Ads by Google X

رواية الحصان و البيدق الفصل الحادي عشر 11 - بقلم ناهد خالد

الصفحة الرئيسية

    

  رواية الحصان و البيدق الفصل الحادي عشر 11 - بقلم ناهد خالد

  


رد فعله لم تستطع توقعه ابدًا، اسيتقبل حديثها ويتفهمه؟ أم يثور رافضًا رغبتها؟ ام سيتطور الوضع لِمَ هو أسوء!




ولكن ما لم تتوقعه هو جملته القاتلة حين ابتسم لها بغيظ وهو يقول بتهكم:




_ ليه! خايفه من ايه يابت عمتي!؟ ولا تكونش جعدتك في مصر بوظت اخلاجك وخايفة تتفضحي؟




اتسعت عيناها غير مصدقة ما تسمعه منه، انه يتهمها بأبشع تهمة قد تتلقاها فتاة! وما بالك أنها من الشخص الذي لطالما احبته وتمنته، ومتى.. في ليلة زفافها؟ كل هذا لأنها تطلب بعض الوقت!!




_ بوظت اخلاجي! انا مخيفاش من حاجة، ولو فكري في اللي بتجوله مكنتش طلبت شوية وجت.. كنت هربت جبل الجوازة ما تم، لكن انا جدامك اهو، لو الحكاية كيف مابتجول ما هييجي يوم وكل حاجة هتبان هطلب مهلة اعمل بيها ايه؟




ببرود تام كان يخبرها:




_  يمكن ملحجتيش تهربي وعاوزه وجت، بس ريحي حالك خروجك من الدار دي بعد دخولك ليها هيكونك بموتك. 




حركت رأسها باستنكار تام وكادت تقول شيء لكنها تراجعت بهِ، فيبدو انه لا فائدة من الحديث معه، لتنهض متجهة للخزانة لتأخذ عباءة منزلية مريحة، ومرت من جواره دالفة للمرحاض دون أن تعقب على حديثه، لتسمع صوته يخبرها قبل إغلاقها للباب:




_ جهزي حالك، عشان ولا كأني سمعت حاجة.




توقفت تنظر له بغيظ وقالت قبل أن تغلق الباب بضيق:




_ وانا جولت اللي عندي، مش بالغصب دي كمان! 




قضت فترة في المرحاض تستحم بماء دافئ يزيل عنها ارهاق اليوم وشدة اعصابها من الحديث معه، وبدلت ثيابها لعباءة منزلية بنصف كم زرقاء اللون، مُقررة أن تتحفظ فيما ترتديه حتى تعتاد على وجوده في حياتها، حتى أنها بالكاد استطاعت أن تترك حجابها وتأخذ خطوة الخروج أمامه بدونه، فكانت تشعر بخجل لا تعلم هل هو طبيعي ام أنها تبالغ! 




كان يغلي كالمرجل الساخن، منذ دلفت للمرحاض وبدل ثيابه هو الآخر لجلباب مريح بنصف كم من اللون البيج الفاتح، حتى لم يتخلى عن قطع الغرفة ذهابًا وإيابًا، وجملتها الأخيرة تتردد في ذهنه بلا توقف، كأنها تتحداه.. وهي بالفعل هكذا، هل تقف أمامه ندًا لند من أول يوم! وتخبره أنها قالت ما لديها، إذًا فليحترق هو!! 




ولكن لا، لن ينولها ما تصبو إليه، فإن كانت تريد فرض شخصيتها، لن يعطيها الفرصة، وإن كانت تحلم بأن تحلق بجناحيها فوقه سيكسرهما لتسقط على جذور رقبتها، سيضع من اللحظة القواعد التي ستسير عليها حياتهما، سيريها من هنا له الكلمة الأولى والأخيرة، من له الكلمة العُليا، فكثيرًا ما سمع أن ليلة الزفاف هي من تحدد النحو الذي تسير عليهِ الحياة فيما بعد، ويبدو أنهم كانوا على حق. 

  

خرجت من المرحاض لتجده جالسًا على حافة الفراش متأهب.. لشيء ما تجهله لكن ظهر تأهبه جليًا.. فغزى القلق قلبها وشعرت بسوء القادم، لكنها حاولت التجاهل. 




_ البسي خلجاتك "هدوم" وحجابك. 




قطبت حاجبيها بعدم فهم تسأله:




_ البس حجابي ليه؟ 




وبملامح باردة كان يخبرها:




_ هرجعك لأمك. 




جحظت عيناها وفغر فاهها بصدمة، لم تتوقع رد فعله هذه! والدتها، انه الشيء الأسوء على الإطلاق الذي قد يحدث الأن، حركت رأسها نافية بزعر حقيقي وهي تقول:




_ أمي ايه! أنتَ خابر لو رجعتني ليها دلوجتي هتفكر فيا كيف! 




