رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل الخامس و الاربعون 45 - بقلم بيسو وليد
حَسْناء لا تَبْتَغي حلياً إذا بَـرَزَتْلأَنَّ،
خالِقَها بالحُسْـنِ حَـلاّهـاقامَتْ تَمَشّى،
فَلَيتَ اللهُ صَيَّرَنـيذاكَ التُرابَ،
الذي مَسَّتْهُ رِجْلاها.
— أبو العتاهية.
_______________________
تأتي الريا’ح العا’صفة تقـ ـتلع ما يَكمُن أمامها وبدون سا’بق إنذ’ار، لَم يتلقى سا’كني المدينة أيَّ إنذ’اراتٍ قبل بل تلـ ـقوا الصد’مة ومعها تَقْبَّلوا مصـ ـيرهم المحتو’م فإما النجـ ـاةُ حَـ ـيًّا أو المو’ت، وهُنا كانا العا’شقين في شتا’تٍ مِن أمرهما فدومًا في هذه الحيا’ة لا يشعر المرء بقـ ـيمة حبيبًا أو صديقًا سـ ـعىٰ للحفا’ظِ عليهِ إلا حينما يهجـ ـره دون عودة، هذا قا’نونٌ مُر’سَّخ منذُ سنواتٍ طو’يلة هذا هو المرء وهذه هي الحيا’ة وتلك هي الظرو’ف، وليس كل ما ينكـ ـسر يَصـ ـلُح أن يعود كما كان في السابق فمِن سابع المستـ ـحيلات أن تد’اوي قلـ ـبًا تهشـ ـم إلى أشلا’ءٍ صغيرة، فإن كُسِّـ ـرَ القلـ ـب ما’تت الرو’ح.
<“وإن كان معكَ حبيبًا الآن تراه،
فبعد دقائق سيُفا’رقك للأبد.”>
كل شيءٍ حد’ث في غضون ثوانٍ قـ ـليلة، هو ولأول مرة لا يشعر بِمَن حوله وهي أمامه ترى الما’كث خلـ ـفه يستعد لقتـ ـله حتى يظل محا’فظًا على صـ ـك مـ ـلكيته، أصا’بها الهـ ـلع والخو’ف الشـ ـديد على “رانـڤير” لتحاول لفـ ـت إنتباهه إلى ما سيحد’ث لهُ ووجود آخرٍ خلـ ـفه ينتو’ي على قتـ ـله ولَكِنّ وكأن حديثها مازال ير’ن في أذنيه يكاد يصـ ـمهما، ركض الآخر تجاه “رانـڤير” وهو ينتو’ي على إنها’ء حيا’ته لتصر’خ هي بهِ عا’ليًا وهي تتسا’رع نحوه حتى تنقـ ـذ حيا’ته، لا أحد ينتـ ـبه لِمَ يحد’ث ولذلك كان الأمر يتم بإحتر’افية فالأثنين يتصا’رعون عليها ذاك يُريد إستعادتها وذاك يُريدها لهُ وهي في المنتصف بينهما لا تعلم ماذا عليها أن تفعل..
كلاهما قريبين مِنهُ واحدٌ يسـ ـعىٰ لقتـ ـله والتخلـ ـص مِنهُ والآخر يوَّد إنقا’ذ حيا’ته وحما’يته برغم ما تلقى مِنهُ مِن آلا’مٍ وأحز’انٍ ومعاملةٍ سـ ـيئة ولَكِنّ سـ ـطوة القـ ـلب كانت أكبر مِن كل شيء، وقفت خـ ـلفه حتى تتلقى هي الضر’بة بدلًا مِنهُ فلَن يستطيع القـ ـلب رؤية محبوبه غر’يقًا في د’ماءه ولذلك يُفضِّل هو المو’ت ولَكِنّ لا يراه مصا’بًا ولو بخد’شةٌ صغيرة، أغمضت عينيها تنتظر مصيرها المحتو’م بخو’فٍ مِن حِـ ـدة آلأ’لم الذي ستشـ ـعر بهِ ولَكِنّ بعد ثوانٍ لَم تشعر بشيءٍ قد قام بأذ’يتها ولذلك فَرَ’قَت بين جـ ـفنيها بهدوءٍ ونظرت إلى موضع السـ ـكين التي كانت تفصـ ـل عن ملا’مستها سنتيمترات فقط وهُناكَ ما يُعر’كل تنفـ ـيذ مهمتـ ـها..
كانت قبـ ـضة “رانـڤير” هي مَن تَمنَّـ ـع السـ ـكين مِن إختر’اق جسـ ـدها، تنفـ ـست برا’حةٍ كبيـ ـرة وأستدارت برأ’سها تنظر إليهِ بعد’م تصديقٍ لتراه ينظر إلى الآخر بمعالم وجهٍ لا تُنذ’ر للخير ألبتة، ترى الغضـ ـب يحتضن تقا’سيم وجهه وعينيه فهو مازال كما هو لَم يتغـ ـيَّر قط، لا تعلم لِمَ شعرت بالسعادة والفرح حينما رأته ولأول مرة يمنـ ـع عنها الأ’ذىٰ مِن النَـ ـيْلُ مِنها، ألتمـ ـعت العبرات في مُقلتيها بفرحةٍ كبـ ـرىٰ وأرتسمت البسمةُ على ثغرها لتعود تلك المشاعر التي صا’رعت لد’فنها وعد’م إخر’اجها تعود وتحـ ـيا مرةٍ أخرىٰ، للحظةٍ أرادت أن تُعانقه، أشتا’قت لهُ كثيرًا هذه المدة الطويلة التي تركها فيها ور’حل، تعتر’ف أمام نفـ ـسها أنها لَم تكر’هه بل إز’داد عشـ ـقها لهُ بعد أن كانت تتلقى الأخبا’ر والتطو’رات مِن شقيقته بعد أن أنفـ ـصلا..
شعرت بقـ ـلبها يترا’قص دا’خل قفـ ـصها الصد’ري بفرحةٍ عا’رمة لتعاود النظر إلى الآخر الذي كان ينظر إلى “رانـڤير” بحـ ـقدٍ د’فين فكان ابن عمها السَـ ـكِّير الذي منذ زمنٍ يُصا’رع لإمتلا’كها فقط لجما’لها الخا’رجي لا أكثر مِن ذلك وكان والدها دومًا يقف لهُ بالمر’صاد آ’بيًا أن يُعطيها لهُ حتى ظهر “رانـڤير” وأخذها هو في الأخير مِمَّ جعل الآخر يغـ ـضب وبشـ ـدة متو’عدًا لإمتلا’كها في يومٍ مِن الأيام حتى جاء اليوم الذي أنفصـ ـلا فيه وقد سعـ ـىٰ في إمتلا’كها في حا’لتها المتضا’ربة تلك ليرى “رانـڤير” اليوم يعود مِن جديد للوقوف أمامه وأخذها مِن جديد لهُ..
شعرت “فـيرولا” بالخو’ف الشـ ـديد على “رانـڤير” وعن ابن عمها فحـ ـقده قد ز’اد تجاه الآخر ولذلك سحـ ـب السـ ـكين بعنـ ـفٍ ليقوم بجر’ح كف “رانـڤير” الذي تأ’لم وبدأ كفه بالنز’يف بغـ ـزارةٍ بعدما قام بوضع علا’مته عليهِ وجر’حه جر’حين وليس واحدٍ، شعرت “فـيرولا” بالر’عب وسر’يعًا أمسكت بكفه تتفحصه بخو’فٍ وهي تنفـ ـخ بهِ لينظر لها “رانـڤير” ليرى خو’فها عليهِ لَم يَمُـ ـتْ بل مازال يحـ ـيا ويحـ ـيا أعتاد على هذا وأحبَّهُ بشـ ـدة ولذلك حينما رأى خو’فها أمام ناظريه الآن أبتسم وعَلِمَ أن ما كانت تقوله وتفعـ ـله كان ليس بحـ ـقيقيًا فقط لردّ كر’امتها وكبـ ـرياءها..
أمسك بكفه الآخر ر’سغها لتنظر هي إليهِ بعينين دامعتين والخو’ف يحتضنهما ليقول بنبرةٍ هادئة حنونة لأول مرة:
_لا تخا’في حبيبتي، سيلتـ ـئم الآن لَم يحد’ث شيئًا.
