رواية عقاب ابن الباديه الفصل الثامن عشر 18 - بقلم ريناد يوسف
أما في الباديه..
-وين وديتووو سااالم ودي سالم الله لا يوفقكم من ساعة اللي راح ماعاد حد جابلي شي ونفسي في الحلا الأسود وين وديتو الوليد ياناااس
مكاسب:
- صكري فمك ياام كرش، ايش تريدي يضل سالم تحت رجولك يجيب ويودي، لتكوني اشتريتيه من سوق العبيد سالم ونحن ما ندري!
-انت مالك علاقه ولا تعترضي انت اشقي بهلالك واتركيني انوح عالنافع، ماكل حدا ينوح اعلى مصالحا.
- ولك قص هاللسان انشالله.
- ولا راح يتقص ولا شي، وكل يوم يطول زايد، وبعدين ليش زعلانه ماحتى انت انحرمتي من قرمشة نص الليل متلي، شوفي وشك اللي رد من وكل سالم وحلاه كيف صار اصفر بس انقطعت المجايب يومين!
- الله يقطع اوصالك ياسليطة اللسان يافانص.
- اي اني فانص.. اني فانص فانص.. اني فاااانص ياهوووو.. رجوه بت قصير ومكاسب فاااااااانص.
قالتها وهي تخرج خارج الخيمة وتفرد ذراعيها بحرية وكانها تخبر الجميع بحقيقتها التي لا تخجل منها ولا يهمها اللقب.. إذ كان سيطلق عليها وهي تدافع عن نفسها.. فخرجت عليها امها بالعصى، فجرت منها وهي لازالت تصرخ.. اني فاااانص ومايهمني.. فاااااانص القبيله اني.
وهنا اتاها صوت عوالي:
-ماااايزه.. جيبيلي هالفانص اللي تلالي لخيمتي هالحين .. وهنا انطلقت رجوه مبتعدة باسرع سرعة لديها، وكانها قد اخرجت جناحين كانا مخبئين تحت ملابسها، وضربت بهما الهواء فحلقت.. فتعالت صيحات عوالي عليها:
- لوين ودك تهربين، مرجوعك لعندي.. مايززه قولي لوليدات وبنيات الباديه اللي يجيبلي رجوه الفانص ليه مني حلا وفلوس واي شي يطلبا.. ياأنا يالفانص اليوم بالقبيله، إلا ماأبيتها مسكوعه سكع.
إبتعدت رجوه القدر الكافي ثم جلست تلتقط انفاسها وهي تردف:
-الله لا يوفقك يامكاسب طلعتي العفريت اللي جوايا،
وتو عوالي الجنيه ايش بتقص مني، والله مافي شي ينقص،، يارب اعاود الاقى ملك الموت قابضها قبل لا تقص ولا تلص
عادت رجوه بعد ساعتين تقريباً، وبنفسها وكامل إرادتها ذهبت لخيمة الشيخه عوالي ودخلتها وهي تحدث نفسها بأن العقاب سيؤخذ سيؤخذ، وحدوثه اهون من خوف إنتظاره.. فوقفت وهي تفرك يديها ببعضهم وترسم دوائر بأصابع قدمها الصغير في الرمال وهمست لعوالي:
- جيتك بروحي ياشيخه ما راح استنى حدا يجيبني، يلا قصي اللي تقصينا وخلصيني.. بس يكون بمعلومك الله ماراح يسامحك وكل شي قصيتيه مني بالدنيا راح ينقص قدا مرتين بالآخره، وشوفي إنت قص الله كيف يكون وقديش يوجع..والله ليكتفونك الملايكه ومايخلوك تفلفصين.
نظرت اليها عوالي وهي تحاول كتم ضحكتها، اما مايزه فغطت وجهها بشالها وضحكت من خلفه واخذ جسدها يهتز ولكن دون صوت.
عوالي:
-اقربي يارجوه واجلسي هانا احذاي.
إقتربت رجوه وجلست علي ركبتيها أمام الشيخة في وضع إستعداد لم ستفعله بها، فسألتها عوالي بنبرة حانية وهي تنظر اليها من رأسها لأخمص قدمها:
- قوليلي يارجوه، ليش تسوين هكي، يعني ليش لسانك طويل وماتحترمين حدا ولا تخافين، ليش يابنيتي بايعه المستحى وتخليتى عن الحيا اللي يزين البنيه ويزيد جمالها وزينها؟ ليش صرتي فانص وفرحانه بروحك بعد وتحكيها كنها مدح؟ وليش تكرهين امك وتريدينها تكرهك من افعالك؟
رواية عقاب ابن البادية الفصل الثامن عشر
اجابتها رجوه وقد تجمعت الدموع بعينيها وبدأت بالهطول على الفور:
- امي بالاساس ماتحبني لتكرهني، أمي ماتحب الا هلال، وهي اصلا ماانها أمي هي وحده ولدتني ورمتني، انا امي معزوزه خيتي والماعز مرضعاتي.. تدرين انا وقت تنذبح معزه ازعل اعليها اكثر ماتنذبح مكاسب، هادول عطوني حليبهم وهي منعته عني..وقت اشوف الحلال كيف حناين على صغارهن احس بالغيره لان امي ماحصلت حتى عنز،
ولا قلبها بيه حن عليا، لا وتجيني ودها تقولي سوي هيك وهيك ونسمع ونطيع..
وغير هيك هي وزوجها بعدو سالم عني، سالم اللي كان يشتريلي الحلا الأكحل ويجيبلي كل شي حلو ويحن عليا ويحاديني.. كيف مايكونو استكتروه على رجوه!
قوليلي ياشيخه ليش يبعدون عني حبابي، ليش ماانا ساكته وانا شايفه محبتهم لهلال ومحاداتهم ليه ليل نهار والكلام الحلو والقروش والحبيبات..
تعرفي ياشيخه امي تحب هلال خوي اكتر ماتتنفس، كل مايسوي شي كل مايقول شي، هو صاحي، هو راقد تميل عليه وتحبه، في الشتا تقضى الليل بطولا تلفلف فيه واني انزيح الغطا من فوقي لتيجي تغطيني والله تبص عليا بعيونها وماتغطيني، وتتركني لين انموت من الصقيع واشد الغطا على روحي مره تانيه.
ولا بوي اللي بس هلال يقول شي يفشخ ضبه من الفرحه وبس يشوفه جاي اعليه كنه شاف هلال العيد مو هلال وليده
اشفقت عليها عوالي وهي ترى مافعلته بها مكاسب نتيجة قسوتها عليها، ومن كم الوجع الذي تنطق وتشعر به البنت برغم صغر سنها، تتحدث وكانها شخص بالغ عانى من الخذلان حتى تأثرت شخصيته وتغيرت،
فاجابتها بصوت حنون:
- بس رغم كل شي يحبونك يارجوه ومايتحملون فيك الهوا.. الاب والام مايكرهون وليدهم مهما قسو عليه.
- لا مايحبوني، ولا حدا بكل هالقبيله يحبني غير سالم ومعزوزه ومن بعدهم رابح وعقاب، غير هادول انا ماعندي احباب.
- طيب ولو قلتلك انا ودي اصير من ضمن احبابك وتصيرين احبيبة قلبي ويش تقولين؟
- وتبطلين قصقصه فيا؟
- اي وابطل قصقصه فيك، لانك راح تكونين حبيبتي، وغيرها اخاف من قصقصة الله.. قالتها وضحكت.. ثم فردت ذراعيها لرجوة وحثتها بعينيها للإقتراب والدخول بين احضانها،
وما إن فعت هذا حتى إرتمت رجوه فى حضنها وعانقتها بيديها الصغيرتين، وهمست بجانب اذنها:
-الحين بس اصلي بقول لربي خلاص ماتقبض روحها صارت حنونه، وماراح اقول عليكي عوالي العفريتة مره تانيه.
فتحت عوالي عينيها على وسعهم ورفعت حاجبيها وردت عليها:
-كنتي تدعين عليا؟
- لكن ويش اسويلك وانت كل ماشفتي وجهي الفانص والفانص وبس ودك عليا فرصه تطالعين مقصك وتقصي مني؟!
ضحكت عوالي وضمتها إليها اكثر، اما رجوه فاغمضت عينيها وهي تشعر للمرة الأولى بحضن الكبار كيف يكون، ودفئ حضن الأم كيف يبث الأطمئنان، بالرغم من إن عوالي ليست أمها، ولكن المرء يستطيع منح الشعور الذي يريد لمن يريد وقتما يريد، وعوالي ارادت ان تعطيها حضن وغمرة أم، ونجحت في توصيل الشعور.
اما عند آدم، فأخذه قصير إلى أبيه وأمه، أخذه وهو مشفق عليه من صعوبة اللقاء وشدة الألم،
أما سالم فرفض تركه وتشبث به فقد كان يعلم ماسيحدث له والضعف الذي سيصيبه حين يرى ابواه لأول مرة.
وصلوا الى المشفى وتقدمهم قصير ولحقه آدم الذي كاد قلبه ينفجر من هول الموقف، إنها سنواتِ طوال ياإلهى، سنوات طوال إفترض فيهم الآف الإفتراضات لإبعادهم له، ولم يخطر بباله السبب الذي سمعه بتاتاً.
دلف إلى غرفة أمه أولاً فقد كانت هي الأقرب، أمسك سالم يده وحاول الدخول معه ولكن قصير منعه وهو يقول له:
- اتركه بهاللحظات بروحه مع امه، يمكن يحب يحكي شي مايريد حدا يسمعه..
وبالفعل انتظر سالم على الباب وتقدم آدم وحيداً.. وقف بجانبها يتأملها وهي مستسلمة لنومة فرضت عليها، مغمضة العينين.. فتأمل ملامحها وقد بدأت ومضات من الماضي تظهر امامه، فخر علي ركبتيه بجانب سريرها وامسك يدها ومال عليها يقبلها بشوق وهو يهمس لها:
- لو تعرفين قديش اشتقتلك وحلمت فيكي، لو تعرفيش اشقد طلبت منك احضان بأحلامي، لو تعرفين كم الف مره فقت من نومي وانا اقول وينك ياأمي.. لو تعرفين القلب كيف تعذب ببعادك... ااااخ ياحبيبة الروح والله حسيت فيكي وقت لمست يدك يدي وتشبثتي فيها، والله حسيت اني منك وانتي قريبه لروحي وكان فيه شي يقولي ماتبعد عنها.. والله يومها مازار عيني نوم وضليت للصبح اقول مين هي وليش هيك احساسي بيها.. واتاريكي أمي ونور عيني ونبض هالقلب
شعر بيدها تقبض على يده وكانها سمعت كل ماقاله، رأها تقطب حاجبيها قبل أن تأن وتنطق إسمه.. وهنا إرتمى على صدرها وضمها بكلتا يديه يخبرها بأنه قريب منها.. كم أراد البكاء في هذه اللحظة، كم ود تحرير براكين الدموع التي تجمعت في مقلتيه، ولكنه تعلم وتربى على ان الرجال لا يبكون أبداً، فإبتلع غصته وكتم دموعه، وهمس بجانب أذنها:
- ادم هانا جوارك وانتي بين أحضانه.. انا هانا ياأمي فتحي عيونك بتشوفيني.. فتحي وخليني اشوف روحي بعيونك.. بالله عليكي فتحي.
وكأنها كانت تنتظر كلماته حتى تفتح عيناها ببطئ َتنظر اليه، تبسم لها فشهقت وهي تستوعب أنه بالفعل أمام عينيها، جاثم فوق صدرها، ذراعاه تطوقانها، ويتبسم لها.. رفعت يد ترتعش موصول إصبعها السبابة بجهاز قياس الاوكسجين وتلمست وجهه، وحينها إستجمعت كل قواها كمن أصابها مس وإحتضنته وشددت عليه ذراعيها وكأنها تختطفه من الدنيا لتدفنه فى صدرها.. أما هو فشهق لهذه الضمة القوية المفاجئة، وكأن أمه كانت تنتظر حضنه لتدب فيها الحياة من جديد..
اما سالم فكان يجاهد هو الاخر كي يمنع دموعه من السقوط، ولكن ماكتمه في مقلتيه سال من انفه، فرفع كمه مرة بعد مرة يمسح انفه وقد إحتقنت عيناه.. اما قصير والشيخ منصور لم تقل عنهم حالتهم.. فبرغم القوة والهيبة إلا أن هذا الموقف اكبر من أي ثبات.
إبتعد آدم عنها بعد أن حدثه الشيخ منصور بصوت مختنق:
- كافي ياوليدي اتركها امك مريضه والاطبا مانعين عنها الزياره، والحين تعال لتشوف بوك.
حاول آدم الخروج من بين ذراعيها ولكنها كانت متشبثة به كمن وجد غايته بعد عمراً من العناء، فأمسك بيدها سحبها من حوله بهدوء وقبل باطنها وأخبرها:
- بشوف بوي واعاودلك، وعد مني مااتركك من بعد اليوم، وعد من وليدك ماراح تفارقي احظانه، وهو بعد ماداق حِن حضنك ماعاد فيه يرجع ينحرم منا.. شوي واردلك يانظر عيني.
افلتت قبضتها من حوله وتركته، واخذت تراقبه وهو يبتعد، غير مصدقة لكل ماحدث، احقاً إبنها كان فى احضانها تواً، قابع فوق قلبها وتشعر بنبضات قلبه المرتجفة.. اغمضت عيناها بعد ان غادر الغرفة وهي تحاول الحفاظ على صورته في عينيها اكبر قدر من الوقت، وضمت يديها على صدرها وكأنه لازال فوقه، واستنشقت الهواء الذي لا يزال يحمل رائحته، واردفت لنفسها إن كان حادثها وألمها ثمناً لإحتضانه وهذا الشعور الجميل فوالله لأنه ثمناً بخس، وهي على إستعداد ان تدفعه بنفس الطريقة الالاف المرات وتتحمل الألم مرة بعد مرة إن كانت ستحظى بإحتضانه في نهاية المطاف.
وقف آدم أمام غرفة العناية المشددة يراقب أباه الحى ولكن روحه تطوف في عالم الأموات تائهة لا تعلم إن كانت ستسكنه أم ستعود منه.. وسمع الشيخ منصور يقول له بحزم وهو يمسك كتفيه ويهزه بعنف:
- شوف حال بوك وملي عيونك زين.. بوك راقد باحظان الموت بسبب عمك.. عمك اللي موت خوك وسندك وموت خوه ووده يموتك بأي طريقة.. ماكنت انا وقصير نعدوك عقاب لتطارد أحناش الصحاري وذيابها.. كنا نعدوك عقاب لتفترس الحنش اللي خرب عليك حياتك وسكن خوك المقابر وبعت بوك وامك رحله لجوف الموت.. فيه ثلاث شياطين ونسلهم ساكنين بيتك واكلين من خيرك وكل اهدافهم موتك انت واهلك وسرقتهم.. والحين بوك اني راح اخذه واسافر بيه لإيران وراح اعاود بيه معافى بإذن الله، وامك من الحين بحمايتك وحماية قصير.. وانت وقصير مكاني بالقبيله.. ودى ارجع مااشوف عليها نقصان ولا فيها تغيير.. غير للافضل واللي يسأل عني قولوا راح لوليده بليبيا زياره.
والحين ياقصير تروح لراجلنا بالجوازات وتطلع جواز بغير اسم لمحمود وتدفعله اللي يقولك عليه ماتجادل ولا تفاصل.. وصورتا بتلاقيها من ضمن اغراضي واوراقي بالصندوق الصغير بخيمتي.. يلا اترك آدم وروح الحين سوي اللي طلبتا منك
وانت ياسالم روح معاه وما تتركون معي غير عقاب.
سالم:
- لا والله مااترك اخوي ورفيجي ولو عقص هالرقبه.. انا جيت مع عقاب وماارد غير مع عقاب، ولو ضل الف سنه مااتركو واروح، ياشيخ ماشايف حالتا؟!
- ويش راح يسويله وجودك يعني؟
- كثير ياشيخ كثير.. بس انت اتركني الله يرضى عليك وماترغمني عالرجعه، اني وين مايكون عقاب اني معه.
- خلص ياشيخ خليه معه، وانا ما ودي شي من سالم، حتى خليه اذا اعتزتو شي من الخارج يطلع يجيبه ويراقب الجو ويقف على باب الغرفه، ليرد الخسيس يحيي
وقتها سالم ينبهه وياخد حذره.. يلا انا تو هنروح.
فذهب قصير والشيخ منصور اخذ سالم تحت جناحه وابتعد به متجهاً للطبيب يسأله ان يسمح لادم بالدخول لأبيه لعل صوته يعيده من عالمه البعيد مثلما فعل مع أمه، وتركا آدم يعاود الكرة مع امه ويعود لإحتضانها، فهذا الحضن فعل مالم يفعله الطب والدواء.
يتتتبع
•تابع الفصل التالي "رواية عقاب ابن الباديه" اضغط على اسم الرواية