رواية الحصان و البيدق الفصل السادس عشر 16 - بقلم ناهد خالد
"اختيار"
ودون خجل او تردد فهي حقًا مغتاظة منه الآن:
_ حبيت ارخم عليك.. فكرتك هتنزعج بقى وتصحى تبتسم لما تشوفني والكلام ده.
ضم شفتيهِ معتذرًا بأسف مصطنع:
_ مخدتش بالي انها ايدك، فكرتها جاموسة.. قصدي ناموسة.
نظرت له بعيناها بشك، تضيقهما وكأنها تجبره على الاعتراف بالحقيقة، ورأت العبث يتراقص هناك بين غيوم رماديتهِ، فهتفت بحذر:
_ أنتَ حسيت بايدي صح!؟
ابتعد قليلاً بذعر مصطنع وقال:
_ على حسب..
التفت تلتقط الوسادة وما إن عادت له حتى وجدته قد قفز من فوق الفراش واقفًا على مسافة آمنة، لتنهض هي الأخرى وبيدها الوسادة تقول بغيظ:
_ قصدك على ايدي انها ايد جاموسة صح؟
_ عيب يا خديجة متقوليش على نفسك كده.
ركضت تجاهه ليركض هو أمامها وهي تصرخ بهِ:
_ والله ما هسيبك، يا عديم الرومانسية.
توقف بمنتصف الدرج يهتف باستنكار:
_ شوف مين بيتكلم! خديجة كآبة!
شهقة قوية كادت تبتلع روحها، ورددت بدهشة:
_ انا.. أنا خديجة كآبة!
وفي اللحظة التالية كانت الوسادة تصتدم بوجهه، ليرتد رأسه للخلف قليلاً، وما إن عاد ينظر لها حتى وجدها تلتقط تحفة فنية كانت بجوار بداية الدرج، لتتسع عيناه ذعرًا:
_ بت، اعقلي يا ديجا بطلي جنان دي فيها فتح راس!
ابتسمت ابتسامة غريبة وهي تردد:
_ وماله، وانا هخيط راسك بايدي.
_ دي اتجنت رسمي!
قالها وهو يلتف مستكملاً ركضه لاسفل.. وصل للردهة الواسعة ليجد "ليلى" تجلس أمام التلفاز وبجوارها "مصطفى" ممسكًا بأحد كتبه الدراسية يخط فيها، لتتسع أعينهما ذهولاً و "ليلى" تسأله:
_ في ايه يا مراد؟
رمى نفسه بجوارها وهو يردد بلهاث:
_ معرفش.. البت اتجننت باين!
قطبت ما بين حاجبيها ولم تفهم جملته، لتلتفت حين استمعت لخطوات" خديجة" القادمة ليلتفت هو الآخر متوقعًا نفس هيئتها، ليُصدم حين وجدها قد تركت تلك التحفة لا يعلم أين، وتأتي ناحيتهم مطأطأة الرأس والوجوم يحتل وجهها، ليرفع حاجبه يشعر بالخطر حيالها، اتجهت للجلوس جوار شقيقها، بعد أن احتضنت رأسه تدعمه بصمت، جلست جواره تسأله:
_ عامل ايه في المذاكرة يا حبيبي؟
ابتسم لها براحة:
_ كويس جًدا، المدرسة كويسة اوي، والمدرسين شرحهم حلو، حتى مش محتاج دروس.
وارتاح قلبها لراحته، فابتسمت بسعادة، وهي تنحني مقبلة وجنته بحب:
_ ان شاء الله تجيب مجموع كويس، وتنجح بتفوق كل سنه.
_ صحيح يا مصطفى عاوز تدخل كلية ايه؟
تسائل بها "مراد" وهو يتدخل لينهي وصلة الدلال المائعة كما وصفها، ليقول "مصطفى" بتمني:
_ مهندس طيران.
_اشمعنا طيران.
اجابت هي بالنيابة عنه:
_ مصطفى ولهان بالطيران.
وافقها "مصطفى" يقول:
_ كفاية انه قادر ينقلك من مكان لمكان، وتبقي حره في السما.
_ ربنا يناولك اللي في بالك يا حبيبي.
قالتها "ليلى" برضا، ليؤمن على دعائها هو وشقيقته، لتكمل بعدها:
_ مالك يا خديجة؟ شكلك متضايقة!
قالتها بعدم لاحظت عودة وجومها، لتنظر له بجانب عيناها بخبث وهي تقول:
_ ابدًا..حاجة مش مهمة.
_ بس مضيقاكِ!
وهنا تركت للسانها الكاذب العنان وهي تقول:
_ بصراحة بقى يا طنط، ابنك السبب.
_ مراد؟
قالتها "ليلى" وهي تنظر له بجانب عيناها ليرفع كفيهِ باستسلام ينفي التهمة عنه، لتكمل:
_ ايوه، قالي انه بيعرف يعمل مكرونة بشاميل حلوة اوي.. وبقالي ساعة بتحايل عليه يعملها مش راضي.
رفع حاجبيهِ ذهولاً من إدعائها الكاذب، متى قال هذا بحق الله! لتقطب "ليلى" ما بين حاجبيها غير مصدقة:
_ مراد بيطبخ؟
وثبتت على موقفها:
_ ايوه.. هو قالي كده، فمفيهاش حاجة لو عملها ودوقناها من ايده.
_ ده بجد يا أبيه؟ ليك في المطبخ؟
رددها "مصطفى" متسائلاً بدهشة، لينقل "مراد" انظاره بينهم، هل عليهِ أن يكشف كذبها الآن؟؟ وحينها ستكون كالكتكوت المبلول يقسم، قرر أن يرأف بها، وقال باقتضاب:
_ اممم... صح.
_ طب ما تدوقنا يا مراد.
قالتها "ليلى" بحماس، ليعض شفتيهِ حانقًا من المأزق برمته، قبل أن يومأ برأسه مع ابتسامة ماكرة:
_ ماشي، بس خديجة هتساعدني.
ابتلعت ريقها بتوتر، آلت الأمور إلى ما لا تحبذ أبدًا، انتفضت حين أمسك بكفها يسحبها خلفه وهو يقول بتوعد خفي:
_ تعالي يا حبيبتي نسلي بعض.
________________
منذُ استيقظ وهو لا يتعامل معها، وهي كذلك، حضرت الافطار وجلسا يتناوله بصمت، صمت لم يقطعه سواها وهي تزفر بقوة قبل أن تقول:
_ ايه الحال الي جيت بيها بليل دي؟
رد ببرود مستفز:
_ حالة ايه؟
كبحت غضبها تقول:
_ أنتَ كنت سكران؟ شارب خمرة يا ابراهيم؟
قلب شفتيهِ بلا مبالاة:
_ وفيها ايه؟ بنفرح عن نفسينا شوي، مجامتش الجيامة يعني!
استنكرت تقول:
_ تفرح عن نفسك بالمنكر؟ كانك مخابرش انه حرام ولعن الله شاربه؟
_ أنتِ هتديني درس في الأخلاج؟ بعدين ايش دخلك انتي اسكر ولا مسكرش!
ادمعت عيناها وهي تجيبه:
_ دخلني.. للاسف دخلني، أنتَ چوزي، والمفروض لما تكون ماشي في سكة عوجة يا اهديك يا ابعد، لكن اني اعيش معاك مستعمية مهينفعش في الحاچات دي.
اقترب بجسده ساندًا على الطاولة، فبات قريبًا منها، وربت على خدها بكفه بخشونة وهو يقول مستهزءًا:
_ لا هينفع، وبعدك مش بكيفك يا....يابت عمتي، ده انا اجطعلك رجبتك جبل ما تفكري تخطي خطوة بره الدار.
ابتسامة ساخرة زينت ثغرها وهي تقول:
_ اللي يشوف اكده يجول إن من حبك فيا.
امتعضت ملامحه وهو يقول متهكمًا:
_ حب ايه وكلام فارغ ايه؟ ده انا طايجك بالعافية، بجولك ايه انا مهحبش الحديت الكتير وجفلي بجى..
تسللت دموعها على وجنتيها وهي تسأله بقهر احتلى عيناها وقلبها قبلاً:
_ مادام مش طايجني اتجوزتني ليه؟
ببرود اجاب وهو يتناول لقمة من طعامه:
_ طبيعي اتجوز، واخلف.. ولا هعيش راهب اياك!؟
روتين... الأمر مجرد روتين، طبيعي أن يتزوج وينجب من أي فتاة، وليست هي على وجه الأخص، ويا لقهرة قلبها وكسرته، نهضت في صمت وغادرت الجلسة، وقد شعرت بانهزام مرير.. فلطالما بررت له افعاله البربرية أنه يحبها ولكنه لا يستطيع التعبير، يحبها لكنه يجهل التعامل مع أنثى.. يحبها وطبعه يغلبه، وياليته يحبها...!!
________
وقتًا رائعًا قضوه في المطبخ، وقد احدثوا ثورة بهِ من مزاحهما وارتباكهما في تحضير الطعام، ارتباكه كان يأتي من جهله بتلك الأمور، وارتباكها من قربه الذي كان دومًا ملتصق لها، إما جوارها تمامًا، إما خلفها، وكلاهما يثيران اعصابها، وبين ضحك وجدية، تركيز ولا مبالاة احيانًا، انتهيا من اعداد المعكرونة بالبشاميل واللحم المفروم، ليثني الجميع على مذاقها الجيد.
وبعد انتهائها من تنظيف المطبخ، جلست في الحديقة على الأرجوحه، تهتز بها ببطء وخصلاتها تهتز معها في تناغم، وبيدها هاتفها تحدث "جاسمين" التي طلبتها فجأة ولأول مرة:
_ انا ملقتش حد اتكلم معاه واخد رأيه، مينفعش اتكلم مع ماما، ولا باهر طبعًا، ولا حتى بابا، فجيتي على بالي..
وراحت تقص لها تفاصيل الأمر..
وبكل الحزن والألم كانت تردد:
_ يا حبيبي يا باهر، الله يكون في عونه، ده اكيد هيتأثر اوي بالخبر ده، الموضوع مش سهل ابدًا.
اتاها صوت "جاسمين" الباكي يقول:
_ انا من وقت ماعرفت حاسة قلبي مقسوم نصين.. نص مشفق عليه وبيقولي اوعي تسبيه وافضلي جنبه وقوية، ونص محتار وخايف من تحمل قرار زي ده.. وانا بينهم تايهه ومش عارفة اعمل ايه، انا مش هقوله حاجه بس اكيد صاحبه الدكتور هيقوله، ده مكانش ناوي يديني النتيجة لولا الممرضة اللي طلعتها من غير ما تسأله..
تجعدت ملامحها تسألها باستغراب:
_ محتارة؟ بس أنتِ لو بتحبيه زي ما بتقولي مش هتحتاري!
غزى الألم نبرتها:
_ انا بحبه فعلاً، بس في نفس الوقت من حقي اكون أم.
زفرت "خديجة" أنفاسها بوجع، تخشى أن تقرر "جاسمين" الانفصال، وهذا حقها، لكن ماذا عن "باهر" وشعوره!؟ لكن هي اختارتها لترشدها لذا ستكون حيادية:
_ يعني أنتِ شايفه ايه؟ مش هتقدري تكملي؟ هتسبيه عشان موضوع الخلفة؟ في النهاية محدش هيقدر يلومك فالقرار قرراك.
تساقطت دموعها اكثر، وضمت شفتيها بقوة تمنع بكائها، وقالت بنبرة ألم عاصف:
_ لو هو اللي كان مكاني كنت قولتله يتجوز، وكنت فضلت معاه، رغم ان كان الموضوع ده هيقتلني، بس كان هيكون خيار تالت متاح.. لكن دلوقتي معنديش خيارات، يا اكمل واتقبل اني انسى موضوع الولاد ده حتى لو بيتعالج، عشان محطش أمل ميتحققش ، يا ابعد.. واقرر الانفصال ووقتها هتكون قصتنا خلصت... لو مكاني هتعملي ايه؟
هزت رأسها نافية بحزن وأردفت:
_ مقدرش اقولك.. لأن كل واحد بيتصرف غير التاني، وانا مجربتش عشان احكم.. احنا لا في فيلم ولا في قصة عشان اقولك متضحيش بحبك عشان الاطفال، احنا في واقع.. الواقع اللي ممكن يخليكي دلوقتي ما يكونش عندك مشكله وتفضلي حبك على احساسك بالامومة، لكن ممكن بعد كذا سنه تحسي بالندم، ووقتها هتكوني ضيعتي عمرك على الفاضي لا هتعرفي تبعدي عشان تحققي حلمك ولا هتعرفي تفضلي عايشه معاه، وانتِ كل يوم في وجع وندم لقرار اخدتيه في يوم، انا ما عنديش حاجه اقولها للاسف، و للاسف ما فيش اي حد هيقدر يفيدك انتِ الوحيدة اللي هتقدري تقرري.
تسطحت فوق الفراش ناظرة بعينيها لسقف الغرفة ومئة فكرة تتلاعب بعقلها، قبل أن تقول باختناق واضح ودموعها تزين جانبي خدها:
_ يعني.. يعني متخيله احساسة لما اقوله اني عاوزه انفصل عشان طلع عنده مشكلة في الخلفة؟ متخيلة شعوره؟ ده كأني بقتله!! عمري ما هقدر اقولهاله وانا عارفه انه عارف السبب، انا مش وحشة ولا أنانية والله، بس.. غصب عني انا عيشت طول عمري بنت وحيدة وكنت دايمًا باحلام باليوم اللي اتجوز فيه ويكون عندي اطفال كتير يعوضوني عن وحدتي.
_ أنتِ مش أنانية، ومش مضطرة تتنازلي عن حلمك عشان حد، حتى لو كنتِ بتحبيه، في حاجات اهم من الحب بكتير..
انتفضت جالسة وهي تسمع لصوته، نظرت له لتراه واقفًا أمام باب الغرفة وملامحه جامدة، لا يظهر عليها أي شعور، لا حزن ولا غضب، وقفت بعدما اغلقت المكالمة، ونظرت له عاجزة عن الحديث، ليكمل هو بنبرة هادئة:
_ بعفيكي من عبء انك تطلبيها عشان متحسيش نفسك أنانية.. وصدقيني أنا عمري ما هفكر فيكي بالشكل ده، بالعكس انا لازم اشكرك انك فكرتي بعقلك وفكرتي لصالح حياتنا بعيد الشفقة ولا المشاعر، لأنها هيجلها وقت وتنتهي.. أنتِ تستاهلي كل خير يا جاسمين..
ابتسامة طفيفة بالكاد رُسمت على ثغره وهو يكمل:
_ تستاهلي يكونلك العيلة اللي حلمتي تكونيها، وتكوني أم، وأنا عارف انك هتكوني أم ممتازة، وهتعرفي تربي عيالك صح...
اقترب حتى أصبح يقف أمامها تمامًا الآن، كوب وجهها بين كفيهِ، وأردف بما جعلها تشهق في بكاءٍ عنيفٍ:
_ أنا بحبك، أول بنت احبها في حياتي، وأول واحدة اعرف معاها يعني ايه حب وادوق حلاوته، عمري ما هنساكِ، وهفضل دايمًا فاكر البنت الشقية أم لسان طويل اللي ظهرت في حياتي فجأة عشان تمرمطني وراها..
مالت برأسها على أحد كفيهِ ودموعها انهمرت كشلال جاري، ونظرة عيناها لوحة فنية عنوانها الألم والقهر، وصوت شهقاتها يتعالي أكثر مع كل كلمة يقولها:
_ أسف لو كنت في مرة زعلتك ولا جيت عليكي من غير قصد، واتمنى تفتكريلي الأيام الحلوة بس.. جاسمين....
وخفق قلبها رعبًا، وانخفض تنفسها وهي تدرك ان الكلمة القادمة هي النهاية.....!!!
_______
زفرت بضيق حين انتهت المكالمة فجأة، وتهاوت دموعها حزنًا عليه، يالها من صفعة قاسية، ماذا تريد منه الحياة بعد؟ ألا يكفي ظلمًا؟ "باهر" ذو الحظ البائس عكس أخيه، كن تركته والدته لتتزوج بآخر، وقضى حياته مع زوجة والده، من لقى كرهًا غير مبرر من النصف شقيق "ابراهيم"، ربما ليس كرهًا بالمعنى الحرفي لكنه.. عدم تقبل!؟ دومًا شعر بحاجز ما بينهما لا يعرف له سببًا..
"باهر" من خرج من بلدته بلا عودة لاتهام عمته الفاسق وطعنه في شرفه وشرفها هي "خديجة"، وهو من توفى والده فجأة بعد انقطاع دام سنوات ليُعاقب بمرارة الندم! ماذا تريد منه الحياة بعد!؟
شهقت ببكاء، لتشعر فجأة بمن يجلس بجوارها فوق الارجوحة، ينظر لها بقلق يسألها:
_ في ايه يا ديجا؟ مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه؟
نفت برأسها رافضة الافشاء عن سر أؤتمنت عليه، لتقول:
_ مفيش.
ومسحت دموعها متحكمة في نفسها، ليلح عليها وهو يمسك كفها بحنو:
_ لا فيه، وهتقولي، مالك يا حبيبة حياتي بتعيطي ليه؟
وبالاخير استسلمت جزئيًا لتجيبه:
_ باهر عنده مشكله صعبة، جاسمين لسه مكلماني وحكتلي، فصعب عليا.
ربت على كفها ببرود:
_ لا ميصعبش عليكي غالي.
نظرت له بأعين باكية أثرت بهِ:
_ لو سمحت بلاش تريقة، انا فعلاً زعلانة عشانه.
كبح غضبه وغيظه بصعوبة لن تتصورها، وقال بهدوء يهاودها:
_ في ايدي ايه اعمل طيب؟ ممكن نساعده بحاجه؟
اجابته بنبرة باكية:
_ ياريت كان ينفع.. محدش يقدر يساعده غير ربنا.
جذبها لأحضانه بغتًة وهو يحيطها باحتواء، يهمس لها رغم شعوره باضطرابها:
_ هتعدي يا حبيبتي وهيكون بخير..
وبنفسه غمغم ماقتًا:
_ معرفش شاغله نفسك بيه ولا كأنه ابن اختك!! ما يروح في داهية...!
و"مراد" صراحةً لا يحب "باهر" مطلقًا.. والعكس... بالطبع صحيح.
_______
_ لا.. لا يا باهر.. متقولهاش ارجوك.
صرخت بها " جاسمين" وهي تمنعه من إطلاق رصاصته الغادرة، على الأقل الآن وبتلك السرعة تُعد غادرة، حتى وإن آلت إليها الأمور لاحقًا لكن ليس الآن... هناك محاولات قبلاً...
امسكت كفيهِ وطالعته بعيناها المتورمة من البكاء:
_ يشهد ربنا اني عمري ما فكرت ابعد عنك، لأي سبب كان، ولا عمري هفكر، انا بس اتلخبطت وحسيت... حسيت ان دماغي لفت ومبقتش عارفة اعمل ايه، باهر انا غصب عني.. انتَ عارف ان انا مهووسة ان يكون عندي اطفال، من وقت ما اتجوزنا وانا ما عنديش سيره غير الخلفه والاولاد، ورغم ان انا اللي اصريت ان احنا نروح نعمل تحاليل بس كنت وقتها شاكه فيا أنا، ولما طلعت كويسه حسيت براحة وإن خلاص ما فيش اي مشكله، انا بس اتصدمت والصدمه خلتني مش عارفه افكر وخصوصا اني بحاول افكر بواقعيه عشان ما اظلمكش معايا.
صمتت تلتقط انفاسها:
_ انا عارفه إن انتَ عمرك ما هتتقبل اني اعيش معاك وانت حاسس ان انا ممكن اكون ندمت على قراري، او طول الوقت تحس ان لسه مش قادره اتخلى عن حلمي ان يكون عندي اطفال، ووقتها هكون باذيك وبوجعك غصب عني ومن غير ما اخد بالي.. عشان كده كنت محتاجه حد اتكلم معاه، اخرج كل اللي جوايا واشوفه هيدلني على ايه لكن عمرها ما هتنتهي كده.. انت بجد كنت هتطلقني!!؟ ده احنا لسه ما حاولناش، انتَ للدرجة دي بايع؟
ملست على كفه الممسكه بهِ وقالت بابتسامة باهتة:
_ بس انا عارفه ان الموضوع مش كده، عارفه ان انتَ كمان اتصدمت، وصدمتك خليتك تتصرف من غير تفكير، بس احنا دلوقتي محتاجين نروح للدكتور ده ونشوف ايه المفروض نعمله الفتره الجاية.
نظراته كانت مبهمة لها طوال الوقت، وملامحه الجامدة لم تتغير، حتى وهو يقول:
_ بس أنتِ فكرتي في الانفصال، ومادام فكرتي، يبقى هييجي وقت وتعمليها..
كادت تجيبه نافية، مبررة، موضحة موقفها، ليقاطعها قائلاً بجدية غريبة:
_ وانا مش هستنى اليوم ده، ومش هسيبك تتعلقي بأمل واهي معايا.. ولا هدخلك في دوامة علاج ودكاتره يعلم تخلص ولا متخلصش.
نظرت له بعدما صمت، لم تفهم تمامًا ما يقصده، لكن أتت رصاصته الغادرة حين التف معطيًا اياها ظهره ناويًا المغادرة:
_ أنتِ طالق يا جاسمين.
انتهت قصتهما؟؟ هل انتهت في لحظة اختيار؟ بهذه السرعة؟! انتهت باختيار متهور أم صائب؟
- تابع الفصل التالي "رواية بك احيا" اضغط على اسم الرواية