رواية بك احيا الفصل السابع و العشرون 27 - بقلم ناهد خالد
“حاسة سادسة!”
جالسة أمامه في ذلك المطعم الراقي الذي أتيا إليهِ لتناول الطعام, شحوبها وتبدل حالتها المزاجية على عكس المعتاد هو ما دفع فضوله للتحرك متسائلاً عن سبب حالتها هذه, ولعلَّ علاقتهما التي توطدت قليلاً في الفترة الأخيرة هي ما اعطته الجرأة لسؤالها عن ما أصابها, فلم يمنع لسانه من السؤال وهو يسألها:
– أنتِ كويسه؟ حاسس في حاجة قالبة مودك, وبعدين مش حاسس انك كنتِ في المستشفى بتزوري مريضة.
رفعت عيناها عن طبقها الذي كانت تعبث بهِ, ونظرت له لدقيقة تقريبًا بلا أي حديث, حتى أن نظرتها وترته, بدت شاردة بنظراتها لحظة وتفكر لحظة أخرى, ولا يعلم أكان سؤاله يستحق كل هذا التفكير؟ كاد يسحب سؤاله شاعرًا بتسرعه في طرحه, علّها لا تريد إخباره, فلِمَ تطفل لهذا الحد؟! لكنها اوقفته وهي تقول بنبرة هادئة تمامًا وكأنها لا تلقي على مسامعه خبر فاجع الآن!
– أنا عندي الحاسة السادسة.
نظر لها لثواني وكأنه يستشف إن كانت تمزح أم تتكلم بجدية! وصمود ملامحها وثبات نظراتها أكدت له أنها لا تمزح, ولكن لِمَ يجعلها هذا واجمة لهذا الحد؟! استند بمرفقيهِ على الطاولة أمامها وهو يعقب باستغراب:
– لو بتتكلمي جد, ليه مضايقة! دول بيقولوا الحاسة السادسة دي هبة من ربنا!
هزت رأسها باستنكار وهي تخفض عيناها لوهلة تستعيد ثباتها, قبل أن ترفع رأسها له وهي تخبره بنبرة بدت سخريتها:
– دي لو زي مانتَ فاهم, قولي تسمع ايه عنها؟
تنحنح واعتدل في جلسته حين وصلت إليهِ سخريتها التي شعر بأنها تخفي ألمًا ما خلفها, فتحدث بجدية أكثر وهو يخبرها:
– الموضوع له علاقة بالطب النفسي أكتر, بس أنا سمعت عنه أيام الكلية, هي ممكن تبدو للبعض خرافة, لكن هي واقع بيحصل مع بعض الناس, وهي انهم بيشوفوا الحاجة قبل ما تحصل, أو بيحسوا بيها, تنبؤ يعني سواء كان بدليل زي حلم أو رساله من اشخاص مجهولة, أو من غير دليل زي مجرد إحساس, والموضوع كان غريب بالنسبالي لدرجة إني بحثت عنه وقتها وحبيت اعرف رأي الدين فيه كمان, وعرفت انه هبة من ربنا, ومش حرام مادام الانسان مسعاش ليها زي حوار الروحانيات والكلام ده, وحصلت مع واحد صاحبي مرة, حلم ان اخته حامل رغم ان الدكاترة اكدوا أنها مستحيل تخلف, وفعلاً بعد يومين عرفوا انها حامل وكانت معجزة وقتها, فعشان كده مستغرب ضيقك للدرجادي.
لم تعقب على استغرابه وهي تخبره بابتسامة مُرهقة:
– أنا مكنتش بزور مريض في المستشفى, أنا كنت بزور ميت في المشرحة.
عقد ما بين حاجبيهِ باندهاش وهو يسألها:
– قريبك؟
التواء ساخر ظهرَ من جانب فمها وهي تجيبه:
– ولا عمري قابلته تخيل!
بدى الأمر محيرًا لهُ, وبدت هناك الغاز حول الأمر, فتعاظم اهتمامه وهو يخبرها بجهل:
– مش فاهم.
اغمضت عيناها تتنفس باختناق, محاولة الهدوء, الذي لم يأتي لها, بل بالعكس فقد انتابتها رغبة عارمة في البكاء, ولم تستطع كبحها, فكانت بدايتها شهقة فاجأته وبعدها رأى سيل من الدموع يغطي وجنتيها قبل أن ترفع كفيها لتحجب عنه رؤية وجهها بأكمله منتحبه في صوتٍ منخفضٍ, اربكه بكائها ولم يعرف ما عليهِ فعله, سوى أنه حاول تهدئتها ببعض الكلمات الواهية, وهو يتململ في جلسته بغير راحة وكأنه يمنع ذاته من النهوض ومواساتها بالطريقة التي تناسب الموقف.
– ممكن تهدي طيب, وأيًا كانت مشكلتك اكيد لها حل, وانا هساعدك تلاقي الحل ده, بس اهدي وفهميني.
وهل ستتحكم في بكائها من بضع كلمات؟ أخذ الأمر منها دقائق تحت نظراته الحزينة عليها وعجزه عن تهدئتها, حتى أزالت كفيها أخيرًا وهي تمسح دموعها جيدًا كأنه لا يعرف أنها كانت تبكي! التقطت أنفاسها وهي تتجنب النظر إليهِ, فنظرت لكفيها اللذان تفكرهما بتوتر, وهي تسرد على مسامعه قصتها التي اكتشفت أنها مأساوية قبل ساعات قليلة:
– من لما كان عندي 15 سنة وأنا بحلم بأحلام غريبة, ناس معرفهمش ولا عمري شوفتهم بشوفهم في حلمي بيحصلهم حوادث وحشة, ولأني معرفهمش مهتمتش, وعمري ما فكرت ابحث عن الموضوع او اشغل دماغي بيه, كنت بعتبرها مجرد كوابيس ملزماني, ورغم انها كانت بترهقني لكني اتعودت عليها مؤخرًا من كتر ما بقت تزورني, يمكن مبشوفهاش بشكل يومي, بس غالبًا مبيعديش شهر من غير ما احلم بكابوس منهم, واوقات كنت بحلم بيهم مرتين في الأسبوع, كل ده كان عادي, وممكن يحصل لناس كتير, لحد اول امبارح…
التقطت أنفاسها مرة أخرى, قبل أن تطفو الدموع في مقلتيها, وبدأ كفيها في الارتعاش وهي ترفع نظرها له مُكمله بشفاه مهزوزة:
– من كام يوم حلمت بشخص عمري ما شوفته بيعدي الطريق وبتخبطه عربية وبيموت, حلمت بكل تفاصيل الحادثة لحد ماتنقل للمستشفى والدكاتره قاله انه كويس ومات بعدها فجأة, وكالعادة مهتمتش للحلم, رغمه انه دايمًا بيكون في ترتيب احداث غريب, والاغرب اني بفتكره, بفتكره بكل تفصيله فيه, اول امبارح كنت رايحة النادي, وانا في الطريق العربية الي جنبي خبطت واحد كان بيعدي فجأة, وقفت طبعًا ونزلت اشوف حصله ايه, ووقتها اتفاجأت بانه نفس الشخص الي شوفته في حلمي, رجلي خدتني وراه لحد المستشفى.. كل الي شوفته في حلمي حصل بالضبط, حتى والدته الي شوفتها في الحلم جت وانا في المستشفى, الدكتور بعد شويه قال انه كويس مجرد رضوض وكدمات وكسر في رجله مش اكتر, مشيت وانا مرعوبة, لأني شوفت ده في حلمي, وشوفت بعدها والدكتور واقف جنبه والممرضة بتقوله “ازاي مات يا دكتور ده حالته كانت كويسة” عشان كده اترعبت لده كمان يتحقق, سِبت رقمي لموظفة الاستقبال وقولتلها انه قريبي وتبقى تبلغني لو حصل حاجة..
سقطت دموعها ولم تخفيها هذه المرة, بل انتحبت بقوة وهي تكمل سرد باقي قصتها من بين شهقاتها وقد تفاعلت يدها مع سردها للأحداث:
– كلمتني من شوية … وقالتلي انه مات, حسيت اني اتشليت لما عرفت الخبر, فضلت شوية مش مستوعبة الي بيحصل, وبعدها جريت… على المستشفى, وسمعت نفس الجملة والدكتور والممرضة واقفين قدام المشرحة… عشان يسلموا جثته لأهله, سألت الدكتور عن سبب الوفاة, قالي مفيش سبب واضح, بس اشتباه في وجود نزيف داخلي مظهرش في الاشاعات, خرجت من هناك وانا مش شايفة قدامي ومش فاهمة تفسير للي بيحصل… سألت عن دكتور نفسي ودلوني على دكتور… كان في جلسه مع مريض, استأذنت وقاطعت جلسته وحكيتله الي حصلي, وهو الي قالي عن الحاسة السادسة.. او الي بيسموها في الطب النفسي الحدس, وقالي ان ممكن كل الي شوفته قبل كده.. اتحقق هو كمان بس انا معرفتش..
التقط كوب ماء يناوله لها وهو يحدثها بشفقة:
– اهدي يا جاسمين, خدي نفسك واشربي, حالتك دي غلط وممكن تدخلك في مشاكل نفسية سيئة.
التقطت منه الكوب بكف مرتعش, وشهقاتها لم تهدأ بعد, ارتشفت القليل منه, ووضعته جانبًا وهي تكمل حديثها بعدم تصديق بدأ يعود لها مرة أخرى:
– أنتَ متخيل أنا شوفت كام واحد بيموت, طيب سيبك من دي, تخيل شوفت كام واحد بيتقتل وكان ممكن الحقه بس بغبائي اتجاهلت الموضوع.
عقد ما بين حاجبيهِ بغرابة وهو يسألها:
– أنتِ تعرفي أماكنهم؟
هزت رأسها نافيًة, وهي تمسح دموعها بكفها, ليبتسم على تفكيرها المضطرب وهو يخبرها:
– كنتِ هتنقذيهم ازاي؟
رفعت منكبيها بجهل وهي تجيبه:
– مش عارفة بس حاسة إن كان المفروض اعمل حاجة, وخايفة اوي ان اشوف الي بحلم بيهم من هنا ورايح, هيبقى الموضوع صعب اوي عليَّا.
حاول ممازحتها ليصرف تفكيرها عن الأمر كارهًا رؤيتها في هذا الحزن, فقال بفكاهة زائفة أدركتها هي لكنها قررت تخطيها ومجاراته, ربما لأنها كرهت أن تبدو في موقفها هذا الذي يظهر ضعفها أكثر:
– تفائلي خير ان شاء الله ده مش هيحصل, وبعدين متركزيش مع الموضوع عشان متتعبيش, ويلا بقى أكل لاحسن خلاص بطني بتصوت وذنبها في رقبتك.
هزت رأسها له بابتسامة باهتة دون حديث آخر, ولكن عقلها لم يتوقف عن التفكير في الأمر رغم محاولاته لصرف ذهنها عنه.
———————-
في عصر اليوم التالي…
كان عليها أن تذهب لعملها رغم كل شيء, ليلة أمس كانت من أسوء الليالي التي مرت عليها بعد ليلة مقتل “سارة”, وربما تأتي هي في الصدارة من حيث الأكثر سوءً, فعلى الأقل هي لم تقتل سارة فعليًا, هي فقط شاركت في قتلها, بالصمت والتستر, ولكن هذه المرة هي قتلت فعليًا, وربما وقتها كانت أصغر سنًا وإدراكًا للموقف, لكن ما حدث بالأمس مختلفًا تمامًا, لا تعلم كيف مرَ عليها الليل, ولا تعرف متى ارتدت ثيابها وأتت للعيادة تباشر عملها, رفعت هاتفها لترى رقمه يزين شاشته للمرة التي لم تحسبها, فهو يهاتفها منذُ أمس, وهي لا تجيبه, ليست مستعدة لمواجهة الشخص الذي شهد على جريمتها ولا تعلم كيف جاء لمنزلها ولم تهتم بمعرفة السبب حتى, خرجت من شرودها على صوت الطبيب بجوارها وهو يقول:
– ايه يا خديجة لسه قاعده ليه؟
نهضت وهي تجيبه بتوتر:
– لا مفيش, هلم حاجتي اهو.
طالعها بتفحص ثاقب وهو يسألها:
– أنتِ كويسه؟
فتحت فاهه ناوية اخباره بما حدث وقد شعرت برغبتها بهذا, ولكنها تراجعت في آخر لحظة مستشعره خطورة الأمر فقالت:
– لا, أنا كويسه.
هز “كمال” رأسه يائسًا منها وهو يذكرها بحديثه محذرًا:
– خديجة, افتكري إني قولتلك الكدب مش هيوصلك لحاجة, ومش هيحل الأزمة, بالعكس هيعقدها, وانا دكتورك يعني مينفعش تخبي عليَّ او تكدبي.
وحديثه أفاقها بالفعل, وأشعرها بخطئها الذي ترتكبه لثاني مرة, فقالت بتنهيدة حائرة:
– أنا مش كويسه, وفي حاجة حصلت معايا بس… مش جاهزه اقولها دلوقتي.
ابتسم لها بهدوء وقد سعد بنجاح حديثه معها:
– خدي وقتك, وانا مستنيكي تيجي تحكيلي, يلا قفلي العيادة وامشي.
اومأت موافقة وهي تتابع ذهابه بتفكير, هل عليها أن تخبره وتطلب مساعدته لتخطي الواقعة؟ وهل يستطع مساعدتها بالفعل؟ أسيعيد قتيلها للحياة! أم سيخفف شعورها بالذنب؟ جلست خلف المكتب ووضعت وجهها بين كفيها بتعب وعقلها يكاد ينفجر من الحيرة والتفكير…والتشتت.
————————-
مساءً….
لم تأتي للمطعم اليوم ولا تجيب على هاتفه, لكنه علمَ بذهابها للعيادة, إذًا لِمَ لا تجيب اتصالاته ولم تأتي للعمل بالمطعم؟ أم أنها تقصد التهرب منهُ؟ لِمَ؟ أليس من المفترض أن يكون اقرب لها بعد ما حدث بالأمس؟ أم أتى بنتيجة عكسية؟ لكنه على أي حال لن يسمح لها بالبعد, ولن يسمح بوقوع النتيجة العكسية, زفر أنفاسه باختناق بعدما تعالى رنين هاتفه مرة أخرى برقم “طارق”, تجاهله لأول مرة لعدم رغبته في الحديث مع أحد الآن وهو بهذه الحالة العصبية, لكنه لم يستطع تجاهله للمرة الثانية, واجابه بضيق ظهر في نبرته:
– خير؟
أتاه الرد على الجهة الأخرى, ليستمع له بهدوء زائف قبل أن يهتف معقبًا بعصبية:
– يعني محصلش كارثة ولا الدنيا اتهدت! انت عارف اني مبحبش الزن, جرالك ايه يا طارق؟ رنيت مرة مردتش خلِصنا.
– أنا أسف يا باشا والله أنا بس…
لم يدعه يكمل حديثه ليغلق المكالمة والقى بالهاتف فوق الفراش بعصبية, واتجه لجزئه الخاص بمشروبه المفضل, تناول أحد الكؤوس الفارغة وصبَ فيهِ بعض المشروب من الزجاجة ذات المظهر الفاخر, رفع الكأس ليتناوله دفعة واحدة قبل أن يضعه مرة أخرى وهو يغمغم بأنفاس حارقة:
– ماشي يا خديجة… اما اشوف اخرتها معاكِ.
اتجه لمفاتيح سيارته وباقي اغراضه يجمعهم على عجاله قبل أن يتجه للخارج بخطوات مسرعة قاصدًا وجهه معينة..
————————
حاولت أن تبدو طبيعية وهي تستقبل ابنة عمتها التي جاءت في الموعد المحدد كما اتفقا سلفًا, وانقضت الجلسة على خير لحدًا ما رغم شعور “باهر” بشيء ما ليس جيد بها, “باهر” الذي تفاجئ من الشقة القاطنة بها ومدى تدهور حالتها, لم يعلق على ما رآه أمامهم رغم ظهور هذا جليًا على صفحة وجهه, والتقطته “خديجة” بسهولة لكنها اصطنعت عدم الملاحظة, حتى انقضت الجلسة أخيرًا, وما كادت تلتقط أنفاسها براحة, حتى حُبست تلك الأنفاس وهي تسمع لصوت “باهر” يحدثها بوعيد خفي:
– خديجة تعالي وصليني لتحت عشان تقوليلي اخرج منين.
هزت رأسها طواعية مجبرة, وهي تقوده بخطواتها للأسفل, وتستعد بداخلها للمواجهة التي لم تكن بعيدة أبدًا, فبمجرد وصولهما لمدخل البيت, حتى اوقفها بحديثه:
– مكنتش اعرف انك كدابة هايلة كده.
رفعت رأسها بتعب وهي تلتف له, حقًا ليست حِمل أي عتاب أو لوم, ففيها ما يكفيها ويفيض, تحدثت بهدوء تحاول شرح الوضع له:
– باهر, الي أنتَ شوفته ده مكانش ينفع احكي عنه لأي حد مهما كان مين, أنا أبويا الله يرحمه, في عز ماكنا بنبقى محتاجين عمره ما اشتكى ولا بين حاجته لحد, حتى لاخوه, وانا طلعاله في الموضوع ده, مقدرش ابين حاجتي لحد ويعطف عليًّ.
اغاظته بحديثها فانفعل عليها وهو يشيح بيده في غضب:
– أنتِ عبيطة يا به؟ عطف ايه وزفت ايه! انا ابن عمك, يعني مش واحد غريب عشان اعطف عليكِ, ده حقك عليَّ إنك لما تكوني في ضيقة أكون جنبك, اومال اسمنا قرايب ازاي؟ ولا هي القرابة عندك لها مفهوم تاني!
مسدت جبينها بتعب واضح وهي تخبره بمهاودة:
– أنتَ صح, عمومًا خلاص أنا دلوقتي فعلاً معايا فلوس ودخلي زاد, تعال بعد شهر وشوف الشقة دي هتبقى مليانة عفش ازاي.
رفع جانب فمه ساخرًا وهو يعقب:
– مش هستنى شهر يا حلوة, بكرة الصبح هتيجي معايا نشتري عفش للبيت بدل الكراكيب الي عندك دي.
رفعت حاجبها برفض تام وهي تقول:
– لا طبعًا, بعدين كراكيب ايه! انا العفش الي عندي حلو, هو بس ناقص شوية.
اشمئز بملامحه وهو يسخر منها:
– عفش! هو فين العفش ده عشان مشفتوش.
لم تهتم لسخريته وهي تخبره بضيق:
– باهر, مفيش داعي تتعب نفسك, أنا هدبر اموري.
– بس يا به.
اردف بها متحركًا وهو ينوي الذهاب ليغضبها عدم اهتمامه لحديثها فأمسكت ذراعه توقفه لتخبره بإصرارها على رفضها لتدخله, لكنها توقفت وهي تستمع لصوت مألوف يقول:
– مساء الخير.
شخصت ببصرها تجاه الصوت لتجده واقفًا أمام مدخل البيت, وعيناه ليست معها, بل هي مثبته تمامًا فوق كفها الممسك بذراع “باهر”, وكرد فعل تلقائي كانت تفلت ذراعه من قبضتها وهي تهمس بقلق من ظهوره في هذا الوقت بعد أن تعمدت تجاهل مكالماته:
– زين!
_______________
قبعت بين أحضانه براحة وسعادة فهي لا تصدق أنها تراه مرتان في نفس الأسبوع، تمرمغت في أحضانه أكثر كقطة لطيفة تأخذ حنانًا من صاحبها، ليضع لفافة تبغه جانبًا وهو يضحك بخفوت على تصرفتها مردفًا:
_ ايه يا جوجو أنتِ وخداكِ العاطفة ولا ايه؟
رفعت رأسها وهي مازالت على صدره تسأله برفعة حاجب:
_ عندك مانع؟
رفع كفه مستسلمًا يخبرها:
_ ابدًا يا كبير، بالعكس ياريت اوحشك كده على طول.
اعتدلت في جلستها وهي تنظر له بأعين تنضح عشقًا مردفة بصدق:
_ أنتَ بتوحشني و أنتَ معايا، عشان ببقى عارفه انك هتغيب عن عيني فترة بعدها.
رفع كفه يمسد خصلاتها وهو يقول مبتسمًا:
_ كله هيتحل يا روحي، ياما دقت على الراس طبول يا جوجو مالك كده!
امسكت كفه بين كفها وهي تخبره بنظرة حزينة:
_ المره دي أنتَ معايا والبعد تاعبني، وخايفة.. خايفة اوي ليحصل حاجه ويكتشفوا الي بينا.
اعتدل في جلسته وجذبها لأحضانه يطوقها بحنو، بينما قبل رأس وهو يخبرها بنبرته التي تبعث السكينة لنفسها الثائرة:
_ هاجر خلي عندك إيمان أننا مش هنفترق ابدًا، وخليكِ واثقة ان حبنا اقوى من أي وحش ممكن نقابله.
اغمضت عيناها وابتسمت بحالمية وهي تقول:
_ _ نفسي يكون عندي بيبي منك، امتى هنقدر نعيش حياتنا زي الناس بجد.
ضمها لصدره أكثر وهو يقول بتنهيدة حملت الكثير:
_ احنا الي اختارنا يا هاجر، ده كان اختيارنا من البداية، والغلط مش في اختيارنا، الغلط في حبنا لبعض وأنتِ عارفة ده، مكانش لازم نحب بعض للدرجادي، مكانش لازم تبقى العلاقة دي بينا أصلا!
أغمضت عيناها بتألم، وهي توقن واقعية حديثه وهمست:
_ عارفة..!!!
شدد عليها بين أحضانه وهو يخبرها بنبرة عاشقة بهذه المرأة منذُ أن وقع نظره عليها من عامان:
_ انا بحبك ياهاجر وعمري ماحبيت ولا هحب غيرك، وواثق اننا هنحقق كل الي بنحلم بيه في يوم.
شعر بابتسامة ثغرها الملاصق لصدره قبل أن يسمع صوتها المتأثر بدفئ مشاعرها:
_ وانا بعشقك يا طارق..
يتبع….
•تابع الفصل التالي "رواية بك احيا" اضغط على اسم الرواية