Ads by Google X

رواية بحر ثائر الفصل الخامس عشر 15 - بقلم اية العربي

الصفحة الرئيسية

 رواية بحر ثائر الفصل الخامس عشر 15 - بقلم اية العربي

بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم 

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .

اللهم إنا نستودعك أهل غزة وكل فلسطين ، اللهم
كن لهم عونا اللهم إنا لا نملك لغزة وفلسطين إلا الدعاء

الفصل الخامس عشر من 🌊 بحر ثائر 🌊 بقلم آية العربي 

بعض النساء يرينني مثيرا للجدل

وبعضهن... 

يرين اني مثير للغزل.... 

ولا واحدة منهن لمَحت!!! 

خيبات الأمل... 

في القلب... 

والألم المختبئ في المُقَلْ

وحدك أنت لمستِ فيَّا 

ذلك الألم الخفيَّا

( بقلم فيروزة  ) 
❈-❈-❈

لم ينَل إعجابه ما يحدث مع ابنة أخيه منذ أشهر  ،  علاقتها مع ذلك المهندس لم ترُق له على الإطلاق  . 

وجاء إنتاج المصنع الجيد ليكون عائقًا له عن تنفيذ أي مخطط لطرده أو اتهامه بالتقصير بل على العكس فهو يعمل بشكلٍ جيد وصارم مع العمال الذين يحبونه وما زاد الأمر سوءًا هو ذلك الشاب الفلسطيني الذي أصبح يعمل معه وكأنهما استوليا على المصنع  . 

نعم هذه هي خطتهما سويًا  ،  يعززان ثقلهما في المصنع كي يحصلا على ثقة بسمة وخاصةً هذا الداغر الذي يسعى ليوقعها في شباكه وهذا لن يحدث سوى على جثته  . 

بسمة لن تكون لأحدٍ سوى ابنه وميراثها لن يتنعم به أحدٌ غيرهم  . 

بصرامة منه وتحريض من زوجته قرر تهديدها تحت قناع الخوف لذا اتجه إلى غرفتها كي يتحدث معها بعدما نفذ صبره خاصةً وأن ابنه لم يفلح التصرف  . 

طرق الباب فانتفضت  ،  باتت تخاف منهم  ،  ترى في عيونهم الانزعاج الذي يمكنه التحول للكره لذا زفرت بقوة واتجهت نحو الباب تتساءل بتوتر مغلف بقوة زائفة  : 

- مين  ؟ 

- أنا عمك  . 

مدت يدها تفتح الباب وطالعته بترقب فأمعن النظر فيها واستطرد متعجبًا : 

- من امتى بتقفلي على نفسك بالمفتاح  ؟  

هزت كتفيها تجيبه بهدوء متكتفة  : 

- عادي يا أونكل  ،  حضرتك بس اللي مش بتاخد بالك  . 

زفر يجيبها بنزق   : 

- طيب أنا عايز أتكلم معاكِ  . 

أفسحت له المجال مسترسلة  : 

- اتفضل  . 

دلف يتجه نحو الأريكة وجلس يفرد نفسه فاتجهت تجلس أمامه منتظرة حديثه الذي بدأه على الفور يردف بنبرة مدروسة بعد تفكير ومساعدة من زوجته : 

- بصراحة كدة من وقت ما بعدتي عن الشركة والأوضاع مش ولابد  ،  وخليني أعترف إن جديتك في العمل وأسلوبك بيحلوا عقد كتير  ،  زي أبوكي الله يرحمه  ،  هو كان عارف يمشي الشركة صح  ،  علشان كدة إيه رأيك لو ترجعي الشركة معايا تاني وماجد هو اللي يدير المصنع  ؟ 

وجدها تحدق به بنظرات مبهمة ليستطرد بنبرة خبيثة  : 

- كان الأول المصنع وضعه مش تمام إنما دلوقتي أنا شايف إن العمال شغالين كويس جدًا  ،  وخليني اعترفلك بردو إن المهندس اللي إنتِ جبتيه شايف شغله كويس ووجود ماجد هناك هيكون مناسب زي ما وجودك في الشركة مناسب أكتر  ،  ولا إيه رأيك  ؟ 

تكمن بين طيات حديثه نوايا خبيثة تشعر بها ولكنه منطقي إلى حدٍ ما  ،  الشركة التي شيدها والدها بجهده لم تعد كسابق عهدها وسمعت عن بعض التسيب الذي حدث بها مؤخرًا على عكس المصنع الذي يعمه الالتزام  ،  فماذا تفعل  ؟  

هي تثق في داغر وتدرك أنه سواءً تواجدت هناك أم لا سيعمل بجدٍ ومعه صالح والعمال حتى لو كان ماجد مديرهم هذا لن يؤثر في شيء  . 

وبرغم أنها ستحرم من رؤيته كل صباح إلا أن واجبها نحو شركة العائلة يحتم عليها التواجد فيها لذا زفرت بقوة وأجابته ببعض الحيرة التي لم تظهر في حديثها  : 

- معاك حق من جهة المصنع هو في إيد أمينة وأنا مطمنة من ناحيته بس بردو الشركة مع حضرتك يا أونكل والمفروض إنك بتديرها أفضل مني  ،  وحضرتك كمان عندك جدية وصرامة في العمل  يبقى إيه سبب الخلل اللي بيحصل  ؟  

ألقت الكرة في ملعبه ليجيبها ببعض الضيق الذي تجلى في عينيه  : 

- يمكن كبرت والسن ليه أحكامه وبعدين ده الطبيعي  ،  أنا بفكر اتقاعد وانتِ وماجد اللي تمسكوا الشغل كله بس وضعكوا مش مطمني  ،  بعد ما كنتوا قريبين من بعض بقيتوا تبعدوا عن بعض أكتر  . 

دلف في المنطقة المحظورة بالنسبة لها ليسترسل بتوضيح كاذب  : 

- على فكرة أنا بردو اتكلمت معاه في النقطة دي وهو قال أسيبك براحتك بس أنا مهما تشوفيني قاسي ومتسلط لكن بخاف عليكي ويهمني أمرك  ،  بخاف على اسم العيلة وثروتها ولازم تفهمي إن الأطماع كتير  . 

وجدها تتمعن فيه دون حديث فزفر ونهض يواري غيظه ثم تابع قبل أن يغادر بنبرة تحمل لينًا خبيثًا  : 

- حاولي تدي لماجد فرصة من حياتك يا بسمة  ،  ومش لأنه ابني بس انتوا الاتنين تهموني جدًا  ،  وبردو فكري في موضوع الشركة وبلغيني قرارك  . 

تحرك يغادر وتركها تجلس تعيد كلماته  ،  للمرة الأولى تشعر أن حديثه منطقي مهما كانت نواياه خاصة في أمر الشركة ولكن ماذا عن داغر  ؟  عليها أن تتحدث معه وتخبره وإلا فلن تطمئن  .  

❈-❈-❈

وقفت تحدق به بذهولٍ جعلها لم تعد تشعر بالمطر الذي يتساقط فوقها لذا كرر جملته وهو يحثها على التحرك معه داخل المطعم  : 

- ماينفعش وقوفك هنا  ،  أدخلي بسرعة  . 

انتهبت لنفسها وله حيث ابتلت ملابسه أيضًا لذا تحركت معه نحو المطعم سريعًا فدلها على طاولته فاتجهت تجلس وتحتضن معطفه كأنه عائدٌ لها ولكنها فعلت حينما نهشها الصقيع فجأة  . 

تمعن فيها والتفت يجلس قبالتها ثم أشار للنادل ليأتي وجاء ليتحمحم ثائر ويردف وعينه مسلطة عليها  : 

- اسبريسو  ! 

- لا شكرًا  . 

نطقتها بحرجٍ وهي تداري ارتعاشها ليتجاهل شكرها حينما رفع نظره للنادل يستطرد  : 

- واحد اسبريسو  . 

أومأ الرجل وغادر فعاد ينظر إليها ليجدها تمعن النظر في روايتها التي ترتكز أمامه لذا أردف بخبث  : 

- كنت بقرأ قصتك  . 

- مش قصتي  . 

لا تعلم لمَ أجابته هكذا على الفور وهي تُمعن النظر فيه كأنه ألقى عليها اتهامًا بأن ما كتب عائدًا عليها لذا رفع الكتاب أمام عينيها ثم أشار بإصبعه نحو اسمها يردف بخبث  : 

- ديما الصابر  . 

وعت على نفسها لترتعش وتضم المعطف أكثر ثم أردفت موضحة بشموخٍ ومغزى بعدما تذكرت منشوراته  : 

- آه فكرتك تقصد اللي مكتوب مش الكاتب  ،  بس أظن إنها مش هتعجبك لإنها بتتكلم عن مميزات وقوة المرأة العربية  . 

أومأ يردف بنبرة باردة مستفزة  : 

- فعلًا أنا شايف إنك بالغتي شوية في الوصف   ،  وبالغتي أكتر لما قلتي في الندوة إنها قصة واقعية خصوصا النهاية الخيالية  ،  مافيش في الواقع العربي ست تقدر تقدر تخرج سليمة من تجربة زي دي بالعكس بتخرج مشوهة وبالتالي الجيل اللي هيتربى على ايدها هيكون مشوه وهكذا   .

فرد ظهره واستطرد بتباهٍ أمام سهام نظراتها يوضح بكفيه :

- ممكن لو كنتِ ذكرتي إن البطلة من المجتمع الغربي كنت اقتنعت لإن العوامل في الدول الأوربية بتساعد الست إنها تتجاوز أي تجربة سيئة مرت بيها  ،  المجتمع إدراكه واسع وبيساعدها تتعافى أسرع  ، على عكس المجتمع العربي طبعًا  . 

استشاطت غيظًا وكادت أن تبصق مافي جوفها وتخبره أن هذه قصتها ولكن لاااا  ،  نهرها عقلها بألا تفعل وإلا أثبتت له صدق حديثه لذا كظمت غيظها وابتسمت ابتسامتها لتجيبه بثقة وثبات برغم برودة جسدها  : 

- بيتهيألي ماينفعش تحكم حكم مطلق زي ده وانت أصلًا عايش برا ومش عارف ولا عايز تعرف المجتمع العربي بيفكر إزاي  ،  صحيح جزء كبير من كلامك صح بس هتفضل النخوة العربية موجودة على عكس الانحلال اللي بيعاني منه الغرب واللي بيتسبب في كوارث بنسمع عنها   . 

تنهدت ثم تابعت بنبرة هادئة تحمل الأسف  : 

- للأسف جزء كبير جدًا مننا انحرف وبقى مبهور بالتطور الغربي زي حضرتك كدة بس الجزء الأكبر بينتمي لوطنه وأصله  ،  ولا إيه يا سيادة الكاتب  ! 

صمت لهنيهة يُمعن النظر بها لتستطرد وقد حررت يديها تعبر بهما بعدما شعرت بالدفء من المكان ومن ثقتها  : 

- الحقيقة أنا قرأت كتب كتير ليك وطبعًا عجبوني جدًا وأثاروا فضولي لدرجة إني شكيت إن اللي كتب الكلام ده مش هو نفسه اللي بينشر منشورات هجومية على وطنه  ،  فيه عمق غريب بين سطورك مخليني أحس إنك فعلًا بحر  ، حسيت بكلمات مشفرة تبان عادية وفي المجمل بتدل على معاني عامة بس كإنها لغز إنت قاصد توظفه بالطريقة دي  ، إيه السبب  ؟ وليه بتعمل كدة  ؟  

يبدو أنه لأول مرة إحداهن تغوص في بحره  ،  تحاول استكشاف أعماقه  ،  لأول مرة إحداهن تستطيع قراءة ألغازه أو تحاول لذا أفلت عينيه من قبضة نظراتها حتى لا تقرأ ما فيهما لينظر نحو أصابعها الخالية من أي دليل يثبت له أنها ليست صاحبة القصة وكاتبتها لذا تأكد من شكه فعاد يحدق بها ويبتسم مسترسلًا بنبرة مبهمة  : 

- خيالك واسع يا حضرة الكاتبة  ،  كل ما في الأمر إني بكتب اللي بحس بيه وأكيد إنتِ فهماني في النقطة دي  ،  إنتِ متجوزة  ؟ 

سألها بشكلٍ مفاجئ لتتوتر نظرتها ثم أخفضت عينيها وأجابته بنبرة تجاهد لتجعلها طبيعية  : 

- مطلقة  . 

ابتسامته الساخرة جعلتها تباغته بنظرة محذرة بألا يستهين بها لتعاود رفع رأسها بثقة وتستطرد مترقبة  : 

- هو ممكن اسألك سؤال  ؟ 

أردفت بعينين تمعنان النظر به  : 

- بعد النظرة دي ممكن نسميه استجواب  . 

هزت رأسها تجيبه بصدق  : 

- لا أبدًا إنت ليك مطلق الحرية تجاوب أو لاء  ،  هو مجرد سؤال  . 

أومأ يعطيها الإذن فتنفست بعمق ثم أردفت بنبرة مبطنة بالشك  : 

- اللي عرفته عنك إن أهلك كلهم في مصر  ،  عيلتك كلها ناس مهمة وشخصيات محترمة رجالة وستات  ،  إنت بقى إزاي بتفكر بالطريقة دي  ؟  مافكرتش إن تفكيرك اللي بتنشره ده ممكن يؤذيهم  ؟ 

أطرق رأسه وتحركت يداه تتلاعب بفنجان قهوته ثم أردف بغموض  : 

- ما هما أذوني  ،  أنا وكتاباتي ومنشوراتي رد فعل ومهما قرأتي ودورتي ورايا مش هتلاقيني الفاعل أبدًا  ،  بس هو إنتِ عرفتي عني كل ده منين وليه  ؟ 

عاد يوترها بأسئلته ويتلاعب على خجلها بعدما أثارت انتباهها إجابته  ، كيف آذوه يا ترى؟! ولكنها هزت كتفيها تردف بثقة  : 

- زي ما قرأت كتبك سهل جدًا اقرأ سيرتك الذاتية  ،  خصوصًا إنك شخصية مشهورة  ،  وأنا من الناس اللي لما تحب كتاب بتحب تعرف عن الكاتب تفاصيل عامة   ،  انتماؤه وأفكاره وعيلته  . 

- وانا زيك  . 

قاطعها بمغزى متعمد لتقام بينهما حفلة نظرات قطعها النادل حينما جلب لها القهوة ووضعها أمامها وغادر  . 

زفر ثائر ولف نظره نحو النافذة ينظر منها ليجد أن المطر قد توقف فزفر وعاد لها ليجدها تنهض وتردف بابتسامة مجاملة  : 

- متشكرة جدًا لذوقك  ،  وفرصة سعيدة جدًا إني اتعرفت عليك وحقيقي كانت صدفة غريبة  ،  عن إذنك  . 

- الاسبريسو  ؟ 

نطقها بعدما التفتت تواليه ظهرها فعادت تطالعه وتردف بابتسامة معنية : 

- إنت اللي طلبتها  ،  أنا مش بشربها كدة  ،  شكرًا مرة تانية  . 

التفتت تغادر بتباهٍ تشعر بانتصارها عليه ولكن من العجيب أنها تحتضن معطفه ولم تعِده إليه  ،  لقد أحبت دفئه وانتشلته لنفسها دون أن تشعر  . 

جلس يتأملها بعينيه حتى دلفت الفندق وعلى محياه ابتسامة رسمت حينما وجدها تعانق المعطف الخاص به  ،  إنها بحاجة لعناق  . 

دس يده في جيب جاكيته يستل محفظته ليترك حسابه على الطاولة ونهض يلتقط كتابها في يده وباليد الأخرى استل هاتفه يجري مكالمة هامة وهو عائدٌ إلى الفندق  .

❈-❈-❈

أنهت ترجمة الخطاب إلى الصينية لتوها وتسللت إلى الفراش  .

كادت أن تغفو بعدما غفى مالك على الفراش المقابل لفراشها أما الصغيرة تقى فتنام مع جدتها  . 

رنين هاتفها جعلها تتعجب وتلتقطه لتجده مديرها  ،  قطبت جبينها وعادت ترفع جسدها وتستند على الفراش مجيبة  : 

- مرحبًا سيد لو تشي   ،  هل هناك خطب ما  ؟ 

لا يعلم لمَ هاتفها الآن ولكنه وجد حجةً لذلك لذا تساءل  : 

- مرحبًا دينا  ،  كنت سأسألك عن خطاب الغد  ،  هل أنهيتيه  ؟ 

تعجبت ولكنها أجابته بعملية  : 

- نعم أنهيته  ،  لا تقلق  . 

- بالطبع لن أقلق ما دمتِ أنتِ الفاعلة  ،  أنا أثق بكِ  . 

تحاول استكشاف نواياه ولكنها أجابته بجدية  : 

- شكرًا لك  ،  عن إذنك سأنام الآن  . 

لم يجبها بل صمت لهنيهة يفكر هل يسأل سؤالًا يراوده أم لا لتتساءل بترقب  : 

- سيد لوتشي  ؟  هل أنت معي  ؟ 

أجابها  : 

- نعم معكِ  ،  حسنًا دينا الآن نامي وغدًا سنتحدث  . 

- هل هناك شيئًا تود قوله  ؟ 

تساءلت بما شعرت به ليزفر بقوة ويجيبها  : 

- دعينا نتحدث غدًا  ، هيا تصبحين على خير  . 

أسرع يغلق وتركها في تعجبها  ،  ليست غبية كي لا تلاحظ اهتمامه بها ولكنها تتساءل عن سبب هذا الاهتمام  . 

هما من عالمان مختلفان تمامًا ولا يمكن أن تقتنع بمَ يحاول عقلها طرحه عليها لذا فالسبب البديل الذي يحوم حول رأسها هو أنه يريد التسلية وحينها سيجد ردة فعلٍ صارمة ربما تسبب في تركها للعمل وهذا آخر ما تريده  . 

لا تسعى للتخلي عن أحلامها الكثيرة وطموحاتها التي ستنتشلها من الحياة عنوة مع أي فرصة  ،  ما رأته يحدث مع والدتها ثم شقيقتها لن يتكرر معها على الإطلاق لذا فهي ستحاول التعامل بغباء والتغاضي عما تفكر به  . 

❈-❈-❈

صعدت غرفتها ودلفت تتنفس بعمق ثم نوت خلع المعطف العائد له لتجحظ حينما تذكرت أمره لذا أردفت معنفة نفسها وهي تخلعه عنها  : 

- يانهار أبيض عليكي يا ديما  ،  أعمل إيه دلوقتي  ؟  لسة هنزل  ؟  

زفرت بقوة ونظرت للمعطف في يدها وامتدت الأخرى تتحسسه  ،  رجولي ثقيل ودافئ وشامخ  . 

هذا ما استشعرته حينما لمسته لذا لم تمنع نفسها من أن تنحني وتشمه  ،  توغلت رائحته أنفها فأغمضت عينيها تستشعر كنه هذه الرائحة التي تشبه شخصيته  ،  مزيج من الهدوء والهيمنة التي جعلتها لا تريد أن تبتعد  . 

تحمحمت واعتدلت تنظر للأمام وتفكر فيه وفي نظرته وكلماته وهدوئه الذي أثار إعجابها  ،  فهل يوجد رجلٌ هادئ رزين عقلاني  ؟  حتى لو كان عقله يعمل في الاتجاه المعاكس  ؟ 

ولكنها ابتسمت وتباهت بنفسها حينما جابهته بنفس ثباته  ،  تباهت حينما لم تستفزها كلماته واستطاعت التغلب عليه بدفاعها عن بنات جنسها  . 

بنظرة تحمل من الثقة والثبات الكثير تحدث لسان حالها يردد مؤكدًا على عقلها 
( لن تنحني مجددًا يا ديما  ،  لن تقدمي أي تنازلات لأي شخص ) 

زفرت بقوة ثم اتجهت لتبدل ثيابها المبتلة ومن ثم ستحاول الوصول إليه لتعطيه معطفه  . 

❈-❈-❈

انشغالها مع رحمة وحملها جعلها لا إراديًا تقصر في حق زوجها ولكنه يتفهم  ،  ولم يقتصر هذا على زوجها فقط بل على صديقتها أيضًا التي سافرت دبي دون أن تودعها ولكنها رأت كلمتها عبر موقع التواصل وكم سعدت وافتخرت بها  . 

جلست على الفراش تعيد مشاهدة ديما وسماع كلماتها وتنتظر زوجها إلى أن ينهي صلاته  . 

انتهى واتجه يجاورها ثم تساءل بعدما لمح المقطع  : 

- كلمتيها يا يسرا  ؟ 

هزت رأسها بلا  : 

- لاء يا دياب  ،  محرجة منها جدًا  ، أنا فعلًا مقصرة معاها  . 

لف يديه حولها يعانقها ويردف بتفهم وإرشاد  : 

- هقولك على حاجة  ،  إنتِ محملة نفسك مسؤولية رحمة لإن ملهاش حد وحتى لما قررنا نتعامل بحذر مانفعش خصوصًا إن حالتها محتاجة مساعدة وعناية  ،  فخلينا نعتبر إن وقوفك معاها عمل خير بس أخرنا معاها لحد ما تولد وتستعيد صحتها وبعد كدة يا يسرا ملناش دعوة بحياتها  ،  هي قررت تحتفظ بالطفل تمام هي حرة وأكيد عندها خطة  . 

زفر ولفها لتواجهه وبنظرة ثاقبة تابع محذرًا  : 

- أوعي يا يسرا تحاولي تعلقي نفسك بالطفل ده  ،  أخرنا معاها لبعد الولادة بأسبوع تكون استعادت صحتها وتشوف بقى هي ناوية على إيه  ،  وعلى فكرة أخوها كلمني وسأل عليها بس طلب مني ماعرفهاش  . 

تفاجأت تتساءل  : 

- بجد كلمك  ؟  امتى  ؟  وليه ماقولتليش  ؟ 

زفر واسترسل بترقب  : 

- اديني بقولك أهو  ، هو مش عايزها تعرف خالص إنه بيسأل عنها لكن ده مؤشر كويس إنه ممكن يتقبلها  . 

أومأت له بتفهم وأردفت وهي تتنعم بحضنه  : 

- أنا عارفة إن معاك حق في كلامك بس لما بقعد معاها بتصعب عليا  ،  أيوة تصرفاتها متهورة وتفكيرها غريب لإني حسيت إنها لسة بتحب الشخص اللي استغلها ده بعد كل اللي عمله  لكن بتأنب نفسها علطول  ،  تعرف لولا إنها بقالها شهور قدام عيني وتقريبًا بتشاركني تفاصيلها أنا كنت فكرت إنها لسة على تواصل معاه  ،  معقول ده سببه من البداية أهلها  ؟ 

شرد قليلًا يفكر ويتذكر كيف كان يعرف عن والدها الصرامة ولكن لم يسمع عنه أنه كان عنيفًا  ،  ربما والدتها هي من كانت تُعرف بقسوتها لذا زفر يهز كتفيه  : 

- احتمال يا يسرا  ،  اللي أعرفه إن والدها كان راجل محترم جدًا ووالدتها كانت مديرة مدرسة ثانوية بس كانت شديدة في تعاملها  ،  إنما حياتهم كانت إزاي مش عارف لإنهم بعدوا  . 

انسدل للأسفل وهي معه يعانقها ويغلق عينيه مسترسلًا بنبرة هامسة  : 

- سيبك بقى من رحمة وأهلها وخلينا ننام  .

ابتسمت بحب وتنفست ثم اقتربت تطبع قبلة حبٍ على شفتيه ليتوغل إليه عشقها لذا نطق محذرًا  :

- مش إحنا اتفقنا مافيش الكلام ده طول ما فيه أجازة  .

ضحكت بخفة وخجل حيث يقصد عادتها الشهرية وأجابته وهي تخفي وجهها في تجويف عنقه لتنام  :

- أسفة  . 

تنفس رائحتها وضمها أكثر ينام مطمئنًا ما دامت معه ونامت بسكينة ما دام يغمرها بعناقه  . 

❈-❈-❈

جلس في غرفته يقرأ قصتها وينتظر اتصالها  ،  يعلم أنها ستهاتفه لتعيد له  ...  معطفه  . 

ابتسم حينما وجدها تتحدث داخل قصتها عن نصيحته فكتبت : 

( حينما شعرت أنني على وشك الانفجار أخذت كوبا ورطمته في الأرض فتهشم وكانت هذه المرة الأولى التي أفعلها عن عمد ولكنها كانت نصيحة جيدة من كتاب قرأته حيث شعرت بعدها بأن جزءًا من طاقتي السلبية قد نفذ  ) 

أدرك أنها تشبهه  ،  هي أيضًا بحر لم يثُر بعد  ،  هي مثله تتظاهر بعكس ما في جوفها  ،  حقًا فاجأته  . 

مرت دقيقتان واستمع إلى رنين الهاتف الخاص بغرفته فابتسم ونهض يتجه نحوه بثبات ثم رفعه يجيب وعقله يستعد لسماع صوتها  : 

- ألو  ؟ 

أجابته بحرج غلف نبرتها  : 

- أستاذ ثائر أنا نسيت أرجعلك البالطو  ،  ممكن حضرتك تقولي رقم الأوضة بتاعتك علشان أجبهولك  ؟ 

أجابها بهدوء وغموض  : 

- مش مشكلة  ،  خليه معاكي علشان لو حبيتي تنزلي في المطر  . 

شعرت بالإحراج لذا تحمحمت تجيب بثقل  : 

- لا متشكرة جدًا أنا معايا البالطو بتاعي  ،  خلاص أنا هسيبهولك تحت في الاستعلامات  . 

- خلاص خليه معاكي وبكرة هاخده منك  ،  تصبحي على خير  . 

أغلق بعدها دون أن يسمع ردها فشعرت بالضيق ولكنها كظمته وجلست على فراشها تفكر قليلًا ثم قررت مهاتفة عائلتها  . 

❈-❈-❈

ها هو يستعد ليغادر المشفى ومعه أحد رجاله يساعده ويخبره بآخر التطورات وأهمها عدم استطاعة صديقه  مساعدة ابنته  . 

ابتسم بتشفي فإن وضع أحدهم في رأسه لن يتركه وهي خانته بل واستدرجته وأوهمته بالعشق  . 

لن ينسى نظرتها آنذاك حينما أطلقت عليه النار دون أن يرف لها جفن  . 

نهض بمساعدة رجله ثم تحدث بتأنٍ وهو يتحرك معه للخارج  : 

- ماذا عن ثائر ذو الفقار  ؟ 

- هو في الإمارات يحضر مؤتمرًا أدبيًا وسيعود خلال أيام  . 

تعجب توماس حيث أن ثائر لم يغادر البلاد منذ أن جاءها ولكنه أومأ يجيبه  : 

- حسنًا  ،  لنستعد للعمل  ،  لقد نمت طويلًا ومن المؤكد أنه كان يسرح ويمرح  . 

أومأ مساعده وهما يتجهان نحو المصعد ليتابع بنبرة ساخرة  : 

- أتعلم يا رجل  ،  انه نحس  ،  بمجرد موافقته على العمل معنا رقدت في المشفى لأشهر  ،  أتمنى ألا يحدث لي عاهة مستديمة حينما يبدأ في الجولات  . 

أومأ رجله مؤيدًا لكلماته واستقلا المصعد سويًا ليغادرا  . 

❈-❈-❈

في اليوم التالي ذهب كل منهما إلى المؤتمر ولكنها لم تلتقِ به بعد  ،  اصطحبتها ليان وتعجبت من حملها لمعطفه على يدها خاصةً وأنها بالفعل ترتدي معطفًا وحينما تساءلت أخبرتها ديما أنه عائدٌ لأحدهم وستقص لها أمره عند العودة  . 

اتجهت لتحضر الندوة وتستمع لكلمته حيث الجموع تتأهب لسماعه بعدما تم الإعلان عنها أمس ،  صعد المسرح وجلس أمام المقدم وعلى مرمى بصره يجلس الكثير من الشباب الذين ينبهرون به ويحبونه وآخرين لا تعجبهم كلماته وأتوا ليناقشوه ولكنه كان مختصرًا بشكلٍ مبالغ فيه . 

فقط بعض النصائح العامة بالقراءة  ،  لم يقل شيئًا مؤثرًا يترك به بصمة هنا كما كانت تعتقد ولكنه ختم حديثه عن كتبه يقدم نصيحة عامة حيث أنه التفت ينظر للجميع وأردف باللغة الفصحى : 

- الكاتب الحقيقي يصعب خداعه حيث أن عقله ومشاعره في انسجامٍ مستمر  ،  هناك كاتب تشعر أنك في خطر حينما تقرأ له  ،  وكاتب آخر تجد الأمان في كلماته لذا فكن على حذر حينما تختار كاتبك واعلم أن العقل البشري هو المحرك الأساسي للعالم فلا تغذيه إلا بما يصلحه  . 

فهمت نصيحته ولكنها لم تصفق له كالبقية  ،  فعلت مثلما فعل معها وجلست تحدق به وتعيد نصيحته على عقلها  ، بالفعل هو صادقٌ في أقواله وبالنسبة لها فهي وجدت الأمان بالفعل في كتبه   . 

أما هو فنهض يودع المقدم ويحيي معجبيه ونزل يغادر المكان محافظًا على هيبته يخطو بين الجميع شامخًا حتى مع عدم قوله لأقوالٍ تخلّد  . 

وللمرة الثانية تنسى إعطاءه المعطف وحينما تذكرته كان قد غادر سريعًا  . 

انتهت حفلة توقيعها واتجهت مع ليان التي اصطحبتها لتتناولا الغداء وتتجولان قليلًا  . 

أخبرتها ديما أثناء سيرهما عما حدث أمس حينما تساءلت عن هويته  ،  لتجيبها بإعجاب سكن ملامحها   : 

- أووو يعني بالطو ثائر ذو الفقار وياج  ؟  إنتِ تعرفين فيه كام واحدة تتمنى اللي حصل وياج ؟  ثائر ذو الفقار برغم مقالاته المثيرة للجدل بس هو ذكي جدًا وغامض جدًا وقِدر يسوي لنفسه مكانة تتخطى الحب والكره  ،  يعني راح تلاقين اللي يكرهونه قليلين بالرغم من تصريحاته  ،  أنا قرأت له بحر ثائر  ،  كتاب حلو جدًا ومفيد  ،  بصراحة شخصيته تخليج تبغين تستكشفينها  . 

نعم هي تدرك ذلك جيدًا  ،  تعلم ذلك عنه وعاشت الحالة التي تتحدث عنها ليان لذا زفرت بقوة وأردفت بهدوء  : 

- أنا ماعنديش أي مشكلة معاه من جهة كتاباته بس عدم انتماؤه لبلده ده عندي اسمها خيانة  . 

- ما ادري يا ديما بس ممكن يكون انظلم فعلا  ،  ماحد يدري وش اللي صار وياه خلاه يوصل لين هني. 

صمتت تفكر ولم ترد  ،  نعم أخبرها أنه ظُلم  ،  ولكن كيف وهو ابن عائلة ذات ثقل كعائلته  ؟  أي ظلمٍ هذا الذي وقع عليه ليصبح هكذا  ؟  ولمَ يهاجم المرأة على وجه الخصوص  ؟ 

❈-❈-❈

كالعادة تجلس تتناول وجبة الغداء معه ولكنها شاردة على غير عادة أمام عينيه المتسائلة والتي أتبعها بسؤاله  : 

- مالك يا بسمة  ؟ 

لم تنتبه له لذا قطب جبينه وعاد يتساءل  : 

- بسمة  ؟  في إيه  ؟ 

انتبهت له لذا تحمحمت تنظف حلقها وتنفست بعمق لتردف موضحة  : 

- داغر أنا بفكر أرجع الشركة  ،  الأداء هناك مش مضبوط وموظفين كتير بيشتكولي وإنت عارف ان دي شركة بابا الله يرحمه وهو تعب جدًا فيها  ، وبالنسبة للمصنع أنا مطمنة عليه جدًا وإنت فيه  . 

شعر بوخزة هجمت على قلبه وتبدلت ملامحه ليسكنها الانزعاج مما تقوله  ،  ستبتعد  ؟ كيف سيحتمل هذا البعد  ؟ وكيف له أن يعترض ومن هو ليعترض لذا تنفس نفسًا حارًا حتى أنه شعر بقلبه يحترق وهو يدعي التبسم مجيبًا  : 

- تمام دي حاجة كويسة جدًا  . 

تذكر ماجد ليتخذه ذريعة لذا أسرع يتابع  : 

- بس ماجد ابن عمك هتعملي معاه إيه  ،  وإزاي هتتحملي تبقي إنتِ وهو في مكان واحد؟ 

تعلقت في عينيه وأردفت بأسف  : 

- ماجد مش هيكون معايا في الشركة يا داغر  ،  ماجد هيكون هنا وهو اللي هيتولى إدارة المصنع بدالي  . 

صدمة لونت وجهه بلون الخذلان  ،  ستضع ذلك المعتوه الحقير الذي يسعى ليصل لها عنوة فوق رأسه  ؟  هل جنت أم ماذا  ؟ 

وجدته صامتًا يطالعها بصدمة فحاولت توضيح الأمر له لذا نطقت بتروٍ  : 

- داغر إنت عارف إني بثق فيك جدًا  ،  إنت وصالح اللي هتكونوا المسؤولين الفعليين عن المصنع وهو شكلًا بس لكن مش هينفع أعترض وفي نفس الوقت مش قادرة أتخطى الأحداث اللي بتحصل في الشركة  ،  أرجوك حاول تفهمني  . 

تبرر له لأنه يستحق  ،  لأن بينهما صداقة ولكن من المؤكد ليس حبًا  ،  هو لا يحبها وهذه المشاعر نابعة منها وحدها  . 

هذا ما يفكر فيه  ،  تبرر له لأنها تعتبره صديقًا ولأنها تثق به ليس لأنها تحبه  ، من المستحيل أن تقع مثلها في حبه لذا نهض على الفور يرسم ابتسامة على ملامحه ويردف بنبرة رسمية  : 

- اعملي اللي شيفاه مناسب يا آنسة بسمة  ،  ومن ناحيتي ماتقلقيش الشغل هيفضل زي ما هو بالضبط واطمني المصنع مش هيتأثر بأي شكل  . 

تنفس بعمق ثم تابع بمغزى  : 

- إلا بقى لو أستاذ ماجد ليه هدف معين  . 

قالها وتحرك بعدها يغادر وتركها ترتد على المقعد تفكر فيما قاله وتبحث عن حلٍ يرضي جميع الأطراف بين عقلها وقلبها 

❈-❈-❈

جلس خلف مكتبه يتصفح هاتفه بعدما سمع أخبارًا متداولة عن طليقته التي سافرت إلى الإمارات لتحضر ندوة أدبية  . 

الغيظ توغل إلى قلبه و شيئًا من التملك استحوذ عليه  ،  نجاح وشهرة وأراء جميعها تؤكد على نجاحها وبراعتها  . 

نظر حوله يتأكد من انشغال العمال والأهم أن زينة لن تزوره قط لذا بحث عن اللقاء الخاص بها عبر موضع الفيسبوك وجلس يشاهده  ،  يسمع حديثها ويرى ملامحها  . 

يعترف أنها جميلة ولكنها بدت مختلفة في عينيه وكأنها تتلون من جديد  ،  هل ياترى تحاول إصلاح ما أفسدته  ؟ ترى هل ندمت على تصرفاتها  ؟ 

كان منشغلًا بملامحها ورتابة هيأتها ليسافر عبر ذكرياتهما ويتذكر رائحتها وخجلها ورقتها وابتسامتها قبل أن تصدمه كلماتها  . 

عادت ملامحه تتجهم حينما وجدها تتحدث عن المرأة التي قهرها الرجل  ،  من المؤكد لا تقصده لأنه لم يفعل  ،  ربما تقصد والدها  ؟! 

نعم من المؤكد تقصد والدها أو أنها مازالت تكابر  ،  شعر بالضيق فزفر وأغلق المقطع ثم حذف العنوان الذي بحث عنه من محرك البحث حتى لا تراه زينة التي تراقب كل صغيرة وكبيرة من أفعاله  . 

زفر وفرد ظهره على المقعد يفكر فيها وفي حياته وسبح يتخيل ماذا إن عادت له واعترفت بأخطائها  ؟  وهل ستسمح زينة بذلك  ؟ 

❈-❈-❈

مساءً 

عادت إلى الفندق ثم وقفت عند الاستعلامات وتساءلت بترقب  : 

- ثائر ذو الفقار في غرفة كام لو سمحت  ؟ 

أجابها الموظف برتابة  : 

- غرفة ٤١٥  . 

أومأت له واتجهت تصعد متعجبة  ،  أنه يقطن بجوارها  ؟! 

صعدت واتجهت تقف أمام غرفته ثم طرقت الباب بحذر واعتدلت تتمسك بمعطفه ليفتح بعد قليل ويطالعها بثبات  . 

يرتدي حلته ويترقب حديثها فقالت وهي تمد يدها له  : 

- اتفضل البالطو  ،  بردو مشيت من غير ما تاخده  . 

التقطه منها يومئ لها فابتسمت وتحركت لتغادر ولكنه أوقفها بحديثه  : 

- عندي ليكي عرض  . 

توقفت بالفعل ثم التفتت تطالعه والتساؤلات انهمرت على ملامحها ليتقدم منها خطوة ويسترسل بثباتٍ يخفي خبثه   : 

- عندي عرض صعب إن أي حد يرفضه بس مش هينفع أتكلم عنه هنا  ،  خلينا ننزل تحت في المطعم وأقولك اللي عندي  . 

لم ترتح لكلماته ولا نظراته لذا أجابته بنبرة جادة  : 

- شكرًا بس أنا مش محتاجة أي عروض  . 

أدرك أنها فهمته بشكلٍ خاطئ لذا استرسل بنبرة مبهمة يتلاعب بها على وترها الحساس  : 

- مش عايزة توصّلي رسالتك عن المرأة العربية للمجتمع الغربي  ؟  مش عايزة تثبتي إن وجهة نظري غلط  ؟  أنا شايف إنه تحدي ممتع جدًا  . 

أثار داخلها روح التحدي بالفعل لذا ولته انتباهها وتساءلت بتعجب  : 

- تحدي إيه  ؟  وليه أصلًا أثبت نفسي للمجتمع الغربي  ؟  

اقترب خطوة أخرى وأردف بابتسامة أدركت بها أنه استشف اهتمامها بالأمر  : 

- مش هتكلم في تفاصيل هنا  ،  بس أنا حابب اتحداكِ وبما إننا اتنين مصريين وكل واحد مننا ليه وجهة نظر مختلفة فخلينا نحط وجهاتنا على الترابيزة ونسيب المجتمع الغربي يحكم بينا  ،  واللي هيفوز فينا هيكون مكسب كبير ليه ولأفكاره وبالتالي لجمهوره . 

وجدها صامتة شاردة تفكر ليتحمحم ويرنو منها هامسًا  : 

- هستناكِ تحت نشرب قهوة مضبوطة ونتكلم  . 

تحرك يضع المعطف داخل غرفته وأغلقها وغادر يتحرك للأسفل وهو على يقين أنها ستتبعه  . 

❈-❈-❈

جلس يطعم والده من الطعام الذي جلبه معه أثناء عودته  ،  يفكر فيما قاله داغر له عن حال العمل  ،  يعلم أن داغر يحب بسمة بالرغم من أنه لم يفصح له عن ذلك ولكن هو خير من يدرك نظراته نحوها  . 

ليته يستطيع مساعدته بأي شكلٍ كان ولكن كيف السبيل لذلك  ؟ 

لمحه والده المريض فتساءل بأنفاسٍ مهدرة  : 

- مالك يا صالح  ،  مالك يابا بإيش سرحان  ؟ 

ابتسم ابتسامة لم تصل لعينيه وأجابه موضحًا : 

- سلامتك يابا  ، بس بفكر بالشغل  ، صاحبة المصنع بدا تروح وراح ييجي ابن عما والزلمة هاض التعامل معاه مش مريح  ،  الله يستر  . 

يعلم أن ابنه عزيز النفس لن يسمح لمخلوقٍ أن يهينه أو يقلل من قيمته  ،  انقلب الحال وبعدما كان يدير مصنع عائلته أصبح هو العامل  ،  تنفس الرجل وأجابه بحزنٍ  : 

- أنا عارف إنك تعبت معاي وإن الشغل عند الناس صعب  ،  بس إحنا مرقنا بالأصعب  ،  شدة وراح تزول يا صالح وربنا راح يزيح الغمة بإذن الله و ما بتعرف بكرة بنرجع بلدنا وترجّع مصنعنا زي ما كان يابا . 

يثق في قدرة الله ولكنه ينظر إلى الواقع لذا مسح على وجهه وزفر يجيبه  : 

- ادعي نرجع بلدنا يابا بس المصنع صعب يرجع  ،  اللي راح برجعش للأسف  . 

قالها وتشبحت ملامحه بالحزن على عائلته التي استشهدت ولكن والده كان يفكر في أمرٍ آخر لذا تساءل بترقب  : 

- يعني لو الغمة انزاحت راح ترجع يا صالح  ؟ 

ربما تعلقت روحه بصداقته مع داغر وتعلق عقله بالمكان هنا وتعلق قلبه بها ولكنه حتمًا سيعود إلى وطنه لذا أردف مؤكدًا  : 

- طبعًا يابا راح رجع  ،  لولا اللي صار معك ووضعك الصحي وحسيت إنك بدك بتضيع مني أنا ماكنتش طلعت من بلدي اصلًا و اخرتي ارجع   . 

اطمأن الرجل قليلًا  ،  لقد كان يخشى بقاء ابنه هنا خاصةً وأنه يعلم مدى تعلقه بداغر وبالعمل لذا عزم أن يخبره بسره  ؟  علّه يطمئن قليلًا ويرفع من على عاتقه ثقل الهموم  ؟ 

لاحظ صالح شرود والده لذا تساءل بشك  : 

-  بشو صافِن  يابا ؟  

تحمحم الرجل ومد يده يربت على كف صالح مطمئنا مردفًا  : 

- ابدا يابا  ، خليها على ربك . 

أومأ صالح ونهض يجمع الأغراض ويغسل يديه وجلس الرجل يفكر في شقيقه الذي يقطن في كاليفورنيا  ،  لقد حان وقت الاتصال به ليسترد أمانته  .

❈-❈-❈

جلس ينتظرها ولم يرغب في احتساء القهوة بدونها لذا أجل طلبه إلى أن تأتي  . 

مرت ربع ساعة ليجدها تدلف المطعم بثيابٍ أخرى  ،  مرتدية فستانًا أزرقًا هادئًا ومحتشمًا ،  لونه يشبه البحر الهادئ وفي فحواه ألف ثورة  ، تخطو نحوه كموجة تتقدم على رماله الجافة فتنعشها وعينيها كشمسٍ سطعت في الأفق فانعكست على الأمواج تضيئها وانعكست على عينيه فتلألأت  . 

وترتها نظراته لذا أخفضت بصرها لينتبه لنفسه فتحمحم وأردف حينما وقفت أمامه  : 

- اتفضلي  ،  مارضتش أطلب القهوة غير لما تيجي  . 

جلست تطالعه بهدوء وأردفت  : 

- خلينا نتكلم علطول مافيش داعي للقهوة  ،  وياريت تخليك واضح وتعرفني إنت عايز إيه بالضبط  ؟ 

مال جانب فمه بابتسامة ساخرة ونفذ لها طلبها يوضح بتباهٍ : 

- عندي ليكي فرصة عمل في فرنسا  ،  إنت عارفة إن فرنسا بلد ديمقراطي وبيتقبل جميع الأراء وهتقدري هناك تاخدي راحتك تمامًا في اللي بتكتبيه  . 

حدقت به بعدم استيعاب  ،  فرنسا  ؟  أيريدها أن تسافر إلى فرنسا  ؟  هل يظن الأمر بهذه السهولة  ؟  نعم فهو لا يعلم عنها شيء  . 

لاحظ صدمتها فابتسم وأشار للنادل يطلب فنجانين من القهوة المضبوطة ثم عاد إليها يتابع بهدوء : 

- بما إنك كتبتِ قصة بتعبر عن المرأة العربية فأنتِ تلقائيًا بقيتي مجبرة تثبتي كلامك وتأكدي صحته  ،  مجبرة توصلي صوتك ورسالتك وتقدمي حلول كمان  ،  مجبرة تتحديني لإني مش مقتنع إن قصتك دي واقعية أبدًا  . 

ابتسمت ساخرة حينما استفزتها كلماته وأردفت تؤكد  : 

- حضرتك مغرور  . 

- جدًا  . 

أجابها بتأكيد مماثل ليستطرد باستفزاز أعلى  : 

- أنا مغرور لإنك عارفة إني على حق  ،  إنت اللي محتاجة تبصي حواليكي كويس  ،  وبعدين أنا بقدملك فرصة مستحيل تلاقي زيها وهي إنك هتسافري وتشتغلي معايا في المجلة وتكتبي بحرية أكبر وتوصلي رسالتك للجهة التانية من العالم زي ما وصلتيها للشرق الأوسط  ،  ده غير إنك لو نجحتي هتهدمي أسس ثائر ذو الفقار الكاتب المغرور زي ما قولتي   ،  ومش هنتكلم في الجزء المادي اللي أكيد يستحق التفكير خصوصًا إنك لسة في أولى خطواتك  . 

جعلها تتصارع مع عقلها حيث أنه قدم لها جُل المغريات التي يمكن أن تؤثر عليها عدا الجزء المادي فهي ليست المرأة التي تنحني أمام المغريات المادية لذا فهي تعد أصعب أنواع النساء   ، المال بالنسبة لها وسيلة وليس غاية . 

زفرت بقوة دليل على صراعها لتجيبه بعد ثوانٍ وهي تهز رأسها  : 

- شكرًا إنك فكرت فيا برغم إن مبادئنا مختلفة بس للأسف العرض ده مستحيل ينفع معايا  ،  أنا أم لطفلين وعندي عيلتي اللي ماقدرش أبعد عنهم أبدًا وليا مسؤوليات أفضّل التزم بيها جوة بلدي وأهمهم ولادي  . 

- إنتِ جبانة  . 

كان هذا جوابه لتطالعه باستنكار تنتظر أن يبرره ولكنه تابع  : 

- جبانة لأنك خايفة تواجهي التحديات  ،  ممكن تقوليلي إيه المميز في إنك تكتبي وتربي طفلين وتعيشي مع أسرتك البسيطة جوة بلدك في الوقت اللي ممكن تكتبي وتربي طفلين لوحدك وتعيشي لوحدك وتوصلي رسالتك كامرأة عربية ويعرفك جمهور أكبر وممكن جدًا يقتنع بأفكارك  ،  ولا إنتِ خايفة تفشلي  ؟ 

زاد من حدة الصراع داخل عقلها لذا هزت رأسها  ،  لثوانٍ من الصمت الظاهري الذي قطعته بعد رؤيتها لنظراته المستفزة لذا أردفت وهي تستعد للنهوض  : 

- أسفة بردو ماقدرتش تقنعني  ،  أنا مبسوطة كدة وتقدر تقدم العرض ده لحد غيري  ،  عن إذنك   . 

نهضت تغادر نادمة على مجيئها وعلى مكوثها مع شخصٍ مستفز مثله  ، هل يسخر منها  ؟ أي سفرٍ وأي عملٍ وأي تحديات  ؟ هي فقط ديما الصابر  ، امرأة السلام  . 

انتهى الفصل 
في انتظار أراءكم 
وفضلًا ماتنسوش التصويت 9
google-playkhamsatmostaqltradent