجودة هتحس اوقات بالغيرة، واحنا المفروض نتفهم شعورها ده، ولا ايه؟ 




اومأت بتفهم وهي تقول:




_ اكيد طبعًا، حقها خصوصًا وهي شيفاك مهتم بيا للدرجادي، هتحس انها مبقتش عندك بنفس الأهمية، عشان كدة المفروض اي اهتمام زايد تجاهي متحسسهاش بيه. 




ابتسم لها بحب واقترب طابعًا قبلة فوق جبينها ثم ابتعد وهو يردد بفخر:




_ مكنتش اعرف ان حبيبتي عاقلة اوي كدة. 




توترت، وعلىَ تنفسها وهي تشعر بقربه لهذة الدرجة وحديثه الذي دومًا يصيبها بالارتباك، لتبتلع ريقها وتبتسم له دون تعليق. 




اراد ازالة حرجها وارتباكها، ليقول مقترحًا:




_ اي رأيك سيبك من العشا الي كنتِ بتعمليه تحت ده وتعالي نطلب من بره، هو لولا ومصطفى فين!؟ 




_ مصطفى نام عشان هيصحى بدري بكرة عنده امتحان، وطنط قالت انها حاسة بصداع فخدت مسكن ونامت. 




نهض وجذبها معه يقول بحماس:




_ واحنا هنقعد نعمل ايه! احنا نخرج نتعشا بره احسن. 




جذبته ليجلس مرة اخرى وهي تقول:




_ طب انا هقولك اقتراح احسن، احنا نطلب عشا ونقعد تحت في الجنينة، حوض الزهور الي تحت ده حلو اوي، نقعد جنبه ويبقى القمر فوقنا والهواء حوالينا وبراحتنا مفيش احسن من كده. 




_ نقعد فين؟ حوض الزهور مفيش جنبه كراسي دول الناحية التانية. 




رفعت حاجبها بتحدي وهي تجيبه:




_ نقعد على النجيلبة، ولا عندك اعتراض! 




نفى برأسه فورًا كأنه يبعد تهمة ما عنه، ليقول بعدها:




_ بس عارفة القعدة هتحلى بأيه. 




_ ايه؟ 




تنهد و قال بتمنى:




_  لو بس تعتبريني جوزك وتشيلي الحجاب، مش هطلب منك تغيري البيجامات المقفولة دي، بس يعني على الأقل شيلي الحجاب، ده بيحسسني اني قاعد مع واحدة غريبة عني مش مع مراتي. 




اجابته بهدوء:




_ هو انا في البداية مش كنت بلبس فساتين حتى وانا نايمة، وبعدها بدأت البس البيجامات، انا قولتلك اني وخداها تدريجي، انا طول عمري مبتعاملش مع حد،غير مصطفى.. حتى باهر كان بعيد عني ومبنشفوش، ففكرة اني اقعد بحريتي قدام حد تاني بحس اني مش قادرة اعمل كده. 




_ طب ما تعتبريها بداية من النهاردة، وخدي الخطوة اللي بعدها، حتى عشان تنامي براحتك، انا مش فاهم بتنامي ازاي وأنتِ مخنوقة بالبتاع ده. 




طال الصمت لدقيقتين وهي تفكر في حديثه وتتشجع لأخذ خطوة جديدة، تنهدت اثناء تفكيرها لثلاث مرات تقريبًا وهي كثيرًا ما تفعلها حين تشعر بتوتر زائد، قبل أن تنظر له وهي تقول:




_ طيب، اطلب الأكل واستناني تحت في الجنينة هحصلك. 




لم يريد أن يبدي أي رد فعل قد يزيد توترها كي لا تتراجع في قرارها، اكتفى بالابتسام رغم انه اراد الصراخ بوجهها معبرًا عن فرحته لتخطيها حاجز جديد معه، ونهض في هدوء خارجًا من الغرفة. 




____________




خرجت من بيت والدها لبيت زوجها المصون، هكذا دون أي مراسم تُذكر، تتذكر شفقة "رباح" عليها وهي تربط على كتفها وتقول بحزن " متزعليش يا بتي بكرة ربنا يعوضك باللي احسن من الفرح والزفة، ومتحسيش نفسك اجل من أي بت، ده انتِ ست البنات، يكش بس الظروف، والمخ الصِلد" هي بالفعل تشعر بأنها اقل من أي فتاة تتزوج، وحديث والدة زوجها لم يفرق معها، ولم يحسن شعورها. 




تجلس على الفراش تتابع تحركاته داخل الغرفة بقلب يدق وجلاً، تريد الحديث معه في أمر هام لكنها تخشى رد فعله، فظلت تتابعه حتى انتهى من الاستحمام وتغيير ثيابه، فتشجعت وهي لا تجد وقتًا أكثر للصمت، وقالت:




_ ابراهيم، انا رايدة اتحدت وياك في موضوع مهم. 




نظر لها مستنكرًا وهو يقول:




_ ده وجته؟ 




نهضت تواجهه واجابت:




_ مفيش انسب من الوجت ده. 




ظهر الملل على ملامحه وهو يقول:




_ جولي . 




فركت كفيها بتوتر وهي تقول بلجلجة واضحة خشيًة من رد فعله:




_ انا كنت عاوزه اخد وجتي.. يعني بلاش يكون في جُرب بينا الليلة. 




تجمدت ملامحه بشكل مخيف وهو يسألها:




_ بتجولي ايه؟ 




ارتفع تنفسها وارتدت بجسدها للوراء قليلاً وقد تمكن الخوف منها اكثر:




_ بجول... يعني انا... كنت محتاجة وجت نتعود على بعض، احنا مكناش بنشوف بعض كتير، وحاسة اني مخضوضة.. ومخدتش وجتي.. يعني مش لازم يحصل بينا حاجة الليلة.. الايام بينا كتير. 




ورد الفعل لم تكن تتوقعة ابدًا.... 


 


google-playkhamsatmostaqltradent