Ads by Google X

رواية عقاب ابن الباديه الفصل التاسع عشر 19 - بقلم ريناد يوسف

الصفحة الرئيسية

رواية عقاب ابن الباديه الفصل التاسع عشر 19 - بقلم ريناد يوسف

رواية عقاب ابن الباديه الفصل التاسع عشر


مرت الليلة على آدم فى المشفى، لم يبارح فيها جوار أمه إلا حين يذهب للإطمئنان على أبيه ثم يعود اليها مرة أخرى، 

يجلس بجوراها ويحتضن كفها بين كفيه تارة، ويقبله تارة أخرى، قاوم البكاء كثيراً ولكنه تلفت حوله وحين وجد أمه غافية، ووجد نفسه وحيداً لا يراه أحد.. حرر دموعه لأول مرة منذ وقت طويل.. منذ سنوات عديدة، وتحديداً منذ أخبره قصير أن الدموع لم تخلق للرجال.. لم يعد يفهم بعد أن تساقطت دموعه لِم حُرمت الدموع على الرجال وهي تُريح بهذا القدر؟! 

لِم تصنفت من ضمن صفات الضعف وهى تغسل الروح مما يضعفها وتعينها على إستعادة قوتها.. تباً لقوانين البشر الظالمة، فالله لم يخلق الدموع عبثاً، وإن كانت للنساء فقط فلم. وضعها داخل الرجال؟ 


نهض عند حلول الفجر، توضأ وصلى ورفع يداه يدعوا الله بان يعيدهم له سالمين وألا يكتب عليه اليتم منهم لبقية حياته، ويكفى حرمان السنوات الماضية، وألا يفقد حضن أمه الدافئ بعد إن وجده وعاد اليه معه كل الأمان.


عاد اليها متبسماً فقد كانت مستيقظة تنظر اليه ودموعها تسيل من عينيها، إقترب منها وقبل يدها وجبينها ودفن وجهه فى رقبتها وهى ضمته اليها بكل حنان، وأخيراً همست له للمرة الأولى بما اذاب قلبه:

-والله ياآدم انا ما ردتلي روحي غير من إمبارح، من ساعة ماحضنتنى وضميتك، انا رجعتلى الحياة بسبب الحادثه دى.

- وأنا تو اللي حسيت بحلا ونعيم الدنيا ودفوها بعد مادقت حلا احظانك ياأمى.

- ابوك ياآدم.. طمني على ابوك يابنى

صمت قليلاً وحاول طمئنتها:

-بوي بخير لا تخافي، عمي الشيخ منصور بياخذه ويسافر بيه ويعالجه ويصير زين ومابيه الا العافيه. 

سألته بقلق وقد تملك منها الخوف:

- ليه يسافر فيه ايه ابوك، خدني ليه يآدم بسرعه، وديني لأبوك يابني. 

اجابها وهو يحاول ان يثنيها عن قرار النهوض بتثبيتها بكلتا يديه بحنان:

- والله زين ياامي زين بس الشيخ يريد يسفرا زيادة إطمئنان. 

- طيب عايزه اشوفه

- مافيكي تتحركين الطبيب قال ماتبرحي سريرك لحين يصرح الطبيب وأنا بعيوني باخدك لعنده، هاوديني ولا تجادلين بالله اعليكي. 

- طيب عايزه اشوفه دلوقتي اعمل إيه؟ 

-يعني انت ماتوثقين فيا؟ اذا انا بخبرك انو بخير ليش ماتصدقين؟ 

- طيب خلاص مصدقاك بس متزعلش نفسك.. بس ارجوك ياأدم لو باباك فيه حاجه تقولي، اوعى تخاف عليا من زعل او صدمه، انا قلبي مش مطمن عليه وخايفه وبعد كلامك عن سفر الشيخ بيه انا خفت اكتر. 

-لا ماتخافين، ابي راح يردلنا سليم معافى، ونتجمع ثلاثتنا ونعيش سوا وماراح نضيع يوم بعاد عن بعضنا مره ثانيه. 

صمتت عايده فقد انهكها الحديث والجدل وبدأت انفاسها تثقل، وشعرت وهي تفكر بزوجها، وأن هناك إحتمال ألا يتم شفاءه بأن جاثوم قد جلس فوق قلبها وبدنها وشل جميع حواسها. 


اما فى القبيله.. 

الشيخه عوالى لوحت بيدها لقصير وما أن أتى لها حتى قالت له:


-ياقصير خدني معاك لو كنت معدي لعقاب وامه .

قصير: اي ياعمتي اني رايحلهم الحين هيا،، وايش اللي معاك هادا؟ 

-هادي خبزة تنور وربع كبش مدفون لعويلتي عقاب وسالم مو متعودين على اوكال المشافي.

زين ياعمتي اللي سويتيلهم اوكال والله ماتذكرتها وقلت نشتريلهم من هناك.

- لا لا تشتري وتعذب حالك  اوكال الشوارع مايمري  ولا تطيب ليه النفس؟

رجوه- خذوني معاكم اذا رايحين لسالم بالله عليكم استاحيشته واجد وودي انوديله... مثرودة هو يحبها وااجد

قصير

-اقعدي يارجوه مارايحين نلاعبوا صغار احنا، والطريق يتعبك وانتي مو متعوده على الخرجة. 

- يابوي انا مو صغيره ولا راح تحملني فوق اكتافك انا نمشي بروحي.

- قلت لا وغورى على خيمة امك جاك غاير.

نظرت الى عوالى مترجية لها بعيناها اللامعتين بالدمع فقالت عوالي لقصير:

- خليها تيجي معنا ياقصير حتى اجيبلها كم لبسه من الحضر بمقاسها، كان ودي من بدري اجيبلها بس ماكنت اعرف اقياسها، خليها مشوار واحد.

-امرك ياعمتي.. فوتي عالسياره ياام لسان.

- الله يخليك ياجتي عوالي ويطول بعمرك يارب.. اي هيكي الحناين تكون.

انهت جملتها وهرولت نحو السيارة، فنظرت عوالي لقصير وقالت له معاتبة:

-لا تقسى عالبنيه ياقصير بيكفيها قساوة امها عليها وكيدها من خوها اللي جا وخد مكانها، 

وانفطمت وانرمت رمية ضنا الحرام.. الخزي عليكم، لا تكون انت وامها والزمن عليها.

- عمتي احنا ماندلل بنيات، دلالنا بالهدايا والعطايا مو بالحن والطبطبه وانت تعرفين، ليش ودك اغير اطباعنا اللي عايشين بيها من جد الجد؟ .. ويش فيها امها قست عليها، القسوه تعلم القوة..واللي مايشوف قسوة مايعرف يعيش.

- انت متل مرتك مابيكم خير ولا بقلبكم حن غير لهلال على قول رجوه.. يلا فوت قدامي وخد هالقشمة وجيب معك قروش واجدات ودي اجيب حوايج للصبايا بالمره.

- ياريت كل الهموم قروش ياعمتي  لا تشيلين هم بس يلا ياعمتي بالله عليك تأخرنا، لسه وراي مشوار للمطار وشغله طويله.

- لكن مع مين انا ودي نتسوق من للسوق وانجيب حاجاتنا ؟

- ناخدو معنا حدا من الشباب.. يابرق.. برق اقبل..

جاءه الشاب يهرول فقال له آمراً:

- شيل لغراض وديهم عالسيارة وتعال معنا لترافق شيختك للسوق وتساعدها بحمل لغراض وترجعها.. روح انت بسيارتي وانا بروح بسيارة عقاب، احنا الروحه سوا بس الرده كل واحد بروحه.

- تأمر امر ياشيخ.


وصلوا المشفى وهناك ترجل الجميع 


ووصلت رجوه وكانت هي الأسبق بينهم، خطواتها تسابق الريح وعيناها تبحث في الوجوه عن سالم.. 

وبمجرد أن رأته جالس فى الطرقة بجوار جده منصور حتى صرخت وهرولت نحوه وهي تقول:

- واااك اعليك وعلى امك جالس ومرتاح ومستانس انت وما شايل هم شي وتاركنى لحالي بالقبيله وتعرفني مافيني بلاك ياتيس التيوس انت.


وقف سالم بمجرد ان سمع صوتها وتبسم وهو يراها آتية اليه مسرعة، وكاد أن يفرد لها ذراعيه كي ترتمي في احضانه ولكن هيهات أن يفعلها في وجود ابيها والشيخ والشيخة.. فاردف لها مرحباً:

- ياهلا برجوه، تو نورت المشفا.

- ولا هلا ولا قطران على راسك، كيف غادي يجيلك نوم وتارك رجوه بلا حلا ولا شي تاكله بالليل ياتيس.. والله  لأقص رجولك بمقص عمتي عوالي بس نعاودوا لديارنا. 

كان سالم يتبسم فقط دون ان يعقب على كلامها، هي فقط امامه وهو مشتاق لها ولا تهمه كل شتائمها.. 


فجلست على الكرسي المجاور له واشارت له بالجلوس وهي تقول له:


- اجلس اجلس ياتيس انريد نسألك عن واااجد حاجات شفتها بطريقي وماسألت.. لن بوي وقت نحكي يبحلق في يرعبني  ويخلي فمي يتصكر لحاله. 

جلس سالم بجوارها بعد أن سلم على الشيخه عوالي وعمه قصير، وسمع قصير يسأله بغرابة:

- وانت تقولك اقعد ياتيس وتقعد؟ 

رجوه:

- اييي يلا غيرو عليا الحنين واقلبو قلبه وقسوه وخلوه يكرهني متلكم، انا اقولا ياتيس هاد دلال ومناغشه وهو كمان يقولي يانعجه ياعنز وانا مانزعل منا، بس لو  تطلعون انتم منها وتتركو التياس والنعاج يتفاهمن. كان نربحو.. 

هملا و قولي ياسالم ويش هاد اللي لابسينا الحريم بالحضر؟،، وااااك اعلينا رجولهم باينه وما عندهن سراويل يلبسونها.. والرجال ويش هاد اللي يلبسونا؟ 

والله خلص لقماش قبل لا يكملون ثيابهم للأرض مسوينها قصيرة.. والله اهل الحضر يضحكون واااجد هههه 

كانت تتحدث وتسأل عن كل شيء  بسرعة ودفعة واحدة حتى أن سالم لا يجد الفرصة للرد! 

اما قصير فإقترب من عمه وقال له:

-كيف صارت صحتهم اليوم، وكيفا عقاب؟ 

اجابه منصور:

- والله احوالهم تصعب عالكفار ياوليدي الحرمة متحطم اعضامها ،والراجل ربنا ايتولاه وعقاب الله يصبر قليبه.. طمني ويش سويت انت بلاوراق؟ 

- جبت صورة محمود وتو هنعدي لراجلنا  انخليه يسويله جواز بساعتين ويجيبله ويجيبلك تأشيره بعد. 

- طيب هيا ياوليدي خلينا نكسبو الوقت. ويتم مانوينا

- تم ياشيخ.

انهى حديثه وخرج من المشفى، وانطلق بالسيارة ليتمم اوراق محمود ويقوم بالحجز له هو وللشيخ منصور فى اسرع وقت.

وترك عوالي مع الشيخ منصور، اخرجت له الطعام ليأكل هو وسالم، ثم أخذت نصيب عقاب من الطعام وذهبت للغرفة التي بها أمه والتي دلها عليها سالم.. طرقت الباب بهدوء ودخلت.. وآدم فور رؤيته لها وقف وذهب اليها مرحباً بصوت منخفض حتى لا يزعج امه التى غفت للتوا، 


سألته عوالي بنبرة منخفضة ايضاً عن حال أمه وعن حاله الذى لا يخفى عليها، فأسفل عيناه إكتسحته الهالات ووجهه شاحب، 

فإلتمست لحاله العذر فما يمر به ليس بقليل. 

اجلسته وبدأت تكشف امامه الطعام وتطعمه بيدها وهي تخفف عنه وتطمئنه بأن والديه سيكونان بخير، وفي هذة الاثناء فتحت عايده عينيها على صوت عوالي وهي تهمس لآدم، فوجدتها تطعمه بيدها وتنظر اليه بحنان أم، وعلى قدر ارتياحها لآن إبنها لم يُحرم من الحنان كلياً، على قدر غيرتها فقد كانت تود ألا تطعمه إمرأة سواها، ولا يإخذ دورها احد. 


انتبهت عوالي لعايده وانها استيقظت، فمسحت يداها وذهبت اليها، جلست بجوارها وأخذت تطمئنها وتخبرها بأن الشفاء قريب، وأن رب ضرة نافعة، فها هى تنعم برؤية إبنها وهذا الخير الذى إنولد من من قلب الشر.


أمضت معهم مايقارب الساعة ثم استأذنتهم فى الذهاب لشراء بعض الاغراض للقبيلة، وسالت آدم وأمه لو يحتاجان لشيئ وكان الرد(لا) وشكرها آدم على المجيئ والطعام وكل شيئ

وانصرفت وتركته مع أمه.


أما خارج الغرفة، نظرت عوالي حول منصور تبحث عن رجوه وسالم، فلم تجدهما، وبدأت تلفتت حولها عليهم، وقبل ان تسأله عن رجوه وجدتها تظهر من اخر الرواق وهي جالسة القرفصاء ويسحبها سالم من ذراعيها فتتزلج على بلاط ارضية المشفى وتحدث أصواتاً وكأنها سيارة إسعاف تمر وتطلب من الجميع إخلاء الطريق! 

ويبتعد الكل من أمامها.. هذا ممنوع حتماً في المشفى، ولكن لإجل الشيخ منصور لم يتجرأ أحد ويبدي إعتراضه على ماتفعل هذه المجنونه الصغيره! 

نظرت عوالي لمنصور الذى قال لها:

-تاخذينها من هون بنت مكاسب ولا انخلي الطبيب يعطيها ابره سم ويموتها ويريحنا، والله من ساعة اللي جات جابتلي وجابت لكل المشفى وجيج الراس، لا وتقول للأطبا ليش لابسين لجامات حديد وصرايم حول رقابكم.. خذتني خذي بت الكلب هي.


عوالي:

- من وين جايبتوا يعني، ماتتذكر بوها قصير وقت الكان صغير وتجيبا الحضر معانا ويخذينا متلها.. والله هي البنيه ماعدت اعرف كيف راح تصير بس تكبر.

- راح تصير نسره تهجم وتخطف وتجرح بمخالبها، وماراح ينفع معها اي حدا الا نسر متلها، لحتى اذا علت بالسما علا عنها وحط فوق راسها بمخالبا ونزلها للأرض.. رجوه ودها خييال ياعوالي.

- خيالها موجود شاقي بيها  وعم يجرجر فيها.

- تقصدين تيسها.

عوالي:

- هي تقوله اليوم تيس ويسكتلها غدوه يعطيها على نافوخها بس يكبر وما تقدر تفتح فمها، دم البداوا حامي ومايقبل رجالهم حرمه تتطاول عليه، وكل سن يعطي احكاما..

والحين اني رايحه اتسوق لحريمات الباديه ودك شي ياخوي اجيبهولك معي؟ 

-مع من رايحه وقصير راح؟ 

- برق ناطرني بالخارج قصير جابا بسيارته وهو جا بسيارة آدم، قصير يفكر بكل شي خلي بالك هاني. 

- زين زين.. روحي وديري بالك على روحك


ذهبت عوالى الى السوق، واشترت  كل مايلزم، وتركته بالسيارة وعادت للمشفى مرة اخرى، ودخلت تتفقد حال عقاب وأهله للمرة الأخيرة، فجلست بجانبه وقد  كان يضم امه بين الدقيقة والاخرى ويقبلها، فقالت له ممازحة :

-هااااللي لقا حبيبة نسى صاحيبة ياعقاب

آدم:  والله ياشيختي حضن لحباب ينسي الواحد روحه مو بس اصحابه.. بس انتي محسوبه من لحباب ياغاليه مو من لصحاب. 

- ياضي عيوني الف لا باس علي  امك يالغالي جاب نجاوتها ربي، نحمدوا الله على سلامتك الف مره ومره يا ام آدم، ربي عالم بحال هالمسكين اللي ماضاق حِنك ولا تونس برفقه بوه

عايدة: 

-الحمد لله على كل حال ياشيخه، كل شيئ مكتوب وكله تبع إرادة الله. 


-ونعم بالله يابنيتي.. تعرفين شي.. والله والله عقاب وين ماشفته خد قلبي وعقلي حسيته من دمي اوليدي اللي ماحبلت فيه.. انتي تعرفين اني قليلة ولاد والله ماعطاني.. ولهيك اعتبر كل ولاد القبيله ولادي، بس عقاب وليدك صارت غلاوته عندي متل غلاوة الوليد البكري اللي مايجي اغلا منا. 

تبسمت عايده على محبة ابنها التي زرعها الله فى كل القلوب وخلق له فيها منازل لم يصلها غيره، وشكرته لأن هذه دعواتها التي كانت تدعوا له بها ليلاً نهاراً بأن يحفه برحمات لا تنقطع. 


أما عند الشيخ منصور، أتى اليه صديقه صاحب المشفى وجلس بجواره وسأله وهو ينظر لرجوه وسالم بغيظ شديد، فهذه مشفى إستثمارى ولا يجوز مايفعله هذان القردان فيها:

-ويش لحوال يامنصور كيفك وكيف صارت الأمور طمني؟

- والله الخبر والاطمئنان منك انت يجي.. قصير راح يخلص اوراق السفر ويحجزلنا طيران بأقرب وقت.

- وليش يحجزلك طيران، المشفى بيها طياره مجهزه مخصوص لنقل الحالات الخطيره لغير لبلاد، ماراح ينفع بحالة صديقك غيرها، خلص اوراقك وانا بعطي أمر للطيار يطير بيكم لإيران، وقروش السفر عليا مني ليك محبه لا تشيل هم.. حبايب شيخ قلوبنا حبايبنا وربي ييسر سفركم ويرزقكم البشرى

منصور:

- امين يارب الله يسمع منك ياغالي. 

نظر اليه منصور فوجده ينظر للرجوة غير مصدق لما تفعله وتقوله فقد قلبت المكان لسيرك قومي وهي تصيح:

- افسحووون الطريق لسيارة الاسعاااف عوا عوا عوا.. بيها مره حبله ولاده وبيها وليد مطاهرينا وبيها رجال مرتو ضربتو بالنعال طيحت راسو وبيها بنيه ختنوها وتصرخ وتقول وااااااااااك.. افسحوووووو

فقال له منصور معتذراً:

- الحين بتغادر مع جدتها والله ماعندي خبر بجيتها كان منعتها الله يخذيها هي واللي جابها لهون. 

- لا ماعليك طفله هي.. بس لو تخفض صوتها شوي. 

منصور:

- انتي يارجوه ياكلبه كفى عن الصراخ وتعى لهون. 

- لا مااقدر اترك سيارة الاسعاف ياجد اللي بيها يموتون، بوصلهم للمشفى وارد لعندك.. عوا عوا عواااااا

منصور:

- يعوي عليكي ذيب وياكلك بليله كحله ماحد يشوف فيها كف يدو انشالله، والله لاقص لسانك قص يافانص القبيله واأدب هالتيس معك اللي طايعك بكل شي وماشي وراكي وصدقتي من لما سميتيه تيس وهو تيس. 


عاد قصير من مأموريته، واعطى الأوراق لعمه الذى ارخى عن كاهله حمل الحجز والطيران والأنتقال من مكان لمكان بمحمود وقرر أن يسافر بطائرة المشفى ، ثم توجه إلى غرفة ام آدم ووجه كلامه لآدم بعد أن القى التحية عليهم جميعاً وسأل عن صحة عايده:

- هااا يا عقاب توك اتطمنك على الوالدة ونحمدو الله وتو ورانا واجد اشغال.. انا عارف انك بظرف ماوالي يتحمله لكن انت مو اي حدا انت عقاب اللي مايغلبه غلاب،

وعارف ياوليدي انك تو غير تلميت علي اهلك،

ولا انت تريد تسيبهم ولا وهم ماصدقو طالوك، وانا والله ماكان ودي اخدك منهم لكن انت بتعرف ان ورانا ياما اشغال مااتحمل تأجيل، ومن غيرك مارح يتم شي،

واكيد اصحاب مصلحتنا اللي راسلناهم دذو الرد ونريدو نعرفو ايش صار فيه؟ 

عايدة قبضت على يد ابنها ونظرت  اليه راجية إياه بألا يفارقها.. وهو إيضاً تشبث بيدها ونظر لقصير وقال له:

-السموح منك ياعمي  انا مانقدر انسيب امي وبوي ونعدي لاي مكان، حاول اتدبر حالك من غيري.

الشيخه عوالي :

-ويش هالحكي ياعقاب؟ 

انا رفيقه مينتك ليومين كون هاني البال والخاطر ياوليدي

اتريد امك اتقول عليك رقيق عزم ولا ايش من يوم اصبيت وانت سباق بكل شي! 

ووجهت كلامها لعايدة التي كانت تنظر اليه بحزن وهي تراهم يرغمونه على الرحيل:

- قولي لوليدك يروح يشوف حاله واشغاله ياأم عقاب وطمنيه عليكي واطمني عليه،

هاد عقابنا اللي قبيلتنا وكل القبايل ايتمنو عويلتهم يكونو كيف وليدك فارس مغوار ويوم الغار ماتنطفيله نار ،قايد ماكيفه قايد عليه انقول غير الله واحد

شدي ضهرك وارفعي راسك وقولي انا ام لعقاب وخلى لعقاب يحلق بسماه. 

تبسمت عايده ونظرت لآدم وهزت له رأسها بموافقتها على رحيله وهمست له بتعب:

- روح ياآدم واطمن عليا انا بخير.. روح خلص اللي وراك وتعالا وانا مستنياك ياحبيبي، بس متغيبش عليا يابني. 

إقترب منها وقبل جبينها ووجنتيها وهمس لها:

-انا من ساعة اللي ذقت حضنك وحسيت الدفوا اللي محروم منا عبا روحي وانا ماعاد نقدر نغيب عنك.. بس اخلص اشغالي بعاودلك على جناح الشوق يايمه. 

تنهدت وهي تراه يبتعد عنها آخذاً قلبها وروحها معه، وحين اختفى عن ناظريها نظرت لعوالي وسألتها بفضول وإشتياق ولهفة أم:

- احكيلي ياشيخه كل حاجه عن آدم.. بيحب ايه بيكره إيه، بيحب اكل إيه، بيقضى وقته ازاي بينام فين ومع مين، كل دي حاجات كنت هموت واعرفها وطول الوقت اجاوب عليها من خيالي.. احكيلي عن إبني وعرفيني عليه. 

وهنا بدأت عوالي تحكى لعايدة كل شيء بخصوص آدم، اعادت عليها كل شريط حياته من بداية الحوي والتدريبات وبكاءه عليها هي وأبيه وحتى اليوم. 

اما عند يحيي.. 

فقد عاد الى الشركة.. ولاول مرة يجلس على كرسي الإدارة ويشعر بإنه ملكه، بأن الشركة أصبحت تحت سيطرته وفى قبضته ولن ياتي من ينهض له من فوق الكرسي ليجلس.

الآن فقط تحقق حلمه الذي طالما حلم به فى صحوه ونومه.. الآن فقط استراح قلبه، حتى وإن لم يجد إبن اخيه بعد، فهاهو يخطوا اخر خطواته فى الألف ميل الذي عاش عمره كله يقطعهم.


جلس يفكر من أين يبدأ في تصفية الشركة واخذ كل ماتطاله يده، فلاحت له فكرة شرع في تنفيذها على الفور.. فأمسك بالهاتف وطلب رقماً وبمجرد أن جاءه الرد قال:

- الووو.. ايوه يامختار.. فلوس الشحنه اللي معاك متوديهاش البنك، هاتها وتعالا بيها عالشركة.. لما تيجي هفهمك على كل حاجه.

اغلق الخط وعاود الإتصال برقم آخر:

-ايوه يافهمي بيه.. انا كنت عايز منك خدمه.. عايز اشتري مصنع يكون بيتصفى او محجوز عليه.. عايز المبنى من غير ألات.. انا عندي الألات.

- عارف انها خطوة متأخره جداً لكن كل شيئ بأوان، واديني سمعت كلامك ياسيدي اخيراً وهبتدي اعمل شغلى الخاص ومصنعي وشركتي الخاصة.

وانهى مكالمته وبدأ فى الترتيب لآخذ مايمكن أخذه من سيولة، فقرر أولاً وقبل كل شيئ إبلاغ الجميع بسفر محمود الى الخارج وترك الشركة له، ثانياً تغيير كل طاقم العمل القديم.. ثالثاً أن يرهن الأراضي الزراعية للفلاحين.. ويحاول التحايل ورهن العزبة وهذا سيدر له مبلغاً لا بأس به من السيولة.. وأيضاً البضائع الموجودة فى المصانع سيأخذ هو كل ثمنها.. ومن هنا سينشيئ مصنعه الخاص وشركته التى ستقوم كلها على الطلبيات الواردة لشركة محمود وتنفذها هي،

وكذلك الالات مصنع محمود سينقلها جمعاً لمصنعه، وبهذا سيترك المصنع لآدم حوائط خاوية لا الات فيها ولا حياة، فليأتى ويبحث عن أملاكه إذا ويرى على ماذا سيحصل.

أما الأرض فلن يهنأ له بال إلا أذا وجد لها حلاً وباعها.. حتى وإن اضطر لبيعها بنصف الثمن للمختصين فى وضع اليد على الاراضي والإمتلاك بالإقتدار، فهذا افضل من لا شيئ، وليتنازع معهم آدم عليها.. هذا إن تركه حياً لكل هذا ولم يتخلص منه قبل أن تصل الأمور لهذا الحد.. ولكن للإحتياط سيفعل هذا ويفترض الأسواء.


يتتتبع


  •تابع الفصل التالي "رواية عقاب ابن الباديه" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent