Ads by Google X

رواية بك احيا الفصل السادس و العشرون 26 - بقلم ناهد خالد

الصفحة الرئيسية

   

  رواية بك احيا الفصل السادس و العشرون 26 - بقلم ناهد خالد

.. “أنانيًا”

“لحظة الإدراك هي اللحظة الأخطر على عقلك، حين يبدأ في استيعاب ما غاب عنه للحظات، يكن بين الصدمة والزعر، فيسقط صريعًا بينهما، لولا عناية الله، لفقد الكثير منا عقله في تلك لحظات الإدراك العصيبة التي مرت بهِ”


وأتت لحظة الإدراك لها الآن، وهي تستوعب أنها طعنت بشرًا! طعنته في منتصف صدره دون تردد، مندفعة بتمسكها بشرفها، ارتعشت كفها الحاملة للسكين وهي تقترب منهُ في صدمة تامة مسيطرة عليها، انحنت فوقه وكل ذرة بها ترتعش متفحصة نبضه، وقد لقت ما خشته، لم تشعر بنبضة واحدة حتى، ذهب نبضه وذهب تنفسها معه، اتعشت بشدة واقعة أرضًا بجواره، ولم تستطع فعل أي شيء، لدقائق لم تحسب لها عددًا، وبالأخير اقتحم الصمت دلوفه من باب الشقة، لم تنتبه له حتى وهي تنظر للجثة القابعة أمامها بصمت مخيف.


أخبره رجله الذي كلفه بمراقبة بيتها بدلوف ذلك المخنث للبيت، وفقط مسافة وصوله من المطعم لبيتها، الأمر لم يأخذ دقيقة ربما، فقد قطع المسافة ركضًا وهي قريبة بالأساس، وقف يلتقط انفاسه الهادرة بعنف وهو لا يصدق أن تلك المدة القصيرة أحدثت كارثة كهذه، دقيقة واحدة جعلتها تقتله! إذًا لقد حاول ايذائها فور دلوفه.. ويستحق ما لاقاه على يدها.. يبدو أن فتاته الصغيرة تعلمت كيف تدافع عن ذاتها أخيرًا..!!




اقترب منها بخطوات ثابتة غير مبالية بالراقد غارقًا في دمائه، انحنى عليها يأخذ السكين من بين يدها، لتنتفض مستوعبة وجوده، نظرت له بتيه، ليخبرها بلطف:


_ متخافيش.


وهل هذه كلمة مناسبة لموقف كهذا! يخبرها ألا تخاف وهي للتو قتلت أحدًا ودمائه لم تجف على كفها بعد!


_ أنا… هو..


حاولت قول جملة مفيدة لكنها فشلت، ليقترب منها يفعل ما يشعر بهِ الآن، ألا وهو عناقها… وبمعنى أدق احتوائها، وبالفعل طوقها بين ذراعيهِ، وفي خضم تشتتها تعلقت بشدة في أحضانه وهي تشهق ببكاء اندفع فجأه خارجة عن حالتها الصامتة، شدد من احتضانها وهو يهمس في أذنها بنبرته المألوفة لها:


_ اهدي يا ديجا.


شهقت شهقة قوية شعر فيها بخروج روحه معها لينحني مقبلاً رأسها يدعمها، فاستمع لها تقول بينما تدفن رأسها في صدره، وتخرج منها الكلمات بلا وعي:


_ هو.. هو الي كان هيأذيني.. هو السبب.. انا.. انا كنت بدافع عن حقي.. كنت بدافع عن نفسي يا مراد، انتَ قولتلي مسيبش حقي صح؟



حُبست انفاسه في صدره وهو يستمع لإسمه من بين شفتيها، لأول مرة تهتف باسمه وهي تعنيه، تقصده هو بشخصه، توجه حديثها ل “مراد” وليس ل “زين”، تحتمي ب”مراد”، تذكره بما قاله لها في الماضي حين أخبرها مرارًا ألا تترك أحد يؤذيها، ألا تتنازل عن حقها، كل هذا كان أكبر من أن يستوعبه قلبه دفعة واحدة، ناهيك عن وجودها بهذا القرب، بين أحضانه، رأسها تستند على قلبه تمامًا، حاول تجميع شتات نفسه للتخلص من ذلك الذي يبدو أن روحه قد فارقت جسده، وقال لها بمهاودة:


_صح يا حبيبتي، قومي معايا يلا.


انهى جملته وقد نهض بها عن الأرضية ولكن قدميها لا تحملها حرفيًا، فانحنى هو يضع ذراعه أسفل ركبتيها ورفعها بكل سهولة حاملاً إياها وكأنها فراشة، دلف بها للغرفة التي قابلته ووضعها فوق الفراش وهي مازالت ممسكة بهِ بشدة، لا تريده أن يتركها في خضم ذعرها هذا، وبصعوبة كان يسلت نفسه منها بعدما همس لها:


_ هرجعلك، خليكِ هنا متخافيش محدش يقدر يقربلك طول مانا هنا.



وطواعيةً كانت تتركه مُفلته يدها الممسكة بقميصه، لينسحب للخارج، واغمضت هي عيناها محاولة تخطي الصدمة او على الأحرى الهرب منها…!


وبالخارج وقف أمام الجثة بابتسامة متشفية، على أي حال إن لم تفعلها هي وتقتله لكان فعلها هو، والنتيجة واحدة، بل والآن الوضع بات أفضل وسيسهل له أمورًا كثيرة فيما بعد! اقترب من المثجي أمامه وانحنى هاتفًا بغضب عاد إليه في هذه اللحظة:


_ رحمتك مني بقتلها ليك… رغم إني مش طايقك بس مانكرش إنك هتفيدني كتير.


في ظرف دقائق كان قد طلب رجله الواقف بالأسفل ليأخذ الجثه ويتصرف بها كما يجب، والآخر قام بدوره باتقان حين لفَ الجثة في أحد الأفرشة واستطاع بحنكته واعتياده على مِثل هذه الأمور أن يخرج بها من البيت دون أن يلفت الانظار، وكانت السيارة قد اصطفها أمام الباب تمامًا، وبالأعلى…

بمهارة واتقان كان قد محى أي أثر للجريمة، حتى سكين الجريمة لفه في كيس بلاستيكي محكم الغلق ووضعها في ظهره بين حزام بنطاله وجسده، ودلف لها مرة أخرى..

ابتسم باتساع وقد رأى ما توقعه، لقد هربت للنوم كعادتها، مازالت كما هي تمامًا، لم يغيرها شيء، وهذا ما جعل ابتسامته تتسع وهو يشعر أن تلك العشر سنوات التي مرت في الحقيقة لم تمر، يشعر بهذا مع كل مرة يرى فيها لمحات من طفلته المفقودة، اقترب منها جالسًا أمامها فوق الفراش يتابع ملامحها بشغف، هذا أجمل منظر قد يراه بلا مبالغة، يكفيه أن تطل عيناه عليها، ولكنه الآن يطمع في المزيد، فما المانع من عناقها! أو التمدد بجوارها! ليس هناك مانع بناءً على معتقداته، لذا وبدون تردد كان ينوي فِعل ما أراده، ولكن ما إن تحرك حتى فتحت هي عيناها بذعر منتفضة من نومتها، كأنها رأت كابوسًا، أمسكها من ذراعيها وهو يهدأها:


_ اهدي يا ديجا، مفيش حاجة خلاص.


نظرت له تستنجد بهِ بنظراتها:


_ أنا قتلته.. مراد أنا قتلت واحد صح؟ أنا ازاي عملت كده!؟


وآهٍ من “مراد” التي تنطقها بكل أريحية هكذا، تجعله يذوب حين يسمعها، رغم تأذم الموقف، امسك كفيها بين كفيهِ مرددًا بهدوء تام وكأنها لم تقتل بشرًا للتو:


_ عشان ده الصح، عشان لو مكنتيش قتلتيه كان هيأذيكِ، مش هو كان جاي يقتلك؟


نفت برأسها بقوة وهي تخبره ببكاء بدأت بهِ مرة أخرى، ومن بين شهقاتها كانت تجيبه:


_ لأ، مكانش.. جاي يقتلني..هو..هو..


لم تستطع المواصلة لكنها احتضنت نفسها بذراعيها تلقائيًا فأوشت له بما تعرضت له، طحن أسنانه حتى كاد يكسرها محاولاً كبح لجام غضبه الحارق، زفر انفاسه بتروي كطريقة منه لتهدئة ذاته، قبل أن يقول مبتسمًا:


_ شوفتي يعني كان هيأذيكِ، وأنا قولتلك قبل كده اوعي تسيبي حقك واللي يأذيكِ قيراط أأذيه ٢٤ حتى لو كان ابوكِ نفسه..


اغمضت عيناها لتنهمر دموعها بغزارة تِباعًا، فمد أصابعه يزيلها بلطف بالغ، وقال بحدة طفيفة:


_ بطلي عياط يا ديجا، قولتلك أنتِ عملتي الصح، اهدي بقى ومتندميش إنك قتلتيه.


فتحت عيناها وكادت تتحدث له لكنها توقفت وهي ترى شبحها خلفه، اتسعت عيناها وهي تسمعها تقول بنظرات متشفية وابتسامة مقيتة:


_ قتلتيه يا خديجة! بقيتِ قاتلة زيك زيه!


وهذه المرة وهي بهذه الحالة لم تستطع تجاهلها، لتنطق بوهن مدافعة عن ذاتها:


_ كنت بحمي نفسي، انا مقتلتوش من غير سبب.


ظنها تحادثه فأجاب وهو يهز رأسه بتأكيد:


_ بالضبط يا حبيبتي، ده الي لازم تقنعي عقلك بيه.


_ برافو يا خديجة بقيتِ قاتلة زيه! دلوقتي بقى تقدري تسامحيه، كده كده بقيتوا شبه بعض.


فقدت أعصابها فهاجت وهي تهتف بها بصراخ:


_ قولتِلك كنت بدافع عن نفسي، أنتِ ليه دايمًا بتشيليني الذنب.. ليه بتحمليني ذنب حاجات مليش ذنب فيها!


انتبه الآن انها لا تنظر له! هي تنظر لشيء ما خلفه، التف للخلف ولم يجد أحد، فعاد إليها ليجد انظارها مثبتة على نقطة فارغة، لم يفهم ما بها، لكنه ارجع الأمر انها لربما فقدت اعصابها مما هي فيه، فاقترب منها يحدثها بحنو وهو يجذب وجهها تجاه لتنظر له وبالفعل فعلت:


_ ديجا، انتِ أعصابك تعبانة لازم تنامي تريحي شوية، اوك؟


اومأت برأسها بضعف، لتتسطح فوق الفراش المتهالك مرة أخرى، وجذب هو فوقها الغطاء وما كاد يبتعد حتى أمسكت كفه بذعر وهي تردد برجاء ظهر واضحًا في مقلتيها:


_ متسبنيش يا مراد.


جملتها هذه التي أحيت قلبه بلا مبالغة، وهل له أن يتركها أساسًا!؟ لكن أن تطلبها هي شعور مميز للغاية كان بحاجة إليهِ، وفي الوضع الطبيعي أي شخص آخر لكان اسند حديثها الآن لحالتها الغير طبيعية، فهي لا تشعر بما تقوله او بما تفعله، وخير دليل على هذا أنها تدعوه “مراد” بتلك الاريحية! ولكنه هو الأكثر دراية بهذه الحالة، حالة الذعر والخوف تلك هي الأصدق على الإطلاق، فكل ما تتفوه بهِ الآن لا يمر على عقلها، بل يخرج من خضم مشاعرها وقلبها للسانها مباشرةً، لذا فهي الأصدق! وربما هذا ما يسعده ويؤجج مشاعره بالراحة.


جلس جوارها ممسكًا بكفها بقوة وهو يخبرها بكل ثقة:


_ عمري في حياتي ما هسيبك يا ديجا، حتى لو أنتِ الي طلبتِ ده.


أغمضت عيناها براحة وكأنها التمست آمانها المفقود..


____________________


كان يسير في طرقات المستشفى متابعًا عمله قبل أن يتوقف فجأة وهو يراها تخرج من أحد الجوانب، عقد حاجبيهِ مستغربًا وجودها هنا، وهي لم تنتبه له فكادت تكمل سيرها للخارج إلا أنها توقفت حين استمعت لصوته يناديها، التفت له بملامح جامدة، استغربها، ولكنه ابتسم ابتسامة صغيرة وقد وقف أمامها مرددًا:


_ ايه ده بتعملي ايه هنا؟


اجابته بنفس ملامحه الواجمة:


_ كنت عند مريضة بزورها.


وبغرابة كان يعقب:


_ بس مقولتليش إنك جاية؟ بعدين مريضة قريبتك؟


لم يبدو أن مزاجها جيد، فاجابته بضيق:


_ معتقدش اني ملزمة اقولك!


استغرب هجومها ليخبرها بهدوء حذِر:


_ مقولتش إنك ملزمة! بس كنا بنتكلم الصبح ومقولتيش إنك جاية كنت قابلتك.


مسدت جبينها بكفها بتعب وهي تقول:


_ سوري يا باهر انا بس مش في المود، يلا باي.


انهت جملتها ناوية الذهاب لكنه شعر بأنها ليست على ما يرام فوقف أمامها بحذر كي لا يلامسها وهو يوقفها:


_ استني بس، أنا حاسس إنك مش كويسة.. مالك يا جاسمين؟


اخفضت نظرها للأرضية وقد ادمعت عيناها بشدة ولكنها تصنعت الابتسام وهي تخبره دون ان تنظر له:


_ مفيش حاجة، بقولك ايه لو فاضي تعالى اعزمك على الغدا.


رفعه حاجبه باستنكار وهو يدرك محاولتها للهرب من الحديث، وهو لم يرد الضغط عليها، فسار مع تيار حديثها وهو يخبرها ساخرًا:


_ أنتِ الي تعزميني؟


رفعت عيناها له وقد نجحت في محو دموعها اللامعة من مقلتيها وعادت بسمتها وهي تخبره:


_ جنتل بقى وكده! خلاص يلا اعزمني أنتَ، بس مترجعش تشتكي من الحساب.


ابتسم لها براحة:


_ ياستي اطلبي براحتك، هضيع مرتب الشهر ولا يهمك، هغير بس هدومي واجيلك.. معايا ساعة بريك عشان النهاردة هاخد النبطشية ل ١٠ بليل…


_ مش المفروض بتخلص ٦ المغرب!


_ لا ما الدكتور هيتأخر النهاردة لظروف خاصه فهستمر ل١٠، دقايق وهرجعلك.


اومأت برأسها وذهب هو بعيدًا ليغير ثيابه، بينما وقفت هي وقد طفرت الدموع في عيناها مرة أخرى، الأمر فوق طاقة تحملها لكنها تلتزم الصمود ليس لأجلها بل لأجل عائلتها.. والدها، ووالدتها، حتمًا سيتأذون بشدة إذا علموا مصابها، وهي لن تسمح أن يعيشوا اوقات عصيبة هكذا، يكفي هي ما تعيشه لمدة سنة وستة اشهر للآن!


___________________


فاقت بعد نصف ساعة فقط لتجد نفسها بمفردها، وفجأة ضرب بعقلها ماحدث، لتخرج مهرولة من الغرفة وهي تتوقع رؤية الجثة بالخارج لكنها توقفت محلها بصدمة وهي ترى الشقة كما كانت وكأن شيئًا لم يكن، حتى أنها شكت في كونها قد توهمت ما حدث، وقفت ضائعه ما بين التصديق وعدمه، هل كل ما رأته كابوسًا! أم خيالها المريض تدهور لهذا الحد؟ “زين” هو الفاصل بين الحقيقة والخيال، اتجهت لهاتفها فورًا تلتقطه من حقيبتها وهي تطلب رقمه، مع كل جرس يصدح في أذنها كانت اعصابها تُهلك، حتى اجاب أخيرًا:


_ زين!


قالت اسمه بهمس خائف، ليجيبها هو متفهمًا أن خوفها وترددها مما حدث:


_ متخافيش يا خديجة، أنا اتصرفت في الجثة ومحدش هيعرف حاجه عنها، ده سر هيدفن بيني وبينك متقلقيش…


هوت جالسة ارضًا وسقط الهاتف من يدها، واعصابها في حالة تشنج تام، دموعها هي ما تعبر عن شعورها، وهي تسمح همس “سارة” في أذنها وهي تكرر عليها:


_ بقيتِ قاتلة خديجة… بقيتِ مجرمة خلاص!


ظل الوضع هكذا لدقائق طويلة قبل أن تجهش في بكاء مرير وهي تردد بدون وعي:


_ مكانش قصدي.. مكانش قصدي..

________________


اغلق المكالمة معها وجلس يفكر في حالتها الآن، لابد أنها مذعورة، وفي حالة صدمة مما ارتكبته، ولربما أو بالتأكيد سيعود لها ذكريات الماضي، مسد وجهه بكفه بسأم من الوضع برِمته، وعقله يحدثه أنه استغل الأمر لصالحه، ولربما يُعد هذا تصرفًا أنانيًا، نهض مطفأً لفافة تبغه، ووقف أمام الشرفة بصدره العاري مرددًا بشرود بينما ينظر للخارج:


_ مكانش ينفع الموضوع يخلص غير كده، مكانش ينفع اضيع فرصة جاتلي على طبق من دهب زي دي، لو كنت بلغت الشرطة كانت هتخرج منها بسهولة وهيكون واضح أنها حالة دفاع عن النفس، بس أنا مكنتش هستفيد حاجة، لكن دلوقتي الي حصل هيقربنا من بعض…


تخيلها أمامه ليبتسم لها بيأس وهو يخبرها:


_ مكانش قدامي حل تاني، مسبتليش خيار تاني يا خديجة، أنتِ قافلة كل الطرق بينا.. دلوقتي هكون بالنسبالك بطلك الي انقذك من جريمة قتل واتستر على جريمتك معاكِ، وحتى بعد كده لما تعرفي إني مراد، مش هتقدري تتهميني إني قتلت اختك، لأن زي ماقتلتِ واحد عشان تدافعي عن نفسك وأنتِ مش قاصدة تقتليه، أنا كمان قتلتها عشان ادافع عنك… بس الفرق…


لمعت عيناه بنظرات غامضة، مليئة بالشر، وعيناه الخضراء الممزوجة بالرمادية حال لونها للأخضر الداكن المخيف، وهو يردد بابتسامة عابثة:


_ اني كنت كده كده هقتلها حتى لو موقعتكيش يومها…!!!!!!!

 

  •تابع الفصل التالي "رواية بك احيا" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent