Ads by Google X

رواية دموع شيطانية الفصل السابع عشر 17 - بقلم چنا ابراهيم

الصفحة الرئيسية

         

رواية دموع شيطانية الفصل السابع عشر 17 - بقلم چنا ابراهيم


 17• إنها لا حدود لها.
                              
 
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.



❀❀❀



"في عالم الحب، نحن كالطير الحائر بين فخاخ الشوق. إما أن نحب من لا يستحق حبنا، أو أن نحب من لا يقدر قيمته. وكأن القدر يلعب بنا لعبة قاسية، يجعلنا نقع في حب مستحيل، أو في حب لا يدوم."




                      

                          وفي النهاية أتمنى لكم قراءة طيبة
                      
                        
 
                    
وفي النهاية أتمنى لكم قراءة طيبة.



❀❀❀



من فم تميم عزام



مارس 2013



أي نوع من الجوائز أنتِ يا ميرا؟



كيف استطعتِ أن تدخلي حياتي المليئة باليأس، الفراغ، الشياطين، والعقل الضحل؟



كيف ظهرتِ فجأة في اللحظة التي ودعتك فيها، واللحظة التي وعدت فيها نفسي بأنني سأتخلص منكِ؟



لم أدرك مدى ارتباطي بكِ إلا عندما شعرت بقشعريرة تجري في أوصالي بمجرد سماع صوتك.



هل كنتُ مخلصًا لكِ إلى هذا الحد؟ هل كنتُ أرفض الفراق عنكِ إلى هذا الحد؟ أم كانت هذه المشاعر مجرد فخ خبيث لغرائز البقاء؟ هل كنتُ أختار التعلق بكِ والتعلق بالحياة من أجل البقاء، وأقنع نفسي بأنني وجدت معنى للحياة؟



هل كنتِ مجرد وهم يا ميرا؟ هل أنا من خلقكِ؟



كانت ليلة باردة. حتى ظهرتِ. قبل أن تلمسي جسدي، كانت النسمة الباردة كشفرة حادة من بلور الثلج. وبعد ذلك، أصبح كل شيء أكثر دفئًا ولينًا. كانت النسمة لطيفة، والأمواج هادئة، وجسدي دافئًا.



أطلق صوت أنثوي رقيق من مبنى المعهد لحن أغنية "فيروز"، فارتخى جسدي المتجمد أخيراً واستطعت أن أدير رأسي بصعوبة نحو مصدر الصوت. حينها رأيتها، تلك المرأة التي كانت كلمات أغنيتها تتحدث عنها.

  
ميرا...



المرأة التي أقسمت في نفسي بقتلها الليلة...



لم أستطع الحراك. وقفت هناك كالأحمق أمامها، عاجزاً عن الكلام أو الحركة.



"11273"، كررت هي الرقم.



جالت عيناها الزمرديتان الغامقتان عليّ بإيجاز. "أي المقعد 273 في الصف الحادي عشر الذي تشغلوا دائماً خلال البروفات"، قالت وهي ترفع حاجبيها قليلًا، وظهرت ابتسامة خفيفة متكبرة على شفتيها. "هل هناك سبب خاص لذلك؟"



تلعثمت ولم أجد ما أقوله. نسيت حتى سيجارتي بين أصابعي، ووقفت هناك لبضع ثوانٍ أتأملها بحيرة. لكنني استعدت توازني سريعاً، وقلت "لم أكن أعلم أنكِ تلاحظين ذلك". كادت كلماتي أن تخرج بشكل غير رسمي، لكنني عدلتها في اللحظة الأخيرة.



لم أستطع أن أقول لها إنني أعرفها منذ زمن طويل، وأنها أكثر شخص أعرفه في العالم. كيف أقول لها "أنتِ يا ميرا؟"



عادت لتلك الابتسامة الصغيرة الواثقة، وكانت عيناها الكبيرتان اللامعتان كالمرآة تعكس أنوار المدينة. "لنفترض أنني ألاحظك بسهولة من موقعي على المسرح. وإذا كنتَ تحاول الاختفاء، فلا يمكنك الجلوس في آخر الصفوف بينما الجميع يرغب في الاقتراب من المسرح".



توقفت عن الحركة، ولا أعرف لماذا كان من الصعب عليّ إبعاد عيني عنها. أليس الأمر وكأنني لم أر امرأة جميلة من قبل؟ لقد رأيت الكثير، لكن ميرا كانت أكثر من مجرد جمال. كان هناك شيء ما في شخصيتها، في طبيعتها الممثلة، في نظراتها الشقية، شيء مثل السم الخطير الذي يخترق النخاع الشوكي وينتشر في جميع أنحاء جسدي، شيء يجذبني بقوة ويجعلني عاجزًا عن المقاومة.



بلعت ريقي وشاهدت عينيها الخضراوين تتابع تلك الكرة الصلبة التي ابتلعتها. همهمت بوعي "لقد انكشفت".



كان عليّ أن أفعل شيئًا، لا يمكنني أن أقف أمامها كالأحمق هكذا. تحركت، ولكنني كنت مرتبكًا، لم أسبق أن شعرت بمثل هذا الارتباك أمام شخص ما. لم أكن أعرف ماذا أفعل بيدي، فتذكرت سيجارتي وأخذتها من يدي اليمنى إلى اليسرى ومددت يدي اليمنى إليها.



قلت "اسمي تميم"، واكتشفت للتو أنني أبدو متوترًا وغاضبًا.



أمسكت يدي ولم تتركها.



بابتسامة لطيفة نظرة في أعماقي قائلة "ولكنك لا تبدو متحضراً على الإطلاق كما يوحي اسمك"، ثم سحبت يدها وتركتني مجدداً في البرد.



استغربت قولها هذا وكأنها تعرفني، وحاجبتي متجعدة سألتها بفضول "هل تعرفيني؟".



ماذا تعرف عني؟ إلى أي مدى تعرفني؟ بالطبع، حياتي ليست معروضة للجميع، لكن فكرة أن شخصًا ما قد جمع معلومات عني كانت تقلقني.



لماذا؟ لماذا سألت عني؟ هل ستجدني شخصًا مثيرًا للاشمئزاز؟



بدت تستمتع بتساؤلاتي، لكنها أخفت ذلك. قالت "يعرفك الجميع".




        
          
                
لم أستطع إلا أن أعتبر ذلك تهديدًا. فالناس الذين يعرفونني لا يعرفونني جيدًا. ماذا سمعت عني؟ هل سمعت أشياء سيئة؟ لكنها كانت تبدو غير جدية لدرجة أنني ظننت أنها تمزح معي وتتعمد إيذائي، ومع ذلك، فإن ثباتها جعلني أعتقد أنها جادة.



كان عليّ أن أجد مخرجًا، لا أستطيع أن أتركها تعتقد عني هذا. لا أستطيع أن أخسرها، أو أؤذيها، أو أخيفها.



شعرت بتوتر واضح داخلي، وكنت سأقول "لا أعرف ما سمعتِ"، لكنها قاطعتني بلا مبالاة، "سمعت الكثير، يا محامي"، وقفت متقاطعة الذراعين وكأنها طفلة شقية تلعب بقطعة صوف، مستمرة في لعب العبة العقلية معي، "وليس كل ما سمعته جيدًا".



لم أجد ما أقوله. كيف أشرح لها أنني عشت حياة مليئة بالصعاب، وأنني عملت في أعمال قذرة مع أشخاص أسوأ، وأنني كنت أستخدم لساني الحاد كسلاح؟ كيف أشرح لها أنني كنت مجرد محامي يدافع عن المتهمين، بغض النظر عن جرائمهم؟ شعرت بالعجز أمام عينيها الخضراوين.



تلاشت الكلمات من شفتي. فكرت في الدفاع عن نفسي، في الكذب، في الادعاء بأنني رجل طيب. لكن كلماتها جعلتني أشك في نفسي، تخيلت أنها ستبعد عني. لماذا يهمني رأيها؟



ألم أكن على وشك الانتحار؟ لماذا أهتم بما ستفكر فيه؟ لقد كنت على بعد خطوة واحدة من إنهاء حياتي، لكنها ظهرت أمامي.



انحنيت برأسي، فوجدت عينيها الخضراوين تحدقان بي. شعرت بالقلق، ربما كانت تعرف أكثر مما أعتقد. ربما كانت شرطيّة سرية. على الرغم من ذلك، أردت أن أخبرها أن كل ما تعرفه عني ليس صحيحًا بالكامل.



ساد بيننا صمت دام لبضع دقائق ونحن نتأمل البحر. كانت ميرا تُهمس لحن الأغنية بصوتها الحلو الرقيق، تتأرجح في مكانها على كعبها العالي.



كانت سيجارتي قد انطفأت، ونسيتها هناك، لكنني تذكرتها عندما شعرت بنظرات ميرا تتفحص يدي. ألقيت السيجارة بعيدًا. كانت أصابعي، وخاصة مفاصلها، مليئة بالجروح والخدوش. كانت آثار شجار مع داوود، ربما. كل تلك المشروبات الكحولية التي كنت أتناولها أبطأت من شفاء الجروح. على الدوام، كانت يداي تبدوان وكأنهما خرجتا لتوي من مشاجرة.



لاحظت نظراتها المتسائلة، فقبضت على يدي ووضعتهما في جيبي. قلت "من البرد"، "لقد تشققت".



رفعت عينيها إليّ بنظرة لطيفة. قالت "أعتقد ذلك". وسكتت لحظة.



لماذا كانت هنا؟ لماذا لم تغادر؟ هل أردت أن تغادر؟ لا، كنت أرغب في أن يتوقف الزمن وأن تبقى هنا إلى الأبد.



كنت أتأملها دون أن تشعر. كنا جنبًا إلى جنب، صامتين، نواجه البحر. كانت أقصر مني بقليل، لكنها كانت أطول من متوسط الطول. كانت نحيفة ولكنها ليست ضعيفة، وكانت عيناها كبيرتان ودائرتان، بريئتان كعيني الغزال، لكن نظراتها كانت مختلفة. كانت تحمل معنى عميقًا، وكأنها توبيخ قوي. كانت مزيجًا من الحزن والشجاعة والمرح، طفلة برية وقوية في نفس الوقت.




        
          
                
"أنت لم تسألني عن اسمي"، قالت وهي تنظر إليّ، فاستيقظت من شرودي. لقد تخليت عن خطابي الرسمي فجأة، ولم أستطع أن أجد الكلمات المناسبة لأرد عليها.



"بالطبع تعرف، لكن كان يجب أن تسأل"، قالت بسخرية مزيفة. "ميرا"، قالت الاسم، لكنها لم تكمل. لم أكن أعرف اسم عائلتها، فقد قررت في الليلة التي حاولت فيها البحث عنها أن أتوقف عن ذلك. كنت أعرف أنني سأدمنها، وأنني لن أتمكن من الابتعاد عنها.



رفعت رأسها ونظرت إليّ جانبيًا. "ستستمر في حضور عروضاتي، أليس كذلك؟" سألت بلطف.



شعرت بفراغ كبير في صدري. "أنا..." ترددت. "لا أعتقد ذلك".



عبست بخفة. "هل سترحل؟"



أومأت برأسي. "إلى مكان بعيد".



"بعيد جدًا؟"



"بعيد جدًا لدرجة لن أتمكن من العودة"، قلت بصوت جاد.



ضحكت ضحكة خفيفة، أقسم أنني اعتقدت أنها جزء من إحدى مقطوعاتها الموسيقية. كان صوتها حلوًا ولطيفًا لدرجة أنه أذهلني. كانت تضفي عليه حياة ونشاطًا، وكأنها تلعب بي دون رحمة. 



"لماذا تتحدث وكأنك ستنتحر؟" سألتني، فتفاجأت بهذا الهجوم المباشر. تداعت الكلمات في ذهني ولم أستطع تكوين جملة مترابطة.



"أنا... لا. سأسافر إلى الخارج"، قلت لتصحيح كلامي.



ظلت تنظر إليّ بهدوء، ثم سألت: "بماذا؟".



استغربت سؤالها، فقلت مترددًا "لا أعرف... بالطائرة".



قاطعتني مرة أخرى "ماذا ستفعل؟ هل ستستخدم سلاحًا؟ أم ستقفز من مكان مرتفع؟ هل ستفعل ذلك الليلة؟".



تفاجأت بصراحتها، وبلعت ريقي. يبدو أنها فتاة جريئة وذكية ومدركة لما يدور حولها.



قلت مباشرة "سلاح".



ساد صمت قصير بيننا. فكرت قليلاً، وبدت عليها ملامح الجدية. ثم سألت "كيف يمكنني إقناعك بالتراجع عن هذا القرار؟".



لم تسألني لماذا أريد الموت، بل سألتني كيف يمكنها إقناعي بالتراجع. لم أتوقع هذا، فشعرت بالارتباك أكثر. تسارعت ضربات قلبي. 



"هل تريدني أن أعيش؟" سألتها، وأنا أحاول أن أبدو واثقًا من نفسي.



بدت سؤالي سخيفًا. "لماذا أريدك أن تموت؟ أنت تبدو شخصًا جيدًا."



أردت أن أقول لها إنها مخطئة، لكنني بقيت صامتًا. هل أنا شخص جيد؟ حتى في طفولتي لم أكن بريئًا، كنت مجرمًا.



ولكن ميرا لم تسمع هذه الصرخة الداخلية، والتفتت إليّ وقالت "تميم"، كان نطقها لاسمى غريبًا ومثيرًا. "دعنا نتفاهم. لن تقتل نفسك".




        
          
                
رفعت حاجبي. "وماذا في المقابل؟"



بدت وكأنها لم تتوقع هذا الطلب، وترددت للحظة، وظهرت على وجهها ملامح التفكير والقلق. هذا جعلني أتأملها بشغف.



أخيرًا، قالت بحماس "يمكنك حضور جميع عروضاتي مجانًا. ستجلس في الصفوف الأمامية". 



يبدو أنها كانت تعتقد حقًا أنها توصلت إلى فكرة عبقرية. فوجئت بابتسامتي اللاإرادية، وشعرت بالحرج. هززت رأسي وركزت.



نظرت إليّ بشك. "أليس هذا مكافأة مغرية؟" سألتني وكأنها على وشك الغضب.



قلت "يبدو الأمر يستحق العيش". لم أكن آخذ عرضها على محمل الجد، اعتقدت أنها تحاول فقط إقناعي لأنها تعتبرني شخصًا جيدًا. كنت مستعدًا لإنهاء الموضوع.



لكنها كانت جادة. نظرت خلفها، ثم تحركت فجأة. "سيكون هناك عرض جديد بعد ثلاثة أيام"، قالت بحماس، "ستكون هناك، أليس كذلك؟ في الصفوف الأمامية".



كنت سأعترض، لكنها قاطعتني بسرعة "لقد وعدت! ستأتي مهما حدث. إلى اللقاء". ثم استدارت وابتعدت بسرعة.



كان هناك رجل ينتظرها عند البوابة. لقد تعرفت عليه على الفور، إنه سائقها المسن الذي يأتي ليأخذها دائمًا. نظرت إليهما، ولاحظت نظراته المشككة موجهة نحوي. رددت عليه بنفس النظرة.



"من كان ذلك الرجل؟" سمعته يسأل، ولم يحاولا إخفاء حديثهما عني.



تنهدت ميرا بضيق. "لن تخبر أبي، أليس كذلك؟" عندما استدارا للمشي. "أرجوك، إنه مجرد متفرج. محادثة عادية."



نظر الرجل إليّ مرة أخيرة. "حسنًا"، قال، "تعالي، السيارة تنتظرك."



"بيننا سر."



"بالطبع، تفضلي."



"لقد وعدت."



"أعلم، أعلم، لكنني أردت تذكيرك."



استمررت في مراقبتهما. شاهدتهما وهما يتجاوزان الجدار ويستقلان السيارة. كان هذا روتينًا اعتياديًا، رجل آخر يجلس في المقعد الأمامي، وهو أيضًا أحد العاملين لديها.



لم أكن أهتم كثيرًا من قبل. كنت أعتقد أنها مجرد فتاة من عائلة أرستقراطية، فنانة. لم أكن أهتم بسائقها أو حراسها الشخصيين. لكن الآن، أدركت أن هناك شيئًا ما غريبًا في هذا الوضع.



هل كان والدها متشددًا جدًا؟



ميرا كانت تحصل على تعليمها، وتمارس فنها، وتلبس ما تشاء، وكانت حرة في الكثير من الأمور التي قد يعارضها أي والد متشدد. ربما كانت المشكلة هي الغرباء؟ قد يكون لدى عائلة ثرية مثل عائلتها الكثير من الأعداء، وكانوا بحاجة لحمايتها. لقد رأيت الكثير من الأمور التي قد تحدث لبنات العائلات الغنية، ولم تكن ممتعة على الإطلاق.




        
          
                
وبينما كنت أقود دراجتي، امتلأت رأسي بالكثير من الأفكار. شعرت بشعور غريب لا يمكن وصفه، تمامًا مثل الشعور الذي انتابني عندما رأيتها لأول مرة. مثل الليلة التي قررت فيها عدم الانتحار بسبب لافتة إعلانية.



ميرا كانت مثل السم، كانت تدخل سمها في عروقي وتجعلني أنسى نفسي، وتخرج من داخلي شخصًا لا أعرفه.



لا أعرف لماذا غيرت رأيي مرة أخرى وقررت الذهاب إلى الحفل. لابد أنني كنت مجنونًا. هل الجنون هو أحد آثار التفكير في الانتحار؟



لم أكن أنظر إلى عداد السرعة، كنت أسابق الريح في الشوارع الجانبية، وكأنني أندمج مع الزمن. كانت يداي ترتعشان، ربما بسبب الإثارة، وكانت ابتسامة عريضة لا أستطيع كبحها تنتشر على شفتي، رغم أنها بدت غريبة على وجهي غير المعتاد على الضحك. كنت أضحك وأنا أسير على دراجتي بين المنعطفات الحادة، وأتفكر في المشكلة التي أوقعتني فيها ميرا. كيف استطاعت أن تهز كياني بهذه السهولة، وأن تنقذني من هاوية اليأس ببضع كلمات نظرات؟



ميرا تريدني أن أعيش...



❀❀❀



اليوم الرابع.



عندما دخلنا مع داوود إلى الجزء المخصص للحانة في النادي، لفت نظرنا أوزان جالسًا على أحد المقاعد. كانت الساعة متأخرة من المساء، وكان قد بدأ للتو في شرب أولى جولات الخمور. كان شابًا طويل القامة، بشعر مائل للحمرة، ووجهه نظيفًا مرصعًا بالنمش. عند رؤيتنا، وقف وسلم على داوود بابتسامة عريضة، وكان يرتدي كما عادته سترة جينز ممزقة بشكل مبالغ فيه. كان يعتبر نفسه عصريًا، لكن داوود كان يصفه بأنه زير نساء.



قال أوزان لـ داوود مازحًا "لقد أغضبت طلال مرة أخرى".



اقترب داوود من البار وأشار إلى البارمان. "وهذا ما يجعلني غاضبا حقا".



جاءت المشروبات، وقدم لي البارمان كأسًا من الويسكي الاسكتلندي. قال داوود بنبرة ساخرة "بهذه المعدل، ستدخلون في مشكلة كبيرة".



بدت على أوزان علامات الاستمتاع. همس داوود بنبرة مكتئبة "ربما يستمتعون بذلك". ثم شرب كأسَه دفعة واحدة.



رفع أوزان حاجبيه بمرح وقال "لو كانت هناك مجلة مخصصة لعصابات المافيا في تركيا، لكان طلال على غلافها، أليس كذلك؟ أنت تتحدث هكذا إلى رجل قضى في عالم الجريمة ضعف عمرك. لو سمعوك، لقطعوك إلى قطع صغيرة. لقد فعلنا ذلك من قبل، قطعنا ذراع رجل..."



"أعلم"، قاطع داوود حديثه.



"حتى المرفق"، قال أوزان.



"مهما يكن"،



"حتى أنه أجبرنا على تنظيف الماكينة"،



"هل ستسكت أخيرًا؟"




        
          
                
"هل أنت خائف؟" سأل أوزان بتهكم ثم وضع الكأس الفارغ على البار.



اجتمعت حواجب داوود بغضب وتوترت ملامحه. "ليأتِ كما يشاء! هل أخشاه أنا؟"



"ستصبح لحمًا مفرومًا بسبب كلامك هذا."



ساد صمت قصير، وكنا نشرب خمرنا وننظر إلى المارة والجو العاصف في الخارج. كنت غارقًا في أفكاري، وشعرت بعدم ارتياح غريب. كان هناك شعور ينمو بداخلي، لكنني لم أتحدث.



كان لدى ميرا حفلًا موسيقيًا أمس.



الحفل الذي طلبت مني حضوره ووعدتها بذلك، لكنني لم أذهب.



كنت غاضبًا، غاضبًا من نفسي ومن سيطرتها عليّ. كنت غاضبًا لأنها تستطيع أن تؤثر على قراراتي إلى هذا الحد، حتى قرار إنهاء حياتي.



أنا لم أذهب.
لم أستطع الذهاب.



كانت الساعة تشير إلى العاشرة، وكانت قطرات المطر تتساقط على المدينة التي تهب فيها نسمة هواء خفيفة في أزقتها.



كان ذهني مع ميرا، يجب أن تكون الآن في البروفة حسب روتينها المعتاد. كنت أشعر بالقلق، وكان هناك دفء ينتشر في صدري أعرف أنه ليس ناتجًا عن الكحول. لاحظ داوود ذلك، فقد كانت عيناه عليّ منذ فترة.



سألني "هل هناك مشكلة ما؟"
أدركت في تلك اللحظة أنني أطرق بقدمي على الأرض وأنني بدوت متلهفًا وعصبيًا قدر الإمكان.



"لا"، لكنني لم أصدق هذا حتى أنا.



هل يجب أن أذهب إلى ميرا؟



لماذا بدت ميرا وكأنها ملاذ الآن؟ أم أنني كنت أرتكب خطيئة دون أن أشعر بالذهاب إليها بعد الجرائم التي ارتكبتها في جحيمي الخاص؟



شارك أوزان قائلًا "إذا كانت هناك مشكلة، يمكننا حلها".



كنت أشك في أن ميرا كانت مشكلة يجب حلها.



ومع ذلك، قلت "أوزان"، "كيف تخلصت من إدمان الميثامفيتامين؟"



عقد حاجبيه. "لماذا؟"



"لدي إدمان يجب أن أتخلص منه أيضًا."



مرَّ تعبير ما على وجهه. هز كتفيه. "كنت على وشك الموت ليلة بسبب جرعة زائدة، فقلت لنفسي، أريد أن أعيش."



قلت متذمراً، وكان داوود يصغي إلى حديثنا "أنت لا تساعدني".



حك أوزان لحيته الناميه. وقال "نحن بشر بلا قيمة في الحياة يا تميم". "ليس من السهل التخلص من الهروب الوحيد الذي يشغل عقولنا. لا يوجد الكثير من الأشياء التافهة التي تبقيك واقفًا على قدميك في القاع، أليس كذلك؟ مهما قلت، مهما ألقي خطابًا في مؤتمر TED، ستظل ترغب في ذلك وستسقط في ذلك البئر."



كان داوود يعقد حاجبيه وهو يستمع إلى أوزان. صاح "ماذا تقصد؟ إذن هل يستمر في الاستخدام حتى يموت؟"




        
          
                
قال أوزان "ليس الأمر وكأنك تتحدث عن أشياء أسوأ".



رد داوود "لا تعبث معي الآن"، ثم التفت إليّ مرة أخرى. "ماذا تستخدم بحق الجحيم؟ من أين أتى هذا الآن؟"



تنفستُ نفسًا عميقًا وأنا أتأمل الأغصان التي تصطدم بالنوافذ وقطرات المطر. تركت مشروبي نصفًا وقمت، كانت عينا الاثنين عليّ.



قال داوود بنبرة متعجرفة "أنا اتكلم معك".



أجبته متجاهلًا "اهتم بشؤونك". قالوا شيئًا ما ورائي لكني لم ألتفت ورحلت.



خرجت، لم يكن المطر قد هطل بعد، كان يترشح بلطف ويتساقط على الناس الذين كانوا منتشرين في الشارع كالنمل. كانت دراجتي خلفِي، قفزت عليها بدافعٍ لا إرادي وبدأتُ بالسير على الطرق المبتلة.



كنتُ قد قلتُ لنفسي إنني لن أذهب إليه، ربما أتجول قليلاً، أو أعود إلى المنزل لأبتعد عن المدينة، أو ربما أخرج من المدينة تمامًا، لكن طريقي انتهى عنده مرة أخرى.



كانت الأضواء مطفأة، كان التدريب قد انتهى وكان الجميع قد ذهب إلى بيوته. لكني لم أرغب في المغادرة هكذا، ولذا ذهبت إلى ذلك الشاطئ خلف المسرح. تنفست الهواء النقي وبدأتُ في مراقبة البحر بصمت كما أفعل دائمًا.



ثم فوجئت بضربة مفاجئة على مؤخرة رأسي.



لم تكن ضربة قوية، حتى أنها لم تحركني من مكاني، لكنها كانت غير متوقعة ومفاجئة. وما إن سمعتُ صوت سقوط الشيء الذي ضرب مؤخرة رأسي حتى تحولت يداي اللتان كانتا في جيبي إلى قبضتي. التفتُ إلى الخلف بارتباك، وبروح قتالية جاهزة تمامًا. كنت سأجعل أي شخص كان وراء ذلك كيس ملاكمة لأفرغ فيه كل غضبي.



وقال كيس الملاكمة "أنت،" ونظرت في عيني بغضب، "أنت أناني للغاية تميم عزام!"



ميرا...



كانت تقف أمامي هناك، متفاجئة وغاضبة في نفس الوقت. كانت ترتدي فستانًا سميكًا به تمزق صغير عند ركبتيها، وكان شالها ملقى على كتفها، وكانت إحدى حذائها القصير الأسود ذي الكعب العالي مفقودة.



كان الحذاء الناقص يقع على الأرض بالقرب مني تمامًا. لقد رمته علي للتو.



لم أكن جاهلًا، لقد وقفت هناك بينما كان يزداد غضبها وغضبها بسبب عدم ردة فعلي. قالت "قلت لي إنك ستقتل نفسك"، وأتت خطوة واحدة غير متوازنة نحوي بسبب عدم وجود حذاء. "اعتقدت ربما تحتاج إلى أمل صغير، أو فرع تتشبث به، أو شخص يهتم بك، ولذلك دعوتك إلى حفلتي. ووعدتني".



قلت بهدوء "لم أعد".



اجتمع حاجبها النحيفان وتشوه وجهها بغضب طفولي. قالت "وعدت! لم تعترض وأقنعتك! قلت لك لن تقتل نفسك، حتى ولو كان شيئًا صغيرًا، سيكون دافعًا للعيش. ربما لبضعة أيام، للعيش قليلاً".




        
          
                
كانت عينيّ على قدميها الحائرتين. قلت "الأرض باردة، قدمك ستتجمد".



اجتمع حاجباها استياءً من تجاهلي لكلامها، وخلعت حذائها الآخر بسرعة ورمته نحوي. كان بإمكاني أن أمسكه لكنني تركته يصطدم بصدري ويسقط على الأرض.



وقالت وهي تلاحظ أن أنفها وخديها احمرارا من البرد "كنت قد خصصت لك مكانًا في الأمام!" هل كانت ترتجف في ذلك الفستان؟ كانت ساقيها عارية في هذا البرد وكانت ترمي أحذيتها حولها كالمجنونة.



بلعت ريقها بصعوبة واتجهت نحوي خطوات قليلة. وقالت بصوت مرتجف "ولم تأتِ إلى حفلتي. اعتقدت أنك قتلت نفسك"، واجتمع حاجبيّ على ارتجاف صوتها. كنت أعتقد أنها غاضبة فقط لأنني لم أحضر الحفلة.



لكنها استمرت بجهد متوتر "ربما لا أعرفك جيدًا، لكن هل تعرف مدى الشعور بالذنب الذي يشعر به المرء عندما يفكر، كنت أستطيع إنقاذ شخص من الموت لكنني فشلت والآن هو ميت؟"



لم أجب. كانت تفصل بيننا خطوات قليلة. توقفت وتجعدت ذقنها وكأنها تكبت البكاء، كانت تضغط على شفتيها وتقبض على يديها.



سألته بنبرة حزينة "ألم تفكر أبدًا في أنني قد أشعر بالمسؤولية؟" أغضبها صمتي وأحزنها، وظهر على وجهها الجميل عناد طفولي. واستمرت في الشرح قائلة "لو كنت أقنعتك بشكل أفضل لربما لم يكن ميتًا الآن، هذا كل ما كنت أفكر فيه طوال الحفل".



كنت أنظر في عينيها وهذا كان يجننها؛ كانت تريد أن أنظر إلى الأسفل وأن أفتقر إلى الشجاعة للنظر في عينيها، وأن لا أجد وجهًا لأقابله.



قالت دون أن تتابع ما تقوله "وبسببك... لم أستطع العزف على القطعة بشكل صحيح، شعرت بالارتباك وفسدت العزف المنفرد. لقد جن جنون أستاذي". وأضافت "كان وجهي على الملصقات، كيف يمكن لنجوم العرض أن يرتكبوا مثل هذا الخطأ السخيف ويحرجوا المؤسسة بأكملها هكذا... لن أكون في العزف المنفرد القادم، ولن أكون في أي عزف منفرد مرة أخرى".



تجهمت وجهها ودارت لتمسح بسرعة دمعة حاولت إخفائها. وقالت "أنت محق"، ثم أضافت "لقد وقفت هناك مثل الحمقاء أفكر في ما إذا كان قد قتل نفسه أم لا، قدمت عرضًا فظيعًا للجمهور. يجب أن أشكر الله على أن المدير لم يطردني".



تصلبت كالصنم. لم أكن مستعدًا لأي شيء منها ولم أستطع الرد. كنت أفكر في أنني دمرت أمورًا مهمة بالنسبة لها.



ولكنها اعتقدت أن صمتي يعني أنني لا أهتم بها، فـ مدت يدها ودفعتني في صدري. صرخت بصوت حاد "إذا كنت ستقتل نفسك حقًا ولم تكن تبحث عن من ينقذك، فلماذا أخبرتني في البداية؟!" وأضافت "سأعاني من عذاب الضمير بسببك طوال حياتي!"



ساد صمت قصير، كانت تنتظر إجابة مني، لكن كل ما تمكنت من قوله هو "آسف".



اعتبرت أنني أهنتها، واجتمع حاجباها النحيفان. قالت بنبرة خشنة "لا تأسف". وأضافت "فقط لا تقتل نفسك يكفي".




        
          
                
انتظرت لتقيس رد فعلي، وكأنها تريد اختبار صبري على ثباتي، ودفعتني مرة أخرى بيديها، لكن هذه المرة بدافع الدفع فقط.



قالت بتوبيخ "لقد أخبرتني، أليس كذلك؟" وأضافت "لذلك لا يمكنك أن تفعل ذلك. ماذا لو وجدت عائلتك أنني آخر شخص تحدثت إليه بعد موتك واستجوبوني؟ ماذا سأقول لهم؟ هل سأقول إنني كنت أعرف كل شيء وكان بإمكاني منعه ولم أفعل؟ سوف تضعنا جميعًا في موقف صعب".



هزت رأسها يمينًا ويسارًا وهي لا تستطيع تصور هذا الأمر. قالت "لا، لا، هذا لن يحدث! لم أنم طوال الليل. لا يهمني إن كنت أعرفك أم لا. حتى أنني أشفق على الكلب الضال، لذلك لا تفكر حتى في قتل نفسك". كانت قد اتخذت قرارها، وقد أعطاها ذلك نوعًا من القوة، وكانت الآن أكثر ثقة بنفسها على الرغم من رطوبة رموشها.



أخبرتني دون أن تسألني أو تستشيرني "نحن نعطي حفلات كل أسبوعين، وسوف تحضر كل واحدة منها، هكذا سأعرف أنك على قيد الحياة". كانت قد وضعت خطتها في ذهنها وكانت مصممة عليها. كانت متوترة على الرغم من أنها وجدت الحل. وتذمرت قائلة "لقد طردت سائقي بسببك، ماذا سأقول لأبي الآن؟" ونظرت حولها وشدت الصوف الأبيض على كتفيها. "لقد أصبحت همي الآن، هل يجب أن ألاحقك دائمًا؟"



شعرت بشعور غريب وغير مفهوم يغزو قلبي وأنا أشاهدها هكذا، حافية القدمين، وهي تقف أمامي وتشتكي وتشعر بالقلق قليلاً. سيكون من الأصح القول إنني تجمدت في مكاني، لم أجد حتى الفرصة لفتح فمي، وكنت أراقبها فقط وأعجب بجمالها وبضوئها الدافئ الذي ينبعث منها.



سألتني في النهاية "لماذا تضحك؟" لم أدرك حتى أنها لاحظت ابتسامتي، كنت قد أنحنت برأسي قليلاً وابتسمت.



صححت نفسي على الفور وصارحتها، قلت "لا شيء"، ومر نسيم بارد بيننا. "هل سترتدين حذائك الآن؟" كنت أخشى أن تمرض.



تذكرت عندما قلت لها ذلك، نظرت أولاً إلى قدميها الحافيتين ثم إلى حذائها الملقى على الأرض بالقرب مني. لم تتراجع عن موقفها، وحافظت على نظراتها القاسية والعاصفة. قالت "أنت تريد مني أن أرميها عليك مرة أخرى".



همهمت بهدوء "كما تشائين".



لكن هل كنت هادئًا حقًا بداخلي؟



كلا، كلا، لم أكن قريبًا من الهدوء. كنت مجنونًا! مجنونًا بعدة طرق، من عدة جوانب، من عدة مشاعر، بسبب تأثيرها عليّ وقدرتها على جعلني أقف هنا كالأحمق، كنت أعتقد أنني فقدت عقلي، وأنني فقدت تميم تمامًا، أو أن هذه الحالة هي شخصية أخرى مختلفة تمامًا عني.



كنت ضعيفًا جدًا، للمرة الأولى، لم أكن أخسر الكثير في الحياة، لكن عندما يتعلق الأمر بـ ميرا، لم أعد أستطيع التغلب على الهزيمة. الضربات المتتالية على إرادتي، وعدم قدرتي على العثور على ذاتي، وذوباني بهذه السهولة أمامها وتحت نظراتها...




        
          
                
ما مدى خطورة ميرا...



كان يجب أن أفهم منذ اللحظة الأولى التي رأيتها فيها أنها يمكن أن تكون سلاحًا مميتًا وأن أحذر. إنها مثل السم، مثل الإدمان، لقد استولت على نظامي بالفعل.



اعتقدت أن ميرا أصبحت أذكى بسبب صمتي وأن كل تلك التوبيخات قد أثرت فيها. انحنت لأخذ حذائها، شعرت بالغضب من نفسي لأنني لم أفكر في ذلك من البداية، وركضت لأخذ الحذائين قبلها.



كنت سأقف وأعطيهما لها مباشرة، لكنني لم أستطع، كنت قد ثنيت ركبتي بالفعل أمامها وكنت أريد مساعدتها في ارتداء حذائها. كان حذاء أسود بسيط بكعب قصير وربطة حول الكاحل. فتحت الحذاء وانتظرتها وأنا راكع أمامها.



توقفت للحظة قصيرة لكنها لم تمانع وارتدت الحذاء. بينما كنت أركز كل انتباهي على ربطة الكاحل، فكرت في أنني كنت أركع أمام شخص ما لأول مرة. لم أهتم على الإطلاق، لقد انحنيت تقريبًا بشكل انعكاسي ولم أشعر بأي انزعاج. ربما قمت بأكثر تصرف مهين بالنسبة لي دون أن أشعر بأي جرح.



ولم تكن تعرف شيئًا عن مدى الحرية الكبيرة التي منحتها إياها، أو حتى عن السبب الذي جعلني أفعل ذلك، همست بسخرية "أليس لديك أي فكرة عن ثمن هذين الحذاءين؟" شعرت أنها تنظر إلي من الأعلى.



أجبتها وأنا أبدأ بربط حذاءها الآخر "لست جيدًا في مثل هذه الأمور".



قالت "إنهما مكلفان جدًا".



لم تتمسك الربطة جيدًا. قلت وأنا أسحب الربطة الصغيرة مرة أخرى وأحاول ربطها "لذلك لا يجب أن ترميها بشكل عشوائي".



"أكرههما. ربما وجدت فرصة لتدميرهما وأردت استغلالها".



أخيرًا، قمت بربط الربطة ونظرت إلى أعلى. كنت سأسألها عن هذا الأمر الغريب، لكنني تفاجأت بالمظر.



لقد شعرت بالذهول لأنني كنت بالقرب من ساقيها وهما على اتصال مباشر، وأنها كانت تنظر إلي من الأعلى بنظرة حزينة وجادة. خفضت رأسي مرة أخرى وبلعت ريقي بخفة وتراجعت واقفًا. شعرت بالغضب من الحرارة التي انتشرت في جسدي.



هل أنا فتى في المدرسة الثانوية؟ ما كل هذا الإثارة؟



كان عليّ أن أقول شيئًا، كانت ميرا تراقبني. لم أزعج هدوئي لكنني تجنبت النظر إليها أيضًا. سألتها وكأنني نسيت الموضوع "هل... تكرهين حذائك؟"



لم تكن ميرا على دراية بالفوضى التي تحدث بداخلي، ولم تكن تعرف شيئًا عن غرابة وأصلية أفكاري. بدت وكأنها تتساءل عن توتري ولكنها لم تركز عليه كثيرًا.



أجابتني وهي تلقي نظرة سريعة على ملابسها "أكره الكثير منها، لكن الجميع في المجتمع الراقي يعرف ما يرتديه الآخرون وكم ينفقون أسبوعيًا". وأضافت "لهذا السبب، فإن ارتداء الملابس العادية لا يليق بي، الناس يتحدثون عن ذلك".




        
          
                
لم أرد أن أقول شيئًا لأنني أرتدي نفس الجاكيت الجلدي منذ عشر سنوات، لم تكن الملابس ذات معنى بالنسبة لي. خاصة أشياء مثل التجول في المتاجر وتجربة الملابس والنظر إلى نفسك في المرآة. ما هي هذه الهراء؟ كنت أسرق ملابس داوود أحيانًا، في الشتاء الماضي سرقت قبعة وقميصًا لطيفين، وسأرتدي نفس الشيء هذا العام بالتأكيد.



قالت ميرا في لحظة ما "لكن يبدو أنك لا تهتم كثيرًا"، واستعادت انتباهي الذي تشتت لفترة قصيرة. نظرت إليها معتقدًا أنني فاتني شيء ما، وكانت عيناها على ملابسي. لم تبدو سعيدة بما رأته، وعبست.



لم أفهم سؤالها، ونظرت إلى ملابسي كما فعلت. بنطلون أسود بسيط، وقميص أسود طويل الأكمام، وسترة جلدية، وحذاء عسكري ثقيل تحت. يجب أن أبدو مختلفًا تمامًا عن "الرجال المهذبين" الذين اعتادت عليهم، كنت أشبه بالجندي أكثر، لكني لم أر أي مشكلة واضحة في ذلك.



كررت قائلة "كما قلت، لست جيدًا في هذه الأمور".



قالت بصراحة "أنت لا تشبه المحامي على الإطلاق". كانت ميرا شخصًا صريحًا، وواضحة، وأحيانًا تبدو ضعيفة وخائفة من العالم كله.



عدت إلى موضوع الملابس مرة أخرى. ربما كانت تشكك في مكانتي الاجتماعية بسبب ملابسي، وهذا ليس بالأمر المستغرب إذا اعتبرنا أن هذا نوع من التواصل في عالمها.



في تلك اللحظة، لاحظت سيارة تقترب من الرصيف وتغير الجو فجأة. نزل ثلاثة رجال من السيارة. عندما رأيت هؤلاء الرجال يرتدون بدلات ويتجهون نحونا، شعرت بشعور سيئ وسحبت ميرا نحوي دون تفكير، ووضعتها خلف ظهري. خرجت من النادي على عجله، ولم يكن لدي حتى مسدس، لكنني لم أتردد، كل ما كنت أفكر فيه هو سلامة ميرا.



لكن ميرا أمسكت بيدي وسحبتني. قالت وهي تسحب جاكيتي "انتظر"، ثم أضافت "إنهم موظفونا".



اجتمع حاجبي على الفور ونظرت بشك إلى السيارة خلف الرجال. توقفت سيارة الدفع الرباعي التي اعتدت رؤيتها دائمًا بسرعة أمامنا. نزل منها عدة أشخاص مألوفين وركضوا بسرعة نحونا. كنت أعلم فقط أنهم ليسوا سائقين وأنهم يحمون ميرا، لكنني لم أتخيل أبدًا أنهم يتبعونها بهذه الطريقة.



همهمت بدهشة دون أن أدري "من هي ابنة من؟".



وقف سبعة رجال أمامنا، كانوا رجالًا وقورين وبدناء يرتدون بدلات. على الرغم من أن ميرا طلبت مني التوقف، إلا أنني لم أحبهم.



لم أرد ترك ميرا بمفردها، وكنت سأسألها "أبوكِ؟".



وكأنها خمنت ما سأسأله، قالت لتغيير الموضوع "عائلتي حامية جدًا". كان من الواضح أنها تشعر بعدم الارتياح، ولم تستمتع بسؤالي، واضطررت إلى إنهاء الموضوع.



قال أحد الحراس "السيدة ميرا". لكنهم لم يقتربوا. أتساءل عما إذا كانوا يعرفون من أنا. ربما لهذا السبب لا يقتربون، وربما لهذا السبب لا يريدون أن تكون ميرا حولي.




        
          
                
انضم السائق الذي يأخذ ميرا بالسيارة إلى المجموعة، وسرعان ما خرج من بينهم وخطى بضع خطوات إضافية نحونا. دون أن أشعر، سحبت ميرا إلى الوراء وحاولت إخفائها.



كان رجلاً طويلًا نحيفًا ومسنًا. لامسته عيناه السوداوان الصغيرتان وقالا "السيدة الصغيرة". ثم نظر إلى ميرا ثم إلي. "كنا نبحث عنكما في كل مكان".



انزلقت ميرا من خلفي وأمسكت بيدي وأزالتها. قالت "كنت سآتي".



اجتمع حاجبا الرجل الأبيض وتبدو تعليماته قاسية "بالطبع كنتِ ستأتين. تفضلي".



لم أستطع أن أفعل شيئًا، عندما كانت ميرا على وشك الابتعاد، أمسكت بمعصمها دون وعي. لقد فعلت ذلك بقوة لدرجة أنني اعتقدت أنني سأقطعها، توقفت ميرا فجأة وتفاجأت برد فعلي.



سقطت عيناها على يدي التي أمسكت بها. سألتني وهي تجعد حاجبيها "ماذا تفعل؟". وأضافت "إنهم عائلتي، لا توجد مشكلة".



كنت قلقًا، لم أرد أن أتركها، أردت أن آخذها معي الآن، لكنني لم أكن في وضع يسمح لي بفعل ذلك. لو كانت المسألة مختلفة، ولولا وجود عائلتها، لما سمحت لها بالذهاب، لكن كيف يمكنني التدخل في شؤون العائلة؟



أطلقت سراح معصمها وأذنت لها بالذهاب. ذهبت ميرا إلى السائق الذي اعتادت رؤيته دائمًا، وكان واضحًا أنهما على علاقة وثيقة.



قالت اسماً ما يشبه "تولجهان"، ظننت أنني سمعت خطأ. "هل أبي غاضب كثيراً؟"



استدارا وبدأا يمشيان نحو السيارات. "كما هو الحال دائماً"، أجاب الرجل.



رأيت ميرا تتنهد. "يعني غاضب جداً."



"لا يمكنكِ أن تدعي أنه على خطأ."



أدارت ميرا رأسها إلى الأعلى، وهي قصيرة القامة بجانب الرجل الطويل الذي بجانبها، ونظرت إليه. "ستقول فقط إنني هربت لأتنفس الهواء قليلاً، أليس كذلك؟ أو لمزيد من التدريب؟"



ألقى الرجل نظرة قصيرة من فوق كتفه نحوي ودفع نظارته النحيفة ذات الإطار العظمي لأعلى على أنفِه. "أرى نفس الرجل للمرة الثانية"، قال بلهجة غير راضية.



لم أستطع سماع ما قالته ميرا جيداً لأنهم ابتعدوا، لكني سمعت شيئاً مثل "لا تخبر أبي عنه. لن أتحدث إليه مرة أخرى!"



كنت أراقبهما بصمت. بالطبع، كنت أريد أن أرى ميرا تستقل السيارة وأن كل شيء على ما يرام. وبدا كل شيء على ما يرام عندما فتح السائق الخاص باب السيارة لها، يجب أن تكون ميرا مجرد طفلة مدللة في عائلتها.



أيمكن أن يكون والدها سياسياً؟



ربما يجب أن أبحث عنه وأعرف من هو. كتبت هذا في ذهني كشيء سأفعله لاحقاً، لكن لدي أمور أكثر أهمية الآن.




        
          
                
أخرجت هاتفي واتصلت بـ داوود، بعد رنين طويل أجاب أخيراً. كان صوته أجش، لابد أنه يشرب ويستمتع بوقته. قال "نعم؟" وسمعت صوت كرة البلياردو تصطدم في الخلفية.



كنت أنظر إلى ميرا وهي تستقل سيارتها، وقلت مباشرة "أريدك أن تجد لي شخصاً ما".



لم يسأل داوود أي أسئلة، وقال "الاسم الكامل؟" يبدو أنه أخرج ورقة وقلمًا وبدأ في الكتابة.



قلت: "معلم"، وفي تلك اللحظة نظرت إلي ميرا للمرة الأخيرة. عبست كما لو أنها تستطيع سماعنا على الرغم من المسافة بيننا، وكأنها لا توافق على ما أفعله.



واصلت حديثي "لا أعرف عنه الكثير، يعمل في المركز الثقافي الذي أرسلته. عندما تجد عنوانه أرسله إلي".



بينما اختفت ميرا في سيارتها، أكد داوود "لن يستغرق الأمر أكثر من نصف ساعة".



أدارت السيارات محركاتها وانطلقت سيارات الدفع الرباعي الثلاث بعيداً عن الرصيف واختفت في ظلام الليل. التفتت إلى الوراء وتوجهت نحو دراجتي، وكنت على وشك إغلاق الهاتف لكنني ترددت.



قلت "داوود"، لكنني ترددت ولم أكمل.



رد داوود "نعم؟"



وصلت إلى دراجتي وتشبثت بها وجلست، لكنني لم أشغلها. كنت مرتبكًا ولا أعرف كيف أصيغ ما أريد قوله، شعرت كالمغفل تمامًا. نظرت إلى أسفل، إلى جاكيتي وبنطالي وأنا ما زلت أتحدث عبر الهاتف.



حككت حاجبي بتفكير. وفي النهاية سألت "كيف تحب النساء ملابس الرجال؟"



ساد صمت على الطرف الآخر من الهاتف، يبدو أنه لم يتوقع هذا السؤال. قال داوود بتردد "يعني... ربما يحببن الرجال الذين يرتدون بدلات مثلاً".



قلت "انتظر..." توقفت ونظرت حولي وحككت ذقني بتفكير. ثم قمت بتصحيح سؤالي "ما أقصده هو... ما هي أنواع الملابس التي يفضلها الرجال الذين تحبهم النساء؟"



يبدو أن داوود أصبح أكثر ارتباكًا. قال "لا أدري بالتأكيد، لكنني متأكد من أنها لا تحب الفساتين".



تنهدت بصبر، "داوود".



قال "حسناً، سأبحث عن ذلك أيضاً".



هذا جنون. لم أستطع فهم أي شيء مما يحدث. شعرت بالغضب من نفسي مرة أخرى، وقلت بعد لحظة "انس الأمر، لقد سألت فقط هكذا".



وشغلت محرك الدراجة النارية.



❀❀❀



كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل بكثير في ذلك اليوم.



كانت المنطقة التي أتواجد فيها تعتبر راقية، على الرغم من أنها ليست مجمعاً سكنياً خاصاً، إلا أنها كانت مقسمة إلى جزر، وكان حارس الأمن يشاهد مباراة في كرة القدم في كشك الحراسة. كانت المباني السكنية الـ 15 متشابهة تمامًا، ذات مظهر قاتم وباهت. كان المبنى السابع هو الذي أبحث عنه، وبعد أن عبرت ببطء الحديقة التي كانت مغطاة بالعشب وأشجار قليلة ذات أشكال غريبة وأروقة، وصلت إلى الباب.




        
          
                
في تلك اللحظة، رأيت شخصًا يقف بجانب الجدار على يسار المدخل ويشعل سيجارة. كان يرتدي معطفًا واقيًا من المطر باللون الأخضر الداكن وكان قد وضع قبعة المعطف على رأسه. كان وجهه مخفيًا تقريبًا.



سألتُه وهو يقترب من الباب "ماذا تفعل هنا؟"



رفع داوود رأسه ببطء وألقى سيجارته وقال وهو يبتعد عن الجدار "لقد جئت لمساعدتك في القيام ببعض الأشياء السيئة". ذكّرني بمجرم مشهور بارتداء معطف واقٍ من المطر.



همهمتُ "لقد طلبت منك فقط أن تجد الرجل". وبدأت بإدخال رمز الدخول الذي أرسله داوود في لوحة مفاتيح الباب.



ابتسم داوود وقال "كما وجدت لك أيضًا إجابة لسؤالك عن الملابس التي تحبها النساء".



ألقيت عليه نظرة جانبية غاضبة، لكنني لم أرد أن أجادل الآن. سمحت له مجبورًا بأن يتبعني ودفعت الباب. كان الطابق التاسع، وكانت هناك رائحة رطوبة قديمة داخل الشقة. كانت الجدران رطبة في بعض الأماكن، لكن الشقة بدت حديثة نسبياً. كانت شقة لشخص متوسط الدخل، لا شيء مميز فيها.



وصلنا إلى الشقة رقم 37 في الطابق التاسع. كان هناك باب من الفولاذ وبساط مكتوب عليه "أهلاً وسهلاً" باللغة الفرنسية. قرعت الجرس واستندت إلى الحائط وانتظرت. وقف داوود مقابل الباب مباشرة، ويداه في جيبي معطفه، وكان تعبير وجهه هادئًا وكأنه يقوم بمهمة روتينية.



بعد قليل، فتح الباب ببطء وبصوت صرير. ظهر رجل في منتصف العمر ذو لحية صغيرة ووجه شاحب. كان شعره الطويل الأسود مربوطًا في كعكة فضفاضة على رأسه وكان يرتدي قميص نوم حريري.



نظر إلينا بعيون نصف مغمضة وسأل "من أنتما؟" دون أن يفتح الباب تمامًا.



كنت لا أزال أستند إلى الحائط ونظرت إلى داوود، فأشار إليّ وقال "هذا هو".



اجتمع حاجبا الرجل، لكن قبل أن يستطيع أن يتفاعل، دفعت الباب بقوة باتجاهه. اصطدم بباب الفولاذ وتراجع إلى الخلف.



ابتعدت عن المكان الذي كنت أستند إليه ودخلت إلى الداخل. أغلق داوود الباب خلفنا.



كان المعلم يمسك أنفه ويئن من الألم، وكان يحاول الوقوف متمسكًا بحائط الممر. بينما كنا نتقدم إلى الداخل، كان يتراجع إلى الخلف متمسكًا بالحائط، ويئن بصعوبة، حتى وصل إلى الصالة.



قال وهو ينظر إلينا برعب ووجهه الأحمر "من أنتما؟ هل أنتما لصوص؟ اخرجا من منزلي على الفور! سأستدعي الشرطة!"



كانت الصالة كبيرة ومتصلة بالمطبخ؛ أرضية خشبية مصقولة، مدفأة صغيرة، ركن مليء بالأدوات الموسيقية، أريكة ذات لون صارخ، وحدة تلفزيون مليئة بمجلات، وزجاجة نبيذ فارغة على طاولة القهوة. كان هناك أيضًا رف خشبي على الحائط مليء بزجاجات النبيذ والويسكي غير المفتوحة.




        
          
                
نظر داوود حول المكان وقال بابتسامة "ليس سيئًا. أفضل من المتوسط."



ابتسم داوود بسخرية ودفع زجاجات النبيذ واحدة تلو الأخرى، مما تسبب في سقوطها وتحطمها على الأرض. انتشر النبيذ الأحمر والأصفر على الأرض الخشبية. وقال "أنا لست غنيًا، لكنني أحب أن أبدو كذلك".



شاهد الرجل هذا المشهد برعب، وجلس قرفصاء خلف أريكة الـ L، وكأنه مستعد للنهوض والهرب في أي لحظة أو الجلوس ووضع رأسه بين يديه، بدى جبانه للغاية.



سأل بصوت مرتعش "ماذا تريدون مني؟". لو رفعنا قميصه قليلاً لرأينا بالتأكيد كمية العرق التي ستخرج منه. كانت ركبتيه ترتعشان من الخوف المسكين.



اقتربت منه بضع خطوات، تاركًا حذائي يترك بقعة قبيحة على سجادته البيضاء الثمينة، والتي كانت بمثابة كابوس بالنسبة له. كنت أرى بوضوح كيف يرتجف الرجل كله بحثًا عن مكان للهرب.



قال بصوت خشن "ماذا تريدون؟ مال؟ ليس لدي مال".



سمعت صوت داوود المرح من الخلف "هذا واضح يا أستاذ، لقد أنفقت كل راتبك على الخمر". وألقى بأخر زجاجة وكسر كل الزجاجات. "ثم هذا القميص الليلي الرديء، هل تعتقد أنك سيد فرنسي؟ اسمك حسن يا ابن الكلب، ما الذي يجعلك تعتقد أنك تستطيع التصرف بهذه الطريقة؟"



لكن كل هذا لم يكن يهمني، كل ما يهمني هو أن هذا الرجل تجرأ على تسمية ميرا بـ "الغباء".



بينما كنت أقترب منه أكثر، شعرت بغضبي يزداد كلما نظرت إلى وجهه القبيح ولحيته الصغيرة وعينيه السوداوين الدائرتين.



"أحمق،" هكذا قلت"، كررت ما قالته لي ميرا. رأيت في عينيه الغباء، كان يحاول فهم ما يحدث بين شهقاته المتوترة، ولكنه بدا وكأنه نسي أنه وجه هذه الكلمات إلى ميرا بسبب الخوف.



انحنيت وأمسكت بقميصه من الخلف ورفعته.



همهمت لنفسي "كيف يمكن للنجم الرئيسي أن يكون ضعيفًا هكذا..." في تلك اللحظة، رأيت في عينيه أنه فهم، ارتفعت حاجبيه وابتلع ريقه خوفًا.



قلت له بلطف شديد "أستاذ حسن، دعنا نتحدث كرجل لرجل". أمسكت بكتفه وقربته مني أكثر. أردت أن أريه أنه لا يوجد مكان له للهروب، وأنه إذا أراد أن يرى أي شيء آخر غيري، فعليه أن يجهد بصره.



"بدلاً من أن تكون معلمًا يرشد طلابه، ذهبت وقمت بكسر روح أكثر الفنانين موهبة رأيتها في حياتي بسبب خطأ صغير. لا أستطيع أن أفهم كيف تستطيع أن تسيء إليها بهذه الطريقة، بل وأكثر من ذلك، كيف تجرؤ على إهانتها. أنت لا تستحق حتى أن يكون لديك لسان".



عندما سمع هذا، اتسعت عيناه، وضم شفتيه بإحكام كما لو كان خائفًا من أن أقطع لسانه. لو لم يكن معلمًا، لما خرج حياً من هذا المنزل الليلة، لكنني تمالكت نفسي، واكتفيت بضغط كتفه قليلاً كعقاب.



"الآن"، قلت متأكدًا من أن المعلم قد استوعب الأمر. "ستذهب إلى ميرا وتعتذر لها، وتخبرها أن الأخطاء واردة، وأننا لا يمكن أن نكون مثاليين دائمًا، وأن انتقادها بهذه الطريقة كان خطأً، وستخبرها أنها تستطيع العودة للعزف في العرض القادم".



نظر إلي المعلم لحظة كالأبله، بالرغم من أنني اعتقدت أن كلامي واضح، ربما كان لسانه مشلولًا، فقلت بإصرار "هل فهمت يا أستاذ؟". رأيت في عينيه أنني أتجاهل هدوء ظاهري وأنني على وشك أن أكون أكثر صراحة، فاومأ برأسه بسرعة.



قال "فهمت، فهمت! سأعتذر لها غدًا على الفور!"



اجتمعت حاجبيّ فورًا وسألته بلهفة "وماذا بعد؟"



أصبح الرجل متوترًا مرة أخرى وقال بصوت مرتجف "و... سأركع أمامها! سأطلب منها أن تسامحني!"



تنهدت بعمق وملل وهززته قائلًا "لا تبالغ هكذا، لا نريد أن تشك في الأمر. ستتصرف كالمعتاد وتعتذر لـ ميرا وتضمن لها ألا تشعر أبدًا بما شعرت به اليوم. كنت أتساءل دائمًا عن سبب توترها أثناء الحفلات الموسيقية، اتضح أنها كانت تفكر فيك وأنت تنتقدها. يجب ألا يحدث هذا مرة أخرى، الناس لا يتحسنون بالانتقاد، عليك أن تعمل على أساليبك التعليمية". 



أومأ برأسه موافقًا على مضض ودموع في عينيه. كان قد هدأ، وكبرياؤه قد انكسر تمامًا، وكان يشعر بالإهانة والخوف. كان هذا المزيج كافيًا، ولم يعد هناك داعٍ لوجودي هناك.



نهضت ببطء شديد وابتعدت عن الرجل الذي اعتقدت أنه تبول على نفسه. نظر داوود إلى الرجل الممدد على الأرض وابتسم بسخرية.



قال داوود "تصبح على خير يا أستاذ"، ثم أضاف ساخرًا: "السيد حسن".



تبعني إلى مخرج الصالة. توقف للحظة أمام لوحة غريبة على الحائط، بدت وكأنها رسمها طفل. قال "ما هذه اللوحة القبيحة؟ هل دفعت ثمنها بالفعل؟"



خرجنا بهدوء شديد كما دخلنا، ولم نتحدث أثناء عبورنا الممر أو ركوب المصعد. أخرج داوود علبة سجائر وأعطاني واحدة، لكنني رفضت. كنت غارقًا في التفكير. خرجنا إلى الخارج، وكان المطر قد توقف تقريبًا، وكانت الساعة الثانية صباحًا. ربما كان داوود قد ركن سيارته في الحديقة الخلفية. سمعنا نباح كلب في الشارع، وكانت السماء خالية من النجوم. كانت ليلة مظلمة وهادئة ومخيفة.



بدأ داوود الحديث أولًا "الآن"، قال ببطء، "لماذا ضربنا هذا الرجل؟ ومن هي هذه ميرا؟"



عندما سمعت اسمها، أخذت نفسًا عميقًا. انتشر شعور غريب، بدائي، يشبه السم القاتل في عروقي مرة أخرى. كان هذا استسلامًا، هزيمة لمتمردي داخلي، وتسليم نفسي لفكرة ميرا وقبولها.



بدأت أشعر بأنني أحمل جزءًا منها مع كل خطوة أخطوها؛ في عظام ضلوعي، وفي تجاعيد دماغي، كغزو لا يمكنني مقاومته، وكأنني مرتبط بها حتى النخاع.



من هي ميرا؟



لو كنت أعرف من هي ميرا... سأخبرها أن تعيد لي تميم.


 
google-playkhamsatmostaqltradent