Ads by Google X

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الخامس عشر 15 - بقلم فاطمه طه

الصفحة الرئيسية

    

 رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم الفصل الخامس عشر 15 - بقلم فاطمه طه

‏”الحياة لا تعرف الانتظار، إما أن تمضي أنت، أو تمضي هي”
#مقتبسة
لا ترضى بنصف اعتذار، ولا تسمح بأن تُجادَل في حقك، ولا تستنفذ طاقتك في تبرير خياراتك للآخرين، ولا تخسر قيمتك بالنزول إلى من لا يحترمك، ولا تُصاب بحمى إثبات ذاتك عند الجميع.
‏— صالح التويجري
– إنّ كل مصيبة تنزل بأحد من البشر، تشتمل دائمًا على شيء يفرحنا.
– دوستويفسكي 📚.
_____________
يجلس نضال مع دياب في القهوة بعدما انتهى عمله الأول ويتبقى عمله الثاني لكن هناك ساعة باقية لذلك جلس مع نضال في المقهى قبلها…
وأخذ نضال يقص له أخر الأخبار والتطورات فيما يخص أمر سلمى وما فعله والده، الحي أو المنطقة بأكملها أصبحت على علم واضح بأنه في الغد ذاهب لقراءة الفاتحة..
-طيب أنا عندي فكرة كويسة جدًا.

استغرب نضال من تعقيب دياب الغريب، هو يحتاج مواساة رُبما أو حل لكن يشعر بأن الحلول ضيقة والأفكار محدودة لذلك ما الفكرة التي وردت لدى صديقه؟!..
ضيق نضال عينه هاتفًا بعدم فهم:
-فكرة إيه مش فاهم؟!
رد دياب عليه موضحًا بعدما أخذ رشفة من القهوة الساخنة التي تتواجد أمامه:
-لأول مرة استفيد من لت وعجن أختى حور في حاجة، حور بتقول أن سلمى عند بهية وهي لسه قافلة معايا لما كانت طالعة من عندها؛ إيه رأيك لو تروح تسألها وتقولها في وشها، هو أبوكي جابرك يا سلمى؟!..
تمتم نضال بعدم اقتناع وهو ينظر للناحية الأخرى:
– أنتَ بتهزر صح؟.
هز دياب رأسه نافيًا مغمغمًا بجدية:
-لا مش بهزر هتروح وتسألها وتريح دماغك مع أن بايم أنك بتتلكك برفضها لفكرة الجواز وبعدين اللي شوفناه لما كنا قاعدين هي مش من النوع اللي ممكن حد يجبرها على حاجة مش عايزاها…
..كـــانــت تــلـك المحادثة هي السبب في هذا…

نما إلى سمع سلمى وبهية صوت الجرس فنهضت الأولة، لتفتح الباب بسبب وجود ريناد في المرحاض…
فتحت سلمى الباب ووجدت أمامها نضال مرة أخرى، ودياب كان يهبط على الدرج بسرعة لكنها استطاعت رؤيته وهنا عقبت سلمى بعدم فهم من وجوده هنا :
-هو المنظر ده كل شوية بيتعاد ولا إيه؟!!.
هتف نضال مرتبكًا يا ليته لم يستمع إلى حديث دياب، لكن مدام جاء إلى هنا عليه أن يتصرف:
-مساء الخير يا سلمى عاملة إيه؟!..
ردت عليه سلمى بنبرة جادة لا تخلُ من الدهشة:
-أنا الحمدلله كويسة، بس يعني أنتَ بتعمل إيه هنا؟!، أنا ولا سايبة البيت ولا عاملة مشكلة يعني علشان حد يدور عليا..
ابتسم نضال رغمًا عنه هاتفًا:
-عارف متخافيش مش جاي وجايب القوات علشان نقبض عليكي زي المرة اللي فاتت، أنا جاي لوحدي.
سألته سلمى بدهشة لم تذهب وهي تنظر له:
-عرفت مكاني منين؟!.
تمتم نضال وهو يوضح لها ما حدث وهو يحاول أن يتمتع بالجسارة المطلوبة لهذا الموقف:
-من حور أخت دياب والحقيقة أنا جيت بس علشان أتكلم معاكي كلمتين يكون بعيد عن البيت ومش هطول عليكي..


هتفت سلمى باستغراب ولا تنكر أنها شعرت بالفضول الشديد:
-طيب اتفضل..
قال نضال وهو يحرك يده أثناء حديثه بحركات عشوائية مع كل كلمة:
-يعني لما كنا قاعدين هنا قولتي أنك رافضة الجواز وفضلتي تتكلمي قدام الكل بوضوح، وأنا استغربت بصراحة لما عرفت أنك موافقة عليا وبعديها موافقة أننا نيجي بكرا نقرأ الفاتحة، فأنا حابب أعرف يمكن في حد ضاغط عليكي أو جابرك..
اندهشت سلمى من سؤاله…
لا تدري هو يرغب في رفضها كحجة مثلا؟!.
أم هو بالفعل مراعي ومهتم بألا تكن مغصوبة ولا يرغب في بناء علاقة كهذه؟!
هي لم تتوقع أبدًا حتى في أحلامها أن يسألها سؤال مثل هذا…


فحاولت إيجاد رد مناسب غير الرفض لعدة أسباب، هي لا ترغب في إقامة سوء فهم أو حرج قبل زفاف شقيقتها لتتزوج أولا وليحدث ما يحدث فيما بعد، ومن ضمن أسبابها أنها لا ترغب أيضًا أن تكن علاقتها هي ووالدها أضحوكة أكثر من ذلك، وتعلن للجميع مرة أخرى أفعال والدها لذلك هتفت بنبرة بسيطة…
-أنا محدش بيقدر يجبرني على حاجة..
أنهت جملتها ثم غمغمت بنبرة هادئة وثابتة إلى حدٍ كبير:

-وعلى العموم مستنينكم بكرا ان شاء الله…
قبل أن يستوعب نضال كلماتها ويبحث عن رد مناسب لها كانت ريناد تأتي من الخارج بعد شهقة خرجت منها:
-الكابل اللي بحبه، وصلتم لفين هتتجوزوا امته بقا؟!..
تمتم نضال بنبرة جادة:
-لسه متجوزناش لو اتجوزنا هتكوني معزومة أكيد، بس بكرا قراءة الفاتحة…
هتفت ريناد بودٍ تحت خجل سلمى الواضح من تلك الفتاة التي لا تسيطر على لسانها أبدًا:


-والله مبسوطة علشانكم جدا، لو كنت بعرف ازعرط زي ما بيعملوا هنا أما بيكون فرح كنت عملت؛ بس مبعرفش، أنا مبسوطة علشانكم أوي، congratulations.
أنهت حديثها ثم قالتها بالعربية هي تخشي أن لا يفهمها أحد حتى لو كانت تستخدم كلمات بسيطة ومعروفة للجميع تخشى أن تضع أحد في موقف محرج، تلك عادة لازمتها منذ أن أصبحت تقطن هنا:
-مبروك..
أردف نضال بهدوء:
-الله يبارك فيكي عن اذنكم بقا، مع السلامة.

جاءت من الداخل بهية متمتمة:
-مين يا ولاد كلكم بتروحوا عند الباب ومش بترجعوا.
رد نضال عليها معرفًا نفسه:
-أنا نضال يا حجة بهية.
غمغمت بهية بترحاب:
-أهلا يا نضال يا ابني، وهما موقفينك على الباب ليه ادخل، اتفضل…
قاطعها نضال ببساطة:
-مرة تانية ان شاء الله..
عبست ملامح بهية متمتمة وهي تستند على عكازها:
-جيت في إيه ومشيت في إيه بس؟!.
غمغم نضال عليها موضحًا:
-كنت جاي أقول لسلمى بس كلمتين، عن أذنكم..
ردت بهية عليه بحنان:

-أذنك معاك يا ابني…
ولجت سلمى وكذلك ريناد بعد رحيله وخلفهم بهية، أما هو هبط على الدرج وكان دياب ينتظره أسفل البناية ويدخن سيجارته هاتفًا:
-إيه عملت إيه؟!.
رد نضال عليه رد أحمق:
-قالت مستنيكم بكرا ان شاء الله مش عارف يعني إيه؟!.
هتف دياب بعد ضحكة خرجت منه:
-هيكون يعني إيه يعني بطل غباء؛ البت موافقة عليك وده اللي قولته، أنا بس جيبتك علشان تسمعها بودنك أنها موافقة تتجوزك……..
تمتم نضال ساخرًا:
-والله بجد شكرًا على المعلومة مكنتش واخد بالي منتظر التوضيح بتاعك ده.
-عارف والله، أصلا أنا بقول الكلام اللي في الصميم، وطول عمري كلامي صح..
هتف نضال بنبرة مقتضبة:
-يلا يا دياب علشان أنا مش ناقص يلا نمشي تروح تستلم التكتوك وأنا هروح…
_____________

في اليوم التالي…
صدع صوت رنين الجرس…
مما جعل ريناد تنهض من جلستها بين الكتب من أجل امتحانها الذي يتبقى عليه بضعة أيام فقط…
لم يكن هناك من يفتح الباب غيرها لأن بهية تقضي فرضها…


كانت ريناد تنظر لها بعد كل أذان وهي تحرص على أن تقضي الصلاة في وقتها؛ فـتشعر بالاستغراب الشديد منها ولم يكن هذا السبب لكن حتى حديثها دومًا وهي ترضي بحالها، وأسلوبها وتعاملها بأنه لا ينقصها شيء وتقوم بقضاء جميع احتياجاتها هو شيء كثير للعجب بالنسبة لها..
تحاول ولو لعدة ثواني أن تضع نفسها مكانها لا تجد أنها ستكون بهذا الهدوء والرضا أبدًا، أمراة لم تتزوج ليس لديها أطفال، توفت عائلتها بأكملها، في السبعين من عمرها تقطن بمفردها وفاقدة بصرها وتمتلك هذا الرضا أنه شيء يبدو غريبًا لها..
فتحت ريناد الباب ووجدت أمامها حور ابتسمت لها، ولم تكن تلك أول مرة تراها فيها، كانت حور ترتدي الإسدال وتحمل بين يديها طبق به أنواع مختلفة من المحاشي…
كانت تلك عادة والدة دياب في الكثير من الأحيان ترسل إلى بهية من الطعام التي تصنعه وكانت تفعل معها بهية المثل، لكن توقفت والدة دياب منذ مرضها تقريبًا لكنها عادت تفعل اليوم حتى تشغل نفسها وتمارس حياتها بشكل طبيعي بدلًا من التركيز فيما تفعله جلسات الكيماوي بها، نفسيًا وجسديًا….
-ازيك يا ريناد عاملة إيه؟!.

ردت عليها ريناد بترحاب وهي تنظر على الطبق:
-الحمدلله تمام، في حاجة ولا إيه؟!.
ولجت حور متخطية ريناد كعادتها هاتفة بنبرة عفوية:
-ماما عملت محشي ليكم وبعتت ليكم الصينية دي وفيها ممبار كمان، هي بهية فين؟!.
تتعجب ريناد من أن حور لا تستخدم أية ألقاب مع بهية لكنها عقبت بالرغم من ذلك:
-هي بتصلي جوا..
ثم أخذت تراقب الصحن بعيناها مما جعل حور تهتف مشجعة:
-دوقي المحشي لو لفيتي مصر كلها مش هتلاقي حد يعمل محشي أحسن من ماما وايناس…
تناولت ريناد واحدة من الباذنجان ووضعتها في فمها كانت لذيذة بشكل كبير رغم أنها لم تكن تتوقع هذا، لكنها كانت رائعة أكثر مما وصفت حور، لذلك هتفت ريناد بإعجاب حقيقي:
-بجد حلو أوي.
أردفت حور بنبرة هادئة:
-بالهنا والشفاء…

سألتها ريناد بعفوية فهي كانت دومًا تراها تمر على بهية بعد دروسها وتلك لم تكن المرة الأولى التي تراها فيها..
-إيه مكنش وراكي دروس النهاردة ولا إيه؟!.
كان سؤالها منطقيًا بالنسبة إلى ملابسها فـعقبت عليها حور بهدوء:
-اه مكنش عندي النهاردة ده اليوم الوحيد الراحة اللي عندي؛ وقولت انزل اقعد معاكم شوية وافصل من جو المذاكرة شوية، كلت ونزلت ليكم بالصينية علطول هقعد معاكم نصاية وبعدين هطلع اذاكر علشان الامتحان الشامل…
قالت ريناد باقتراح عفوي:
-حلو ده وممكن نعمل كام فيديو..
رفضت حور الأمر وهي تشير إلى ملابسها:
-فيديو إيه اللي اعمله بالاسدال اناقتي مهمة ولا اقولك عادي أنا واثقة في نفسي…
أعجبت ريناد بشكل كبير من المقاطع التي تنشرها حور عبر الحالة على الواتساب بعدما تبادلا الأرقام، لم يكن لدى حور فكرة أن ريناد تنشر المقاطع للجميع….
هي تظن بأنها فقط تقوم بتنزيلها على حسابها الشخصي رُبما ولم تهتم لسؤالها كما لم توضح ريناد الأمر…
_____________
في السابعة مساءًا.

ترتدي سلمى ملابسها كاملة وخِمارها، وكانت تجلس في حجرتها فوق الفراش في انتظار أن يأتي زهران وعائلته…
تحاول التفكير في كل شيء يحدث.
كما تفكر في لقائها معه ليلة أمس، فهي تظن بأنه فقط كان يحاول أن يجد رفضها كذريعة وحجة حتى ينتهي من الأمر يبدو لها أنه لا يرغب في تلك الزيجة..
ولا تعلم لما أتى لطلب يدها إذا لا يرغب فيها؟!
-سلمى…
شهقت سلمى حينما انتشلها صوت جهاد التي تقف أمامها مباشرة وتنادي عليها، مما جعل جهاد تتحدث باستغراب:
-أنتِ اتخضيتي كده ليه؟! أنا بقالي شوية معاكي في الأوضة..
هتفت سلمى بدهشة من أنها لم تشعر بشقيقتها يبدو أنها كانت غارقة في أفكارها ولكنها حاولت إيجاد مُبرر لها:
-مفيش كنت بفكر شوية وسرحانة وبعدين الإنسان يخبط على الباب يعمل صوت..
ردت عليها جهاد بمنطقية وهي تضع يديها في جانبيها:
-اخبط إيه؟! أنتِ فاكرة أنها اوضتك لوحدك وأنا اقتحمتها دي اوضتي زيي زيك وبعدين الباب كان مفتوح وإيه اللي واخد عقلك؟!..
كادت أن تتحدث لولا جهاد التي أسترسلت حديثها:
-على فكرة هما جم برا بقالهم شوية، سلامة ونضال وعم زهران وطنط انتصار..

سألتها سلمى بعفوية شديدة:
-وسامية مجتش معاهم؟!.
أردفت جهاد معترضة:
-وإيه اللي هيجيب سامية ياختي؟! هي سامية طايقانا في الطبيعي علشان تيجي في يوم زي ده؛ والله ما عارفة ازاي أمها خلفتها، أمها حاجة بصراحة وهي حاجة تانية.
تمتمت سلمى وهي تعقد ساعديها بهدوء وثبات انفعالي:
-بلاش تتكلمي كده في النهاية هي معملتش لينا حاجة دي مجرد تخيلات في دماغك أنتِ وبس.
تحدثت جهاد مستنكرة وهي تجلس أمامها على الفراش:
-يا سلام؟! يعني أنتِ بذمتك مش بتشوفي نظراتها ولا حاسة أنها لما بتتكلم معانا بتتكلم معانا من طرف مناخيرها وبالعافية، معرفش شايفة نفسها ليه كده..
تنهدت سلمى باختناق ثم أردفت:
-بلاش تتكلمي في الموضوع ده، ولا تتكلمي عنها بلاش تعادي حد مدام معملش ليكي حاجة بشكل واضح ومباشر.
حاولت جهاد أن تتحدث في شيء أخر غير سامية متمتمة وهي تنظر على وجه شقيقتها:
-قومي حطي ليكي شوية بلاشر ولا حطي روج خفيف كده..

رغم عشق سلمى الشديد إلى مستحضرات التجميل والتي تشتريها في بعض الأحيان بكثرة إلا أنها لا تضعها إلا في المنزل…
لذلك ردت على شقيقتها بوضوح:
-أنا بحب شكلي الطبيعي.
قاطعتها جهاد ساخرة في البداية ثم حاولت أن تتحدث بنبرة لينة:
-هو أحنا في برنامج صباح الخير يا مصر علشان تقوليلي البوقين دول وسر جمالي هي شرب المياة كتير، حطي حاجات خفيفة مش هتكون باينة أصلا، ومعرفش أنتِ متنحة ليه كده، افرحي يا عروسة بقا..
هتفت سلمى باعتراض وسخرية وهي تنظر لها نظرات قاتلة:
-مش عارفة افرح، في حاجة غلط، وبعدين ابعدي عن وشي دلوقتي علشان كل ما بفتكر أنك السبب في اللي أنا فيه النهاردة ده ببقى عايزة امسكك واعجنك.
نظرت لها جهاد بضيقٍ ثم غمغمت وهي تسترسل الأخبار التي أتت من أجلها وما يحدث في الخارج:
-ماشي يا ستي ماشي، على فكرة عم زهران بيكلم خالو في التليفون وبيتفق معاه على جوازتك أنتِ ونضال هما جم بقالهم شوية أنتِ شكلك مش معانا ومش مركزة.
تمتمت سلمى بنبرة غير مفهومة بالنسبة إلى جهاد:
-تفتكري هيجي؟!.

سألتها جهاد بغباء أغضبها:
-مين ده اللي هيجي؟!..
غمغمت سلمى باستنكار:
-هيكون مين يعني أبوكي، المفروض أمك راحت لأهله وطلع مردهاش زي ما قالت هي مقالتش تفاصيل بس دي الحاجة اللي قالتها وهو عارف أنهم جايين النهاردة تفتكري هيجي؟!.
قالت جهاد وهي تتذكر ما كان يحدث في الخارج قبل دخولها:
-والله يا سلمى مش عارفة، بس أنا سمعتهم برا بيقولوا أنه مدام اتأخر كده يبقى مش هيجي وعلشان كده كلم خالك علشان الاتفاق..
كانت سلمي في تلك اللحظة منقسمة إلى قسمين، القسم الأول هو أنها سعيدة بأنه لن يأتي ويسبب لهم المزيد من الاحراج….
أما القسم الآخر قسم طفولي يشعر بالرغبة في وجوده، يرغب ولو في مرة أن تكون موضع اهتمام بالنسبة له…
فـهو هرب للمرة التي لا تعرف عددها حتى لا يتحمل أي مسوؤلية..
الهروب هو ما ملخص ما يفعله والدها دومًا…
ورُبما هو صفة بشرية لذلك لا تشعر بالثقة تجاه أي شخص…
..بعد مرور ساعة تقريبًا..

بعد وقت طويل من الإنتظار أخبرت يسرا الجميع بأنه لن يأتِ..
كانت سلمى تجلس بجوار والدتها وانتصار على الأريكة بينما جهاد كانت تجلس على أحد المقاعد..
سلامة، نضال وزهران يجلسون على أريكة واحدة..
زهران كان يعلم أمر يسرا بأنها ليست على ذمة هذا الرجل والفضل يعود إلى سلامة “الذي عرف من جهاد بالطبع”..
لذلك زهران كان يشعر بالسعادة وفي البداية ظل الجميع ينتظر أن يأتي مدحت حتى أن زهران حاول الاتصال به شكليًا فهو لا يرغب بوجوده لكن هاتفه كان مغلق، لذلك اتصلت يسرا بشقيقها حتى يتحدث معه معلنة بكل وضوح بأن مدحت لن يأتي لم يخب ظنها فيه ولو لمرة هو دومًا يختفي وقت المسؤولية..
هتف زهران بنبرة هادئة وجادة وهو ينظر إلى يسرا:
-طبعا كتب كتاب سلامة وجهاد كده أتحدد بعد شهر والفرح بعدها بأسبوع والحمدلله سلامة بعت للقاعة وهتكون متاحة الميعاد اللي أحنا عاوزينه، وهيروح يدفع ويحجز وكله تمام وأحنا يعتبر خلصنا موضوع سلامة وجهاد وأنا بتكلم مع خالكم وبالنسبة لخطوبة سلمى ونضال يشوفوا هما عايزين يعملوها فين و…
قاطعت سلمى حديث زهران هاتفة بجدية:
-الخطوبة عائلية بينا وبين بعض أفضل يعني أنا شايفة كده.
سأل زهران ولده متمتمًا:
-إيه رأيك يا نضال؟!.

رد نضال عليه بنبرة هادئة:
-معنديش مشكلة أنا كمان مبحبش الافراح الكبيرة في الخطوبة.
تمتم زهران بنبرة عذبة وهو ينظر إلى يسرا:
-نشوف الست يسرا رأيها إيه؟!.
نظر سلامة ونضال إلى بعضهما نظرات ذات معنى لتعقب يسرا بنبرة رزينة وهادئة:
-أنا معنديش مشكلة مدام الولاد عايزينها عائلية اللي يحبوه.
هتف زهران بنبرة جادة لكنها لا تليق أبدًا بنظراته وحديثه:
-وأنا زي الست يسرا بالظبط معنديش مشكلة في حاجة الولاد يعملوا اللي حابينه.
تمتمت سلمى برجاء أخير لعلها تحاول تأخير الأمر قدر المُستطاع:
-ممكن نعمل الخطوبة لما خالو ينزل بعد فرح سلامة وجهاد ان شاء الله.
رد زهران عليها رافضًا ما تقوله :
-لا يا بنتي إيه اللي يقعدنا لبعد الفرح وبعدين خالك ممكن ميكنش عنده وقت يقعد ده هو قال هينزل واحتمال يقعد يوم بس بعد الفرح ويسافر وهيجي يوم كتب الكتاب الصبح كان بيحجز التذاكر أونلاين وهو بيكلمني، وبعدين بعد الفرح أكيد هنكون لسه خارجين من فرح جهاد وسلامة مش هنلحق.

تنهدت سلمى بضيقٍ تحت نظرات نضال الذي يحاول تفسيرها وتحليلها جيدًا، وأردفت:
-اللي يريحكم..
قبل أن يتحدث أي شخص كان زهران يهتف مرة أخرى موجهًا حديثه إلى يسرا:
-المهم أمك رأيها إيه في الموضوع؟!.
هتف سلامة بصوتٍ غير مسموع للجميع إلا نضال الذي يجلس ملاصقًا فيه بسبب ضيق الكنبة:
-مش هنخلص أحنا.
تمتمت يسرا مقترحة:
-فعلا مش هنلحق نعملها وهو هنا.
أردف زهران بإعجاب حقيقي بحديثها:
-اهو ده الكلام المضبوط واللي يدخل الدماغ، احنا نجيب الشبكة وبعدها بكام يوم نحدد ونعمل الخطوبة هنا بينا وبين بعضينا.
تمتمت انتصار بنبرة جادة وابتسامة لم تفارق ثغرها رغم كل شيء هي ترى سلامة ونضال أطفالها لذلك هي سعيدة من أجله حتى ولو كانت تتمناه إلى ابنتها:
-ربنا يتمم بخير ليكم يا حبايبي..
قال الجميع في نفس واحد تقريبًا..

“آمين”
هتف زهران بنبرة هادئة:
-خلاص نحدد يوم ان شاء الله ونضال يجي هو ومرات عمه فيه وتروحوا تجيبوا الشبكة ان شاء الله ونعمل الخطوبة بعدها بكام يوم، وكمان مش عايزينها تزيد عن سنة ولو قبل السنة ده يكون احسن عايزين نفرح بيهم؛ جهاد وسلمى بناتي واللي بس هيفكر يزعلهم فيهم أنا بس اللي هقفله.
قالت انتصار بنبرة لينة وهي تنظر لهم بمودة:
-ربنا ما يجيب زعل ويجعلها جوازة السعد والهنا ليهم يارب.
تمتمت سلمى بنبرة شبة هامسة:
-ده لو كملت.
شعر زهران بأن شفتيها تحركت أو أنها حركت رأسها مما جعله يسألها:
-بتقولي حاجة يا سلمى يا بنتي؟!
قالت سلمى بنبرة مغتاظة:
-لا مبقولش حاجة يا عمو.
تمتم زهران بلا وعي:

-اللي تشوفه الست يسرا..
عقب نضال بعدم فهم:
-هي قالت حاجة أساسًا.
ضحك سلامة محاولًا أن يمرر الموقف متمتمًا من وسط ضحكاته التي لاحقه الجميع بعدها:
-أبوك بيحب يهزر كالعادة يعني.
كان زهران يشعر بالغيظ من نضال، لكنه حاول أن يسترسل الحوار بلباقة:
-يلا نقرأ الفاتحة…..
قالت جهاد بحماس شديد:
-استنوا هتصل بخالو فيديو كول علشان يقرأها معانا.
_____________
بعد مرور أسبوعين..
هذا الاتصال الثالث الذي يأتي منها…
تجاهل الأول والثاني مُرغمًا بقوة كبيرة يفرضها على نفسه لكن لم يستمر طويلًا هذا التحكم الجبار، مما جعله يرد عليها…

-ألو.
جاءه صوت ليلى الدافئ لكنه الحانق في الوقت نفسه:
-ألو، ازيك يا دياب عامل إيه؟!.
تمتم دياب بنبرة هادئة:
-أنا الحمدلله بخير، أنتِ عاملة إيه؟!.
أردفت ليلى بانزعاج كبير وألم واضح وضوح الشمس هي تتألم، لم يعد لها حياة من بعده هو لا يشعر بها أبدًا:
-هو أنا مش بوحشك، مش بتفكر تتصل بيا؟! مش بتفكر تبعتلي ماسدج تطمن عليا، معقول مسحتني بالشكل ده من حياتك؟! ونسيت كل حاجة ما بينا، لو كنت عملت كده طب قولي أنا ازاي انسى؟! وبلاش كلام ملهوش لازمة أنا مش عايز اديكي أمل.
كلماتها أصابته ولكن عقب دياب على حديثها بجدية:
-هو مش كلام ملهوش لازمة أنا فعلا مش عايز اديكي أمل، ولا أقول كلام أنا مش قده، مش ده دياب اللي عرفتيه، وبعدين يعني فاكرة إني مش بفكر أتصل بيكي بدل المرة مليون في اليوم؟! ده ساعات ايدي بتروح على رقمك وببقى عايز أكلمك، لكن مينفعش وبعود نفسي أنه مينفعش ولازم تعملي أنتِ كمان كده.
ختم حديثه هاتفًا بوضوح:

-أحنا مبقناش لبعض المقاوحة هتتعبك؛ أنا مفيش في ايدي حاجة اعملها لو كان في ايدي أي حاجة اعملها أو حاجة تنفع أو حتى لو أمل بسيط، أنا استحالة كنت سيبتك، أنا سيبتك من عجزي يا ليلى افهميني ارجوكي.
ردت عليه ليلى بصوتٍ جامد لكنه مهزوز رغم ذلك من كلماته القوية:
-أنا قعدت مع العريس واديته فرصة زي ما قولتلي رغم كسرتي وقتها قعدت بس أنا مش شايفة غيرك يا دياب، وأنا من حقي عليك تطمني وتعرفني أنها مرحلة انتقالية في علاقتنا وأننا راجعين زي كل مرة.
هتف دياب بنبرة صارخة لكن صراخ غير مسموعًا، قلبه يصرخ وينزف ولا يشعر به أحد:
-دياب مش بيعلق واحدة بكلمتين يا ليلى لو أنا كده مكناش وصلنا لهنا، أنا سيبتك علشان مش قد إني اتجوزك وإني أكمل في العلاقة دي، مش علشان افضل اتكلم معاكي من ورا أهلك ياريت تفهمي كلامي كويس.
ردت عليه ليلى بانفعال شديد:
-أنتَ ليه بتحسسني اني رخيصة وبجري وراك اللي ما بينا مكنش هين..
تمتم دياب بنبرة غاضبة بعض الشيء:
-لكنه خلص يا ليلى صدقي ده علشان ترتاحي وتريحيني أنا مش سايبك بمزاجي ده غصب عني والله، ويمكن أنا غلطان إني مبلكتكيش ساعتها كان لازم اعملك بلوك وامسح رقمك واعملي أنتِ كمان كده، مبقاش ينفع يا بنت الناس سلام..

أنهى المكالمة وبعدها قام بحظرها من كل شيء أتى أمام عينه…
وأخذ ينظر على الأرض العارية من دون أي شيء فوقها، قامت شقيقته في الصباح بغسل جميع السَجاجِـيد قبل أن تذهب هي ووالدتها برفقة أطفالها إلى خالتها سمر، أما حور كانت في الدرس..
أقترب موعد هبوطه من المنزل من أجل استلام عمله في مشويات خطاب.
___________
اليوم كان يجلس في حديقة المنزل يتناول قهوته ويقلب في هاتفه بلا هدف حقيقي….
اليوم إجازة من العمل، وقرر أن يقضى اليوم بأكمله مع نسمة في المنزل حتى أنه سوف يقوم بالشواء اليوم بنفسه بعدما قام بتجهيز اللحوم في الصباح الباكر والآن يجلس هنا لأن هايدي تجلس مع نسمة في غرفتها.
جاءت منيرة من الداخل وهي تحمل الكعك التي صنعته، ووضعته على الطاولة أمامه مما جعله يعتدل في جلسته ويبتسم هاتفًا بتقدير وثناء واضح:
-تسلم إيدك، شكلها حلو اوي.
هتفت منيرة بنبرة هادئة:
-الله يسلمك يا ابني.
ثم جلست بجوارة وكانت تلك عادتها، هي تخطت الخمسين من عمرها، هي تعمل هنا في المنزل منذ سنوات حينما كان جواد طفلًا صغيرًا..

كانت متزوجة وبعد وفاة زوجها دون أطفال بسبب عدم انجابها لم تفكر في الزواج ثانيًا وأستمرت تعمل في العديد من البيوت حتى وقعت على هذا المنزل الذي أصبح بيت ثاني لها، هي ليست مجرد عاملة بل هي عضو في العائلة منذ الأيام التي قضتها برفقة والدة جواد…
تمتمت منيرة بنبرة موضحة:
-أنا سيبت اللحمة وكل حاجة زي ما هي وبعتهم يجيبوا فحم علشان اللي هنا خلص.
هز جواد رأسه بهدوء ثم غمغم بعدما ترك هاتفه:
-ماشي بس مدام قعدتي القعدة دي يبقى في حاجة عايزة تقوليها.
ابتلعت منيرة ريقها هاتفة بارتباك كونها مكشوفة إلى هذا الحد:
-هكون عايزة إيه بس يا ابني، أنا قولت اقعد معاك مواريش حاجة اعملها ونسمة فوق مع الست هايدي أنا حتى حطيت ليهم كيكة وعصير وحاجات، وياريت الست هايدي تقعد علشان تتغدى معانا لما تشوي بليل..
رد جواد عليها بلا مبالاة:
-هي حرة وبعدين هايدي مش غريبة لو عايزة تقعد هتقعد لو وراها حاجة هتمشي براحتها يعني هي مش مجبرة تكون موجودة طول الوقت، وكفايا أوي أنها بتيجي يوميًا بعد شغلها..
غمغمت منيرة هاتفة بنبرة ذات معنى:

-اه والله بنت أصول ومحترمة، ولما روحت معاهم العين السخنة بجد كانت شايلة نسمة من على الأرض شيل قبل ما تقول الحاجة بتكون عملتها، والله كانت واخدة بالها منها أكتر مني.
لما تشيد بدورها أمامه؟!
هو يعرفها منذ أن كانت طفلة ويعرف اهتمامها بـ نسمة جيدًا، منذ الطفولة تقريبًا…
تمتم جواد بهدوء:
-اه.
زفرت منيرة بضيقٍ مما يفعله على الأغلب هو لا يفهم ما تريده أبدًا أو يرغب في أن تفقد أعصابها، لكنها قررت قرار أخر وهو أن تتحدث في الأمر بنبرة واضحة وصريحة ليس عليها أن تنتظر أن يفهم تلميحاتها لأنه لن يفعل…
-في موضوع كده حابة أكلمك فيه بخصوص هايدي.
تحدث جواد بنبرة جادة فيما يقوله:
-لو هايدي بعتاكي علشان سفرية جديدة فأنا مش هوافق، أنتم لسه راجعين من كام يوم وبعدين أصلا ربنا وحده يعلم قلقي طول ما أنتم هناك كان إزاي أصلا لولا حماس نسمة ولولا مكالمات عمو فريد أنها تروح معاهم واتحرجت إني ارفص مكنتش وافقت من قلقي عليها.
غمغمت منيرة وهي توضح أكثر له:

-مش ده اللي عايزة اكلمك فيه أكيد لو سفرية مش هكون أنا اول واحدة أعرف بيها؛ أنا جاية أكلمك بخصوص هايدي نفسها.
ضيق جواد عينه وسألها بعدم فهم:
-مالها هايدي؟!.
تحدثت منيرة قائلة الأمر كله دفعة واحدة:
-يعني أنا شايفاها بنت مناسبة.
-بنت مناسبة لإيه؟!
أردفت منيرة بانزعاج جلي:
-ليك يابني هتكون مناسبة لأيه يعني؟! بحاول ألفت نظرك ليها البنت مش هتلاقي زيها.
تحدث جواد باستنكار واضح بعدما استدرك الأمر:
-أنتِ عايزاني أتجوز هايدي يعني ولا إيه؟!.
هزت رأسها بإيجاب وابتسامة قوية رُسمت على ثغرها مغمغمة:
-أيوة.
ضحك جواد كما لم يضحك من قبل لمدة دقيقة تقريبًا ثم أردف وهو يحاول التوقف عن ضحكاته بصعوبة:

