رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل الثامن و الاربعون 48 - بقلم بيسو وليد
لي صَديقٌ عَلى الزَمانِ صَديقي،
وَرَفيقٌ مَعَ الخُطوبِ رَفيقي،
لَو تَراني إِذا اِستَهَلَّت دُموعي،
في صَبوحٍ ذَكَرتُهُ أَو غَبوقِ،
أَشرَبُ الدَمعَ مَع نَديمي بِكَأسي،
وَأُحَلّي عِقيانَها بِعَقيقِ.
_أبو فراس الحمداني.
_______________________
الحُـ ـكم على المرء بالغُربة وكأن قد تم الحـ ـكم عليهِ بالإعد’ام شنـ ـقًا في وسط الميد’ان، فرصةٌ ذهبية للبعض في الذهاب إلى بلادٍ أخرىٰ ورؤية العالم مِن حوله والتنزه هُنا وهُنا وقضاء الأوقات السعيدة، وبالنسبةِ إلى آخرٍ كان كالحـ ـكم بالإعد’ام شنـ ـقًا ففي منظوره كانت الغربة تلك أشبه بالسـ ـجون الو’حشية فأنت قد تغرَّبت في إحدى البلدات الخا’رجية، وهو كان قد تغرَّب خـ ـلف القـ ـضبان الحد’يدية بدون أن يفعل شيئًا وكان هذا الفارق الكبير بين الإثنين..
<“عاد صاحب العـ ـزة والكر’امة،
وأعاد السرور معهُ في المكان.”>
كانت تقف مكانها بجسـ ـدٍ متجـ ـمدٍ لا تصدق أنه أمامها قد عاد إليها الحبيب أخيرًا كي يستأ’نس بها كما أعتاد، كان لا يشعر بشيءٍ فقد وكأن جسـ ـده أصبح مخد’رًا بالكامل أم هو مَن فقد الشعور أصبح لا يعلم شيئًا، سقـ ـطت عبراتها على صفحة وجهها ليبتسم هو لها ويقوم بالإبتعا’د عن “حُـذيفة” وأقترب مِنها بخطى هادئة غير متز’نة مر’تميًا دا’خل أحضانها را’ميًا ثقـ ـل جسـ ـده فقد أُر’هِق وبشـ ـدة والآن يحتاج إلى الر’عاية الشـ ـديدة كي تُدا’وى هذه الجرو’ح والكد’ما’ت المتفر’قة في أنحاء جسـ ـده..
أستقبلتهُ هي بترحابٍ شـ ـديد وحُبٍ كبير تطبق بذراعيها عليهِ ضاممةً إياه داخل د’فئ أحضانها وعبراتها تتسا’قط على صفحة وجهها تبكي لأجله، تركهما “حُـذيفة” حتى يحظيا بمسا’حتهما الشخصية ورحل مبتسم الوجه بعد أن أعاد هذا الحبيب إلى دياره وذويه شاعرًا بالرضا لو’فاءه بالو’عد الذي قطـ ـعه على نفسه، أغـ ـلقت “تـسنيم” باب شقتها لتُبعده عنها بهدوءٍ تنظر إليهِ متفحـ ـصةً إياه بد’قةٍ شـ ـديدة ترى الجرو’ح متفر’قةٌ على صفحة وجهه وبالتأكيد على جسـ ـده كذلك والكد’ما’ت تعتـ ـلي وجهه وعنـ ـقه وجسـ ـده..
لا’مس كفها الحنون الد’افئ صفحة وجهه لتراه يتأ’لم منكمش الوجه لتُبـ ـعد كفها سر’يعًا وهي تنظر إليهِ بعينين مليـ ـئتين بالحز’ن والشو’ق والحُب، نظر هو إلى عينيها مباشرةً يرى الد’فئ يحاوطهما مثلما أعتاد دومًا، رأى مسـ ـكنه مازال أ’منًا لَم يتأ’ثر بأي شيءٍ، تركت نفسها تتأمله قليلًا لتراه يبتسم إليها بسمةٌ هادئة وقد جاء قوله حاضرًا حينما قال بنبرةٍ حنونة دا’فئة:
_وحشتيني أوي يا “تـسنيم”، بجد وحشتيني أوي الفترة اللي غـ ـيبتها عن البيت دي، مروحتيش عن بالي لحظة واحدة، كان مكانك على طول مهما أبعـ ـد وأروح محفوظ هنا؛ ثابت.
أنهـ ـى حديثه وكفه يحتضن كفها الد’افئ يضعه مو’ضع قلبه دون أن يتحدث بعدها بحرفٍ واحدٍ، فيما نظرت هي إلى موضع كفها بعينين مغرو’رقتين بالعبرات ثم نظرت إليهِ لتسـ ـقط عبراتها على صفحة وجهها تُعانقه مِن جديد تستشعر د’فئه الذي ظل ملا’زمًا إليها منذ زواجهما حتى هذا اليوم، أما عنهُ فكان لا يسـ ـتطيع ضمها فقد كان جسـ ـده يؤ’لمه بشـ ـدة ولذلك تأ’وه رغمًا عنهُ حينما ضغـ ـطت هي دون أن تنتـ ـبه على مو’ضع إحدى الجرو’ح لتبتعد عنهُ سر’يعًا وهي تنظر إليهِ بقلـ ـقٍ واضحٍ على تقا’سيم وجهها..
أزا’لت عبراتها عن صفحة وجهها بكفيها ثم قامت بمساندته وهي تضع ذراعه الأ’يسر على كتفيها مِن الخـ ـلف ثم قامت بإسنا’د جسـ ـده قائلة:
_تعالى معايا شكلك تـ ـعبان أوي، تعالى أرتا’ح لحد ما أجهزلك حاجتك كلها.
وبالفعل تحرك معها نحو غرفتهما سويًا يُجاهـ ـد نفسه وآلا’م جسـ ـده ورو’حه الدا’مية، وهي كانت كما الغزالة المدبو’حة؛ لَم تستطع رؤيتهِ بهذه الحا’لة المؤ’لمة ولَم تكُن تتخـ ـيَّل أنه سيتلقى هذا المصـ ـير المحتو’م فكانت تظنه حبـ ـسًا عاديًا؛ ولربما كذلك أنفراديًا، ولَكِنّ يبدو أنه حظى بمعاملةٍ خاصة في الداخل وكلما تذكرت كلمة _أ’من الدو’لة_ تشعر بإنقبا’ضة قلبها فهذه أول مرة يتم أخذه بهذه الطريقة المبا’غتة ويغيـ ـب عنها كل هذه المدة التي طا’لت بها الليالِ وغـ ـلبها فيها الشو’ق إلى حبيبٍ كان أو’كسير الحياة بالنسبةِ إليها..
ساعدته في الجلوس على الفراش؛ بينما تعا’لى هو تأ’وهه الحا’د وهو يُغمض جـ ـفنيه بقو’ةٍ بعدما أنتشـ ـر الأ’لم في أنحاء جسـ ـده وكأن ثمة كرا’بيج عديدة تتسا’قط دون رحمة على جسـ ـده بدون توقف، نظرت إليهِ “تـسنيم” والدمع يترقرق في المُقل والقلب يصر’خ أ’لمًا على حبيبه، حاوطت شطـ ـري وجهه بكفيها الحنونين الد’افئين دون أن تتحدث لير’فع هو رأسه في المقابل ينظر إليها يرى العبرات بدأت بالسقو’ط على صفحة وجهها وتجاهد نفسها الراغبة في الإنخراط بالبكاء المرير دون توقف..
ر’فع كفه الأ’يمن المـ ـليء بالجرو’ح يحتضن كفها الأ’يسر ليُقربه مِن فَمِهِ يُلثم با’طنه بحنوٍ وكأنه يُخبرها أنه بخير؛ أو كذلك يتظاهر هو أمامها حتى لا يؤ’لم قلبها أكثر مِن ذلك فيبدو أنها عا’نت كثيرًا مِن دونه، تركته وذهبت لتجهيز أغراضه كثيابه الشتوية الثقـ ـيلة فبالتأكيد هو يشعر بالبرو’دة بسـ ـبب ثيابه الخـ ـفيفة التي كان يرتديها، فيما كان هو يُتابعها بعينيه يراها تذهب هُنا وهُناكَ تقوم بتجميع أغراضه حتى أنهـ ـت كل ذلك وعادت لهُ مِن جديد تقف أمامه وهي تنظر إليهِ قائلة بنبرةٍ هادئة باكية:
_جهزتلك هدوم نضيـ ـفة، خُد شاور سُخـ ـن عشان جسـ ـمك يهدى وعضلا’تك تفُـ ـك شوية وأنا هجهزلك الأكل عشان تاكل أكيد أنتَ جعان وبعدها هحطلك كريم كويس هيسـ ـكن الجرو’ح والكد’ما’ت دي وبكرا إن شاء الله هتحـ ـس نفسك أحسن شوية عن دلوقتي.
تو’هجت لمـ ـعة عينيه البُـ ـنية وهو ينظر إليها ويستمع إلى كل كلمة تقولها، مثلما وصفها مِن قبل؛ “مداو’ية أو’جاعه” حتى وإن لَم تَمـ ـلُك العقاقير اللاز’مة فستخترع هي عقار لشفاءه مهما كلفـ ـها الأمر، وبرغم أوجا’عها وضـ ـعف جسـ ـدها تسـ ـعىٰ للوقوف صا’متة وجا’مدة كي تنتـ ـبه إلى زوجها وطفليها ومنزلها كذلك فبرغم الأعتا’ق المتمر’كزة فوق رأ’سها وكتفيها تقف صامتة تو’اجه ما يحد’ث وتعا’لجه سريعًا وتُكمل نطا’ق سيرها فيكفي أنه حَمَـ ـلَ أعتا’ق المنزل على كتفيه وحده في آخر شهور حمـ ـلها..
كلاهما عا’نا سويًا وكلاهما يُكملا نطاق سيرهما مهما رأوا مِن صعا’بٍ، قام بتلبية أول مطلبٍ مِنها وها هو يقف أسـ ـفل المياه السا’خنة التي تتسا’قط على رأسه وجسـ ـده مغمض العينين وذاكرته تُعيد إليهِ الأيام العصـ ـيبة التي عا’ش بها في معتـ ـقله دون أن يرى النو’ر، وبدون أن يسمع نداء ربه للصلاة، كلما كان يشعر بالخو’ف كان يتدرع إلى ربه ويطلب مِنهُ المغفرة والرحمة والعفو على عد’م أداء فرائضه التي كان يؤديها في أوقاتها..
عاد صرا’خه المتأ’لم وهو يتلقى التعذ’يب والضر’ب يرن في أذنيه كالأجراس المتعا’لية، ففي بادئ الأمر كان يتحمـ ـل قو’ة هذا الضر’ب الممـ ـيت ولَكِنّ مع مرور الوقت بدأ جسـ ـده يضعـ ـف ويفقـ ـد قو’ته ومِن ثم وفي اليوم الثالث كان صوت صر’اخه المتأ’لم يعـ ـلو وهذ كان المطلوب؛ أستند بكفيه على الحائط وأخفـ ـض رأسه إلى الأسفـ ـل مجاهـ ـدًا للتخـ ـلص مِن هذه الأصوات عن طريق صوت الماء التي كانت تتسا’قط على أرضية المكان..
عاد يرى نفسه في هذه الغرفة يتم تعذ’يبه لأخذ أعتر’افه على شيءٍ لَم يكتر’فه هو، يتم ضر’به بكل عنـ ـفٍ وهو كل ما عليهِ هو الصر’اخ وطلب الر’حمة مِن رب العالمين، وفي لحظة خرجت حينها صر’خة مد’وية مِنهُ جعلتهُ يُفر’ق بين جفنيه حينها بهـ ـلعٍ لتظهر حُـ ـمرة عينيه التي نتجت عن كبـ ـحه لعبراته أطول وقتٍ ممكنٍ، فقـ ـد التحمُـ ـل أكثر مِن ذلك وسقـ ـطت عبراته على صفحة وجهه بدون إرا’دة أو شعورٍ مِنهُ تخـ ـتلط مع المياه السا’خنة التي كل ما فعلتهُ هو إشعا’ل النير’ان بداخلهِ بدلًا مِن إخما’دها..
إنكمـ ـشت تقا’سيم وجهه بقو’ةٍ بعد أن أغـ ـلق جفنيه وخرج صوته الحا’د يتأ’لم بعد أن بدأت المياه تسقـ ـط مباشرةً على جرو’حه وكد’ما’ت جسـ ـده المتفر’قة؛ فيما كانت “تـسنيم” تقف في المطبخ تُعد إليهِ الطعام تستمع إلى صوته المتألم لينتفـ ـض قلبها مِن موضعهِ حز’نًا عليهِ، ترقرق الدمع في عينيها لتقف في منتصفه تستند بكفيها على الرخا’مية تحاول تما’لُك نفسها قد’ر ما أستطاعت حتى تُكمل سعـ ـيها ووقوفها جا’مدة..
وبعد مرور القليل مِن الوقت.
كان هو يجلس في غرفة المعيشة يتناول الطعام بهدوءٍ وهي تجاوره تنظر إليهِ والدمع يترقرق في المُقل تنظر إلى جرو’ح وجهه ويديه بهدوءٍ لترى إرتعا’ش يده الممسكة بالملعقة، سقـ ـطت الشوربة السا’خنة رغمًا عنه مِن على الملعقة لتسرع هي في أخذ الملعقة قائلة:
_محصـ ـلش حاجة، محصـ ـلش حاجة أعصا’بك سا’يبة بس مش أكتر مفيش حاجة، أنا هأكلك خلاص.
أستغفر هو ربه بداخلهِ سرًا وأغـ ـلق جفنيه وضـ ـغط على قبـ ـضة يده حتى لا يفقـ ـد أعصا’به ويصر’خ، لاحظت ذلك “تـسنيم” مِن أرتعا’شة يده ولَكِنّ تخـ ـطت هذا وبدأت تطعمه هي بنفسها وهي تنظر إليهِ بحز’نٍ لمدة نصف دقيقة تقريبًا لينظر هو إليها لثوانٍ معدودة ثم قال بنبرةٍ هادئة يثني على طعامها اللذيذ:
_تسلم إيدك يا “تـسنيم”، الأكل طعمه زي العسل.
أبتسمت هي لهُ ثم ر’فعت كفها تربت على ذراعه وقالت بنبرةٍ هادئة:
_تسلم يا حبيبي مِن كل شـ ـر، صحة وهنا على قلبك.
أبتسم إليها “رمـزي” بحنوٍ ثم رآها تر’فع يدها بالملـ ـعقة المعد’نية الممـ ـتلئة بالشوربة السا’خنة ليفتـ ـح فَمِهِ قليلًا يتناولها مِنها، أبتسمت لهُ “تـسنيم” بحنوٍ ومِن ثم ر’فعت كفها الحُـ ـر الآخر تحاوط شطـ ـر وجهه الممتـ ـلئ بالجر’وح تسير بإبهامها عليهِ بحنوٍ ثم عادت تُطعمه مِن جديد وبدأت تُقـ ـطع الدجاج إلى قطـ ـع صغيرة وقام هو بتناولها مِنها متـ ـلذذًا وكانت هي تُتابعه بوجهٍ مبتسم، ر’فع كفه تجاه فَمِها ممسكًا بقـ ـطعة دجاجٍ وهو يقوم بحسها على تناولها مِنهُ، لَم تستطع الر’فض ولذلك تناولتها مِنهُ بوجهٍ مبتسم..
قضىٰ سويًا بعض الوقت المرح والهادئ رفقة بعضهما البعض حتى مرّ بهما القليل مِن الوقت وكان يجلس على فراشه وهي خلفه، تعا’لى تأ’وهه الحا’د وهو يقوم بغلـ ـق جفنيه بقو’ةٍ حينما أشـ ـتد عليهِ الأ’لم حينما لا’مست جرو’حه ليأتي قولها الهادئ حينما قالت:
_معلش يا حبيبي أستحـ ـمل شوية كمان، أنا عارفة إنك مش متحـ ـمل بس شوية والو’جع هيخـ ـف.
قبـ ـض بكفه على الفراش بقو’ةٍ وكـ ـتم تأ’وهاته وأو’جاعه بد’اخلهِ كما أعتاد حتى لا يوقظ صغيريه النائمين؛ فيما بدأت هي تنفـ ـخ بهِ برفقٍ علّها تُخـ ـفف آلا’مه قليلًا، وبعد القليل مِن الوقت جلست أمامه وبدأت تدا’وي جرو’ح وجهه برفقٍ شـ ـديد لينظر هو لها قليلًا ثم قال بنبرةٍ هادئة يكسـ ـر حد’ة هذا الصمت:
_”تـسنيم”، أنا ملاحظ إنك خا’سة شوية عن الطبيعي وتعبا’نة، هي سـ ـت الكل أ’ثرت معاكِ ولا إيه دا أنا مو’صيها.
أبتسمت هي بسمةٌ هادئة وأجابته بنبرةٍ هادئة وتركيزها مصوَّ’ب على ما تفعله قائلة:
_لا بصراحة كتر خيرها واللهِ تعـ ـبتها معايا وهي مأ’ثرتش خالص، أنا اللي كُنْت مُهمـ ـلة شوية فنفسي بالذات بعد ما جبت “عـمار”، عايز الصراحة؟ أنا معرفش أنا عديت أزاي كل دا وأنتَ مش جنبي، كُنْت خا’يفة أوي وأنا داخلة أوضة العمـ ـليات وبدوَّر عليك مش لقياك وسطهم، كُنْت عاملة حسابي إنك هتكون معايا زي المرة اللي فاتت بس فجأة ملقتكش، المرة الأولى كانت طبيعي والمرة دي زيها برضوا؛ كُنْت همو’ت مِن خو’في، بس ربنا كان رحيم بيا وقتها والو’لادة كانت متيـ ـسرة الحمد لله مطولتش.
أبتسم هو إليها وقام بمحاوطة شطـ ـر وجهها بكفه يُلثم جبينها بِقْبّلة حنونة هادئة ثم قال بما أسعدها وجعل الإبتسامة تشـ ـق وجهها:
_أنا مراتي أقو’ى سـ ـت شوفتها فحياتي، رغم تـ ـعبها وو’جعها برضوا بتكا’فح، أنا فخور بيكِ يا سـ ـت الكل.
أتسـ ـعت بسمتها على ثغرها وترقرق الدمع في المُقل لتقوم بمعانقتهِ دون أن تتحدث؛ فيما قام هو بمحاوطتها بذراعيه ممسّدًا على ظهرها برفقٍ وحنوٍ قليلًا ثم جاء قوله الصا’رم:
_لعلمك أنا معنديش الكلام الما’سخ دا، الأكل هيتحط هتقعدي تاكلي وتخلصيه كله غير كدا معنديش، وتهتمي بنفسك شوية عشانك مش هقبل بحاجة غير كدا مفهوم؟.
_مفهوم يا باشا، طلباتك أوا’مر.
هكذا ردت عليهِ “تـسنيم” ضاحكة لتتـ ـسع بسمته على ثغره ثم أبتعدت هي عنهُ تبتسم إليهِ وعادت لمـ ـعة عينيها تلتـ ـمع بشكلٍ ملحوظ مِن جديد رآه هو وأسعده كثيرًا، تركته وذهبت كي تقوم بغسل يديها لينظر إلى أثرها لثوانٍ معدودة ثم نظر إلى الفراش الصغير الموضوع في إحدى أركان الغرفة لينهض مِن مجلسهِ بهدوءٍ ثم أقترب مِنهُ بخطى هادئة حتى وقف أمامه ينظر إلى “قمره” الذي غا’ب عنهُ لوقتٍ طويل دون أن يراه أو يسمع صوته حتى..
أبتسم وهو ينظر لها بشو’قٍ ليَمُـ ـد كفه ممسّدًا على خصلاتها النا’عمة بحنوٍ شـ ـديد متأملًا إياها قليلًا؛ ثم بعد ذلك نظر إلى صغيره الحبيب والزائر الجديد “عـمار”، تأمله قليلًا بحنوٍ ووجهٍ مبتسم ليُمسّد على رأسه برفقٍ شـ ـديد يراه نائمًا بعمـ ـقٍ، شعر بكفين ر’قيقين يُعانقان ذراعه برفقٍ لينظر لها يراها تقف بجواره مبتسمة الوجه قائلة:
_شوفت “قمرك” يا سيدي ومـ ـليت عينك مِنُه؟.
أبتسم هو وقد عاد ينظر إلى صغيرته الحبيبة ليجاوبها بصد’قٍ قائلًا:
_آه شوفته، أحلى حاجة فحياتي هي “قـمر” وأُمّها و “عـمار” حبيب قلبي.
أتسـ ـعت بسمتها وهي تراه ينظر إلى صغيره بحنوٍ ووجهٍ مبتسم لتقول بنبرةٍ هادئة:
_كتر خيره “يـوسف” هو اللي شا’ل كل حاجة، مسا’بنيش أنا وماما لحظة حتى لمَ بعتلي الظرف معاه سأل إذا كان لاز’منا حاجة ولا لا، وهو أول واحد شا’ل “عـمار” وكبـ ـرله وراح طّلـ ـعله الشهادة، لاز’م نشكره بصراحة بأي طريقة على وقفته معانا.
زفـ ـر “رمـزي” بعمقٍ وأجابها بنبرةٍ هادئة للغا’ية وقال:
_أكيد، كفاية وقفتهم معانا كلهم بدون أستثناء بصراحة كلهم رجا’لة وجد’عان، شوية وهروحلهم محدش يعرف إني رجعت، وكمان عايز أشكر “حُـذيفة” بأي طريقة كتر خيره مسا’بنيش مِن أول ما دخلت هناك لحد ما خرجت عمل اللي عليه وبزيادة، دايمًا لمَ الواحد بيكون كويس مع أي حد سواء هو كان كويس أو لا لمَ تيجي فمرة تُقـ ـعي فضـ ـيقة بتلاقي ربنا بيسخـ ـرلك ناس تساعدك على المحـ ـنة اللي أنتِ فيها، الحمد لله تجربة وعدت مش عايز أفتكرها عشان بتعـ ـب نفـ ـسيًا بأما’نة.
حركت رأسها توافقه الرأي لتقوم بالتربيت على مو’ضع قلبه بحنوٍ ثم أخذته وخرجا سويًا إلى غرفة المعيشة لتتركه هي جالسًا على الأريكة أمام التلفاز وولجت إلى الداخل لتُعد إليهِ مشروبًا سا’خنًا وهي تحمد ربها على عودته إليها مِن جديد؛ نعم عاد متعـ ـبًا وغير قا’درٍ على الحراك ولَكِنّ كان الأهـ ـم أنه معها.
_________________________
<“في لحظةٍ تأتي في لمـ ـح البصـ ـر،
أنقـ ـض الأسـ ـد على فر’ائسهِ بكل و’حشية”>
تأتي لحظة ليست عابرة بقدر ما تأ’ثيرها يكون قو’يًا..
فيها يُها’جم الأسـ ـد أعد’اءه ويثأ’ر لأحباءه؛ لا تُر’اهن على صبر هذا الأسـ ـد الجا’ئع فلَن ينتظر في أن يقوم بإلتها’مك..
دقت ساعة الصفر؛ وخرج الأسـ ـد مِن جحـ ـره..
توَّجه بخطى وا’سعة إلى منزل العائلة؛ حيثُ يكون منزل عائلتها الذي يمكث على بُعد دقائق مِن منزلهم وهو يتو’عد إلى الجميع، لا يتأ’ثر بأي شيءٍ ولا يقد’ر شيءٌ على إضعا’فه سوىٰ دموع حبيبته “فاطمة”، أقترب مِن المنزل الذي كان يقبع في إحدى الحواري المجاورة ليصعد الد’رجات القلـ ـيلة سريعًا ثم د’فع الباب الحد’يدي الأسو’د المطرز بالذهب ليرى إبنة عمّ زوجته وزوجة أبيها تجاوران بعضهما البعض وعلى بُعد سنتيمترات حماه وزوج هذه الحيـ ـة كما لقبها..
ها’جمه حماه بعـ ـنفٍ وهو يتحدث بإنفعا’لٍ بائنٍ قائلًا بنبرةٍ حا’دة عا’لية:
_جرى إيه يا عمّ أنتَ مش في باب تخبـ ـط عليه الأول البيوت ليها حُر’مة !!.
نظر إليهِ “لؤي” بكل بر’ود ثم عقد ذراعيه أمام صدره وقال بنبرةٍ با’ردة كلو’ح الثلج:
_وحُر’مة البيت اللي بتتكلم عنها دي معاملوش بنتهم مُعاملة كويسة ليه لمَ جَت هنا عشان تطـ ـمن عليكم زي المعتاد، ولا كلام الحر’يم كتير ومبيخـ ـلصش ومش عارف تسيـ ـطر.
_أنتَ بتقول إيه يا’ض أنتَ !! أنتَ أتجـ ـننت ولا إيه أزاي تكلمني كدا !!.
هكذا صر’خ بوجهه “عـزيز” بأنفعا’لٍ بائن وهو ير’ميه بنظراته الحا’دة كالسها’م ليُسرع زوجة إبنة أخيه في احتو’اء الموقف قبل أن يتطوَّ’ر بين كلا الطر’فين ويز’داد صعو’بةً؛ لَم يروق لـ “لؤي” ما رآه وسمعه ليبدأ في الد’فاع عن نفسه وعن زوجته حينما أشهـ ـر سبابته بوجه حماه يقوم بتحذ’يره قائلًا بنبرةٍ حا’دة متو’عدة:
_طب بُص بقى يا حمايا عشان كلامك وأسلوبك دا مبيجوش على هوايا، أنا فالأول كُنْت بحتر’مك وبحتر’م كلمتك بس مِن ساعة ما عرفتوا موضوع “فاطمة” وأنتَ حالك أتبدل وكأن اللي حصـ ـل دا كان بمزاجها وأنا عارف كويس أوي مين اللي لعب فد’ماغك وحر’ضك على بنـ ـتك اللي مِن لحـ ـمك ود’مك بس إني أشوفها جايالي كل شوية مِن هنا بتعـ ـيط عشان الكلمتين السـ ـم اللي بتسمعهم مِن مراتك أو بنت أخوك فأنا مش هسـ ـمح بدا مهما حصـ ـل وإن كان على اللي حصـ ـل فدا بتاع ربنا منقد’رش نعتر’ض أنا أستـ ـكفيت بـ “كمال” و “نورسين” ودول عندي بالدنيا وما فيها بس إن حر’يم بيتك يجر’حوا فمراتي بكلام زي السـ ـم دي أنا مش هسـ ـمح بيها ومش عايز أمشيها واحدة قصاد واحدة عشان هنز’عل مِن بعض أوي وأنا مش بتاع مشا’كل ولا خـ ـراب بيوت.
حينها غـ ـلى الد’م في عرو’ق زوجة الأب التي كانت تُطا’لع “لؤي” بغـ ـلٍ د’فين وحينما لَم ترى الرد مِن زوجها لتتولى هي ز’مام الأمور وبدأت تدا’فع عن نفسها وعن تلك الواقفة بجوارها بصوتها الغا’ضب قائلة:
_وإحنا بينا وبينها إيه إن شاء الله عشان نضا’يقها مِن الوقت للتاني، إحنا ملناش علا’قة بيها هي بتيجي تشوف أبوها وبتمشي لا لسا’نا بييجي على لسا’نها ولا حد بيتعامل معاها أصلًا، كانت “جورجينا” يعني.
نظر إليها “لؤي” نظرةٍ حا’قدة بعد أن أستمع إلى حديثها الذي كان بالتأكيد سيجر’ح زوجته في حضورها هذه المعر’كة الكلامية بينهم، ولَكِنّ قد تم جر’حه هو بدلًا عنها ففي الأخير هما الإثنين رو’حٌ واحدة؛ لقد أستخدمت أفضل الطرق إليهِ ولذلك هو لَم يبخـ ـل في أن يُلـ ـقي على مسامعها الكلمات اللا’ذعة ولذلك قال بنبرةٍ حا’دة:
_مبدأيًا مراتي أحلى مِن “جورجينا” دا لو همشيها معاكِ إنها بالشكل، ثانيًا مكانتش بنـ ـتك وملهاش الشـ ـرف إن أمّها تبقى واحدة زيك، ثالثًا مراتي مش كدا’بة ودي حاجة أنا وا’ثق فيها جدًا، رابعًا “فاطمة” مش عيلة عشان تحـ ـط اللي زيك فد’ماغها، مراتي أنضـ ـج مِن كدا بكتير يا هانم فمتحلميش عشان لو كان لسا’نك طو’يل فأنا لسا’ني أطو’ل ومش هعمل اعتبار لحد عشان الغـ ـلط مكانش عليا أساسًا.
_لا بقى دا أنتَ زو’دتها جا’مد أوي وعايز اللي يلـ ـمك أنتَ ومراتك الـ**** اللي جاي محمو’قلها أوي مش عارفة على إيه بصراحة.
هكذا ردت إبنة العم بكل وقا’حة وهي تدا’فع عن زوجة عمّها وكأنها الحا’مي لها؛ ر’ماها “لؤي” بنظراتٍ كانت كجمـ ـرة النا’ر الملتهـ ـبة حينما ظهر وجهها الحقو’دي أمامه تجاه زوجته ولذلك وقبل أن يتحدث ويُلـ ـقي عليها كلماته السا’مة كان هناك صوتٌ رجو’لي حا’د ير’دع حديثها ذاك ويقف أمامها النـ ـد بالنـ ـد والغضـ ـب باديًا على تقا’سيم وجهه، أتجهت المُقـ ـل إلى هذا الذي قد أشتعـ ـلت النير’ان في جسـ ـده ليتحرك بعنـ ـفٍ نحوها بخطى وا’سعة وتقا’سيم وجهه لا تُنذ’ر بالخير البتة..
وقف أمامها مباشرةً وهو ينظر إليها بغضـ ـبٍ حـ ـقيقي بعد أن أز’عجه حديثها عن تلك الغا’ئبة والتي لَم يرى مِنها سوى الخير والطيبة، تر’قب “لؤي” رده عليها وحقًا هو لَم يبخـ ـل عنهُ في ذلك وقد تحدث بنبرةٍ حا’دة وهو يقوم بتحذ’يرها قائلًا:
_قسمًا برب السماوات السبع والأرض إن ما أعتذرتي دلوقتي حالًا وحطيتي جز’مة فبوقك لأكون را’مي عليكِ يمين الطلا’ق وحالًا.
الرد الحاسـ ـم والصاد’م الذي صد’ر مِنهُ جعلهم في صد’مةٍ مِن أمرهم وكان أكثرهم هي، هي التي لَم تتو’قع أن يكون هذا هو الرد مِنهُ هو، ضر’بها في مقـ ـتلٍ بحديثه ذاك بكل تأكيد؛ أبتلـ ـعت غصتها بتروٍ وظهر الخو’ف على تقا’سيم وجهها حينما تلقت تهـ ـديده الصر’يح في شأن إنها كل شيءٍ بينهما، أصبحت حياتها الزوجية متو’قفةٌ الآن على الاعتذار مِن “لؤي” الذي سقـ ـطت عيناها عليهِ تراه ينظر إليها بأبتسامة سعيدة ومتشـ ـفية وكأنه سَعِدَ بما فعله زوجها..
نظرت إلى زوجها الذي كان يقف أمامها ينتظر ردًا مِنها وهي تقف لا تعلم ماذا عليها أن تفعل، لَم تجد إلا زوجة عمها تُنقـ ـذها مِن هذه الكا’رثة الكبيرة التي قد و’قعت بها بسـ ـبب لسا’نها السـ ـليط الذي أخـ ـطأ في حـ ـق واحدةٍ ليست بينهم الآن، وصد’قًا لَم تتأخر الأخرىٰ في الد’فاع عنها حينما شعرت بها؛ نظرت هي إلى زوجها وقالت بنبرةٍ هادئة تحاول تهـ ـدئة الأمور بينهما:
_أهدى بس يا ابني ووحد الله دا شيـ ـطان ودخل ما بينكم.
أز’داد غضب “لؤي” أكثر حينما عَلِمَ مِن نظرتها إليهِ أنها تقصده بحديثها ذاك ولَكِنّ تما’لك نفسه ولَم يُعطيها مُرادها وألتزم الصمت إجابة مناسبة على حديثها ذاك، فيما نظر الآخر إليها حينما رأى نظرتها إلى “لؤي” وقد تفهم مغـ ـزى حديثها ذاك ليقول بنبرةٍ حا’دة يُد’افع عن الآخر قائلًا:
_بس بقى كفاية واحتر’مي نفسك وسنك يا سـ ـت يا كبيرة يا اللي بينك وبين القبـ ـر دلوقتي خطوة، مش مكسو’فة مِن نفسك؟ بجد مش مكسو’فة مِن اللي بتعمليه دا؟ حرا’م عليكِ يا شيخة بقى إيش حال لو مكانتش مخـ ـلفة أصلًا، سيبوا الناس فحالها شوية مش معقولة كل شوية حوا’رات وقر’ف أنا قر’فت بقى مِن الر’غي الكتير فأعر’اض الناس … وأنتِ يا سـ ـت هانم أوعي تفتكري إنك لسمح الله حلوة وملكة جمال الدول المجاورة، لو شايفة مِن منظور الشكل فحضرتك متجيش جنبها حاجة، ومِن ناحية الأخلا’ق برضوا متجيش جنبها حاجة يعني بأختصار أنتِ جنبها ولا حاجة عشان د’ماغك التـ ـعبانة دي متفضلش مصورالك حاجات مِن دي مش صح، وإن كُنْت أتجوزتك عشان خاطر سو’اد عيونك فأنا عندي أستعداد دلوقتي حالًا أنهـ ـي الجواز دا خالص لأن أنا مبقتش حِـ ـمل قر’فك دا أكتر مِن كدا وأقولك الكبيـ ـرة بقى عشان تعرفي تعـ ـيبي فالناس أوي … حضرة جنابك مبتخـ ـلفيش.
هُنا وكانت الصد’مة الكبيرة بالنسبة للجميع وأكثرهم “لؤي” الذي نظر إليها يرى رد فعلها على حديث زوجها ليرى الصد’مة فقط حليفةٌ لها وقد إنكـ ـسر قلبها في هذه اللحظة إلى أشـ ـلاء صغيرة متنا’ثرة في كل مكان، ساد الصمت المكان فجأة بعد أن كان الضـ ـجيج يملـ ـؤه؛ ترقرق الدمع في المُقل وهي تُطا’لع زوجها بعـ ـقلٍ شاردٍ وكلماته تتردد في أذنيها كأنغام الطبول العا’لية ومعها، كان قلبها ينبـ ـض بعنـ ـفٍ ويصر’خ أ’لمًا، تأ’ثر زوجها بحا’لتها بعد أن كان يُخـ ـطط لأن يُنسـ ـب هذا العيـ ـب لهُ بدلًا عنها..
سقـ ـطت على ر’كبتيها أمام الجميع بوجهٍ شاردٍ والعبرات تتسا’قط على صفحة وجهها دون أن يغفـ ـل لها جفـ ـنٌ تنظر في نقطةٍ فا’رغة، أقترب “عـزيز” مِنهم بخطى هادئة وهو ينظر إلى زوج إبنة أخيه بعد’م أستيعا’ب وذهولٍ شـ ـديد حتى وقف في مواجهته مباشرةً أسفـ ـل نظراته ونظرات “لؤي” لهُ المتر’قبة، نظر إلى إبنة أخيه التي كانت في عالمٍ آخر عنهم وقد أ’لمه قلبه كثيرًا عليها ولذلك أتخذ العـ ـقل في هذه اللحظة قـ ـراراتٌ طا’ئشة أدت إلى نتائج سيـ ـئة..
نظر إلى زوجها مِن جديد والغـ ـضب باديًا على تقا’سيم وجهه لير’فع كفه عا’ليًا في الهواء أستعدادًا لصفـ ـعه أمام الجميع وحينما كان سيسـ ـقط كفه على وجه الآخر كان هو يمـ ـنعه مِن فعل ذلك وهو ينظر إليهِ بعينين تكتـ ـسيهما الحُـ ـمرة لتبدو كجمـ ـرة النا’ر الملتهـ ـبة تكسوها العبرات المحبو’سة ينظر لهُ بعد أن طفـ ـح بهِ الكيل مِنهم ومِن أفعا’لهم الطا’ئشة تلك، أبعـ ـد كفه بعيدًا عنهُ بحركةً عنـ ـيفة بعض الشيء وقال بنبرةٍ عا’لية يصر’خ بوجهه:
_بس بقى كفاية !! كفاية أنتوا بجد عيلة عقو’لها مر’يضة كلها أنا مبقتش متحـ ـملكم أكتر مِن كدا أتحمـ ـلت فوق طا’قتي وجيت على نفسي بس خلاص بقى فا’ض بيا وتـ ـعبت !! حتى أعقـ ـل واحدة فيكم مسـ ـلمتش مِن مر’ض عقو’لكم دي طعـ ـنتوا فيها بدون وجه حـ ـق وكأن اللي حصـ ـلها كان برضاها، على الأقل عندها عيلين يمـ ـلوا عليها حياتها وزوج زي “لؤي” اللي قايم بدور مش دوره عشان حضراتكم مش فا’ضيين غير أنكم تخو’ضوا فأعر’اض البني أدمين اللي حواليكم، خلّي بالك أنا كُنْت نا’وي أقول إن العـ ـيب مِن عندي أنا رغم إن حـ ـقي أقـ ـرر إذا كُنْت هكمل معاها ولا لا، بس أنتوا متستا’هلوش إني أجي على نفسي عشانكم، كُنْت هاجي على نفسي عشانها بس أفعا’ل بنت أخوك هي اللي وصلتنا للحال دا دلوقتي وهي اللي أجبـ ـرتني أقول كدا فملكش الحـ ـق تلو’م عليا دلوقتي.
كان “لؤي” ينظر إليهِ بحز’نٍ وهو يعلم كيف يكون شعوره في هذه اللحظة ولَكِنّ رغم كل ما حد’ث مازال متما’سكًا يقف شا’مخًا كالجبا’ل لا يتأ’ثر لهفـ ـوات الر’ياح ولا لبرو’دة الطقس ولا قسو’ة الحياة، أحيانا نُجبـ ـر على فعـ ـل شيءٍ لا نُريده وفي الأخير ينتهـ ـي بنا المطا’ف كالاغر’اب، نظر هو إلى زوجته التي كانت على حالها ليقول بنبرةٍ هادئة للغا’ية:
_كُنْت نا’وي أجي على نفسي عشان خاطرك، آه معملتيش معايا موقف و’حش بس للأسف أفعا’لك مع الناس اللي حواليكِ بتجبـ ـرني أتقفـ ـل مِنك غصـ ـب عنّي، عارفه؛ لو كُنْتي كويسة مع الناس مكانش دا بقى حالك، و “فاطمة” اللي عا’يرتيها أول ما عرفتي باللي جر’الها أنتِ بقيتي دلوقتي زيها بس الفرق بينكم إنها معاها طفلين ما’ليين عليها حياتها وأنتِ ممعكيش حد.
كان حديثه قا’سٍ وبشـ ـدة عليها جعلها تنخر’ط في البكاء الشـ ـديد دون أن تتحدث فقد شعرت في هذه اللحظة بأ’لم “فاطمة” فهذا هو حال البشر، لا يتأ’ثر لأخيه إلا حينما يخوض تجربته ليعلم مر’ارة هذا الأ’لم ويعلم أنه ليس مِن السهل على الإنسان أن يتقبل شيئًا كهذا، إنسـ ـحب “عـزيز” مِن بينهم دون أن يفقه لشيءٍ ومعهُ أنسـ ـحبت زوجته كذلك دون تنطـ ـق بحرفٍ واحدٍ يتركانها و’حيدة بعدما قـ ـررا التخـ ـلي عنها والإنسـ ـحاب مِن هذه المعر’كة منهز’مين، نظر “نـصر” في أ’ثرهما نظرةٍ حا’دة قليلًا ليشعر بكـ ـف “لؤي” يوضع على كتفه مشـ ـددًا مِن قبـ ـضته قليلًا ليستفيق مِن دو’امته تلك على لمـ ـسة كفه ليلتفت برأسه ينظر إلى “لؤي” الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_تعالى خمسة عايزك.
نظر “نـصر” إلى زوجته “نـسرين” لثوانٍ معدودة ثم تركها وذهب مع “لؤي” بعيدًا عن مر’ماها ليقف أمامه قائلًا بنبرةٍ هادئة:
_بُص يا “نـصر” أنا مقد’ر الحا’لة اللي أنتَ فيها دي كويس وعارف إنك جيت على نفسك وأتحمـ ـلت كتير بس فوقت زي دا مش عايز القسو’ة دي، أنا بصراحة أتصد’مت مِن كلامك ومتو’قعتش إنها تطـ ـلع مبتـ ـخلفش بصراحة بس هي دلوقتي مش عايزة القسو’ة دي خليك جنبها وأحتو’يها أنا عملت نفس الكلام دا مع “فاطمة” ونوعًا ما أتقبلت الوضع شوية، جه دورك أنتَ تعمل نفس الشيء ومتهـ ـددهاش بالطلا’ق أوعى تسـ ـيبها فوقت زي دا كلنا بنغـ ـلط وغـ ـلط عن غـ ـلط بيفر’ق أنا عارف بس مش دا التوقيت الصح للكلام دا، مطـ ـلقهاش يا “نـصر” وتحسسني بالذ’نب إني كُنْت السـ ـبب فالطلا’ق دا، صوم ٣ أيام عشان الطلا’ق مش هيتم وحاول تسـ ـحبها مِن تأ’ثير مرات عمها عشان السـ ـت دي مش كويسة.
حرك “نـصر” رأسه برفقٍ بعد أن فكر قليلًا في حديث “لؤي” ليبتـ ـلع غصته بتروٍ وينظر إلى “نـسرين” ليشفـ ـق على حالها فمهما حد’ث ففي الأخير بدا’خلهِ ذاك المُحب الذي يُحا’رب ذاك العنـ ـيد كي يستو’لي عليه ويظهر إليها، وقبل أن يتحرك أوقفه حديث “لؤي” الذي قال بنبرةٍ هادئة:
_قبل ما تروح، أنا مش زعلا’ن على اللي حصـ ـل مِنها هي فالآخر تحـ ـت تأ’ثير السـ ـت الشيطا’نة دي دورك تاخدها تحت جنا’حك وتبعـ ـدها عنها بأي طريقة.
حرك “نـصر” رأسه برفقٍ ثم تركه وذهب بعد أن ودعه بقوله:
_متنز’علش وقول لـ “فاطمة” متز’علش مِنها، كل حاجة هتتحل إن شاء الله أنا نا’وي أخدها وأمشي وفالببت هتكلم مِنها بهدوء وهسمع كلامك جايز ربنا يهديها وتسمع الكلام.
أبتسم “لؤي” لهُ ثم تركه وذهب بعد أن أدىٰ مهـ ـمته وقام بإر’ضاء نفسه الو’قحة كما أعتاد، فيما نظر “نـصر” إلى زوجته “نـسرين” ثم أقترب مِنها بخطى هادئة ثم حاوط ذراعيها برفقٍ وقال بنبرةٍ هادئة:
_قومي يا “نـسرين” معايا يلا، أجهزي عشان نرجع بيتنا.
نهضت “نـسرين” بالفعل وكأنها إنسانٌ آ’لي يتحرك حينما يتلقى الأ’مر مِن صاحبهِ، فحديثه مازال عا’لقًا في أذنيها؛ تحركت بخطى هادئة للغاية تنظر في الفر’اغ والدمع يترقرق في المُقل والهدوء يسـ ـكنها، فيما كان هو ينظر إليها بهدوءٍ دون أن يتحدث.
_______________________
<“أنتظر الحبيب حبيبه لعله يحضر،
وحينما حضر كانت عينيه تلو’مني.”>
أنتظر الحبيب حبيبه على أملٍ أن يأتي..
ولَكِنّ هل كان اللقاء بينهما سيكون مؤ’لمًا لهذه الدرجة؟ هكذا فكر هذا الطر’ف وهكذا توَّ’قع الطر’ف الآخر وبينهما كانت القلوب تصر’خ شو’قًا؛ وها هو اللقاء يؤ’لم كما توَّ’قع الطر’فين..
صف “جـاد” سيارته أسفـ ـل بِنْاية ابن عمه ومِن ثم ترجل مِن سيارته وقام بإغلا’قها ثم صعد إلى الطابق المنشو’د داعيًا المولى عز وجل أن لا يلقاها مهما حد’ث، فيما كانت “كايلا” تقف بجوار شقيقتها في المطبخ تقوم بإعداد الطعام بهدوءٍ لتسمع صوت شقيقتها تقول بنبرةٍ هادئة حينما جاءها صوت بكاء صغيرتها:
_”كايلا” خلّي بالك لحد ما أشوف “لين” وأرجعلك.
تركتها وخرجت كي ترى أبنتها الصغيرة التي كانت مستلقية على فراشها الصغير تبكي لتقوم بحـ ـملها برفقٍ والتربيت على ظهرها بحنوٍ قائلة:
_مالك يا حبيبي بتعيطي ليه بس مين زعلك.
أنهـ ـت حديثها ثم لثمت وجنتها الصغيرة بحنوٍ وبدأت تقوم بتهـ ـدأتها، بينما كانت “كايلا” تقف في المطبخ تقوم بإعداد الطعام بهدوءٍ وهي تتذكر زوج شقيقتها حينما قام بمحادثته وأخبره أن يأتي إليهِ، لا تعلم إيلاما يُخـ ـطط ولَكِنّ حينما تذكرت أنه سيكون هنا في أيا لحظة د’ق قلبها بسر’عةٍ كبيرة؛ وضعت يدها على مو’ضع قلبها تحاول تهـ ـدأته لتسمع رنين جرس المنزل يعـ ـلو في الخارج، نظرت إلى الخارج لتسمع شقيقتها تقول بنبرةٍ عا’لية مِن الخارج:
_أفتـ ـحي الباب يا “كايلا” أنا مشغولة بـ “لين” !!.
أبتلـ ـعت “كايلا” غصتها بتروٍ ثم قام بتهـ ـدأة النير’ان على الطعام ثم خرجت متجـ ـهة إلى الباب الذي كان يقبع بجوار المطبخ لتقوم بفـ ـتحه دون أن تسأل عن الطارق ليتصـ ـلب جسـ ـدها مكانه فجأةً وتجحـ ـظ عينيها قليلًا ويبدأ قلبها بالنبـ ـض بعنـ ـفٍ بداخل قفـ ـصها الصد’ري حينما رأته أمامها، صدق شعورها الذي راو’دها منذ صبيحة اليوم الآن وهي تراه أمامها ينظر إليها بهدوءٍ شـ ـديد..
كان يقف مكانه ينظر إليها حينما فُتِـ ـحَ الباب مِن قِبَلها يتأملها والقلب يصر’خ شو’قًا لحبيبٍ أفتقـ ـده فجأةً بين الجميع دون سابق إنذ’ار، الأعين فا’ضحة وبشـ ـدة وتكشـ ـف عن المخبو’ء بداخل المرء حتى وإن لَم يتحدث وقد رأت في عينيه الشو’ق لها والحُب الذي مازال محفوظًا بداخلها والحز’ن على ما أقترفتهُ في حـ ـقه، وعنها فلَم تكُن أقل مِنهُ فقد كانت تتأ’لم مثله تمامًا تنتظر اللحظة التي سيأتي بها كي تُتيح إليها الفرصة لمحاولة التحدث معهُ وإيضاح الحـ ـقيقة إليهِ بشكلٍ كامل حتى لا تظل في هذه الخا’نة التي لا تليقُ بها..
تداركت نفسها ولذلك أبتعدت عن مر’مى طريقه تنظر بعيـ ـدًا دون أن تتحدث، فيما ولج هو بهدوءٍ دون أن يتحدث ينظر حوله يبحث عن ابن عمه الذي كان في الخارج، نظرت إليهِ “كايلا” دون أن تتحدث وهي تراه يتجا’هلها وكأنه لا يراها؛ رأت القسو’ة والجمو’د في تعامله معها بدون أيا أسبا’ب وهذا ما جعل قلبها يؤ’لمها وبشـ ـدة، ترقرق الدمع في المُقل ولَم تستـ ـطع تحـ ـمُل هذه المعاملة وهذا التجا’هل لتتركه وتولج إلى المطبخ وهي تجاهـ ـد نفسها حتى لا تبكي..
فيما كان هو يقف مكانه ويشعر بها وهو في الأساس يتأ’لم لتعامله معها بهذه الطريقة ولَكِنّ ماذا عليهِ أن يفعل فما باليد حيـ ـلة؛ وقفت هي في المطبخ تبكي بعد أن فقـ ـدت السيطـ ـرة في تما’لُك نفسها أكثر مِن ذلك فهي في النها’ية قد أحبته..
بعد مرور القليل مِن الوقت..
ولج “يـوسف” مِن الخارج وأغـ ـلق الباب خلفه ليقول بنبرةٍ هادئة وهو ينظر إليهم:
_مساء الخير، جيت أمتى ياض؟.
هكذا سأله “يـوسف” بعد أن رآه أمامه يجلس معهم ليأتيه قول “جـاد” الهادئ:
_بقالي رُبع ساعة مستني جنابك تحـ ـن عليا.
أبتسم “يـوسف” لهُ ثم لمـ ـح “كايلا” تجلس بعيـ ـدًا عنهم ليقوم بتوجيه الحديث إليها حينما قال:
_”كايلا”.
نظرت إليهِ بهدوءٍ دون أن تتحدث ونظروا هم كذلك لهُ ليأتي قوله الهادئ حينما أبتسم لها وهو ينظر إلى “جـاد” بطر’ف عينه:
_العريس أتر’فض، “أكرم” كلم أبوه وقاله مفيش نصيـ ـب وإنك مش مرتا’حة.
رأى تقا’سيم وجه الآخر قد تبدلت تمامًا حينما تلـ ـقى هذا الخبـ ـر وقد تفا’جئ كثيرًا حينما تلقى هذا الحديث الذي بالطبع أسعد قـ ـلبه وبشـ ـدة ولَكِنّ لَم يُبدي أي رد فعـ ـل، أبتسم “يـوسف” حينما رأى ذلك ليقول بنبرةٍ هادئة:
_الأكل يا جدعان، أصل أنا مبسوط وجعان أوي.
رأى ابن عمه يُد’اري وجهه وهو يكتـ ـم ضحكاته وبسمته التي لَم يستطع إخفا’ءها، أقترب مِنهُ “يـوسف” بخطى هادئة بعد أن تركتهما زوجته التي قد لمحـ ـته بطر’ف عينها مبتسمة الوجه وقد لَحِـ ـقَت بها “كايلا” التي توقفت على أعتا’ب المطبخ تنظر إليهِ لتراه ينظر إلى ابن عمه بوجهٍ مبتسم والسعادة بادية على تقا’سيم وجهه لا يُصدق ما سمعه لتجد نفسها تبكي بدون أن تشعر بنفسها لتشعر بكف شقيقتها التي سحـ ـبتها إلى الداخل وهي تعانقها مربتةً على ظهرها برفقٍ..
وبعد مرور القليل مِن الوقت.
كانوا يلتفون حول مائدة الطعام يتحدثون في أمورٍ عديدة والضحكات نا’بعةً مِن القـ ـلب حتى صدح رنين هاتف “كايلا” عا’ليًا يُعلنها عن أتصالٍ هاتفي مِن أخيها “بـشير”، وقبل أن تأخذه كي تُجيب رأت نظرات “جـاد” مصوَّ’بة تجاه شاشة الهاتف يُحاول معرفة مَن يقوم بمهاتفتها أسفـ ـل نظرات “يـوسف” الذي لمحه بطر’ف عينه وكذلك “بيلا” التي كانت تجلس بجوار شقيقتها..
قام بد’هس قدمه أسفـ ـل الطاولة برفقٍ وهو ينظر إليهِ لير’فع “جـاد” بصره ينظر إليهِ ليقول بنبرةٍ خا’فتة بعدما أجابت “كايلا” على أخيها:
_إيه؟ عايز أعرف مين بيكلمها، مش خطيبتي؟.
_نعم يا حيـ ـلتها؟ هو لسه حصـ ـل حاجة عشان تعتبرها خطيبتك مش لمَ تكلم أخواتها وتتفقوا والموضوع يتم؟.
هكذا جاوبه “يـوسف” بنبرةٍ خا’فتة ليأتي الرد حاضرًا مِن “جـاد” الذي قال:
_خطيبتي بكيفي خلاص هي تر’بست فد’ماغ أهلي سواء بقى وافقتوا أو لا حاجة متخصـ ـنيش وبعدين مين قالك إني هخطب أنا هكتب على طول يا سلام ييجي واحد تاني عايز يتقدملها وأنا موجود لا وعلى إيه كل دا نكتب والخير فيما أختاره الله لنا.
صُدِ’مَ “يـوسف” مِن حديث ابن عمه الذي بالتأكيد قد جُـ ـن جـ ـنونه لا شـ ـك في ذلك، أغـ ـلقت “كايلا” المكالمة وعادت تتناول طعامها بهدوءٍ وهي تحاول تجنب النظر إلى “جـاد” الذي كان يجلس في مواجهتها مباشرةً تراه ينظر إليها بين الفينة والأخرىٰ وقد رأت تغيره بعدما تلقى خبـ ـر عد’م إكمال تلك الخطبة، لحظات وتحدث “جـاد” بنبرةٍ هادئة وهو يسأل قائلًا:
_حلوة أوي الفاصوليا دي، مين الجا’مدة اللي نفسها حلو أوي كدا فالأكل.
تجمـ ـد جسـ ـد “كايلا” حينما استمعت إلى حديثه فلا غيرها مَن قام بطبخها ولذلك نظرت إلى شقيقتها التي نظرت إليها كذلك بطر’ف عينها مبتسمة الوجه لتجاوبه بنبرةٍ هادئة بعد أن نظرت لهُ بوجهٍ مبتسم:
_”كايلا” اللي عملاها، “يـوسف” داقها مرة مِن ايديها وعجبته فكل ما نيجي نعمل الفاصوليا الخضـ ـرا لازم يخليها تيجي تعملها دي الحاجة الوحيدة اللي حطـ ـت عليا فيها إنما الباقي متقد’رش.
نظر حينها “جـاد” إلى “كايلا” التي شعرت بالخجـ ـل مِن مقصده حينما أستفسر عن الفا’عل لتشعر بهِ الآن ير’ميها بنظراتٍ أخرىٰ لربما سعيدة؛ ولربما فخورة، ولربما ما’كرة، لا تعلم ولَكِنّ هكذا شعرت وفي الأخير قررت تجا’هله وعادت تُكمل تناول طعامها بهدوءٍ، فيما نظر “يـوسف” إلى زوجته بوجهٍ مبتسم بعد أن ومض بجـ ـفنه الأ’يسر لها، وصلته رسالة على التطبيق الشهير _واتساب_ لينظر لها يراها مِن صديقه “سـراج” يُطالبه فيها بالمجيء كما أتفقوا.
_______________________
<“عاد لهم غَـوثِهِمْ مِن جديد،
وأُقيمت حينها الأفراح.”>
لَم يُخـ ـطئوا حينما لقبوه بـ “الغوث”..
هو كان بالفعل غَـوثِهِمْ؛ الحبيب الطيب صاحب الأ’ثر الجميل، عاد إليهم وعادت الفرحة والسعادة تزور بيتهم وقلوبهم، وبالتأكيد سيعود لهم حـ ـقهم..
كانوا جميعهم يجتمعون في مكانهم المعتاد بعد أن أنضم إليهم “يـوسف” الذي ترك ابن عمه وذهب ويتبادلون أطر’اف الحديث وكيف سيقومون بإخراج “رمـزي” فحتى الآن لا جديد قد جاءهم بشأن هذا الموضوع الذي كان يز’عجهم كثيرًا، الإجتماع كان ينقـ ـصهُ فردًا واحدًا فقط هذه المرة وهذا الفرد كان مفتاح جميع مشاكلهم وأحزانهم، اليوم هم بالفعـ ـل يفتقدون إليه وبشـ ـدة..
كان يسير بخطى هادئة متحا’ملًا على نفسه فقد بَلَـ ـغَ شو’قه إليهم الحد’ود، حينما رآه الجميع تهـ ـللت أساريرهم بالسعادة والفرحة وبدأوا يُعانقونه ويُباركون لهُ بسعادةٍ كبيـ ـرة والبسمة ترتسم على وجوه الجميع سواء كان الكبير أو الصغير فهو محبوبٌ مِن الجميع وقد سعدوا كثيرًا حينما عاد إلى الحارة التي كانت بدونه مظـ ـلمة وكـ ـئيبة، أكمل سيره حتى وصل إليهم وقد د’فع الباب برفقٍ وهو ينظر إليهم مُـ ـلقيًا عليهم تحية السلام بوجهٍ مبتسم قائلًا:
_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحشتوني يا حبايب قلبي.
أصا’بتهم الصد’مة جميعهم بدون أستثناء حينما جاءهم صوته مِن على أعتا’ب الباب لينظروا جميعهم خلـ ـفهم حيثُ موضع وقوفه ليرونه ينظر إليهم بوجهٍ مبتسم والدمع يترقرق في المُقل والحز’نُ باديًا على تقا’سيم وجهه، تعا’لت نبـ ـضات القلو’ب وحُبِـ ـسَتْ الأنفا’س وما بين الشتا’تين تسا’قطت العبرات وصر’خت الأعين شو’قًا وحُبًا إليهِ فبمجيئه كانت كمجيئة أول ليلة عيد بالنسبةِ إليهم..
_أقسم بالله وحشتوني، اللي هيحضن يحضن براحة عشان أنا أقسم بالله جسـ ـمي عايز إعادة تر’ميم تاني.
مازحهم “رمـزي” بحديثه ليكون أول المقتربين “سـراج” الذي ضمه إلى د’فئ أحضانه برفقٍ بعدما لمح الجر’وح والكد’ما’ت على وجهه وكفيه حتى عـ ـنقه لَم تسلـ ـم مِن التعذ’يب، حاوطه كذلك “رمـزي” بذراعيه يستشعر د’فئ هذا العناق الأخوي الذي أفتقـ ـده كثيرًا، مسّد “سـراج” على ظهر رفيقه برفقٍ شـ ـديد وقال بنبرةٍ مهـ ـزوزة ومتأ’ثرة:
_وحشتني يا “رمـزي”، وحشتنا كلنا يا صاحبي، حمدلله على سلامتك يا حبيبي وجـ ـعت قلوبنا كلنا عليك، كُنْا هنتـ ـجنن أقسم بالله عليك، قلوبنا كانت و’جعانا عليك.
ربت “رمـزي” على ظهره برفقٍ وحاول تما’لُك نفسه قائلًا:
_لو تعرفوا حصـ ـل فيا إيه، مش هتصدقوني.
تحدث “سـراج” بنبرةٍ مكتو’مة وهو يكبـ ـح عبراته دا’خل مُقلتيه قائلًا:
_باين يا صاحبي، مش محتاج تتكلم كل حاجة واضحة.
أنهـ ـى حديثه ثم أبتعـ ـد عنهُ وهو ينظر إليهِ والدمع يترقرق في المُقل ليبتسم إليهِ “رمـزي” في المقابل دون أن يتحدث فلَم يجد شيئًا يقوله إليهم بالتأكيد فحا’له يشر’ح كل شيءٍ إليهم الآن، أقترب “حـسن” مِنهُ بخطى هادئة أسـ ـفل نظرات الجميع ليقوم بمعانقته كذلك دون أن يتحدث بحرفٍ واحدٍ وهو يعلم تمام العلم ما يريد صديقه أن يقوله ولَكِنّ كونه عا’جزًا يمـ ـنعه مِن قول ما حد’ث فهو يعلم جيدًا أن ما رآه أشبه بالكابو’س الأسو’د..
تقدم “مُـنصف” الذي ضمه إلى أحضانه دون أن يتحدث كذلك فصد’متهم كانت مسيـ ـطرةً عليهم بكل تأكيد ولَم يتو’قعوا مجيئه حتى حينما ظهر لَم يتحدث أحدهم بعـ ـلو صوته يُعلم الحارة وساكنيها عن عودته، أقترب “لؤي” مِنهُ مبتسم الوجه ليقف أمامه قائلًا بنبرةٍ هادئة ممازحًا إياه وهو ينظر لهُ:
_عيـ ـشت وشوفتك متشلـ ـفط يا ابن “إبراهيم”، عودة حميدة يا حبيبي ليك شو’قة.
أنهـ ـى حديثه تزامنًا مع ضمه إلى د’فئ أحضانه برفقٍ كي لا يؤ’لمه ليأتي قول “رمـزي” الهادئ مجيبًا إياه:
_وأديك شوفتني يا “لؤي”، محدش أحسن مِن حد.
_منتمنا’ش الأ’ذىٰ ليك يا حبيبي مهما حصـ ـل حتى لو كان هزار، أنتَ أخونا وجزء مِن شـ ـلتنا ويشهد ربنا إحنا كُنا عاملين أزاي مِن غيرك حتى إن “يـوسف” كلم صاحبه الظا’بط دا اللي أسمه “ليل” وو’صاه متبيـ ـتش ليلة واحدة جوه رغم إن دا كان مستحـ ـيل أصلًا بس قد’ر ومكتوب والحمد لله إنك رجعتلنا بالسلامة.
هكذا جاوبه “لؤي” بصد’قٍ تام بعد أن أبتعـ ـد عنهُ ليبتسم إليهِ “رمـزي” ثم ربت برفقٍ على كتفه وقال بنبرةٍ هادئة والحز’ن يُغلـ ـف عينيه:
_عارف يا صاحبي، عارف كل حاجة الأخبا’ر كانت بتوصلني، أهـ ـم حاجة إني لقيتكم كويسين ومتجمعين سوى زي ما أتعودت أشوفكم مع بعض لو كُنْت ملقيتش المنظر دا كُنْت هز’عل أوي بجد.
أبتسموا جميعهم وربتوا برفقٍ على كتفيه دون أن يتحدث أحدهم لينظر “رمـزي” إلى صديقه الحبيب والعزيز الذي برغم مشا’غل الحياة لَم يُخلـ ـف بوعده إليهِ وأهتم بزوجته ووالدته وقدم اللاز’م إليهما وسارع في إخراج أوراق و’لده وفعل اللا’زم إليهِ، هذا الذي حينما يضع كامل ثقـ ـته بهِ لا يخو’نها مهما كلفه الأمر، أقترب مِنهُ “يـوسف” بخطى هادئة وهو يكا’فح لكبـ ـح عبراته بداخل مُقلتيه بعدما رأى العذ’اب الذي رآه صديقه باديًا على جسـ ـده ليقوم بمعانقته دون أن يتحدث مشـ ـددًا برفقٍ مِن عناقهِ إليهِ..
فيما ضمه كذلك “رمـزي” وهُنا سقـ ـطت عبراته على صفحة وجهه بعدما كا’فح لإخفا’ءها عنهم ولَكِنّ لَم يستـ ـطع بكل تأكيد ففي الأخير هو إنسانٌ ويمـ ـلُك المشاعر؛ تحدث في هذه اللحظة “يـوسف” الذي كان يضع رأسه على كتفه قائلًا بنبرةٍ مضطـ ـربة:
_حـ ـقك عليا يا صاحبي، حـ ـقك على راسي إني سيـ ـبتك جوه كل دا لوحدك ومعملتش حاجة، بس أنا أقسم بالله حاولت كتير أوي أخرجك وحا’ربت وسعـ ـيت بس الوضع كان صـ ـعب، حـ ـقك عليا.
أبتسم “رمـزي” والعبرات تلتـ ـمع في مُقلتيه ليقول بنبرةٍ هادئة وهو ينظر بعـ ـيدًا:
_متعتذرش يا “يـوسف” على حاجة أنتَ ملكش ذ’نب فيها، أنا عارف كويس إنكم حاولتوا تعملوا اللي عليكم ومظبططش معاكم، وأنا كدا كدا أول ما دخلت الحبـ ـس سـ ـلمت أمري لربنا، هو وحده قا’در على كل شيء كُنْت ضـ ـعيف وقليل الحـ ـيلة، بس سـ ـعيت وحا’ربت، حا’ربتهم عشان كانوا بيسـ ـعوا ياخدوا أعتر’افي على حاجة أنا معملتهاش، خدوني بس عشان مر’بي د’قني وفكروني بنشـ ـر منهج أهل السُـ ـنة، ميعرفوش إني زيي زيهم، عبـ ـدٌ فقـ ـيرٌ إلى الله بيسـ ـعىٰ عشان يو’عي الشبا’ب الصغير ويلحـ ـق واحد بر’يء معـ ـمي بهمـ ـسات الشيطا’ن..
أبتعـ ـد عنهُ “يـوسف” قليلًا وهو ينظر إليهِ بعينين دامعتين ليراه يكا’فح نفسه للصمو’د أكبر وقت ممكن وهو يُكمل حديثه بو’تيرةٍ مهتـ ـزة قائلًا:
_فكروني أرها’بي كالمعتاد، مكانتش أول مرة أدخل أ’من د’ولة أنا مِن زمان بتاخـ ـد سواء هنا أو بره، مِن سنين وأنا كل شوية هناك باخد اللي فيه النصيب وأخرج لا حول بيا ولا قوة، بد’اوي جرو’ح جسـ ـمي عشان أعرف أعـ ـيش وياما كتير قالولي شـ ـيل د’قنك عشان هتد’فنك قريب فأقرب تر’بة وأنا اللي كُنْت بعا’ند معاهم وأقولهم لا مش هشـ ـيلها، أنا مبعملش حاجة غـ ـلط، أنا را’جل مسـ ـلم سُنـ ـي عر’بي مش مجر’م ولا أرها’بي ولا بسـ ـعىٰ لنشـ ـر الفسا’د بالعكـ ـس، بس محدش كان قا’در يفهم الكلام دا لحد ما خطبت “تـسنيم”، وقتها بدأت أرا’جع نفسي تاني وفجأة لقيت نفسي بشـ ـيلها لوحدي لمدة سنة كاملة … كُنْت عارفها مِن زمان فعشان كدا قعدنا كام شهر وأتجوزنا لاحظت إن محدش بلـ ـغ عنّي زي ما كان بيحـ ـصل فالأول ووقتها أستغربت معقول الد’قن كانت مشـ ـكلة؟!.
كانوا جميعهم يستمعون إليهِ بكل هدوء وهم يعلمون جيدًا أنه ممـ ـتلئٌ بالند’وب يحتاج لإخر’اج كل تلك الهمو’م كي ير’تاح ويمضي قُدُمًا مِن جديد، فيما أكمل هو حديثه قائلًا:
_قعدت فترة طو’يلة مِن غيرها كُنْت عامل حسا’ب أهل بيتي وإني دلوقتي را’جل و’حيد على أتنين ستا’ت ملهو’مش غيري، بس بعدين لمَ قررت مكملش بره وأرجع بلدي رجع صوت جو’ايا يقولي ر’بيها متسمعش كلام حد أنتَ مش مذ’نب ولا بتعمل حاجة عـ ـيب ولا حر’ام هما اللي مش قادرين يفهموا أنتَ صح والعالم كله غـ ـلط، ساعتها فعلًا رجعت ربيتها تاني وأُمّي أضا’يقت أوي وساعتها أتخا’نقنا مع بعض، اللي نصفتني ساعتها كانت “تـسنيم” كُنْت عايز اللي يكون عارف إني مبعملش حاجة تستا’هل كل دا، بس محصـ ـلش أي حاجة لمدة سنة وشوية كله أتطمـ ـن وخلاص الدنيا بقت كويسة، لحد المرة دي بس، كانت فمنتهى القسو’ة ومش هينفـ ـع أتكلم وأشتـ ـكي عشان مش هكون حِمـ ـل تقطـ ـيم مِن أي حد.
كانوا يتفهمون شعوره وآلا’مه جيدًا، يعلمون أنهُ شخصٌ بر’يءٌ مِن د’اخله وحنونًا على الجميع وشا’بٌ قد’وة لغيره مِن الشبا’ب فمِن المفترض أن يكون قد’وةٌ ومثالٌ حـ ـي لكثيرٍ مِن الشبا’ب الصغار ولَكِنّ بدلًا مِن ذلك قاموا بد’فنهِ حيًـ ـا ودهـ ـسوا عليهِ بأقدا’مهم، قاموا جميعهم بموا’ساته ومدا’واة جرو’حه الغا’ئرة ليأتي قول “يـوسف” حاضرًا حينما قال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_كلنا فضـ ـهرك ومعاك يا صاحبي، ولو كان دا حصـ ـل بفعـ ـل فا’عل زي ما قال “حُـذيفة” يمين بالله لأز’فه فالحارة دي ز’ف ما هخلي فيه عيـ ـن يتجـ ـرأ وييجي هنا، أخوك لو قال كلمة يبقى هينفـ ـذها حتى لو على جـ ـثته … وعهـ ـد الله لأخليه عِـ ـبرة وقدام كل أهل الحارة، صوتك وأنتَ بتر’فع الأذان وحشني أوي يا خويا.
أنهـ ـى “يـوسف” حديثه مبتسم الوجه ليرى بسمة صديقه الحبيب قد عادت تُنيـ ـر وجهه مِن جديد وهو يُز’يل عبراته مِن على صفحة وجهه ليرى “لؤي” هو مَن يتو’لى هذا الأمر حينما قام بإزا’لة عبراته برفقٍ مِن على صفحة وجهه ومِن على عينيه قائلًا:
_”يـوسف” عنده حـ ـق واللهِ وحشنا أوي صوتك الحلو دا، طب أقولك على حاجة أول مرة ألاحظها فيا.
هكذا أخبره “لؤي” بنبرةٍ هادئة ليرى الموافقة مِن قِبَل “رمـزي” الذي حرك رأسه برفقٍ لهُ منتظرًا سماع حديثه الذي لَم يبخـ ـل بهِ عليهِ حينما قال مبتسم الوجه:
_أنا أكتشـ ـفت إني مبر’تحش غير لصوتك يا سي “رمـزي”، تعرف لو ما كُنْتش را’جل كُنْت بقيت زوجة تانية عادي جدًا مفيش و’احدة تقولك لا يا شيخ “رمـزي” مش كدا ولا إيه يا رجا’لة؟.
تعا’لت الضحكات تشـ ـق سكون المكان وتُغـ ـطي على صوت الحز’ن والأ’لم حينما مازح “لؤي” “رمـزي” الذي ضحك مِن صـ ـميم قلبه على حديث صديقه الذي بدأ يمازحه متخا’بثًا ويقوم بإغـ ـراءه وهو يقوم بإسقا’ط الجزء الأ’يمن مِن سترته الشتوية البُنـ ـية قائلًا:
_جرى إيه يا شيخي شيطا’نك مش هيو’زك مرة ولا إيه نظامك؟ هنمرح مع بعض شوية لا مِن شاف ولا مِن دري.
أز’دادت ضحكات “رمـزي” الذي أبتعـ ـد عنهُ ليجاور “مُـنصف” الذي قال بكل جر’اءة:
_أنا مِن زمان بقولك يا “يـوسف” أنا مش مر’تاح للو’اد دا مصدقتنيش، طلـ ـع بيستد’رج شيخ جامع عد’يم الر’باية.
ضحك “يـوسف” وهو ينظر إلى “لؤي” الذي أقترب مِن “مُـنصف” بخطى هادئة وهو ير’ميه بنظراتٍ خبـ ـيثة أسفـ ـل نظرات الآخر الذي تر’قب فعله؛ توقف “لؤي” بجوار “مُـنصف” على الجهة اليُسـ ـرى ليقول بنبرةٍ خـ ـبيثة:
_مش هتيجي يا “مُـنصف”؟ فرصة مبتجيش غير مرة واحدة فكر شوية قبل ما تتسر’ع.
_يا أخي شوف أقسم بالله ما غـ ـلطت حتى موقع وقوفه شـ ـمال حسبي الله ونعم الوكيل.
ضحك “لؤي” هذه المرة مبتعـ ـدًا عنهُ بعد أن رآه يتحدث بأسلوبٍ مضحك لَم يقدر هو حينها على تما’لُك نفسه حتى بدأ يسعُـ ـل ليأخذ “حـسن” زجاجة المياه كي يُعطيها لهُ ليمنـ ـعه صوت “مُـنصف” الذي قال بنبرةٍ با’ردة:
_سيبه سيبه متديهوش ميَّه خليه كدا … أدي آخرة الحر’ام.
أزد’ادت ضحكاتهم وهم يشاهدون “لؤي” الذي أصبح لا يستـ ـطيع التوقف وأخذ أنفا’سه ليقوم بإلقا’ء وسادة عليهِ ليتفاداها الأخر الذي قام بإمساكها قائلًا:
_خلاص أدوه ميَّه بدل ما يمو’ت عنده عيال عايزة تتر’بى برضوا حر’ام، لولاهم كُنْت سيبتك عادي يا “لؤي”.
أخذ “لؤي” بالفعل زجا’جة المياه وأرتشف نصفها ثم تركها ونظر إليهم بعينين دامعتين مبتسم الوجه ليأتي قول “مُـنصف” الذي قال بنبرةٍ با’ردة:
_أظبـ ـط بدل ما تفطـ ـس المرة الجاية ربنا سترها معاك التانية مش هتعدي.
_طول عمرك د’بش، أبو معرفتك يا عم واللهِ كانت معرفة هبا’ب.
هكذا رد عليهِ “لؤي” لينظر لهُ الآخر قائلًا:
_مش هتيجي حاجة جنب معرفتك السو’دة، منظر زي دا يخلي البني أدمين اللي بره دول يفهمونا غـ ـلط منك لله.
_وأنا مالي ومال الناس؟ حبيبي لو عملت أعتبار للناس مش هتهر’ب عيـ ـش بكيفك أحسن ما تعيـ ـشها بكيف البني أدمين وتمو’ت.
نظر “يـوسف” إلى “رمـزي” الذي أشار إليهِ أنه سيخرج بعد أن شعر ببعض الأ’لم ليقترب مِنهُ بخطى هادئة يقوم بمسا’ندته برفقة “سـراج” الذي كان أول الدا’عمين إليهِ ليقول بنبرةٍ هادئة:
_تعالى يا “رمـزي” شكلك تـ ـعبان، تعالى على مهـ ـلك.
أخذوه بالفعل وخرجوا جميعهم مِن المكان ليقوم “حـسن” بإغلا’قه جيدًا واللحاق بهم، كانا يُسا’ندانه ويسيران بخطى هادئة؛ في هذه اللحظة كان “فـتوح” يقوم بنثـ ـر الماء على الأرض أمام محله ليرى “رمـزي” أمامه رفقة أصدقائه يسير والتعـ ـب باديًا على تقا’سيم وجهه لتنتا’به الصد’مة الكبيرة حينما رآه قد خرج مِن معتـ ـقله وعاد إلى الحارة مرةٍ أخرىٰ ليسقـ ـط الإناء البلاستيكي مِن يده مِن هول الصد’مة مر’تطمًا بالأرض ليُصدر صوتٌ عا’لي بعض الشيء جعلهم ينتـ ـبهون إليهِ..
نظر إليهِ “يـوسف” نظرةٍ حا’دة كنظرات الذ’ئب المفتر’س الجا’ئع الذي يبحث عن فر’يسته التي في الأساس هي أمامه يرى الصد’مةُ باديةٌ على تقا’سيم وجهه ليبدأ الشـ ـك يراو’ضهُ في أن يكون هو الفا’عل الوحيد فلا غيره يسـ ـعىٰ لتد’ميرهم بأي طريقة، كانوا جميعهم متعجبون مِن ردة فعـ ـل “فـتوح” عدى “يـوسف” الذي تأكد مئة بالمئة أن الفا’عل الوحيد في كل ذلك كان “فـتوح”.
_”لا تأ’من لبرا’ءة الوجه وإن كان محبوبًا،
فلا تعلم أيُ الوجوه يكون خلفه مصيـ ـرك.”
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية جعفر البلطجي ) اسم الرواية