Ads by Google X

رواية بحر ثائر الفصل السادس عشر 16 - بقلم اية العربي

الصفحة الرئيسية

 رواية بحر ثائر الفصل السادس عشر 16 - بقلم اية العربي

بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .

اللهم إنا نستودعك أهل غزة وكل فلسطين ، اللهم

كن لهم عونا اللهم إنا لا نملك لغزة وفلسطين إلا الدعاء

الفصل السادس عشر من 🌊 بحر ثائر 🌊 بقلم آية العربي


ابتعدي.. اقتربي

اذهبي… لا تذهبي

ارحلي… لا ترحلي

اقبلي… لا تقبلي

أنظري لقلبي..

لا تنظري فقط تجاهليني…

انسيني.. لا تفعلي

دوما أذكريني….

دائما ماعرفت ما اريد

لكن بحضورك صرت أجهل دروبي وأنسى حروفي

وبغيابك أضعت كل عناويني، إلا عنوانك أنت

لكن لا أعرف

إن كنت سآتي… أم أني لن آتي

( بقلم فيروزة )

❈-❈-❈

بالنسبة له أضحت كل البلاد سواء مثلها كالبلد الذي يسكن فيها لا دفء فيها ولا احتواء.

في اليوم الثالث استيقظ باكرًا وجمع أمتعته ينوي العودة إلى فرنسا ، كان يود رؤية شقيقه دون أي سعي منه ، أرادها أن تأتي صدفة لا يعلم كيف ولكنه تمنى ولم يسعفه الحظ لذا ها هو يحمل حقيبته الممتلئة بالخيبات وسيعود إلى دياره الباردة .



كانت في غرفتها تقف تمشط خصلاتها وتتحدث مع ليان عبر الهاتف قائلة :


– خلصت يا لينو أهو عشر دقائق وهنزلك ، مش عارفة بس لزومه إيه المشوار ده كنت رجعت مصر النهاردة ، الولاد وحشوني أوي .

تحدثت ليان عبر الهاتف بنبرة معاتبة :

– شِذي راح تزعيلني منج ، يعني ما تبغين تطلعين وياي ونلف الشارجة ويا بعض؟ أنا كان وِدّي اخذج دبي عند برج خليفة والجميرا بس تتعوض المرة الياية إن شاء الله .

ضحكت ديما وأردفت وهي تضع الطوق المزخرف فوق رأسها وتتأمل ملامحها في المرآة :

– مرة جاية إيه ؟ لاء المرة الجاية إنتِ اللي تيجي القاهرة وأنا اللي هفسحك ، يالا اقفلي وانا هنزلك أهو .

أغلقت معها واتجهت تحضر حقيبة يدها ولكنها استمعت إلى طرق على باب الغرفة فاتجهت لتفتح الباب فوجدته أمامها يطالعها بثقب فتقدمت تقف مقابلة له وتنتظر حديثه وبدى التعجب على ملامحها ليردف بنبرة مبطنة بالثقة :



– جيت أسلم عليكي قبل ما ارجع فرنسا ، واقولك اني هستناكي هناك .

أدهشتها ثقته لذا ابتسمت تتكتف وتردف بنبرة لينة :

– شكرًا يا أستاذ ثائر وأنا بجد ممتنة لمقابلتنا هنا وكانت من دواعي سروري بس للأسف هتستنى كتير ، عرضك بالنسبالي مستحيل .

تأملها لثوانٍ ولم يحيد نظره عنها حتى بعدما لاحظت وتوترت ليسلط نظره على خصلاتها الناعمة والقصيرة التي لم تتجاوز أكتافها ، انكبت عينيه على الطوق المزخرف الذي تقيد به تمرد خصلاتها لذا لا إراديًا منه امتدت يده بشكلٍ مفاجئ ينتشله من فوق رأسها فشهقت وابتعدت خطوة للخلف تطالعه باستنكار وتساءلت :

– إنت بتعمل إيه ؟

نظر لها وابتسم ثم نظر للطوق في يده ولوح به يردف بثبات :

– هخليه معايا وهرجعولك في فرنسا ، يالا سلام .

التفت يغادر تحت صدمتها من فعلته ليصل أمام المصعد وقبل أن يستقله التفت يطالعها ويستطرد بنبرة مبهمة تحمل حنينًا يخفيه وراء جدار جليده :

– سلميلي على مصر .

دلف بعدها المصعد واختفى من أمامها لتقف عاجزة عن فهم وإدراك شخصية هذا الرجل ، لم تقابل مثله من قبل وهذا يجعلها على حذرٍ دائم معه ، يكفيها من الخيبات ما يؤهلها لتحذر من البشر خاصةً هو بغموضه وعلامات الاستفهام المحيطة به من كل جهة .


رفعت يدها تتحس خصلاتها وتتمتم بذهول وهي تتجه للداخل وتغلق الباب :

– مجنون .

دلفت تتجه نحو المرآة وتنظر لنفسها مجددًا وتتساءل عن سبب تحديقه بها ولِم أخذ منها تذكارًا ؟ لمَ أطال النظر لخصلاتها البنية فهي لا تمتاز بالسُمك والطول كما يحب الرجال ؟

❈-❈-❈

العودة إلى الوطن هي الأصل ، هي الدفء ، هي السكينة .

عادت إلى مصر بعدما قضت ثلاثة أيام في دبي ستسجلهم في ذاكرتها بالأيام الخيالية على الإطلاق .



ليس فقط لأنها حضرت مؤتمر الشارقة الأدبي ولكن لقاءها بثائر ذو الفقار فاق كل توقعاتها ، حديثها معه إلى الآن تظنه حلمًا تمنته ، محاورته رغبة تملكت منها ولم تتوقع قط أن تتحقق ، وأخيرًا عرضه لها وتوديعه المميز والذي لن ينقشع من ذاكرتها أبدًا .

يعرض عليها فرصة عملٍ في فرنسا ؟ بأي ثقة أتى وألقى عرضه هكذا ؟ ويخبرها أنها جبانة ؟ أنها غير مميزة وأن ما تفعله يعد شيئًا نمطيًا ؟

حسنًا ربما هو هكذا بالنسبة لشخصٍ مثله تمرد على المجتمع وانحرف عن مساره وأضحى كاتبًا مشهورًا نال إعجاب أعدائه قبل محبينه وهي أولهم ولا تنكر هذا قط .

ولكن بالنسبة لها هي حققت حلمًا كان ضربًا من ضروب الخيال ، لقد كتبت قصتها بسلبياتها وإيجابياتها وانتشرت وعُرفت بامرأة السلام دون أن يصدق أحدًا أنها البطلة .

لقد لمست قلوب جميع النساء المقهورات في وطنها والعالم العربي دون أن تقع في بئر شفقتهن عليها .

لقد حققت معادلة صعبة في مسارها وتحررت من قيود شخصٍ نرجسي متسلط وقاسٍ واستطاعت الفرار من أسوار متاهته هي وصغارها وهذا بالنسبة لها إنجازًا عظيمًا وستسعى دومًا لتحقق المزيد من الإنجازات ولكن هنا بين عائلتها ومن يحبونها وليس في الغُربة .

هو مخطئ وبارد ، باردًا للدرجة التي جعلته يصدق أن التميز هو الوحدة والغربة ، يريدها أن تترك وطنها ودفء أسرتها وترحل مع صغيريها لبلدٍ بارد يفتقد الدفء وتواجه كل هذا الصقيع والتيار المعاكس فقط لتحصل على لقب تميز في عينيه ؟ هه مغرور .

كانت تتصفح هاتفها وتقرأ الرسائل التي وصلتها ، إحداهما تعبر لها عن امتنانها بأن القصة قد الهمتها حلًا سيجعلها سعيدة ، وأخرى تشتكي لها أنها عانت من ويلات زوج نرجسي ، وأخرى تعبر لها عن كونها شخصية مسالمة وضعت ضوابط وسطية سليمة لا تشجع على الطلاق ولا تساعد على الاستعباد .


لتجد منشورًا منه قد ظهر لها كجميع منشوراته ، صورته يقف يدلك خصلات حصانٍ بني اللون يمتاز بالجمال وبراعة الخلق .



خصلاته ناعمة مسترسلة بشكلٍ رائع ليعلق ثائر أسفل منشوره بالفرنسية موضحًا :

( ما يميز الفرس ( الحِجْر ) ويجذبك إليها أولًا هي خصلاتها ، جميلة ناعمة و .. بنية ، لو أننا أخفيناها لن ننبهر بها مجددًا ) .

قطبت جبينها تحاول فك شيفرة منشوره ، ماذا يقصد ؟ من المؤكد لا يقصد الخيل حقًا فمن ذا الذي سيخفي خصلات الخيل ؟

قطع حبل أفكارها دخول داغر عليها في غرفتها حيث تقدم منها وجلس أمامها يحدق بها ليستشف ما بها ولكنه عجز عن تحديده لذا تساءل :

– مالك يا ديما ؟ من وقت ما رجعتي وانتِ علطول كدة بتفكري ، في حاجة حصلت ؟

أمعنت النظر فيه جيدًا ثم نظرت نحو باب الغرفة حيث يلعب الصغيران في الخارج لتزفر بقوة وتردف موضحة حيث أرادت مشاركته ليؤكد لها أنها على صواب :

– داغر أنا قلتلك قبل كدة إني بقرأ لكاتب كبير ومعروف اسمه ثائر ذو الفقار ، هو مصري بس عايش في فرنسا من سنين ومعاه الجنسية الفرنسية ، حواليه أسئلة كتير بس في المجمل هو محبوب من ناس كتير وأولهم العرب برغم إنه بينتقدهم وخصوصًا المرأة ، لدرجة انهم دعوه على مؤتمر الشارقة وحضر فعلًا واتقابلت معاه .

أولاها انتباهه وهو يستند بذراعه على فراشها وبدأ يركز معها جيدًا لتتابع بشرود حينما تذكرت حديثه :

– ماقدرش أنكر إن كتبه هي اللي ساعدتني أتخطى حاجات كتير سيئة في حياتي ، ألهمتني أفكار كتير ، كلامه كان له تأثير إيجابي عليا ، بس هيفضل لغز بالنسبالي .

– طيب انتِ مالك بيه يا ديما ؟ واتقابلتِ معاه إزاي يعني ؟

سألها داغر بقلق وهو يتمعن في ملامح شقيقته بدقة فحدقت به تسترسل بثقة وثبات بعدما فهمت إلام يرمي بسؤاله :



– بعد ما قلت كلمتي عن المرأة تقريبًا كدة لفت انتباهه واشترى كتابي وقرأه ومش هتصدق قال لي إيه .

تجهمت ملامحه خيفةً وتساءل بأنفاس ثقيلة :

– قالك إيه يا ديما ؟

زفرت بقوة وازدردت ريقها تستطرد :

– عايزني أسافر فرنسا أشتغل معاه في المجلة وأكتب براحتي هناك وأثبت وجهة نظري للمجتمع الغربي ، بمعنى أصح بيطلب مني اتحداه ، بيقدملي فيزا وشغل بمبلغ مجزي جدًا مش سهل يترفض وفي المقابل عايزني أسيب مصر وأهلي وأعيش هناك .


غمر الرعب قلب داغر وأردفت برفضٍ تام تغلفه نبرته الساخرة :

– ده مجنون ده ، فرنسا إيه اللي تسافريها وانتِ معاكِ عيلين ؟ سيبك منه ده شكله مفكر إنك واحدة متحررة وكل حاجة عندها عادي .

هكذا أرادته أن يثبت لها صحة رفضها لذا تنهدت بعمق تومئ له مردفة :

– فعلا ممكن يكون أخد عني فكرة زي كدة ، أنا بس استغربت عرضه وبصراحة اتفاجئت بعرض زي ده ، أنا لسة في بداية الطريق وربنا مَن عليا وكرمني من وسع فمحتاجة أفهم الحكمة من حاجة زي دي وفي التوقيت ده ؟

أردف يؤكد لها ما يحاول إثباته لنفسه :

– الحكمة إنك تتحديه طبعًا بس وانتِ هنا في مصر ، تحاولي توصلي صوتك وصوت أي ست مظلومة وحقوقها ضايعة ، تتكلمي عن اللي المفروض يكون عليه الوضع وزي ما كتابك اتشهر في الوطن العربي سهل يتشهر برا كمان وصوتك يوصل .

نهض يربت على كتفها ويتابع بمغزى وقلق يراوده خاصة حينما وجدها مازالت شاردة :

– روقي انتِ بس وقومي يالا اقعدي معانا برا وماتفكريش كتير ، انسي اللي قاله يا ديما ده واحد مفكر كل حاجة سهلة .

أومأت له وتركته يغادر ثم زفرت ونهضت تتحرك نحو الخارج لترى صغيريها وتنتظر يسرا التي هاتفتها وأخبرتها أنها آتية لرؤيتها .

❈-❈-❈

عاد إلى فرنسا وإلى منزله وإلى وحدته وصقيع فؤاده .

جلس خلف مكتبه في دار النشر يتذكر تلك المصرية وفي يده قصتها يقرأها للمرة الثانية ويبحث داخلها عن شيئ معين .

عرضه عليها لم يأتِ من فراغ ويعلم أنها لن تقبل بسهولة ولكنه أرادها أن تتحداه ، سيفتح لها المجال لتثبت نفسها أمام المجتمع الأوربي وتريهم هل حقًا المرأة العربية هي الأقوى والأنجح والتي تنفرد بالتميز أم أنها كلماتٍ كتبت على ورقٍ فقط !.

ابتسم حينما تذكر التذكار الذي انتشله منها قبل رحيله ، لم يُعرف بأفعالٍ متهورة قط ولكنه أراد أن يثبت لها أنها ستأتي ، عاجلًا أم آجلًا ستأتي .

زفر بقوة ووضع الكتاب جانبًا ثم التقط هاتفه يتفحصه وينظر نحو المنشور الذي نشره صباح اليوم ، ترى هل رأته وفهمت معناه ؟

❈-❈-❈


نزل داغر إلى الورشة ليباشر عمله بعد عودته من المصنع الذي أصبح العمل به مملًا ولكنه يتحامل على نفسه .

خاصةً وأن ذلك الماجد يتعمد دومًا إثارة غضبه ولأنه يوقن أن البقاء هنا له بات يتجاهله ويؤدي عمله فقط .

دلف فوجد صالح قد سبقه ويفحص إحدى السيارت فألقى السلام عليه واتجه يرتدي مريول العمل ثم ذهب نحو سيارة أخرى ليفحصها وتساءل :

– الحاج عامل إيه يا صالح ؟

أجابه صالح وهو منشغلٌ فيما يفعله :

– حالته مش عاجبيتني يا داغر ، هو بيقول إنه منيح بس أنا عارف أبويا ، دعواتك .

بدا الحزن على ملامحه وزفر يجيبه :

– ربنا يشفيه ويبارك فيه ، إن شاء الله خير وشوف لو محتاج أي حاجة إحنا موجودين .

– تسلم .

انشغلا في عملهما والصبية حولهما لتقف بعد دقائق سيارة اشتاق لقائدتها ، لم يرها منذ عدة أيام لدرجة أنه قرر أن يتجاهلها فهي من اختارت أن تبتعد لذا فحينما هاتفته اليوم لم يجبها .

أتت وتوقفت أمامه تطالعه بنظرات ذات مغزى قبل أن تترجل ، لو أن للنظرات صوتًا لصرخت عيونهما معترفة بحب كلٍ منهما للآخر .

أطرق رأسه بتوتر وشعر بنبضاته تكاد تخترق قفصه لذا زفر بقوة واعتدل حينما ترجلت واتجهت ترحب بصالح الذي أومأ لها باحترام واستمر في عمله .

خطت حتى توقفت أمامه وسألته وفي عينيها لمعة احتياج :

– مش بترد عليا ليه يا داغر ؟

هو أضعف من أن تواجهه إحداهن خاصةً إن كان ينبض القلب لها ، أضعف من تحمل هذا ، الآن يمكنه الاعتذار لها بدلًا عنها ولكنه تذكر تخليها وبُعدها عنه لذا أبعد عينيه يجيبها بجدية جديدة عليها :

– أبدًا يا آنسة بسمة انشغلت في المصنع شوية ، إنتِ عارفة إني لازم اهتم كويس وإلا ماجد بيه ممكن يضايق .

نطق الأخيرة بمغزى فزفرت بضيق وأشارت له نحو المقاعد تسأله :


– ممكن نقعد ونتكلم ؟

مسح على وجهه فهو لم يكن يريد ذلك ولكنه أومأ وتحرك معها وجلسا فاسترسلت بعتابٍ مبهم :

– إنت عارف أنا روحت الشركة ليه ؟

استند برأسه على ذراعه يجيبها :

– الشركة شركتك والمصنع مصنعك وإنتِ براحتك تقرري عايزة تبقي فين .

تعلم أنه حزين لهذا أتت لتوضح له لأنه ذو أهمية كبيرة لديها ولا تعلم لأي مدى ستصل هذه الأهمية وتعلم أنها ستظل تتألم هكذا ولكن لا فرار من ذلك لذا أردفت موضحة :

– هما 3 شهور بس يا داغر وهرجع المصنع تاني ، هضبط الأوضاع في الشركة وأرجع تاني وماجد هيتنقل لإدارة فرع اسكندرية وأنا أقنعت أونكل بده ، خليك مكاني في المصنع المدة البسيطة دي ، أنا مستحيل أثق في ماجد بعد اللي شوفته في الشركة ، أنا ثقتي فيك إنت ومش عايزاك تزعل مني صدقني أنا بنفذ وصية بابا .

حن قلبه بمجرد أن أنهت كلماتها لذا توترت نظرته من حولها فتابعت بعيون لامعة لمعانها تخفيه بصعوبة خاصةً وأن القلب هنا يؤدي دوره على أكمل وجه :

– ياريتني أقدر أبعد عن كل المحيط اللي أنا فيه ده ، ياريت ينفع أسيب كل حاجة وآجي أعيش وسطكوا هنا ، مع خالتو منال وديما ودينا ، صدقني ده اللي بتمناه بس صعب جدًا للأسف ، وصية بابا ماقدرش أفرط فيها ، تعبه طول سنين عمره ماقدرش أسيبهم يضيعوه باستهتارهم .

تبدل حزنه وغضبه وحل محلهما الدعم والاحتواء الذي أتت لتتنعم به فأجابها بثقة :

– اعملي الاتنين وماتخليش في نفسك حاجة وأي حد هيتعرضلك يواجهني ، نفذي وصية والدك وتعالي اقعدي مع خالتك منال وديما ودينا زي مانتِ عايزة ، يحمدوا ربنا إن معاهم بنت بميت راجل زيك محافظة على حالهم ومالهم ، هما عارفين كويس أنهم من غيرك ضايعين .

لمح فرحة دعمه وتشجيعه تتراقص في عينيها فزفر يؤنب نفسه على اتخاذ موقف منها لذا تابع يراوغ :

– وبعدين أنا مش زعلان منك يا بسمة أنا بس بتخنق من أسلوب اللي اسمه ماجد ده ، بيفضل يتشرط وعامل نفسه فهيم وهو بهيم .

ضحكت عاليًا ضحكة رنانة فانتعش على إثر ضحكتها وغمز لها بغيرة تلقائية يشير نحو صالح والمارة ويردف :

– بس خلاص مايصحش كدة .


تحمحمت تنهي ضحكتها وتابعت بسعادة بعدما حصلت على رضاه :

– سيب ماجد عليا أنا هكلمه ، وأنا أصلًا فهمته إني مدياك كل الصلاحيات بس هو رخم شوية .

نظر لها باستنكار معبرًا عن الكثير والكثير من ثقل الدم فعادت تبتسم ليردف بغيرة تختفي بين طيات نبرة هادئة :

– ماتتكلميش معاه يا بسمة أنا هتجاهله علشان خاطرك ، بم إنه يعني هيسيب المصنع والقاهرة كلها ، الحمد لله كثيرًا .

عادت تضحك وعاد يغمز لها حيث أنها تمتاز بضحكة أنثوية عالية يسمعها من في الأرجاء وهو يغار ويتمنى ذات يوم ألا يسمعها سواه .

❈-❈-❈

غادرت يسرا بعد أن وضحت لها سبب انشغالها عنها وسردت لها موضوع رحمة كاملة وتقبلت ديما عذرها بكل حبٍ .

وها هي تجلس ليلًا مع والدتها على سريرها وأصابعها تتوغل داخل خصلات صغيرتها النائمة ، تحدثها والدتها عن مشاعرها وتشجعها وتخبرها كم هي فخورة بها .

أردفت منال بنبرة حنونة لتستشف هل تحمل ابنتها نفس مشاعرها :

– إنتِ أخدتي الخطوة الصح يا ديما ، كان لازم تعملي حاجة لنفسك ، طول عمرك بتفضلي الكل عليكي بس لاء يابنتي ، اللي بيظلم نفسه ظالم ، وكفاية اللي شوفتيه في حياتك ، بلاش تبقي زيي ، كل مرة تلاقي فرصة صح استغليها ، أنا بندم على فرص كتير أوي ضيعتها من عمري والنتيجة دلوقتي إني بقيت أكره الليل اللي بيحسسني بالوحدة ، اوعي تبقي زيي مهما حصل .

شعرت بما تحاول منال توضيحه خفيةً لذا أردفت بقناعة :

– يا ماما الوحدة أفضل مليون مرة من وجود شخص مؤذي في حياتي ، أحط دناغي على المخدة وأنام لوحدي أحسن من إني أنام بقهر وحزن وكبت ممكن ماقومش بعده تاني وأنا أكتر واحدة جربت الشعور ده كويس وعِشته ، أنا هعيش لعيالي وبس ومش عايزة ولا هفكر أدخّل حد حياتي .

اختلج قلب منال بالغصات وهي ترى ابنتها تنجرف وعلى شفا السقوط في الحفرة التي سقطت فيها لذا أردفت بنبرة شبه متوسلة تحاول إقناعها بالمنطق ودفعها بعيدًا عن تلك الحفرة :

– اسمعي اما أقولك يا ديما ، في الأول إنتِ كنتِ شابة صغيرة بعدتي عن دراستك وعن الناس وانجبرتي على كمال من غير أي خبرة ليكي في الحياة وطلع إنسان قليل الأصل وماقدرش نعم ربنا عليه ، بس دلوقتي إنتِ كبيرة وعقلك كبير ، عندك ولادك هما أولوياتك وتجربتك السيئة دي هتعلمك تختاري صح ، عالم الكتابة والقراءة اللي دخلتيه ده هيعلمك تختاري صح ، سنك وسفرك واختلاطك بالناس هيعلموكي تختاري صح ، بلاش تحكمي على نفسك حكم صعب يابنتي هتندمي عليه أول ما ولادك يكبروا ويبعدوا عن حضنك ، اسمعي مني وعيشي الحياة اللي قلبك يدلك عليها وماتخافيش طول مانتِ مسلمة أمورك لربنا ، قربي منه أكتر وادعي وانتِ ساجدة إنك تقابلي شريك حياتك اللي يهون عليكي تعب الدنيا ويحتويكي مش يشمت الناس فيكِ .


أمعنت النظر في عيون والدتها التي تلأتلأت بالغيوم لتسرع في احتضانها ، منال تعاني كثيرًا وبرغم أنها تطيب خاطرها إلا أن لا أحد يشعر بها سوى الله ، منال تريد أن تمد أولادها بما لم تستطع تحقيقه آنذاك ، لا تقول ليت الشباب يعود يومًا ولكنها تقول لابنتها أن اليوم لن يعود أبدًا لذا لا تفوتكِ فرصة .

❈-❈-❈

تنام في كنفه بسعادة وراحة بعدما حلت مسألة ديما ، كانت تحمل على عاتقها حزنها منها ، تعلم أنها لن تجد صديقة مثلها لذا فكان عليها أن تراضيها .

يحتويها ويهمس في أذنها كم يحبها وكم يشعر بالامتنان لوجودها في حياته وكان على وشك النوم قبل أن يستمعا إلى رنين جرس الباب لتنتفض يسرا بفزع علىإأثره لذا ربت عليها يطمئنها وترجل يردف بنزق وهو شبه متأكدًا :

– دي أكيد رحمة .

ارتدى مئزره وخطى للخارج يفتح الباب ويطالعها ليجدها تطالعه بعيون جاحظة والألم يفتك بها قائلة بأنفاس متقطعة :

– الحقني يا دياب أنا بولد .

اتسعت مقلتيه ولم يعد يعرف ماذا يفعل فأسرع ينادي على يسرا بصياح فأتت مهرولة بعدما ارتدت مئزرها تطالع رحمة التي تقف بصعوبة تتلوى وعلى وشك السقوط فأسرعت تسندها وتسحبها للداخل لتريحها على الأريكة والأخرى تبكي وتستنجد بها قائلة :

– أنا بولد ، ألحقوني أبوس إيديكم مش قادرة ، حاسة إني بموت .

تشتتت يسرا كليًا ونظرت لدياب الذي يقف بحيرة لم يواجه هذا المشهد من قبل ، حاول لملمة حيرته واتجه إلى غرفته ليهاتف الطبيب ويسأله عما يفعلوا .

نظرت يسرا إليها لتجدها تئن بألمٍ حاد و تستجديها مسترسلة :

– فيه ميه نزلت كتير ، أنا خايفة أوي .

أسرعت تربت على كتفها وتطمئنها بخوفٍ أصابها لا تعلم مصدره :

– متخافيش ، أنا هغير هدومي واجيلك علطول .

أسرعت يسرا نحو غرفتها لتبدل ثيابها وترى ماذا هما فاعلان مع تلك الرحمة التي ألقت مسؤوليتها على عاتقهما .

لم يمر سوى ساعة حتى توقف دياب أمام المجمع الطبي كما أخبرهما الطبيب الذي سيلحقهما هناك ، دلفا يساعدانها وهى تئن وتصرخ من الألم الذي اشتد عليها وأسرعا بإدخالها لتأخذها الممرضة منهما وتساعدها بالدخول إلى غرفة العمليات كي تلد .


❈-❈-❈

بعد عدة أيام .

وضعت رحمة صغيرها الذي أطلقت عليه اسم قصي ، ساعداها دياب ويسرا في كل شيء إلى أن استردت عافيتها ولكنها باتت أنانية في حبه خاصةً مع يسرا التي لاحظت ذلك .

لم تعد تريد مساعدتها ، لم تعد تحتاج لها بل قررت أن تهتم بالصغير بنفسها ، صبت عليه جُل اهتمامها للدرجة التي جعلتها تخشى عليه من قبلة حنونة من شفتي يسرا التي آلامتها هذه الأفعال كثيرًا لذا قررت ألا تذهب إليها بعد ذلك أبدًا وتطوي صفحتها وتعتبر ما فعلته معها طول فترة حملها هو معروفًا سيجازيها الله عنه وهذا كان حديث دياب لها .

ودعت زوجها الذي غادر للعمل صباحًا وجلست على الفراش تتصفح هاتفها لتحاول الالتهاء به بعدما عادت الوحدة تسكن قلبها بعد ذهابه وغيابه عدة ساعات عنها وهي تتنمى وترجو الله كل ثانية أن يرزقها طفلًا يكون هو كل أمنياتها في الحياة .

❈-❈-❈

استيقظت على رنين هاتفها فتقلبت في نومها واستلته من جوارها قبل أن يوقظ الصغار لتجيب بتحشرج :

– ألو ؟

– ديما ؟ لسة نايمة ؟

تعجبت حينما سمعت صوت يسرا لتتساءل بعيون ناعسة :

– أيوة يا يسرا ، فيه إيه ؟

زفرت يسرا ولا تعلم كيف تخبرها بما رأته عبر الانترنت ولكنها مضطرة للقول لذا أردفت :

– ديما فيه محامي منزل فيديو بيتكلم عنك وعن كتابك .

تبخر نعاسها في لمح البصر ونهضت بملامح مترقبة وتساءلت :

– ، بيتكلم عني ! بيقول إيه يا يسرا ؟


لا تعلم كيف تخبرها بالأمر ولكنها استرسلت موضحة :

– بصي أنا كنت متابعة صفحة محامي مشهور وكنت قاعدة بتصفح على الموبايل واتفاجئت إنه بيتكلم عنك وعن كتابك وبيقول إنه هيرفع قضية لإنك بتهاجمي قانون الأحوال المدنية في الكتاب وأنه بيهدد استقرار المجتمع وبيعمل زعزعة في البيوت ممكن تزود نسب الطلاق .

جحظت لا تستوعب كل ما قالته يسرا وهزت رأسها تردف باستنكار :

– أنا ؟! أنا عملت كل ده ؟ كذب طبعًا .

أجابتها يسرا بثقة وتأكيد تردف :

– أكيد ماحصلش بس ده محامي كبير ومش سهل إزاي وصل لكتابك وليه قال كدة ؟

نهضت على الفور تخطو للخارج والهاتف في يدها تنادي على شقيقها طالبةً نجدته حيث اتجهت لغرفته ومن صدمتها نسيت أن تغلق المكالمة لتبقى يسرا على الخط وتسمعها وهي تردف :

– داغر الحقني ، في حد بيهاجمني وعايز يبلغ عني وعن كتابي .

اضطرت يسرا لإغلاق الخط بدلًا عنها بعدما أصابها الحزن وقررت المجئ إليها بينما انتفض داغر من نومته يتساءل بصدمة :

– حد مين وليه ؟

ارتدت على الأريكة بتشتت واستيقظت منال على صوتهما واتجهت تتساءل ووقفا حولها يسألانها وهي تتفحص الهاتف وتحاول الحصول على ذلك الفيديو مسترسلة :

– مش عارفة ، يسرا قالت كلام غريب أنا ماعملتوش ، استنوا هشوف .

جلست تبحث تضغط على رابط الفيديو الذي أرسلته لها يسرا ليظهر أمامها محامي يجلس خلف مكتبه ويتحدث برسمية مطلقة وتوعد :

– السلام عليكم ، طبعًا بعد الشهرة الكبيرة في الوقت القليل اللي وصل ليها الكتاب ده كان لازم أجيبه وأعرف بيتكلم عن إيه بالضبط والحقيقة إني لقيت فيه أخطاء قانونية كتيرة جدًا ، الكتاب ده زي ما اتقال عنه إنه واو ومذهل وبيعبر عن وجع وقهر وظلم كل ست هو بردو بيهاجم قوانين في المجتمع وبيزعزع الأسرة ، الكاتبة هنا بتنتقد قانون الأحوال المدنية وإن إزاي الشخص النرجسي مالوش عقاب ، في نفس الوقت بتشجع على الخلع وهدم البيوت وده اللي أصلًا مش ناقصنا ، إحنا عندنا كمية خلع وطلاق في أعلى مستوياتها ومش ناقصين ، ياريت قبل ما اضطر آخد إجراء قانوني تطلع الكاتبة المحترمة تشرح وجهة نظرها أو تعتذر عن اللي صدر منها وتعترف إنه مش مقصود وإلا أنا هطالب بوقف نشر الكتاب في مصر لإن قراءته خطأ كبير .


أغلقت الفيديو ورفعت نظرها تطالع شقيقها ووالدتها بصدمة ليردف داغر بنبرة غاضبة :

– ده محامي إيه ده ؟ ده هو اللي شكله نرجسي ، زعزعة أسرة إيه المتخلف ده ؟

ارتدت منال تجاور ابنتها وتردف بنحيب :

– استر يارب ، جيبها خير يارب وماتشمتش حد فينا ، حسبي الله ونعم الوكيل .

اتجه داغر ينتشل هاتفه ليهاتف المحامي الخاص بهما وجلست ديما مشتتة لا تصدق انقلاب الأمور رأسًا على عقب .

❈-❈-❈

ليلا يجلس كمال على فراشه يتصفح هاتفه ، هبت على عقله نسمات ديما كالعادة ، يتذكر أيامها معه .

يتابع سرًا نجاحها وما وصلت إليه بعد تحررها منه وهذا يغضبه ويأجج داخله نيران ذكوريته ، انجذاب الناس حولها يخنقه ، الكلمات الرائعة التي تتلقاها عن روايتها تعد جرعة مكثفة من سمومٍ يتجرعها فتنهل من معدته ونفسيته .

لا يتقبل فكرة نجاحها بعده ، لقد أراد أن تعاني وتشتاق له ولكن …..

هو الذي يعاني خاصة مع زينة التي سيطرت تمامًا على حياته ومنزله ونقوده ولم يعد يستطيع أن يعترض أو أن يثور وإلا نال منها مالا يطيقه .

سمع صوت الباب يغلق فعلم أنها صعدت من عند والدتها لذا أغلق دفتر تفكيره حتى لا تلاحظ ليجدها أمامه تدلف تتغنج في مشيتها حتى جلست جواره تردف بغيرة مسمومة جعلتها كالحرباء :

– شوفت اللي حصل مع الهانم ؟

قطب جبينه وتساءل بترقب كأنه استشف مقصدها :

– هانم مين ؟

لم تجبه ولكن عبثت بهاتفها وأعادت تشغيل الفيديو الخاص بالمحامي أمامه وقالت بانتشاء من مهاجمتها خاصةً بعدما عاشت الويلات من نجاحها وشهرتها :

– اسمع وشوف المحامي ده بيقول إيه عنها وعن كتابها .

التقط الهاتف منها وجلس يستمع بدقة لكلمات المحامي عن كتابها ، تزين محياه بابتسامة فهذا ما كان يفكر به ورفع نظره إلى زينة التي ابتسمت أيضًا تردف بتشفي :


– شوفت ، علشان تعرف إنها مكانتش تنفع تتجوز ، دي من اللي بيقولوا عليهم نسويات ، تروح بقى تعيش حياتها كدة من غير راجل يشكمها .

برغم أن هناك صوتًا يستنكر ما قالته عنها إلا أن غروره النرجسي فرح بالحرب المقامة عليها والتي ستجعلها تعترف بأنها اخطأت لذا أومأ يردف بحماس :

– أنا عايز أجيب الكتاب ده واقرؤه وأعرف هي كاتبة فيه إيه ؟

لكمته في كتفه بعنف تستطرد بصياح :

– عنك إنت يا حنين ولا تجيبه ولا تقرؤه ولا ليك دعوة خالص ، أنا هجيبه واقراه وابقى اقولك على اللي الهانم كتباه ، علشان لو المحامي ده محتاج شهود نبقى في الخدمة

أومأ وهو يدلك كتفه ثم تمعن فيها وأردف بنبرة مسايرة :

– صح كدة ، بس العيال ؟

طالعته باستنكار ثم ضحكت ضحكة ساخرة وأردفت :

– عيال ؟! عيال مين يا حبيبي اللي مش طايقين يشوفوك وبيخافوا منك ؟! ، ابنك اللي في بطني يا كمال غير كدة دول عيالها وبس وساقيين من طباعها .

أومأ يتذكر نظرات طفليه له وخوفهما منه الذي يثبت صحة كلام زينة وأنها من المؤكد زرعت العداء في قلبيهما من ناحيته ولهذا هو أيضًا سيخلع محبتهما من قلبه إلا إذا ….

❈-❈-❈

في اليوم التالي وبعد نصيحة المحامي الخاص بها اتجهت مع داغر إلى مكتب المحامي المدعي لتتحدث معه في جلسة ودية وترى ماذا يريد منها .

جلست أمامه ويقابلها داغر ثم تحمحمت وتساءلت بنبرة واضحة وثقة :

– ممكن حضرتك تفهمني إيه الجملة اللي ذكرتها تهدد زعزعة الأسرة زي ما قولت ؟ ، إيه القوانين اللي هاجمتها ؟

جلس المحامي يطالعها بتمعن وتحدث بنبرة هادئة وهو يوزع نظره بينها وبين داغر الذي يباغته بمقلتين غاضبتين :

– إنتِ ذكرتي إن جمعيات حقوق المرأة كلها بلا هدف وبلا قيمة وفي المقابل إنك اتمنيتي يبقى فيه قانون يعاقب الراجل النرجسي وإن من آمن العقاب أساء الأدب وده معناه إن القانون المصري غير عادل ، ده غير أنك بتحرضي الستات على أزواجهم لمجرد شوية مشاكل بتحصل بينهم ، وكمان ذكرتي إن الشخص النرجسي انتشر جدًا ونصحتي بالابتعاد عنه وماتطرقتيش تمامًا إن فيه شخصيات نسائية نرجسية ، كمان قضية الخلع اللي ذكرتي إنها الحل اللي ممكن الست تلجأ ليه لو مافيش حلول ولا هو علشان إنتِ خلعتي جوزك عايزة الكل يعمل زيك ؟


تعمد استفزازها لتهز رأسها بدفاع :

– لا طبعًا ، حضرتك اللي قرأت بعين ناقد بتحاول تتصيدلي ثغرات بس مافيش أي حاجة من دي أنا كتبتها بالطريقة اللي بتتكلم بيها غير إن فعلًا الشخص النرجسي لازم يتعالج ويكون فيه قانون بيجبره على التأهيل النفسي ومن ضمن الحلول اتمنيت يبقى فيه قانون قبل الجواز يضمن إن الشاب والبنت يتعرضوا على أخصائي أسري علشان فيما بعد حياتهم تكون صح وماحدش فيهم يكره التاني ، وأيوة انتقدت جمعيات حقوق المرأة لإنها شايفة إن متطلبات الحياة فلوس وبس وبرغم كل اللي بتوفره للمرأة إلا إنها تجاهلت تمامًا تكوين الست وفطرتها اللي ربنا كونها بيها وهي إنها هتفضل طول عمرها محتاجة للأمان البعيد تمامًا عن المادة ، حضرتك واضح جدًا انك ماقرأتش كتابي صح .

ابتسم شاكر وأردف ببرود :

– لاء قرأته كويس جدًا وشايف بردو إنه خطر على المجتمع .

تعجبت من اتهاماته التي لا تمت لها بصلة وأردفت مدافعة باستفاضة :

– يعني إيه خطر على المجتمع ؟ وهو اللي بيقهر زوجته وتموت وتسيب أولادها مش خطر ؟ اللي بيقتل زوجته لمجرد إنها رفعت عليه دعوة خلع مش خطر ؟ اللي بيقتل أولاده علشان خاطر مراهنات قمار على النت مش خطر ؟ ، طيب ليه حضرتك مارفعتش دعوة على الإعلاميات اللي بيطلعوا يشجعوا الراجل إنه يستعبد الست ؟ ولا اللي بيطلعوا يشجعوا الست إنها تتطلق عند أول مشكلة ؟ ليه جاي تهاجمني أنا مع إن كل الحلول اللي قدمتها في كتابي كانت بعيدة عن تفكك الأسرة وإن ده حصل يبقى بعد محاولات كتير للصلح وفشلت ، ليه بتهاجم كتابي وساكت عن كتب كتير ضد المرأة ؟

تنهد بعمق وصمت لهنيهة ينظر عليها ثم نظر لشقيقها الذي يمنع نفسه عنه بصعوبة بالغة ويترك لها المجال لتعبر ، أردف بنبرة هادئة تحمل في طياتها الكثير :

– اللي عندي قلته ووضحته ، مدام ديما إنتِ مش مقدرة خطورة قلمك على المجتمع المصري اللي مش محتاج أصلًا تحريض ، والسبب الأول اللي خلاني اقرأ الكتاب إنه انتشر بشكل كبير جدًا في وقت قليل وأنا راجل قانون ومن واجبي أتحرى عن أي حاجة ممكن تهدد استقرار الأسرة ، أنا بطالب إنك تطلعي تعتذري عنه وتوضحي إن فيه حاجات كتير كتبتيها بشكل مبالغ وإلا أنا آسف مضطر أرفع دعوة قضائية وأطالب بوقفه .

نهض داغر يباغته بنظرة عدائية ويردف بغضب :

– ارفع زي مانت عايز وإحنا كمان هنثبت إن كل كلامك غلط واختي مش هتعتذر بالعكس أنا راجل أهو وبقولك كل كلمة قالتها في كتابها صح مليون في المية واللي مضايقاه أوي روايتها يبقى هو لا مؤاخذة اللي راجل عنده عُقد .


نهضت ديما تحاول تهدئة شقيقها قبل أن يسوء الأمر بينهما ليتجاوز المحامي كلمات داغر وينظر نحوها وهي تردف قبل أن تغادر :

– خلاص يا أستاذ شاكر يبقى اللي بينا القانون ، أنا مش هعتذر عن حاجة مقتنعة بيها جدًا ، عن إذنك .

❈-❈-❈

في الشركة الصينية .

ارتفع رنين هاتف مكتب دينا لتنتشله وتجيب بعملية وعينيها منكبة على الحاسوب :

– اتفضل يا فندم .

أجابها لوتشي بلغة فصحى :

– هل يمكن أن تأتي دينا ؟

زفرت ببعض الضيق وأجابته بجدية مطلقة بعدما بات يناديها كثيرًا دونًا عن غيرها :

– تمام يا فندم .

أغلقت وادعت أنها تستل بعض الأوراق ثم تحركت خارج المكتب تتجه إليه وسط نظرات فرح التي تلاحظ كل شيء كما يلاحظ شريف لذا ما إن غادرت حتى بدأت تغتابها وتوجه حديثها إلى شريف الذي تسلطت عينيه على أثر دينا :

– صدقتني بقى يا شريف ، قلتلك فيه بينهم حاجة ، أومال يعني اشمعنى هي اللي كل شوية بينادي عليها بسبب وبدون سبب .

تعمدت قول هذا لأنها وقعت في حب شريف الواقع في حب دينا ، لتباغتها مايسة بضيق لأنها لا تحب النم أو الغيبة ولكنها فضلت الصمت فأجابها شريف بضيق وغيرة تجليا في نبرته وعلى ملامحه :

– المفروض هي توقفه عند حده ، يعني إيه كل ساعة يطلبها ! أنا هبلغ المدير العام .

حذرته تمنعه بتوجس :

– لا طبعًا تبلغ إيه ! دول يرفدونا عادي جدًا ويعينوا بدالنا عشرة ، سيبك منها خالص أنا بس حبيت أأكدلك اللي بيحصل خلف الأبواب المغلقة .

قالتها بابتسامة خبيثة وهي تعاود العمل لتزفر مايسة وتستغفر ولكنها أيضًا صامتة فالجدال مع فرح لن يثمر ولن يفلح بل أنخا ستعرض نفسها للانتقادات.


❈-❈-❈

دلفت دينا مكتب لو تشي بعدما طرقت الباب ووقفت باحترام في منتصف الغرفة تطالعه وتنتظر حديثه الذي باتت تعلمه وعلى ملامحها يتجسد الانزعاج لذا ابتسم حين رأى انزعاجها الذي جعلها ساحرة أكثر فنهض يخطو أمام مكتبه وتوقف قبالتها يتساءل بنبرته :

– ما سبب هذا الانزعاج ؟ هل أزعجتكِ ؟

تريد أن تكون عملية ورسمية في التعامل معه خاصة وأن نواياه غير معلومة ولكنها أيضًا لا يمكنها غض الطرف عن أفعاله لذا نطقت بوضوح :

– يا فندم حضرتك عارف إني زميلة لتلت موظفين غيري بس إنت ولا مرة كلمت حد منهم يجيلك ، دايمًا أنا ، ممكن أعرف السبب ؟

– وهل هذا يزعجكِ ؟

تساءل وهو يتكتف ويطالعها عن كثب فأجابته بصدق :

– أيوة ، بيزعجني وبيزعجهم ، أنا بصراحة مش شايفة سبب للتمييز ده .

هز رأسه يجيبها بثبات :

– بلا ، هناك سبب .

قطبت جبينها وتساءلت بعينيها ليتابع بتنهيدة قوية :

– دينا أنا قررت أخذ خطوة جادة في علاقتنا ، أي أنني أريد أن أطلب يديكِ من عائلتكِ .

فرغ فاهها وتوسعت حدقتيها لا تصدق ما سمعته ليبتسم ويتحرك عائدًا إلى مكتبه ثم جلس وتنفس بعمق بعدما قرر مصارحتها لذا تابع :

– أعلم أنني في الآونة الأخيرة بت أتصرف بطريقة غير مناسبة معكِ ، خاصة وسط زملاءكِ لذا قررت أن آخذ خطوة جادة وأتحدث معكِ أولًا ثم مع عائلتكِ ، ما رأيكِ دينا ؟

توغلها التوتر من كل حدبٍ وصوب وانتشر لون الخجل على ملامحها لتتحمحم وتجيبه بنبرة مهتزة :

– حضرتك فاجئتني .

– لا داعي لحضرتك .


قالها بلطفٍ فتوترت أكثر وتنفست بعمق كي تسيطر على الحالة التي أصابتها لذا أردفت :

– بصراحة مش عارفة أقولك إيه ؟

فاجأها بالفعل وسقطت كلاماته على عقلها فشتته ووقع في الحيرة ليجيبها بثبات :

– هل يمكنكِ أخذ موعد لي مع عائلتكِ ؟

وقفت تحدق به بتعجب ، إنه جاد جدًا ، يريد أن يرتبط بها ؟ لقد اتخذ الطرق المستقيمة نحوها لذا نطقت بخجلٍ مختلطٍ بجدية :

– أديني فرصة أفكر ، بعد إذنك .

غادرت بعدها مكتبه تطلق العنان لأنفاسها فلم تصدق ما حدث ، اتجهت عائدة إلى مكتبها وقد قررت تجاهل نظرات فرح وشريف لها بل أنها ادعت الانشغال بالعمل عبر الحاسوب وعقلها يجول بلا هوادة في متاهة كلماته وطلبه .

❈-❈-❈

اثناء طريق عودتها مع شقيقها

جلست في السيارة لا تصدق الذي يحدث معها ، لا تصدق تلك التهم الموجهة إليها من قِبل ذلك المحامي الذي لم تعلم من أين ظهر .

برغم حزنها الجلي إلا أنها تريد أن تضحك ساخرة مما تواجهه ، يتهمونها بأنها تهدد استقرار الأسرة ؟

لقد سعت لتشيد جدرانًا مشروخة من كل جهة ولكنها حاولت ، حاولت أن تصبر على أذاه ، تتخطى قسوته ، تغض الطرف عن مشاعرها نحوه ، حتى خيانته كانت ستغض الطرف عنها لأجل استقرار صغيريها على أقل تقدير استقرارًا ماديًا ولكنه لم يساعدها في ذلك قط ، جُل مساعداته كانت في هدم الجدار .

يقود داغر بعقلٍ شارد ، لا يصدق ما يحدث مع شقيقته التي ابتسم لها الحظ فجأة وانقلبت الموازين فجأة رأسًا على عقب .

رنين هاتفها أخرجها من أفكارها لذا التقطته تحدق به لتجده رقمًا دوليًا لم تميزه بسبب تشتت عقلها وظنت أن ليان تهاتفها لتطمئن عليها لذا تنفست بعمق وأجابت بنبرة حزينة على وشك البكاء :

– أيوا يا ليان ؟

– أنا ثائر ذو الفقار .


جحظت حينما استمعت إليه ، نبرته وصوته و … اسمه .

أصابها الذهول لثوانٍ ونظرت إلى شقيقها المنشغل في أفكاره لتعاود التحدث مردفة بنبرة متعجبة :

– إنت جبت رقمي منين ؟

صمت لبرهة ثم تحدث بنبرة مقنعة :

– بما إني كاتب مصري فتواصلت مع دار النشر اللي بتتعاملي معاها وطلبت منهم رقمك ، الموضوع مش صعب .

تباطأت أنفاسها وهي تتساءل عن سبب اتصاله داخلها قبل أن تسأله بنبرة خافتة :

– نعم ؟ سمعاك .

كان قد انتبه داغر لها يوليها وجهه حينما تساءلت عن كيفية حصول المتصل على رقمها ولكنه عاد يقود بصمت وترقب .

زفر ثائر وأردف بنبرة هادئة :

– أنا اللي عايز أسمع رأيك ، سيبتك تفكري في موضوع الشغل معايا هنا ، ها فكرتي ؟

لم تجبه بل عجزت عن الرد تقطب جبينها متعجبة منه ومن اتصاله ومما يحدث معها برمته وحينما طال صمتها استطرد بنبرة غامضة :

– صدقيني يا ديما دي فرصة مش هتتعوض ، معقول مش حابة تكوني صاحبة رسالة وتطلقي العنان لقلمك يعبر عنك وعن أفكارك ؟ يالا خدي القرار مافيش وقت وإلا العرض هيروح لكاتبة تانية غيرك .

نظرت لشقيقها الذي طالعها يسألها بعينيه فهزت رأسها بحيرة لم تواجهها من قبل ثم تنهدت وأردفت بنبرة تائهة في بحرٍ ملغم بالعواصف :

– الموضوع مش سهل .

أجابها بثبات ظاهري يبرع في رسمه سواءً كان في نبرته أو ملامحه :

– بالعكس الموضوع ماشي بكل سهولة معاكِ ، علشان كدة لازم تفكري كويس وتاخدي قرار .

نظرت لشقيقها ثم للأمام وكل ما يحدث معها جعلها تردف بعد ثوانٍ :

– سيبني أفكر .


 

google-playkhamsatmostaqltradent