Ads by Google X

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الثالث عشر 13 - بقلم فاطمه طه

الصفحة الرئيسية

   

 رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الثالث عشر 13 - بقلم فاطمه طه

مشكلة الناس أنهم يتوقعون من كل إنسان أن يكون مثلهم في عاداته وأفكاره وعند هذا يسمونه عاقلاً
‏”علي الوردي”
– إن الجيل الحالي، يرى كُل شيء الآن بوضوح، وتدهشه الضلالات، ويضحك من سخافات سلفه ولكن الجيل الحالي يضحك ويبدأ بثقة في النفس وإعتداد في سلسلة من الضلالات الجديدة، سيضحك منها الخلف أيضًا فيما بعد.
– نيقولاي غوغول.
الحياة محيرة أحيانا، لابد من الحزن لكي نعرف السعادة، والضوضاء لكي نقدر الهدوء، والغياب لكي نقدر قيمة الحضور .
#مقتبسة
____________
-ما تخليكي معانا شوية يا بنتي مستعجلة على إيه بس؟!.
قالت حُسنية تلك الكلمات وهي تقف مع هدير هي وايناس التي تحمل صغيرها وابنتها تمسك في ملابسها، بينما حور تنظر لها بأعين منزعجة، حزينة، ومشفقة عليها….


لم تكن العلاقة بين حور وهدير قوية إلى حدٍ كبير كما بين طارق ودياب أو حتى إيناس وأحلام، لكنها على الأقل جارتها، وزميلة لها في أغلب الدروس لذلك ما مرت به هدير صعبًا جدًا عليها أن تتخيله…

الأثنان في المرحلة الدراسية ذاتها…
هتفت هدير بحرج كبير تحديدًا حينما علمت بمرض حُسنية التي لم تكن تعلم عنه شيئًا مُسبقًا لذلك وجودها كان حرج وازعاج كبير بالنسبة لها وتحديدًا أن الإنسان لا يرتاح إلا في منزله، غير أنها كانت السبب لمدة يومين أن يمكث فيهما دياب خارج المنزل…
-لا خلاص، أشرف جاي النهاردة ويدوبك أحضر شنطتي وألم حاجتي قبل ما يجي أنا بجد أسفة لو ازعجتكم الأيام اللي فاتت دي كلها…
هتفت حُسنية بعتاب وهي تتحدث بصوتٍ حنون:
-متقوليش كده يا بنتي وتزعليني منك تاني، ده بيتك ومفتوح ليكي في أي وقت، وأحنا هنا أهلك أي حاجة بس كلمينا واتصلي بينا…
أنتهى الحديث وأخذتها حُسنية في أحضانها تاركة قُبلة حنونة على رأسها، وبعدها فعلت إيناس الأمر نفسه وهي تعطيها قُبلة على رأسها ووجنتيها أيضًا…
حينما أتى الدور على حور غمغمت بتردد:
-اتصلي بيا لو عوزتي أي حاجة بخصوص الدروس أنا اللي اعرفه يعني أن اخوكي ساكن في ******* ودي بعيدة عن هنا معرفش هتنقلي دروسك ولا هتيجي المهم يعني أنا موجودة لو احتاجتي أي حاجة..
غمغمت هدير بامتنان حقيقي وهي تنظر لهما بحب:
-شكرًا جدًا ليكي يا حور لو احتاجت حاجة أكيد هكلمك..
ثم ختمت حديثها وهي تنظر إلى الجميع:

-مع السلامة.
قالت حور ووالدتها في صوتًا واحد:
-مع ألف سلامة..
وكان لـ إيناس تعقيب مختلف قليلًا:
-خلي بالك من نفسك وأنا برضو هكلمك علشان اطمن عليكي جالك ولا لسه ولا عملتي إيه، ركزي في التليفون يا حبيبتي علشان مقلقش عليكي….
ردت عليها هدير رد مختصر رغم امتنانها الحقيقي لهم:
-حاضر.
______
تدور زوجته حوله في الشقة كانت تصرخ، أنا هو يرتدي ملابسه ويتجهز للذهاب إلى شقيقته وهي لا تتوقف عن الصراخ وأن تظهر فضبها الواضح مما يحدث بكافة الطُرق…
تحدثت زوجته بـصوتٍ مرتفع للغاية:
-أنا مش موافقة على اللي بتعمله ده، وأنتَ تشيل قرفها ليه، بعد ما اختها الـ ***** سافرت من وراكم، زي ما هي شافت مصلحتها كل واحد فيكم يشوف مصلحته بلا قرف….

رد عليها أشرف وهو يستدير أثناء غلقه أزرار قميصه بانفعال طفيف لا يُنافس غضبها حتى:
-احترمي نفسك، دول اخواتي…
قاطعته زوجته ولم تعطه الفرصة حتى أن يستكمل حديثه:
-خلاص يا أبو الشهامة والرجولة هما اخواتك وأنتَ حر معاهم وتتحمل القرف، لكن أنا إيه اللي يجبرني على كده وليه حد يقيد حريتي أنا وعيالي في البيت وبعدين هي الشقة قد إيه علشان تروح تجيبلنا حد فيها؟!..
غمغم أشرف باستنكار شديد:
-هو أنا رايح أجيب ليكي راجل في البيت يقيد حريتك؟! دي اختي وبعدين عيلة صغيرة وملهاش غيرنا دلوقتي..
تمتمت زوجته بلا مبالاة ونبرة جاحدة:
-مش مشكلتي ما تقعد لوحدها إيه المشكلة يعني؟! هي أول واحدة تقعد لوحدها يعني ولا أخر واحدة ما تقعد وترضى بظروفها وخلاص، احنا اللي جاي على قد اللي رايح معناش حاجة نصرفها على حد..
تحدث أشرف بنبرة هادئة وهو يفسر لها الأمر من تلك الناحية:


-متقلقيش من ناحية الفلوس، طارق هيدفع مصاريف أكلها ودروسها وكل حاجة…
ضحكت زوجته هازئة وهي تغمغم بنبرة منفعلة:

-والله ومين هيدفع حق الخدمة اللي هخدمها من غسيل هغسله وأكل هطبخه؛ أعمل حسابك إني مش موافقة على اللي هتعمله ده لو أخوك سمعك كلمتين وخلاك توافق على اللي هو عاوزه براحتكم لكن أنا مليش دعوة بـده كله، كل واحد يشيل شيلته…
رد عليها أشرف وهو يكز على أسنانه:
-أنا رايح أجيبها والكلام خلص بقا ظبطي أمورك فترة كده لغايت ما نلاقي حل…..
تحدثت زوجته بغضب واضح:
-والحل ده هتجيبه منين وهتعمله ازاي؟! ما أنتَ عارف وأنا عارفة أن لسه سنين عقبال ما أخوك ينزل، وهو أحنا هنشيل القرف والهم ده كله سنين؟!…
غمغم أشرف وهو ينظر لها باختناق كبير بسبب الضغط التي تمارسه عليه:


-ارحمي شوية واهدي وافرضي وشك بلاش تيجي البت تقعدي ضاربة بوز قدامها واهدي شوية، أكيد هنلاقي حل…
قالت زوجته تحاول التفكير في أي حل:
-والله أنا شايفة أنكم تشوفوا ليها عريس وخلصونا من الدوشة دي وتتجوز واخوك يجهزها وخلاص……
-أنا شايف أنك تهمدي وتسكتي بقا علشان أنا قرفان ومش ناقص قرفك اتحملي شوية…
______________
تجلس انتصار بين الخيوط المختلفة، فـهوايتها المعروفة والمفضلة هي “الكروشية” وعمل الكثير من الأشياء المختلفة، وشاح، سترة، مفرش، جورب والكثير من الأشياء الرائعة…

ها هي ترتدى نظارتها الطبية وتقوم بعمل وشاح جديد لها، وجاءت سامية من الداخل شاعرة بالحماس الرهيب، بعد رسالته تلك، كانت على وشك أن تصرخ من الفرحة، كان ردها عليه بأنها أرسلت رقم عمها فقط وشاهد الرسالة دون تعقيب…


جلست سامية على الأريكة بجوار والدتها ثم هتفت بنبرة جادة:
-ماما ممكن تسيبي اللي بتعمليه ده لأني محتاجة أتكلم معاكي في موضوع مهم جدًا…
رفعت انتصار رأسها ونظرت إلى ابنتها من أسفل النظارة الطبية:
-موضوع إيه ده؟!.
ردت عليه سامية بارتباك:
-يعني سيبي اللي في ايدك الأول وبعدين نتكلم..
تركت انتصار ما يتواجد في يدها وخلعت نظارتها الطبية ثم أردفت وهي تعقد ساعديها وتنظر إلى ابنتها:
-اهو اديني سيبت كل حاجة يا سامية، إيه بقا الموضوع المهم اللي عايزة تتكلمي فيه؟!..
تنهدت سامية وأخذت تفرك يدها بتوتر رهيب، مما جعل والدتها تهتف باستغراب:
-ما تتكلمي…
تحدثت سامية مرة واحدة دون أي تمهيد:

-ماما أنا جايلي عريس….
صمتت انتصار لدقيقتين تحاول استيعاب الأمر وما تسمعه من ابنتها وكانت ملامحها خالية من التعابير، جامدة تمامًا…
قالت سامية بتردد:
-في إيه ماما؟! بقولك جايلي عريس سكتي ليه كده؟!.
غمغمت انتصار باستغراب شديد وهي تحاول التفكير في الأمر، على ما يبدو بأن هذا سبب التغيير الذي طرأ عليها الفترة الأخيرة والتي سألتها أكثر من مرة عن السبب ولكنها لم تجيبها…
-تعرفيه منين ده؟!..
ردت عليها سامية مفسرة الأمر سريعًا:
-كان زميل ليا في الجامعة بس كان من ساعة ما اتخرجت مشوفتهوش وكده…
هتفت انتصار بنبرة منطقية وهي تنظر لها بعدم فهم:
-ومدام مشوفتهوش من ساعة ما اتخرجتي إيه اللي ظهره مرة واحدة وعايز يتقدم ليكي دي؟!..
تنهدت سامية بضيقٍ من أسئلة والدتها المتوترة ثم غمغمت:
-يعني من فترة كده اتواصل معايا عن طريق أخته كانت عروسة عندي؛ واتكلمنا مع بعض وقالي أنه عايز رقم عمي علشان يتقدملي…

-طيب.
غمغمت سامية بانزعاج واضح فهي لم تعجبها تلك الإجابة:
-وهو إيه اللي طيب ده؟! مش فرحانة يعني فرحة واحدة بنتها جايلها عريس..
هتفت انتصار بسخرية ثم غيرت نبرتها إلى أخرى منطقية:
-هو أنتِ عايزاني أقوم اتنطنط وارقص علشان جاي ليكي عريس؟! هو أول عريس يجيلك يعني؟!! وبعدين أنا معرفهوش ولا أنتِ قولتي حاجة عنه يعني لما نشوفه وكده ساعتها احكم واتكلم واقول، ولا أنتِ موافقة،!..
أردفت سامية بنبرة جريئة:
-أيوة ده يفرق معايا عن نضال وعن أي حد اتقدم ليا الفرق إني أنا عايزاه وبحبه ومش مستنية رأي حد..
صاحت انتصار بغضب وهي تنظر لها نظرة ذات معنى:
-احترمي نفسك ومتنسيش أنك بتتكلمي مع أمك مش مع واحدة صاحبتك وأنتِ مش من الشارع علشان تقولي مش مستنية رأى حد، وبعدين منين اتقدملك لما شافك علشان عملتي ميكب لاخته، ومنين تقوليلي بحبه وعايزاه؟! يعني أنتم في حاجة ما بينكم؟!..
قالت سؤالها الأخير بحدة واضحة، مما جعل سامية تهتف بنبرة متوترة ومهتزة قليلا:
-لا مفيش حاجة بينا بس أنا من زمان معجبة بيه وبحبه من ساعة ما دخلت الجامعة وبحبه من غير ما حتى يعرف، ولما صدقت انه قالي أنه عايز يتقدم ليا…

تحدثت انتصار بنبرة عقلانية:
-ماشي يا سامية هعمل نفسي مصدقاكي، ومدام خد رقم عمك يبقى استنى لما يكلمه وساعتها عمك أكيد هيجي يتكلم معانا ونبقى نديله ميعاد ونجيب خالك ممان ونتكلم معاه ونشوفه وبعدين نسأل عنه…
تمتمت سامية باندهاش وهي ترفع حاجبيها:
-يعني إيه نستنى عمي لما يجي يتكلم؟! ما نروح احنا نديله فكرة عن الموضوع الأول علشان ميبقاش مش عارف حاجة كده…
-لا الصح والأصول بتقول لما تدخلي راجل يكلم راجل متدخليش أنتِ…
زفرت سامية بضيقٍ وهي تخبرها:
-أنا شايفة نديله فكرة أحسن قبلها…
غمغمت انتصار بنبرة هادئة وهي ترتدي نظراتها حتى تعود وتستكمل ما كانت تفعله:
-أنا شايفة أنك تسمعي الكلام ولو مرة واحدة…
_________
رحلت هدير….
فأتى دياب ليتناول الغداء مع عائلته وبعدها تجهزت حور حتى تذهب إلى الدرس وأخبرها دياب بأنه سوف يرافقها إلى المركز وبعدها سوف يذهب إلى المطعم…

وها هو يسير بجوارها في الشارع…
كانت حور عابسة إلى حدٍ كبير، مما جعل دياب يسألها بنبرة هادئة:
-إيه وراكي امتحان النهاردة ولا إيه؟!.
هزت حور رأسها نافية وهي تخبره موضحة:
-لا أبدًا النهاردة عندي مراجعة والحصة الجاية عندي امتحان على كل اللي خدناه..
سألها دياب بنبرة جادة:
-اومال إيه اللي مخليكي زي البومة كده؟!، حتى الحمدلله ماما كويسة إلى حدٍ ما بعد الجلسة الأولى الحمدلله.
هتفت حور بنبرة هادئة وهي توافقه فيما يقوله:
-أنا أكيد مضايقة بسبب ماما وفعلا زي ما أنتَ قولت الحمدلله هي كويسة، بس أنا زعلانة أوي بسبب اللي أحلام عملته وزعلانة على هدير. …
تنهد دياب وهو يسير بجوارها متمتمًا بانزعاج لا يقل عنها، فيما يخص هدير ويخص صديقه:
-ربنا يعينها ويقويها على الفترة الجاية..
توقفت حور عن السير وفعل دياب المثل كـ رد فعل طبيعي، قالت حور بانزعاج شديد:
-أنا مش عايزة ادخل طب ولا عايزة اكون دكتورة ولا عايزة أكون حاجة.

رد دياب عليها ساخرًا:
-إيه هتقعدي في البيت يعني ولا إيه بعد ده كله؟!…
تمتمت حور بنبرة غريبة بالنسبة إلى دياب:
-كده أنا مش عايزة اكون دكتورة ولا أكون أي حاجة، ولا عايزة في يوم اتغر في نفسي لدرجة إني أعمل كده في أقرب ما ليا، لأن أحلام مكنتش وحشة كده ولا في يوم من الايام كنت اتوقع او حد يتوقع أنها تعمل كده…
كلامها كان غريب لكنه عميق نوعًا مما جعل دياب ينظر لها ببلاهة عدة دقائق يحاول قول أي شيء، أو أن يجمع رد فعل مناسب…
-مفيش حاجة اسمها حد يتغر في نفسه، لازم تثقي في نفسك ومعدنك وتربيتك، وأحلام مش نموذج نمشي عليه بالعكس هي حالة شاذة ومش من الطبيعي أن الانسان يعمل كده، متفكريش بالطريقة دي تاني يا حور، وبلاش تحطي في دماغك كده علشان مزعلش منك وبعدين أنا واثق في تربيتي ليكي، الكليات ملهاش علاقة بأي حاجة ممكن يعملها الإنسان….
ابتسمت حور له وأخذت نفس طويل ثم أردفت بنبرة هادئة:
-مش عارفة شكلي اتهبلت شوية بسبب الحاجات اللي عماله تحصل…
كان من الطبيعي أن تشعر بالتشوش، الأحداث كانت كثيرة حولها وفظيعة، أولها فقدان دياب لعمله؛ فسخ خطبته، طلاق شقيقتها، مرض والدتها، حسنًا لم يحدث لها هي شيء واضح لكنها تأثرت بهذا كله وتحاول إخفاء الأمر…

تمتم دياب بنبرة جادة وهو يضع يده على كتفها:
-ربنا يوفقك، مش مهم تكوني دكتورة ولا تكوني اللي تكونيه أهم حاجة تكوني في المكان اللي يناسبك واللي ميخلكيش تتخلي عن أي حاجة اتربيتي عليها، وتكوني في المكان اللي تنفعي نفسك وتنفعي بيه غيرك..
ابتسمت له حور ثم أردفت بفزع مرة واحدة:
-يالهوي أنا اتأخرت، الكلام خدنا……..
_______________
بعد يوم طويل قضاه في المستشفى..
عاد “جواد” إلى منزله، واستوقفه حارس الفيلا حينما فتح له البوابة من أجل أن يدخل بسيارته قائلا…
“مدام رانيا جت من شوية وسابت لحضرتك ده بس مدخلتش”
أنهى حديثه وهو يمد يده بالصندوق الكرتوني التي أخذته ليلة أمس من على مكتبه بعدما أتت به….
أخذه جواد منه وعلى وجهه بسمة لا تعبر عن السعادة لكنها كانت هازئة إلى حدٍ كبير…
وضعها جواد بجانبه في المقعد المجاور له في السيارة ثم ولج واصطف بسيارته وسار بضعة خطوات حتى وصل إلى الباب الداخلي للمنزل وفتحه وولج ليجد نسمة جالسة على الأريكة وتشاهد التلفاز، ومنيرة تجلس بجوارها ويبدو أنها تشعر بالنعاس لكنها تنتظر نوم نسمة أولا…

اليوم تأخرت عن أن يعود على العشاء وأخبرهم بألا ينتظره أحد…
تحدث جواد بنبرة هادئة لكنها مرتفعة قليلًا حتى تصل لهما:
-مساء الخير..
قالت منيرة ونسمة التي تنظر له مبتسمة في وجهه؛ في ذات الوقت:
-مساء النور..
جاء جواد وأقترب من شقيقته تاركًا قُبلة على رأسها متحدثًا بنبرة هادئة وفضولية بعض الشيء وهو يجلس بجانبها:
-إيه اللي مصحيكم لغايت دلوقتي؟!…
عقبت نسمة على حديثه والبسمة لا تفارق ثغرها:
-قاعدة مستنياك..
ثم وجهت حديثها إلى منيرة هاتفة باحترام وبطئ وهي تبتسم لها بعدما استدارت بوجهها:
-أنا عايزة عصير..
اندهشت منيرة من طلبها في العادة هي من تصر عليها في أمور الطعام والشرب، لكنها على ما يبدو ترغب في أن تتحدث مع شقيقها على انفراد وفهمت منيرة الأمر هاتفة:

-حاضر يا حبيبتي..
نهضت منيرة ثم سألت جواد قبل رحيلها:
-اعملك حاجة تشربها يا ابني؟! ولا احطلك العشاء..
رد عليها جواد بنبرة هادئة:
-لا تسلمي أنا واكل وشارب كل حاجة.
ابتسمت له منيرة ثم رحلت متوجهة صوب المطبخ، هنا وضعت نسمة كف يدها الصغير والممتلئ نسبيًا على يد شقيقها متحدثة بنبرة هادئة:
-عماد كلمني النهاردة…
ما الجديد بأن شقيقها يحدثها؟!!..
يبدو أن هناك شيء ترغب في قوله…
نظر لها جواد مشجعًا أياها على الاستمرار بالتأكيد هناك شيء ترغب في قوله لن تكتفي بتلك الجملة ولم يخب ظنه وهي تسترسل حديثها بتردد:
-قالي أنه عايزني أسافر بس أنا مش عايزة..
ضيق جواد عينه وسألها باستغراب ونبرة حنونة رافعًا يده ويضعها على وجهها:
-وإيه المشكلة مش عايزة تسافري ليه؟!..

هتفت نسمة بنبرة جادة وصادقة وكانت تتوقف بين كل كلمة والأخرى:
-كده مش عايزة اسيبك وامشي مش هسافر إلا لو كنت معايا أنتَ سيبت كل حاجة وجيت قعدت هنا علشاني حتى رانيا…
رد جواد عليها بهدوء شديد لا يخرج إلا معها وأعصاب مرتخية غير مشدودة صدقًا أفضل وقت يقضيه تلك الفترة يكون معها هي فقط..
معها يشعر بأن الدنيا بخير…
-أنا مسيبتش رانيا علشانك ولا عملت كده علشان تقعدي تحملي نفسك ذنب، أنا ورانيا مينفعش نكمل مع بعض بأي شكل من الأشكال…
صمت لثواني ثم أسترسل حديثه بنبرة جادة:
-وبعدين إيه المشكلة لما تسافري وتغيري جو مع عماد؟!….
غمغمت نسمة برد قاطع:
-أنا مش هسافر من غيرك ولا هسيبك لوحدك…
تمتم جواد بنبرة هادئة بعدما جاءت منيرة وهي تضع أكواب العصير الطازج على الطاولة:
-متربطيش نفسك بيا أنا مش بيكون عندي وقت أسافر لاجازة طويلة زي دي خصوصًا أن الفترة دي عندي ضغط كبير في الشغل…
ردت نسمة عليه مرة أخرى مؤكدة ما قالته:
-مش هروح حتة إلا معاك غير كده خليني هنا..

صمت جواد لعدة ثواني ثم تحدث بنبرة مختصرة:
-طيب نأجل الكلام في الموضوع ده شوية؛ اشربي العصير ونتكلم بعدين كده كده لسه في وقت…
“بعد مرور ساعة كان يجلس جواد على فراشه”.
يقوم جواد بالتقليب في هاتفه بذهن شارد، صدع صوت هاتفه يعلن عن اتصال من رقم غريب فأجاب..
-ألو..
جاءه صوت رانيا أفسد حالته المزاجية الهادئة نوعًا ما:
-مساء الخير يا جواد؛ غريبة أنك لسه صاحي يعني ده أنا قولت مش هترد يعني خصوصا أنك سايب المستشفى من بدري…
ما ينقصه الآن فعلا رانيا…
تحدث جواد وهو يرد عليها بسخرية:
-معلش معرفش إني المفروض اخد إذن جنابك علشان ميعاد نومي، وبعدين ده رقم مين ده؟! وبلاش تحسسيني إني متراقب وأن حضرتك عارفة كل تحركاتي…
ردت عليه رانيا بنبرة هادئة:
-أنا غيرت رقمي ومش براقبك ولا حاجة أنتَ فاهمني غلط، وأنا قولت بس أكلمك علشان اعتذرلك على اللي عملته امبارح أنا كنت متعصبة ومتوترة شوية، لكن أنا مكنش قصدي اقول كده، ولا كان قصدي أخد الهدية بتاعتك طبعا وأنا ماشية، فعديت من شوية سيبتها…

ابتسم جواد بسخرية شديدة على ما يبدو هي ترغب في أن تستعمل معه سياسة أخرى…
-مكنش له لزوم تتعبي نفسك أنا نسيت عمومًا اللي حصل مع السلامة..
أنهى المكالمة ولم ينتظر حتى ردها على كلماته…
يكفي هذا العبث والانزعاج التي تسببه له…
لقد طلقها..
ماذا يفعل أكثر؟!.
ما السبيل حتى يتخلص منها أكثر من هذا؟!!..
____________
منذ ليلة أمس العاشرة مساءًا وحتى الآن الثامنة صباحًا وهو يعمل على “التوكتوك”…
لا يدري لما وافق حينما أخبره صاحب “التوكتوك” بأن الشاب الآخر الذي يعمل بعده لن يأتِ اليوم فأخبره أن يستمر هو حتى التاسعة صباحًا، لم يكن يرغب في العودة إلى المنزل، لا يرغب في أي وقت فراغ يجعله يفكر فيما يحدث……..
كان يسير به حتى أشارت له فتاة ما بالقُرب من الشارع الذي يقطن فيه ولم يهتم للنظر لها….
وقف من أجلها وهي ركبت دون أن تخبره إلى أين سوف تذهب ووقف دياب منتظر منها قول أي كلمة وإلى أين هي ذاهبه؟!..

لكنها لم تتفوه بشيء غير……
-يلا..
رفع دياب عيناه ونظر ناحية المرأة ليرى الجالسة خلفه والتي لم تكن سوى ريناد:
-أنتِ رايحة فين؟! هو أي اللي يلا..
تمتمت ريناد باستغراب وهي تنظر له:
-أنتَ بتعمل إيه هنا؟!..
ألا ترى ماذا يفعل؟!
ما الشيء الغير مفهوم؟!..
تلك الفتاة أما ساذجة أو غبية ليس لها احتمال أخر في عقله…
-بأخذ التان بتاعي، ميحلاش ليا أعملتان إلا الساعة ثمانية الصبح وأنا راكب التوكتوك…
أنهى سخريته ثم غمغم بنبرة مُنفعلة بعض الشيء:
-هكون بعمل إيه يعني شغال على التوكتوك ممكن تقوليلي رايحة فين؟!..
أجابته ريناد ببساطة رغم اندهاشها الكُلي من عمله الجديد؛ لما لا يعمل في مكان أخر يشبه عمله السابق؟!…

كانت ساذجة بـ حق، هي لم تحتك يومًا بـسوق العمل لا تعلم كيف يسير ولكنها تظن بأنه يمكنه إيجاد عمل أخر بسهولة:
-رايحة محطة المترو، بس ياريت بسرعة علشان أنا متأخرة…
سار دياب نحو محطة المترو بصمت يسيطر على الأجواء بينما ريناد كان الهاتف بين يديها تراقب التعليقات التي أتت على مقاطعها الأخيرة…
“أنتِ طريقة كلامك مستفزة بشكل رهيب”
“إيه المنتجات والأسعار وطريقة الكلام اللي مش ماشية مع عفش بيتكم دي؟!”.
“طبعا الحاجات دي جيالك هدية مهوا اللي زيك هتجيب الحاجات دي منين وطالعة تعملي بيهم ميكب، اهو دول اللي اسمهم بلوجر، شحاتين لقوا فجأة حتة لحمة”
كانت ثلاثة تعليقات كافية حتى تفسد يومها رغم أن هناك العديد من التعليقات الإيجابية لكن تلك الثلاثة كانت مزعجة إلى حدٍ كبير…
أما دياب كان يشعر بالغيظ الشديد، من يصدق أن سبب تركه لعمله والتي يظهر من أنها من طبقة عليا تختلف عن طبقة قريبة والدها تمامًا أن تقطن في بنايته….
وها هي تجلس في التوكتوك الذي يعمل عليه، غريبة تلك الدنيا متغيرة، بـشكل غير مفهوم…..
-أنتِ بتعملي إيه هنا؟!.
سألها دياب هذا السؤال بعفوية شديدة لترفع ريناد رأسها وتنظر عليه بأهدابها الكثيفة وبشرتها الصافية إلى حدٍ كبير من المنتجات التي تقوم باستخدامها والتي استمرت عليه وجعلت زينب تقابلها وتعطيهم لها….

كانت جميلة ورقيقة إلى حدٍ كبير…
تحدثت ريناد بعفوية شديدة:
-هكون بعمل إيه؟! راكبة معاك في التوكتوك علشان توديني المترو..
قاطعها دياب مستنكرًا من هذا الغباء:
-أكيد مش بسأل على كده، بسأل يعني أنتِ ليه قاعدة مع بهية…
هتفت ريناد بنبرة تلقائية وكئيبة:
-بتعاقب، حتى مش بيتي بس اللي اتغير لا جامعتي كمان وعربيتي مبقتش معايا، ولا تليفوني حياتي اتقلبت..
لا تدري أي نوبة ضحك انتابته وهو يسمع كلماتها، أنه لشيء عجيب حينما ترى بأن شخص تم عقابه…
وعقابه أن يعيش في منطقتك وحياة تشبه حياتك، أنه شيء عبثي من الدرجة الأولى والغريبة أنه لم يكن يسخر منها تلك المرة ولكنها انزعجت هاتفة….
-طبعا تلاقيك مبسوط، وشمتان فيا، أو شايفني واحدة مُرفهة…
توقف دياب عن الضحك مقاطعًا أياها بنبرة جادة:
-اشمت فيكي يا ستي ليه وأنا مالي…
ردت عليه بنبرة جادة:

-علشان اللي عملته فيك….
غمغم دياب بكوميديا سوداء:
-والله الدنيا عملت معايا الصح أكتر منك وبعدين يعني متقلقيش أكيد أنتِ اللي عملتي مصيبة أكيد..
أردفت ريناد كاذبة:
-معملتش حاجة، ومفيش حاجة تستحق أن يحصل فيا كده..
رد عليها دياب بشرود وهو ينتبه إلى طريقه وليس لها:
-الله أعلم..
-مامتك عاملة إيه دلوقتي بدأت جلسات؟!..
كاد أن يتوقف في منتصف الطريق بسبب هذا السؤال ولكنه رد عليها بنبرة جادة وهو يستكمل سيره:
-وأنتِ عرفتي منين؟!…
لم ترد إخباره بأنها كانت تسترق السمع له ولشقيقته من الشرفة ولكنها عقبت بكذبة بسيطة:
-من نينا بهية..
صمت لثواني ثم رد عليها هاتفًا:

-الحمدلله بخير بدأت اول جلسة…
-خير ان شاء الله..
-ان شاء الله خير…
ثم أسترسل دياب حديثه بنبرة شبة ساخرة فهو لا يرغب بأن يكون الحديث جيدًا بينهما:
-وتمشي وترجعي لحياتك قريب…
-يارب..
بعد دقيقة تقريبًا توقف دياب قُرب محطة المترو مغمغمًا:
-وصلنا…
هبطت ريناد هاتفة وهي تمسك حقيبة يدها التي كانت مفتوحة من الأساس وجذبت أنظار دياب:
-ها عايز كام؟!…
رد عليها دياب بنبرة عادية:
-اللي تدفعيه..
غمغمت ريناد بنبرة مرحة:

-مفيش خلي؟!..
تمتم دياب وهو ينظر لها بسخرية:
-وإيه فائدة خلي مدام كده كده هأخد منك، أنا مبحبش الكلام ده، يلا خلصي علشان أروح انام..
أخبرها بأن تدفع ما تدفعه كل يوم، فأخرجت ريناد محفظتها من الحقيبة ثم أخرجت منها عدة ورقات بالنظر يمكنك معرفة أنهم يتخطوا الخمسمائة جنية مما جعله يعقب هاتفًا بنبرة متهكمة:
-هو أنتِ عبيطة ولا بتستهبلي؟!…
ضيقت ريناد عيناها ونظرت له بغضب هاتفة:
-وليه الغلط ده أنا عملت إيه دلوقتي؟!.
تحدث دياب بعدم فهم وثورة واضحة:
-في واحدة تبقى لازقة في التوكتوك كده اللي هو شوية وهتقعدي جنبي ومطلعه الفلوس اللي معاها كلها علشان تحاسب التوكتوك وماسكة الموبايل بالايد التانية كده ما تعلقي يافطة تقولي للناس اسرقوني شكرًا..
سألته ريناد بنبرة جادة وعفوية:
-اومال أعمل إيه يعني مش بطلع الفلوس علشان أحاسبك..

وضع دياب يده على وجهه هاتفًا وهو يحدث نفسه لكن صوته مسموعًا إلى حدٍ كبير:
-هو يوم باين من أوله أول وأخر يوم اطبق على التوكتوك ده….
أبعد يده عن وجهه لتتأمل هي قسماته وملامحه الرجولية، المنحوتة والواضحة ولحيتة المصففة بعناية رغم كل شيء..
غمغم دياب موجهًا حديثه لها وهو ينظر لها:
-الموبايل تحطيه في الشنطة أو في جيبك؛ الفلوس تتحط في الشنطة بالمحفظة وتخلي مئة جنية مثلا أو الفكة برا في سوستة لوحدهم متخليش فلوسك كلها في مكان واحد وتطلعيه بالشكل ده، بدل ما تلاقي في مرة حد لطش منك المحفظة وجري بالتوكتوك…
حديثه بدأ منطقيًا نوعًا ما في نظرها فهزت رأسها موافقة وفعلت ما طلبه منها ووضعت المحفظة في الحقيبة بعدما أخرجت مئة جنية منها فقط وقدمتها له هاتفة:
-هات ثلاثين بقا، وبليز بلاش فلوس قديمة بحبها جديدة……
سألها دياب بجدية وغضب واضح:
-أنتِ عايزاني اديكي ثلاثين جنية من المئة؟!.
هزت رأسها بإيجاب:
-أيوة..

-جتك أوه.
ثم رفع يده وهو يدعي ربه أن يخلصه منها هاتفًا:
-يارب ارحمني منها يارب…
صرخت ريناد في وجهه هاتفة بانزعاج واضح:
-أنتَ مش عاجبك حاجة صح؟! قولتلي ادفعي زي ما بتدفعي وبقولك خد سبعين وهات ثلاثين مش عاجبك، أنا دفعت امبارح كده..
تحدث دياب بعدم تصديق:
-أنتِ كل يوم لما بتركبي توكتوك بتدفعي سبعين جنية؟!.
ردت عليه ريناد بجدية رغم إدراكها بأن هناك خطبٍ ما لا يعجبه:
-أنا دي تاني مرة اركب توكتوك علشان متأخرة في العادة بمشي او بركب تاكسي أو أوبر، بس امبارح الداتا كانت خلصانة فركبت توكتوك وخد سبعين جنية مني بس…
-أنا هاخد خمسين بقا..
ابتسمت ريناد في وجهه متمتمة:
-أنتَ رخيص جدًا..

نظر لها دياب نظرة كادت أن تحرقها ثم تنهد وهو ينظر لها:
-الراجل استغفلك مهوا واحدة شنطتها مفتوحة ومطلعه قدامه كل الفلوس اللي في شنطتها هيقولها إيه يعني؟!..
ابتلع ريقه ثم أسترسل حديثه مغمغمًا:
-المشوار ده يدفع في خمسة جنية لو راكبة مع ناس يعني النفر بخمسة، لو راكبة لوحدك خمسة عشر جنية يوم ما تقولي اضحك عليكي بيأخد منك عشرين أو خمسة وعشرين لو هو ابن حرام وراكبة لوحدك، أكتر من كده تصوتي وتتخانقي وتلمي عليه الشارع……
نظرت له ريناد بـغضب:
-يعني أنا اضحك عليا؟!..
-تخيلي؟! الغريبة أنك فاكرة أنه لسه واخدة بالك أنه مضحوك عليكي، ده أنتِ اللي بتعاقبي نفسك مش أهلك اللي بيعاقبوكي فوقي كده ومتخليش حد يضحك عليكي…
غمغمت ريناد بنبرة جادة وشعر بأن الدموع ترقرقت في عيناها:
-ماشي معاك حق خلاص أنا كده فهمت ومحدش هيضحك عليا تاني، خد بقا وهات ثمانين…
تمتم دياب بهدوء:
-مش عايز منك حاجة، خلاص خليها عليا المرة دي، والمرة الجاية هاجي أخد منك السبعين جنية ده أنا أوصلك كل يوم على كده أنتِ لوحدك بدورين تلاتة…………

ضحكت ريناد ثم غمغمت بنبرة مختنقة:
-يعني كده هدفع ولا لا علشان محسش إني مشيت وهي عزومة مراكبية زي ما بتقولوا…..
قال تلك الكلمات بعدما راقب انزعاجها الواضح حينما أدركت بأنها مغفلة وتعرضت لنصب واضح، ولذلك لم يرغب في أن يزيد الأمر عليها:
-لا مراكبية إيه؟! أنتِ بتدفعي سبعين جنية في التوكتوك يلا امشي شوفي أنتِ رايحة فين نهارك أبيض…..
ابتعدت ريناد بعدما غمغمت ببساطة:
-باي…
كان من نصيب دياب….
أن يقود “التوكتوك” ويذهب إلى تسليمه وبعدها إلى المنزل، ينام بضعة ساعات قليلة ويذهب إلى المطعم لاستلام عمله الآخر…….
____________
-لا مش عاجبني خليها تأخدهم هي….
قالت سلمى تلك الكلمات وهي تتفحص الملابس التي أتت بها والدتها، هي لا تقوم بتجهيز ابنتها الصغرى فقط بل تفعل هذا مع سلمى لكن الفارق الوحيد بأن سلمى لا يعجبها أي شيء وتظهر تمردها واستيائها الواضح…
تمتمت جهاد بنبرة مرحة:

-معلش يا ماما خلاص هاخدهم أنا أصل سلمى مش هتتجوز بلبس عادي كل لبسها هيكون sport…
ضحكت سلمى بسخرية وهي تنظر له بعدما قذفتها بالوسادة:
-إيه يا بت العسل ده، خليكي في نفسك بقا…
ثم وجهت حديثها إلى والدتها بغضب:
-عطلتوني وأنا بتمرن القعدة معاكم كسل رهيب يارب الجيم يفتح تاني بقا..
تحدثت يسرا بانزعاج واضح:
-بس أنتِ وهي، أنا جايبة ليها وجايبة ليكي متقعدوش توشوا جنب ودني أنا هقوم أصلي العصر أحسن…
كانت ترتدي الإسدال وهي تتحدث معهما، لكن قرع الجرس، فذهبت يسرا لتفتح الباب ووجدت أمامها أخر شخص ترغب في وجوده…
وهو مـــدحـــت…
-إيه اللي جابك؟!..
غمغم مدحت وهو يدخل دون إذن:
-جاي اشوفكم وفي موضوع عايز اتكلم فيه معاكم…
كانت سلمى جالسة في مكانها لم تتحرك ولم تثور كما كانت تفعل أما جهاد انقلبت ملامحها هاتفة باختناق:

-إيه اللي جابك تاني هو أنتَ بتختفي كام يوم وترجع تظهر من تاني؟!…
تحدث مدحت ببراءة شديدة وهو يجلس على المقعد:
-أنا حبيت اسيبكم كام يوم تهدوا كده علشان متحصلش مشكلة زي المرة اللي فاتت أنا برضو أخاف على سمعتكم الصويت والخناق مش حلو علشانكم وجاي أتكلم معاكم بالهدوء أهو…
الغريب أن يسرا كانت على وشك الاعتراض وكذلك جهاد لكن سلمى قالت بنبرة هادئة ورزينة عكس العادة أو الحالة التي تنتابها حينما تراه:
-اتكلم عايز تقول إيه؟!…
أردف مدحت بحماس من هدوء سلمى تحت نظرات يسرا التي تحاول أن تفهم الوضع:
-أنا جايب ليكي عريس بقا لُقطة المرة دي….
سألته سلمى بخبثٍ وهي تنظر له:
-والعريس الاولاني يعني راح فين؟! مش كنت من أسبوع باين بتقول هيجوا بعد يومين مسمعناش منك خبر يعني..
توتر مدحت ولم يجد إخبارها بأن الرجل اختفى ولم يقوم حتى بالحديث معه، لكن لحسن الحظ هو وجد الفرصة الذهبية، وكيف ألا تكون؟!..
حينما يشاركه اين عمه ويقوم بتزويج ابنته إلى ابنه سوف يشاركهم في تجارتهم كما وعده بالمبلغ البسيط الذي يتواجد معه…
قريبه يريد تزويج ابنه الذي يعمل في السعودية إلى فتاة هنا تصبح زوجة وتكون مع عائلته وتجبره على العودة، ويرغب في أن تتم الزيجة سريعًا قبل أن يسافر ابنه مرة أخرى، ورأى صورتها التي تتواجد مع ابنة عمها التي أتت إلى خطبة جهاد وألتقطت صورة معهم وأعجب بها…

تحدث مدحت بارتباك:
-يعني مكنش داخل دماغي أوي ومكنش من طرفي يعني، فأنا جيبت لك عريس إيه لقطة ابن عمي هو ابنه بقا وقبل ما ترفضي هما قدامهم ساعة وجايين وشوفيهم صدقيني جوازة متحلميش بيها..
هو يضعها أمام الأمر الواقع إذن!!
لكن هل هو يقدر أن يتحمل عواقب هذا الفعل؟!!
تحدثت يسرا بانزعاج شديد وهي توجه حديثها لها
-خليك في نفسك يا مدحت وقوم خد بعضك وامشي لو فعلا مش عايز مشاكل، بنتي مش هتتجوز أي حد من طرفك ومش هتتجوز غير اللي هي عايزاه..
قال مدحت بخوفٍ واضح استطاعت سلمى الشعور به، من أن يكون بين أقاربه في موضع حرج إذا لم يوافقوا على مقابلتهم……
-أنا قولت إيه بس؟! أنا بقول تقعد معاه ويشوفها وتشوفه هو أنا قولتلها هنكتب كتابكم…
قبل أن يسترسل حديثه غمغمت سلمى بنبرة هادئة ومسالمة جعلت الجميع ينظر لها باستغراب ففغر فاه جهاد وهي تنظر لها:
-تمام يدوبك نقوم نروق البيت ونجهز مدام جايين.
سألها مدحت بفرحة حقيقية وقد لمعت عيناه وقتها:
-بتتكلمي بجد؟!..

هزت سلمى رأسها مؤيدة:
-أيوة بتكلم بجد مفيش مشكلة لما أقعد معاهم ونشوف انزل بقا على القهوة اقعد تحت لغايت ما نروق الدنيا وابقى اطلع معاهم..
هنا تغيرت ملامح مدحت هاتفًا بشكٍ:
-اوعي تكوني بتقولي كلام وخلاص وغرضك تمشيني وتحرجيني مع الناس…
هزت سلمى رأسها نافية وهي تخبره:
-لا والله هقعد مع الناس…
تحدثت يسرا بعدم فهم:
-أنتِ بتعملي إيه أو بتقولي إيه؟!…
قالت سلمى ببراءة وكلمات لم تدخل في عقل والدتها التي تعرفها جيدًا بينما مدحت قام بتصديق الأمر:
-مدام خلاص اداهم ميعاد وجايين كمان ساعة يبقى هما ضيوف لازم نكرمهم ونستقبلهم خصوصًا أننا قرايب…
تحدث مدحت بنبرة هادئة والابتسامة لا تفارق وجهه:
-ربنا يكملك بعقلك يا بنتي يارب….
بعد مرور ساعة ونصف..

كان بالفعل أتى مدحت ومعه ابن عمه وولده؛ وزوجته، أما يسرا كانت غير راضية عما يحدث تمامًا صامتة لا تفهم ما الذي تنوي عليه ابنتها…..
بينما في الغرفة كانت سلمى تقوم بلف خِمارها تحت مراقبة جهاد لها التي تشعر بالصدمة والدهشة مما تفعله شقيقتها…
-هو أنتِ بجد هتخرجي تقابليهم؟!…
-ايوة، واتفرجي واسكتي.
تحدثت جهاد بعدم فهم:
-اتفرج على إيه؟!.
-على اللي هعمله في أبوكي قدام قرايبه اللي أنا متأكدة أنه راسم عليهم راسمه تانية خالص لأن طول عمرهم في وداي وهو واخوته في وادي تاني…
أنهت حديثها وانتهت مما تفعله بعدما أرتدت أكثر ملابسها أناقة وخرجت لتجلس معهم تحت نظرات والدتها الصامتة بينما والدها هو من رحب بها…………………
“أهي العروسة جت أهي”.
جلست سلمى وكان في البداية التعارف بينهما طبيعي، إلى أن تحدثت والدة الشاب:
-ما شاء الله أحسن من الصورة ألف مرة كمان قمر..
ردت عليها سلمى بحياء:

-تسلمي يا طنط..
غمغمت المرأة بترحاب واضح رغم شعورها بأن والدة العروس غاضبة أو هناك شيء بها:
-هتكوني زي بنتي بالظبط ربنا مرزقنيش إلا بـ ياسر ابني وأنتِ هتكوني بنتي التانية..
قالت سلمى بنبرة غريبة:
-يعني إيه مش فاهمة؟!..
ضحكت المرأة ثم أردفت بنبرة هادئة:
-بعد الجواز ان شاء الله، مهوا أنتِ هتكوني عايشة معايا في البيت واهو نونس بعد طول ما ياسر مسافر…
نظرت سلمى إلى المدعو بـ ياسر ونظرت إلى والده والجميع تقريبًا:
-هو واضح أن في سوء تفاهم…
تحدث والد الشاب بعدما وضع فنجان القهوة على الطاولة:
-سوء تفاهم إيه يا بنتي بس ده احنا لسه بنقول يا هادي وبنتعرف…
ابتسمت لهم سلمى هاتفة بثبات غريب تحسد عليه:
-أنا اتقرأ فاتحتي على أخو خطيب اختي، بابا مقالش ليا سبب الزيارة، الحقيقة أن هو لسه راجع لو مكنتوش تعرفوا هو لسه راجع بعد أكتر من عشر سنين سابنا فيهم ومنعرفش عنه حاجة ولا هو يعرف عننا حاجة واللي ربتنا أمنا وبس، أنا كنت فاكرة أنكم جايين تصلحوا ما بينا مش أكتر…

تحدث الشاب أخيرًا المدعو بـ ياسر هاتفًا:
-يعني إيه اللي بتقوليه؟!.
ردت عليه سلمى ببساطة:
-زي ما سمعت للأسف هو ميعرفش حتى بنته مخطوبة ولا لا…
نهض ياسر هاتفًا بغضب واضح:
-يلا يا بابا، يلا يا ماما..
نهض والده ووالدته ثم هتف ابن عم مدحت وهو ينظر له الذي كان قد ابتلع لسانه:
-لينا كلام تاني بعدين يا مدحت احنا مش عيال صغيرة علشان تجيبنا نتهزق بالشكل ده..
ردت عليه سلمى التي نهضت هي الأخرى:
-معلش غلطتك أنك وثقت في حد ساب مراته وعياله وهج من غير سبب، وساب بناته تربيهم أمهم، ولو مكنش قالك المعلومة دي اديني بعرفك بلاش تأمنه على أي حاجة لأن أكيد كان له مصلحة في الحوار ده………
_____________
يجلس زهران في شرفة منزله أمامه كوب الشاي على الطاولة، وبين يده خرطوم الأرجيلة…

وكانت شرفة المنزل تطل على الجزارة الذي يجلس بها نضال الذي يتمم على ما يحتاجه من لحوم إلى المطعم….
و على يده الأخرى هاتفه يشاهد بعض المقاطع بشكل عشوائي، ومرة واحدة وجد سامية تدخل الشرفة، فـ فتح لها سلامة الباب وحينما سألت عن عمها أخبرها بأنه في الشرفة فولجت إليه..
ترك زهران الهاتف وابتسم في وجهها هاتفًا..
-أهلا يا بنتي تعالي اقعدي عاش من شافك ولا بتردي على تليفون ولا غيره..
ابتسمت سامية على مضض وجلست متوترة تحاول إيجاد مُبرر:
-يعني كان عندي برد وكده وتعبانة شوية الفترة اللي فاتت..
لم يصدق زهران كلماتها ولكنه سحب نفس من الأرجيلة متمتمًا بنبرة هادئة:
-ألف سلامة عليكي يا بنتي، ودلوقتي عاملة إيه؟!
ردت عليه سامية باقتضاب:
-الحمدلله أحسن كتير، الله يسلمك يا عمو…
ابتسم لها زهران ثم أردف بنبرة هادئة حينما وجدها صامتة:
-أخلي سلامة يعملك شاي؟! تشربي حاجة؟!..

هزت سامية رأسها نافية ثم ابتلعت ريقها بارتباك شديد فـ والدتها لم تنفذ ما تريده وأخبرتها بأنها لن تصعد وتتحدث معه في شيء، لذلك قررت أن تفعل هي تحديدًا حينما أرسل لها حمزة رسالة لها اليوم يخبرها أن تمهد إلى عمها الأمر، وها هي تتحدث:
-لا شكرا ملهوش لزوم يتعب نفسه أنا اصلا طالعة علشان أكلم حضرتك في موضوع كده…
هتف زهران مشجعًا أياها:
-اتكلمي يا بنتي في إيه؟!.
قالت سامية دفعة واحدة:
-في واحد زميلي كلمني وطلب رقمك..
رد زهران عليها:
-إيه عايز عجل ولا خروف؟! وزميلك ده يكلمك ليه؟!..
لم يعجبها رده الساخر لكنها ظلت هادئة للنهاية متحدثة وهي توضح له:
-اخته حجزت معايا يوم فرحها وشافني هناك، وبعدها اتواصل معايا وعايز رقمك علشان يتقدملي وأنا اديته رقمك علشان يكلمك وحبيت أعرفك يعني اللي حصل..
رمقها زهران بنظرات غامضة بالنسبة لها لم تفهمها جيدًا أبدًا، وتحدث بنبرة عملية:

-والأستاذ شغال إيه بقا؟! وتعرفي عنه إيه؟!….
غمغمت سامية بتوتر كبير لم تكن تظن بأنها سوف تشعر به:
-يعني مش عارفة تفاصيل أوي بس اللي عرفته من اخته أنه عنده كافية تقريبًا…
قاطعها زهران بجدية:
-على العموم مش هو خد رقمي وهيتصل يبقى خلاص بلاش نسبق الأحداث وساعتها هتكلم معاه ونخليه يجي وهسأل عنه بلاش نتكلم في حاجة لسه محصلتش..
رغم انزعاجها من أن تعقيبه لم يختلف كثيرًا عن والدتها لكنها أردفت بنبرة مطيعة:
-ماشي أنا على العموم بس حبيت أعرفك اللي حصل..
-ماشي يا حبيبتي..
نهضت سامية من المقعد هاتفة:
-أنا هنزل بقا علشان رايحة أنا وماما عند خالو…
رد عليها زهران وهو يحافظ على البسمة فوق وجهه:
-ماشي يا بنتي ابقي سلمي عليه، صحته عاملة إيه دلوقتي؟!..

غمغمت سامية بنبرة جادة:
-يعني صحته أحسن كتير الحمدلله..
-الحمدلله…
ختمت حديثها:
-يلا مع السلامة.
-مع السلامة يا سامية..
رحلت سامية ولم تخرج من الشقة فـمر سلامة بجانبها أثناء خروجها حتى يدخل إلى الشرفة هاتفًا بحماس والهاتف الجديد بين يديه:
-الحق يا بابا…
تحدث زهران بنبرة ساخرة:
-في إيه هتقطع خلفي…
رد سلامة عليه ساخرًا:
-هو أنتَ لسه عايز تخلف؟!.
-أفرض نفسي هفتني إني أخلف أنتَ مالك أنتَ، وبعدين ألحق إيه وفي إيه؟!!.

غمغم سلامة وهو يخبره بما أتى من أجله:
-سلمى وافقت على نضال أبوها كان جايب ليها عريس والعريس لسه ماشي جهاد بتقولي قالت قدام الناس أنها موافقة على نضال….
لم يكن لا سلامة ولا حتى زهران مدركين بأن سامية لم تغادر بعد واستمعت إلى حديثهم تقريبًا…
بينما هذا يحدث كان في منزل يسرا…
صدع صوت صفعة على وجه سلمى من قِبل والدها “مدحت” الذي أخذ يصرخ بهسترية:
-أنا غلطان إني صدقتك، وصدقت أنك هتحترمي نفسك فضحتيني قدام قرايبي، حسبي الله ونعم الوكيل فيكي…
جاءت جهاد من الداخل بعدما كانت تراسل سلامة، ووقفت بينه وبين سلمي وكذلك يسرا التي صرخت في وجهه..
-أنتَ اتجننت بتمد إيدك على بنتي والله لاوريك يا مدحت…
تحدثت سلمى بنبرة جادة وهادئة إلى حدٍ كبير وكأنها لم تتلقى صفعة للتو لكن رُبما ما يصبرها بأنها تجده بتلك الحالة هذا يعني أنها نجحت:
-الغريب والله أن صدقتني وصدقت أن هيكون ليك كلمة عليا، أو إني هقابل ضيوفك وهتجوز على مزاجك، ولعلمك يكفيني أنك اتفضحت قدام قرايبك اللي ميعرفوش حقيقتك؛ أنا مش هتجوز ولا عايزة اتجوز وأنتَ السبب…
أخذ مدحت يحاول إبعاد جهاد ويسرا من طريقه وتعالت صراخاتهم لكن أنقذهم صوت هاتفه ليخرجه من جيبه بلهفة ظننًا منه بأن المكالمة تأتي من والد ياسر……….

هو يرغب في تصليح الأمر قدر المُستطاع…
لكن كان الاتصال من رقم غريب، فأجاب مدحت بغضبٍ:
-ألو…
جاءه صوت زهران:
“أبو سلمى معايا؟!”..
اندهش مدحت من هذا التعريف ولكنه عقب بهدوء ظاهري:
-أيوة مين معايا؟!..
“أنا المعلم زهران، حبيت أتصل بيك زي ما اتفقنا علشان أعرف رد عروستنا على طلبنا”..
نظر لها مدحت بغيظٍ وهو يهتف ناظرًا لها بتحدي:
-العروسة موافقة ومستنيكم في أي وقت نحدد ميعاد وتيجوا يا معلم زهران……
هنا خرجت عين سلمى من مكانها!!!
لما يتحدث زهران في هذا الوقت تحديدًا؟!…..
_________

في الشرفة…
وضع زهران الهاتف على الطاولة متمتمًا:
-نروح نحدد ميعاد كتب كتابك أنتَ وجهاد ونقرأ فاتحة سلمى ونضال..
نهض زهران من مكانه وهتف بصوتٍ جهوري وهو يستند على السور الحديدي:
-نــضــال، واد يا نـــضـال….
كررها أكثر من مرة وهنا رفع نضال بصره إلى والده بعدما كان يتحدث مع أحد الشباب وهو ينظر له بعدم فهم…
يشير له بيده يسأل عما يحدث….
تحدث سلامة بقلق مما يحدث وهو يقف بجواره:
-أنتَ بتعمل إيه يا بابا، أنا شكلي لازم ألحق استخبى استرها علينا يارب…
تحدث زهران بنبرة مرتفعة رنت في أرجاء الشارع بأكمله:
-عروستك وافقت يا عريس، ألف مبروك يا حبيبي……………

يتبع… 

   •تابع الفصل التالي "رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent