رواية صراع تحت القمر الفصل الثاني 2 - بقلم اسماعيل موسى
تنهد الذئب العجوز ثم بداء يتحدث ببطيء
في عمق الظلال، حيث لا تصل الشمس ولا يجرؤ أحد على المغامرة، ظهر شخص غامض. لم يكن مستذئبًا ولا مصاص دماء، لكنه بدا كأنه ينتمي إلى كلا العالمين، ومع ذلك لا ينتمي لأي منهما. كان يُعرف باسم داركوس، وهو اسم لم يُسمع به إلا في الحكايات القديمة التي رُويت عن خائن أسطوري أراد السيطرة على الغابة قبل قرون.
داركوس كان ساحرًا قويًا، يجمع بين الحكمة المظلمة والطموح القاتل. يُشاع أنه كان ذات يوم حارسًا للتعويذة التي تحمي الغابة، ولكنه خان عهده عندما _أغوته القوة المخفية وراءها، الانثى الملعونه التى لا يعرفها ولم يراها احد _في محاولته الأولى، قبل قرون، فشل وسُجن روحه داخل تعويذة شجرة الحياة، وأصبح وجوده مجرد أسطورة تُروى لتحذير الآخرين.
لكن مع مرور الزمن وذبول شجرة الحياة بسبب تلاشي طاقة الغابة، تحررت روحه وعادت بجسد جديد، أقوى وأشد خطرًا.
عندما استعاد جسده، كان يعرف كل أسرار الغابة، بما في ذلك التعويذة التي كانت تحبس كائنات الظل. أدرك أن هذه الكائنات ليست مجرد أدوات للدمار، بل جيش يمكن أن يخضع لإرادته إذا نجح في السيطرة عليه.
سعى داركوس إلى إحياء طاقة التعويذة بطريقة معاكسة. بدلاً من أن تحمي الغابة، أراد أن يحولها إلى بوابة مظلمة، تسمح لكائنات الظل بالخروج من عالمها القديم إلى هذا العالم. بمزيج من السحر القديم والدماء المسروقة من المستذئبين ومصاصي الدماء، أعاد داركوس كتابة التعويذة وفتح البوابة.
حين فُتحت البوابة، تغيرت الغابة على الفور. كل شجرة، كل صخرة، كل نهر أصبح يخضع لإرادة داركوس. الغابة نفسها أصبحت كأنها امتداد لجسده، تطيع أوامره وتخنق أي مقاومة. كان يستمتع بمشاهدة كائنات الظل تنتشر، تهاجم، وتلتهم كل شيء في طريقها، بينما هو يجلس على عرشٍ من العظام في قلب الغابة.
لكن داركوس لم يكن مجرد شرير يبحث عن القوة. كانت هناك إشاعات تقول إنه كان ينتمي في الأصل إلى قطيع مستذئبين قوي، لكنه نُفي بسبب حبه الممنوع لإنسانة. عندما فقدها، أصيب قلبه بالظلام وأقسم على الانتقام من كل شيء، حتى الغابة التي كانت يومًا منزله.
داركوس الآن ليس فقط مهووسًا بالسيطرة على الغابة، بل يريد تدمير كل ما تبقى من ماضيه، مستذئبين، مصاصي دماء، وحتى البشر. كان يرى نفسه إلهًا جديدًا لعالم مُدمَّر، عالم يولد من بين الظلال
همس اراكان بفضول قلق ومن تكون تلك الانثى؟
مره اخرى أطرق الذئب الضرير كأنه يستحضر الماضى والاسرار، وقال
في أعماق الظلام، حيث يلتقي عالم الظلال بعالم البشر، ظهرت أنثى غامضة من عالم موازٍ يُدعى عالم الغسق. لم يكن أحد يعرف اسمها الحقيقي، لكنها عُرفت في الأساطير باسم سيرافين، المرأة ذات الظلال السبعة.
كانت سيرافين كائناً لا يشبه أي شيء في عالم البشر أو حتى في عالم كائنات الظل. كانت تجسيدًا للجمال والرعب في آن واحد. شعرها الطويل يتلألأ كأنه يتغير مع الضوء، عينيها كانت مزيجًا من الذهب والرماد، وبشرتها تحمل وهجًا غريبًا كأنها خُلقت من ضوء القمر نفسه. لكن ما جعلها خطيرة لم يكن جمالها، بل قدرتها على السيطرة على عقول من يقفون أمامها.
كان داركوس في البداية مجرد حارس للتعويذة التي تحمي الغابة، رجلًا ذا قلب شجاع، مخلصًا لدوره، لكن لقاءه بسيرافين غيّر كل شيء، ظهرت له في أحلامه كهمسة خافتة، ثم تجسدت أمامه في ليلة مظلمة عندما كان في الغابة وحده.
