رواية الحصان و البيدق الفصل السابع عشر 17 - بقلم ناهد خالد
" منا من يسير نحو الهاوية بإرادته،" قد ترى الجملة مُريبة" لكنها واقعية جدًا، كالذي وقف على حافة جبل يتأرجح بين الناحية والأخرى، هل لك أن تراهن عليهِ بالنجاة! هو اختار أن يقف هناك" على قمته" برغبته، لذا حين يسقط سيكن قد لقى حتفه بإرادته..
وفي واقعية الحياة هناك من يتأرجح بين الهاوية والأرض الثابتة.. بأفعاله، بخطواته، بقراراته الخاطئة، وحينها يكن غافلاً.. غافلاً عن أن النهاية قد تكن نهايته! "
في اليوم التالي... عصرًا..
تتبع خطوات سيره وهو يتجه لمكتبه والأخير خلفه بالقرب منه يهمس:
_ بس يا باشا الوضع بقى خطر ومش هتعرف تتهرب اكتر من كده، من يومين دياب شك فيها وشكله هيبدأ يدور وراها.
_ هي اتهربت منه ازاي يومها؟
قالها وهو يدلف من باب مكتبه الذي فُتح بفعل السكرتير الخاص به والذي سبقه ما إن علم بدلوفه الشركة، اجابه "طارق" :
_ عملت نفسها تعبانة ودايخة وحاسة بصداع، ولما سألها قالتله إن بقالها يومين ضغطها واطي وصحتها مش كويسة، فقالها انها اخر مرة هيسمحلها تتغيب عن شغل، بس هي حست انه مصدقهاش.
جلس خلف مكتبه على مقعده الوثير باسترخاء، وضرب بأصابعه فوق المكتب بحركة رتيبة، ثم أخبره:
- عمومًا خليها بس تمشي امورها يومين، بعد اليومين هتكونوا سافرتوا.
سأله "طارق" بقلق واضح:
_ بس يا باشا هم اكيد هيعرفوا بسفرنا!
نظرة حادة رشقه بها وهو يقول:
_ ليه هو انا بلعب!
توتر مجيبًا:
_ مقصدش يا باشا، اكيد حضرتك مظبط الدنيا.
حدقه بنظرة عابرة مستنكرة قبل أن يفتح الملف الذي امامه وهو يقول:
_ تمام، سبني بقى عشان عاوز انجز شغلي وامشي.
ابتسم بفكاهه مستدعيًا اواصر صداقتهما قائلاً:
_ حاضر، حاكم انا ملاحظ انك مبقتش تحب تغيب عن البيت كتير.
رفع عيناه له بتحذير زائف:
_ عندك مشكلة! ماهو كله بيصب في مصلحتك، الأول كان شغلك بيعدي ال ١٦ ساعة، واغلب اليوم كنا بنبقى بره، دلوقتي اليوم كله مبيكملش ٦ ساعات شغل بين بليل وبالنهار.
رفع كفيهِ مستسلمًا، وقال بصدق:
_ ده في مصلحتي جدًا، الأول كنت بروح مهدود ويومي كله ضايع في الشغل، دلوقتي معظم اليوم فاضي فبقيت اقدر انا كمان امشي أموري..
وغمز بالاخيرة ليتبين مقصده ألا وهو "زيارة هاجر" فبات يقضي معها وقتًا أكثر، وبات يراها يوميًا تقريبًا، واكمل حديثه:
_ كانت فين الهانم من زمان، لو كنت اعرف انها هتشقلب الحال كده، كنت دورت عليها بنفسي مع الرجالة.
وحديثه اعاده لتلك الفترة العصيبة التي لم يفلح في ايجادها بها، تلك الفترة التي شعر فيها انه لن يجدها، واحيانًا ورغم يقين قلبه كان يتملكه اليأس غصبًا، فيشعر باستحالة ايجادها، وأنه لن يجتمع بها يومًا، ويا للطف القدر الذي جمعهما ثانيًة، فكم كان رحيمًا بهِ، وكأنه يعلم أن قلبه لن يستمر إلا بها، وحياته لن تكون من غيرها، ليهديه تحقيق حلمه الذي طال انتظاره.
تنهد بقوة شاعرًا برغبة عارمة في الذهاب إليها الآن واحتضانها، الشعور بها وبوجودها، فقد شعر بوحشة في قلبه وكأن ذكرياته زعزعت حقيقة كونها موجودة بالفعل وأصبحت معه، وكأن قلبه خشى.. ولن يطمأنه سوى الشعور بها.
وهو فيما يخصها "مجنون" وهو يعلم، فنهض فجأة، تحت نظرات "طارق" المندهشة والمتعجبة وهو يراه يلتقط هاتفه وحافظة نقوده، ويتجه للخروج قائلاً:
_ ين*** معرفتك يا طارق.
فهو من أقام الفكرة في عقله، ليجعله يخرج من الشركة بعدما دلف اليها بخمس دقائق! اتبعه "طارق" سريعًا بعدما فاق من صدمته وهو يهمس لذاته:
_ هو خده الحنين ولا ايه؟ ولا انا بكلامي صحيت مشاعره! يلا احسن اهو اروح اتغدى وانام تاني..
بالأسفل فتح له باب السيارة، واستقل هو المقعد الأمامي وهو يقول بتذكر:
_ صحيح يا باشا كنت قولتلي هنروح للبوص الكبير، ده امتى!؟
اجابه دون أن يحيد بعينيهِ عن الطريق:
_ من امتى ببلغك بخطوتي قبلها؟
- مش قصدي، بس يعني هو انا هوصل حضرتك واروح؟
لمعت عيناه بالخبث وهو يجيبه:
_ لا، هتفضل بره يمكن احب اخرج تاني.
رفع حاجبيه بدهشة وهو يهمس لذاته:
_ يعني مفيهاش راحة!
____________
يجلس في غرفتهما وقد شعر بالخواء التام بعد ذهابها، كان يعلم أنه سيفتقدها، لكن ما باليد حيلة، فقد عفاها من مصير مظلم، ورحمها من طريق طويل ستسيره معه دون أن تحصد في النهاية، لا تنفك جملة زميله بالعمل تتردد على أذنه حين أخبره بالحقيقة الكاملة، ولا ينسى كل ما دار بينهما من حديث، وشعوره حين اخبره..
_ باهر انا محبتش اقول للمدام الحقيقة، قولتلها ان في مشكلة ويمكن تتحل بالعلاج، لكن أنت صاحب الشأن ودكتور وفاهم، مش هينفع اخبي عليك الحقيقة...
_ باهر للأسف التحاليل اثبتت إن نسبة العقم عندك عالية ٨٠٪، وفي الحالة دي نجاح العلاج مبيعديش ١٠٪ وبياخد وقت طويل جدًا.. أنا أسف إني بقولك ده، بس مش هينفع اخبي عنك اللي بيقوله الطب، لكن إرادة ربنا طبعًا فوق كل شيء، ولازم تحاول.
ربما سيحاول، لكنه لن يربطها بهِ، لن يعذبها معه، يحرقها بنار الانتطار والتمني، يعطيها أمل ويسحبه منها لاحقًا، ومن حديث الطبيب كمجمل، شعر بصعوبة حالته للدرجة التي تجعله في عين الطب حالة ميؤسة، ولكن الطبيب أراد ان يعطيه بعض الأمل..
هو من اختار نهاية علاقتهما، هو من القى بنفسه في الهاوية، لكنه مرغم... وعقله هداه إلى أن هذا الحل الأمثل.. يعفيها ويعفي نفسه من انتظار سخيف تليه نتيجة بائسة..
____________________
_ يعني برضو مش عاوزه تقولي اطلقتوا ليه؟
هتفت بها جدتها "سميرة" وهي تنظر لها بقلب مفطور على حالتها البائسة، فمنذ أتت لها وهي لا تكف عن البكاء، والحزن يبتلعها.
_ معلش يا نينا، مش حابة اتكلم، انا جيت هنا ومحبتش اروح عند بابي عشان محدش يسألني عن حاجة ومش حابة انهم يعرفوا دلوقتي.
تفهمت "سميرة" الوضع لتقول:
- ماشي يا حبيبتي مش هضغط عليكي، بس قوليلي وطمنيني هو أذاكي؟ عملك حاجه؟
نظرت لها بدموعها الغزيرة وهي تنفي برأسها:
_ بالعكس، ده طلقني عشان مصلحتي، فاهم انه كده عمل اللي فيه صالح ليا.
ظهرت الحيرة على وجه "سميرة" اكثر، وهتفت بعدم فهم:
_ لا إله إلا الله هو ايه اللي حصل بس! طيب استهدي بالله يا حبيبتي وقومي اغسلي وشك وتعالي اطلبي غدا بقى لاحسن هموت من الجوع..
وقبل أن تعترض كانت تسبقها:
_ ووالله ما هاكل لقمة من غيرك، ويبقى ذنبي في رقبتك لو مت جعانة..
نهضت وهي تقول بهدوء:
_ بعد الشر عنك، حاضر.
تابعت دلوفها للداخل ثم قالت بحزن بالغ على حالتها وما حدث لها:
_ يارب هدي النفوس واصلح حالها يارب.
_________
في سوهاج...
ربطت على فخذها تسألها بهمس حتى لا يسمعهما الجالس امامهما:
_ جوليلي كيفك مع جوزك؟
نظرت لها بجانب عيناها واكتفت برد ساخر:
_ اسأليه هو، يمكن الخدامة مش عجباه.
حدقتها بحدة واضحة قبل أن تقول لها:
_ لمي نفسك يا بت وردي زين، وفيها ايه يا روح امك لما تكوني خدامة لجوزك! كلنا خدامين لجوازنا، مانتيش اول ست تخدم جوزها.
وفي لحظه كانت الدموع توخز مقلتيها، وامتلأت عيناها بالدمع الذي حجزته خلف اهدابها وقالت بكسرة نفس واضحة:
_ خدامة بس! ولا خدامة و ****.
جحظت عينا "سُرية" وهو تسمع اللفظ الذي اطلقته، من أين لها بلفظ هكذا! "فريال" متحفظه في الفاظها وحديثها، ولا يمكنها ان تعلم لفظ كهذا لا يعلمه سوى ذوي الأخلاق الفاسدة، سألتها بأعين متسعة بصدمة:
_ أنتِ بتجولي ايه! من ميتى وأنتِ تعرفي الالفاظ دي وتجوليها!؟ أنتِ اتجننتي اياك؟ وازاي تجولي على نفسك اكده من اصله؟
نزلت دموعها بلا هوادة وهي تهمس لها باختناق:
_ مش انا اللي جولت..
وتلقائيًا اتجهت نظرات "سرُية" للجالس أمامهما، والقائل معروف، ولكن السؤال لِمَ نعتها بلفظ قبيح كهذا؟ وكيف استدعاه الموقف؟؟
_ ايه اللي حوصل عشان يجولك اكده؟
سألتها بصرامة، لتجيبها "فريال" بتعب:
_ مش مهم.. صدجيني مش مهم.
واكتفت بالصمت، و"سُرية" صمتت، لتشرد "فريال" فيما حدث ليلة أمس في أسوء ليلة مرت عليها، وكأنه يعاندها، أتى متأخرًا، مخمورًا كالليلة السابقة، وحينها لم تستطع الصمت كسابقتها، لتحاول الحديث معه وبين شد وجذب علىَ صوتها، فوجدته ينهال عليها ضربًا كما لم يفعل من قبل.. ثم... ثم سبها بالفاظ تأذت لها مسامعها، وكأنه لا يراها، كأنه يرى أخرى كي ينعتها بتلك الالفاظ التي ليست فيها، وانتهى الأمر بها ملقية بجوار الفراش انفها وشفتها ينزفان، وخصلات شعرها لا تشعر بها، ناهيك عن كدمات زرقاء اخذت تأخذ محلها في ذراعيها وصدرها...
وصباحًا استيقظت "خديجة" على مكالمتها لها، لتجدها منهارة في البكاء بشكل لا يوصف، وبين شهقاتها سردت لها ما حدث، لتستشيط "خديجة" غضبًا وتسألها سؤال واحد " ماذا تنتظر بعد؟" ورغم وضوح السؤال إلا أن الإجابة كانت صعبة، فطال صمتها على الجهة الأخرى، لتفقد "خديجة" اعصابها وهي تخبرها قبل أن تغلق المكالمة
" يبقى متزعليش من اللي يعمله فيكِ، لأنك تستاهلي"
ورغم قسوة جملتها، إلا أنها حملت كل معاني الصواب...
ومن حينها و" خديجة " بمزاج غير رائق تمامًا، وعصبيتها تسيطر عليها، وما زاد الأمر سوءًا علمها بخبر طلاق "باهر وجاسمين"، فحين هاتفت "جاسمين" بعد محادثتها ل" فريال" بقليل لتعلم هل علم" باهر" شيء، فقد كانت تنوي التحدث معه حيال ما يفعله الاخرق شقيقه، علّه يردعه، لتتفاجئ بجملة الفتاة الوحيدة وهي تخبرها
" باهر طلقني، وانا في بيت أهلى"
ولم تزيد، وهي لم تضغط عليها، فقد شعرت برغبتها في البقاء بمفردها، زفرت بقوة وهي تقف في مطبخ الفيلا، تعد لها كوب شاي، بعدما شعرت بصداع يداهمها، استمعت لرنين جرس الباب، لتتجه للخارج مستغربة، فالجميع بالمنزل و"مراد" خرج للتو منذُ اقل من ساعة، فتحت الباب لتتفاجئ بهِ أمامها، سألته باستغراب:
_ أنتَ نسيت حاجة؟
دلف واغلق الباب خلفه، عيناه تأكلها حرفيًا، حتى أنها توترت من نظراته، لم يجيب سؤالها وإنما سألها:
_ كنتِ بتعملي حاجة؟
اومأت مجيبه:
_ بعمل شاي، راسي مصدعة.
_ لا سيبك من الشاي، انا هضيعلك الصداع بطريقتك.
قالها بعبث ومكر لمع في عيناه، لتردد بعدم فهم:
_ طريقتي!
وتغاضى عن حديثها مرة أخرى وهو يسألها:
_ فين مصطفى و ماما؟
_ مصطفى لسه قايلي انه هينام شوية عشان راجع من المدرسة على السنتر واتغدى وفصل خلاص، وطنط قالت هتطلع تصلي العصر وتاخد علاجها وتقرأ في المصحف شوية.
سألها باهتمام:
_ ساعدتيها تتوضى؟
_ اه، اتوضت هنا قبل ما تطلع متقلقش.
اصطحبها من كفها للأريكة الموجودة في آخر الردهة، والتي من خلفها زجاج مطل على حمام السباحة، جلس وجعلها تتسطح عنوة رغم رفضها وحرجها، ووضع رأسها على فخذه، مرتبًا خصلات شعرها بيده، قبل أن يبدأ في عمل مساج بأصابع يديهِ لفروة رأسها، كما فعلت معه من قبل، والآن فهمت جملته، ورغمًا عنها استرخى جسدها المشدود واغمضت عيناها براحة، لنصف ساعة كاملة ظل على وضعه، دون تأفأف أو ملل، حتى شعرت هي اخيرًا بالوقت بعدما استفاقت من غفلتها القصيرة، فانتفضت جالسة وهي تقول بحرج:
_ اكيد صوابعك وجعتك، انا اسفة والله مش عارفة نمت ازاي.
طالعها بحنان قبل ان ينهض خالعًا عنه سترته، ووضعها على الاريكة الأخرى جالسًا مرة أخرى موضعه وهو يقول:
_مين قالك ان صوابعي وجعتني، ومين قالك قومي؟ تعالي..
قالها وهو يربط على فخذه بكفه، لترفض بخجل واضح:
- لا انا بقيت كويسة والله.
لم يريد احراجها أكثر، فاشار لها بالاقتراب فقط:
- قربي طيب.
اقتربت على استحياء حتى جلست جواره، فاقترب قاطعًا المسافة التي تركتها، ليصبح ملتصقًا بها، وفجأة طوقها بذراعيهِ لتصبح بين احضانه، مستندة على صدره برأسها وكفها وُضع تلقائيًا على بطنه، ازاد من ضمها حتى شعرت بجسدها يؤلمها بهتفت تنبهه:
_ براحة كده هتخنق.
ارخى ضمته تلقائيًا، وقال بهدوء:
_ اوقات بخاف يكون كل ده حلم، وافوق الاقيني لسه بدور عليكِ.
سألته بفضول:
_ ووقتها هتعمل ايه؟
وعفويًا ضمها اكثر، ورغم تألمها لم تتحدث هذه المرة، واستمعت له يقول:
_ هموت..
تجمدت ملامحها وجحظت عيناها بعدم تصديق، لترفع رأسها له محاولة الخروج من حضنه، ونجحت رغم انه مازال يطوقها من خصرها، وقد انخفض ذراعه الذي كان يحيط ظهره ليماثل الآخر، حركت رأسها بعدم استيعاب:
_ اكيد بتبالغ!
نظر لها قليلاً بصمت، كأنه يحاول ايصال صدق حديثه، حتى سألها:
_ ايه اكتر حاجه نفسك لو مكانتش حصلت؟
والإجابة كان يعلمها، وقد أتت كما توقع حين قالت بحزن:
_ أن سارة تكون عايشة، ومكناش عملنا اللي عملناه.
_ ولو ده اتحقق، وفجأة لاقيتِ ان كل اللي حصل محصلش وسارة عايشة؟
لمعت عيناها تقول:
_ هبقى أسعد انسانة في الدنيا.
_ ولو بعد ما بقيتِ أسعد إنسانة في الدنيا، لقيتي نفسك كنتِ بتحلمي، والوضع زي ما هو دلوقتي.
حزنت ملامحها بوضوح:
_ هتجنن، مش بعد ما اتعلقت بأمل مستحيل واتحقق ارجع للصفر تاني، مش هقدر اتقبل الحقيقة.
ابتسم ابتسامة صغيرة يقول:
_ اهو انا بقى كان لقاكي أملي المستحيل، ولو كل اللي عيشته معاكي السنتين وكام شهر اللي فاتوا حلم، مش هتجنن... هموت، ومش ببالغ، انا كنت نص ميت قبل ما الاقيكِ، كنت عايش حياتي عشان الاقيكِ، فتخيلي لما الأمل ده يضيع مني.. هبقى إنسان ميت بالكامل، والموت مش بس بطلوع الروح من الجسم، في موت أصعب بكتير أوي، وهو انك تكوني عايشة ميتة... في مشاعرك، في احساسك بالحياة في كل حاجة حواليكِ.
لم يسعها سوى أن تقول بلطف وملامحها لينة كما لم يراها من قبل وكأن قلبها رفق بهِ:
_ أنا هنا، مش حلم دي حقيقة، أنا جنبك وبقيت مراتك، بلاش تسيب نفسك لتفكيرك، وصدق قلبك اللي حاسس بوجودي.
ولم يسعه سوى إعادة احتضانها بنفس القوة، وزفر انفاسه براحة كبيرة، وقد هدأ قلبه، وبعد دقائق من الصمت، قال:
_ ايه رأيك نعمل الفرح اخر الأسبوع؟
ابتعدت عنه قليلاً تسأله باستغراب:
_ فرح؟ فرح مين؟
_ فرحنا.
_ هو أنتَ لسه مصمم؟ انا قولت انك اتغاضيت عن الفكرة.
هز رأسه نافيًا باصرار:
_ استحالة، انا بس كنت برتب الدنيا، عشان ده مش هيكون اي فرح، ودلوقتي كل حاجة واقفة عليكي أنتِ، حتى فستان الفرح انا طلبتهولك، طلبت تصميم مخصوص من باريس، بس ليكِ الحق إنك تختاري حاجه تانية لو محبتيش الديزاين، مش بفرضه عليكِ يعني، انا بس حسيت اني اتخيلتك فيه.. وغير كده كله جاهز.
شعرت بالارتباك والتوتر بشكل غير طبيعي، وظهر هذا واضحًا وهي تقول بتلعثم:
_ انا.. انا بخاف من الزحمة، وبتوتر اوي لما يكون عيون حد عليا، مش هحس اني مرتاحه لو عملت الفرح اللي بتقول عليه.
_ بصي يا حبيبتي، انا غرضي الوحيد اني اعملك فرح يليق بيكِ، وعشان الناس كلها تعرف مكانتك عندي، لكن لو مش حابة، قوليلي وهعزم بس اللي عاوزه تعزميه.
_ مش عارفه.
رددتها بحيرة وتوتر وهي تفرك كفيها، ليمسكهما بكفيهِ ورفعهما لثغره يقبل كل واحد على حدى، وهي تكاد تنصهر من كثرة التوتر والخجل، ثم نظر لها يقول:
_ متخافيش، ولا تتوتري طول مانا جنبك، وانا في الفرح مش هسيبك لحظة ومش هيكون طويل، هو ساعتين او تلاته بالكتير وهيخلص، مفيش داعي تقلقي.
هزت رأسها ومازال الارتباك والقلق حليفيها، لتسمعه يقول:
_ بكره الفستان هيكون وصل، بس مش هينفع تشوفيه هنا عشان هو هييجي على الاتيلية فهنروح نشوفه هناك عشان البنات اللي هناك يساعدوكي تجربيه ولو مش عجبك تختاري حاجه تانية... واخر الأسبوع هيكون الفرح.
_ يعني بعد ٤ ايام؟
اومأ برأسه مبتسمًا:
_ ايوه يا حبيبتي، وهنقعد هنا اسبوع كده هجيب فيهم الخدم اللي رافضه انهم ييجوا لدلوقتي، عشان لما نسافر هاني مون ابقى مطمن ان في حد هنا بيساعد اخوكي وأمي.
_ أنا مش رافضة، كل الحكاية شايفة إن مفيش داعي أنا فاضيه مش بعمل حاجة وشغل البيت مش كتير، عشان كده قولت بلاش نجيب حد، غير اني بحب اعمل كل حاجة بنفسي.
_ عندك وقت خليه لنفسك، استمتعي بيومك، متشغليش نفسك بطبخ وتنظيف وترتيب.. الحاجات دي بتاخد يومك من غير ما تحسي.. وتقدري برضو يوم ما تحبي تعملي حاجه منهم محدش هيقولك لا، بس يكون في حد تاني ملزوم يعمل، ولو عندك وقت فاضي اوي اوي.. اشغليه بيا، ولا منفعش؟
أردف الأخيرة بعبث، وهو يغمز لها بعيناه اليسرى، لتبتسم رغمًا عنها، وهي تقول بخجل:
_ خلاص اللي تشوفه.
اقترب مقبلاً رأسها بحنان عاهدته منه، قبل أن ينهض قائلاً:
_ هطلع اغير هدومي، وياريت لو تعمليلي معاكِ فنجان قهوة عشان هخلص شغلي من على اللاب.
- حاضر.
صعد للأعلى واتجهت هي للمطبخ تصنع مشروبه، وبعدما انتهت استمعت لرنين الباب، لتتجه له بتعجب اكبر من هوية الزائر، وهي تهمس:
_ ايه حكاية الباب النهاردة؟ وبعدين ما كله بقى في البيت هيكون مين ده؟
تناولت خمارها الطويل الذي يغطي جسدها باكمله ما إن ترتديه، وفتحت الباب بحذر، لترى رجل غريب لم تراه من قبل، ولكن رؤيته قبضت قلبها ولا تعلم السبب، له هيبة مخيفة، ونظراته لها اخافتها، فسألته باضطراب:
_ أنتَ مين؟
مشط جسدها باذدراء وقال بوقاحة:
_ روحي نادي اللي مشغلك اجري.
_ اللي مشغلني؟
رددتها بصدمه، لتنتفض على صوته حين هدر بها:
_ اجري يابت أنتِ هتنحيلي!!
ثم قال لذاته بصوت مسموع:
_ من امتى مراد بيشغل عنده الاشكال دي!!؟
وما فعله تاليًا ازاد من صدمتها.....!
- تابع الفصل التالي "رواية بك احيا" اضغط على اسم الرواية