رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل السادس و الاربعون 46 - بقلم بيسو وليد
يا ربةَ الحسنِ في الأفياءِ والدِّيَمِ،
هل لي إلى وصلكِ المأمولِ من سبيلِ؟،
مررتُ بالحيِّ والأحبابُ قد رحلوا،
فاستوقفَتْني طيوفُ الوجدِ والذِّكرِ،
رأيتُ ظبيًا تسامى في خمائلِها،
كالغصنِ يمشي تهاديًا على مَهَلِ،
ناديتُها والهوى نارٌ تُؤجِّجُني،
يا ذاتَ الطرفِ هل تسمعينَ مُرتَهَلي؟.
_نادر حداد.
_________________________
قُل للعا’شق وهل لد’اء العشـ ـقِ مِن دواءٍ؟ وكيف لعا’شقٍ أن يتعا’فى مِن دا’ء العشـ ـق بعد أن أسلـ ـمهُ نفـ ـسه بكامل الرضا؟ غريبٌ هذا العا’شق الو’هان فبرغم ما يُعا’نيه مِن لهـ ـيب الشو’ق فمازال يتلـ ـذذ بلـ ـذة هذا الشعور حتى وإن كان مؤ’لم.
<وكيف الضا’لين يلتقوا سويًا،
والقلو’بُ مُعـ ـلقةٌ كالذ’بيحة الناز’فة.>
كان بِحُبّها مدمنٌ وقلبه كالذبيحة النازفة مُعلقٌ لا قدميه تُلامس الأرض ولا يستطيع الرفرفة بجناحيه في السماء كالطيور الحُرة فكان حُبّها في بادئ الأمر كما العالم الوردي صعب الوصول إليهِ فكان هو في قاع الأرض وهي في الأعلى وبينهما مسافةٌ كبيرة مِن الصعب قطعها فإن مَدّ يده عاليًا كي نتنشله فلَن يستطيع الوصول إليها مهما حاول، وفي حقيقة الأمر حينما أقترب رأى عالمٌ آخر غير هذا الوردي الذي خدعه في بادئ الأمر ولذلك أستسلم للأمر الواقع وأصبح سجينًا في عشقها..
كانت تنظر إليهِ تحاول أستيعاب ما قاله لا تصدق ما سمعته، وهو حينها أشا’ح ببصـ ـره بعيـ ـدًا وهو يشعر بالضعـ ـف يستو’لي عليهِ في حضرتها، رفـ ـرفت بأهـ ـدابها عدة مراتٍ وهي تحاول التحدث وإخرا’ج الكلمات مِن فَـ ـمِها فقد صد’مها بمعرفته بأمر هذا العريس المز’عوم..
_عريس؟ هو أنتَ عرفت؟.
هكذا قالت بعد أن فشـ ـلت في قول أكثر مِن ذلك ففي حضرته تنسىٰ نفـ ـسها وتنسىٰ كل ما حولها ولا ترى سواه حينها، رأته يُحرك رأسه برفقٍ دون أن ينظر لها يؤ’كد قولها لتحاول هي تبر’ئة نفـ ـسها حتى لا يراها في صورة المتـ ـهمة التي برغم عِلمها بِحُبّه لها خا’نته ود’هست بعـ ـنفٍ على قـ ـلبه النا’زف بدون ر’حمة أو شفـ ـقة، قـ ـررت الد’فاع عن نفـ ـسها وتبر’ئة نفـ ـسها لتقول بنبرةٍ هادئة وهي تنظر إليهِ:
_”جـاد” صدقني أنتَ فاهم الموضوع غـ ـلط أنا مش زي ما أنتَ شايفني كدا واللهِ أنا زيي زيك.
نظر إليها “جـاد” ليرى مُقلتيها تلتـ ـمعين بالعبرات والحز’ن يحتضنهما ليبتسم هو بسمةٌ هادئة حز’ينة قائلًا بنبرةٍ حز’ينة:
_مش هتفر’ق يا “كـايلا” خلاص، اللي حصل حصل أنا صحيح يوميها كُنْت جاي أتكلم مع أخوكِ بس قد’رة ربنا فو’ق كل شيء، جه اللي سبـ ـقني ولو هو كويس ويستا’هلك أقبلي، دا قد’ر وأنا بأَ’من بالقد’ر وأعتبريني محطة وأنتهـ ـت ولو لينا نصيـ ـب فبعض هنكون لو ربنا أراد … أتمنالك حياة سعيدة وربنا يسعدك فحياتك.
_”جـاد” عشان خاطري متقولش كدا، أنا واللهِ فكرته أنتَ بس أنا أتصد’مـ ـت لمَ لقيت غيرك أنا مش عايزاه أنا عايزاك أنتَ أنا مش شايفة نفسي مع حد غيرك أنتَ، أنا مش هوافق عليه مهما حصـ ـل أنا قـ ـلبي معاك أنتَ مش مع حد غيرك.
هكذا ردت “كـايلا” على حديثه وهي تبكي لا تصدق أن علا’قتهما سويًا ستنتـ ـهي قبل أن تبدأ، هكذا فكرت حينها لينظر هو حينها والحز’ن يحتضنه والأ’لم يُلاز’مه فإن كانت تتأ’لم قليلًا فهو يتأ’لم كثيرًا فهو قام بتسلـ ـيم نفـ ـسه وقلبه لها وفي النها’ية أنتهـ ـت القصة قبل أن تبدأ، ألتـ ـمعت مُقلتيه بالعبرات وهما ينظران إلى بعضهما البعض وهُنا قالت الأعين كل شيء، حرك ر’أسه بقـ ـلة حيـ ـلة يعتذ’ر لها ثم تركها ور’حل دون أن يقول شيئًا، رحل وأخذ قلـ ـبها ورو’حها معهُ وتركها جسـ ـدًا بدون رو’ح ولا حياة، سقـ ـطت عبراتها على صفحة وجهها بغـ ـزارة وجلست على رُ’كبتيها تبكي منز’ويةً عن أعـ ـين الجميع بقـ ـلبٍ نا’زف ورو’حٌ مُعذ’بة.
_________________________
<“وسقاني حبيبي شراب العسلِ،
وكان هو شاربًا شرابًا مُـ ـر الطعم مبتسمًا.”>
سُقيا الرو’ح مُرة والساقي كان أشـ ـد قسو’ة وبين الأثنين كان هو جسـ ـدًا بدون رو’ح وعـ ـقلٌ بلى و’عي، كان أكثرهم حنوًا وعطفًا على مَن حوله حتى على القا’سي، كان الجميع بالنسبةِ إليهِ صفٌ واحد لا أحد أقرب مِن الآخر وإن تلقى الأذ’ىٰ مِن أحدهم يقول _عفىٰ الله عمَّ سَلَف_ كان ومازال طيب القلـ ـب فما هو عليهِ الآن ما هو إلا إبتلا’ءٌ مِن رب العالمين هكذا كان يُذكر نفـ ـسه دومًا..
كان في غرفةٌ منعز’لة عن العا’لم بأكمله، غرفةٌ يسو’دها الظلا’م الد’امس يقف على ر’كبتيه وكلتا يديه في أتجاهٍ مكبـ ـلتين بجناز’ير حـ ـديدية، يشعر بالأ’لم منتشـ ـرًا في أنحاء جسـ ـده وفـ ـكه الذي لا يستطيع تحر’يكه بسـ ـبب شـ ـدة الأ’لم اللاحـ ـق بهِ فقد تعـ ـرض لضر’بٍ مبر’حٍ ليلة أمس كادت تو’دي بحيا’ته لولا أن جاء الغوث مِن رب العالمين أبعـ ـد عنهُ شـ ـر هذا الرجُل الذي لن يصمت إلا بإعتر’افه اللا وجود لهُ في الأساس، الد’ماء كانت تُغر’ق جلبابه الأبيـ ـض والجرو’ح والكد’ما’ت متفر’قةٌ على أنحاء جسـ ـده ووجهه..
وإن كان جاسو’سًا قد تسـ ـلل إلى أحد البلا’د وتم الإمسا’ك بهِ لَن يُعامل بهذه الطريقة، كان في غفو’ةٍ قصيرة حظى بها قبل أن يأتي الميعاد ويتم تعذ’يبه مِن جديد، رأسه منتكـ ـسةٌ إلى الأسفـ ـل مغمض العينين ومازال الأ’لم بالطبع يلحـ ـق بهِ، رأى حبيبة القلب ودواء الرو’ح، جاءت تزوره في غفو’ته تطلب مِنهُ العودة فهي ليـ ـست بخيرٍ ولا تطمـ ـئن إلا في وجوده فقد مرّ أسبوعًا على أعتقا’له وكلاهما لا يعلمان شيئًا عن بعضهما البعض، رآها تبكي وتتأ’لم تجلس على أر’ضية صـ ـلبة والعبرات تتسا’قط على صفحة وجهها وتصر’خ بهِ أن لا ير’حل وكان هو يزيد المسافة بينهما بإبتعا’ده عنها حتى صر’خت صر’خة عا’لية فيها أستيقظ هو مفزو’عًا ليرى الظلا’م الد’امس مِن حوله..
كان يلـ ـهث بعـ ـنفٍ وكأنه كان يركض في سباق المئة متر، لا يعلم لِمَ جاءت لهُ الآن وهل هي بخيرٍ أم لا فلَم يعتاد على أن يبتـ ـعد عنها كل هذه المدة فإن غا’ب عن المنزل قليلًا دون أن يُخبرها يجُـ ـنّ جـ ـنونها وتقلـ ـق عليهِ فيكف بها الآن بعد أن مرّ أسبوعًا على بُعا’ده؟ جلس بعد أن آ’لمته ر’كبتيه ليبدأ بالتد’رع إلى ربه عز وجل فلا ملـ ـجأ أمامه سواه دومًا، لا يعلم لِمَ يتم إيذ’اؤه بهذه الطريقة ولِمَ يحدث هذا معه فهو في حياته لَم يقوم بإيذ’اء أحدهم ويخا’ف بشـ ـدة على جر’حهم ولَكِنّ في المقابل قد تم جر’حه المئات مِن الجرو’ح الغا’ئرة التي مِن الصـ ـعب أن تلتئـ ـم..
_________________________
<“جُـ ـنّ جـ ـنون الصـ ـبية على حبيبٍ فا’رقها،
وما كان هو سوالرو’حُ بالنسبةِ لها. “>
وعلى مدار هذا الأسبوع العـ ـصيب كانت ستفقـ ـد عقـ ـلها حينما لَم تتلقى الإجابة الصحيحة على سؤالها، فقد فا’رقها حبيبها فجأ’ةً وبدون إنذ’اراتٍ سابقة وحينما حاولت معرفة أين مِن الممكن أن يكون قد ذهب لَم ينفعها أحدهم ويُر’يح قلبها بالجواب المُراد، وأصبحت هي حينها كالمجـ ـنونة تصر’خ بهم وتطيـ ـحهم بما تتناوله أياديها حتى قـ ـرر “يـوسف” مصا’رحتها وإخبارها بالحـ ـقيقة مر’غمًا لتكون حينها كمَن ضر’بتها صا’عقة مِن السماء أو’دت بحيا’تها في الحال..
كانت تجلس في غرفة المعـ ـيشة تبكي منذ أن عَلِمَت الأمر، تبكي مِن صـ ـميم قلبها فهذا ليس فقط زوجها بل هو حبيبها ورفيق دربها والرُكن الد’افئ الذي تلو’ذ إليهِ دومًا فبمرافقته لا تخـ ـشىٰ أحدٍ ويحاوطها الأما’ن مِن كل جانب، والآن تشعر أنها كما اليتـ ـيمة التي حُـ ـرِمَتْ مِن عائلتها بدون سا’بق إنذ’ار، ولجت إليها “نـجلاء” وبيدها كوب العصير تراها تبكي لتشعر بقلبها يؤ’لمها أكثر فلَم تنسىٰ تو’صية و’لدها الذي أو’صىٰ صديقه بنقـ ـلها إليها وهي الآن المسؤ’ولة الو’حيدة عنها في غيا’به..
جلست بجوارها ووضعت الكوب أمامها على سطـ ـح الطاولة أمامها ثم نظرت إليها لترى العبرات تغـ ـرق صفحة وجهها ولذلك ر’فعت كفها وأزا’لت هذه العبرات بحنوٍ قائلة بنبرةٍ حزينة:
_وبعدين يا “تـسنيم” أخـ ـرة العياط دا إيه لو كان بيرّجع الحبايب كانوا رجعوا مِن زمان، وبعدين دا قضـ ـاء ربنا مينفـ ـعش نعتر’ض عليه وهو دلوقتي زمانه راضي أنا وا’ثقة دا أبـ ـني وأنا عارفاه كويس أوي، أهدي يا حبيبتي وصلِّ على النبي وأستعيـ ـذي بالله وأشربي العصير دا كدا غـ ـلط عليكِ دا مو’صيني عليكِ لو جـ ـرالك حاجة كـ ـفا الله الشـ ـر أنا المسؤ’ولة عنك، يلا يا حبيبتي.
نظرت إليها “تـسنيم” بعينين باكيتين ومر’هقتين لتقول بنبرةٍ باكية:
_وحشني أوي يا ماما، وحشني أوي وعايزاه يرجع أنا مبطـ ـمنش غير وهو معايا، قالي بس هروح أر’فع الأذان وأأ’م بالناس ومش هتأ’خر عليكِ، راح ومرجعش تاني.
أنهـ ـت حديثها وإنخـ ـرطت بالبكاء وعاد الأ’لم يحتضن قـ ـلبها كلما تذكرت آخر لقاءٍ بينهما لتسقـ ـط عبرات “نـجلاء” على صفحة وجهها تأ’ثرًا بحديثها لتقوم بضمها إلى د’فئ أحضانها ممسّدةً على ظهرها برفقٍ لتبكي الأخرى داخل أحضانها أكثر لتربت على ظهرها بحنوٍ قائلة بنبرةٍ باكية:
_هيرجع بإذن الله، واللهِ هيرجع كله بمشـ ـيئة ربنا متخا’فيش ربك كبير ولو اللي حصـ ـله دا كان ور’اه حد فربنا ينـ ـتقم مِنُه أشـ ـد أنتقا’م ويد’وق مِن اللي مدو’قه لغيره، فرج ربنا قريب.
هكذا أنهـ ـت “نـجلاء” حديثها وهي تمسّد على ذراعها بحنوٍ وهي تعلم أن حـ ـق و’لدها سيأتي عا’جلًا غير أجلٍ، مرّ القليل مِن الوقت وكانت “تـسنيم” تجلس و’حيدة شاردة الذهن تُفكر بهِ وكيف حاله الآن وهل هو بخيرٍ أم لا، كل تلك الأسئلة كانت تُطرح على عـ ـقلها جا’هلةً جوابها، وبعد ما يقارب ساعة بدأت تشعر ببعض الأ’لم في بطـ ـنها جا’علًا تقا’سيم وجهها تنكمـ ـش أ’لمًا وهي تضع يدها عليها، كانت تظن في بادئ الأمر أن الأمر عاديًا وسيز’ول ولَكِنّ فا’جئها حينما أستمر معها وقد أشـ ـتد أكثر عن زي قبل لتبدأ تعلـ ـو تأ’وهاتها..
ولجت إليها “نـجلاء” التي تر’كت كل شيءٍ بيدها وقالت بنبرةٍ قـ ـلقة تتسأل عمَّ حد’ث:
_في إيه يا “تـسنيم” أنتِ كويسه إيه اللي حصـ ـل؟.
_مش قا’درة أنا شكلي هو’لد !!.
هكذا رَدت عليها “تـسنيم” وهي تتأ’وه عا’ليًا بأ’لمٍ لتشعر الأخرى بالقـ ـلق فهي وحدها ومعها طفلة صغيرة لَن تستـ ـطيع فعل شيءٍ ولذلك قـ ـررت أن تسـ ـتعين بـ “يـوسف” فهو ثانِ المسؤ’ولين عنهما في غيا’ب و’لدها ولذلك أخذت هاتفها وعبـ ـثت بهِ قليلًا ثم وضعته على أذنها تنتظر تلقي إجابته التي جاءت في غضون ثوانٍ يتسأل إن كانتا تحتاجان إلى شيءٍ ليأتي جواب “نـجلاء” التي قالت مسـ ـتغيثةً بهِ:
_”يـوسف” لو أنتَ فالحارة بالله عليك تطـ ـلعلنا بسرعة “تـسنيم” تـ ـعبانة أوي وشكلها هتو’لد وأنا لوحدي زي ما أنتَ عارف والبـ ـت صغيرة مش هعرف أتصر’ف لوحدي … كتر ألف خيرك يا ابـ ـني أنا مستنياك.
أنهـ ـت حديثها معهُ ثم أغـ ـلقت المكالمة ونظرت إلى زوجة و’لدها قائلة بنبرةٍ هادئة متو’ترة:
_متقلـ ـقيش يا “تـسنيم” حظك حلو “يـوسف” موجود فالحارة هياخد عربية “بـشير” ويودينا المستشفى خُدي بس الطرحة دي ألبسيها.
أنهـ ـت حديثها وهي تُعطيها حجاب الرأ’س لتقوم هي بدلًا عنها بوضعه على رأ’سها وإحكا’م غـ ـلقه ثم ذهبت لتأخذ حقيبتها هي والصغير وتتأ’كد مِن وجود جميع الأغراض لتخرج إليها مِن جديد تزامنًا مع سماعها لرنين جرس الشقة لتترك الحقيبة وتذهب لفتـ ـح الباب بخطى هادئة لترى الطارق “يـوسف” الذي قال:
_جاهزين؟.
_آه كل حاجة جاهزة.
هكذا ردت عليهِ “نـجلاء” ليولج بعد أن سمحت لهُ ليأخذ الحقيبتين ويقول:
_”بيلا” هتيجي تساعدك تنزليها دلوقتي.
حركت رأ’سها برفقٍ إليهِ ليتوجه هو إلى الصغيرة التي كانت مستلقية بجوار والدتها على الأريكة لينحـ ـني هو بجذعه العلو’ي نحوها يحمـ ـلها برفقٍ على ذراعيهِ وهو يقوم بالتسمية لتولج “بيلا” في هذه اللحظة ترحب بـ “نـجلاء” ثم بعدها أتجهت إلى “تـسنيم” تطـ ـمئن عليها لتبدأ هي و “نـجلاء” بمساعدتها على النهوض والتحرك للذهاب إلى المشفى..
وبعد مرور الوقت.
كانوا يقفون أمام غرفة العمـ ـليات ينتظرون خروجها في أيا لحظة، كانت “نـجلاء” تجلس على إحدى المقاعد وهي تحمل الصغيرة التي كانت تغـ ـط في ثباتٍ عمـ ـيقٍ داخل أحضانها، دقائق وخرجت الممرضة وهي تحمـ ـل الصغير لتقترب مِنهم بخطى هادئة مبتسمة الوجه لتقف أمام “يـوسف” تُعطيه إياه قائلة:
_ألف مبروك و’لد زي القمر هو كويس الحمد لله وهي زي الفُل شوية وهتخرج.
أخذه “يـوسف” وهو ينظر لهُ وقد تجمعوا جميعهم حوله ينظرون إلى الصغير الذي كان نائمًا بأحضان “يـوسف” وقبل أن تغا’در الممرضة والعودة إلى الغرفة عادت إليهم لتنظر إلى “يـوسف” قائلة بوجهٍ مبتسم:
_أُمّه بتقولكم إن الولد هيتسمى “عـمار”.
د’ق قلب “يـوسف” بسرعة وعـ ـنفٍ داخل قفـ ـصه الصد’ري حينما حـ ـمله بين ذراعيه وأصبح قريبٌ مِنهُ بهذه الطريقة فشعوره أن يحمل صـ ـبي صغير مازال في أولى الساعات لهُ على هذه الدنيا مخـ ـتلفًا تمامًا عن الصـ ـبية، رأى بهِ صديقه الحبيب الذي لا يعلم عنهُ شيئًا حتى الآن ولذلك أبتسم بسمةٌ هادئة ولثم جبينه بِقْبلة حنونة وعاد ينظر لهُ قائلًا بنبرةٍ هادئة حنونة:
_نوَّ’رت الدنيا يا “عـمار”، نوَّ’رت الدنيا يا حبيبي.
هكذا كانت أولى كلماته إلى الصغير ليقوم بالتكبيـ ـر أولًا في أذنه ثم بعدها أجتمعوا حوله يشاهدون الصغير ومِن بينهم جدته التي كانت سعيدة بقدوم حفيدها الصغير وثانِ فرحتهم لينظر “يـوسف” إلى زوجته بوجهٍ مبتسم والتي كانت تبتسم كذلك تبادله نظرته دون أن تتحدث.
________________________
<“قالوا الحُبّ أم مجالسة مَن تُحبّ،
فبكل فخرٍ قُلتُ مجالسة مَن أُحبّ فهو الحُبّ.”>
مازال يتذكر في إحدى الأيام حينما كان صـ ـبيًا في سـ ـن المرا’هقة وحينما رآها لمرته الأولى، تلك الأيام التي مِن الصـ ـعب نسيانها عادت تُلا’عب ذاكرته مرةٍ أخرىٰ كلما رآها أمامه تسير في أنحاء المنزل وقد أخبـ ـره أحدهم أنه لَن ينا’لها وإن ظل عبـ ـدًا عند والدها فكان هو حينها عبـ ـدًا لديه بعد أن نا’لها فلا شيء يصعُـ ـب على عا’شقٍ مثله مستعدٌ لفعـ ـل أي شيءٍ لحبيبته..
أقترب مِنها بعد أن رحلا طفليه إلى المدرسة في صبيحة اليوم حيثُ كانت هي تقف في المطبخ تقوم بإعداد الفطور إليهِ ليقف خـ ـلفها محاوطًا إياها بذراعيه يُلثم وجنتها بِقْبّلة حنونة ثم جاء صوته الهادئ حينما قال:
_وحشتني يا “فاطمة”.
تعجبت مِن قوله لتعقد ما بين حاجبيها وهي تردد ما قاله بذهولٍ لتعاود إعداد الفطور مرةٍ أخرىٰ وهي تُحرك رأسها بقـ ـلة حيـ ـلة قائلة:
_مالك يا “لؤي” هو الصحيان بدري بيعمل فيك كدا ولا إيه؟.
نظر إليها نظرةٍ ذات معنى وقال بنبرةٍ هادئة:
_بيعمل إيه؟ يا بـ ـت هو لا الد’بش جايب معاكِ سكـ ـة ولا الحنيِّن جايب معاكِ سـ ـكة حير’تيني معاكِ أعمل إيه أكتر مِن كدا؟.
_أبدًا أنا بس خو’فت لتكون سُـ ـخن ولا حاجة، حا’كم أنتَ د’بش أصلًا معايا على طول.
هكذا جاوبته بنبرةٍ با’ردة بعد أن قـ ـررت ملا’عبته قليلًا وإثا’رة غيـ ـظه كما أعتادت ليأتيها الرد حاضرًا مِنهُ حينما قال:
_تصدقي أنتِ و’لية نا’كرة للجميل صحيح، أنا غـ ـلطان يا “فاطمة” وابن *** أستا’هل ضر’ب الجز’مة وربنا إني بعاملك المعاملة الملكية دي غو’ري.
أنهـ ـى حديثه ومِن ثم د’فعها بعيـ ـدًا عنهُ لتتفا’جئ هي وتشـ ـهق بخـ ـفةٍ ثم ألتفتت لهُ تنظر إليهِ بعد’م استيعاب لتراه قد خرج دون أن يتحدث لتشعر بالغضـ ـب مِن فـ ـعلتهِ تلك ولذلك تركت ما كانت تفعـ ـله وخرجت خلـ ـفه تتو’عد إليهِ قائلة:
_طب مش عامله فطار بقى طالما المعاملة حقـ ـيرة للدرجة دي ويا أنا يا أنتَ يا ابن الدالي.
أقتربت مِنهُ بخطى وا’سعة لتد’فعه مِن الخلـ ـف بضيـ ـقٍ مردفةً بنبرةٍ حا’دة:
_معاملة ملكية ها؟ بذمة أ’هلك المعاملة دي بتسميها معاملة ملكية دي معاملة خدا’مين يا ابن الأمراء، دا أنتَ لو مستعبـ ـدني أنتَ وعيالك هتعاملوني معاملة أحسن مِن دي.
ألتفت ينظر إليها بعد أن تم د’فعه مِن الخـ ـلف ليراها تقف ويديها تتوسطان خصرها تر’ميه بنظراتها الغا’ضبة وعد’م الرضا باديًا على تقا’سيم وجهها، وبعد أن كان يتخذ منهـ ـجًا لها قام بتغييـ ـر ذلك في ثوانٍ ليبدأ بالاقتراب مِنها بخطى هادئة وهو ير’شقها بنظراته المتو’عدة ليقوم سر’يعًا بمحاوطتها بذراعيه بعد أن قام بتكبـ ـيل يديها خـ ـلف ظهرها ليفر’ض سيطـ ـرته كما أعتاد قبل أن تهرُ’ب هي إلى الداخل..
_مستعبـ ـدينك ها؟! يمين بالله يا “فاطمة” أنتِ تستا’هلي قـ ـص لسا’نك اللي زي الد’بش دا عشان بتر’مي كلام كدا مبيعجـ ـبنيش، بقى إحنا مستعـ ـبدينك يا كدا’بة أومال أنا إيه إن شاء الله لو هنمشيها نظام عبيـ ـد وجوا’ري بقى … “فاطمة” أصطبحي عشان لو صبحطك أنا مش هتعـ ـدي على خير.
نظرت إليهِ دون أن تأ’بى تحذ’يراته تلك لتقول بنبرةٍ متحد’ية وهي تنتظر رَده قائلة:
_هتعمل إيه يا حبيبي وريني هتصبحني أزاي يا “لؤي” يلا.
نظر إليها قليلًا دون أن يتحدث وقد غـ ـرق في سو’اد عيونها اللا’معة اللتان يزينهما الكحـ ـل الأسو’د جاعلًا إياهما عينين فا’تنتين تأ’ثرانه إن حاول التما’دي كعادته لتجعلانه سجـ ـينًا خـ ـلف سو’ادها اللا’معة وبر’يقها الذي لا ينطـ ـفئ طوال تواجده معها، ظل يتطّـ ـلع إلى عينيها دون أن يحـ ـيد ببصره بعـ ـيدًا عنها لتفهم هي أن سحـ ـر عينيها قد أصبح لهُ تأ’ثيرًا قو’ي عليهِ لتعلـ ـو بسمتها ثغرها وهي تنظر إليهِ دون أن تتحدث فبرغم عنا’ده معها وتكا’بره عليها ألا وأن بداخلهِ شخصٌ متخـ ـفي عا’شقًا لأعين حواء..
فلولا شـ ـراستهما وعنا’دهما لبعضهما البعض لمَ كان هذا حالهما سويًا، أقترب مِنها بهدوءٍ يُلثم وجنتها بِقْبّلة حنونة ثم قال بنبرةٍ هادئة بعدما تذكر أول لقاءٍ بينهما:
_لسه فاكر أول مرة شوفتك فيها، كُنْتِ زي القمر لدرجة إني كُنْت بشوفك فأي حد، ساعتها قلبي أتخـ ـطف فجأ’ة وبقيت كل ما بشوفك بتو’تر بدون سـ ـبب بس الشعور اللي كان بيسـ ـيطر عليا وقتها إني و’قعت رسـ ـمي قصاد القنا’صتين دول.
أبتسمت بعد أن أستمعت إلى حديثه الذي راق لها هذه المرة لتنتظر سماع المزيد مِنهُ وصد’قًا هو لَم يتأخر عليها وأكمل حديثه قائلًا:
_كُنْت بكـ ـره أسم “فاطمة” دا أوي بسـ ـبب عمتي، منكـ ـرش إني أضا’يقت أكتر لمَ عرفت أسمك بس وقتها كر’هي للأسم أخـ ـتفى وحبيته أوي وبقيت مـ ـفتون بيه أوي هو وصاحبته.
أتسـ ـعت بسمتها لتنظر إليهِ حينها وتتقابل عينيها مع عينيه لتذكره بالذي مضى حينما قالت بوجهٍ مبتسم:
_فاكر يا “لؤي” الو’اد اللي أديته عـ ـلقة سـ ـخنة عشان وقتها قالك إنه عايز يتقدملي وإنك مش هتعرف تعمل حاجة.
_دا أنا طلـ ـعت عيـ ـن اللي جابوه، فاكر نفـ ـسه مين العيل دا قال فاكرني مش هعرف أتكلم حاكم هو كان ابن معلـ ـم بقى بس يمين بالله ما بتفرق معايا ابن مين، وبعدين هو أنا كُنْت هسـ ـيبه يعملها … أينعم أتكـ ـسر فيها دراعي وقتها بس كان كله يهون عشانك يا “فاطمة”.
هكذا رد عليها منهـ ـيًا حديثه بنبرةٍ حنونة لينة وهو يبتسم لتقوم هي بتحـ ـرير ر’سغيها مِن قبـ ـضته ثم بعدها حاوطت عنـ ـقه بذراعيها تضمه إلى د’فئ أحضانها قائلة بوجهٍ مبتسم:
_وأنا ساعتها مثـ ـلت عليهم لمَ رفـ ـضوك وقعدت أسبوع فالأوضة قا’فلة على نفسي بعيط وأتشحـ ـتفلهم ومنـ ـعت الأكل والشرب لحد ما خا’فوا ورجعوا فكلامهم ووافقوا، لعبناها صح.
ضحك هو محاوطًا إياها بذراعيه يتذكر تلك الأيام التي لن ينساها يؤ’كد على كلماتها الأ’خيرة قائلًا:
_لعبناها صح يا “فاطمة”، مش سهـ ـلة يا بـ ـت برضوا فيكِ عر’ق خـ ـبيث بيمشي اللي على مزاجه.
ضحكت هي على حديثه لتبتـ ـعد عنهُ قليلًا حتى تتثنى لها رؤيته لتقول بنبرةٍ ما’كرة وهي تر’ميه بنظراتها قائلة:
_أعتر’ف إني جا’مدة وبعرف أعملها صح.
_أنا معايا واحدة د’ماغها توزن بلا’د مش هتعرف تعملها صح بقى دا أسمه كلام برضوا.
عادت تعانقه مِن جديد مبتسمة الوجه ليسمعا رنين هاتفه يعلـ ـو يعلنه عن أتصالٍ هاتفي ولذلك أبتعـ ـدت “فاطمة” عنهُ ليأخذ هو هاتفه مِن على سطح الطاولة ليرى رقمًا مجهو’لًا يهاتفه ولذلك أجابه بنبرةٍ هادئة قائلًا:
_أيوه مين معايا، أيوه أنا “لؤي الدالي” خير.
عقدت “فاطمة” ما بين حاجبيها وهي تنظر إليهِ تنتظر معرفة صاحب هذه المكالمة وماذا يريد مِن زوجها لتراه بعد برهةٍ مِن الوقت أغـ ـلق المكالمة وترك هاتفه ليأتي صوتها تسأله عن المتصل قائلة:
_مين اللي بيكلمك يا “لؤي”؟.
ألتفت ينظر إليها ليجاوبها بنبرةٍ هادئة يقول:
_مفيش جايلي قضـ ـية وصاحبتها عايزاني أمسـ ـكها.
دام الصمـ ـت بينهما قليلًا بعد أن أخبرها بهوية المتصل لتتسـ ـع بسمتها على ثغرها بحما’سٍ ثم نظرت إليهِ قائلة:
_تعرف يا “لؤي” أنا نفـ ـسي أشوفك وأنتَ بتتر’افع أوي، نفـ ـسي أشوفك بلبس المحا’ماة وواقف بتد’افع كدا، لو هتمـ ـسك القضـ ـية دي عشان خاطري أبقى خدني معاك نفـ ـسي أشوفك ساعتها أوي ومتحـ ـمسة للحظة دي.
نظر هو إليها وقد أبتسم حينما رأى حما’سها الشـ ـديد ذاك ليوافق على مطلبها قائلًا:
_لو مسكـ ـتها أوعدك يوم المر’افعة هاخدك معايا.
سعدت بشـ ـدة ولذلك قفـ ـزت بسعادةٍ وحما’سٍ كبيـ ـر لتعانقه بعدها بقو’ةٍ وهي تقول:
_أنا بجد بحبك أوي يا “لؤي”.
أتسـ ـعت بسمته وقد حاوطها بذراعيه يضمها إلى د’فئ أحضانها يُخبرها كذلك أنهُ يُحبها كثيرًا فبدونها هو لا شيء فبها وجد حياته ورأى سعادته ومستقبله وراحته، هي مَن أستطاعت أن تأ’سره بعينيها وأفعا’لها المجـ ـنونة ولذلك كان منجذ’بًا إليها وبشـ ـدة فقد رآها مخـ ـتلفةٌ عن كثيرٍ غيرها ولذلك أنجذ’ب إليها أكثر وأكثر حتى جاء اليوم الذي فيه أصبحت زوجته وحبيبته وأمًا لأطفاله.
_______________________
<“السـ ـعي في المد’افعة عن صوت المظلو’م،
ومحا’ربة الحر’ية والعد’الة مِن أجل السيـ ـطرة.”>
سعـ ـىٰ كلا الطر’فين في المحا’ربة في حر’بٍ طا’حنة لأجل الحر’ية والعد’الة، فطر’فٍ أبى الأستـ ـسلام حتى ينجح في تحـ ـقيق العد’الة والحر’ية وإبقاء صوت الحـ ـق عا’ليًا في سماءٍ صا’فية وأرضٍ حُـ ـرة والآخر كان اليد الحقـ ـيرة التي تُكـ ـمم هذا الفم لمـ ـنع إرتفا’ع صوت العد’الة والحُر’ية وبقاء القو’ى الفاسـ ـدة في السيطـ ـرة على أرجاء المكان..
وها قد مرّ أسبوعًا آخر ولَم يصل إلى حلٍ في إخراجه حتى أنه قد بدأ يغـ ـضب مِن نفسه لعد’م و’فاءه بالعهـ ـد ولأجل زوجته التي قد تد’مرت في غيا’به وعا’نت بدونه، كان يدور في أرجاء المكان وهم يجلسون والهدوء سيد المكان كل واحدٍ مِنهم يُفكر بهِ وكيف يبدأو، نظر “مُـنصف” إلى “يـوسف” الذي كان لا يهدأ ليقول:
_ما تقعد يا عم جـ ـننتني معاك.
نظر “ليل” إلى “يـوسف” الذي توقف أمام الطاولة وضر’ب عليها بكفيه بعد أن فشـ ـل في إيجاد طريقة لإخراجه، تحدث “سـراج” بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إليهم قائلًا:
_”رمـزي” بقاله أسبوعين مفيش خبـ ـر عنه والله أعلم بيه دلوقتي عامل أزاي، أنا اللي هيجـ ـنني مين ابن الـ**** اللي بلّـ ـغ عنه، دي أول مرة يتا’خد مِن وسطنا بالمنظر دا وهو وقتها معا’رضش وسـ ـلِّم نفسه وكأنها مش أول مرة تحصـ ـل، إحنا لازم نعرف مين عمل كدا ونفكر هنخرجه أزاي.
ومِن جديد عاد الصمـ ـت يسو’د المكان بعد أن أنهـ ـى “سـراج” حديثه وقد بدأ “يـوسف” يُفكر في حديث صديقه الذي قاله منذ قليلٍ، لحظات وولج “حُـذيفة” إليهم مُـ ـلقيًا عليهم تحية السلام بنبرةٍ هادئة ليردوا جميعهم عليه السلام ومِن ثم جلس بجانب ابن خالته وقال بنبرةٍ هادئة يجذ’ب أنتبا’ههم بقوله:
_صلوا بينا على النبي الأول عشان اللي هيتقال دلوقتي دا كلام مهـ ـم، أول مرة شوفت فيها “رمـزي” شوفت قد إيه هو طيب وميستا’هلش اللي بيحصـ ـل فيه دا دلوقتي، على فكرة أنا كمان زيه يعني بس دخوله هناك كان ببلا’غ مِن حد عندكم فالحارة هنا أسمه “فـتوح الجز’ار” تقريبًا أنتقا’م مش عارف بصراحة بس خلينا فالأهـ ـم إن أنا الحمد لله قدرت أدخل لـ “رمـزي” وأتطـ ـمن عليه.
بتـ ـر حديثه هجو’م “يـوسف” الهو’جائي حينما تلقى حديث “حُـذيفة” الذي كان كإ’نذارٍ لهُ لِمَ هو قادم، وقف “يـوسف” أمامه وهو ينظر إليهِ قائلًا:
_دخلتله بجد؟ عملتها أزاي والأهـ ـم هو عامل إيه دلوقتي كويس؟.
نظر إليهِ “حُـذيفة” قليلًا ليجاوبه بنبرةٍ هادئة يطـ ـمئنه عليهِ قائلًا:
_متخا’فش أوي عليه هو بيطـ ـمنكم وبيقولكم إنه كويس متخا’فوش عليه، وبعت رسالة لمراته قالي أي حد فيكم يوصلها ليها عشان تطمـ ـن هي كمان … وعشان مبقاش كد’اب هو جثما’نيًا مش كو’يس خالص واكل ضر’ب شـ ـديد لحد ما قال يا بس لأما’نة ربنا يعني قلبي و’جعني أول ما شوفته بس أول ما خرجت مِن عنده أتو’سطت لحد كبيـ ـر يعني ولِيه سُـ ـلطة فالحا’لات اللي زي دي وهو وعدني إنه هيخر’جه فأقرب وقت ممكن يعني خير إن شاء الله.
زفـ ـر “يـوسف” بعـ ـنفٍ وعاد يستقيم في وقفتهِ وهو يمـ ـسح بكفيه على خصلاته الشقـ ـراء بعد أن عاد القلـ ـق يُلا’زمه حينما سَمِعَ حديث “حُـذيفة” ولَكِنّ حينما أعاد كلماته مِن جديد بر’أسه تذكر مَن المتسـ ـبب في هذا ليتحوّ’ل في لمح البـ ـصر ليتر’ك شخـ ـصية “جـعفر” تتحـ ـكم بهِ هذه المرة ليتركهم جميعًا ويذهب إلى الخارج بخطى سر’يعة وهو ينتو’ي على قتـ ـله، وأول مَن عَلِمَ بما ينتو’ي على فعـ ـله كان “سـراج” الذي نهض ولَحِـ ـقَ بهِ إلى الخارج يرد’ع فعـ ـله بوقوفه أمامه يمـ ـنع عنه طريقه..
توقف “يـوسف” وهو ينظر إليه دون أن يتحدث ولَكِنّ تقا’سيم وجهه تتحدث وتقول كل شيء، نظر إليهِ “سـراج” وقال بنبرةٍ هادئة:
_”يـوسف”، بالله عليك تهدى دلوقتي وتفـ ـكك مِن ز’فت دا خالص وتركز فـ “رمـزي”، “رمـزي” مو’صيك على مراته ركز بالله عليك لمَ يرجع بالسلامة إن شاء الله تقد’ر تعمل فيه اللي أنتَ عايزُه، بس دلوقتي لا عشان خاطر “رمـزي” بس مش أكتر.
_بجد؟! أنتَ شايف كدا؟ لأن لو شايف كدا يبقى تقعد مع نفـ ـسك قعدة حلوة تراجع فيها نفـ ـسك تاني عشان بدأت تخـ ـيب.
هكذا رد عليهِ “يـوسف” بنبرةٍ با’ردة وهو ينظر إليهِ ليتفا’جئ “سـراج” بحديث “يـوسف” وما قاله ليقول هو بنبرةٍ متفا’جئة:
_إيه اللي أنتَ بتقوله دا يا “يـوسف”، أنا بفكر بالعقـ ـل اللي بيـ ـتلغي عندك وقتها وجـ ـنانك بيقوم، أنا بعمل كدا عشان خاطر في وا’حدة المفروض إنها فحما’يتك هي وولا’دها لحد ما جوزها يرجع واللي هو في الأساس مو’صيك عليهم عشان عارف إن زي ما الأ’ذىٰ طا’له فهو هيطو’لهم، ولو لمرة واحدة بس فكر بعقـ ـلك ومتخليش حاجة تانية غيره تحر’كك عشان لو حاجة غيره حركتك هتد’مر الدنيا وحصـ ـلت كتير قبل كدا مش محتاج إني أقول يعني.
_بس أنتَ برضوا عارف إني عند نقطة زي دي بـ ـلغي عقـ ـلي عشان مبير’ضنيش قد ما بتر’ضيني نفـ ـسي، مش دايمًا العـ ـقل بينصـ ـف صاحبه يا “سـراج” قد ما اللي بينصـ ـفه نفـ ـسه، يعني مثلًا لو حد حاول يقر’ب مِن “مـها” أختي تقريبًا أنتَ مش هتستنى تفكر بعـ ـقلك لأن اللي هيحركك نفـ ـسك وغـ ـريزتك، ودلوقتي نفس الشيء بس أنتَ عايزني أسكت وحتى لو سكت دلوقتي، مش هتعرف تسكتني بعدين.
هكذا رد عليهِ “يـوسف” بنبرةٍ جا’مدة وهو ينظر إليهِ يتحـ ـداه على قول شيئًا غير ذلك ليرى التر’دد في عينين صديقه الذي أتخذ الصمـ ـت إجابة على حديثه، وضع “يـوسف” كفه على كتفه وشـ ـدد عليهِ برفقٍ قائلًا:
_المرة دي بس هسمع فيها كلامك لأن مبقد’رش أز’علك أو أر’فضلك طلب بس بعدين أنا هعمل اللي أنا شايفُه صح وبس أيًا كان هو إيه وقتها.
نظر إليهِ “سـراج” قليلًا قبل أن يبتسم لهُ ويقوم بمعانقته وكأنه يشكره على حفاظه على هذه المشاعر حتى هذه اللحظة، ولذلك عانقهُ “يـوسف” مبتسم الوجه مشـ ـددًا مِن عناقه لهُ دون أن يتحدث فمهما حد’ث لا يستطيع إحز’ان صديقه وإن كان عن طريق الخـ ـطأ، عادا كلاهما إليهم مِن جديد لينظر “حـسن” لهما نظرةٍ ذات معنى ليرى أن “سـراج” أستطاع السيـ ـطرة على الو’ضع قبل أن يتد’مر كل شيء بفـ ـعل رفيقهم الهو’جائي..
أما عن “يـوسف” فقد نظر إلى “حُـذيفة” نظرةٍ ذات معنى ليقول بنبرةٍ جا’دة:
_هات الرسالة اللي عايز يوصلها لمراته، أنا هوصلهالها بنفـ ـسي.
نظر إليهِ “حُـذيفة” قليلًا ثم نظر إلى ابن خالته الذي حرك رأسه برفقٍ يؤ’كد على إعطاءه الرسالة، ولذلك أخرجها بالفـ ـعل وأعطاها إياه ليأخذها “يـوسف” متعهـ ـدًا على إيصالها لزوجة رفيقه حتى يطمـ ـئن قلبها عليهِ ولو قليلًا، أستأ’ذن مِنهم جميعًا ثم خرج متوجهًا إلى منزل رفيقه وهو يُحاول لجـ ـم إنفعا’لاته وشخـ ـصه الآخر الذي خرج يشتـ ـهي العـ ـراك والغضـ ـب وتسـ ـديد الضر’بات العنيـ ـفة حتى تخـ ـمد نير’انه كما أعتاد..
وقف أخيرًا أمام باب شقة رفيقه وطرق عليهِ برفقٍ ووقف ينتظرها كي تفـ ـتح لهُ الباب وهو ينظر إلى المظروف الأبيـ ـض الذي أرسلهُ رفيق دربه مِن داخل معتـ ـقله إلى زوجته التي يتقطـ ـع قـ ـلبها عليهِ أر’بًا و’حيدة تنتظر شعا’ع الأمل يُضـ ـيء في وجهها مِن جديد..
لحظات بعد أن أخبرته أن ينتظر قليلًا وفتحت لهُ الباب لتراه أمامها ينظر لها بهدوء، أبتسمت بسمةٌ هادئة على ثغرها لتقول:
_”يـوسف”؟ خير إن شاء الله في حاجة؟.
أبتسم “يـوسف” في المقابل بسمةٌ هادئة ليقول:
_لا أبدًا قولت أتطـ ـمن عليكم وأشوف لو محتاجين حاجة.
_كتر خيرك أنا عارفة إننا تا’عبينك معانا، بس الحمد لله خير ربنا كتير لو أحتاجت حاجة أكيد هقولك.
هكذا جاوبته بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه لينظر إلى المظروف ثم إليها وهو يتلـ ـمسه بإبهامه ليقوم بمدّ كفه بهِ إليها أسـ ـفل نظراتها المتعجبة والمتسائلة عن هو’ية ذاك المظروف ليجاوبها هو حينما رأى التساؤل يحو’م عينيها قائلًا:
_باعتهولك “رمـزي”..
بـ ـترت بقية الحديث وأنتشـ ـلت المظروف مِنهُ حينما عَلِمَت أنه مِن حبيبها بتلهـ ـفٍ لتنظر إليهِ بعينين دا’معتين ليأتيها قول “يـوسف” الهادئ الذي قال:
_في حد زميلنا ظا’بط عرف يوصله و “رمـزي” باعتلك الظرف دا وبيقولك متخا’فيش عليه هو كويس وزي الفُل.
_هو قال كدا بجد، هو شافه يا “يـوسف” بجد.
هكذا قالت بتلـ ـهفٍ وهي تنظر إليهِ ليبتسم هو لها ويُحرك رأسه برفقٍ يؤ’كد لها ذلك لتعـ ـلو الإبتسامة ثغرها حينما تلقت أن هذه الرسالة مِن حبيبها لتتبا’دل النظرات بين المظروف وبين “يـوسف” الذي قال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_”عـمار” و “قـمر” كويسين؟ محتاجين أي حاجة دول زي بنا’تي بالظبط.
_شكرًا يا “يـوسف” الحمد لله كويسين مش محتاجين أي حاجة.
هكذا جاوبته بوجهٍ مبتسم ليبتسم هو ومِن ثم تركها ور’حل لتُغلـ ـق هي الباب خلـ ـفه ثم نز’عت رداء الصلاة وتركته على إحدى المقاعد وجلست بجوار طفليها على الفراش في الغرفة وبدأت بفتـ ـح المظروف ومعها بدأت نبـ ـضات قلبها تعلـ ـو داخل قفـ ـصها الصد’ري، أخر’جت المظروف وبدأت تقرأ ما كتبه إليها بخطه المُميَّز الذي لا يُقارن بغيره وكأن كلماته تربت على قـ ـلبها المتأ’لم تشـ ـفي أوجا’عه الغا’ئرة ويحتضنه..
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يمكن دي أول مرة تحصـ ـل مِن ساعة ما عرفتك بس الظر’وف ساعات بتكون أقو’ى مِننا فلاز’م نقـ ـبلها ونرضى بيها ونحمد ربنا عليها، أنا كويس الحمد لله مش عايزك قعدة خا’يفة عليا أنا عارف إنه غصـ ـب عنك بس أنا بطـ ـمنك عليا وبقولك إني كويس والحمد لله راضي باللي مكتوبلي لا أعتر’اض على أمر الله..
عايزك تخـ ـلّي بالك مِن نفـ ـسك وتهتـ ـمي بنفـ ـسك وبـ “قـمر” و “عـمار” صحيح أنا عرفت إن ربنا كرمك و “عـمار” جه بالسلامة صحيح عندي شـ ـغف أشوفه بس مسيـ ـري أخرج ووقتها بمشـ ـيئة الله مش هبعـ ـد عنك تاني أنا عارف إنك كُنْتِ محتا’جاني جنبك وعارف إنك و’لدتي طبيـ ـعي مش قيصـ ـري زي ما الدكتورة كانت قايلالنا بس الحمد لله دا أحسن ليكِ عشان متتعـ ـبيش بعد كدا أهـ ـم حاجة تكوني كويسة والولا’د كويسين عايزك تبو’سيلي “عـمار” لحد ما ربنا يكرمني وأخر’ج وو’عد مش هسيـ ـبك تاني بس المرة دي الظرو’ف كانت أقو’ى مِني … وأمسـ ـحي دموعك عشان غا’ليين على قلبي وأضحكِ عشان “رمـزي” مخدش عليكِ وأنتِ زعلا’نة ودموعك على خدك، بحبك.
حبيب قـ ـلبك/رمـزي المفـ ـتون.
أز’الت عبراتها عن صفحة وجهها حينما أنهـ ـت قراءة المظروف ومِن ثم ضمته إلى أحضانها وهي تبتسم فيستطيع بكلماته البسيطة أن يد’اوي قـ ـلبها ويحتضنها مربتًا عليهِ، نظرت إلى طفليها النائمين لتبتسم بسمةٌ هادئة وهي تمسّد على رأسيهما برفقٍ داعيةً المولى عز وجل أن يُخر’جه سـ ـليمًا معا’فًا ويعود إلى دياره ولطفليه الحبيبين اللذان ينتظرانه.
________________________
<“إتخاذ القرار في وقتٍ سريع،
والرد قاتل في المقابل.”>
أتخذ قـ ـراره وكأنه لَم يَعُد يهـ ـتم لأحدٍ طالما ما يفعـ ـله هو الصواب، حياته هي مفتا’حٌ سر’ي خا’صٌ بهِ لا يستطـ ـيع أن يأخذه أحدٍ مِنهً وإن كان عن طريق التهـ ـديد فهو صاحب القـ ـرار في الأوقات العصـ ـيبة ويعلم كيف يُدير حيا’ته بالشكل الصحيح دون أن ينتظر ردًا أو مساعدة وعلى الجميع الطا’عة في هذه اللحظة..
تجهز بالكامل وها هو يقف أمام باب منزلها يد’ق جرسه بهدوءٍ ويجاوره والديه، تشد’قت “زيـنات” بعد’م رضا وضيـ ـقٍ لينظر إليها “عـماد” نظرةٍ حا’دة قائلًا بنبرةٍ خا’فتة محذ’رًا إياها:
_لمـ ـي ليلتك يا “زيـنات” وعديها بلاش فضا’يح وإلا قسمًا بربي لتند’مي بعدها وهعمل تصر’ف ميعجبكيش ساعتها وهيكون قدام ولا’دك، فلـ ـميها أحسن ما تتلـ ـمي أنتِ.
ر’مته بنظراتها الحا’دة بعد أن قام بتهـ ـديدها لينظر هو أمامه دون أن يعيـ ـرها أيا أهمية ليُفتـ ـح الباب مِن قِبَل “بـهيج” الذي أبتسم وقال بترحابٍ:
_يا أهلًا وسهلًا نو’رتونا واللهِ أتفضلوا.
أبتسم “عـامر” ليتقدم هو أولًا مصافحًا إياه ليُرحب “بـهيج” بهِ مبتسم الوجه ثم بعدها “عـماد” فيما صافح “عـامر” زوجة “بـهيج” مبتسم الوجه وأعطاها عُلبة الحلويات لترحب هي بعدها بوالده ووالدته التي كانت تتكـ ـبر عليهم وتر’ميها مِن أ’على إلى أسـ ـفل لتشعر زوجة “بـهيج” بالغرابة وقد شعرت كذلك بالضـ ـيق حينما رأتها تر’ميها بهذه النظرات ولَكِنّها تغا’ضت عن كل ذلك لأجل أبـ ـنتها ثم ولجت إليهم ترحب بهم بوجهٍ مبتسم ومِن ثم جاورت زوجها..
تحدث “عـماد” بوجهٍ مبتسم وهو ينظر إلى “بـهيج” بعد أن تبا’دلا الترحيبات وتقديم كرم الضيافة قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_بدون مقدمات كتير يا “بـهيج” أنا جاي أطلب إ’يد الآنسة “أمل” بنـ ـتك لأبـ ـني “عـامر” قولت إيه.
أبتسم “بـهيج” الذي قال بنبرةٍ هادئة ود’ودة:
_شـ ـرف لينا يا “عـماد” إننا نناسـ ـب عيلة زيكم.
_طبعًا شـ ـرف ليكم هو أنتم تطو’لوا.
هكذا ردت “زيـنات” بتكـ ـبرٍ وغـ ـرور لينظر كلًا مِن “بـهيج” وزوجته إليها بصد’مةٍ وير’ميها كلًا مِن “عـماد” نظرةٍ حا’دة غا’ضبة ومعهُ و’لدها الذي صُدِ’مَ مِن قولها لتشعر هي بأنها قد د’مرت كل شيء لتسا’رع في إصلا’ح الأمر بوجهٍ مبتسم قائلة:
_قصدي يعني الشـ ـرف للعيلتين وبعدين إحنا هناخد عروسة لبيت عريسها يعني مسيرها إن شاء الله لو في نصـ ـيب تتعود علينا بسر’عة وكأنها وسط عيلتها بالظبط.
لَم تر’تاح لها والدة “أمـل” وشعرت أنها امرأة ما’كرة وخـ ـبيثة وبالتأكيد مِن حركا’تها تلك أنها غير را’ضية عن هذا المجلس ولَكِنّ يبدو أن أحدهم قد قام بإجبا’رها، أما عن “عـامر” فقد شعر بالإحر’اج وقد ند’م كثيرًا لأصطحابها معهم فهو يعلم أنها ستقوم بتخر’يب هذا الزفاف قبل أن يتم، أبتـ ـلع غصته بتروٍ وأبتسم قائلًا يحاول إصلا’ح الأمر:
_أعذ’روها ماما على طول بتقول كلام بتلقا’ئية بدون ما تفكر فيه.
أبتسمت لهُ والدة “أمـل” التي كانت تشعر بالر’احة لهذا الشا’ب وتتسأل بد’اخلها كيف لهذا الشا’ب أن يكون أ’بنًا لتلك المرأة المزعو’مة، وبعد العديد مِن تبا’دل الأحاديث بينهم جاءت “أمـل” التي كانت تشعر بالخجـ ـل تنظر إلى الأسفـ ـل وتبتسم بسمةٌ هادئة، نظر إليها “عـماد” مبتسمًا ومعهُ “عـامر” الذي كان سعيدًا برؤيتها وبأنه يقوم بطلبها الآن مِن والدها وأخيرًا “زيـنات” التي نظرت إليها بتهـ ـكمٍ مِن أ’على إلى أسـ ـفل فبالطبع هي غير را’ضية عن هذا الزواج ولَكِنّ سيطـ ـرة وهيـ ـمنة “عـماد” كانت لها تأ’ثيرًا كبيـ ـرًا عليها..
_بسم الله ما شاء الله، يا زين ما ر’بيت يا “بـهيج” أد’ب وجمال وأخلا’ق أي حد يتمناها تكون عروسة لأ’بنه واللهِ.
أبتسموا جميعهم عدا “زيـنات” التي أشا’حت ببصـ ـرها بعـ ـيدًا وقد أزد’اد خجـ ـل “أمـل” التي كانت تشعر بالخجـ ـل، وبعد دقائق تركوهما سويًا في رؤية شـ ـرعية حتى يرى كلا الطر’فين ماذا سيكون مصيـ ـرهما سويًا بعدها، نظر “عـامر” إلى “أمـل” وقد أبتسم قائلًا:
_إن شاء الله لو لينا نصـ ـيب فبعض هنعـ ـيش مع بعض أحلى عـ ـيشة، أنا عارف إنك خا’يفة مِن أُمّي بس طو’ل ما أنا وبابا موجودين متقد’رش تعمل حاجة، “أمـل” أنا بصراحة مش عايز واحدة تانية غيرك أنتِ وبس، أنتِ عارفاني كويس وأنا عارفك وشايف إننا مش لازم نتعرف على بعض مش كدا؟.
حركت رأسها برفقٍ وهي تبتسم بخجـ ـلٍ فطـ ـري طغـ ـىٰ على تقا’سيم وجهها لينظر هو أرضًا كي لا يُخجـ َلها أكثر مِن ذلك وقال بنبرةٍ هادئة:
_تمام عمومًا أنا هسـ ـيبك أسبوع برضوا تفكري كويس وتصلي أستخارة لو مرتا’حة يبقى على بركة الله هنعمل الخطوبة لو مر’تحتيش مفيش مشـ ـكلة برضوا، أتفقنا؟.
_أتفقنا.
هكذا ردت عليهِ مبتسمة الوجه ليبتسم هو كذلك ليقول متسائلًا:
_مش عايزة تسأليني عن أي حاجة؟.
_معتقدش، إحنا عارفين بعض كويس يا “عـامر”.
هكذا ردت “أمـل” عليهِ بوجهٍ مبتسم ليُحرك هو رأسه برفقٍ لينهض مشيرًا إليهم ليعودوا هم مجددًا لتنظر لهما والدة “أمـل” قائلة بوجهٍ مبتسم:
_شايفة إنكم أتفقتوا.
نظر “عـامر” إلى “أمـل” التي نظرت إليهِ بطر’ف عينها دون أن تحرك رأسها لترى نظرته إليها والتي لَم تتغـ ـير قـ ـط ليقول “بـهيج” بوجهٍ مبتسم:
_على بركة الله أنا برضوا شايف زي أُمّ “أمـل”، أدونا أسبوع “أمـل” تفكر مع نفسها وتستخير ربنا وهنرد عليكم إن شاء الله واللي فيه الخير يقدمه ربنا.
أتفقوا جميعهم على منـ ـحها أسبوع واحد كي تُفكر في الأمر جيدًا وقد رحل “عـامر” ووالديه وقد ولجت “أمـل” إلى غرفتها ووقفت خـ ـلف النافذة بعد أن أزا’حت السيتار لترى “عـامر” يستلق السيارة رفقة والديه ليلمـ ـحها هو بطر’ف عينه ترا’قبه مِن خـ ـلف النافذة لير’فع رأسه ينظر لها ليراها تُشير إليهِ بكفها تودعه بوجهٍ مبتسم خجو’ل لتعلـ ـو بسمته شـ ـفتيه ثم أستلق سيارته وتحرك مِن المكان بعد أن ودعها بعيـ ـنيه را’حلًا لتر’اقب هي السيارة حتى أخـ ـتفت مِن المكان ومِن ثم ولجت إلى الداخل وهي في قمـ ـة سعادتها بعد أن تقدم اليوم حبيبها لخطبتها.
_________________________
<“الصد’مة الأولى تكون مؤ’لمة،
وفي الثانية لا تشعر سوى بالأ’لم كذلك.”>
في بعض الأحيان تكون صد’مة المرء في المرة الأولى قو’ية ومؤ’لمة مِن الصعـ ـب تخطـ ـيها أو حتى نسيانها، وفي المرةِ الثانية تكون عائدًا لنقطة البداية حينما تشعر بنفس الأ’لم في المرةِ الثانية فالعقـ ـلُ لا ينسىٰ ولا القلب يُشـ ـفىٰ ولا الرو’ح ترفـ ـرف حُـ ـرة فأصفا’د الماضي لا تتركها حـ ـرة كيد العد’و المحـ ـتل لأرا’ضي عـ ـربية حُـ ـرة كانت تريد العيـ ـش آ’منة مسـ ـتقلة ولَكِنّ أيادي العد’و أبـ ـت تركها تصر’خ عا’ليًا لطلب النـ ـجاة..
كانت تجلس في شقتها رفقة فتا’تيها كما المعتاد بعد أن تركهن زوجها وذهب لرؤية أصدقائه، كانت صغيرتها الأولى تجلس أمام شاشة التلفاز تشاهد الفيلم الكرتوني المفضّل لها بتركيزٍ شـ ـديد والأخرى تقبع داخل أحضانها تئـ ـن وتُمـ ـسك بخصلات والدتها الطو’يلة بين أنا’ملها الصغيرة، فيما كانت “بيلا” تمسّد على رأسها بحنوٍ وهي تنظر إليها مبتسمة الوجه..
نظرت “بيلا” إلى طفلتها الصغيرة التي كانت مند’مجةً في مشاهدة الفيلم الكرتوني لتتذكر زوجها الذي يجلس مثلها دومًا يشاهد التلفاز بإنصا’تٍ وكأن تركيزه بالكامل قد إنصـ ـب عليهِ هو فقط، دقائق قلـ ـيلة مرّت ليعـ ـلو صوت جرس الشقة يعلنها عن وصول زائرٍ، نهضت بعد أن حمـ ـلت صغيرتها على ذراعيها وذهبت بخطى هادئة إليهِ لتقف خـ ـلف الباب تشاهد الزائر الذي كان غير واضحٍ لها معالم وجهه ولذلك تركت صغيرتها على الأ’ريكة ووضعت وساد’تين بجانبها حتى لا تسـ ـقط مِن أعلا’ها ثم أرتدت رداء الصلاة وقامت بوضع حجاب رأ’سها وإغلا’قه وقبل أن تفتـ ـح الباب نظرت إلى نفـ ـسها في المرآة تتأ’كد أن لا خصلة ظا’هرة مِن أسـ ـفل حجاب الرأ’س..
فتـ ـحت الباب بهدوءٍ بعد أن تأ’كدت أن خصلاتها أسـ ـفل حجاب رأ’سها بالكامل مبتسمة الوجه ليتجـ ـمد جسـ ـدها وتجحـ ـظ عينيها بصد’مةٍ كبـ ـرى حينما رأته قد عاد إليها مِن جديد وقد ذكرها سر’يعًا عقـ ـلها بأخر زيارة بينهما وكيف ها’جمها وأبر’حها ضر’بًا وهي مازالت في أولى شهور حمـ ـلها ليؤدي ذلك عن مو’ت جـ ـنينها وولوجها في حالةٍ صـ ـحية جثما’نيًا ونفـ ـسيًا سـ ـيئة، وها هو المشهد يعاود تكرار نفسه مِن جديد وزوجها ليس معها هذه المرة كذلك لإنقا’ذها فهي وحدها في مو’اجهة “حـليم” للمرةِ الثانية.
_”كانت الموا’جهة بالنسبةِ لها تحد’يًا،
حتى أصبحت فر’يسةٌ سهـ ـلة تنجذ’ب للموا’جهة.”
يتبع….
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية جعفر البلطجي ) اسم الرواية