_ولَكِنّ يا “رانـڤير” كفك ينزُ’ف بشـ ـدة ألا ترى كيف تتسا’قط الد’ماء على الأرض؟.
هكذا ردّت عليهِ بنبرةٍ لَو’عْة ورُ’عبٍ تمَّـ ـلك مِنها لير’فع هو كفه المعا’فى يُز’يل عبراتها بأنامله بحنوٍ عن صفحة وجهها قائلًا:
_كفي وقـ ـلبي ورو’حي جميعهم فد’اءٌ لكِ حبيبتي، هذا أ’قل شيءٍ أُقدمهُ لكِ أُريد التكفـ ـير عن أخـ ـطائي معكِ في الماضي وأن نبدأ معًا صفحةٌ بيـ ـضاء خا’لية مِن الشو’ائب وكأننا نبدأ مِن جديد، أنا أُحبُّكِ يا “فـيرولا” وإن بحثتُ فو’ق الضـ ـهرِ ضـ ـهرًا لن أجد امرأة مثلكِ تُحبُّني مثلما تُحبِّيني أنتِ.
إنها بالتأكـ ـيد تحلُم وستستيقظ في أيَّ لحظة لو’اقعها المؤ’لم تتعا’يش معهُ مثلما أعتادت، فما تسمعه وتراه يجعلها تظن أنهُ حُلمٌ وسينـ ـتهي فهذه أول مرة يُخبرها أنهُ يُحبُّها ومستعدًا لتضـ ـحيةُ مِن أجلها دون أن يُفكر مرتين، ألتفتت إليهِ بكامل جسـ ـدها وهي تنظر إليهِ بنظرةٍ سعيدة لأول مرة، نظرةِ تُعطيه أملًا جديدًا وفرصةٌ أخرىٰ لإصلا’ح ما تم كسـ ـره مسبقًا، عانقته بسعادةٍ لمرتها الأولى والبسمةُ مرتسمةٌ على ثغرها فهو مَن تريده مِن بين الر’جال ولا أحد سواه هو، سطـ ـوة القلـ ـب هي دومًا ما تُحر’ك المرء ولذلك لا أحد يستطيع أن يتحـ ـكم في مشاعره مهما قال وفعـ ـل..
ضمها بذراعه الذي أُ’صيب بهِ كفه مستشعرًا حنان ود’فئ عناقها لأول مرة عـ ـنَّف نفـ ـسه على إضا’عتها ولَكِنّ لا ينفع الند’م بعد فو’ات الأو’ان ولَكِنّ أيضًا هُناك أملًا في إعادة إصلا’ح ما تم هـ ـد’مه مازالت لديهِ الفرصة، جُـ ـنَّ جـ ـنون الآخر حينما رأى هذا المشهد ولذلك إزداد حـ ـقده أكثر وخا’طر مِن جديد وحاول هذه المرة إصا’بتها هي فإن لَم تَكُنّ لهُ فلَن تكون لغيره هذا ما أقـ ـنع نفسه بهِ ولذلك قبل أن تختر’ق السـ ـكين جسـ ـدها مِن جديد منـ ـعهُ “رانـڤير” الذي قبـ ـض بكفه المعا’فى على السـ ـكين يحمـ ـيها ولثانِ مرة مِن جديد وهو ير’مقه بنظراتٍ حا’قدة ولذلك قام بجذ’ب السـ ـكين هذه المرة مِنهُ وألقا’ها بعـ ـيدًا..
ما كان يمـ ـنعه مِن الاقتراب مِنهُ وإبـ ـراحه ضر’بًا هي “فـيرولا” التي كانت متشـ ـبثةٌ بهِ لَم يُرد إبعا’دها عنهُ ولذلك ترك “أبهي” و “راهـول” يتو’لان الأمر ليراهما يسـ ـحبانه خلـ ـفهما كما الذ’بيحة التي يتم سـ ـحبها، ألتفتت “فـيرولا” برأسها تنظر إلى أ’ثره بضـ ـيقٍ بعدما كان ينتو’ي على قتـ ـلها وانتهـ ـى الأمر بإ’يذاء حبيبها، أنسحـ ـبوا جميعهم مِن بينهم “سـيهار” التي كانت تبتسم بعدما رأت حُبّ “فـيرولا” لَم يَمُـ ـتْ تجاه أخيها لتطمئـ ـن أن أخيها سيقوم بإصلا’ح الأمر ولَن يعود إلا حينما يقوم بإعادة كل شيءٍ لمكانه الصحيح..
أبتعـ ـدت “فـيرولا” عنهُ بهدوءٍ بعدما أد’ركت ما يحدث حولها وأنها قد كشـ ـفت حـ ـقيقة مشاعرها أمامه، أما عنهُ فقد نظر إليها بوجهٍ مبتسم بعدما تأ’كد مِن مشاعرها الحـ ـقيقية وليست تلك الزا’ئفة التي كانت تُخرجها إليهِ ليقول بنبرةٍ هادئة:
_مشاعركِ الحـ ـقيقية لَن تتغـ ـيَّر مهما حد’ث “فـيرولا” حتى وإن حاولتِ تو’ضيح عكـ ـس ما تشعرين بهِ في الو’اقع، رأيتُ اليوم الحُبّ الصا’دق النا’بع مِن صـ ـميم قلبكِ لي برغم ما حد’ث وفعلته مازلتي كما أنتِ لَم تتغـ ـيرين قط، ولذلك أُريد أن أُخبركِ أنني تغيَّـ ـرتُ يا “فـيرولا”، لقد تغيَّـ ـرتُ لنفـ ـسي أولًا ثم لأجلكِ أنتِ، تركتُ هذا الحقـ ـير الذي كان يجعلكِ تضعين رأسكِ على الوسادة والعبرات تتسا’قط عليها وأصبحتُ هذا الذي تريدينه أنتِ … “فـيرولا”، “رانـڤير” لا يستطيع أن يعـ ـيش إلا بوجودكِ في حيا’ته، أُريدكِ زوجتي وحبيبتي ومعشو’قتي، أُريد مرافقتكِ، دعينا نتزوج مرةٍ أُخرىٰ.
حسنًا ما كانت تتو’قعه بدأ يحد’ث بالفعل، لقد طلبها مِن جديد زوجته، أعتر’ف بما يَكمُنّ بدا’خلهِ مِن مشاعرٍ كانت مد’فونة بداخلهِ وأرادت مَن يقوم بإخر’اجها، لا تُنكـ ـر أن السعادة تغمـ ـرها الآن وتريد القفـ ـز بسعادةٍ طا’غية والبو’ح بما تشعر بهِ ولَكِنّ أرادت ملا’عبته قليلًا فلَن تُلـ ـبي ذلك لهُ بسهولة، عقدت ذراعيها أمام صد’رها ونظرت إلى الجهة الأخرى بتكبـ ـرٍ وقالت:
_لا أعلم إن كانت مشاعرك تلك صا’دقةٌ أم لا ولَكِنّ دعني أُفكر في الأمر بتعـ ـمقٍ أكثر حتى لا أُكرر خـ ـطأي ذاك مرتين.
_حقًا؟ أبعد هذا كله ومازلتِ تريدين التأ’كد مِن مشاعري !! “فـيرولا” لقد جُرِ’حَ كف يدي كي أُنقـ ـذكِ مِن هذا الحقيـ ـر الذي كان يريد أن يقتـ ـلكِ.
هكذا ردّ عليها بتهـ ـكمٍ واضح وهو ينظر لها را’فعًا كفه المجر’وح أمام وجهها ليرى اللامبالاة هي عنوانها مِمَّ جعله يشتعـ ـل غيـ ـظًا ولَكِنّ وَجَدَ طريقةٌ أُخرىٰ مِن خلالها يستطيع إيقا’عها في شبا’كه ولذلك أبتسم بسمةٌ خـ ـبيثة وأحتضن المكـ ـرُ مُقلتيه وأرتسمت بسمةٌ عا’بثة على ثغره ليقترب مِنها بخطى هادئة وهو يقول:
_حسنًا يا فتا’ة فلتتحـ ـملي ما سيحد’ث لكِ الآن.
شعرت بالقـ ـلق مِن أقترابه ذاك وتلك النظرة التي كان ير’شقها بها ولذلك بدأت تعود إلى الخـ ـلف بخطى هادئة وهي تشعر بهِ يقترب مِنها ولذلك قبل أن تتخذ أي ردّ فعـ ـل كان هو يمـ ـنعها قائلًا بنبرةٍ خبـ ـيثة:
_تعلمين كم أنا حقـ ـيرٌ ولَن أهـ ـتم بمَن حولنا.
_حسنًا حسنًا حسنًا توقف سأفعل ما تريده ولَكِنّ لا تتهوَّ’ر.
هكذا ردّت عليهِ بسر’عةٍ فا’ئقة ترد’ع فعـ ـله ليتوقف هو حينها وهو ينظر لها منتصـ ـرًا، فيما زفرت هي بعمـ ـقٍ ونظرت لهُ بعدما فشـ ـلت في إخفا’ء مشاعرها عنهُ كثيرًا لتقول بنبرةٍ هادئة:
_حسنًا أنا أُوافق على الزوج مِن جديد ولَكِنّ إن حد’ث شيئًا آخر لَم يروق لي فسأنفصـ ـل وهذه المرة دون عودة.
_لَن يكون هناك بُعاد يا فتا’ة، فلَن أتخـ ـلىٰ عنكِ مرةٍ أخرىٰ مهما حد’ث.
هكذا جاوبها “رانـڤير” مبتسم الوجه ليرى بسمتها تزين ثغرها أخيرًا مِن جديد لتتسـ ـع بسمتهُ كذلك وهو ينظر لها ليشعر بالسعادة تغمـ ـر قلبه لأول مرة ولذلك لَم ينتظر كثيرًا ليأخذها ويذهب كي يُتمم زواجهما مِن جديد وهذه المرة كانت مختـ ـلفة عن المرات السابقة فهذه المرة الأثنين يحـ ـيا ويعـ ـيشا لحظةٌ مختـ ـلفة.
________________________
<“أصفا’دٌ حـ ـديدية تُعانقه بشكلٍ قا’تل،
ورو’حٌ نقـ ـية تنزُ’ف كل يومٍ أ’لمًا.”>
منذ زمنٍ والجميع يطا’رده دون مـ ـللٍ، مِن الحين للآخر الأصفا’د الحـ ـديدية تُعانق ر’سغيه وجسـ ـده يستقبل العديد مِن الضر’بات العـ ـنيفة والمؤ’لمة دون ر’حمةٍ أو شـ ـفقة، رو’حٌ نقـ ـية بر’يئة تجاهـ ـد في الأرض لتعا’ليم شـ ـريعة الله الصحيحة وأشـ ـرار الأرض يسعـ ـون لإسكات هذا الصوت منذ سنواتٍ، ولَكِنّ صاحب الحـ ـق لا يستسـ ـلم ولا ييأ’س مِن الأمر وإن كان هذا سـ ـبب مو’ته فهو مُرحبًا بهِ وبشـ ـدة فهو لا ير’تكب جُر’مًا فا’حشًا ولا يفعل ما يُغضـ ـب رب العالمين مِنهُ ولذلك أتخذ السعـ ـي منهـ ـجًا حتى آخر نفـ ـسٍ سيخر’ج مِنهُ وتُفا’رق رو’حه الحيا’ة بعدها..
قام بفـ ـتح المسجد وولج مُـ ـلقيًا السلام ليبدأ بتشغيل الأضواء وتجهيز المسجد أستعدادًا لر’فع آذان العشاء وأستقبال المُصلين، قام بتسوية صفًا مِن المقاعد لكبا’ر السـ ـن ولِمَن ليس بقا’درٍ على السجود وقام بوضع الأكواب البلا’ستيكية لمبر’دات المياه ومِن ثم بدأ بنثر المعطر في أنحاء المسجد، لحظات وولج “نـادر” بعدما رأى المسجد مفتو’حًا ليرى “رمـزي” يستعد لر’فع الآذان ولذلك أقترب مِنهُ وقام بإلقا’ء السلام عليهِ بوجهٍ مبتسم ليردّ “رمـزي” عليهِ السلام مبتسمًا ليقول:
_إلحـ ـق أتوضى بقى وتعالى عشان تلحـ ـق الصف التاني لأن هتلاقي دلوقتي الناس بدأت تدخل ومش هتلحـ ـق لإن ما شاء الله الحارة كلها بتيجي تصلي أول ما بيسمعوا صوتي وأنا بر’فع الأذان.
أبتسم “نـادر” وقال بنبرةٍ هادئة يردّ عليهِ ممازحًا إياه:
_ربنا يحبب فيك خَـ ـلقُه يا حبيبي ولأجل الأما’نة يعني صوتك الله أكبر عليه، كروان.
_الله يباركلك يا حبيبي أشكرك.
هكذا ردّ عليهِ “رمـزي” مبتسمًا ثم تركه يذهب كي يتوضئ ليذهب هو ليقف أمام مكبـ ـر الصوت ليبدأ بر’فع الآذان بصوته العذ’ب الها’دئ ير’فع الآذان بصوته الذي يتغـ ـلغل إلى القلوب يُر’يحها، بدأو الناس بالولوج إلى المسجد بمنتـ ـهى الأعما’ر المختـ ـلفة لتأدية الصلاة، ولج “بـشير” رفقة أخيه “أكـرم” ومعهُ كذلك “يـوسف” و “سـراج” وفي الأ’خير “مُـنصف” و “لؤي”..
أنهـ ـى “رمـزي” ر’فع الآذان ليقوم بإغلا’ق المكبـ ـر ثم ألتفت خـ ـلفه ليجد أصدقائه حاضرين كما و’عدوه بأن يلتزمون في تأدية فرائضهم بميعادها، أبتسم إليهم ولذلك أتجه نحوهم بخطى هادئة حتى وصل إليهم وقال مبتسم الوجه:
_حا’سس إني بحلم لأجل الأما’نة يعني.
_لا يا عيـ ـن أ’مك كُنَّا مُلـ ـحدين يعني ولا إيه؟.
هكذا ردّ “لؤي” عليهِ بوقا’حته المعتادة ليردّ “رمـزي” عليهِ بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه قائلًا:
_أولًا يا “لؤي” مينفعـ ـش تشَّـ ـبه المسـ ـلم بالمُـ ـلحد، ولا أي حد مِن الد’يانات الأخرىٰ، أنتَ مسـ ـلم يعني ليك دِّ’ين وأُ’سس بتمشي عليها وشـ ـريعة إسلا’مية بتعمل بيها، المسيـ ـحي نفس الشيء لِيه دِّ’ينه وأُ’سس بيمشي عليها اليهو’دي نفس الكلام إنما المُـ ـلحد دا اللي معندهوش دِّ’ين عا’يشها كدا أي حاجة بالنسباله مبا’حة ولو سألته وقولتله مين ربنا أستغفر الله العظيم هيقولك مفيش ر’ب أنتَ مُتخَّـ ـيل العقـ ـل واصل لفين؟ ولذلك متشـ ـبهش نفسك بالمُـ ـلحد وإحمد ربنا إنك أتو’لدت على دِّ’ين مِن أد’يان ربنا السما’وية.
وحينما أنهـ ـى حديثه جاء الردّ مِن “يـوسف” الذي أقترب مِنهُ بخطى هادئة معانقًا إياه دون أن يتحدث ليتفا’جئ “رمـزي” بردّ رفيقه ولَكِنّ أبتسم وبادله العناق مربتًا على ظهره برفقٍ دون أن يتحدث، أبتـ ـعد “يـوسف” بعد مرور ثوانٍ ليأتي قول “بـشير” الذي أشار تجاه وجهه مبتسمًا:
_الد’قن محلياك أوي يا “رمـزي” لايقة عليك جا’مد أو’عى تحلـ ـقها بقى.
_بصراحة آه الو’اد “بـشير” عنده حـ ـق.
هكذا وافقه “سـراج” الرأي مبتسمًا لتتسـ ـع بسمة “رمـزي” الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_عشان خاطركم مش هحـ ـلقها هبقى أخـ ـففها مِن الوقت للتاني عشان المدام حبتها برضوا وحلفت لو شيـ ـلتها ما هتدخلني البيت أسبوع.
أنهـ ـى حديثه بعدما ظهر خو’فه مِن تهـ ـديد زوجته ليضحكوا جميعًا على حديثه وقد شاركهم هو كذلك الضحك ليأتي قول “مُـنصف” الممازح:
_بقيت تخا’ف يا شيخنا مِن المدام شوفت اللي حصـ ـلك، مَن عا’ب في شيءٍ أُبتلـ ـى بهِ، عشان تعيِّـ ـب حلو بعد كدا وتفر’ح فينا أديك بقيت واحد مِننا.
_لا يا عم خلاص حرمـ ـت واللهِ مرة ومش هتتكرر تاني … طب لو عملت كدا على عربية مرسيدس هبتـ ـلي بيها؟.
هكذا أنهـ ـى حديثه المرح بسؤالٍ يجـ ـهل إجابته ليتلقى الردّ مِن “يـوسف” الذي قال:
_جرّب ولو مشيت أعمل زيك.
_وأشمعنى أنا الأول يعني فكل حاجة بتجرَّبوا فيا الأول عشان لو جر’الي حاجة تاخدوا حذ’ركم؟.
هكذا ردّ عليهِ “رمـزي” سا’خرًا ليأتي الردّ مِن “لؤي” الذي قال بصراحةٍ تا’مة:
_متقولش كدا يا’ض دا أنتَ حبيبي منقد’رش نستغـ ـنىٰ عنك مهما حصـ ـل.
_حبيبي يا خويا.
هكذا ردّ عليهِ “رمـزي” مبتسمًا وبعد مرور دقائق بدأ “رمـزي” إقامة الصلاة وبعدها بدأ يُصلي بهم ويتلو ما تيَّسر مِن آيات الذكر الحكيم، على الجهة الأخرىٰ في محل “فـتوح و فـتحي” الأخوين اللذان لا ينتو’يا على خيرٍ ألبتة يجلس “فـتوح” أمام باب المحل الخاص بهِ وهو يُد’خن السيجا’رة ببر’ودٍ ينتظر المشهد المفضل الذي سيحد’ث بعد قليلٍ، خرج “فـتحي” مِن الداخل وجلس بجوار أخيه ونظر إليهِ ليرى السعادةُ باديةٌ على معالم وجهه ولذلك عقد ما بين حاجبيه وسأله قائلًا:
_مالك مبسوط أوي كدا ليه؟ في مـ ـصيبة جديدة بتحضرلها؟.
_بصراحة بقى آه.
هكذا ردّ عليهِ “فـتوح” مبتسم الوجه وكأنه سيُشاهد مشهدًا مِن فيلمٍ جديدٍ يُعرض على شاشة السينما لمرته الأولى، تعجب “فـتحي” كثيرًا وشعر بالقلـ ـق مِن ما سيفعله أخيه المختـ ـل ذاك والذي لن يصمـ ـت إلا حينما يتم إلقا’ء القـ ـبض عليهِ ويتم الز’ج بهِ في السجـ ـن، تمنى أن يهـ ـدأ أخيه عن إثا’رة غيـ ـظهم..
بعد مرور الوقت..
خرجوا جميعهم مِن المسجد وهم يتحدثون ويتبادلون الضحكات الخـ ـفيفة والمزحات الصبيا’نية، فيما كان “رمـزي” يُغـ ـلق المسجد وهو يستمع إليهم ويبتسم بين الفينة والأخرىٰ، نز’ل عدة درجاتٍ ووقف بينهم يستمع إلى حديثهم بوجهٍ مبتسم لبرهةٍ مِن الوقت حتى توقفت بالقرب مِنهم سيارة كبيرة بعض الشيء تُسمى في اللغة الدا’رجة _ميكروباص_ ليترجل مِنهُ ر’جلٌ يظهر عليهِ الصرا’مة..
نطروا جميعهم إلى السيارة وإلى الر’جُل ليزفـ ـر “رمـزي” بقلـ ـة حـ ـيلة قائلًا:
_تاني، مش معقو’ل بجد.
وقف الر’جُل أمام “رمـزي” الذي أبتسم لهُ وضم يديه إلى جانب بعضهما البعض قائلًا:
_أتفضل أنا عارف إنكم جايين مخصو’ص عشاني.
نظر “يـوسف” إلى الر’جُل تارا وإلى رفيقه تارا وهو يشعر بالتعجب ولا يفهم شيئًا ليتحدث بنبرةٍ هادئة يسأل عن سـ ـبب أعتقا’ل صديقه:
_في إيه يا أستاذ؟ هتاخدوه ليه هو عمل إيه؟.
نظر إليهِ الر’جُل وأجابه بنبرةٍ صا’رمة قائلًا:
_أ’من دو’لة، أتقدم فيه شـ ـكوى مِن سا’كن في الحارة.
صُدِ’موا جميعهم لينظر “يـوسف” إلى صديقه الذي أبتسم لهُ وقال بنبرةٍ هادئة يو’صيه على أهل بيته:
_عيلتي أما’نة فر’قبتك يا “يـوسف”، أُمّي و “تـسنيم” و “قـمر” أما’نة فر’قبتك يا “يـوسف” متسيبهـ ـومش لوحدهم وبالذات “تـسنيم” في شهور حمـ ـلها الأ’خيرة خلّي أُمّي تاخد بالها مِنها ومتسيبـ ـهاش لحظة واحدة.
وضع “يـوسف” كفه على كتف رفيقه وشعر بالضـ ـيق حيا’ل ما يحدث معهُ ليُطـ ـمئنهُ بقوله القو’ي:
_متقـ ـلقش هترجع على طول وأنتَ اللي هتاخد بالك مِنهم كلهم، مش هسيبك مهما حصـ ـل سامعني، هتصرف و’عد.
أبتسم لهُ “رمـزي” ثم طا’ف ببصـ ـره للمرةِ الأ’خيرة على أصدقائه قبل أن يتحرك مع الر’جُل يستلق السيارة ليتحرك سائقها مودعًا “رمـزي” عائلته وأصدقائه، أصا’بهم الحز’ن جميعًا دون أستثناء والغضـ ـب كذلك فهذه أول مرة يتم أعتقا’له منذ أن جاء إلى الحارة، تحدث “يـوسف” بنبرةٍ حا’دة وهو يستعد للذهاب قائلًا:
_لاز’م نحط حـ ـد للموضوع دا ونشوف هنخرجه أزاي أنا مستحـ ـيل أسـ ـيبه يوم واحد هناك.
تحركوا جميعهم خـ ـلفه واحدٍ تلو الآخر وهم ينتو’ون على السير نهـ ـج طريقه فهو صديقهم أيضًا وسلا’مته مِن سلا’متهم أيضًا وحيا’ته هي الأهـ ـم بالنسبةِ إليهم، وصلوا بعد برهةٍ مِن الوقت إلى حارتهم وبالتحديد أسفـ ـل بِنْاية “يـوسف” الذي كان يُفكر في هذا الحقـ ـير المتخاذ’ل الذي قدَّم بهذا المسـ ـكين تلك الشـ ـكوى فلَن يهـ ـدأ إلا حينما يأتي بحـ ـق هذا الحبيب وإخراجه مِن هذا المعتقـ ـل..
_هنعرَّف مراته أزاي دي رو’حها فيه لو عرفت أكيد هتتر’عب عليه؟.
هكذا قال “لؤي” يسألهم ماذا عليهم أن يفعلوا وكيف سيقومون بإخبار زوجته فجميعهم يعلمون جيدًا أنها لا تُحبّ “رمـزي” فحسب بل هي تعشـ ـقه ولذلك كان مِن الصعـ ـب عليهم إخبارها بالحـ ـقيقة ولذلك ألتزموا الصمـ ـت جميعهم فجأ’ة كل واحدٍ مِنهم يُفكر ماذا سيفعل في هذه الور’طة حتى خطرت الفكرة رأ’س “يـوسف” الذي قال قبل أن يتجه إلى بِنْاية رفيقه التي كانت في مقابلة بِنْايته:
_أنا لقيتها، خليكم هنا شوية وراجع.
أردف بها ومِن ثم تحرك مسر’عًا نحو البِنْاية عا’زمًا على تنفـ ـيذ ما جال بخا’طرهِ، وصل إلى الطابق الذي تمكث بهِ والدته ليبدأ الطرق على الباب بهدوءٍ عدة مراتٍ حتي سَمِعَ صوتها يُخبره بقدومها، لحظات وفتـ ـحت الباب لتراه أمامها مِمَّ جعلها تبتسم لهُ ومِن ثم تقوم بالترحيب بهِ بحفا’وةٍ قائلة:
_أهلًا وسهلًا يا حبيبي يا خطوة عزيزة أتفضل يا ابـ ـني أنتَ مش غريب.
أبتسم “يـوسف” لها ليُلـ ـبي مطلبها بالفعـ ـل ويولج إلى الداخل لتقوم هي بإغلا’ق الباب والألتفات لهُ قائلة بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه:
_أدخل يا حبيبي أنتَ مش غريب أتفضل تعالى.
تحركت إلى الداخل وهي تُرحب بهِ ليلحـ ـق بها وهو يُفكر كيف سيقول إليها شيئًا كهذا فبالتأكـ ـيد ستمر’ض خصيصًا أن “رمـزي” و’لدها الو’حيد ومحو’ر حيا’تها بالكامل، وبعد أن قدمت لهُ كرم الضيافة وجلست برفقتهِ نظر هو إليها يبتلـ ـع غصته بتروٍ وقد شعر بالقليل مِن التو’تر ليتحلىٰ ببعض الشجا’عة ويبدأ في التحدث بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إليها قائلًا:
_أسمعيني كويس يا أُمّي وبالله عليكِ اللي هقولهولك دا مش عايز أُمّ “قـمر” تعرف عنه حاجة مهما حصـ ـل دا سـ ـر بيني وبينك.
_طبعًا يا حبيبي قول متخا’فش أسـ ـرار الناس كلها معايا فأ’مان لأن دي أما’نة مينفعش أخو’نها مهما حصـ ـل.
هكذا جاوبته والدة “رمـزي” بوجهٍ مبتسم وبشو’ش تطمـ ـئنه ليصمـ ـت هو ثوانٍ يتحـ ـلىٰ بالهدوء قبل أن يقول مِن جديد:
_بصراحة يا أُمّي، “رمـزي” أتا’خد أ’من دو’لة.
_إيـه !! “رمـزي” أبـ ـني أنا !! ليه عمل إيه أبـ ـني طو’ل عمره فحاله لا بيضا’يق حد ولا بيز’عل حد مِنُه خـ ـدوه ليه وحصل أمتى الكلام دا !!.
هكذا جاء ردّها الصاد’م تهتف بعد’م تصديق وفز’عٍ على و’لدها ليقوم “يـوسف” بتهـ ـدأتها وهو يُربت على ظهـ ـر كفها برفقٍ يُطـ ـمئنها قائلًا:
_متخا’فيش، “رمـزي” معملش أي حاجة لحد ولا عُمره أذ’ىٰ حد … بس ولا’د الحر’ام كتير وبتوع أذ’ية لا بير’حموا ولا بيسيبوا ر’حمة ربنا تنز’ل، بس هو بر’يء واللهِ وأنا وا’ثق إن الشـ ـكوى دي غـ ـرضها إنتقا’م، صدقيني ربنا دايمًا بيقـ ـف مع المظلو’م ودي محـ ـنة وهتعدي محدش فينا هيسـ ـيبه لحظة واحدة … هو وصا’ني عليكم قبل ما يمشي وأ’كد على أُمّ “قـمر” عشان هي تـ ـعبانة الفترة دي وفشهور حـ ـملها الأ’خيرة بيو’صيكِ عليها وبيقولك متسبـ ـيهاش لحظة وأنتم فحما’يتي وأما’نة فر’قبتي لحد ما يرجع وبصراحة عشان مخـ ـبيش عليكِ الله أعلم هيقعد هناك قد إيه لأنه ممـ ـسوك أ’من دو’لة ومش بالسا’هل يخـ ـلو سبيـ ـله ويمشي.
بدأت “نـجلاء” تبكي حز’نًا وقهـ ـرًا على و’لدها الحبيب الذي على مدار هذه السنوات التي مضت لَم ترى مِنهُ إلا الخير والعطاء والمحبة، هي تعلم و’لدها جيدًا ولذلك تسأل لِمَ يتم إيذ’اءه بهذه الطريقة وما المستفاد مِن هذا الفـ ـعل؟ تدرعت إلى ربها وهي تشـ ـكو لهُ وتدعو على مَن فعـ ـل هذا وقام بإ’يذاء و’لدها الحبيب، فيما حز’ن “يـوسف” كثيرًا عليها وآ’لمهُ قـ ـلبه وقد بدأ يُفكر ماذا عليهِ أن يفـ ـعل فلَن يهـ ـدأ إلا حينما يعود مِن جديد.
________________________
<“وغريبين في الأمسِ،
حبيبين اليوم وكل يوم.”>
وحينما يُطالب القلـ ـب صاحبه بحبيبٍ تنتـ ـهي أفكاره وتظل واحدةٌ حـ ـية بدا’خلهِ وهي، كيف يقوم بإمتلا’كها؟ حينما يُحبّ القـ ـلبِ لا يُفكر إلا بحبيبه ويبدو أنه قد سقـ ـط في بئـ ـر العشـ ـق ولَن يستطيع الخروج إلا على مجاورة مَن يُحبّ..
يجلس في غرفة المعيشة ينتظر مجيئها بعد أن أخبرته أنها ستؤ’جل الزيارة حتى حلول المساء ولَم يتبقى سوى دقائق معدودة وتحضر في أي وقتٍ، دا’عبت روائح الطعام اللذيذة أنفه ليبتسم قائلًا بنبرةٍ عا’لية بعض الشيء:
_الله على الحلاويات، إيه الريحة الجا’مدة دي تسلم الأيا’دي.
جاءهُ صوتها العا’لِ مِن الداخل حينما ردّت عليهِ قائلة:
_تسلم يا حبيبي مِن كل شـ ـر، تعالى دوق طيب وقولي رأيك بدل ما أتفـ ـضح قدام البـ ـت وهي لسه أول زيارة.
نهض هو متجهًا إليها بخطى هادئة بوجهٍ مبتسم قائلًا:
_إيه الكلام الما/سخ دا بس يا سـ ـت الكل دا أنتِ أكلك سُكَّر واللهِ يعني أنا مدوقتش قبل كدا؟.
ولج إليها ليشتـ ـم روائح عديدة طيبة وشهية ليشعر بكر’كرة معدته ليقول بنبرةٍ ضاحكة مبتسم الوجه:
_اللهم صلّ على النبي إيه الجمال دا؟ إيه الروايح التُحفة دي؟ محاشي وفراخ وشوربة دي وليمة يا ستـ ـي مش عزومة فرد.
_ولو يا حبيبي إحنا أهل كرم برضوا، وبعدين وإيه يعني لو فرد واحد هي مش ضيفة برضوا بدل ما تقول علينا ناس بُخـ ـلىٰ وإحنا أهل كرم أصلًا.
هكذا ردّت “هـناء” عليهِ وهي مند’مجة في إعداد الطعام لتتلا’شىٰ بسمة “بـشير” الذي تذكر أعتقا’ل “رمـزي” ليظهر الحز’ن مليًا على تقا’سيم وجهه، لمحته “هـناء” بطر’ف عينها لتعقد ما بين حاجبيها قائلة بنبرةٍ متسائلة:
_مالك قَـ ـلَبت وشك كدا ليه والضحكة أختـ ـفت؟.
_مضا’يق أوي بسـ ـبب اللي حصـ ـل لـ “رمـزي” معرفش خدوه أ’من دو’لة ليه بجد هو عمل إيه دا ماشي زي الأ’لف مبيعلمش أي حاجة غـ ـلط.
هكذا جاوبها “بـشير” بنبرةٍ يظهر بها الضـ ـيق الشـ ـديد لتجاوبه “هـناء” بنبرةٍ هادئة قائلة:
_ولا’د الحر’ام هنا كتير يا حبيبي ومبيتمنوش الخير لحد، بس إن جيت للحـ ـق أنا شا’كة فالو’اد اللي اسمه “فـتوح” دا عندي إحسا’س قو’ي بيقولي إن هو اللي بلَّـ ـغ عنه معرفش ليه، طو’ل عمره الو’اد دا شـ ـراني ومش بتاع خير أبدًا، سَبَق وكان عايز يتجوز “مـها” أخت “يـوسف” و “يـوسف” وقتها ر’فضه بعدين أخوه “فـتحي” كان عاوز يتجوز “بيلا” أختك والله يسامحه أبوك سمعله وبهـ ـدلها وأضطـ ـريت أجوزها “يـوسف” تر’بيتي وهأ’منله على بـ ـنتي، بس هنقول إيه بقى خلاص اللي حصل حصل.
نظر إليها “بـشير” بهدوءٍ وجاء سؤاله الهادئ حينما قال:
_يعني أنتِ ند’مانة إنك جوزتيهاله دلوقتي ولا إيه مش فاهم؟.
_لا طبعًا مش ند’مانة وبالعكـ ـس لو الزمن ر’جع بيا لو’را تاني هجو’زهاله برضوا، “يـوسف” دا وا’د مجد’عة حِمِـ ـش كدا وبيخا’ف على أهل بيته وشا’ب يؤ’تمن عليه وذكي، مخيـ ـبش ظـ ـني فيه وقتها وطـ ـلع قد المسؤ’ولية رغم إنه كان متجوزها كحما’ية بس مِنهم لوقت مؤ’قت وكل حاجة هتنتـ ـهي، بس سبحان الله ربنا كان لهُ حكمة والجوازة كمـ ـلت وهي حبته بعدين ومبقتش قا’درة تبعـ ـد عنه وبتخا’ف عليه أوي، ربنا يباركلهم فحياتهم جابولي حفيدتين زي القمر وخلوني جدة وأنا لسه صغيرة.
نظر إليها “بـشير” نظرةٍ ذات معنى بعد أن أنهـ ـت كلماتها الأ’خيرة لبرهةٍ مِن الوقت قبل أن يقول موافقًا إياها الرأي كي لا يتم طر’ده مِن المنزل:
_آه طبعًا عندك حـ ـق يا سـ ـت الكل، كبـ ـروكِ وأنتِ لسه صغيرة بس هنقول إيه بقى، شقا’وة عيا’ل.
دا’م الصمـ ـت في المكان بعد أن أنهـ ـى حديثه لبرهةٍ مِن الوقت لتقـ ـطعه هي حينما قالت بنبرةٍ هادئة:
_عايزة أفرح بيك يا “بيـشو” أنتَ كمان، عايزة أشوفك عريس زي القمر كدا وتبقى تالت عيـ ـل مِن عيا’لي أجوزه جوزت ٢ وفاضلي ٢.
أبتسم “بـشير” حينما رأى بسمتها تزين ثغرها وهي تتخـ ـيَّل هذا اليوم الذي سيُصبح بهِ رجـ ـلًا مسؤ’ولًا عن منزلٍ وزوجة ليقف بجوارها يحاوط كتفيها بذراعه الأ’يسر قائلًا بنبرةٍ هادئة مبتسمًا:
_بُصي هو لأجل الأما’نة أنا لسه مش متأكـ ـد أوي مِن مشاعري بس بعد قعدة النهاردة ممكن أقولك، وأنا لو متأكـ ـد فعلًا مش هخـ ـبي عليكِ بالعكـ ـس هقولك لأن فرحتك وسعادتك مِن سعادتي.
أبتسمت هي لهُ بعد أن أستمعت إلى حديثه الذي أسعد قلـ ـبها لتنظر إليهِ بوجهٍ مبتسم قائلة:
_بإذن الله يا حبيبي وأنا أكيد هحبها أول ما أشوفها وهتمنالك كل خير دا يبقى يوم المُنىٰ لمَ ألاقيك أستقـ ـريت فبيتك.
لثم رأسها بحنوٍ وربت على ذراعها برفقٍ وتركها تُكمل إعداد الطعام حتى مرّ الوقت وأنهـ ـت هي تجهيز كل شيءٍ، صدح رنين هاتفه عا’ليًا يُعلنه عن أتصالٍ هاتفي مِنها ليقوم بالردّ عليها لثوانٍ قبل أن يغـ ـلق معها أسفـ ـل نظرات “هـناء” التي قالت بنبرةٍ هادئة:
_إيه يا حبيبي جَت ولا لسه؟.
_آه تحـ ـت هنز’لها عشان مسيـ ـبهاش لوحدها والز’فت دا موجود.
أنهـ ـى حديثه ونهض مِن مجلسهِ ذاهبًا إلى باب الشقة ليسمع “هـناء” حينما قالت بنبرةٍ ما’كرة:
_أيوه يا ابو قـ ـلب حنين يا خشـ ـن أنتَ.
أبتسم هو إليها قبل أن يُغـ ـلق الباب خـ ـلفه لتنهض هي مِن جلستها تأخذ حجاب رأ’سها الذي وضعته على رأ’سها وهي تتجه إلى الشرفة لتراها، أما على ذِكرها فقد صفت سيارتها أسفـ ـل إحدى البِنْايات الأخرىٰ وهي تنتظره، أما عنهُ فقد خرج مِن البِنْاية ووقف ينظر حوله يبحث عن سيارتها حتى رآها تصف أسفـ ـل بِنْاية أخرىٰ ليُشير إليها بذ’راعه لتترجل هي مِنها مغـ ـلقةً إياها ثم أقتربت مِنهُ بخطى هادئة تبتسم لهُ، صافحته “بـسنت” بوجهٍ مبتسم قائلة:
_أزيك يا “بـشير” عامل إيه.
أبتسم “بـشير” وأجابها بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_كويس الحمد لله، أنتِ عاملة إيه كويس إنك عرفتي تيجي أنا عارف إن المكان بعيـ ـد عليكِ.
أجابته بنبرةٍ هادئة وهي تبتسم لهُ قائلة:
_الحمد لله أنا كويسة، أهو الحمد لله عرفت أجي هو أينعم بعيـ ـد شوية بس مش مشـ ـكلة هاجي حتى لو فأ’خر الدُنيا يعني.
أبتسم “بـشير” لها وقبل أن يأخذها ويصعـ ـدا أو’قفها حينما أستأذنها قائلًا:
_معلش ثوانِ بس هروح أو’صي على العربية عشان ولا’د الحر’ام هنا كتير.
حركت رأسها برفقٍ لهُ وهي تبتسم إليهِ ليتركها هو ويذهب إلى “ثـريا” بخطى هادئة أسفـ ـل نظراتها لهُ، فيما وقف هو أمام محلها وقال بنبرةٍ هادئة:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا سـ ـت أُمّ “حـسن”.
نظرت إليهِ “ثـريا” وقد ردّت السلام عليهِ بوجهٍ مبتسم وقالت:
_أؤ’مرني يا حبيبي محتاج حاجة؟.
_الأ’مر لله وحده معلش بس طلب صغير تخلي با’لك مِن العربية دي.
هكذا قال يستسـ ـمحها بوجهٍ مبتسم لتبتسم هي في المقابل تردّ عليهِ قائلة:
_عيو’ني يا حبيبي بس كدا فعنـ ـيا لحد ما صاحبها ياخـ ـدها.
_تسلم عيو’نك يا سـ ـت الكل منتحر’مش مِنك.
هكذا ردّ “بـشير” عليها ثم تركها وعاد إلى “بـسنت” مبتسم الوجه ليصعد هو أولًا ثم تلحـ ـق هي بهِ كل هذا أسـ ـفل نظرات “هـناء” المبتسمة والتي ولجت إلى الداخل وذهبت إلى باب شقتها لتقوم بفتـ ـح الباب تنتظرهما، ثوانٍ وكان “بـشير” أمامها ترافقهُ “بـسنت” التي أبتسمت لها ورحبت بها لتُعانقها “هـناء” تستقبلها بحفا’وةٍ شـ ـديدة وهي لا توَّد تر’كها أسفـ ـل نظرات “بـشير” المبتسم وكذلك “بـسنت” التي ربتت على ظهرها برفقٍ..
بعد الترحاب وتقديم كرم الضيافة كانوا يجلسون ثلاثتهم وهم يتبا’دلون أطر’اف الحديث حتى أثنـ ـت “هـناء” على جمالها قائلة:
_بسم الله ما شاء الله عليكِ زي القمر يا “بـسنت”، لا’يقة على “بـشير” أوي.
تفا’جئ “بـشير” مِن حديثها ولذلك جحـ ـظت عينيه بصد’مةٍ وهو ينظر إليها، فيما خجـ ـلت “بـسنت” مِن حديثها ولذلك أبتلـ ـعت غصتها بتروٍ وهي تنظر أر’ضًا، فيما أد’ركت “هـناء” حديثها ولذلك أبتسمت وقالت:
_قصدي فيكم شبـ ـه مِن بعض يعني، زي القمر ربنا يحميكم ويحفظكم يارب … قوليلي يا “بـسنت” إيه رأيك فـ “بـشير”.
جحـ ـظت عينين “بـسنت” بصد’مةٍ وا’ضحة حينما سَمِعَت حديث “هـناء” ومعها “بـشير” الذي نظر إليها ليرى الخجـ ـل طا’غيًا على تقا’سيم وجهها ولذلك أبتـ ـلع غصته بتروٍ وقال بنبرةٍ خجو’لة:
_يا سـ ـت الكل ميصحـ ـش كدا، قربت أشُـ ـق هدومي مِن الإحر’اج ما بالك بيها هي ما تطلبي المأذون بالمرة وتجيبي شهو’د ونخـ ـلص.
_لا لا متستـ ـعجلش كل حاجة هتيجي واحدة واحدة.
هكذا ردّت عليهِ “هـناء” مبتسمة الوجه لتكتـ ـسي الحُمـ ـرة وجه “بـسنت” التي كانت تتمنىٰ أن تنشـ ـق الأرض وتبتلـ ـعها في هذه اللحظة، نظر إليها “بـشير” وقد سـ ـعل لتنظر إليه “هـناء” قائلة:
_مالك يا “بـشير” بتكـ ـح ليه يا حبيبي؟.
_مفيش يا حبيبتي أنا بس شـ ـرقت، ممكن تجيبيلي ميَّه؟.
هكذا جاوبها “بـشير” مبتسمًا لتحرك هي رأسها برفقٍ قائلة بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه:
_آه طبعًا ثوانِ وتكون عندك.
أنهـ ـت حديثها وذهبت لجلب كأ’س الماء، فيما تابعها هو حتى أختـ ـفى أ’ثرها لينظر بعدها إلى “بـسنت” معتذرًا مِنها قائلًا:
_أنا حـ ـقيقي آسف جدًا على الكلام اللي قالته هي فرفوشة حبتين وبتحب تهزر بس مش أكتر.
أبتسمت “بـسنت” بسمةٌ خـ ـفيفة إليهِ وحركت رأ’سها برفقٍ توافق على حديثه دون أن تتحدث ليبتسم هو إليها ويعاود النظر إلى “هـناء” التي جاءت تُعطيه كأ’س الماء ليأخذه هو مرتشفًا القلـ ـيل ليأتي قولها وهي تنظر إلى “بـسنت” مبتسمة الوجه:
_منوَّ’رانا واللهِ يا “بـسنت”.
أبتسمت لها “بـسنت” وقالت بنبرةٍ هادئة خجو’لة:
_بنو’ر حضرتك واللهِ يا طنط شكرًا لذوقك واللهِ.
بدأت “هـناء” تتحدث معها وسر’يعًا أند’مجت “بـسنت” في الحديث معها أسفـ ـل نظرات “بـشير” الذي كان يتابعهما مبتسم الوجه وقد شاركهم مؤ’خرًا الحديث ليبدأ التحدث مع “بـسنت” بعد أن تلا’شىٰ الخجـ ـل وأصبحا يتحدثان وكأنهما صديقين منذ زمنٍ، كان كل هذا أسفـ ـل نظرات “هـناء” المبتسمة والتي كانت تتابعهما بهدوءٍ وهي ترى التشابه الكبيـ ـر بينهما لتدعو لهما بالخير الكثير والسعادة والرا’حة فأ’منية حياتها أن تراه سعيدًا في حيا’ته وأن يجد شريكة حيا’ته حتى يستقـ ـر في حيا’ته فهذا ما ينقـ ـصه كما ترى هي.
_________________________
<“حُبِّـ ـسَ العَصْفُورِ في قَفَـ ـصٍ مِن حـ ـديدٍ،
وبِرَغم محا’ولتهم لبتـ ـر جنا’حيهِ لَم يستسـ ـلم.”>
عصفور الحديقة ذو الصوت الهادئ العذ’ب الذي يز’قزق في الصباح الباكر قد تم إمسا’كه وكـ ـتم صوته وكأنهُ ميكر’وب يعيـ ـش بينهم يخـ ـشون إنتشا’ر وبا’ءه وليس وكأنه طيـ ـرٌ مسـ ـكين يطـ ـير في أجواء المكان ينتشـ ـر الفرحة والرا’حة في قلو’ب الآخرين، أجتمعوا على تكـ ـبيله وكـ ـتم صوت الحـ ـق وإن كلـ ـفهم الأمر حتى يحـ ـققوا أهدافهم، يتم سـ ـحبه كالذ’بيحة وهو مُقـ ـيد بالأصفا’د الحـ ـديدية التي تعانق ر’سغيه، يسير مر’فوع الرأ’س على الرغم مِن أنهم يُحاولون إنكا’سها أر’ضًا، ولج إلى الداخل ويتم سحـ ـبه بين الفينة والأخرىٰ..
على الجهة الأخرىٰ.
كان يسير بخطى هادئة وهو ينظر في أوراقه العد’يدة الخاصة بالعمل حتى ر’فع رأسه حينما لمـ ـح حشـ ـدًا كبيرًا وشخصٌ يتم سحـ ـبه وكأنه ذ’بيحة ليعلم سر’يعًا فيما جاء دون أن يتحدث، سبـ ـقه على الغرفة التي سيتم التحـ ـقيق بها ليأ’مر الجميع للبقا’ء في الخا’رج ويجلس هو معهُ كي يبدأ التحـ ـقيق كما تطلب مِنهُ..
نظر إليهِ بعد أن جلس أمامه والصمـ ـت قائمٌ بينهما ليأتي قول “رمـزي” الذي أبتسم قائلًا:
_مش خا’يف ومش هخا’ف لأن أنا معملتش حاجة.
_عارف مِن غير ما تقول، باين عليك على فكرة، وأنا مش حابب ولا نا’وي أأذ’يك دا الروتين بتاع شغلنا وكلمتين هنقولهم وهيا’خدوك يحـ ـطوك فأوضة فـ ـردية لوحدك، بس عايزك تعرف حاجة واحدة بس، إني معاك ومش هسـ ـيبك مهما حصـ ـل لأن مبعرفش أشوف حد مظلو’م وأفضل ساكت كتير مِن غير ما أخد ر’دّ أو أحاول أدا’فع عنه وأبـ ـرأه.
هكذا ردّ عليهِ بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه لينظر لهُ “رمـزي” قليلًا دون أن يتحدث ليأتي قول الآخر الذي أكمل وقال:
_معاك أخوك “حُـذيفة”، بعون الله مش هسـ ـيبك غير وأنا مخر’جك مِن هنا.
أبتسم “رمـزي” لهُ وأجابه بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_وا’ثق فيك يا صاحبي، كفاية وشـ ـك البشو’ش دا بيخلي أي حد يتطمـ ـن.
أبتسم لهُ “حُـذيفة” ومِن ثم أعتدل في جلستهِ ونظر لهُ قائلًا:
_تسلم على كلامك دا، وعايزك دلوقتي تقولي إيه اللي حصـ ـل خلاهم يجيبوك لهنا؟.
________________________
<“وفي لحظة السكو’ن وصمـ ـت الليل،
د’وى في بيتنا صو’ت القصـ ـف.”>
لحظات هادئة، سا’كنة، دو’ى صوت القصـ ـف عا’ليًا بد’ون إنذ’ار كان آخر صوتٍ يُسمع ومِن بعدها تعا’لت أصوات الصر’خات تد’وي في المكان وانتشـ ـر الهلـ ـع أر’كان المكان وكل ما يطلبه الأُناس الاستغا’ثة، هكذا كان منزلهم حينما إنقـ ـلب في لمـ ـح البصـ ـر..
كانوا جميعهم يجتمعون في منزل “المحمدي” بعد أن دعاهم “راضـي” على العشاء وحينها كان “يـوسف” يرفـ ـض الذهاب والتفر’غ لصديقه الذي حتى هذه الساعة لا يعلم عنهُ شيئًا ولَكِنّ إصر’ار العم الأكبـ ـر جعله يذهب رغـ ـمًا عنهُ وفي نفس الوقت الضـ ـيق مرتسمًا على تقا’سيم وجهه وعقـ ـله لَم يتوقف عن التفكير بهِ..
كان يجلس في الحديقة شارد الذهن فالو’صول لهُ أمرٌ صـ ـعب وبشـ ـدة ويحتاج إلى ذو’ي السُـ ـلطات الكبـ ـرى وهو حتى الآن لا يعلم ماذا عليهِ أن يفعـ ـل، لحظات مرّت عليهِ وهو يُفكر حتى خطـ ـرت برأ’سه الفكرة، شخصٌ واحد يستطيع مسا’عدته في هذه المعـ ـضلة، أخذ هاتفه وعبـ ـث بهِ قليلًا ومِن ثم وضعه على أذنه ينتظر تلقي الإجابة مِنهُ وهو يشعر بالتو’تر الشـ ـديد، لحظات وجاء الجواب ليشعر هو بالرا’حة حينما جاوبه الطر’ف الآخر ليقول بنبرةٍ حاول أن يجعلها هادئة:
_”ليل”، أنا “يـوسف” … “يـوسف عدنان المحمدي”.
_أهلًا بالبيه اللي مبيتصلش غير عشان المصا’لح، صدقت لمَ قولت عليك تر’بية *****؟.
هكذا جاوبه “ليل” بوقا’حته المعتادة بعد أن تلقى إتصالًا مِن صديقه الذي لا يعلم عنهُ شيئًا منذ وقتٍ طو’يل وفشـ ـل في الوصول إليهِ في المرات السابقة ليأتيه ردّه حينما قال:
_يا سيدي عندك حـ ـق أنا فعلًا تر’بية ***** فـ ـكك مِن كل دا دلوقتي وخليك جَـ ـد عشان في ليـ ـلة كبيـ ـرة عايزك تسا’عدني فيها.
_ليلة إيه أشتغـ ـلت فالآ’ثار ولا تجا’رة الأعـ ـضاء؟.
هكذا ردّ عليهِ “ليل” سا’خرًا ليزفـ ـر “يـوسف” في المقابل وقد ردّ عليهِ بوقا’حةٍ مما’ثلة حينما قال:
_لا هتشتغـ ـل طبا’ل يا ا’بن الظر’يفة، بقولك ليـ ـلة كبيـ ـرة فيها حبـ ـس ومو’ال أزر’ق.
أستشعر “ليل” جد’ية الموضوع وكم هو مهـ َم بالنسبةِ إلى “يـوسف” ولذلك بدأ يستمع إليهِ والآخر يقـ ـصَّ عليهِ ما حد’ث مع رفيق در’به بالتفصـ ـيل حتى أنهـ ـى حديثه حينما قال بخو’فٍ شـ ـديد:
_أنا هتجـ ـنن مِن وقتها يا “ليل” ومش عارف أتصر’ف ودا متا’خد أ’من دو’لة فمـ ـلقتش غيرك يعرف يسـ ـلَّك فالموضوع لو هتعرف تو’صله بنفسك أو حد تبـ ـعك تقيـ ـل يتصر’ف بس ميبا’تش ليلـ ـة واحدة جوه.
زفـ ـر “ليل” بعـ ـمقٍ وقد أجابه بصد’قٍ تا’م ونبرةٍ هادئة:
_بُص يا “يـوسف” أنا مقدَّ’ر خو’فك كويس أوي على صاحبك بس دا مش بالسا’هل دا متا’خد أ’من دو’لة يعني عشان نعرف إيه اللي بيحصـ ـل معاه جوه لـ ـيلة كبيـ ـرة أوي مش هتتحـ ـل بسهو’لة الموضوع كبيـ ـر وهو بنسبة ١٠٠% هيتحبـ ـس دي مفيهاش جد’ال، بس متقلـ ـقش أنا هعرف أو’صله إن شاء الله ولو عرفت حاجة هطمـ ـنك على طو’ل متقلـ ـقش يا صاحبي.
وبعد قليلٍ أغـ ـلق “يـوسف” المكالمة بعد أن قطـ ـع صديقه وعـ ـدًا لهُ بمسا’عدته وإخر’اج رفيقه مِن هذه المعضـ ـلة مهما كلـ ـفه الأمر، وضع “يـوسف” هاتفه على الطاولة أمامه وشرد قليلًا يُفكر ويدعو أن يكون صديقه بخيرٍ وألا يَمُـ ـسه سو’ءٍ..
أما في الداخل.
كانت “كايلا” تقف أمام النافذة الزجا’جية تتابع الزهور الصغيرة المزروعة بأبتسامة بعد أن جـ ـذبت إنتبا’هها ورائحتها العبـ ـقة، ملَّـ ـست بإبهامها عليها حتى جاءها صوته مِن خـ ـلفها حينما قال بنبرةٍ هادئة:
_عجبوكِ.
شهـ ـقت بخـ ـفةٍ وألتفتت لهُ تنظر إليهِ لتراه يقف خـ ـلفها ينظر إلى ما تفعله، تعا’لت نبـ ـضات قلبها حينما رأته أمامها بدون سا’بق إنذ’ار ليقوم ببعثـ ـرة ثبا’تها في لمـ ـح البصـ ـر، شعرت بالتو’تر الشـ ـديد ولَكِنّ الأعـ ـين كانت تتحدث وتقول كل شيءٍ حينما يعجـ ـز الفـ ـم عن البو’ح بما يريد القـ ـلب قوله لتكون لغة الأعيـ ـن أفضل لغة للتعبير عن الحُبّ، أما عنهُ فلَم يستطع أن يحـ ـيد ببصـ ـره عنها فالقلـ ـب يشتا’ق والرو’ح متعطـ ـشة وهو لا حول بهِ ولا قوة يعجـ ـز عن فعـ ـلٍ شيءٍ..
طا’لت النظرات بينهما كلاهما يُعبر عن شو’قه وحُبّه إلى الطر’ف الآخر دون أن يتحدث أحدٍ مِنهم، إزد’اد تو’ترها لتشيـ ـح ببصـ ـرها بعيـ ـدًا عنهُ تحاول أن تتلا’شىٰ النظر إليهِ بشتىٰ الطرق الممـ ـكنة، أما عنهُ فلَم يستطع أن يظل ملتز’مًا الصمـ ـت في حضـ ـرتها ولذلك قال بنبرةٍ هادئة يسألها سؤالًا لَم تتو’قعه مِنهُ:
_قبلتي العريس اللي جه أتقدملك ولا لسه بتفكري؟ على حسب معلوماتي العريس كويس وميعيبـ ـهوش حاجة يعني ميتر’فضش مش كدا برضوا؟.
نظرت إليهِ بصد’مةٍ بادية على تقا’سيم وجهها وقد تعا’لت نبـ ـضات قـ ـلبها بد’اخل قفـ ـصها الصد’ري فجأ’ةً وهي لا تصدق ما تسمعه وتراه، فقد رأت نظرةٌ آلمـ ـتها وبشـ ـدة أكثر مِن كونه يتأ’لم وحينما حاولت التحدث شعرت بأن الكلمات تعجـ ـز عن الخروج وكأن فَمِـ ـها قد شُـ ـلَّ عن الحركة لتلتزم الصمـ ـت وهي كل ما تفـ ـعله تتأ’مله فقط، فيما نظر هو إليها بنظرةٍ متأ’لمة تخبرها كم هو يُحبُّها ويريدها زوجةٌ لهُ ولَكِنّ ثمة شيءٍ مازال يُعر’كل طريقه ليلتزم الصمـ ـت كذلك تاركًا قـ ـلبه الذي يحتر’ق وينشـ ـطر إلى نصـ ـفين.
_”وكيف الضا’لين أن يلتقوا سويًا،
والقلو’بُ مُـ ـعلقةٌ كالذ’بيحة النا’زفة.”
يتبع….
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية جعفر البلطجي ) اسم الرواية