بصوت ناعم كالحرير، قالت له:
“لماذا تكون عبدًا للتعويذة؟ لديك القوة لتحكم الغابة بدلًا من حمايتها. أنا أرى فيك شيئًا أعظم من مجرد حارس.”
في البداية قاوم داركوس إغراءها، لكنه لم يكن يعرف أن سيرافين تمتلك قدرة على كشف أعمق طموحات قلبه واستغلالها. أظهرت له رؤى عن قوة لا تُضاهى، عن عالم يخضع له بالكامل، وعن انتقام من كل من أساء إليه.
كانت سيرافين الوعد بالمجهول، القوة التي تخترق الحدود، والرغبة التي لا يمكن مقاومتها،لكن ما لم يدركه داركوس هو أن سيرافين لم تكن تسعى لمساعدته، بل كانت تسعى لاستغلاله، كانت هي من أخبره بكيفية كسر التعويذة، لكنها لم تُخبره أن كسرها سيؤدي إلى فتح بوابة تسمح لكائنات الظل من عالمها بالعبور إلى الغابة.
سيرافين لم تكن مجرد امرأة جميلة ذات قدرات غامضة، بل كانت كائناً يسعى لتحقيق هدف أكبر، أرادت أن تجعل عالم البشر وعالم الغسق يتداخلان، لتصبح هي الحاكمة المطلقة لكليهما.
رغم أن داركوس أصبح الآن سيد كائنات الظل والغابة، إلا أن سيرافين لم تختفِ تمامًا، تركت جزءًا من روحها مرتبطًا به، في لحظات ضعفه، كان يسمع صوتها من جديد، يذكره بأنه ما زال مدينًا لها.
غمر وجه لوسيان ظلام قاتم وشعر ان الكهف يطبق عليها بأنيابه
ما الذى يدفعنا ان نصدق ذئب ضرير ربما يكون مجنون؟
ارتفع عواء الذئاب الغاضب
لكن أركان رفع يده، اصمتو، لا وقت للنزاع فى ما بيننا الان
واقترب من الذئب الضرير
هل يوجد هناك حل يا سيدى، كيف نوقف كل ذلك؟
عليكم الذهاب لجبل الهلاك، هناك يوجد سيف يمكنه قتل داركوس
لكن احذرو جبل الهلاك، ثم ادار العجوز ظهره منهيآ كل الكلام
وتركهم ورحل
بعد معرفة حقيقة اللعنة وخطة داركوس، اجتمع أركان ولوسيان وكيرا لتحديد خطوتهم التالية. أدركوا أن مواجهة داركوس مباشرةً ستكون انتحارًا، فبحثوا عن طريقة لإضعاف قوته. من حديث الذئب الضرير، علموا أن جوهر قوته يكمن في تعويذة الظل التي ربطت حياته بالغابة وكائناتها. إذا تمكنوا من كسر تلك التعويذة، فستتلاشى قوته وتعود كائنات الظل إلى عالمها.
سنذهب إلى جبل الهلاك همس اراكان بتصميم ووافق لوسيان وكيرا على ذلك
فى جبل الهلاك ، حيث يُقال إن سيفًا أسطوريًا يُعرف باسم “السيف الكاسر” مخفي هناك، وهو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يدمر تعويذة الظل،تسلقوا الجبل بشق الأنفس، متجاوزين الأفخاخ والمخاوف التي حاولت شل إرادتهم، وأخيرًا، وجدوا السيف مدفونًا في كهف مضاء بضوء أخضر باهت.
عادوا إلى قلب الغابة، حيث كان داركوس يجلس على عرشه، يراقب تدمير الغابة بشماتة،عندما اقتحموا مخبأه، اشتعلت المعركة، داركوس كان قوياً، قوته السحرية جعلته يبدو كأنه لا يُقهر. استدعى كائنات الظل لحمايته، لكن أركان وكيرا قاتلا بضراوة، بينما لوسيان ركز على إبطال التعويذة باستخدام السيف.
لكن داركوس كان قد استعد مسبقًا، في اللحظة التي اقترب فيها السيف من التعويذة، أطلق انفجارًا من الظلام دمر كل شيء من حوله. كيرا وأركان أصيبا بشدة، بينما تمكن داركوس من السيطرة على السيف وإفساد طاقته. ثم استعمل قوته لنفيهم جميعًا إلى جزيرة التيه، مكان يُعرف في الأساطير كزنزانة للأرواح الضائعة.
جزيرة التيه
عندما استيقظوا، وجدوا أنفسهم على شاطئ رملي رمادي. الجزيرة كانت مكانًا غريبًا، مليئًا بالأشجار العملاقة ذات الأوراق السوداء والمياه الداكنة التي بدت وكأنها تعكس الكوابيس بدلاً من النجوم. الجو كان خانقًا، والسماء دائمًا ملبدة بالغيوم.
كان وسط الجزيرة محاطًا بسلسلة جبال شاهقة تُعرف باسم “أسوار الضياع”، وهي تشبه المتاهة التي لا يمكن الخروج منها. كل من حاول تسلق الجبال أو عبور المياه المحيطة انتهى به المطاف يعود إلى نفس النقطة. الجزيرة نفسها كانت حية، تتحكم في كل شيء؛ الاتجاهات تتغير، والطرقات تُغلق، كأن الجزيرة ترفض السماح لأي كائن بمغادرتها.
بينما كانوا يتجولون بحثًا عن مخرج، صادفوا قصرًا قديمًا مغطى بالكروم والأشواك، كأن الجزيرة حاولت إخفاءه. داخل القصر وجدوا برانتا، الأميرة التي نُفيت إلى الجزيرة منذ قرون بسبب لعنة مشابهة. كانت شابة رائعة الجمال، بشعر ذهبي ينساب كالشمس وعيون زرقاء تحمل حزن الأجيال.
كانت برانتا محبوسة هناك مع وصيفتيها، بلقيس ومازده، اللتين كانتا وفيتين لها رغم مرور الزمن. حكت لهم برانتا قصتها
الأميرة برانتا!!
ذات الشعر الذهبي اللامع والعينين اللتين تبدوان كسماء صافية محاطة بالغموض، لم تكن مجرد أميرة عادية. قبل أن تُنْفى إلى جزيرة التيه، كانت وريثة مملكة عظيمة تُدعى إيلورياس، مملكة ازدهرت لعصور طويلة بفضل سحرها النقي والعدل الذي حكمها.
ولدت برانتا في قصر شُيّد على قمم الجبال، محاطًا ببحيرات كريستالية وغابات كثيفة. كانت طفولتها مليئة بالترف، لكنها لم تكن خالية من المسؤولية. علمها والدها، الملك إيلينوس، أن الحكم ليس مجرد قوة، بل توازن بين القوة والرحمة.
منذ صغرها، أظهرت برانتا قدرة فريدة على التواصل مع السحر النقي. كانت تستطيع أن تسمع أصوات الطبيعة وكأنها تعيش، وكانت ترى الأحلام التي تحمل نبوءات عن المستقبل. لكن تلك القدرة، رغم جمالها، جلبت لها الكثير من المتاعب.
عندما بلغت برانتا العشرين من عمرها، ظهرت نبوءة غامضة عن سقوط مملكتها على يد قوة من الظلام،رفضت المملكة تصديق النبوءة، لكن داركوس، الذي كان مستشارًا للملك حينها، كان يعرف أن النبوءة حقيقية.
كان داركوس طامعًا في عرش إيلورياس، لكن معرفته بقدرات برانتا جعلته يدرك أنها ستكون عائقًا أمام مخططاته، استغل أحد طقوسها السحرية التي أجرتها لحماية المملكة، واتهمها بالخيانة وبأنها السبب في لعن المملكة.
بدهائه وحيله، استطاع داركوس أن يقنع الملك ومجلسه بأن برانتا كانت خطرًا على المملكة، وأن نفيها هو السبيل الوحيد لحمايتها.
نُفيت برانتا إلى جزيرة التيه وهي في أوج شبابها،الجزيرة كانت مصيرًا أشبه بالموت البطيء، في البداية، حاولت برانتا استكشافها، لكن كل خطوة كانت تأخذها إلى مزيد من الغموض والخطر،التقت هناك بوصيفتيها، بلقيس ومازده، اللتين قررتا الانضمام إليها بدلاً من تركها تواجه مصيرها وحدها.
بلقيس كانت امرأة حكيمة وهادئة، تمتلك نظرة عميقة للأمور، بينما مازده كانت شجاعة ومندفعة، لا تخاف من المخاطر، أصبحت برانتا معهما عائلة صغيرة، يكافحن للبقاء في جزيرة تأبى أن تسمح بأي راحة.
مع مرور السنوات، تعلمت برانتا كيف تتعايش مع الجزيرة، بل واستطاعت أن تكتشف بعض أسرارها. عرفت أن الجزيرة لم تكن مجرد سجن، بل مكانًا مليئًا بالقوى القديمة والنسيج السحري الذي يمكن أن يكون مفتاحًا لخروجها.
رغم السنوات الطويلة التي قضتها في الجزيرة، لم تفقد برانتا أملها في العودة إلى مملكتها، كانت كل ليلة تنظر إلى النجوم وتحلم باليوم الذي ستعود فيه لتنتقم من داركوس وتستعيد عرشها.
كانت برانتا تعرف أن مصيرها لم ينتهِ بعد، وأن الجزيرة كانت مجرد فصل في قصتها،عندما التقت بأركان ورفاقه، شعرت لأول مرة منذ سنوات أن هناك فرصة حقيقية لتغيير قدرها
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية صراع تحت القمر) اسم الرواية