نهض مقتربًا منها بخطى هادئة، حتى وقف أمامها تمامًا ليخبرها بابتسامة باردة:




_ خابر، ولو سألتني عن شكوكها، هوكد لها اللي شاكة فيه وهجولها اني اتخدعت في بتها. 




فُلتت اعصابها وهي تصرخ بهِ بغضب:




_ ايه كل ده! عشان طلبت تديني وجتي تظلمني وتيجي عليا اكده! مش شايف انك مكبر الموضوع جوي وممسخه. 




_ أنتِ بتخرجي عن طوعي من اول ليلة، وأنا المَرة اللي كيفك متلزمنيش، بعدين ظلم ايه، ده انا لو شيعتك لامك دلوجتي وجولتلها إنك مانعة نفسك عني هتجيب خبرك. 




اهتز جسدها خوفًا من تخيل الأمر، هي تعلم حقيقة قوله، والدتها لن تتهاون ولن تتفهم وضعها، وستلاقي منها الأسوء.. 




_ بطل معيلة يا ابراهيم وخليك راجل متفهم ومخه كبير، مطلبتش حاجة اكتر من كام يوم اتعود عليك فيهم. 




لحظة صمت بعد قولها، قطعها شهقة قوية خرجت منها حين قبضت كفه على عنقها واصطدم جسدها بالحائط، وعيناه التي تلونت بحمرة الغضب تنظر لها بقوة، ولسانه يردد:




_ معيلة! انا عيل! جطع لسانك ولسان اللي خلفوكِ جبل ما تطوليه عليا، واضح إنك متعرفيش الأدب ولا كيف تتحدتي مع جوزك، بس انا بجى والله في سماه لاخليكِ تعرفي ان الله حج، لاخليكِ تتنفضي من مترحك اول ما تلمحي ضلي بس... انا ميعجبنيش الحال المايل وبعدله، واللي يستعصي عليا عدله بكسره.. فـــاهمـــة؟! 




حركت رأسها ايجابًا برعب وكفيها يقبضان على كفه تحاول تحرير رقبتها منه، ولم تستطع إلا حين لفظها هو بقسوة فشهقت شهقة الحياة، وادمعت عيناها بقوة غير مصدقة انه تركها اخيرًا فلقد كادت تلفظ انفاسها الأخيرة. 




_ وجهزي نفسك لجوزك يلا، بدل الجلبية اللي لبساها كأنك جاعدة مع اخوكي دي. 




نظرت له مذعورة، واستندت على السراحة بضعف ومازال كفها يمسد رقبتها التي تؤلمها، وكادت تتحدث  لكنه قاطعها بقسوة وهو يقول:





        

          

                

_ وكلمة اعتراض واحده وهاخدك ارميكِ لامك تسوي فيكِ ما بدالها. 




وابتلعت حديثها مع ابتلاع ريقها المصحوبة بغصة قاتلة.. فوالدتها، مصدر امانها وحمايتها هي من تُهدد بها؟ هي من تركض منها، تختار جانب الذئب على أن تختار جانبها، بمن تحتمي إذًا؟! 




وللمرة الثالثة تُساق لطريق مجبرة، للمرة الثالثة لم تفعل ما تريده او تختاره، اولها تركها لدراستها، وثانيها زواجها في هذا الوقت، وثالثها قبولها باتمام زواجها رغم.. رفضها، خوفها، وشعور القهر الذي تخلل كل جزء بها. 




لم تكن التجربة كما يجب ان تكون.. لم تكن ذكرى سعيدة، ولا شعور جيد، ولا ليلة مميزة حتى.. بل كان كل شيء نقيضة. 




دموعها لم تتركها، وهو لم يبالي.. لم تبادله اي شيء لا معنوي ولا حسي، وهو لم يبالي.. تنهيدة القهرة التي كانت تخرج من حين لاخر تحرق صدرها لم يشعر بها، شعورها بالانكسار بعدما انتهى كل شيء واعطاها ظهره بعد جملة سامة الاقاها على مسامعها " رحمتِ نفسك باللي كنت ناوي عليه لو كان شكي طلع صح"، لآخر لحظة كان يشك بها! احتاج لدليل كي يمحي شكه! 




اعطته ظهرها هي الأخرى تلملم الغطاء عليها ومعه تلملم ما يمكنها جمعه من مشاعرها ونفسها، وكرامتها المهدورة.. كرهت كل شيء حدث، اغمضت عيناها بقوة كي لا يعاد اي مشهد في ذاكرتها ولا أمام عيناها.. نزلت دموعها تؤنس وحشتها وهمست بداخلها عاجزة كطفل صغير تائه بكلمة واحدة  "يــــارب"... 




"يــــارب" حين يعجز لساننا عن قول المزيد، حين يعجز عن البوح بالمكنون، عن البوح بالمطلوب وبما يعتمر دواخلنا.. نكتفي بها ليكن عونًا، وعلى يقين انه يدرك ما نريد قوله وايصاله.. فنكتفي بها لتريح قلبنا وتشعرنا بالسكينة. 




_________________




اقنعت نفسها اخيرًا بأنها لا تفعل خطأ، هو زوجها، ومن حقه أن تتعامل معه بحريه اكبر، من ابسط حقوقه ان يراها بدون حجاب وبثياب اكثر تفتحًا عما ترتديه، كل هذا اقنعت ذاتها بهِ لتخرج اخيرًا، بشعرها بعد ان جعلته حرًا خلفها، وغيرت ثيابها لبيجامة اخرى باكمام تصل للكوع فقط، بلونها الأصفر الذاهي، مرتدية خف منزلي من اللون الأبيض، وخرجت تسير في طرقة الغرف بوجه يكاد ينفجر من كثرة التوتر، لكنها وقفت ما ان وصلت لغرفة "ليلى" واستمعت لصوتها ينادي على من يمر بالطرقة..




_ أنتَ ياللي بره..




دقت على الباب اولاً تنبه للدخول، ثم دلفت وهي تقف امامها تراها على ضوء خافت يأتي من "الاباجورة" المجاورة للفراش.




_ نعم يا طنط محتاجة حاجة؟




نظرت لها "ليلى" بتفحص قبل أن تجيب وتسأل في الوقت ذاته:




_ كنت عاوزه حد يجبلي ماية، الماية اللي عندي خلصت، أنتِ كنتِ رايحة فين كده؟




فركت كفيها بتوتر حاولت اخفاءه وهي تجيبها:





        

          

                

_ انا... هو مراد.. يعني كان حابب يقعد في الجنينة شوية، مش جيلنا نوم دلوقتي، فقالي انزل اقعد معاه. 




نظراتها لم تكن مريحة، وتهجم وجهها على الضوء الخافت دب القلق في قلب خديجة، التي تصنمت محلها حين قالت "ليلى":




_ طب ارجعي أنتِ اوضتك يا خديجة، عشان انا هكلم مراد يطلعلي عوزاه في كلمتين. 




اومأت موافقة وقالت:




_ هجيبلك ماية طيب. 




واتجهت للثلاجة الصغيرة التي تقبع بجانب في الغرفة واخرجت منها زجاجة مياة وضعتها على الكومود بالقرب من السيدة، ثم انسحبت من الغرفة في هدوء. 




التقطت هاتفها طالبة رقم ولدها، رنة واحدة واتاها الرد لتسمع صوته يقول باستغراب:




_ لسه صاحية يا لوله؟ 




_ اه يا حبيبي، قلقت كده ومجاليش نوم، ما تيجي تقعد معايا شوية مش أنتَ في البيت؟ 




صمت لثانية قبل أن تسمعه:




_ ايوه.. بس انا.. 




قاطعته تخبره بحدة ظهرت في صوتها:




_ اطلع يا مراد اللي مستنيها مش هتنزل، انا قولتلها ترجع الاوضة. 




_ طالع. 




الكلمة الوحيدة التي هتف بها من بين اسنانة، قبل أن ينهض متمتمًا بكلمات تنم عن سخطه، وصعد درجات الفيلا الداخلية بخفة حتى وصل لغرفة والدته فدلفها فورًا وهو يقول بملامح واجمه:




- رجعتيها اوضتها ليه؟ 




ناظرته بضيق تقول:




_ عشان مش فاهمه أنتَ بتعمل ايه بالضبط، مش كفاية ساكتة كل ده إنك لسه مكتبتش الكتاب من تاني، لا وواخد راحتك معاها اوي وهي زي الهبلة مش عارفة انك محرم عليها لسه. 




رفع حاجبيهِ بملل وهو يقول:




_ لا مش هبلة، وهي برضو كانت كل شوية تقولي الكلام ده، لحد ما خليتها تكلم شيخ وسألته، قالها مادام عارفه حقيقتي دلوقتي وموافقة عليا خلاص. 




رفعت حاجبها الأيسر ناقمة، ورددت باستنكار:




_ ده بقى شيخ من تحت السلم ولا ايه؟! 




_ ليه التريقة بقى؟ 




_ اصل يانن عين امك مفيش شيخ هيقولك كده، إلا لو كنت موانس معاه، او انه مش شيخ اصلاً وعملت الفيلم ده عشان تروق بالها. 




لم يجيبها فقط اكتفى بنظرة ممتعضة دون رد، لتكمل وهي تسأله بتوجس:




_ واد يا مراد، اوعى تكون ضاحك عليا انا كمان ومفهمني ان كل واحد فيكوا في اوضة وتكونوا في اوضة واحدة سوا! 




ابتسامة بلهاء صغيرة رُسمت على ثغره وهو يخبرها:




_ عيب بقى الكلام ده، بقى انا اكدب عليكي برضو! كل واحد في اوضة طبعًا.. 





        

          

                

لم تكن مرتاحة له ابدًا، وتجلى هذا في نظراتها المشككة، لكنها تغاضت عن الموضوع وهي تقول:




_ مراد.. بكره المأذون يكون هنا وتكتبوا من جديد، مفهوم.. انا مرضتش اتكلم معاها وافتح عينها على الحوار ده، لكن يمين بالله لو ما حصل ده بكره لاسيبك منك ليها. 




زفر انفاسه بضيق وهو يقول:




_ خلاص ياماما حاضر.. حاجة تانيه ولا اروح اتخمد؟ 




اسبلت عيناها ببراءة وهي تخبره:




_ عوزاك تنامي معايا الليلة واحشني وعاوزة اشبع منك. 




_ لا مش شغل ده بقى! مش للدرجادي يعني! 




رددها بذهول تام، لتلوي فمها متشدقة:




_ اومال اسيبك تروح تشوفها وهي على عماها ومسيبة شعرها ولابسة بنص كم... هتنام معايا ولا...




_ هي طالبة معاكِ تهديد النهاردة! 




زفر انفاسه مفكرًا لبرهه ثم قال حين لمعت فكرة برأسه:




_ ولو جبتلك المأذون دلوقتي وكتبنا الكتاب! تحلي عني؟ 




_مأذون ايه اللي يجيلك دلوقتي! إلا لو كان مأذون كده وكده. 




اجابها بنفاذ صبر:




_ ياستي مأذون حقيقي، هخليه يجيبلك بطاقته كمان لو عاوزه. 




- هتجيب مأذون الساعة ١ بليل، ماتستنى للصبح يابني. 




وضع إصبعه على مخه مرددًا:




_ هي بقى لبست في دماغي اتجوز دلوقتي، في مانع!. 




_ أنتَ حُر، بس لازم توريه القسيمة اللي معاك عشان يلغيها. 




نهض من أمامها متجهًا لشرفة الغرفة طالبًا رقم "طارق" الذي رد بعد قليل ليخبره:




_ عاوزك تروح تجبلي أي مأذون من قفاه دلوقتي حالاً، وتيجي على الفيلا. 




اتاه صوته المتعجب:




_ دلوقتي؟ خير يا باشا جواز ولا طلاق؟ 




_جواز. 




_ هتتجوز على خديجة هانم؟؟!! 




وما إن قالها "طارق" بذهول حتى صرخ بهِ:




_ انا مش ناقص تحقيقات، اعمل اللي قولتلك عليه من سكات، من امتى بتسأل؟ 




_ حاضر ياباشا.. آسف. 




_نص ساعة وتكون عندي بالمأذون. 




وأغلق الخط، وما إن كاد يتجه للداخل حتى اتاه اتصال من "حسن" للمرة الثالثة يتصل بهِ خلال يومين ولم يجيبه، ولكن الآن وبما إنه متحفز للعراك مع ذبابة تمر أمام وجهه، فما كان منه سوى أنه أجاب ببرود:




_ نعم يا حسن بيه؟ 




- بكلمك بقالي يومين مبتردش، وبتيجي الشركة في الأوقات اللي مبروحش فيها، بتتهرب؟ 




_ هتهرب ليه؟ عامل عملة وخايفة منها! انا محدش يقدر يخوفني من مواجهته ويخليني اتهرب منه. 




_وأخرة اللي بتعمله ايه، امك هترجع امتى يا مراد وتنهي الهبل ده؟ 




_امي مش هترجع طول ماهي مش عاوزه. 




ساد الصمت لثواني قبل أن يقطعه "حسن" وهو يقول بنبرة غاضبة وتهديد واضح:




_ طب اسمع بقى، أمك لو مرجعتش البيت في ظرف يومين.. هكشف حقيقتك قدامها، عشان تعرف ان جوزها الوحش اللي هربت منه، ابنها مش أحسن منه، وصدقني امك لو عرفت ياهتموت بحسرتها على عمرها اللي ضاع عليك هباءً، يا هتسيبك انت كمان وتبقى كمش طيقاك زيي.. ووقتها احنا الاتنين هنكون خسرنا..... انا مش هخسر لوحدي يابن حسن. 




الجحيم المستعر يكمن في عيناه الآن وهو يستمع لحديث والده المزعوم، أيهدده هذا؟ ولكن هو قادر على تنفيذ تهديده وحينها... سيخسر كما اخبره.. والخسارة فادحة.. 



 


google-playkhamsatmostaqltradent