رواية الحصان و البيدق الفصل الثاني عشر 12 - بقلم ناهد خالد
_ أنا مبتهددش يا حسن بيه، ولا عاش ولا كان اللي يهددني.. واللي هواك يرميك ليه اعمله.
انهى كلماته واغلق الهاتف محاولاً كبح غضبه، متحكمًا قدر المستطاع في ملامحه كي لا يثير شك ليلى حيال الأمر، وبالطبع قد نجح، فهو خير من يُظهر ما يريد ويُخفي ما يريد..
_ هروح ابلغ خديجة.
_ انا كلمتها وبلغتها.
نظر لها بغيظ جم، كثيرًا ما تفعله هذه المرأة! وفاق تحمله، ولكن صبرًا.. الأمر سينتهي خلال ساعة واحدة وبعدها لن يكن لها قدرة على التدخل في أي شيء يخصهما.
_ تمام هنزل استناهم تحت..
___________
في غرفتها..
انتهت من ارتداء فستان صيفي بسيط من اللون الوردي وحجاب اسود بسيط، بعد ان اخبرتها والدة زوجها بقدوم مأذون شرعي لعقد قرانها من جديد..
_ ايوه يا طنط بس ليه؟
وتحججت "ليلى" التي مازالت تدعي جهلها بأي شيء فعله "مراد" سابقًا وطريقة زواجهما وهي تقول:
_ يا حبيبتي مراد ابني الوحيد، وانا محضرش كتب كتابكوا، بسبب جنانه بيكي واستعجاله على انكوا تتجوزوا مستناش حتى يعرفني الأول..
وفهمت "خديجة" أن هذا مبرر "مراد" لها، لعقد قرانه دون حضور والدته، لكن الحقيقة أنه لم يدعوها للحضور كي لا تكتشف أو تكشف خدعته.
_ فعشان كده قولتله لا لازم تكتب الكتاب من تاني وفي حضوري المرة دي.
سألتها باستغراب:
_ ايوه بس ليه دلوقتي والوقت متأخر! ما نخليها بكره حتى.
_ والله يابنتي لسه بقولك الواد باينه اتجنن، مانا قولتله خليها بكره، هو انا قولتله دلوقتي! بس هو اللي بعت يجيبه.
_ خلاص ماشي عمومًا مش هتفرق.
_ ماشي اجهزي انتي بقى على ما ييجي.
عادت من شرودها في حديثها مع ليلى منذ قليل، وهي تغمغم باستغراب:
_ اي العيلة المجنونة دي! يعني يعيدوا كتب الكتاب الساعة ١ بليل عشان امه تحضره!
تذكرت شيء فالتفت حولها تبحث عن حقيبتها لتتذكر انها وضعتها في الخزانة منذ اول يوم اتت به هنا، فاتجهت لها تفتش فيها وهي تغمغم:
_ يارب بس الاقي البطاقة ومكونش سيباها في الشقة هناك، مش ناقصة عطلة.
وحين التقطتها زفرت براحه، واتجهت لباب الغرفة مترجلة للاسفل لترى تلك العائلة المجنونة!
_________
_ هنكتب كتابنا كام مرة؟!
هتفت بها ما إن أبصرت "مراد" واقفًا أمام الحائط الزجاجي المطل على الحديقة الخلفية، معطيًا اياها ظهره ناظرًا للخارج، والذي التف على الفور يواجهها ما إن سمع صوتها، وقفت تنظر له منبهرة بهيبته التي ظهرت على ضوء خافت يأتي من خلف الزجاج لينعكس على قامته ويظهر كبطل في أحد افلام الخيال العلمي، بدى بصورة شامخة وهو يقف واضعًا كفيهِ في جيوب بنطاله فاردًا ظهره بطريقته المعتادة، تنهيدة غير مُبرره خرجت منها وهي تنظر له بأعين لامعة بلمعة مبهمة.
اقترب منها ملاحظًا حالتها، ليبتسم ثغره بثقة واعتزاز وهو يردد بمرح متجاهلاً ما هي عليه:
_ وماله اهو زيادة تأكيد.
رمشت باهدابها مستفيقة من ولهه به، وقالت بارتباك طفيف من أن يكون لاحظ شرودها به:
_ بس كده مينفعش، يعني هيكون لينا اكتر من قسيمة ولا ايه؟
_ لا انا هبلغ المأذون عشان يلغي القسيمة القديمة، وعمومًا لسه مكلم طارق وهيجيب نفس المأذون، القسيمة لسه معاه ماستلمنهاش اصلاً.
اومأت برأسها تقول:
_ كان المفروض نستلمها النهارده، بس نسينا.
استمعا لرنين جرس الباب، فهتف وهو يتجه له:
_ اقعدي انتي في الليفنج لحد ما اناديكِ.
اتجهت على الفور لغرفة المعيشة المنزوية قليلاً عن غرفة الاستقبال، وجلست بها منتظرة دعوته.
وبعد عشر دقائق تقريبًا كان يدلف للغرفة داعيًا اياها للخروج، فخرجت معه لترى "ليلى" وطارق واحد الحرس المتراصين حول الفيلا من الخارج، والمأذون الشرعي، لتتجه بخطى خجِلة جالسة بجوار ليلى، التي استقبلتها بابتسامة، وبدات الحديث تسأل المأذون:
_ بس يا سيدنا الشيخ، القسيمة الأولى..
قاطعها موضحًا:
_ القسيمة الأولى مكنتش لسه خلصتها ومتوثقتش، لسه كنت بقول لمراد بيه ان كان عندي حالة وفاة، زوجتي اتوفت ربنا يرحمها وماشتغلتش من تاني يوم كتب كتابهم الأولاني، فاحنا هنلغيها ولما اروح اوثق هوثق الجديدة..
اومأت متفهمة، وبدأ عقد القران مرة أخرى، وهذه المرة على حق، ليست كالمرة الأولى الباطلة، انتهى كل شيء، وذهب الضيوف، ليقف "مراد" أمام "ليلى" وهو يقول لخديجة بمغزى لم تفهمه سوى الأولى:
_ يلا يا ديجا بقى عشان ننام الساعة بقت ٢.٥ وبكره هنروح نجيب حاجتك من الشقة القديمة.
نهضت قائلة ل "ليلى" بابتسامة:
_ تصبحي على خير يا طنط.
_ وأنتِ من اهل الخير يا حبيبتي.
تراقصت ابتسامة عابثة على ثغره وهو يمسك بكف خديجة بقوة:
_ تصبحي على خير يا لوله، تحبي اطلعك فوق.
لوت فمها ساخرةً مجيبة:
_ لا يا حبيبي روح أنتَ، انا حابة اقعد هنا شوية في الجنينة، وأنتَ طبعًا مش هتقدر تستنى! متقلقش انا بطلع في الاسانسير مع نفسي.
ارسل لها قبلة في الهواء مع غمزة عابثة، قبل ان يتجه بخديجة للأعلى.
_ هي طنط بتقولك مش هتقدر تستنى على ايه؟
تسائلت بها وهي تصعد درجات السلم، ليحرك رأسه بعدم اهتمام:
_ متشغليش بالك.
ذمت شفتيها حانقة لعدم حصولها على اجابة ترضي فضولها، دلفا الغرفة لتسمعه يقول بصوته الماكر:
_ كان في اتفاق كده قبل الليلة دي كلها ما تبوظ.
جلست على الاريكة تنظر له بتساؤل:
_ اتفاق ايه؟
_ يعني اننا نشيل الحواجز وبتاع.. ولا بتنسي بسرعة؟ لا اوعي تكوني بتنسي بسرعة!
ردد الأخيرة بأعين متسعة كأنها ارتكبت جرمًا، لتضحك بخفوت وهي تقول:
_ لا مش بنسى بسرعة، بنسى الحاجات اللي مش مهمة بس.
_ ودي برضو حاجة مش مهمة!!
_ اه وبصراحة بقى..
تثاءبت باصطناع وهي تنهض عن الاريكة:
_ يدوب انام، مبقتش قادرة افتح عيني، هغير هدومي وانام.
نظر لطيفها وهي تختفي خلف باب غرفة الملابس، ليضغط على نواجزه بغيظ مرددًا:
_ هي ليلة مبصوص فيها من اولها...
