رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الحادي عشر 11 - بقلم فاطمه طه
نتمنى أن نجد مَن يُحبنا ليس لعلةٍ ما، أو لأننا نملك جناحين أن يحبنا لأننا “نحن”هكذا وبلا سبب حتى ولو كنا بلا أجنحة وهجرتنا كُل الأسباب .
#مقتبسة
“كمَن يوَدُّ أَن يَتخطَّى فَترات حياتهِ الصَّعبَة سريعًا بكُلّ صَلابتِه، ثُمَّ يَبكي.”
#مقتبسة
كيف للمرء ان ينسى اشياء اهدر من اجلها قلبه •
#مقتبسة
_____________
تضع أحلام الهاتف على أذنيها وهي نائمة في فراشها تتحدث بصوتٍ ناعس ومنزعج من اتصاله عن رغبتها في النوم:
-في إيه يا طارق؟!..
جاءها صوته وهو يتحدث بنبرة لينة لم تكن غاضبة مثلها أو منزعجة حتى:
-في إني بقالي كام يوم ببعتلك صور كذا بيت وأنتِ ولا بتردي ولا غيره تقوليلي هشوف وأرد عليك ومش بشوف منك رد وأنا عايز أنجز في الحوار ده……
أردفت أحلام باستغراب:
-أنا مش فاهمة ليه الاستعجال ده طيب؟! وبعدين أنا مردتش النهاردة علشان كنت طول اليوم مشغولة في المستشفى..
تحدث طارق بعدم فهم من مماطلتها في الأمر:
-وإيه المشكلة يا أحلام يعني؟! ما الحاجة كل يوم بتغلى وبتزيد، ده العقارات والدهب كل يوم برقم مختلف عن اللي قبله زي ما أنتِ شايفة والفلوس مع الوقت قيمتها بتقل ومبيكنش ليها لازمة.
ابتلع ريقه وهو يوضح لها الأمر بطريقة أكثر وضوحًا في رغبته:
-وده حلمي من زمان أن يكون لينا بيت أنا بإذن الله أسكن فيه وأنتِ يكون ليكي شقة واختك ليها شقة وبيت من أوله وأخره يكون بتاعنا منقعدش في إيجار تاني، هو سنين الغربة والعمر ده والعمر اللي جاي كل ده ليه يعني؟!.
أعتدلت أحلام في فراشها ثم تحدثت بنبرة جادة:
-يا حبيبي أنا عارفة كل ده بس أنا يعني بقول في طُرق كتيرة تانية تستثمر فيها فلوسك أحسن خصوصًا إني أكيد لما اتجوز او هدير هتتجوز يعني العريس اللي هيجيب الشقة..
رد عليها طارق بهدوء شديد:
-اهو هتبقى فلوس ومتشالة ساعتها مخسرناش حاجة وبتزيد مع الوقت، شوفي الحاجات اللي بعتهالك أنا عاجبني أخر واحد هتلاقيني حاططلك نقطة عليه بس برضو شوفيهم كلهم وقرري كده وعرفيني علشان أرد على نضال والسمسار..
غمغمت أحلام بنبرة جادة:
-حاضر يا طارق هقفل معاك حالا وهشوف وأقولك إيه اللي عجبني..
-تمام وأنا بعتلك كل التفاصيل كمان وكل بيت كام متر وفين بالظبط في منهم اتنين عندكم في المنطقة وواحد تاني برا في ******..
بعد مرور ثلث ساعة تقريبًا…
كانت تجلس أحلام على الأريكة تضع الهاتف على أذنيها تتحدث مع صديقتها إيناس بعد فترة انقطعت بينهما الاتصالات تقريبًا فهي كانت ترد ببطئ رهيب على إيناس بين الحين والأخر…
-والبجح ده بيتصل بيكي ليه؟! أنا مشوفتش بجاحة كده ولا هشوف…..
“اه جاي يعمل نفسه حبيب دلوقتي”
تمتمت أحلام بنبرة تشجعية:
-فكك منه خالص، ده بس قلبه حارقه على العفش والحاجة غير كده ولا هامه لو كلمك تاني امسحي بكرامته هو واللي خلفوه الأرض اتشجعي كده وميهمكيش..
ردت إيناس عليها بتردد:
” ربنا يسترها”
ثم قالت بانزعاج شديد وعتاب واضح:
“وبعدين يعني ده أنا مصدقتش لما لقيتك بترني أخيرًا؛ أنتِ بتغطسي فين وبتغيبي فين يا بنتي؟!”.
ارتبكت أحلام ثم أردفت محاولة قول أي شيء:
-هكون فين يعني يا ايناس؟! يا في البيت بروق وبعمل أكل يا في المستشفى مطحونة في الشغل يا الجامعة، الدنيا مدربكة فوق رأسي كالعادة وكنت كده كده هكلمك…
حاولت إيناس أن تنهي الأمر..
لعلها بالفعل تخبرها بالصدق وهذا ما يشغلها لذلك أردفت بهدوء:
“ربنا يعينك ويقويكِ ردي بس عليا على الواتس على الأقل أطمن أن أمورك بخير”..
قالت أحلام مستسلمة:
-حاضر..
____________
-مين؟!
شعر دياب وسلامة بالبلاهة كان نضال محقًا هي هنا؟!!!!!!!!!..
اتضح كل شيء بعدما سمعوا صوتها..
أو هكذا ظن نضال…
لكز نضال يد دياب فغمغم وهو يقلد صوت الصبي الذي يأتي بالمكوجى:
-أنا المكوجي جايب حاجات ست ابتهال…
صمت لثواني يحاول تذكر اسمها:
-أقصد ريناد..
-أوك ثواني وهفتح، دقيقة…
ضحك سلامة رغمًا عنه فوضع نضال كفه على فمه، فتحت سلمى الباب بحسن نية بعدما أرتدت خمارها بشكل غير مهندم لكنه يفي بالغرض…
لتجد ثلاثة شباب يقفون أمامها……….
لكن منهم اثنان بمجرد رؤيتها ركضوا وهبطوا من الدرج في منظر مُريب، على ما يبدو كان مازال هناك شك في نفوسهم حتى بعد استماع صوتها..
أردفت سلمى بعدم استيعاب أكبر من عدم استيعابها لمعرفتهم مكانها أو وجودها هنا:
-هما جريوا ليه؟!…
تحدث نضال بنبرة جادة ومتوترة وهو يشعر بأنه يتعامل مع أطفال صغار حتى دياب نفسه:
-تقريبًا هما معندهمش خطة إيه اللي المفروض يقولوه لما شافوكي لأنهم حلفوا وقالوا أنك استحالة تكوني هنا..
قالت سلمى بعدم فهم وفضول وهي تتجنب التواصل البصري الصريح له:
-أومال أنتم عرفتوا منين إني هنا أصلا؟!.
-أنا اللي اتوقعت…
نظرت له سلمى باستغراب شديد، لما يأتي في عقله هو شيئًا هكذا؟! هي كانت تظن بأن لا أحد قد يعرف مكانها هنا أبدًا حتى عائلتها، هي حتى لم تجد تعقيب مناسب قد تتفوه به على تصريحه هذا……
سمعته يهتف باعتراض واضح:
-مهما كانت الظروف والأسباب مفيش حاجة تستحق تقلقي أهلك عليكي يا سلمى.
…بالأسفل…
وقف سلامة أمام دياب متحدثًا بدهشة:
-هو أنتَ نزلت معايا وجريت ليه؟!.
غمغم دياب بجدية وصدقٍ ونبرة شبة ناعسة فهو عند اتصال نضال استيقظ من النوم:
-معرفش أنا شوفتك بتجري جريت وراك، قولت في حاجة أكيد..
تحدث سلامة بتوضيح لما حدث له:
-لا أنا جريت بس علشان ملقتش كلام أقوله أنا جاي وراسم إنها مش هتكون موجودة وهقعد اشمت في نضال واقوله ازعجنا الناس، اصل خد بالك أنا كول سنتر يعني حافظ حاجات بتكلم فيها؛ لو السيناريو أو المشكلة جديدة واتغيرت بحس بعطل…
هتف دياب وهو يضع يده على كتفه:
-تعرف أنا دلوقتي حسيت بـ صاحبي على اللي بيقوله أنه عايش مع ناس بدماغكم، وأنا اللي زي الاهطل روحت جاري ونازل وراك…
..عودة مرة أخرى إلى عند سلمى ونضال…
هتفت سلمى مختصرة بعد سؤاله:
-في حاجات كتير متعرفهاش…
قاطعها نضال بنبرة جادة ومُصرة على رأيه:
-برضو مفيش حاجة تستاهل أن أختك ووالدتك يكونوا قاعدين في البيت مش قادرين يعملوا حاجة ولا يوصلوا ليكي..
صعد دياب وسلامة على الدرج بملامح جامدة وجادة وكأنهم لم يركضوا كالمجانين، وكأنهم قد شاهدوا شبحًا ما وقتها…
تحدث سلامة ما إن وصل لهم:
-ازيك يا سلمى عاملة إيه؟!.
أردفت سلمى ساخرة وهي تنظر إلى سلامة:
-إيه هنبدأ اللقاء من الأول ولا إيه؟!.
هتف سلامة برجاء حقيقي:
-اه ياريت، نعمل cut للي حصل و نبدأ من الأول….
كاد نضال أن يتحدث بأن هذا ليس وقت المرح لكن قاطع الجميع صوتٍ يأتي من الداخل هاتفًا، لم يكن هذا الصوت سوى صوت بهية التي استيقظت من النوم؛ منذ دقائق وهي سمعت صوت الباب لكنها انتظرت إي أشارة أو أن يغلق مرة أخرى لكن ذلك لم يحدث هذا ما جعلها تنهض من فوق فراشها وترتدي خِمارها المنزلي:
-بتكلمي مين يا سلمى وباب الشقة مفتوح ليه؟!.
رد هنا دياب بنبرة عالية بعض الشيء لتصل لها:
-أنا دياب يا بهية، ومعايا نضال وسلامة….
…بعد مرور بضعة دقائق…
كان نضال، سلامة ودياب يجلسون على أريكة واحدة، بينما سلمى تجلس على المقعد الخشبي المتواجد بجانب مقعد بهية التي استقبلت الشباب بترحاب كبير…….
جلس الثلاثة ولا أحد يستطيع قول كلمة واحدة، كان أول شيء أخبرت سلمى (سلامة) به ألا يخبر جهاد بشيئًا، بعدها احتل الجميع صمت مُريب…
أرسل سلامة رسالة نصية إلى والده منذ عدة دقائق عند دخولهما..
“احنا لقينا سلمى يا بابا عند الست بهية اللي ساكنة في عمارة دياب”
جاءت ريناد من الداخل متحدثة بصوتٍ ناعس وهي تقف خلف الأريكة الجالس عليها الثلاث شباب حينما شعرت بحركة في الخارج…
-هو البيت ده محدش بيعرف ينام فيه ليه؟!…
تحدثت بهية وهي تنظر في أحد الجوانب حينما سمعت صوت ريناد:
-دول جيرانا يا ريناد جايين علشان سلمى خشي اوضتك دلوقتي..
سألتها ريناد وهي تفرك عيناها لا تهتم بخصلاتها الغير مرتبة ولا أي شيء:
-ليه ادخل هو مينفعش أقعد؟!…
غمغمت بهية بنفاذ صبر:
-اقعدي في أي حتة يا ريناد اعملي اللي يريحك بس اسكتي.
جاءت ريناد وسحبت مقعد خشبي وجلست خلف الأريكة التي يجلس عليها الثلاثة شباب والجميل في الأمر بأن الثلاثة لم يفكر أحد حتى أن يستدير لرؤية صاحبة الصوت إلا أن دياب فقط كان غاضبًا ومغتاظًا….
-هاي يا جماعة..
قالت ريناد تلك الكلمات وهي جالسة على المقعد ليعقب سلامة بسخرية رغم أنه لم يستدير:
-هاي.
تحدث نضال موجهًا حديثه إلى سلمى بنبرة قاطعة:
-سيبتي البيت ليه يا سلمى، لغايت دلوقتي أنتِ متكلمتيش ولا قولتي سبب مقنع يدخل دماغ الواحد…
عقب سلامة على حديث شقيقه بنبرة جادة:
-ايوة يا سلمى ليه كده؟! جهاد مموته نفسها من ساعة ما مشيتي ومش عارفة تعمل إيه، ليه مش عايزاني أطمنها حتى؟!…
قالت سلمى بثبات انفعالي كبير جدًا تحسد عليه:
-أنا اتخانقت مع ابويا اللي ظهر في حياتنا فجأة وعلشان كده أنا سيبت البيت، وعموما كنت بفكر ارجع الصبح مش هطول أنا بس بفصل شوية…
تحدث هنا دياب بنبرة جادة وقوية ومن غيره يستطيع أن يصف الأمر:
-ووالدتك اللي ضغطها علي وتعبت دي؟! مش ليها حق عليكي؟! مفيش أهم من صحة والدتك ومتكونيش أنتِ سبب في تعبها…
قال دياب كلماته بمشاعر صادقة هو أكثر من يُجيد الحديث عن تلك النقطة لأنه يمر بأقوى اختبار الآن مع والدته وللحق كلماته أثرت بها بشكلٍ كبير..
خيم الصمت مرة أخرى لمدة ثلاث دقائق وهنا تحدثت بهية بنبرة هادئة:
-قومي اعملي شاي يا ريناد…
أشارت ريناد على نفسها هاتفة باستنكار:
-أنا؟!.
كادت بهية أن تتحدث لولا جرس الباب الذي قرع بقوة، هنا أردفت ببساطة:
-ايوة أنتِ وقومي شوفي مين على الباب..
نهضت ريناد متأففة وفتحت الباب لتجد أمامها رجل خمسيني لا تعرفه، وصبي في فترة المراهقة يحمل أرجيلة ويخاطبه الرجل الخمسيني..
-أيوة سيبها هنا يا حبيبي كتر خيرك تعبتك معايا…
تحدث الصبي وهو يأخذ منه النقود:
-تعبك راحة يا معلم زهران..
ثم رحل وهنا تحدثت ريناد مخاطبة أياه باستغراب:
– مين؟!
رد زهران عليها وهو ينظر لها مبتسمًا، كانت ريناد جميلة وتجذب من ينظر لها وتلك حقيقة مؤكدة:
-مساء القشطة يا بنتي، أنتِ اللي مين أول مرة أعرف أن في بيت بهية بنات حلوة كده..
لم تنزعج ريناد من إطرائه لكنه كان غريبًا بالنسبة بها وسمعت ما يدور في الداخل وهنا عرفت هويته.
غمغم دياب باستغراب:
-هو أبوك ايه اللي جابه وعرف منين إننا هنا؟! مش قولت على القهوة قاعد مع صاحبه…
نظر نضال ناحية سلامة بنفاذ صبر وكانت تلك الإجابة التي وضحها نضال دون أن يفتح فمه….
غمغم سلامة بخوفٍ وهو يرى نظراتهم المخترقة له:
-أنتم بتبصوا كده ليه؟! أنا والله بعتله اطمنه بس مكنتش اعرف أنه هيجي…
ردت بهية وهي تشم رائحة الدخان والأرجيلة وهي تعرف هذا الرجل جيدًا منذ أن كان شابًا وقبل أن تفقد بصرها:
-اتفضل يا معلم زهران بس لوحدك الشيشة متدخلش……..
دخل زهران منزعجًا بعدما نهض دياب وجلس على مقعد خشبي بينما جلس زهران بجانب سلامة ونضال على الأريكة……….
تحدث زهران بقلقٍ وهو ينظر لهم بضيقٍ شديد:
-أنا قلقان على كريمة وهي برا كده في البرد لوحدها…
غمغم دياب بنبرة مرحة رغمًا عنه:
-متقلقش على كريمة مفيش غيرنا في البيت أصلا محدش هيقرب ليها، وبعدين كريمة فحمها مولع ومدفية اطمن أنتَ بس..
وجه زهران حديثه إلى سلمى هاتفًا:
-كده تقلقينا كلنا عليكي يا بنتي، وبعدين يعني في حد يسيب البيت علشان عريس مش عاجبه؟! هو في حد هيغصبك على حاجة ونضال موجود…
“نضال مين؟!”..
كان هذا السؤال الذي يخطر على عقل نضال بعدما قام بهز رجله الملاصقة لجسد والده لعل ذلك يجعل رسالة معينة تصل إلى أبيه وهو أن يصمت، لكن ذلك لم يحدث….
تحدثت سلمى بنبرة جادة:
-أنا محدش عمومًا يقدر يغصبني على حاجة، أنا مسيبتش البيت علشان العريس ومش أنا اللي اعمل كده؛ أنا سيبت البيت لأني اتخانقت مع بابا بعد ما رجع بعد السنين دي كلها وفاكرنا لسه مستنينه أو أن له مكان….
اندهش الجميع من جراءة سلمى وقوة كلماتها، وهي تتحدث بالكلمات التي لم تجرؤ جهاد على قولها أمام سلامة، لكن سلمى لا تخاف من شيء ولا يهمها رأي أي شخص بها:
-أبويا طلق أمي من أكتر من عشر سنين واختفى من حياتنا منعرفش عنه أي حاجة ولا حتى اخواته كانوا يعرفوا عنه حاجة، رجع دلوقتي وبيقول أنه رد أمي من زمان من غير ما يعرفها وكل شوية ينط لينا، وجاي عايز يقنعني بالعريس اللي أنا رفضته…
انزعج زهران مما يسمع بينمل هناك سؤال عفوي خرج من نضال وهو لم يكن يومًا رجلًا يتحدث من دون أن يفكر:
-رفضتيه ليه؟!..
عقب زهران على حديث ولده بمكرٍ وهو يناظرها:
-ايوة ليه رفضتيه صحيح؟!..
ردت سلمى بحرج ولكن كانت نبرتها قوية هي لا تهاب أي شيء ما عدا ذكرياتها المؤلمة عند رحيل والدها:
-رفضته علشان أنا مش حابة اتجوز هو شخص كويس وغالبًا هو افتكر رفضي ليه أنه كلمني أنا الاول فقط لذلك دور على عمامي…
شعور بالضيق يحتل صدر نضال ولا يعلم لما ازعجته كلماتها بهذا الشكل الغير مفهوم أبدًا، ولكنه ألتزم الصمت رغم رغبته في تكسير اي شيء أمامه من كثرة الإحراج الذي يصيبه به والده…
تحدث زهران بهدوء ماكر:
-يا سلمى يا بنتي أنا بس خوفت نكون لينا أي يد في الموضوع أنك تسيبي البيت..
ردت سلمى بنبرة واضحة:
-لا طبعًا مش ده السبب…
غمغم زهران بنبرة جادة وعرض حقيقي ليس لأنه فقط يرغب في الزواج من يسرا لكنه لا يتأخر في مساعدة أي شخص:
-يا بنتي لو على حوار أبوكي لو في حاجة أقدر اعملها أنا مش هتأخر واحنا جنبكم يعني..
قالت سلمى بنبرة واضحة وهي تنظر له دون حرج زاد هذا ما من إعجاب نضال بها، وكذلك ريناد التي تراقبها مبهورة من ردودها الحاضرة والقوية على الرغم من أنها لا تعرف اصل الموضوع لكنها بدأت تنسج خيوطًا في عقلها وتفهم المشكلة إلى حدٍ ما بعقل ساذج وهذا ما سوف يظهر بعد قليل…
-أنا بحكي اللي حصل علشان اوضح موقفي وموقف والدتي لأن هي مكدبتش على حد زي ما هو حاول يوضح، لكن رغم كل ده أنا مش هسمح لأي حد يتدخل بيني وبين أبويا، ولا وسط أهلي خصوصًا أن خالي خلال أيام هيكون هنا وهو أولى واحد يحل مشكلة أخته…
قدر زهران موقفها وتحدث بصلابة ووضوح:
-واحنا أهل وجيران يا بنتي، وأنا غرضي المساعدة مش أكثر، احنا أهلك برضو لكن مدام أنتِ حابة أن محدش يدخل براحتك ومع ذلك أحنا موجودين في أي وقت تحتاجينا حاجة فيه..
عقب نضال على حديث والده:
-مدام مش حابة حد يدخل الأفضل ترجعي تطمني اختك ووالدتك عليكي، مينفعش حد في تفكيرك ودماغك يعمل اللي بتعمليه ده ويسيبهم مش عارفين أنتِ فين لأني مش هسمع كلامك زي ما سلامة عمل وهنزل من هنا هروح وأعرفهم مكانك.
نظرت له سلمى بنبرة مغتاظة، وهنا أردفت ريناد بنبرة ساذجة لم تعطها فرصة للرد عليه كما كانت تريد:
-مقولتيش رأيك لينا إيه في العريس التاني طيب انا متشوقة أوي أعرف؟!!
نظرت لها سلمى بأعين تكاد تخرج من مكانها وحرج كبير احتلها تلك المرة حتى أنها صمتت تمامًا تحت ضحكات زهران أما سلامة كتم ضحكاته بصعوبة بينما نضال اشتعل وكاد يصرخ مما يحدث صدقًا لم تغضبه ريناد بقدر ما اغضبه والده وشقيقه..
تحدث دياب مستنكرًا:
-أستاذة ابتهال، معلومة بس حضرتك…
قاطعته ريناد بأعين مشتعلة:
-ابتهال مين دي؟! أنا اسمي ريناد..
رد دياب عليها بنبرة ساخرة:
-ابتهال ولا ريناد، ولا الجن الأزرق مش دي المشكلة يا أبلة، العريس التاني هو نضال اللي قاعد بيتكلم من الصبح ده..
تحدثت ريناد بعد ضحكة خرجت منها وشهقة:
-بجد؟! أنا كنت فاكرة أنه حد تاني…
ظن دياب بأنها فهمت الأمر أو حتى ترجمته لذلك سوف تصمت لكنها هتفت بابتسامة واسعة وساذجة إلى حدٍ كبير في نظره:
-فهمت يعني هي مش عايزة تتجوز العريس الاولاني علشان بتحب نضال وباباها عايزها تتجوز حد تاني..
أحمر وجه سلمى تحت كلمات دياب:
-ياريتك ما فهمتي عموما وكنتي دخلتي نمتي أحسن وأفيد.
تحدث زهران مقاطعًا هذا كله:
-سيبك من القمر دي يا دياب وقوم شوف كريمة بخير ولا لا، زمان الحجر اطفى…
تحدث دياب منفعلًا تلك المرة بـحقٍ:
-يا عم زهران كريمة هتكون زي الفل خلينا في اللي احنا فيه ابوس ايدك، علشان أحنا كلنا مش كويسين وأنتَ مركز مع كريمة وبس..
هتف زهران بنبرة مرحة وهو ينظر إلى سلمى:
-والله حفيدتك يا ست بهية لفتت نظري لحاجات كتير، أنا عمري ما شوفت اتنين لايقين على بعض بالشكل ده زي سلمى ونضال، مش كده يا ست بهية؟!.
ضحكت بهية وهي تجيب عليه:
-مبشوفش والله يا زهران يا ابني…..
رد زهران عليها ببساطة:
-حسيهم، ما شاء الله بجد، كان اختيار نضال أنه يتقدم ليها أحسن قرار أخده في حياته …
ابتلع ريقه ثم غمغم زهران بينما نضال دفن وجهه بين كفيه يئسًا من أن يتوقف أبيه:
-لولا الملامة كنت جيبت أحمد المأذون اللي أنتَ عارفه يا دياب اللي طلق اختك، كان قاعد مش لاقي شغل كان جه كتب كتاب الاولاد…
نهضت سلمى متحدثة بنبرة جادة حتى ينتهي هذا الأمر والهراء:
-أنا هرجع البيت دلوقتي خلاص…
ضحك سلامة وهو يُردف بنبرة مرحة:
-سلمى حرمت تسيب البيت تاني من النهاردة…
______________
سلامة رافقها حتى منزلها….
لم تكن المسافة بين شارع خطاب والحارة التي يقطن بها دياب كبيرة بل المسافة صغيرة جدًا لم تستغرق عشر دقائق سيرًا على الأقدام…
تركها سلامة عند المنزل ثم عاد هو إلى منزله براحة بال على الأقل هذا كان أفضل حل تم الوصول إليه، وأفضل نتيجة حدثت حتى تنتهي أخيرًا تلك الليلة الصعبة والغريبة….
صعدت سلمى وفتحت الباب لها جهاد التي استقبلتها بالاحضان وكأن الروح عادت لها تنفست الصعداء أخيرًا وهي تبكي بجنون، أخيرًا عادت شقيقتها، هنا فقط تصبح الليلة أمنة…
بعد هذا الاستقبال ولجت سلمى إلى الشقة ثم توجهت صوب والدتها الجالسة على الأريكة وأخذتها في أحضانها بحبٍ كبير وهبطت دموعها هي الأخرى معقبة بجدية شديدة وثقة:
-جهاد من بدري بتقولي أنام شوية وارتاح بس حلفت إني مش هيغمض ليا عين قبل ما تيجي وكنت عارفة أنك مش هيهون عليكي تحرقي قلبي وتعدي الليلة علينا وأنتِ مش معايا…
تحدثت سلمى معتذرة وهي تنظر لها بحرج شديد:
-حقك عليا يا ماما أنا مكنش ينفع اعمل كده ولا اسيبك…
تحدثت جهاد باستغراب وفضول:
-كنتي فين يا سلمى؟!..
أردفت سلمى وهي تجيب على سؤال شقيقتها بوضوح:
-كنت عند طنط بهية، وجيت مع سلامة هما عرفوا مكاني هو ونضال وعم زهران جم ليا هناك…
تعجبت جهاد من هذا وكذلك يسرا، لكن تحدثت الأولى بعدم فهم:
-عند طنط بهية؟!!! وهما عرفوا منين حاجة زي دي؟! أنا أصلا مجاش على بالي الست دي خالص أخر احتمال ممكن يجي في بالي اصلا…..
سلمى لا تحسن الكذب…
ولا يوجد كذبة مقنعة قد تستطيع قولها وفي الوقت ذاته لا تستطيع إخبارهم بأن نضال شعر بأنها هناك!!!
الأمر نفسه عجيب ومخيف..
كيف له أن يخمن مكان كهذا؟!.
كيف له أن يفعل وهو رأها مرة واحدة هناك؟!..
والغريب أنها هي نفسها لم يخطر على عقلها بأنها سوف تذهب إلى منزل تلك المرأة التي لا تذهب عندها إلا قليلًا جدًا من أجل علاجها، لم تكن تظن بأنها ذات يومًا ستكون المكان الأمن التي تلجأ إليه..
إذن كيف له أن يفعل هو؟!…
-معرفش بقا المهم أنهم لاقوني وإني جيت هما اللي اقنعنوني ارجع دلوقتي أنا كنت هاجي الصبح..
أردفت يسرا بعتاب شديد:
-كده يا بنتي؟! كنتي عايزة تسبيني بناري لغايت الصبح؟! ده ربنا وحده اللي يعلم أنا بنكوي ازاي وقلبي هيتقطع من ساعة ما مشيتي واختفيتي ومش عارفة عنك حاجة..
ردت سلمى وهي تنظر لها بحرج كبير من فعلتها وكيف أنها سببت هذا الخذلان إلى والدتها:
-كنت خايفة يكون هنا، أنا مش مستحملة وجوده وكان لازم أفصل، أصلا أنا لغايت دلوقتي مش عارفة أنا ازاي مشيت كده…
رفعت يسرا كفيها وحاوطت بها وجه ابنتها مُقبلة جبهتها:
-أهم حاجة أنك جيتي يا حبيبتي؛ وأنك بخير متعمليهاش تاني يا سلمى مهما حصل.
تمتمت سلمى بهدوء:
-حاضر يا ماما…
في هذه الأثناء رحلت جهاد للحديث مع سلامة، فـ ولجت إلى الغرفة واتصلت به ليجيب عليها على الفور فهو كان يقف أسفل منزله..
-الو يا جهاد؛ سلمى طلعت؟!
غمغمت جهاد بنبرة هادئة:
-أيوة طلعت شكرًا يا سلامة، شكرًا بجد ليكم أنكم السبب أنها ترجع ماما كان شوية وهيجرى ليها حاجة والله من الخوف والقلق..
جاءها صوته الهادئ:
-بعد الشر عليها يا جهاد الحمدلله أن اليوم خلص على كده..
تحدثت جهاد بفضول وهي تسأله:
-هو أنتَ عرفت مكانها ازاي صحيح؟! من صاحب نضال اللي ساكن هناك؟! هو شافها وقالكم؟!
وضح لها سلامة الأمر ببساطة:
-لا هو ولا أنا عرفت، ولا دياب شاف، نضال عرف ان سلمى مش موجودة وفضل يفكر هي ممكن تكون فين وهو اللي اقترح أنها عند بهية وبصراحة محدش فينا كان مصدق أن ممكن يكون عنده حق…
..عـــودة مرة أخرى إلى يسرا وسلمى..
-أنا هتصل بأحمد وهتكلم معاه وهفهمه الموقف وهو أكيد لما يعرف اللي فيها هينفض ليه، أحمد شخص محترم وكويس وأنا عارفة أنه أكيد باللي عمله ده رغم أنه اذاني بيه إلا أنه ميعرفش اللي هيحصل هو أصلا مكنش يعرف مشكلتي مع أبويا وخالو هيجي وهيتصرف معاه..
ردت عليها يسرا بنبرة متعبة ومُرهقة:
-ايوة يا بنتي، ربنا يسترها أهم حاجة أنك هنا وإني اطمنت عليكي وكده الواحد يقدر يدخل سريره ويغمض عينه…
بالفعل نهضت يسرا وتوجهت صوب غرفتها وأغلقت بابها خلفها، تشكر ربها بأن الليلة انتهت وابنتها في حضنها وفي بيتها وهذا فقط ما يهمها أي شيء أخر لا يهمها أبدًا…
ظلت سلمى جالسة في مكانها حتى جاءت جهاد وجلست بجانبها هاتفة وهي تضع يدها حول ظهر سلمى التي كانت تقوم بخلع خمارها…
-سمعت أن العريس حس بمكانك وهو الوحيد اللي جابك…
أردفت سلمى بجدية:
-اخرسي يا جهاد متخانيش أفوق عليكي أنا فيا اللي مكفيني ونفسي اليوم ده يخلص بقا…
تحدثت جهاد معترضة:
-كل ده علشان بقول الواد حس بيكي وعرف مكانك ده أنا اللي اسمي اختك محاش في بالي بهية دي خالص…
عقبت سلمى باستهجان:
-يمكن هو ذكي وأنتِ I Q بتاعك zero، وغبية ومفكرتيش تشغلي دماغك مش أكتر..
تمتمت جهاد وهي ترفع حاجبيها متحدثة بنبرة مسرحية من الظرحة الأولى:
-يعني أنا اللي غبية؟!، لكن ده مش ترابط أفكار ومشاعر واضحة…
-دي مشاعر هطلة، أنا داخلة اخد دش وأغير هدومي وأنام ويحلها الحلال الأيام الجاية أهم حاجة خالك يجي في أسرع وقت..
كانت جهاد تركض خلفها متحدثة بجدية جعلت سلمى تصرخ منها:
-ان شاء الله بس دي مش مشكلتنا انا مش هسيبك تنامي غير انا اعرف بينك وبين نضال إيه يخليه يحس بيكي كده…
بينما كان هناك فتاة تصرخ بسبب مرح شقيقتها التي يصيبها بالخجل كان هناك من يجلس في غرفته ممتنعًا عن الحديث مع شقيقه أو مع والده، لأن الحديث معهما لا يُجدي نفعًا…
فقط ما يجعله يشعر بالراحة هو أن سلمى أصبحت في بيتها، وليحدث ما يحدث فيما بعد…
لا يدري رغم غضبه الشديد من والده ومن تصرفاته ومن كثرة يأسه من أن يتغير لم يعاتبه على أي شيء بل أتى فورًا إلى المنزل..
كان يبتسم رغم غضبه وهو يتذكر تلك الجلسة الغريبة من نوعها في منزل بهية، وكلمات سلمى ترن في أذنيه…….
توقف عن الابتسام مرة واحدة..
يبدو أنه تمادي لذلك جذب الغطاء فوقه وهو يستعد إلى النوم….
_____________
في صباح اليوم التالي…
عاد جواد في التاسعة صباحًا إلى المنزل..
بعد تلك الجراحة المُرهقة التي قام بها إلى أحد المصابين..
والآن عليه أن يخلد إلى النوم لأن لديه جراحة اليوم لكنها بعد منتصف اليل…
أخذ حمام دافئ قد يزيل إرهاقه؛ له ليلتان مستيقظًا عليه أن يستريح قبل عمليته الأخرى..
أرتدى ملابس منزلية نظيفة ومريحة ثم ولج إلى الفراش حتى يخلد إلى النوم لكن لم يدوم الأمر طويلًا قبل أن يغلق عينه حتى كان هاتفه يصدع عن صوته يعلن عن اتصال ما…
ليته أغلقه لكنه دومًا يقلق من فكرة إغلاقه تحديدًا تلك الفترة بسبب غياب الجراح الآخر، يخشى أن يكون هناك حالات حرجة…
وجد الاتصال من أحلام……
ما الذي تريده الآن؟!!….
أجاب عليها حينما كررت الاتصال مرة أخرى…
-ألو..
أجابت عليه أحلام بنبرة خافتة:
-صباح الخير يا دكتور عارفة أنك لسه صاحي لأنك كنت في المستشفى..
عقب جواد على حديثها بنبرة ساخرة بعض الشيء وهو يشعر بالغيظ الكبير من إصرارها الغير مفهوم:
-صباح النور يا دكتورة والله كويس جدًا إنك عارفة إني كنت في المستشفى ومدام عرفتي معلومة زي دي أكيد عارفة كمان إني كنت طول اليوم سهران يبقى المفروض تسبيني ارتاح معتقدش في حاجة مهمة الساعة تسعة الصبح محتاجة تقوليها..
غمغمت أحلام ببساطة شديدة:
-تخيل فيه..
-في إيه؟!.
أردفت أحلام بتوضيح بسيط:
-أنا في نهاية الاسبوع مسافرة حبيت أعرفك إني هسيب الشغل وعلى الأقل لازم أعرفك واودعك…
طريقة حديثها كانت غريبة جدًا لا تعلم لما لم يشعر بالراحة الكبيرة فـ اكتفي برد غامض على كلماتها:
-كان كفايا أوي تقولي لدكتور أشرف علشان يظبط الحالات اللي معاكي مع باقي الدكاترة ومكنش في داعي أنك تكلميني..
ردت عليه بنبرة عاطفية بعض الشيء:
-جواد أنا متصلة علشان أنا اودعك بجد ملهوش لازمة الطريقة دي، أنا خلاص مسافرة وهريحك مني على الآخر أنا بس خايفة…
تمتم جواد بعدم فهم وهو يعتدل في الفراش:
– خايفة من إيه؟!.
عقبت أحلام على حديثه بنبرة متوترة وكاذبة لم تخبره بالسبب الحقيقي:
-يعني يمكن علشان هسافر وكده ودي خطوة صعبة عليا، إني اعيش لوحدي…
أردف جواد بنبرة هادئة تخلى فيها عن قسوته لأنه لم يعد لها أهمية الآن:
-الحياة اختيارات وفرص، ودي فرصتك وأنتِ كان نفسك فيها من بدري، وربنا يوفقك متقلقيش كل خطوة في أولها صعبة بس هتتعودي بعدين…
-ربنا يسترها…
هي تقلقه إلى حدٍ كبير…
كان هناك سؤال يرغب في أن يسألها أياه..
من أين أتت بتلك النقود؟!.
فـهي ليست منحة مجانية مثلا….
هناك حلقة مفقودة ولكنه أقنع نفسه بأنه لا يهمه لـتفعل ما تشاء…
أسترسلت أحلام حديثها بتردد:
-عموما أنا كلمتك علشان اودعك مش عايزة أكون زعلانة ولا أنتَ شايل مني، وأسفة لو ازعجتك، مع السلامة..
رد جواد عليها رد مختصرًا انتهت المكالمة بعده:
-مع السلامة..
يشعر جواد بالقلق منها ليس عليها…
وهذا شيء عجيب…
مكالمتها ليست طبيعية وكذلك طريقة حديثها ونبرة صوتها؛ أحلام التي يعرفها جيدًا ويعرفها خير المعرفة لكانت أقامت الأفراح من أجل تلك السفرية…
لكن هي تحدثه بتوجس استطاع أن يلمسه…
لذلك هو يشعر بالقلق لكنه أقنع نفسه بأن الأيام تكفي لتظهر كل شيء…
____________
كالعادة…
اليوم كله بالنسبة إلى إيناس يتلخص في ثلاث مهام رئيسية، الاهتمام بالمنزل وأدوية والدتها وصنع الطعام وتلك هي الأولى…
الثانية هي البحث عن عمل لكن الجميع يحتاج إلى خبرة وهي لا تمتلك خبرة في أي شيء وتشعر باحباط شديد، هي ليس لديها حلول أخرى حتى أطفالها يحتاجون الذهاب إلى روضة لكنه لا يرسل أي مصاريف، ولا تعلم ماذا تفعل….
الشعور بأنها عبء على شقيقها وعائلتها تحديدًا في تلك السنة الدراسية الهامة بالنسبة إلى شقيقتها مزعج ومؤلم جدًا؛ رغم أن الجميع يتصرف بطريقة طبيعية ولا يشعرها بأي شيء لكن الشعور لن يذهب بسهولة…
ولن يرحل غالبًا….
المهمة الرئيسية الثالثة هي جلد ذاتها على كل ما وصلت إليه، الندم على كل شيء تقريبًا بجانب أطفالها وشجاراتهما المستمرة طوال الوقت…..
صدع صوت هاتفها يعلن عن وصول رسائل وهي ليست المرة الأولى بل تكرر الأمر أكثر من مرة ولا تعلم من هذا الذي يراسلها بهذا الإصرار كانت مشغولة بأمر تنظيف وتلميع الشقة والغسيل التي قامت بوضعه على الأحبال…
ألتقطت الهاتف بعدما جلست بجانب ابنتها وابنها على الأريكة هاتفة بجدية:
-هو في إيه مين اللي عمال يبعت بالشكل ده معقول أحلام؟!.
فتحت إيناس الهاتف لتجد عدة رسائل من عمرو…
“وحشتيني يا حبيبتي”
“إيناس أنا من غيرك بموت”
“ايناس فاكرة أيام سعادتنا وفرحتنا مع ولادنا”
بين كل رسالة وأخرى عدة صور فوتوغرافية لها معه أو مع الأطفال حينما كان الاثنان حديث الولادة، قبل أن تنقلب المعاملة تمامًا..
“إيناس حني عليا وبلاش تسبيني أنا من غيرك ومن غير العيال مليش لازمة، البيت فاضي والله، كنت حالف إني مش هكلمك تاني لكن مقدرتش، مش هاين عليا العشرة ليه أنا بقى هاين عليكي؟!”
“إيناس أنا لسه بحبك وشاريكي والله”
هي تشعر منه بضغط غريب من نوعه…
لم يكن يهتم بها وهي زوجته وفي منزله، حتى حينما كانت تمرض أو تمر بوعكة صحية لا يسأل عنها..
الآن هو يرسل لها مئات في يومٍ واحد..
لوهلة شعرت بتأثر، تأثرت بعاطفتها تجاه إلحاحه وما يفعله، لكن لم يدوم هذا التأثير العاطفي طويلًا بل مرة واحدة تخشبت ملامحها وعاد عقلها يعمل وقامت بكتابة رسالة واضحة…
“لو فعلا بتحب عيالك أوي كده وفارقين معاك، كنت صرفت عليهم وبعتلهم مصروفهم، أهلي ملزومين بيا من ساعة ما أطلقنا لكنهم بيصرفوا على عيالك علشان أنتَ مطنش، الرجولة والمعروف اللي أنا عايزاه منك تصرف على عيالك بدل ما ندخل في محاكم وغيره”..
أرسلت الرسالة له وتأكدت من وصولها ثم قامت بحظره من هذا التطبيق ومن المكالمات وكل شيء قابلته تقريبًا حتى تضمن أنه لن يستطيع الوصول لها…
يجب عليها أن تتعافى منه…
وتصب تركيزها كله في أن تجد عمل في أقرب فرصة…
كل الوظائف تحتاج خبرة..
ومن لا يحتاجها سوف يعطيها مبلغ لا يكفي لأي شيء يجعل جلوسها في المنزل أفضل من هبوطها….
هذا ما جعلها تهتف بنبرة ساخرة:
-كله محتاج خبرة وزفت…
جلس دياب بجانبها هاتفًا بنبرة جادة بعدما نهض أحد أطفالها:
-هو ده سوق العمل يا لوزة حتى لو عندك خبرة هتقعدي تشرفي شوية زيي كده..
تحدثت إيناس وهي تغلق الهاتف متحدثة باستغراب:
-هو أنتَ لسه منزلتش؟!.
-اه خلاص نازل اهو، بطلي تقرفي نفسك يا إيناس وتكئبي في نفسك أنك مش لاقية شغل..
غمغمت إيناس بنبرة جادة:
-أنا لازم اشتغل يا دياب مينفعش أفضل قاعدة كده..
تحدث دياب بطريقة منطقية:
-إيناس أنتِ في فترة صعبة لسه مش مدياها أنتِ وقتها أنها تخلص، غير تعب ماما، ادي نفسك فرصة وبراح أنك تهدي شوية قبل ما تفكري تشتغلي، وأي شغل هتلاقيه وهتقبلي بيه لو استعجلتي هتكون حاجة بألف ولا ألفين هتصرفي أنتِ على الشغل مش هو اللي هيصرف عليكي علشان كده اهدي شوية..
ابتلع ريقه ثم حاول بث الطمأنينة بها:
-استني شوية، خصوصًا أن الدنيا مش وحشة أوي، وسمعت انك هتأخدي المعاش امك كانت بتتكلم عليه..
شعرت بأنها قد اقتنعت بحديثه لأنه منطقي، يجب عليها أن تتريث وتنتظر قليلًا…..
لذلك ردت عليه إيناس بعد تنهيدة قوية خرجت منها:
-معاك حق..
______________
-أحلى رز بلبن بالمكسرات بأكله من إيدك والله يا انتصار….
قال سلامة تلك الكلمات وهو يقف على الباب بعدما اتصلت به انتصار ليتناول الأرز باللبن التي قامت بصُنعه اليوم لأنها تعلم جيدًا بأنه يحبه…
فأتى من عمله وقام بقرع الجرس..
تحدثت انتصار بنبرة هادئة وهي تنظر له بعطفٍ:
-بالهنا والشفاء يا بني، وبعدين أدخل هتفضل تأكل وأنتَ واقف كده على السلم..
غمغم سلامة ببساطة:
-لا خلاص هطلع أكمله فوق بس حطيلي علبة كمان غير بتاعت أبويا ونضال…
أردفت انتصار ضاحكة وهي تعطيه حقيبة بلاستيكية:
-حطالك خمسة يا سلامة..
-الله يخليكي يارب، ان شاء الله تحضري لينا الشربات قريب..
غمغمت انتصار ببسمة هادئة:
-يوم فرحك يا حبيبي ان شاء الله…
ثم أسترسلت حديثها بنبرة مرحة:
-أو في جوازة أبوك الثامنة..
هتف سلامة بعفوية شديدة:
-لا المناسبة المرة دي شكلها مش هتكون متوقعة؛ هتكون فرحة نضال وسلمى ان شاء الله.
ضيقت انتصار عيناها متحدثة باستنكار رهيب وهي تكرر كلماته:
-نضال وسلمى إيه؟!.
هنا أدرك سلامة بأنه عليه أن يتعلم الصمت!!
عليه أن يصمت….
لكن مادام لم يستطع يجب عليه أن يستكمل الحديث…
-أصل نضال طلب إيد سلمى أخت جهاد؛ ويعني هي كانت ترشيح بابا له..
ابتلعت انتصار ريقها بصدمة وهي تستمع كلماته وشعرت بالحزن الحقيقي في تلك الجملة، طالما تمنت نضال زوجًا لابنتها، كانت ترى فيه رجلًا يعتمد عليه، ويستطيع أن يكون سند لها، وزوجًا صالح…
لكنها أستدركت نفسها وابتسمت متحدثة بهدوء:
-طب يا ألف مبروك، ربنا يتمم بخير..
تمتم سلامة بنبرة مترددة:
-يعني هما لسه مردوش علينا، الكلام ده كل لسه امبارح وحصل كل شيء مفاجأة حتى أنه مكناش رايحين علشان كده أحنا كنا رايحين علشان نحدد ميعاد فرحي……
تحدثت انتصار بنبرة أمومية بعدما حاولت إبعاد الحزن من نبرتها وصوتها بينما قلبها لن يتخلص بسهولة منه:
-ربنا يعمل لنضال الي فيه الخير، نضال ابن حلال ويستاهل حد كويس زيه، وسلمى بنت حلال برضو ومحترمة بصراحة وخفيفة على القلب…
..بعد دقائق..
بعد رحيل سلامة، جلست انتصار على الأريكة عاقدة ساعديها بانزعاج شديد وواضح، جاءت سامية من الداخل وكانت تستعد فهي على وشك الخروج لمقابلة حمزة..
-أنتِ رايحة فين؟!..
ردت سامية على سؤال والدتها بتردد واضح:
-رايحة أقابل واحدة صاحبتي…
تحدثت انتصار باستغراب واستنكار طبيعي:
-غريبة يعني صحابك اللي ظهروا مرة واحدة كده وملهمش اسم ولا حاجة؟!!.
ابتلعت سامية ريقها بارتباك ثم حاولت أن تدافع عن ذاتها وتتخذ وضعية الهجوم:
-هو يعني يوم ما حبيت أغير جو وأخرج بعيد عن الشغل مش عاجب يعني وبعدين اه ليها اسم هقولك عليه وهقولك هنخرج فين كمان لو حابة مع إني مش عيلة صغيرة لكل ده…
قاطعتها انتصار بسخرية من كل تلك الكلمات والهجوم الغير مُبرر:
-أنا سألت سؤالين رديتي عليا الكلمة بـ عشرين كلمة، مضربتكيش بالنار يعني.
صمتت سامية ثم حاولت تغيير الموضوع بفضول رهيب:
-كنتي بتتكلمي كل ده مع مين على الباب؟!..
تنهدت انتصار ثم أردفت وهي تنظر لها:
-كنت بتكلم مع الواد سلامة وبديه الرز باللبن..
هتفت سامية بدهشة:
-كل ده بتديله الرز باللبن؟!.
أردفت انتصار بنفاذ صبر وهي تنظر لها:
-لا كان بيحكيلي على اللي حصل امبارح…
ضيقت سامية عيناها بعدما جاءت وجلست المقعد هاتفة باستغراب:
-وهو إيه اللي حصل امبارح؟!.
-نضال طلب إيد سلمى للجواز…
نهضت سامية من مقعدها هاتفة بذهول:
-سلمى مين؟!..
ردت والدتها عليها باختصار:
-أخت جهاد..
تحدثت سامية بنبرة شبة صارخة:
-والله يعني هو بين كل البنات ملقاش غير سلمى اللي أنا بكرهها؟! وبعدين إيه لحق يعني ينساني مع أنه كان عمال يعيد ويزيد هو قد إيه بيحبني، إيه رايح ينساني بيها…
ردت عليها انتصار ساخرة:
-وطي صوتك، مالها سلمى ولا غيرها، ما هي بنت ناس ومحترمة ومتربية هي واختها، وبعدين نضال عقله مش صغير أنه يدخل بيوت ناس علشان يضايقك…
ثم أسترسلت حديثها بنبرة متهكمة:
– وهو أنتِ إيه مشكلتك أصلا؟! فاكرة نفسك سامية جمال علشان يقعد على ذكراكي أو يشوف واحدة ينساكي بيها؟! مش ده اللي كنتي بتصوتي وتعملي خناقات أنه يسيبك في حالك ومن ساعة ما سابك وأنتِ مش على بعضك..
أردفت سامية بنبرة جادة:
-مش هكون على بعضي ليه؟! مع السلامة والقلب داعيله كمان أنا بس فرحانة والله أن هو بنفسه أثبت أن كل كلامه وحركاته كانت كدب هو ولا بيحبني ولا نيلة…….
ثم تحدثت بنبرة مختنقة ليس من فكرة زواج نضال في الطبيعي أكثر من زواجه من سلمى التي تبغضها حقًا هي وشقيقتها دون سبب واضح :
-حضري الغداء..
-مش كنتي رايحة تتغدي مع صاحبتك..
أردفت سامية بنبرة متشجنة:
-مش رايحة في حتة خلاص غيرت رأيي….
أنهت حديثها ثم نهضت وتوجهت صوب غرفتها وأغلقت الباب خلفها وألتقطت هاتفها، وها هي تقوم بالاتصال به ليجيب عليها بعد ثواني معدودة…
-ألو..
-أيوة يا حمزة…
جاءها صوته الهادئ دومًا وهذا أكثر ما أعجبها فيه لم تجده يومًا غاضبًا أو يتحدث بنبرة مرتفعة مزعجة:
-إيه فينك؟! نزلتي ولا لسه؟!..
تحدثت سامية بجدية:
-لا منزلتش، قولت لماما وموافقتش..
سألها حمزة باستغراب:
-موافقتش ليه مش فاهم؟!..
عقبت سامية بنبرة مكتومة:
-كده هي شايفة إني بقيت أخرج مع صحابي كتير وكمان ناس هي متعرفهمش والوضع مش عادي وأنا مش حابة أكدب عليها أكتر من كده..
-اه، طب وبعدين ما تقوليلها عادي أنك نازلة تقابليني إيه المشكلة؟!.
ردت سامية عليه بقوة:
-المواضيع دي عندنا مش عادي زي ما المفروض تكون عارف ولا ده الطبيعي، وكمان أنا مش فاهمة إيه سر أننا نتقابل كتير بالشكل ده، مدام مفيش سبب، لو عايزني وعايز يكون في بينا حاجة تعالى اتقدملي غير كده أنا مش شايفة أنه له لزوم المقابلات والكلام الكتير ده…
لم تعطه فرصة حتى أن يتحدث وختمت الحديث قبل أم تغلق المكالمة:
-ومتتصلش بيا تاني إلا في شغل مثلا زي موضوع أختك يا تكون جاي تدخل بيتنا من بابه غير كده متتصلش، سلام…
أغلقت سامية المكالمة والصدمة تتملكها والخوف لا تدري ما مدى صحة ما فعلته؟!..
هل كان من الصحيح أن تتخذ قرار هكذا في لحظة غضب؟!….
________
عرفت خلال الأيام الماضية موعد هبوطه لذلك أخبرت بهية بأنها سوف تهبط لشراء بعض الأشياء التي تحتاجها من “السوبر ماركت”
ظلت ريناد واقفة في فناء المنزل تنتظره ولا تعلم لما تفعل ذلك؟!…
بعد ثواني سمعت صوت أقدام تهبط على الدرج وبعدها لم تمر دقيقة وكان أمامها لكنه رغم رؤيته لها لم يتوقف ولم يلقِ التحية بل كان ذاهب في طريقه لأن هذا ما يطبقه لأنه لا يعرف غيره…
ولأن في الوقت نفسه هو لا يظن بأنها في انتظاره…..
انزعجت من طريقته ومما يفعله حتى أنها كانت على وشك الصعود مرة أخرى إلى شقة بهية وهي تلعنه لكنها قررت أن تفعل شيئًا أخر…
-استنى…
توقف دياب وهو كان على وشك الخروج من البوابة الخاصة بالمنزل، ليستدير هاتفًا باستغراب وهو يضيق عينه:
-أنتِ بتكلميني أنا؟!…
قالت ريناد بخوف لا تعلم سببه بمجرد أن واجهها بنظراته:
-أيوة بكلمك معاك أنتَ…
أردف دياب بنبرة مكتومة:
-خير بهية عايزة حاجة ولا إيه؟!…
-لا أنا اللي عايزة أتكلم معاك…
غمغم دياب بعدم فهم وهو يشير إلى ذاته:
-تتكلمي معايا أنا في إيه؟!..
الأمر ثقيلًا جدًا أن تنطقه لذلك وبكل حماقة غمغمت:
-على فكرة الاسكرين اللى ركبتها عملت سبعين مش ثلاثين.
تحدث دياب وكاد أن يقتلها حقًا من شدة الاستفزاز التي يشعر به بسببها:
-هفك وابقى أديكي الاربعين جنية ايكش تحلي عن نافوخي وتسبيني في حالي…
هي جاءت من أجل الإعتذار ولكن بسبب لسانها الأحمق هي على وشك أن تتسبب في مشكلة أو شجار، وتجعله يغضب منها من جديد..
لذلك كان عليها أن تسرع بالقول متمتمة:
-لا أنا مش جاية علشان كده أنا بس مكنتش عارفة أقول إيه..
حقًا هو لا يفهمها أبدًا…
لذلك نظر لها بعدم استيعاب لكن ضيقه يتزايد في الوقت ذاته…
أسترسلت ريناد حديثها بنبرة متوترة وهي تمرر أصابعها النحيلة على عنقها وكأنها تستمد الجراءة من نفسها..
فقد تفعل أفعال خاطئة كثيرة حتى ولو لم تكن جريئًا، لكن عند الإعتذار الأمر يتطلب جسارة كبيرة:
-أنا أسفة.
غمغم دياب باستنكار:
-موضوع الاسكرينة مش مستاهل تعتذري علشانه حتى لو مكنتيش مركزة الموبايل وقع وكان لازم اعوضك…
قاطعته ريناد بتوضيح أكبر جعلته لا يسترسل حديثه:
-لا علشان أنا السبب في أنك تسيب شغلك، أنا معرفش ساعتها عملت كده ليه…
كبرياؤها هو ما جعلها تغمغم وكأنها تضع حفنة من التراب على الكعك:
-وأنتَ برضو بالغت في ردك عليا يعني…
سألها دياب بنبرة ساخرة:
-هو أنتِ بتعتذري ولا عايزة تنرفزيني أكتر؟!…
غمغمت ريناد بجدية لا تليق بها:
-لا بعتذر بس..
رد دياب عليها مختصرًا لأنه متأخرًا عن استلام “التوكتوك”:
-ماشي حصل خير عموما هو كان نصيب في الأول والآخر…
أنهى حديثه ورحل لم يعطها فرصة للرد عليه، لكن بقى الأمر عالق في ذهنه..
هل هو حقًا اقتنع بأنه كان نصيب؟!
.أم أنه لم يجد كلمات يقولها في وجهها؟!
لا يريد الغضب عليها إكرامًا لبهية وفي الوقت ذاته هو يعرف بأن هناك العديد من الأشياء لا تنساها بمجرد إعتذار، الإعتذار لا يكفي أحيانًا..
لكن في الوقت ذاته لا يمكنه أن يعاملها بسوء مرة أخرى حتى ولو كان لا يقبل إعتذارها بشكل كُلي لكن يكفي ندمها هو ما جعله لا يضخم الأمر أكثر..
لكنه يدعي بأن ترحل في أقرب فرصة…
____________
بعد مرور ثلاثة أيام..
تجلس هدير شقيقة طارق الصغرى بجانب نضال في السيارة وهو يتوجه صوب المستشفى التي تعمل بها أحلام…
الهاتف على أذنيه وكان نضال يحاول بث الطمأنينة في طارق:
-ان شاء الله خير يا طارق متقلقش خلاص دقائق وهنكون هناك..
رد طارق عليه بنبرة منفعلة وقلقة إلى حد كبير:
-يعني إيه تقولي مقلقش وهي مختفية من امبارح ومرجعتش من الشغل ومعرفش عنها أي حاجة وموبايلها مقفول ومعرفش ازاي هدير مقالتش حاجة زي دي…
ردت هدير التي كانت تسمع صوته وهي تبكي:
-هي في أغلب الأوقات بتيجي وأنا نايمة وتمشي قبل ما اصحى وأروح الدرس وساعات مش بشوفها مكنتش أعرف أنها حاجة مش طبيعية..
غمغم نضال بقلقٍ هو الاخر:
-خلاص يا جماعة اهدوا خير ان شاء الله، أنا خلاص اهو داخل على الشارع بتاع المستشفى هركن العربية وهندخل نسأل عليها..
تمتم طارق بنبرة خائفة:
-خلي التليفون مفتوح متقفلوش معايا…
رد نضال عليه بهدوء مقدرًا ما يمر به:
-ماشي هديه لهدير اهو ومش هنقفل..
أخذت هدير من نضال الهاتف ثم هبطت من السيارة وهبط نضال هو الأخر بعدما تأكد من أن السيارة مغلقة ثم عبر الاثنان الطريق ثم ولجا إلى المستشفى وتوجهوا صوب الاستقبال ليسأل نضال الفتاة الجالسة:
-دكتورة أحلام في قسم الباطنة…..
قاطعته الفتاة بنبرة عملية ولم تتركه أن يسترسل حديثه:
-الحالات اتنقلت لدكتور أشرف ودكتورة نسرين واعتقد أننا بلغنا حضرتك في التليفون..
تمتم نضال باستغراب ونبرة عالية بعض الشيء وهدير تقف بجانبه:
-أنا بسأل عليها هي، هي مرجعتش البيت من امبارح…
كان في الوقت نفسه أو خلفهما مباشرة يدخل جواد بعدما ألقى التحية على العاملين فأغلب جراحاته تكون في وقت متأخر من الليل….
نما إلى سمعه صوت هذا الرجل المرتفع ليقترب منهما هاتفًا:
-في إيه يا نورا؟!.
تمتمت نورا وهي توجه حديثها صوب جواد وانظر له ففعل نضال المثل وأخذ ينظر إلى هذا الرجل الذي يتحدث:
-بيسألوا عن دكتورة أحلام في قسم الباطنة..
رد نضال عليها بانفعال:
-أنا مش مريض ولا حالة أنا قريبها وهي مرجعتش البيت من امبارح وأنا جاي أسال هي مشيت امته امبارح؟!..
تحدث جواد وهو يرد عليه باستغراب:
-أهلا بحضرتك، بس دكتورة أحلام بقالها يومين مبتجيش المستشفى..
خرجت شهقة من هدير متمتمة بعدم فهم
:
-يعني إيه بقالها يومين مبتجيش؟!..
عقب جواد عليهما بطريقة عملية لكنه يدرك بأن هناك شيئًا:
-هي سابت الشغل، واللي أعرفه أنها كانت طيارتها النهاردة الصبح…
رددت هدير باستنكار شديد:
-يعني إيه طيارتها كانت النهاردة الصبح؟!، دي احتي يعني إيه هتسافر من غير ما نعرف أنتم أكيد متلغبطين بينها وبين حد تاني…
تحدث جواد تحت صمت نضال التام الذي يحاول أن يستوعب ما يسمع:
-زي ما حضرتك سمعتي والله دي المعلومات اللي نعرفها هي سابت الشغل لأنها مسافرة….
لم يخطأ جواد هو يعرف هدير رأى صورتها أكثر من مرة ويعرف بأنها شقيقتها لكن كيف أن عائلتها لا تعرف بأمر سفرها؟!!
كان خلفها شيئًا شعر هو به ولم يمر الكثير وبدأ في الظهور….
أخذ نضال الهاتف من يد هدير حتى يتحدث مع طارق لكنه وجد أن المكالمة انتهت حاول الاتصال مرة أخرى، لكن لا يجيب عليه…
___________
..إيطاليا…
الهاتف يهتز بين يديه يعلن عن إتصال من صديقه لكنه لا يجيب، يقرأ رسالتها…
“لو الرسالة دي وصلت ليك يا طارق هكون برا مصر وموجودة في ألمانيا، أنا سافرت يا طارق علشان أحقق حلمي عارفة أن طريقتي مكنتش أحسن حاجة بس عارفة أنك هتسامحني لما تفكر كويس، أنا هعمل ماستر هنا، وهشتغل في الوقت نفسه، أنا دبرت فلوس السفر بشوية حاجات كانت عندي بعتها وأخدت من المبلغ اللي أنتَ كنت سايبه معايا علشان البيت جزء كبير واللي اتبقى منه جبت بيه ذهب علشان خاطر هدير وسيبته في الدولاب، عارفة أنك هتزعل مني بس أكيد هتفهمني”…
يقرأ طارق الرسالة بأعين متحجرة…
لا يستطيع النطق بحرف…
كيف ينطق وشقيقته قامت بـ ســـرقــتـــه…
يتبع…
•تابع الفصل التالي "رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم" اضغط على اسم الرواية