-والله ضحكتيني وأنا بقالي كتير مضحكتش…
عقدت منيرة حاجبيها وتحدثت بانزعاج واضح:
-هو إيه اللي ضحكتك وبقالك متير مضحكتش أنا مش بوزع نكت أنا بتكلم بجد على فكرة.
هنا تغيرت ملامحه تمامًا وتحدث بنبرة مستنكرة:
-أنتِ بتهزري أكيد، أولا هايدي دي زي اختي وثانيا عيلة صغيرة بالنسبالي، وإيه اللي جابها في دماغك أصلا؟!!!..
تحدثت منيرة بدفاع واضح عن فكرتها:
-متكبرش الموضوع أوي الفرق مش كبير زي ما بتحاول توصفه، وبعدين مالها هايدي؟! بنت ناس وشبعانة وعينيها مليانة زي ما أحنا بنقول، بتحب اختك وحط تحتها مليون خط الجملة دي وكمان معجبة بيك..
ردد جواد جملتها الأخيرة:
-معجبة بيا؟!..
هتفت منيرة بتأكيد:
-أيوة باين من نظراتها وبلاش نظراتها من سؤالها عنك حتى لو أنتَ مش موجود، وهي اللي تناسبك فعلا وتنفعك.
حاول جواد التفكير في الكلمات التي يسمعها، وإيجاد تفسيرات واضحة وهو يتذكر مقابلاته الصغيرة جدًا ليها وغمغم:

-أولا أنا مظنش أنها معجبة بيا، ثانيًا حتى لو هي كده مش معناه إني اروح اتجوزها ومش معناه برضو تكلميني عنها بالشكل ده، مش كل واحد أعجب بحد أو بشخصيته بينه وبين نفسه ده معناه أنه عايز يتجوزه، غير أن دي كلها تحليلات في دماغك أنتِ وبس..
تمتمت منيرة بضيقٍ وهي تعقد ساعديها:
-والله بقا أنتَ حر أنا عايزة مصلحتك يا ابني وأنتَ عارف…..
قاطعها جواد بنبرة واضحة وهو يشرح لها منطقه:
-بلاش نتكلم في الموضوع ده تاني، هايدي صاحبة نسمة وجارتنا وبس، يوم ما اتجوز تاني ده لو عملتها أصلا هتجوز واحدة بتحبني ولا هي شايفاني Atm ، ولا أن ابويا شايفها مناسبة ولا علشان بتهتم باختي، واللي هتحبني هتعمل اللي يريحني مش هفضل أنا بس الطرف اللي بيدي كل حاجة.
هتفت منيرة بحزن على حاله:
-هو أنا قولت إيه لده كله يا ابني بس؟! أنا بقولك اللي أنا حاساه، وبقولك فكر مش أكتر.
تمتم جواد بنبرة جادة وهو ينظر لها:
-ده مش وقت نتكلم فيه في حاجة زي دي ابويا مكملش كام شهر ميت؛ وأنا لسه مطلق من شهر، ده مش وقت نتكلم فيه عن حاجة سواء هايدي أو غيرها وأنا مقدر أنك عايزة مصلحتي والله بس مينفعش…
____________

بعد مرور ربع ساعة تقريبًا…
بدأ دياب يشعر بالهدوء قليلًا بدلًا من أعصابه المشدودة بسبب تلك المكالمة.
فحاول التفكير وهويشعر بتأنيب الضمير الرهيب..
هو يعلم بأنها لا تستحق أبدًا قساوة كلماته، لكن في النهاية لا يصح غير الصحيح حتى لو كان هو أكثر شيء إيلامًا.
نما إلى صوته رنين الجرس فنهض من جلسته وألتقط مفاتيحه وهاتفه حتى يهبط بعدما يرى من الطارق..
فتح الباب ليجد أمامه تلك الفتاة الغريبة…
-مساء الخير..
سألها دياب باستغراب:
-خير؟!..
هتفت ريناد وهي تفسر سبب إتيانها:
-أنا بكرا عندي امتحان.
ضيق دياب عينه يحاول فهم ما تقوله تلك المعتوهة وعقب ساخرًا:
-إيه أجي اذاكرلك يعني ولا إيه؟! ولا عايزاني اوصلك للمترو؟!..

تحدثت ريناد نافية هذا كله ولم تدرك أنه حقًا يسخر منها:
-لا أبدًا شكرًا، أنا رايحة الامتحان بـ outfit كله أبيض في أبيض….
ضحك دياب هاتفًا من وسط همه:
-إيه أبيض في أبيض هو فرحك في اللجنة على المراقب ولا إيه؟!.
كزت ريناد هنا على أسنانها متمتمة بانزعاج:
– على فكرة Not funny، المهم أن لبسي اتغسل وعايزة احطه على الحبل يعني أنشره يعني ضروري وأنتم حاطين سجاد وعمال ينقط وأنا محتاجة أنشر.
هتف دياب بنبرة هادئة حتى يتخلص منها:
-البسي غيره سهلة..
قاطعته ريناد بنبرة منزعجة:
-والله؟! كتر خيرك مكنتش عارفة أعمل إيه، حل عبقري، بقولك اتصرف في الغسيل وأنتَ مالك ألبس إيه وملبسش إيه؟!..
تمتم دياب وهو يشير لها متهكمًا:
-أنا مالي بلبسك إيه؟! أنتِ اللي عماله توصفي هتلبسي إيه، وبعدين في حد يركب مواصلات لابس أبيض في أبيض وبعدين يعني إيه أبيض في أبيض هو أنتِ فلاحة، احنا في الشتاء.

صرخت ريناد في وجهه متمتمة بغضب واضح:
-معلش يا أستاذ إيلي صعب، هأخد رأيك مرة تاني في لبسي وإيه الألوان اللي تنفع ومتنفعش ممكن تدخل تقولهم يشيلوا السجاد بعد أذنك…
هتف دياب بنبرة غامضة:
-هو مش هيلحق ينشف عمومًا على الصبح احنا في الشتاء.
قاطعته ريناد بعدم تصديق كلماته:
-ما تشيل السجاد أسهل بدل ما أنتَ عمال توجد ليا حلول بديلة إيه رأيك؟! دخلني أقولهم أنا أحسن…
أشار إليها بالدخول، فابتسمت لأنه توقف عن الحديث وستنهي الأمر وما أن تحركت خطوة واحدة أشار لها بيده أن تتوقف هاتفًا:
-أنتِ رايحة فين؟!
عقدت ريناد حاجبيها هاتفة باستغراب أنه جعلها تتوقف بعد دعوته، هي أصبحت تمتلك علاقة إلى حد ما مع عائلته:
-رايحة أقول لطنط حُسنية تشيل السجاد أو تسيب ليا نص احط فيه هدومي.
تمتم دياب بنبرة عصبية بعض الشيء:
-هو أنتِ أي حد يقولك حاجة تعمليها؟!! يعني أي حد يقولك ادخلي تدخلي، مفيش تفكير لمدة دقيقة حتى؟!.
هزت كتفيها بلا مبالاة مغمغمة:

-أيوة إيه المشكلة مش فاهمة أنتَ كل حاجة بتكبر المواضيع ليه؟!
هتف دياب موضحًا بنبرة غاضبة إلى حدٍ كبير:
-أنتِ غبية ولا بتتغابي ولا دي طبيعتك؟!، يعني أنا راجل غريب وبقولك ادخلي وأنتَ فاتحة صدرك على الآخر ورايحة تدخلي بجد مفيش احتمال واحد في المئة اني بكدب عليكي ومحدش جوا يخليكي تفكري ولو لثواني.
ضيقت ريناد عيناها هاتفة بنبرة عصبية هي الأخرى:
-وأنتَ تكدب عليا ليه أنتَ اللي مش طبيعي والله، مش طبيعي؛ يعني قولتلي ادخلي علشان أكلم طنط وبعدين تقولي افرضي اني لوحدي هو أنتَ مجنون؟!.
-أنا بفهمك أن مش كل حاجة حد يقولك عليها تعمليها لازم تفكري ولو لدقيقة، بلاش الثقة الغريبة اللي في الناس دي.
هتفت ريناد بحماقة واضحة:
-كده علشان محدش مضطر يكدب يعني، إلا لو كنت تاجر أعضاء.
بــلاء
صدقًا أنها بــلاء فوق رأسه…
-يلا امشي من هنا واتكلي على الله..
ردت عليه ريناد بغباء واضح:

-مش همشي غير لما تدخلني علشان اتكلم مع طنط ممكن تعديني.
-يا صبر أيوب والله، امشي يا بنت الناس أنا قاعد لوحدي اقسم بالله، وبعدين متقلقيش وهؤحطلك السجاد في نص واحد علشان تنشري اللبس الابيض في الابيض بتاعك علشان هي ليلة بيضاء اتكلي على الله.
صاحت ريناد في وجهه:
-والله أنتَ قليل الأدب فعلا يعني عمال تعزم عليا اني ادخل وأنتَ لوحدك؟! أنا ليا كلام تاني مع أهلك…
تمتم دياب هو الأخر بنبرة متشنجة:
-بقا أنا قليل الأدب يا أغبى ما شافت عيني؟! يلا يا بت امشي من هنا أنا جيبت اخري منك….
هبطت ريناد وهي تنتعه بأفظع الشتائم بكل اللغات التي تعرفها، كان يستحق صفعة منها على وقاحته، هو رجل وقح على ما يبدو….
لن تتعاطف معه مرة أخرى….
______________
يجلس زهران على الأريكة وهو يقوم بوضع الفحم على الأرجيلة، جاء نضال من الداخل وهو يرتدي سترة جلدية سوداء وأسفلها قميص من الصوف أسود، والبنطال كان من اللون الأسود أيضًا.
يرتدي ساعة يده عند خروجه من الرواق.

توقف زهران عما يفعله بمجرد رؤيته بتلك الهيئة حتى كاد الفحم المشتعل أن يسقط منه لكنه تمالك نفسه وبمجرد أن وضعه مكانه ترك خرطوم الأرجيلة بعصبية معلقًا:
-إيه السواد ده كله؟! أنتَ رايح عزاء ولا رايح تجيب الشبكة مع العروسة، هي العروسة محروقة؟!..
اندهش نضال من تعليق والده لكنه تحدث بنبرة طبيعية لأنه لم يكن يقصد أي شيء:
-هو أنا أول مرة ألبس كده؟! وبعدين شكلي حلو يعني.
تمتم زهران بسخرية واضحة وهو يراقب وجهه بعدما قام بضبط لحيته وتهذيبها:
-حتى لو حلو الأسود الكتير ده مش بيعجبني أنا، وبعدين سيبك من اللبس، افرض وشك شوية؛ أفرض وشك يا حبيبي مش عارف طالع نكدي كده لمين؟! ده أنا اسعد لحظات حياتي كلها هي اللي كنت بمشي فيها في جوازة.
هتف نضال بنبرة منفعلة بعض الشيء:
-والله ده وشي الطبيعي.
تحدث زهران نافيًا بعدما ألتقط خرطوم الأرجيلة وسحب نفس منه:
-لا مش الطبيعي لما استلمتك في المستشفى لما أمك ولدتك مكنتش ضارب بوز ومكلضم كده، افرح متبقاش نكدي، بكرا تبوس إيدي على اختياري لسلمى.
تمتم نضال هنا متحدثًا بنبرة ذات معنى:

-الحاجة الوحيدة اللي بحاول انساها هي دي وبلاش تفكرني بيها أنك السبب في اللي أنا فيه دلوقتي، بحاول أنسى أنك أنتَ اللي بادئ الموضوع واتعامل عادي.
هتف زهران معترضًا:
-والله نكدي، ده ربنا يكون في عونها هي، فكها يا ابني علشان ربنا يفكها عليك، انبسط كده وافرح، وبعدين ده احنا لسه بنحيب الشبكة وقدامكم فترة خطوبة تتعرفوا فيها على بعض أكيد لو الدنيا ممشيتش خلاص كل واحد يروح لحاله.
لم يعد هناك وقت للاعتراض لذلك هتف نضال بهدوء وتمني حقيقي:
-ربنا يعمل اللي فيه الخير..
عقب زهران على حديثه بجدية شديدة:
-والله دي أحسن جملة قولتها.
سأله نضال مؤكدًا:
-مش ناوي تيجي؟!.
هز زهران رأسه نافيًا ثم غمغم بعدها بحكمة:
-لا وأنا هعمل إيه؟! دي شغلة ستات ومرات عمك هتحصلكم على هناك مع سلامة وجهاد، والله أنا ما عارف سلامة جاي معاكم ليه المفروض الحريم هي اللي تروح..

ثم ابتلع ريقه وقال:
-روح كده وافرض وشك واطلع خد خطيبتك وامها من قدام شقتهم وأنا مكلم عمك شعبان وهو مجهز ليكم كل حاجة..
___________
بعد مرور أكثر من نصف ساعة…
كانت سامية تجلس في حجرتها تشعر بالاختناق الشديد، لم يعد لحياتها طعم أو لون، منذ أن أسود وجهها أمام والدتها وعمها…
رغم أنه لم يصرح شخص أمامها طوال الأيام الماضية بتساؤلاته عن عدم اتصاله إلا أنها تشعر بحرج كبير، وضعها في موضع الحمقاء وهي التي أخبرت الجميع، بينما مر أسبوعين لم تسمع فيهما صوته ولم تتلقى اتصال منه، لم ينفذ وعده…
لم يتصل بعمها..
حتى أنه مختفي اختفاء غريب من مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت تلك عادة غريبة عنده، والحساب الشخصي لديه فارغ في الغالب ليس به منشورات كثيرة أو تفاصيل…
حتى الأصدقاء يقوم بأخفائهم لا تعرف عنه شيء.
لما فعل بها ذلك؟!.
هي تشعر بألم كبير…

هل يتلاعب بها؟!
هل كانت لعبة في يده؟!!!
لما يخبرها بأنه سوف يتحدث، وبجعلها تشعر بالحماس ويطلب منها أن تخبر الجميع وبعدها يختفي..
كرامتها وكبرياؤها يمنعها من الاتصال به، وبأي وجه ستفعل؟! هل سوف تسأله لما لم تتصل وتطلب يدي؟!!
سمعت سامية صوت الجرس فمسحت دموعها سريعًا ونهضت من فوق الأريكة ثم سارت بضعة خطوات إلى أن وصلت إلى باب الشقة وقامت بفتحه…
لتجد زهران أمامها وهو يرتدي بنطال أسود، وسترة صوفية سوداء، ومعطف أسود….
نظرت له سامية بانبهار واستغراب شديد، الملابس كانت تناسبه إلى حدٍ كبير وحينما وجدها زهران تنظر له باستغراب أردف بقلقٍ:
-إيه بتبصي كده ليه؟!.
تمتمت سامية بتوضيح:
-مش عارفة يا عمو بس أول مرة ألاقيك لابس أسود في أسود كده، ونادرا ما تلبس حاجات غير العبايات..
قال زهران ببساطة شديدة:
-يعني حبيت أغير شوية، بس إيه رأيك حلو الأسود عليا؟! أنا قولت اغير واتبع الموضة، بعدين الأسود على الأسد بيمنع الحسد.
هتفت سامية بإعجاب حقيقي بعد ضحكة خرجت منها بسبب تعقيبه الأخير:

-زي القمر يا عمو والله صغرت يجي عشرين سنة.
تحولت نظرات زهران المشاغبة إلى أخرى منزعجة هاتفًا:
-ليه كان يبان عندي كام سنة قبل كده؟!..
ضحكت سامية رغمًا عنها:
-ولا حاجة أنتَ لسه شباب يا عمو.
غير زهران الحديث ببراعة:
-أمك نزلت ولا لسه؟!..
ردت سامية عليه بتوضيح:
-ماما راحت مشوار كده والمفروض هتقابل سلامة برا برا..
هتف زهران متذكرًا:
-ايوة صح نسيت؛ المهم صحيح الواد اللي كنتي بتتكلمي عليه ده متصلش بيا ولا حاجة يعني….
شحب وجه سامية، أصفر وجهها بشكل مخيف في ثواني وهي تبتلع ريقها هاتفة بتردد:
-مش عارفة يمكن عنده حاجة، أو في حاجة حصلت……..

نظر لها زهران غير مقتنعًا وغير الحديث للمرة الثانية متمتمًا:
-بقولك إيه ما تيجي معايا أنا رايح ليهم عند الصايغ..
رفضت سامية بتردد هاتفة:
-معلش والله يا عمو أنا بس تعبانة شوية ومخنوقة ومش حابة أنزل.
لم يرغب زهران في أن يضغط عليها لذلك غمغم بنبرة ذات معنى وهو يوضح لها أنه يعرف همها ويعرف ما الذي يجعلها لا تتحرك من المنزل والذي يجعلها شاحبة بهذا الشكل:
-ماشي اللي يريحك، اهم حاجة متحطيش في بالك حتى لو متصلش سيبك منه….
______________
يقف نضال أسفل البناية يضع يده في جيبه ينتظر هبوطها هي ووالدتها، وكلما تمر بضعة دقائق ينظر على ساعة يده….
لا يعلم لما تأخرا عن الموعد…
ليس معه رقمها حتى يتصل بها، ولا رقم والدتها، أليس هذا شيئًا غريبًا..
أنه لا يمتلك رقم الفتاة التي يذهب لشراء الشبكة معها وقريبًا خطبتهما.
اتصل بوالده الذي أجاب عليه:

-خير عملتم إيه وصلتم؟!.
تمتم نضال بنبرة ساخرة:
-وصلنا إيه أنا لسه واقف تحت مش عارف منزلوش ليه لغايت دلوقتي أنتَ مش متفق معاهم امبارح؟!.
جاءه صوت زهران ببساطة وهو يخبره:
-اتصل بيها بالتليفون يا ذكي وبعدين أنا قولتلك اطلع وخبط عليهم.
عقب نضال ساخرًا:
-لو معايا رقم اكيد كنت اتصلت، بفكر ابعت لسلامة يبعتلي رقمها.
قاطعها زهران باستغراب:
-وليه كل ده!؟ اطلع عادي خبط عليهم وشوف في إيه، مش لازم تفضل واقف في الشارع، ودنك منين يا جحا لسه هتتصلي بسلامة…
بعد دقائق..
اقتنع فيها نضال بحديث والده وكان يقوم بقرع الجرس ويقف أمام الشقة وبعد دقيقة تقريبًا فتحت له سلمى الباب…
هتف نضال أولا وهو يرسم بسمة على ثغره:
-مساء الخير، عاملة إيه؟!.

عقبت سلمى على حديثه بنبرة هادئة:
-الحمدلله بخير.
تمتم نضال بحرج وهو يشرح لها:
-أنا بقالي شوية واقف تحت ولقيتكم اتأخرتو فقولت اطلع يعني..
هتفت سلمى مفسرة له الأمر:
-ماما كان ضغطها علي شوية وكنت بعمل ليها كركدية وهي بتلبس جوا أسفة لو اتأخرت..
هتف نضال بهدوء ونبرة سريعة:
-لا مفيش حاجة، أهم حلجة صحتها كويسة دلوقتي؟! وبعدين لو تعبانة ممكن نأجلها يوم تاني.
ردت سلمى عليه مختصرة وهي تنظر له:
-الحمدلله أحسن وضغطها نزل شوية.
-الحمدلله.
قالها نضال ثم تنهد وغمغم بنبرة هادئة:
-خلاص أنا هنزل بقا استناكم تحت لغايت ما تخلص.

ردت سلمى عليه رافضة:
-لا استنى..
توقف نضال بعدما كان تحرك بقدمة حركة واحدة وهو يغمغم:
-في حاجة؟!.
هزت رأسها بإيجاب وهي تتحدث بعدما عقدت ساعديها:
-يعني في حاجة حابة أتكلم معاك فيها.
نظر لها باهتمام وقال بإنصات:
-اتفضلي طبعًا.
تنهدت سلمى ثم قالت بجدية دون تردد ولو لثانية واحدة، كانت صريحة بشكل مفجع:
-أنتَ أول مرة لما جيتوا تطلبوا إيدي مكنتش موجود، وجيت في نص القعدة، وأنا حاسة أنك مكنتش عايز تتقدملي أو في حاجة حصلت مش مفهومة…
حاول نضال أن ينفي الأمر مغمغمًا:
-أنتِ بتقولي إيه..
هي تتذكر جيدًا تلميحات زهران يوم قراءة الفاتحة الواضحة وهي ليست حمقاء أبدًا بل منذ عدة أيام تفكر في الأمر، ونظراته إلى والدتها، حتى كلماته كانت واضحة وضوح الشمس وهي تعلم زهران جيدًا، لذلك أردفت بعدما فكت ذراعيها:
-بقول اللي سمعته يا نضال متهايقلي في حاجة غريبة حصلت بس مش قادرة اوضحها بس عم زهران كان جاي يطلب إيد امي مكنش جاي علشاني أنا وأنتَ…………..

يتبع… 

   •تابع الفصل التالي "رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent