رواية بك احيا الفصل التاسع و العشرون 29 - بقلم ناهد خالد
_“حُنكة بن وهدان”
وها هي تدق التاسعة مساءً لتعلن عن موعد قدوم عريس الغفلة كما ذكره “باهر”..جلست “خديجة” على أحد الكراسي من ضمن ثلاث كراسي المتواجدين في صالة الشقة، التي تفتقر للكثير، بعدما تزينت في فستان اسود انيق رغم بساطته الشديدة، وحجاب احمر بهِ نقوش سوداء بسيطة، ولم تضع على وجهها أي مساحيق تجميل مكتفية ببشرتها الخمرية دون أن تحاول تغيير حقيقة لونها، فقط كحل اسود حددت بهِ عيناها السوداء ذات الأهداب الكثيفة، كبحت ضحكتها بصعوبة على مظهر “باهر” الجالس أمامها يتلوى في جلستها، وهو يردد بنزق:
_ الساعة ٩ وخمسة ياترى بقى البية ناوي ييجي نص الليل!
احتفظت بضحكتها وهي تجيبه بتعجب:
_ نص الليل عشان اتأخر خمس دقايق! باهر أنتَ ناوي تطفشه بطريقتك دي!؟
زفر باختناق وهو يغمغم بحنق:
_ وهطفشه ليه ياختي بيني وبينه ايه؟ انا بس مبحبش عدم الالتزام في…
وقبل أن ينهي جملته كان جرس الباب يعلن عن قدوم الزائر المنتظر، انتفضت واقفة وخرج “مصطفى” من الغرفة بعد أن انتهى من ارتداء ثيابه للتو، واردف ضاحكًا:
_ العريس ده محترم اول ما خلصت لبس جه على طول.
حدقه “باهر” بنظرات ضائقة مرددًا بسخرية:
_ محترم اه.
فتح “باهر” باب المنزل ليبصر عريس الغفلة ومعه شخص غريب!
_ اتفضلوا.
دلفا للداخل ووضع” مراد” علبة الحلويات كبيرة الحجم فوق الطاولة المجاورة للباب، اتخذت هي خطوتان للخلف مبتعدة عن الكراسي بعدما نظر لها “مراد” مبتسمًا وعيناه تلمع بنظرة خاصة، اشار لهما “باهر” بالجلوس، ليجلس “مراد” وبجانبه هذا الغريب، ثواني ودلفت “خديجة” للمطبخ وخرجت بأربع اكواب عصير، وضعتهم فوق الطاولة وما كادت تدلف مرة اخرى حتى سمعت صوت الغريب يهتف:
_ ما تقعدي يا عروسة.
ابتسمت بخجل واتجهت للجلوس فاسرع “مصطفى” يجلب كرسي لها من الداخل، فجلست محتفظة بخجلها، بدأ الحديث بصوت “باهر” يردف بنزق خفي:
_ منورين يا جماعة.
كانت جالسة بجوار “زين” والفرق بينهما عدة سنتيمترات لتسمعه يشيح بوجهه تجاهها وهو يهمس لها:
_ منورين وهو عاوز يطردنا اصلاً.
ضحكت بخفوت على حديثه الهامس، فعقب ضاحكًا:
_ بالضحكة دي قلبي متعلق.
ازدادت حمرة خجلها وهي لا تصدق لِمَ تسمعه منه، هل هذا هو “زين” الهادئ، المحترم!
_ ما تخليك معانا هنا يا عريس، ولا رقابتك ملووحه!
لف رقابته له وهو يبتسم باصفرار:
_ اه اصل باين كده نمت نومة غلط بليل، فرقابتي شادة بعيد عنك.
ضغط “باهر” على نواجزه سائمًا من هذا السمج، ونهض فجأة متجهًا لكرسيها وامرها:
_ قومي اقعدي مكاني.
نهضت على مضض فيبدو أنها أحبت همس الآخر! واتجهت لذلك الكرسي البعيد قليلاً جالسه فوقه، ليخبط “باهر” بكفه على فخذ “مراد” قائلاً:
_ منور.
ازاح “مراد” كفه برفق مبتسمًا باصفرار:
_ ده نورك.
_ وحضرتك بقى والده ان شاء الله؟
تسائل بها “باهر” لهذا الغريب الصامت، ليهتف:
_ لا أنا خاله ان شاء الله.
قطب حاجبيهِ متعجبًا، ليهتف “مراد” فورًا موضحًا بنبرة حزينة:
_ اصل انا اهلي متوفيين، مفاضلش منهم غير خالي، هو كمان مسافر كندا دي اجازة بس لكن مسافر بكره.
اومئ برأسه متفهمًا، ولانَ “باهر” قليلاً وهو يستمع لحديثه ونبرة الحزن الظاهرة بها، فتنهد قائلاً:
_ الله يرحمهم.
_ هو مين ده؟
قالها “مراد” بجهل مصطنع وهو ينظر ل “مصطفى” الذي تولى الرد معرفًا عن ذاته:
_ أنا مصطفى، اخو خديجة.
ابتسم له بود مردفًا:
_ عاشت الأسامي يا درش.
تنحنح الرجل وأردف بوقار:
_ المهم يا دكتور باهر احنا جايين نطلب ايد الآنسة خديجة لابننا زين.
اجلى “باهر” حنجرته قائلاً:
_ احنا عاوزين نعرف طيب تفاصيل عنه، احنا تقريبًا منعرفش حاجه عنه.
تولى “مراد” الحديث قائلاً:
_ أنا زين محمود السويسي، عندي ٢٣ سنة، شغال شغلنتين، واحده في المطعم، والصبح في مكتب هندسي، عندي شقة جاهزة فاضل بس العروسة..
قالها وهو ينظر ل” خديجة” مبتسمًا، ثم عاد يكمل حديثه:
_ جهزتها من ورثي، والحمد لله تقدر تقول شغلي ماشي كويس، يعني مش هحرمها من حاجة، واهلي زي ما قولتلك، وعمومًا الخطوبة بتتعمل ليه، مهو عشان تعرفني اكتر وتطمنلي.
نظر لها “باهر” بتفحص لعلّه يستشف ماهية الرجل الجالس أمامه، أهو جيد أم سيء؟ لكنه بالأخير فشل، فتنهد حائرًا واردف وهو ينظر ل “خديجة” :
_ تمام ماشي، بس خديجة محتاجه وقت تفكر وبعدها هنرد عليكوا.
ابتسم “مراد” بخبث قائلاً:
_ بس خديجة تعرفني بقالها فترة من شغلنا مع بعض، واكيد كونت وجهة نظر عني، معتقدش محتاجة وقت تفكر، هي اكيد حاسة هي عاوزاني ولا لأ.
ورغم رفض “باهر” لهذا التسرع إلا أن طرق “مراد” الملتوية اجبرته على الموافقة، بحنكته استطاع جعل الخطبة بعد يومان فقط من الآن!
اغلق الباب وقد ضاق ذرعه بما حدث، ليلتف لها بغضب حقيقي:
_ اي الواد ده! خطوبة ايه الي بعد يومين ابن العبيطة ده؟
رفعت منكبيها ببرود:
_ الله! مش أنتَ الي وافقت أنا مالي؟!
_ مهو بني آدم مستفز و..
_ هي معاها حق يا باهر، انتَ الي وافقت فعلاً.
هذا ما أردفت بهِ “فريال” وهي تخرج من الغرفة، ليزيد اشتعال غضب “باهر” الذي اشاح بيده وهو يلتقط اغراضه:
_ أنا مش ناقص حرقة دم، أنا ماشي.
خرج مغلقًا الباب خلفه، لتنفجر الاثنتان بالضحك على حديثه وغضبه، وما إن انتهيا حتى سألتها “فريال” بجدية:
_ المهم، أنتِ مرتاحة يا ديدا؟
اومأت “خديجة” مبتسمة بخجل فطري:
_ يعني.. تمام..
غمزت لها “فريال” بعبث مردفة:
_ لا ده شكله تمام جدًا مش تمام بس.
وانطلقت ضحكات الفتاتان تعم ارجاء الشقة من جديد..
بالأسفل..
ابتسم الرجل بسخافة وهو يردف:
_ ايه رأيك فيَّ يا باشا عملت الدور مظبوط صح؟
نظر له” مراد” بجانب عيناه دون أن يجيبه، ليكمل سخافته مرددًا:
_ دول صدقوا اني خالك بجد، ولو كنت قولتلي اقولهم إني ابوك كانوا صدقوني برضو.
توقف “مراد” بغتًة يحدقه بنظرات جامدة اثارت ريبته وهو يشير له بعيناه:
_ غور من هنا.
ولم يحتاج لكلمة اخرى قبل أن يفر هاربًا في الاتجاه المعاكس…
_______________
_ مراد.
توقف على صوت” ليلى” الذي علىَ يناديه، فالتف ليجدها في الطرقة المؤدية للغرف، سار ناحيتها بخطى هادئة مبتسمًا تلقائيًا كعادته حين يراها، انحنى أمامها يحدثها بلطف:
_ عاملة ايه يا لولا؟
ابتسمت له بحب مجيبة:
_ بخير يا عيون لولا، قولي وشك منور كده خير؟
اجابها بثبات تام:
_ ابدًا، بس حسيت خديجة بدأت تطمنلي.
عبست بوجهها تسأله:
– كل ده يا مراد ولسه هتطمنلك! اومال هتعرفها بنفسك امتى يابني؟
اقترب مقبلاً وجنتها وهو يخبرها بلطف:
_ كله بآوانه يا لولا.
تنهدت باستسلام:
_ ربنا معاك يا بني.
وقف مستأذنًا منها ودلف لغرفته، في نفس اللحظة التي صعد فيها “حسن” درجات السلم، وأصبح أمامها، التفت بكرسيها لتعود لغرفتها لكنها توقفت على صوته يقول:
_ ليلى عاوز اتكلم معاكِ.
التفت بالكرسي له تسأله باقتضاب:
_ حاجة تخص مراد؟
قطب ما بين حاجبيهِ ضيقًا:
_ هو مفيش كلام بينا غير إذا كانت حاجة تخص مراد!
اومأت مؤكدة برأسها:
_ اعتقد قولت ده من سنين ليك، ايه الي جد؟
زفر انفاسه مختنقًا وهو يخبرها:
_ الي جد إني تعبت يا ليلى، تعبت ومبقتش متحمل الوضع ده، هيفضل كده لامتى؟
وبجمود اجابته:
_ لحد ما حد فينا يموت وينقضي اجله.
رفع عيناه للاعلى بملل واردف:
_ ليلى، ده مش حل! احنا متجوزين، بس بقالنا اكتر من ١٥ سنه عايشين كأننا اخوات! ده حتى الاخوات بيتكلموا مع بعض عننا!
_ وهنفضل كده، انا وانتَ استحالة نرجع زي الأول ولا ايه يا جورج؟ أنا ديني بيمنعني اعاملك كزوج.
اقترب منها خطوة يردد من بين اسنانه:
_ أنتِ عارفه انه مجرد اسم في بطاقة عشان الشغل و…
قاطعته باستهجان واضح:
_ يارتني كنت عارفه ده، المصيبة اني متأكده انه مش مجرد اسم في بطاقة، أنتَ مش مسلم يا حسن، لا قولاً ولا فعلاً.. انا عمري ما شوفتك بتصلي، عمري ما شوفتك بتصوم رمضان، وكنت دايمًا اقول بكره ربنا يهديه، عمرك ما ذكرت ربنا في اي حاجة اصلاً! إن كنت فاكر إنك تبقى مسلم لما تقول أنا مسلم، يبقى لازم تراجع دينك الي متعرفش عنه حاجه، وعزائي الوحيد في مراد انه جاي منك، هو اني مكنتش اعرف حقيقتك.. لكن رجوع تاني بيني وبينك انسى، مش هيحصل ابدًا.
انهت حديثها والتفت بكرسيها دالفة لغرفتها وخيم الصمت على المكان من حوله، لا يصدح فيهِ سوى صوت تنفسه العالي غضبًا…
___________________
يومان مروا…
وأتى اليوم الموعود..
اليوم اولى خطواته في امتلاكها، اليوم سيصبح جزءً منها ملكًا له، ويتطلع للحصول على الباقي في أقرب قريب!
_ اختاري الي تحبيه ملكيش دعوة بالسعر.
همس لها بينما يقف جوارها في محل الصائغ، وهي تنتقي ما يعجبها من ذهب شبكتها، اكتفت بنظرة خجِلة له بجانب عيناها وهي تومئ بحرج، دقائق اخرى وكانت تهتف:
_ خلصت.
رفع حاجبه الأيسر باستغراب مرددًا بينما يشير لِمَ وقع اختيارها عليه:
_ دول بس؟ خاتم ودبلة!
اومأت مؤكده، ليكمل حديثه:
_ لا اختاري حاجتين كمان.
نفت برأسها وقد أبت:
_ لا كفاية، مش عاوزه غيرهم.
_ لو حاملة هم الفلوس ملكيش دعوة، انا عاملي حسابي.
هزت رأسها نافية:
_ لا، مش فكرة كده، بس معلش انا هبقى مرتاحه اكتر بدول.
لم يرد الضغط عليها أكثر، ولكنه طالع المحل بنظرة شاملة لدقيقة ربما، حتى وقعت عيناه على سلسال ذهبي تتدلى منهُ فراشة رقيقة بها فصوص ماسية، فاشار للصائغ عليها مرددًا:
– هاتلي السلسلة دي، وحطهالي مع الحاجة الي اشترناها.
حاولت ان تبدي اعتراضها لتسمعه يهمس لها بحدة طفيفة:
_ دي هدية خاصة مني ليكِ ملهاش علاقة بحاجة، مش من حقك ترفضيها اصلاً.
فالتزمت الصمت مرغمة…
___________( ناهد خالد) ___________
القى بكل ما على مكتبه بغضب حارق، لا يصدق الوضع الذي بات فيهِ الآن، صفقته الأخيرة في تجارة الاعضاء لم تتم، علمت الشرطة بها واصبحت في قبضتها الآن هي وبعض رجاله، استمع لرنين هاتفه ورأى رقم الرئيس يزينه، ليحاول الاستعداد لهذه المواجهة، فاخذ نفسًا عميقًا، واخرجه بمهل، قبل أن يجيب على المكالمة..
_ ايه الي حصل ده يا دياب باشا! الشحنة اتمسكت! أنتَ عارف دي مكلفة كام؟ لو اشتغلت ٤ شحنات غيرها مش هتسد تمنها..
حاول الدفاع عن نفسه، فبرر بتوتر:
_ يا بوص والله أنا…
_ بوص ايه وزفت ايه، أنتَ وديتني في داهية، اعمل حسابك دي آخر صفقة ليك في الصفقات دي، وغلطه كمان يا دياب وهصفيك بنفسي..
واغلقت المكالمة!!
وهو يغلى بمراجل الغضب، بداخله يشتعل كلما اعاد حديث الرئيس برأسه، هل هو من توبخ بهذا الشكل قبل قليل؟ هل هو من أُقصيَ عن هذا العمل!؟ لم يكن في احلامه حتى أن يتعرض لموقف كهذا..
وفجأة ضرب بعقله سؤال، من افشى سر صفقته للشرطة ؟ ولم يحتاج لتفكير كثير، فالجواب واضح، هو لا أحد غيره، من هدده بآخر مرة واخبره بوضوح ان هذه الصفقة ستكون الأخيرة من نوعها.. ذلك الفاسق، الأرعن.. مراد وهدان!
وبفحيح مرعب كان يردد:
_ ماشي يا بن ال****، إن ما خليتك تلف حوالين نفسك مبقاش دياب..
وكان وعيدًا سيكن سببًا في شن الحرب بينهما ذات يوم!!
____________
تحرك كلاً من “خديجة، مراد، باهر، فريال” خارجون من محل الصائغ، وأصر “مراد” على أن يتناولوا الغداء معًا، ومع اصراره خضعوا لرغبته، وبعد تناول الطعام أصر ثانيًة على تناول أحد المشروبات في مقهى قريب، وأثناء تواجدهم بالمقهى..
_ ها يا خديجة ناوية تعملي هيصة وكده عشان الشبكة؟
قطبت حاجبيها رافضة الفكرة، وأردفت بنبرة قاطعة:
_ لا يا باهر، مش حاسه اني حابه اعمل حاجة، يعني كفاية الفرح ان شاء الله وخلاص، وعوزاه بعد سنتين، مش قبل كده.
اومئ برأسه دون حديث، ليتولى “مراد” الحديث هذه المرة وقد لمعت فكرة برأسه متجنبًا الحديث في موعد الزفاف الآن:
_ طيب بما إنك كده كده مش ناوية تعملي هيصة، ما نلبس الشبكة هنا وخلاص.
وهي لم يكن لديها مانع، فمن غيرهم ستريد حضوره!؟ وبالأخير الأمر لا يستحق تفكير، فبالنهاية هي مجرد خاتم ودبلة، لذا اومأت موافقة وتولت “فريال” أمر توثيق الذكرى بتصويرهما بهاتفها القديم.
وهو يرى الحلقة الذهبية تلتف حول إصبعها الرقيق شعور لا يمكن وصفه، راحة.. هي الشعور المسيطر، ويخلفها الكثير.. انتصار، حب، لهفة، ووله بتلك الجالسة أمامه.. لا يعلم إن كان هذا بمجرد خطبتها، إذًا ماذا عن ليلة العرس!!
وهي كانت النقيض تمامًا، وكأن هذه الحلقة الذهبية التفت حول رقبتها، حتى أن انفاسها خفتت لمجرد الشعور! لم تشعر براحة ابدًا، واقلقها الأمر، لكنها بالأخير حين رفع رأسه يبتسم لها، ابتسمت، وقررت تجاهل شعورها الأحمق، ونست أننا يجب أن نستمع لشعورنا أحيانًا! فربما هو مجرد إنذار من العقل!!
_مبروك.
همس لها بنبرة محبة، لتبتسم هامسة بالمثل:
_ الله يبارك فيك، مبروك لينا.
وهل باتت تجمعه معها في جمله؟ يا لسعده!
_ توعديني إنك متقلعيش دبلتك من ايدك مهما حصل؟
قالها بنبرة عميقة ونظرة خاصة اربكتها حقًا! وكالذي يراهن على بقاء السمك حيًا خارج المياة، كانت تهمس له بحماقة:
_ اوعدك.
_ الف مبروك يا ديدا، الف مبروك يا استاذ زين.
رددتها “فريال” مبتسمة، لتسمع ل “مراد” يحدثها:
_ بلاش استاذ بقى، زين كفاية، ده أنا خطيب اختك خلاص.
وانصهرت الجالسة بجواره خجلاً على لقبه الجديد الذي اطلقه للتو، بينما تستمع لمباركة “باهر” المقتضبه، ورد “مراد” الأكثر اقتضابًا، يبدو أن هذان الاثنان لن تنشأ بينهما علاقة طيبة!.
_____________
في المطعم الذي يعملان بهِ..
وقفا يستقبلان التهاني من زملائهما، وطارق يراقب الوضع من بعيد، وضع لا يعجبه بتاتًا، ولكنه مجبر على الصمت..
وبالبعيد أكثر كان يلتقط عدة صور لِمَ يحدث وارسلها لرئيسة على موقع التواصل الاجتماعي ، مسجلاً اسفلها مسجل صوتي يقول بهِ
“باشا، مراد باشا خطب واحده من المطعم الغريب الي شغال فيه، ودي صور وزمايلهم بيباركولهم على الخطوبة”
_________
وفي مكان ابعد بكثير…
وصلته الصور والرسالة، ليضحك غير مصدقًا وهو يريها ل “هاجر” الجالسة جواره مردفًا:
_ تتخيلي مراد وهدان يروح يخطب بت بيئة ملهاش اصل ولا فصل، لا وكمان يتنكر عشانها! تفتكري ايه هدفه؟
نظرت للصور بتمعن لتردف مبتسمة:
_ مش هدفه حاجة، هو بس بيحبها.
– نعم!؟
رددها “دياب” مستنكرًا وغير مصدقًا في الوقت ذاته، لتؤكد له مبتسمة:
_ شوف كده نظرته ليها وأنتَ تعرف يا باشا، ده واقع فيها خلاص.
التقطت الهاتف منها يطالع الصورة بتمعن، ثواني وكان ينتفض واقفًا وهو يردد بذهول احتل قسماته:
_ رنا!!!!
_ في حاجه يا باشا؟
لم يجيبها فقط طلب رقم ما، وما إن أجاب حتى أردف بسرعة:
_ سيبك من مراد والبت الي معاه، في بت لابسة ازرق واقفة وراهم في الصورة، البت دي اوعى تضيع منك، تمشي وراها وتعرفلي بيتها فين وتبلغني ومتتحركش غير لما اجيلك، فاهم؟
اتاه الرد، ليغلق الهاتف وهو يتنفس بسرعة، وعيناه لم يختفي الذهول بها، بينما يهمس بداخله:
_ يااه! دي الدنيا اصغر من علبة كبريت! بقى بعد كل ده الاقيكِ واعرف مكانك من صورة! والله ليكِ وحشة يام ابني..!
وكلمته الأخيرة قالها بأعين تحمل نظرات تشبه الجحيم بالوانه، وهو يتذكر طفله الذي لم يراه، بفضل فرار والدته بهِ، هاربة من وحش يطاردها، لم يكن سوى هو… والد الطفل! والآن سيبدأ عقابها!
—————
أواخر يونيو لعام… ٢٠٢٠..
وها قد مرَ عامان الخطبة وفوقهما اشهر قليلة، العامان التي قررتهما “خديجة” ورغم محاولات “مراد” معها لم تتنازل عن العامان، ولو بشهر واحد..
عامان وبضعة أشهر تغير فيهم الكثير والكثير…
تم زواج “باهر” و “جاسمين” خلالهما، بعد أن لم يجد “باهر” مفرًا من حبها، ووالدها كان أكثر من مرحب بهِ، وقد انتقى شقة جيدة الحال في مكان مترف نوعًا ما ليليق ببعض مستواها، زواجهما الذي تم منذُ ثلاثة أشهر فقط..
“جاسمين” التي تفاقمت لديها احلامها، وباتت اكثر من مرهقة، ورغم استطاعتها لانقاذ الكثير، الا ان البعض لم يُقدر له النجاة، فيصيبها بالاكتئاب، ومع ذلك فباهر لم يتركها لحظة، فكان خير العون لها، ولكن لنقول أن لكل شيء حد!
“فريال” اصبحت في عامها الدراسي الثالث، لم تبدأ بهِ بعد، و”ابراهيم” الذي لم يتغير ابدًا، كما هو غير مراعيًا لها ولا لمشاعرها، وهي تصبر كالعادة!
واما عن تعيسة الحظ “رنا” فقد نجح “دياب” في اعادتها لقبضته مرة أخرى لتلاقي الذل والمرار على يده، وتعيش ما لم تعشه معه من قبل، وكل هذا بصنع يديها!
واليوم…
اليوم هو يوم سعده، يومه الذي انتظره سنوات وسنوات، اليوم ستصبح ملكه قلبًا وقالبًا، سيمتلك كل أنش بها، ويدمغه بدمغه الخاص، ستصبح حرم” مراد وهدان” دون أن تعلم…!!!
يتبع….
•تابع الفصل التالي "رواية بك احيا" اضغط على اسم الرواية