خرجت من الغرفة مرتدية بيجامة حريرية نبيذية اللون، بأكمام كالعادة، ووضعت فوق رأسها "اسكارف" بالكاد يغطي شعرها، ومع رقبة البيجامة المغلقة، لا يظهر سوى عنقها، زفر مقلبًا عيناه بعدم راحة، يتسائل متى سيُفك الحِصار!؟ إن بذل كل هذا العناء فقط ليرى شعرها إذًا كم سيعاني ليتقدم في علاقته معها!؟ حين وصل تفكيره لهنا، غمغم بحسرة مستنكرة:
_ ده احنا على ما نجيب عيل اكون في الأربعينات.
_ بتقول حاجة؟
رددتها "خديجة" بتساؤل بعدما تسطحت فوق الاريكة مستعدة للنوم، لكنها سمعت همهمة خرجت منه، فاثارت فضولها، لتراه ينهض فجأة متجهًا لها، حتى أن عيناها اتسعت بقلق، لتجده يجذب الغطاء ليغطيها تمامًا وهو يتمتم بغيظ بلغ العنان:
_ نامي يا خديجة، نامي يا حبيبتي واستغطي كلك كده احسن اكلك بليل وأنتِ نايمة، الدنيا مبقتش امان.
كتمت ضحكتها بصعوبة وهي اسفل الغطاء على حديثه وتذمره، فقط لو يعرف ما تنويه غدًا لذهب كل هذا التذمر عنه، ولكن صبرًا.
_____________
عصر اليوم التالي...
كانت تباشر عملها في مكتبها الخاص بالاتيلية، حين دلفت لها السكرتيرة الخاصة بها تخبرها بأن أحد رجال الأعمال يرغب في رؤيتها، قطبت حاجبيها مستغربة وهي تسألها:
_ وعاوزني انا شخصيًا؟؟
اومأت مؤكدة:
_ هو قال عاوز مديرة الاتيلية، عشان عاوز تصميم خاص.
_ اه تمام، قوليله يتفضل.
دلف بعد قليل رجل ذو طول فارع، وجسد معضل، يرتدي بدلة كلاسيكية سوداء وحذاء مماثل، لائمت بشرتة القمحية وعيناه البنيتان مع شعره الاسود الكثيف، وابتسامة لطيفة رُسمت فوق ثغره وهو يمد يده مرحبًا بها ومعرفًا بذاته:
_ بدر الميناوي.
مدت يدها تصافحه بترحاب:
_ اهلاً بدر بيه اتفضل.
وقد رقت "رنا" بحديثها وشخصيتها لتناسب تمامًا مكانتها الآن، استطاعت أن تكن امرأة لبِقة، متأنقة، ولطيفة، كسيدات المجتمع الراقي، تبادلا الحديث لعدة دقائق بعدما طلبت له قهوة كما أراد وطلبت لذاتها عصير برتقال طازج، همهمت وهي تدون بعض الافكار التي يريدها وهي تقول:
_ يعني أنتَ حابب يكون لون مموج بين الاخضر والأزرق، وميكونش الفستان كاشف غير الدراع بس، ولا مجسم.. كده انا فهمت انك حابه يكون...
قاطعها موضحًا:
_ انا مش عاوزه مجسم اوفر، يعني ميبينش تفاصيل جسمها.. لكن غير كده زي ما تشوفي مناسب مع التصميم، بناءً على باقي التفاصيل اللي قولتها، وزي ماقولتلك لليان مراتي مطرقعة شوية وبتحب الحاجات الغريبة ومتكونش تقليدية.. من الآخر عشان يعجبها لازم تحس انه حاجة اسبيشيال ليها، وعشان كده محبتش اختار حاجة من اللي بره.
ابتسمت بتفهم وهي تقول:
_ فهمت قصدك، خلاص متقلقش ممكن بس تسيب رقمك عشان اتواصل معاك من وقت للتاني اوريك التصمايم المبدئية ونشوف هننتفق على ايه.
كاد أن يتحدث ولكن التفا على فتح الباب فجأة ودلوف "دياب" الذي فور دلوفه ارتفع حاجبه ساخرًا حين رأى رجلاً غريبًا يجلس معها في غرفة المكتب، دلف بخطوات بطيئة وقد وضع أحد كفيه في جيب بنطاله، تحت نظرات "رنا" القلقة فهي لا تضمن ردة فعله او تفكيره، جلس على الكرسي المقابل ل"بدر" ووضع قدم فوق الأخرى بعنجهية مستفزة، حتى أن "بدر" شعر بعدم الراحة تجاهه، واستفزته نظراته وجلسته، فنهض مبتسمًا وهو يخاطب "رنا" التي نهضت بدورها:
_ طيب هستأذن أنا يا رنا هانم وده الكارت بتاعي تاني رقم هو رقمي الخاص تقدري تتواصلي معايا من خلاله، لأن رقم الشغل بيبقى مشغول وعليه رسايل كتير.
مد يده بالكارت ومدت يدها تلتقطه، لتجد من يخطتفه قبل أن يصل ليدها، لينظر له ساخرًا وهو يقف بينه وبين "بدر" القليل من السنتيمترات، ثم نظر له يخبره بابتسامة سمِجة:
_ سوري بس المدام مبتتواصلش مع العملاء بتوعها، في حد تاني مسؤول عن ده، تقدر وانت خارج تسيب الكارت للسكرتيره وهي هتتصرف.
احتقن وجه "رنا" بحمرة قانية أثر الموقف السخيف الذي يضعها فيه الآن، لكن حاولت تدارك الأمر، فقالت ل "بدر" بابتسامة زائفة:
_ بدر بيه تقدر تسيب الكارت مع السكرتيره، وهنتواصل مع حضرتك في اقرب وقت وان شاء الله نعمل التصميم اللي يعجب حضرتك و... المدام.
قالت كلمتها الأخيرة وهي تنظر ل "دياب" شزارًا، لتسمع "بدر" يقول:
_ بعد اذنك.
_ اتفضل..
خرج مغلقًا الباب خلفه، لتلتف له على الفور وهي تقول بحنق:
_ ايه الدخلة دي؟ وايه الطريقة اللي اتعاملت بيها قدام العميل دي؟
تجاهل اسئلتها وتسائل هو بسخط:
_ هو عادي تقعدوا في مكتب مقفول عليكوا؟
شهقت شهقة مستنكرة واعقبتها تقول:
_ نعم! ليه ان شاء الله كنا قاعدين في رؤية شرعية ومعرفش! ده شغل، هجيب مِحرم يقعد بينا! ما تظبط كلامك يا دياب!
ها قد تخلت عن "رنا" المرأة الارستقراطية، سيدة الأعمال، وعادت إلى "رنا" فتاة الحارة..
_ كلامي مظبوط، بس الشكل اللي دخلت شوفته ده هو اللي مش مظبوط، وانا الحوار ده مينفعنيش، الباب ده ميتقفلش وفي راجل غريب هنا.. اصلاً مفيش راجل يدخل المكتب، ما تطلعي تتكلمي معاه بره.
قضمت شفتيها باسنانها غيظًا وتنفست بعمق قبل أن تقول ساخرةً:
_ ماتقعدني في البيت وبلاها وجع دماغ احسن.
رد ببرود:
_ لا مانا برضو مش عاوزك تزهقي.
_ يارب ارحمني.. أنتَ جيت ليه؟
رددتها بزهق، ليبتسم وهو يجيبها:
_ قولت نتغدا سوا بره، من زمان معملناش كده.
نهضت ملتقطة حقيبتها وهي تقول بإباء:
_ انا بقول نروح نتغدا في بيتنا مع ابننا احسن.
مرت من جانبه ليمسك معصمها بكفه ضاغطًا عليه بقوة طفيفة، فالتفت تواجهه، ليصبحا وجههما متقابلان، وخرجت نبرته حادة:
_ وانا قولت هنتغدا بره، عندك اعتراض؟
كادت تجيبه، ليكمل:
_ تمام، يلا.
وسحبها خلفه دون اهتمام برغبتها او رأيها.. كالعادة!
________
في سوهاج..
صدحت زغرودة عالية في انحاء المنزل، خرجت على أثرها "رباح" بوجه غاضب وهي تقول بينما تخرج من خلف السلم الذي يتوسط المنزل:
_ وه وه، اتجنيتي يا سُرية اياك! بتزغرطي واخوكِ مكملش سبوعين ميت!
اصطنعت الابتسام تقول:
_ بفرح العيال شوي... يعني لا دجة ولا مزمار ولا حتى زغروطة يوم صبحيتهم.. هم فين اومال؟ متجوليش لساتهم نايمين!
امتعضت ملامحها وهي تقول:
_ انتوا اللي حددتوا الميعاد، وفي وجت مش مناسب، يبجى اه.. لا دجة ولا مزمار ولا حتى زغروطة، احترمي حزني على اخوكي ان مكنتيش حزينة عليه.
_حزننا يا مرت خالي.. مش حزنك لحالك.
قالتها "فريال" وهي تترجل الدرجات مرتدية عباءة منزلية باكمام من اللون البني الداكن وبها بعض النقوش السوداء وحجاب بني مماثل لالون، ووجهها خالي من اي زينة تذكر..
_ وه! ايه اللي لابساه ده يا حزينة! لابسة غوامج يوم صباحيتك.
وصلت أمامها الآن لتذم شفتيها ساخرة وهي تقول:
_ هطلع البسلك الابيض ابو ترتر وخالي ميت.
_ وماله اما تلبسي الابيض، انتِ في الدار يعني محدش شايفك.
لمعت عيناها بقهر، ورددت بمرارة:
_ ياريتها بمين شايف، بس هي مش اكدة.. البس الابيض كيف وجلبي حزين وهيتجطع.. مانيش كيفك ياما جلبك جلاب وبينسى بسرعة.
اتجهت ناحيتها تجذبها من كفها بقوة وهي تقول:
_ تعالي.. رايدة اتحدت وياكِ، عن اذنك يا رباح.
ردت "رباح" ساخطة:
_ اذنك معاكِ يا ختي.
وعلى مقربة جلسا سويًا متلاصقتان رغم نزق "فريال" وراحت "سُرية" تستقصي احداث ليلة أمس، نظرت لها "فريال" نظرة موجعة، واردفت بمرار:
_ متجلجيش.. حصل، وتجدري تسألي ابن اخوكِ لاحسن متصدجنيش.
_ ومهصدجيش ليه يا مخبولة انتِ! المهم جوليلي.. كنتِ زينة وياه ولا تربستي مخك وغلبتيه وياكِ، حاكم الراجل ميحبش الست اللي تطلع عينه.
تفاقم شعورها بالقهر والانكسار، فوالدتها بدلاً من أن تطمئن عليها، تطمئن عليه هو وما إن وفرت له الطاعة والخدمات المطلوبة أم لا! أي أم هذه هي حقًا لا تعلم!
_بجولك ايه ياما.. اسأليه هو الاسئلة دي وحلي عن سمايا.. رايحة اساعد مرت خالي في الوكل.
ونهضت دون أن تعطيها فرصة للحديث..
في المطبخ...
_ اساعدك في ايه يامرت خالي؟
شهقت "رباح" مستنكرة:
_ تساعدي ايه بس، ايه دخلك المطبخ، يابتي انتي عروسة، هتجفي تطبخي يوم صباحيتك!
_ ولو جولتلك بهرب من جعدت امي وحديتها اللي هيسمم بدني.
حركت رباح رأسها يائسة ومستسلمة:
_ هجولك تعالي سوي الملوخية.
ساد الصمت بينهما لدقيقتان حتى قطعته "رباح" قائلة بتردد:
_ مريداش اتدخل في شي ميخصنيش، بس شيفاكِ حزينة وجلبك مفطور.. لو حابة تحكي هسمعك، ولو مش حابة ولا كأني جولت حاجة.
ابتلعت غصة قوية انتابت حلقها، وادمعت عيناها بغزارة وهي تقلب في الاناء أمامها، وصمتت لثواني حتى ظنت رباح انها لا تريد التحدث، ولكن أتى صوتها مختنق وهي تقول:
_ اسوء ليلة في حياتي ياما رباح.. حتى ليلة فرحي اللي المفروض تفضل ذكرى حلوة ليا حرموني منها واستكتروها عليا.. لا اختارت حاچة ولا اتعملي كيف الخلج.. واخرتها.. اخرتها تختم بسواد وذكرى سودة عمري ماهنساها ولا هنسى احساسي وجتها.
تركت "رباح" ما في يدها واستدارت لها تواجهها بعدما سحبت الملعقة من يد الأخرى وادارتها، لترى وجهها مشبع بالدموع الغزيرة وعيناها تحكي ألمًا لا يوصف، سألتها بقلق وخوف:
_ مالك يا بتي؟ ايه اللي حوصل امبارح بينكوا؟ الواد ده عمل فيكِ ايه عشان تكون حالتك اكده!؟
سألتها كطفلة صغيرة تائهة:
_ هو انا غلط لما طلبت منه يديني وجت اتعود عليه الأول؟ جبل ما يجرب مني.
هزت رأسها نافية:
_ لا مغلطيش.. بعدين البنتة مش كيف بعضيهم.. في اللي الخوف بيتملكها وفيه اللي بتجدر تتغلب عليه، وانتِ ظروف جوزاكوا والسربعة اللي كنتوا فيها خضتك فطبيعي تحسي بخوف وجلج.. هو عمل ايه؟
_ مسمعش مني..
اكتفت بقول جملتها واختنقت بباقي الحديث فصمتت، سألتها "رباح" ثانيةً بخوف حقيقي:
_ اذاكي؟
حركت رأسها بجهل تجيب:
_ معرفش.
انفعلت "رباح" وهي تسألها:
_ كيف يعني متعرفيش؟ يابتي جولي متخافيش، لو اتعاف عليكي جولي وانا واللي خلجني وخلجه ا...
قاطعتها وهي تقول ببكاء بدأت فيه:
_ والله ماعرف.. انا معرفش حاچة، غير إني.. غير إني كنت خايفة.. معرفش ومحستش بحاچة تانية.
ضربت "رباح" كف بآخر وهي تقول بغضب:
_ هو الواد ده ايه، حنس ملته ايه؟ مش كفاية راح اتجوز وابوه لسه ميت.. مش مكفيه كل اللي بيساويه.. هيعمل ايه اكتر من اكدة.
_ أما رباح.. الله يخليكِ ماتجبيله سيرة اني اتحدت وياكِ مش ناجصة مشاكل.
قالتها برجاء وقد لمع الخوف في عيناها بوضوح، لتشفق "رباح" عليها وهزت رأسها صامتة بقلة حيلة..
بالخارج...
كان قد نزل منذُ قليل فور استفاقته واخذه لحمام دافئ يرخي بهِ اعصابه، لتقابله عمته بالابتسامة الواسعة والتهليل والعناق والتقبيل المبالغ بهِ.. وفور جلوسهما لم تتوانى عن سؤاله هو الآخر فيما يتعلق بليلة أمس.. كان جوابه مقتضبًا، حتى سألته عن تصرف زوجته معه.. حينها انفجر ساردًا كل ماحدث أمس ورغبتها الحمقاء في أن يتركها حتى تعتاد عليه.
_ يعني أنتَ بعد اكده حسيت ايه منها؟
_مفاهمش.
وضحت اكثر تقول:
_ يعني خوفها راح، ولا فضلت خايفة ومش متجبلة.
هز راسه بلامبالاة:
_ لا راح ولا نيلة.. فضلت متخشبة كيف التمثال الحجر، سيبك منها بكرة تتعود..
صمتت ولاحت على ملامحها مشاعر غير مفهومة، قبل أن تقول بنبرة مبهمة:
_ لا يا ابراهيم، إلا دي.. متخليهاش تكره الچواز وعلاجتك بيها.. لازم شوية مسايسة وشوية حنية...
ضحك ساخرًا يقول:
_ أنتِ ياعمتي اللي بتجولي مسايسة وحنية!؟
_ ايوه، مش كل حاچة ينفع فيها العافية والجسوة، في حاچات يا جلب عمتك لما تيجي بالرضا بتكون احلى، مفيهاش حاجة لما تسايس وتبطب مادام الموضوع في وجت معين مش طوالي.. فهمت؟
هز رأسه بلامبالاة وهو يسألها:
_ اومال هم فين؟
_ في المطبخ.
_ هجوم اخليهم يعملوا فنجان جهوة، حاسس بصداع رخم.
نهض متجهًا للمطبخ.. ليتوقف قبيل بابه وهو يسمع حديثها مع والدته.. والاخرى تقف في صفها وتلقي اللوم عليه، ضم قبضته بقوة مانعًا نفسه بالكاد من أن يدلف للمطبخ مغيرًا معالم وجهها بقبضته.. ولكن صبرًا فلكل حديثٍ مقام..
________________
_ يانهار ابيض كل دي missed call، رنا وفريال وباهر والدكتور.. انا كان لازم اجيب الفون من يومها.
قالتها "خديجة" وهي جالسة في سيارة "مراد" بعدما عادا من شقتها القديمة وقد جلبت كافة ما تحتاج اليه، عقب "مراد" بهدوء:
_ مش أنتِ اللي نستيه واحنا رايحين العزا.
_ لما نوصل لازم اكلمهم كلهم، اكيد قلقوا عليا.
_ طيب طلعي بس الأول رقم الدكتور وسجليه هنا.
قالها وهو يعطيها هاتفه، لتجد صورتها خلفية شاشته، فتخضبت وجنتيها بالحمرة وارتفع هرمون السعادة في خلاياها وهي يومًا عن يوم تجد دليلاً جديد على حبه لها.. لكنها هتفت بجهل:
_ هو الرقم اهو.. بس انا مش فاهمة حاجة في تليفونك.. موبايلي زارير مش حديث زي ده.
هتف وهو يتناول هاتفه منها:
_ لازم تفهمي عشان موبايلك الجديد touch برضو ولازم تعرفي تتعاملي.. بصي عشان تسجلي رقم بتضغطي على...
وأخذ يشرح لها كيفية التعامل مع الهاتف وعيناه تتناوب بين الطريق والهاتف، حتى انتهى من تسجيل الرقم وطلبه... ثواني واتاه الرد ليتحدث مع دكتور "كمال" ويخبره بصلته ب "خديجة" وبرغبتهم في زيارته فأخذ ميعاد منه مساء اليوم..
اغلق المكالمة، لتقول "خديجة" :
_ كنت عاوزه اكلم فريال اطمن عليها، قلبي قلقان وحاسه انها في مشكلة، بس رصيدي خلصان.
_ كلميها من تليفوني.
سجلت الرقم كما شرح لها سابقًا، ولكن كلما أتت لتطلبه يأتي لها رسالة انه فشل الاتصال.. نظرت له تريه الهاتف وهي تقول:
_ مش راضي يتصل.. بتجيلي رسالة ان في مشكلة في الاتصال.
نظر لشاشة الهاتف بتمعن ليجدها قد نست اول رقم فأخبرها:
_ عشان نسيتي تكتبي صفر قبل الواحد..
همهمت مدركة خطأها، وعاد "مراد" ببصره للطريق ولكن ما إن فعل وبمجرد رفع بصره وجد سيارة تخرج من طريق جانبي كاد يصطدم بها، ليغير مساره بتلقائية وسرعة جعلته يصعد بسيارته فوق السور القصير الفاصل بين الطريقين تحت صرخة "خديجة" التي رفعت رأسها فور تغيير مسار السيارة لتجد السيارة تصعد بهم فوق الفاصل وتنحرف لطريق معاكس في الاتجاه فاتسعت عيناها وهي ترى سيارة تأتي من ناحيتها بسرعة وسيارتهما استقرت بعرض الطريق أمام خط سير الأخرى..
لتصرخ بخوف وهي تغمض عيناها:
- مــــــــــرااااااد...
جحظت عيناه وهو ينظر تجاهها ليرى السيارة بوضوح من زجاج نافذتها.. وسنتيمترات قليلة تفصلها عن الاصطدام..
- تابع الفصل التالي "رواية بك احيا" اضغط على اسم الرواية