Ads by Google X

رواية آصرة العزايزه الفصل الثلاثون و الاخير 30 - بقلم نهال مصطفى

الصفحة الرئيسية

 رواية آصرة العزايزه الفصل الثلاثون و الاخير 30 - بقلم نهال مصطفى 

🌻🖇️ الآصرة الثلاثون 🖇️🌻

أحيا على أملٍ أن يأتي الغد الذي ستكبر فيه زهرة عبّاد الشّمس ‏وتدير رأسها الأصفر الصغير في كلِّ الاتجاهات ‏ذاهلة باحثة عن مصدرٍ ما يمدها بالحياة ، خائفة ، مُشتتة 
فثَمّة وجه أكثر من الشمس !!
‏وعندما لا تجد خيارًا أو ملاذًا ‏ستلقي بنفسها تحت ظلال شمسك ، والأحرى بين يديك ‏لتهدأ ، تأمن ، تغفو  ، مثل ما فعلها قلبي معكَ تمامًا  ..

*عنوان الفصل : 
(شمس الحُب لا تنطفئ أبدًا) 🌻
••••••••••••

" قبـل سـاعـة ممـا حدث "

وصل كلٌ من هاشم ونغم لإحدى محلات الصاغـة بمركـز "قنـا" خلال مسافة من الصمت مقدرة بمقدار الطريق .. صف سيارته وبدون التطلع إليها بل كانت عينيه وفكره مُشتتان حول مكالمته الجافة مع رغد التي صفعته بقـلم الرفض ، بعد ما مرت الليالي الخالية منها وأحس بقدرها بقلبـه وتأنيب ضميـره ولكن كيف غروره يسمح لها أن ترفضه ، ألم تكن تنتظره كعادتها ، ألم تكن دومًا ذراعيها مفتوحين لاستقباله !! بل على الأحرى كيف لشخص مثله تربى على أخذ كُل شيء بهـواه يُرفض مثلما رفضته  ، تمـرد ، عاند ، دعس قلبه بكعب حذائه وأكمل في طريق عِناده الذي لا رجعه منه بدلًا من علاج الأمر .. زفـر و قال :

-انزلي هاتي الشبـكة اللي تعچبك خلينا نخلصـوا  . 

اندهشت من طلبـه وأسلوبه ، فجادلته:
-نخلصوا !! ما نفضوها سيرة من أصلوا ؟! بصراحة ربنا مش فاهماك ولا فاهمة راسك فيها أيه !! أنتَ حد چابرك عليّ .. 

سند كفـه على مقود السيارة وهو يتطلع الطريق أمامه :
-هاشم العزايزي محدش يِقدر يچبره على حاجة ..

-أومال أيه !! أصلو بطريقتك دي أنا اللي مش هكمل في الچوازة يا وِلد خالتي !! 

أخرج زفير حُرقته :
-انزلي اختاري شبكتـك يا نغم ..

تأرجحت عينيها باستغراب حول أمره :
-وأنت مش هتنزل !! هروح اشترى دبلة كيف لروحي ؟! هي دي الأصول ؟ 

زفر بامتعاض راسمًا على وجهه معالم الرضا متأهبًا للنزول معها :
-معاكي حـق يا ستي .

شد مفتاح سيارته وهبط منها وسبق خُطاها بخطوتين ، دخل محل الصاغة وجلس على المقعد الجلدي تاركًا أغراضه جنًبا وقال للصائغ  :

-عاوزين أحلى شبكة عِندك للعروسة .

طالعته :
-مش للدرچة دي ، هي دبلة وخلاص .

انغمست نغـم في اختيار دبلتـها بملل لمجرد شيء لامع يكسر شحـوب كفها الباهت وحياتها وانغمس هاشم في تفاصيـل شراء شبكته من قبـل مع رغد التي لم يفارق خُطاها خطوة .. مداعباته المستمرة في اختيار شبكتـها .. تذكر تفاصيـل يومهم عندما شد خاتمًا مميزًا وقدمه لها :

-ده هيبقى تحفة في يـدك .

رغد بخجل :
-هاشم كده كتير بجد كفايه .. هتدفع كتير وأنا مش عايزة أغرمك . 

-يا ستي غرميني وأغرمي في حُبي .. وأنا هتچوز كُل يـوم !! 
ثم وشوش لهـا بمداعبته الاعتيادية : 
-أنتِ هتبقي مراة هاشم العزايـزي ، يعني وجهتي برة وجوة ،الخاتم ده يلمعك بره ، وجوة بقا سبيه عليا .

فاق من شروده على صوت نغم التي اختارت أصغر دبلة بالمحـل بحجم أصبعها ثم نادت عليه باستسلام :

-أنا خلصت ؛ چبت دي !!

نظر في كفها فوجد حجم الدبلة بوزن خفيف للغايـة ، انعقد حاجبـه :
-دي بس !! 

-اه ، أهي تأدي الغرض وخلاص ، مبحبش ألبس دهب ..  

بدون جدال أخرج بطاقته البنكية وأعطاها للصائغ ليأخذ حسابه ثم لملم أشيائه وهو يسألها باحترام وتقديـر لهدوئها وقناعتها :

-متأكدة مش عاوزة حاچة تاني؟! 

هزت رأسها بالنـفي وسبقت خُطاه للسيـارة كي ينهي الحسابات مع الصائغ .. بعد القليل من الدقائق عاد هاشم حاملًا بيده دبلتـها بعلبة صغيـرة ، ففتح باب السيارة طالبًا يدها .. مدت له يمينها ليُلبسها الدبلة بنفسـه ثم قال قبل أن يطالعها:

-كتب كتابنا الجمعة الچاية عشان اجازتي مش طويلة .. اتفقت مع خالي وعمامك على كِده .

طالعتـه بحيرة حول أمره :
-عارفة ، قالولي .. 

ثم قفل باب السيارة وهو يُطعن بخنجر حبـه لرغد الذي بتر شرايين قلبـه التي كانت تمده بالحيـاة وعاد لمقعده ، فسألته :

-هقعد في البيت ولا هرچع معاك ؟! 

رد على سؤالها بجفاء :
-اظبط أموري وبعدين هاخدك ، آكيد مش متچوزك عشان اسيبك أنتِ في بلد وأنا في بلد . 

كاد أن يعيد قيادة سيارته فأوقفه سؤالها :
-أنتَ ليه غيرت رأيك ورچعت تُطلبني تاني !! في حاچة مش مريحاني عاوزة أفهمها !!

رد باختصار :
-وأنتِ لو مش مرتاحة وافقتي ليه !! 

انفجرت بوجهه تشكو همها الذي فاض مكياله من صدرها  :
-وافقت عشان زهقت من زينة وبيت خالي وحياتي الكئيبة يا هاشم ..  وافقت عشان تعبت من الوحدة ومن حيطان أوضتي اللي شققت من كُتر الدموع ، وافقت عشان عاوزة اسيب العزايزة وأمشي ومحدش يعرفلي طريق .. وافقت عشان مش قِدامي غيرك يخلصني من السجن اللي عايشة فيه !! 

سحب منديلًا وقدمه لها وهو يزفر بكلل ، بات حِمله حملين !! أيحزن على رغد التي أراد استبدالها بغيرها كي ينساها ويُرضي كبريائه !! أم نغم التي تبدو أمامه كمبني منهار يلزم ترميمه !! نغم التي تعامله كأنه طوق النجاة الآخيـر لحياتها البائسة !! أم يغتال عقله وقلبه اللذان خضعا تحت أهداب إمراة كان سيحارب الجميع لأجلها !! إمراة قُربها لا يحمل إلا الخسائر !! طرد كل أفكاره المشتتة بنفسٍ طويـل وأتبع مسار عقله الذي قاده لأعتاب ابنة خالـته " نغم " كي يبدأ معها حياة جديدة ، تاركًا رغـد على ذمته التي لم يهن عليه إطلاق سراحها من آسره .. أشعل سيجارة أخرى ، متكلمًا بالصعيدي :

-طب أنتِ أيه عيبكيكِ دِلوق !  

رمقته بعينيـها الحائرة وهي تُجففهما:
-خايفة !! جوازة أيه دي اللي بعد أيام وأنا وأنت منعرفوش بعض غير بالشكل ؟! حتى متربناش مع بعض زي ما زينة اتربت وسطيكم  عشان أعرف طباعـك !! حياتي كُلها كانت في الكُتب والمذاكرة وحياتك كلها كانت في الحربية ، كُنت اسمع عنك سمع !! 

ثم نظرت الجِهة الآخرى وأتبعت :
-كله عيقول هاشم واعر ، وعصبي مخوفيني منك ..وأنا  خايفـة كلها أيام ويتقفل علينا باب واحد مع راجل كل كلامي عنـه سمع ! 

ما نفع النورِ في أعيُن أظلَمت؟ مال ثغرة جهة اليمين بضحكة ساخرة :
-عمري ما كُنت اتخيـل ان هاشم العزايزي يتچوز واحدة عشان يكون لها طوق نچاة وبس .. 

عاندته مُحافظة على كبريائها :
-وأنا عمري ما اتخيلت إني اتچوزك أصلًا ، أنا لا عايزة چواز ولا نيـلة .. بس الظروف حكمت ..بس لو مش عاوز يبقى بلاها سيرة . 

دعست على غروره فأراد أن يثبت لها العكس ، هبط من سيارتـه بنيرانه التي باتت تحرقـه من كُل صوب وحدب وهو يفتح باب السيارة ويطلب منها بهدوء يخفي عواصفه أن تنزل  ،  دلفت باندهاش وهي تتبع خُطاه لمحل الصاغـة ململمًا شِتات نفسـه وقال للرجل :

-عاوز شبكة كاملـة للعروسة  .. 

ثم نظر إليها بدون أي تعابير واضحة :
-مراة هاشم العزايزي مش أقل من أي واحدة في العزايزة … متصغرنيش وتصغري روحك قِصاد حد … 

••••••••••••
~اسكندريـه ..

-أنتِ جرالك أيه ؟! ما كفاية يا ليـلة كل القسوة دي عشان بس اتجوزت !!

رمت ليلة هاتفها بالحقيبـة بملل وهي تتأفف :
-اتجوزتي في السر يا مامي .. 

ربطت "نادية " حزام روبها الشتوى حول خصرها:
-في الأول والاخر اتجوزت ابن عمي .. الدور عليكِ يلي ماشية مع واحد مش عارفين له أصل من فصل .. واحد بيستغلك .

-مامي لو سمحتي أنا مش ماشية مع حد ، وهارون شخص محترم وأنا وهو صُحاب وبس ..

وقفت نادية أمامها لتبُخ سمها:
-أنتِ فاكرة إنه ممكن يكسر أعرافهم عشانك!! الولد ده بيقرب منك عشان مصلحة هو بس اللي عارفها، ليلة أنا أمك وخايفة عليكي ابعدي عنه..

ثم صرخت عليها:
-أنتِ متعرفيش شريف بيقول عليه أيه!! ده بلطجي وبيتحامى بالقانون اللي دارسه .. 

وقفت مدافعة عنه ببسالة:
-أهو هارون ده برقبة ألف زي شريف، شريف اللي كل حياته بنات وعك حتى وهو خطيبي وكنت بعدي ومستحملة عشان حالتي الصحية  وبس …

ثم أخذت نفس :
-لكن هارون هو الوحيد اللي وقف جمبي واتقبلني زي ما أنا ، خلاني احب ليلة ، احب ليلة زي ما هي مش زي ما أنتوا بتكرهوني فيها طول الوقت .

سالت الدموع من عينيها وأكملت بحرقة :
-مش هكذب عليكِ يا مامي ، اه اتشديت له وبتمنى يكون نصيبي، بس الطريق بينا مستحيل ، طريق موت .. عشان كده عايزاكي تطمني ، أنا وهارون صُحاب وبس .. وأنا راضية المهم يكون في حياتي ..

ثم تناولت حقيبتها بنفور :
-عندي تصوير ، بعد اذنك …. ياريت تطلعيني من دماغك أنا عارفة بعمل ايه، انا مبقتش ليلة اللي مستنية حد يمشيها ويقولها روحي فين وتعالى.. 

زفرت " نادية " بكُره شديد ناحية هارون الذي خلق من قربه نِمرة صغيرة تهجم على كُل من يعيق خُطاها، صفعت " ليلة" الباب بقوة فـ لجأت نادية لرشدي لتستعين بهِ:

-ألحقني يا رشدي !! ليلة بقت واحدة تانيـة .. اللي اسمه هارون ده لعب في دماغها وقواها عليا .. 

وصل رشدي لمكتبـه الكبير بمجال المُحاماه وهو يجلس على مقعده الجلدي ليقول :
-لسـه مكلم الشناوي يوقف المهزلة دي وبرنامج ليلة .. رفض وقال لي ده شغل والبنت عاملة شغل جامد وو 

ثم أشعل سيجارة ورماها بفمـه :
-وخدي دي ، اللي اسمه هارون العزايزي هو اللي ممولها البرنامج العبيط بتاعها ومكلم حد تقيل فـ الإذاعة والتليفزيون مساندها  ، فاكر نفسه هيأكل عيش من وراها .. 

ثم نفث دخان سيجارته:
-هو اللي اسمه هارون ده عايز من واحدة هبلة زي ليلة ايه ؟!

رمت نفسها على المقعد :
-مش عارفة مش عارفة يا رشدي .. كُل حاجة اتقفلت في وشنا فجأة .. 

هز رأسه :
-متقفلتش ولا حاجة .. ابتديتي تديها الحبوب !! 

-مش بتاكل أي حاجة في البيت ، ولا بتقعد معايا على سفرة واحدة … وكُل أكلها من بره ، البنت اتغيرت خالص يا رشدي ..

-يبقى تتصرفي يا ناديـة !! زي ما أنا هتصرف وههدلها البرنامج بتاعها مع أول حلقة هوا ليها .. أنا مش هضيع نفسي عشان واحدة تافهه زي ليلة .. الناس عايزة تشتري الأرض دي النهاردة قبل بكرة …

••••••••••••
~العـزايـزة . 

"-علشانك يحصل يا ليلة .. "

من مطلع هذه الجُملة التي أوقفت زينة تتجسس على أعتاب غرفته و التي قالها هارون حتى نهايـة مكالمته مع ليـلة ودخول زينة الذي أشعل نيران الغيرة بقلبهـا إثر حديثه المعسول ورقته مع صاحبة الحواديت التي تبغضها .. ارتدت قنـاع الخبث ووضعت بعض النُقط الطبية بالعصـير التي استدلت على اسمها عن طريق الانترنت .. حتى سمح بدخولها ودار الحوار البغيض بينهمـا ، فشرب هارون العصير الذي أكدت عليه أنه من صنع يد فردوس ، فلم يصل لتفكيره لمستوى حقارتها وما تنتويه ، ما لاحظت تراقص جفونه بعد جولة طويلة من الثرثرة هرولت لتقفل باب الغُرفة عليهـما وهو يسألها بدوران :
-حاطة أيه في العصيـر يا بت !! 

ألقت نفسها بين يديه لتجعل صورتها آخر شيء يراه  وهي توشوش له بإغواء  :
-أنتَ عارف أنا لو اتجوزت غيرك ممكن أروح فيها .. هارون أيه حكايتك مع البت بتاعت الحواديت دي !! أنا بحبك ورايداك .

دفعها عنـه بتعب وعدم اتزان وهو يتمسك برأسه ويقاوح تغيب عقله :
-ابعدي يا زينة .. 

رمت نفسها بين يديه وهي تسحبـه لفراشه رغم إنه يقاوم ينفر منها حتى غلبه المخدر وألقى نفسه بدون وعي على السرير ، جردته من سترته العلوية ورمتها بالأرض ، ثم هرولت لتمحو أثر جريمتها وتغسل الكوب جيدًا ، ثم قامت بإخفاء الزجاجة الخاصة بالمخدر بأحد الأماكن المتوارية بالغرفة .. ثم عادت لعنـده ونزعت عباءتها لتظهر تحتها قميصًا باللون الأصفر يصل لتحت رُكبتها .. بعثرت شعرها ثم ركضت عائدة للحمام تبحث عن حد شفرات الحلاقة ، وتعود لفراشه من جديد .. رمقته بمكر :

-أنتَ اللي اجبرتني أعمل كِدِه يا هارون .. أنا مش هسيبك لواحدة تاخدك مني مهما حصل .. أنا مراة الكبير وبس. 

تركت زجاجة عطره بجانبها وبدون رأفة بنفسها قامت بشق جرح صغير بقدمها فتسـربت منه قطرات الدماء على مفرشـه .. فضت قطرات دماء الجـرح ثم تناولت عِطره لتوقف النزيف من رجلها ولفت حجابها حول قدمها حتى تتخلص من بقايا جريمتها .. أرجعت كل شيء بمـكانه ثم عادت لتنام على ذراعـه ، تفقدت ملامحه عن قُرب ، تجرعت الكثير من القُبلات التي لا تحق لها ، طبعت حُمرة ثغرها على أجزاء صدره ظلت تغمغم باسمه ليصحو ويشاركها لحظاتها المريضة ، ثم توسدت صدره  متأملة أن يستيقظ ويجدها بين يـديه وهي تُمرر كفها بوقاحة على صدره وبطنه  .. 

ولكن كانت صدمتها الغير متوقعة بدخول " صفيـة " التي أفشلت مُخططها …. 

~عـودة للأحداث الحاليـة … 

قفلت صفيـة الباب خلفها وهي تسحب زينـة من شعـرها بدون رحمة :
-الله يخربيت سنينك ، وأنا اللي قولت تلاقيه مدهاش وش غارت مشت على بيتهم !! يخربيتك وبيت أمك ..عتعملي أيه في سَرير ولدي! 

انفجرت زينة في عواء الذئاب بدموع التماسيح وهي تُقبـل يدها بتوسل :
-أحب على يدك يا عمة متفضحنيش .. والله مدرتش بروحي غير بعد اللي حصل ما حصل .. هو هو اللي قالي تعالي مقدرتش و

صفعتـها صفية بدون شفقة على حالها:
-اكتمي يا بت !! اكتمي هارون ميعملهاش ، ولدي متربي ، أنتِ الناقصة قليلة الحيا .. عملتِ أيه يا حزينة !! هارون قوم يا هارون شوف الوقعة المنيلة دي ! 

فاق هارون من نومه على صوت صراخهم وهو يفرك في جفونه بتعـب وينهض بثقل يصدح برأسه :
-مالك عتصرخي ليه يا صفية !! هو فيه أيه ؟! 

رمت زينة بالأرض واندفعت نحوه :
-قوم ، قوم يا ولد بطني وشوف النصيبة اللي عملتها !! لا لا وألف لا متطلعش منك يا هارون .. ولا عملتها !! يا مري يا مري حتى أنتَ يا كبير يا عاقل !! 

-حُصل أيه بس يا ما !! 

زحفت زينة لترتدي العباءة على جسدها ووتركها مفتوحة من الأمام .. ثم ارتمت تحت قدمي صفية :
-أوعى تقولي لأبوي يا عمة ، ورحمة أبوكي استري عليّ ..ديه يموتني فيها !! خلي هارون يصلح غلطه ويكتب عليّ لكن مايفضحنيش .. 

انفرجت عينيـه تُراقب الأوضاع حوله ، زينـة وهيئتها المشبوهة ، قطرات الدماء التي تُلطخ فراشه ، صدره العاري المزخرف بحمرة نسائية .. فزع قائمًا :
-في ايه !! والبت دي عتعمـل أيه هِنه يا ما .. أنتِ عملتي أيه يا بت !!  

ثم أتبع بصدمة :
-يانهار أبوكي مش فايت !!

لطمت على وجهها وضربت الأرض بتصنع :
-يالهوتي يا لهوتي ، أنت نسيت ، يا عمة ياعمة هو اللي قال لي تعالي وكمني كِده كِده هبقى مرته .. وانا معرفش سلمت نفسي كيف ولا كان فين عقلي .. هارون قول الحقيقة !! 

وقف هارون مذهولًا من وقاحتها  :
-البت دي بتحور يا صفية !! أنا ملمستهاش !!

ثم صرخ عليها وهو ينزل لمستواها :
-بت كُنتي حاطة أيه في العصير !! انطقي.. وايه الفُجر اللي أنتِ فيه ديه !! 

ندبت صفية على وجهها :
-كيف كيف ملمستهاش ، طب واللي شوفته بعيني !! هتكدبني يا هارون هتستعماني !! ليه تفوت في الحرام يا ولدي ما كانت قِدامك وهتبقى حلالك ..

انفجر بوجه امه مشتتًا والصداع ينخر برأسه من أثر المُخدر :
-صفية أنتِ هتعومي على عومها ، أنا ملمستش البت دي !! البت دي كدابة وملفقة الحوار من راسها ، ولو متعدلتش يمين الله لأكون دافنها حيـة وما هيهمني حد .. 

ثم قبض على معصمها موبخًا وهو يرجها تحت يده:
-بت اتعدلي .. عملتي كِده ليه !! أنا مش عيل صغير يضحك عليـه   ! فُضي المسخرة دي !! قبل ما أروح فيكي في داهية وأنتِ متساويش تلاتة تعريفة .. 

دفعتـه زينة بكُل قوتها عندما أحست ببوادر فشل خطتها ، فعندما وصل آذانها صوت نداء "خليفة" انطلقت كالصاروخ لعنـده فلم يتمكن أحد من إيقافهـا .. توقف هارون بمنتصف غرفته حائرًا مشتتًا ، ممسكًا برأسه التي كادت أن تنفجـر :

-صفية وقفي بت أخوكي وبلاش فضايح البت دي فچرت ، أنا مقربتش منيهـا .

جاءت زينة من أعلى وعباءتها تُرفرف خلفها لترمي نفسها تحت قدمي خليفة مترجيـة بصراخ :
-يا عم ألحقني أنا واقعة في عرضك استرني .. ولدك ولدك .. انصفني يا حچ خليفة دي شرف ولاية .. 

صاح هارون من أعلى :
-متصدقهاش يا أبوي دي كدابة .. وحشي الكلام  بدل ما أچي أحش رقبتك يا بت  .

خرجت هيام من غُرفتها على صوتهم المدوّي ، وجاءت فردوس راكضـة من المطبخ وبيدها بشكيرًا  لترى ما الأمر الذي أشعل أصواتهم فجأة .. 

-حُصل أيه يا بتي؟!

نظر خليفـة لزينة التي تتبجح تحت يده :
-هارون هارون غواني وأنا غصب عني اتعميت وطاوعته وحصل اللي حصل .. وبينكر ، نكر كُل اللي حُصل بعد ما خد غرضه مني يا حچ .. 

ضربت أحلام على صدرها وهي تضع حدًا لسخافتها :
-هارون ما يعملهاش ، قومي يابت  استري نفسك وبطلي رمي جتت .. هما اللي اختشوا ماتوا ، قومي قامت قيامتك .. 

نظرت لها ببجاحة وهي تبكي بزيف :
-عملها ، عملها يا عمتي .. الشيطان حضر وعمانا إحنا الاتنين .. دِلوق مين هيدفع التمن !! أنا لوحدي وهو واقف ينكر كأنه معملش حاجة؟!

فأكملت صفية المدلفة من أعلى بصراخ لتفهم هيام ما حدث : 
-دخلت عليهم وشوفتها نايمة في حضنه يا أحلام واللي حصل ميتحكيش ، طب أصدق مين واكدب مين !! 

لكزت أحلام زينة بكتفها بقوة  :
-لو حلفتي على المية تچمد بردك كدابة ، هارون تربية يدي ميعملهاش .. ولو عمتك هتصدق عنيها أنا مش هكدب تربية يدي .. قومي فزي واختشي على دمك . 

نظر خليفة لهارون الذي يستشيط غضبًا :
-هارون أيه اللي حُصل ، انطُق يا وِلدي  !!

رمقها بنظرات الخسة:
-مش عارف ، ولا فاكر بس اللي متأكد منيـه انا ملمستهاش ولا چيت يمها يا أبوي.. 

ثم صرخ عليها :
-بس شكلها عاوزة تتربى وتشوف وش هارون التاني .. كُنتِ حاطة أيه في العصير يا بت ! 

بجحت بوجهه وهي تخر دموع الكذب :
-محصلش ، واللي عمتي شافته !! أنا هتبلى عليك ليـه يعني !! شايفني واقعة !! ياريتني ما طلعت يا ريتني ما هوبت ناحيتك !! طب كُنت استنيت لما أبقى حلالك…ما أنتَ رايدني سبتني ليه! 

زفر هارون باختناق:
-ياصبر الصبر ، بت بزياداكي مسخرة..وقلة عقل .. أنا حايش نفسي عنك بالعافية ومش عاوز أعمل عقلي بعقلك ..وعزة وچلالة الله اقتلك بيدي! 

زعق خليفة:
-هارون ، مع إني واثق في ولدي ميعملهاش، بس الشيطان ….

قاطعه هارون بحزم :
-ورب العزة ما لمستها يا أبوي !! أيه هتعرفوا أكتر مني ، هتجننوني !! البت دي كدابة .. ولو متعدلتش واللي خلق الخلق هعدلها أنا وماهخلي فيها عضمة في مكانها ..  

واثق الخُطى يمشي ملكًا ثم نظر لها بتحدٍ:
-طب قومي هوديكي مستشفى يكشفوا عليكِ، ولو اللي عتقوليه صُح ، هكتب عليكي الليلة، لكن أنا مهوبتش منيها .. وهثبتلكم كِدبها دِلوق .. 

اهتزت زينة لفشل خطتها الدنيئة ، وقفت البومة تنوح بوجهه وتندب حظها:

-يا مري يا مري يا هارون عاوز تفضح وتجرس بت أخوي !! واللي مايشتري يچي يتفرج علينا !! عاوز تعرف سرنا للخلق ..لا لا يا هارون بت أخوي ميحصلش فيها إكده .. أنت تصلح غلطك وتكتب عليها الليلة .. 

ثم نظرت لخليفة مدافعة عن ابنة أخيها:
-هي البت هتفضح نفسها ليه يا حچ خليفة دي عاوزة ستر ربنا ، وحصل محصلش بت خاله وماينفعش يفضحها دي لو شافها عريانة يغطيها ..لكن دكاترة ومستشفيات لا .. ميرضنيش . 

رمقها هارون بعدم تصديق لما يسمعه والنار تفور بجوفه :
-أنتي عتقولي أيه يا ما!!! زينة دي لو آخر واحدة في الدِنيا ما هتكون مرتي ولا هتتكتب على اسمي هي چابت الآخر … كُنت عارف أنها قليلة عقل ، لكن طلعت قليلة عقل ورباية … 

صاحت صفية بوجهه:
-بت أخوي متربية أحسن تربية و مش هتتكشف على دكاترة يا هارون، أنا اللي هقف لك!! 

زحزح أمه عن وجهه وانحني ممسكًا بمعصم زينة ليجرجرها بعنف متجاهلًا صوت الجميع وصرخاتهم ، توجه نحو غرفة أحلام ورماها بمنتصف الفراش فلملمت ملابسها بخوف مزيف :

-أنت هتعمل أيه مش مكفيك اللي عملته فوق؟

-خفي أوهام وقرف، عشان أنتِ لو آخر مراة قصادي يدي ما هتطولها  .. 

ثارت النيران بعيونه ، فدخلت صفية تترجاه ، فصاح هارون :
-اكتمي ياما .. ومش عاوز اسمع حس مرة. 

ثم زعق بأعلى صوته لأحلام المُقبلة عليهم :
-أحلام !! تعالي اكشفي على البت دي وشوفيها صادقة ولا كدابة .. 

ثم حدجها بعنفوان والنيران تثور من عينيه  :
-كدابة يبقى تتربي ومحدش هيربيها غيري ، صادقة يبقى شوفوها غلطت مع مين وچاية تلبسهاني .. جاتك القرف .. 

صرخت بوجهه :
-وديني لأروح المچلس وأحكي لهم كل حاجة، أنا مش حسيب حقي يا هارون ، أنتَ عتنكر أيه !! وليه !! حرام عليك دا أنت عندك أخوات بنات .

-سكتيها ياما وإلا هخرسها عمرها كُله .. أنا حقيقي ما شوفتش في بچاحتك !! وحايش نفسي عنك بالعافية..

ارتمت زينة في حضن عمتها :
-الحقيني يا عمة ، حرام عليكم كفاية فضايح ، يقطع الحُب وسنينه .. دي وعدني أنه عمره ما هيتخلى عني .. حوشي عني انا زي بناتك ..

أشارت أحلام لهارون أن ينتظر بالخارج ، فتدخلت بينها وبين صفية  وابعدتها عنها  ولفت شعرها حول كفها بعنفٍ فصرخت زينة من شدة الوجع :

-حرام عليكي يا عمتى ، وربنا ما عملت حاچة ! عتقتليني ليه!

-حُرمت عليكِ عيشتك يا بت صالح ، بصي لي يا بت ،هارون مهوبش ناحيتك وقلة الحيا دي لو مبطلتهاش هربيكي أنا عشان شكلها أمك معرفتش تربيكي .. 

ثم شدت على شعرها بعنف أكثر ورمتها على السرير :
-لكن ترمي بلاكي على هارون عشان يتچوزك ولا في أحلامك ؛ ومش هكشف عليكِ عارفة إنك كدابـة وحيـة ، ومش هقبل أن هارون يتچوز واحدة سماوية زيك .. 

تدخلت صفية مدافعة عنها :
-وهي هتكدب ليه يا عمة أحلام ، ديه كلام فيـه كِدب !! دي تطير فيها رقاب ، أنا شوفتهم بعيني وهي ..

قاطعتها أحلام بحدة :
-أنا مش هجيب صفية تاني في بيتي كفاية عليّ أنتِ وخوتتك .. و أنتِ لو ربيتي كُنتي هتفهمي يعني أيه ولدك ميعملهاش، لكن معذورة أنتِ مكنتش فاضية غير تحبلي وترمي لي في عيال اربيها .. 

خرجت صفية عن ثوب احترامهـا أمام أحلام قائلـة : 
-على الأقل كُنت له أرض خِصبة  ، غيري كانت بور معرفتش تچيبله ضُفر عيل ، يعني ولا تچيبي ولا تربي !! أومال حُرمة كيف !! 

تلقى الصَدمة عنها خليفـة وهو يصرخ باسمها :
-صفيـة !! 

قفز الرعب بقلبها عندما رأته أمامها كالجبل ، خلال خمسة وثلاثين عامًا لم يقبل بإهانة واحدة بحق أحلام ، هرولت صفية لعنده بذعر أرنب وهي تبرر ما قالته ، فـلم يستمع لحرف منها بل أخرسها بلطمة قويـة على وجهها وهو يقول :

-لولا الزن اللي كان على وداني مكنتش هتچوزك ، ومن يوم ما دخلتي البيت ديـه وأنتِ عارفة دورك زين .. لكن تغلـطي في ستك وست العزايـزة احطك تحت رجلي يا صفية ولا هيهمني حد .. أنتِ عارفة أحلام خط أحمر وهي اللي مصبراني عليكِ واللي يغلط فيها كأنه غلط فيّ ، روحي وأنتِ طـ 

تدخلت أحلام بينهم لتهديـه كي لا يسبقه سيف شيطانه ربتت على كتفه :

-استهدى بالله يا حچ ، دي عيلة صغيرة من ميتى عناخدوا على كلامهـا بس.. متعكرش دمك .. مش بعد العُمر ديه كُله ياما استحملناها .. 

انضم هارون لـ أبيه بعد ما سمع إهانة أحلام من أمه  وانضمت لهم هيام وهيثم الذي جاء ركضًا من الحديقـة ، صرخت صفية بوجهه :

-دِلوق طلعت صفية وحشة ، صفية اللي خلفت لك اربع رچاله يشهلوا بلد !! هي دي كتر خيـرك يا صفية وهو ديه رد الچميل يا حچ  !! 

تدخل هارون وضم أحلام وقبل رأسها  وحضنت هيام أمها :
-حقك عليّ أنا يا أحلام ، -ثم نظر لأمه- استهدي بالله يا ما حصل أيه ؟!

طافت عيني هيثم بالمكان فوقعت عينيه على زينة التي تقفل أزرار عباءتها وقال بعدم فهم :
-هو فيه أيه !! وزينة مالها .. 

حسم خليفـة أمره مستغفرًا ربه متراجعًا عن قرار طلاقها  :
-مش عاوز اشوف وشك قِدامي لغاية ما أنسي الزفت اللي قُولتيه .. وتحبي على راس أحلام دلوق ويكش بس تسامحك .. 

ثم نظر لزينة التي ترتعد من بعيد  بحدة :
-وأنتِ روحي روّحي بيتكم لغاية ما نشوفوا هنعملوا ايه في نصيبتك دي.. 

كاد هارون أن ينفجر ، أن يُعارض أمره ، أن يبتره .. فجاءت فردوس تركض بخوف:
-حچ خليفة في ٤ رچالة من خفر المِچلس عاوزينك أنت وسي هارون ضروري .. 

-وأنتِ تعالى ، حسابك لسـه مجاش .. 

اخترق الجميع مندفعًا نحو زينة بزعابيب غضبـه  وسحبها كما تُسحب الأغنام متجاهلًا نداءات الجميع وصراخهم وصراخها وتشبثها بيده وتوسلاتها ، وتعرقل خُطاها ، فزعق صائحًا بها:

-مسمعش حِسك …

لم يلتفت لنداء أبيه لأول مرة بعمره ، وتوسلات أحلام وصراخ صفية ، وتدخل هيثم الذي حاول أن يمنعـه ، فتح أحد الغُرف الصغيرة ورماها بداخلها بكُل قوته وأحكم غلق الغرفة بالمفتاح صارخا بفردوس :
-فردوس هاتي لي چلابيتي من فوق .. 

انهالت ضربات زينة على الباب المقفـول بتوسل وصراخ ، فزعق صوت قدرها الذي أراد أن يعيد تربيتها من جديد وكي يضمن أنها لا تُحدث أي فوضى عليـه .. فـرعد صوته الصارم وهو يرمى المفتاح بجيبه :

-ورب العِزة اللي هيهوب ناحية الأوضة  دي هحبسه مطرحها ، ولو أبوها سأل عليها قولوله عُمدة البلد هيربيها عشان شكلك معرفتش تربيها .. وأنا ميرضنيش بت في العزايزة بالحال ديه !

ثم زعق صارخًا :
-سامعيـن  !! 

فصرخ عليهـا بتوعد :
-يمين الله ما حد هيفلتك من تحت يدي غير عزرائيل يا زينة ، وأدعي يجي لك قبل ما أرجع لك …. 

شجعته أحلام هاتفة :
-ينصر دينك ويد اللي ربتك ، خليها تتربى قليلة الرباية دي .. 

••••••••••••••••••

دخلت "أسماء" زوجة صديق غُرفة نجاة المقفولة بالمفتاح بعد ما عاد صغيرها من آخر امتحان له بالترم ، وبيدها مائدة الطعام.. فركضت نجاة لاستقبل ابنها وتقبله وتطمئن عما فعله باختبار اليـوم .. قفلت " أسماء" الباب خلفها ووضعت الطعام على الطاولة وقالت بخوف يتقاذف من ملامحها :

-روح يا مازن غير خلچاتك عشان تأكل .. 

ثم لاحظت " نجاة "نظرة من عيني أسماء تحمل التساؤل، ربتت على ظهر ولدها:
-خش الحمام غسل يدك يا حبيبي وتعالى ..

ثم وقفت أمام أسماء:
-مالك يا أسماء !! أنا ماليش ذنب في كُل اللي بيُحصل ولا عاوزة أخرب عليكِ..

هزت أسماء رأسها متفهمة:
-عارفة يا نچاة….

ثم أخرجت الهاتف من جيبها بحذر:
-خدي كلمي رؤوف لو عاوزة تمشي من إهنه، كلميه يلحقك .. سمعت أنه عاود أجازة، وكل يوم بيستناكي قصاد البيت .. لو روحت لعمدة مش هخلص من شر صديق ، اتصرفي أنتِ..

ثم ارتعشت وأكملت:
-خُدي ولدك واهروبي معاه ، ومتظلميش روحك مرتين ولا تخربي بيتي .. اختاري نفسك يا نچاة وابعدي عن صديق وتحكماته …

فوضعت الهاتف بيدها :
-هأخد مازن بره لغاية ما تكلميـه ، بالله عليكِ ما تعوقي وخلي بالك …. خليه يجي يلحقك ، صديق شغال بيده وسنانه في بيتكم الچديد … 

•~عودة لبيت خليفة العزايزي .

-غلطت يا هارون ، كُنت سبت البت تروح على بيتهم .

أردف خليفـة جملتـه وهو يتحرك مع ولد صوب السيارة متجهين لطلب المجلس ، فأجابه هارون بفتور :

-بت قليلة الرباية ، مضمنهاش لو مشت ممكن تعمل أيه .. بس هروق لها .. لازمًا تتربى يا أبوي . 

تأفف خليفـة بضيق :
-البت عقلها شَتّ منيها ، بقيت تتصرف كيف العيال الصِغيرة ..

فتح باب سيارته وصعد أبيه بجواره ، فـ رد عليه هارون :
-دي مش مچنونة دي واعيـة ومخططة هي هتعمل أيه !! دي لازمًا توقف عند حَدها ويتكسر عضمها ، هي حصلت البچاحة تحطلي حاچة في العصير وتغفلني !!

ثم تحرك بسيارته متوعدًا :
-طب يا زينـة ، أنتٍ اللي اخترتي الوش التاني لهارون ..

تطلع له خليفة بمكـر رغم علمـه بالجواب :
-أنت عملت إكده ليـه يا هارون ، ليـه عاوز تلغي چواز الدم وأنتَ عارف أنه ماينفعش .. أيه طلعها في رأسك .. 

نظر لأبيه مختصرًا الجواب : 

-كله لازم يتغيـر يا أبوي ، أحنا عزايزة مش عبيد تحت ضرس أعراف ومجلس ، كُل واحد حُر ، أديك شايف الأمراض المنتشرة في النجع الغربي ومش هنخلصـوا .. كفاية ولا أيه !! بالحال ديه العزايـزة هيضيعوا ..

سأله بشـكٍ :
-وبس !! وكان فين الكلام ديه من زمان !! أنتَ نسيت أن دي الأمانـة اللي أمنتهالك من الساعة اللي مسكت فيها الحُكم !! نسيت كيف العزايـزة اتهانوا في أول عهدهم ومحدش كان راضي يناسبهم !! نسيت رميتهم في الجبل وهما منبوذين من أهل البلد !! أحنا مطلعناش من راسنا جواز الدم ، ديه اتفرض علينـا فرض .. 

زاد هارون من سُرعة سيارته وهو يطالع الطريق ويجيب باختصار :
-الزمن بيتغير يا بوي وبينسي ، العزايزة دِلوق بيقيوا أسياد الصعيـد وألف مين يتمنى يناسبهم .. 

لجأ خليفـة للصمت وهو يُتابع تصرفات ابنه الذي يُحركه قلبـه وهو يملك مُفتاحـه ، ظل مترددًا حول حقيقة إخباره بأنه لا يوجد داعي لتغير أعراف ، فحبيبتك كُتبت لك بالسماء قبل الأرض !! ولكن ماذا يحمـل مجيئها ، أي ذنب ستغفـره غُفران !! ذنب خطأ أبيها وأمها !! أم ذنب القتلى أعمامها !! أم ذنب أعراف فرضها الزمان !! أم ذنب صمتي طوال هذه الأعوام ! أم ذنب هارون الذي يشق الصخر لأجلها وأبيه جالسًا من بعيد يُراقبـه بصمتٍ !! أي ذنب سيُغفر بعودتك يا غُفران !!! 

وصل هارون وأبيـه إلى مقر مجلس العزايـزة ، ومن بين صفوف الازدحام والتكدس تسلل هارون وأبيه وهو يتجاهل أصواتهم الصاخبة حتى دخل لقاعة المجلس الذي يتكون من كبار أعيان العزايـزة .. ثار الجميع حول هارون :

١-أنا قلت لكم هيخربها بتاع القانون ديه ؟

٢-ديـه عاوز يمشي الدِنيا على كيفه !!

٣-مفيش دم غريب هيخش بيناتنا .. واللي مش عاجبه يسيبها ويتوكل على الله يغور .

١-مكنش له مسكة من الأول يا رچالة ..

٤-تلاقي العمدة عجباه بت من عيلة تانية لعبت في نفوخه ورايـدها ..

جز هارون على فكيـه وهو يجلس بجوار أبيه :
-يا صبـر الصبـر …. 

•~بمنـزل خليفـة .

بعد عودته من محلات الصاغـة وصل نغم لبيتها ، وعاد حاملًا ثُقل جبال على كتفه ، تساءل حول صراخ زينـة الذي لم يتوقف بالغُرفة حتى شتته أحلام عن معرفة الحقيقة وسحبته لغُرفتها وقفلت عليهما : 

-مالك أنتَ كمان ، واخد في وشك وزاعق !!

أردفت أحلام سؤالها على مسامع هاشـم الذي جلس بجوارها بتأفف بضيق ، توقفت عن التسبيح منتظرة رده ، تنهد هاشم بكلل:

-تعبان والله يا أحلام ..

-سلامتـك يا حبيبي ، طب أحكي وفضفض لأحلام .. أيه البت نغـم زعلتك !! دي غلبانة والله . 

طافت عينيه بأرجاء الغُرفـة باختناق وهو ينزع ساعـة يده وهدية رغد المُفضلة عنده ، لتقرأ الحيرة والتشتت بعينيـه ، وربتت على رُكبته :

-قول يا حبيبي متشغلش بالي عليك … 

نظر بجُرأة في عينيها :
-أحلام أنا متچوز .. 

قفلت جفونها للحظـة تحاول استيعاب ما سمعته:
-عتقول أيـه .. !!

زفر كأنه يخرج حملاً من صدره :
-من سنة ونص واحدة عجبتني وحبيتها في مرسى علـم واتچوزتها على سُنة الله ورسوله .. بس لسه العقد متسجلش عشان ظروف  شُغلي .

سايرته في الحديث تحت ضباب دهشتها :
-وماله عقد عُرفي عالسنة  !الف مبروك .. وبعدين . 

فرك بدايتي عينيـه :
-عارف إنك مش مستوعبة اللي عقوله ، بس ديه اللي حصل ، ولمـا رفضت چوازة نغم الأول ديه كان عشان مش عاوز غيـرها ، ولغاية اللحظة دي قلبي مش عاوز غيرها .. وكنت نازل أجازة وهقولكم .. 

شحب وجه أحلام حزنًا وعتبًا عليـه :
-وبعدين !! كمـل يا وِلد يدي … غيرت رأيك وطلبت نغم تاني ليه ، طالمًا متچوز ومرتاح في چوازتك اللي من ورا ناسك !! 

وثب كي يهرب من طريقة أحلام التي لم ترحمه أبدًا ، فأمرته بنبرتها الحادة : 

-اقعد وكمـل يا هاشم ، متهربش زي كُل مرة …عمرك ما هتغير الطبع ديه فيك !! 

جلس على مضض ليخرج عن هدوئه :
-كُنت مجهز كُل حاجة يا أحلام ، وهقف قصاد العزايزة عشانها ، بس طلعت مخبية علي سـر ، سر أن أبوها وعيلتـها تُجار سلاح في سينـا لتمويل الدواعش .. وأبوها نفسه محطوط على قائمة الإرهابيين .. كانت قايلة أن أبوها ميت !!

هزت رأسها بهدوء يحمل جبال من الحزن :
-وهي كانت عارفة أعرافنـا ؟!

-لا ، مكنتش تعرف .. أصلاً كانت رافضة چوازنا من غيـر أهلي ما يعرفوا .. 

ثم نظر لها :
-لما خدت قرار نغم كنت بقتل علاقتي بيها للأبد، مش هينفع يا أحلام حتى لو قلبي معاها !! قوليلي أعمل أيه ؟؟؟!محتار وعقلي هيشت مني. 

رمقتـه بأسف:
-عاوزني أقول لك أيه غير أني معرفتش أربي بعد العُمر ديه كله !! ومصممين توجعوا قلبي عليكم يا ولاد خليفة! 

ثم شدته من كُمه بقوتها الضعيفة التي لا تُذكر مقارنة بقوة عضلات التي سينفجـر منها القميص :
-من ميتى عنتچوزوا من ورا أهالينـا يا هاشم ، قول لي ..عقلك كان فين!! وچاي دِلوق بعد الفاس ما وقعت في الراس!! اتچوزت واحدة لا أنت عارف أصلها من فصلها!! 

-أحلام أنا مش ناقص ، أنا عقول لك عشان نشوفوا حل مش عشان تبكتيني.. 

حاولت تمالك أعصابها بـصعوبة بالغة وهي تسأله لتُجاري معه مصيبته بعصبية مدفونة :
-هشوف لك حل ،  أي حل بص لي ؛ مستعد تستغني عن چشيك وشغلك وترچعلها .. ؟!

مسح بكفوفه على وجهه ثم ضمهما فوق ثغره بندم بالغ ، وتطلع لعندها فقرأت الرفض بعينيه ، فأتبعت :
-فهمتك ، مش هتقدر تستغنى عن شُغلك وتضحي بيه … 

ثم هزت رأسه وقالت مقترحة بنبرة مغلفة بالعتاب واللوم : 
-لو جبتها العزايزة هتقدر تحميها وتكسر عرف له ٣٠٠ سنة !! وتضمن حمايتها !!

حدجها بعجز على أن يعدّها بذلك ، فرسمت ضحكة الحزن على وجهها :
-طبعا مش لاقي رد .. ولو قولتلك خدها واهرب في أي بلد هتقدر تستغنى عن اخواتك وناسك وشُغلك وتعيش مقطوع من شجرة باقي عُمرك !!

تلقى سؤالها بصمت يحمل النفي ، من شدة حُزنها عليـه انفجـرت بوجهه صارخة :
-أنا مش بلومك ، أنا مقهورة عليك وعلى اللي حطيت نفسك فيه !! ظلمت نفسك وظلمت بت الناس معاك … 

حاول أن يبرر لها :
-أحلام افهميني .. 

أحمر وجهها من شدة الحزن عليـه وقهرتها منه وأردفت بقسوة :
-انت غلطت وعقابك تعيش محروم منها عمرك كله حتى ولو عتحبها ،  هي ملهاش ذنب عشان تاخدها بذنب أبوها وانا معرفهاش عشان أحكم عليها ومحدش بيختار اهله زيك مخترتش اهلك بس غلطت لما خبت وخدعتها ، وغلطت لما وافقت تتچوزك من غير أهلك .. ده عقابكم انتوا الاتنين.. لازمًا تدفعوا تمن غلطكم .. 

رد معترضًا :
-عقولك حبيتها يا أحلام لولا بس موضوع أبوها قفل الدنيـا مكنتش هسيبها .. أنا مش ندل عشان اسيبها ..

-ولما تدوس على أعراف عيلتك وناسك برچليك ديه تسميه أيه !!
ثم ضربته بكتفـه بوجع :
-حب أيه ونيلة أيه !!! أنتَ لو حبيتها صُح مكنتش هتقبل تتچوزها غير قصاد الخلق وفي النور .. فكرك هارون أخوك لما راح وقدم طلب يلغوا الأعراف النيلة دي ، من هواه !! لا عشان قلبه مال ناحية ليلة ، وقارية الحُب في عينه من زمن ، بدأ يتحرك عشان تبقى حلاله في النور ، مش زيك !!!

تمتم بصدمة:
-هارون عمل كِده !! 

ثم امسكت بذراعها الذي زاد وجعه من ضغط التوتر العصبي وأتبع خافية وجعها :

-لا وكمان عاوز تظلم شخص تالت معاكم ! قول لي ..  لو اتجوزت نغم هتقدر تعيش مع البت من غير ما تحسسها بوجود واحدة غيرها في قلبك  !! 

ثم أطلقت تنهيدة شفقة على حاله :
-مش قادرة اقولك سيبها لانك لو متجوزتش نغم هتتجوز غيرها وهتظلم غيرها .. 

وهزت رأسها بنفي وأتبعت : 
-ومش قادرة اقولك دوس على قلبك وكمل معاها تظلم البت معاك وتحسسها بالنقص ودي يتيمة ومتستاهلش .. 

ثم صرخت عليه وهي تضرب على فخذها بحسرة :
-مش قادرة أقول لك أنك عقابك تفضل عايش بطولك من غير چواز ، مش هتهون عليّ أشوفك موچوع ووحداني العُمر كله مع أنك تستاهل حش رقبتك .. قول لي لو أبوك عرف هيعمل فيّ أيه !! 

ولى نحوها متفهمًا :
-كل كلامك صح يا أحلام .. بس رغد ؛ أنا معرفتش قيميتها غير لما الأيام مرت ، الأول كُنت مصدوم مش مستوعب ، فاكر إني چامد ومفيش واحدة تلوي دراعي .. كلمتها رفضتني وقالت لي مش عاوزاني ، وخطها اتقفل من ساعتها .. هتچنن عليها يا أحلام !! 

حسمت أمرها معه :
-تروح تقلب الدِنيـا على مرتك .. وتحب على رأسها ورچليها وتراضيها وتخليها تسامحك في النار اللي رميتها فيها وتديها كُل حقوقها يا هاشم وتطلقها بالمعروف … أنا مش مستغنيـة عنكم .. حتى ولو العرف اتكسر مفيش حاجة هتكسر چد عيالك إنه ارهابي .. طريق الموت اللي ماشي فيه لو متراچعتش عنه أنا اللي هقف لك يا هاشم .. فاهم ..وقبل ديه كُله تقول لنغم الحقيقة يا تقبل يا توافق فهمت !!! 

•••••••••••••••
~عوده للمجلس . 

مرت اللحظات تحت هذه الجمهرة التـي تنزل جمرًا مشتعلًا على قلب هارون قبل مسامـعه ، أدرك بأن المعركة ابتدأت للتو .. فاق من شروده على رسالة ليلة التي كتبت فيها :

-"هارون ، بكلمك كتير ممكن ترد عليا متقلقنيش .. في حاجات كتير حصلت حابـه احكيهالك" 

اكتفى بـرده كتابةً :
-"في المجلس ، هخلص وأكلمك "

ردت على الفـور :
-"هستناك "

قفل هاتفه ليلتفت للحوار الدائر بينهمـا والأمور المنقلبـة فوقه كتفيـه ، آراء ومعتقدات متبادلة لا تقبل أي جدل ، كُل شخص متمسك بآرائه كأنها نهاية الحياة ، ليردف آخر معترضًا قطعًا على تبدل الأعراف :

-أنا ميرضنيش بتي تخُش في بيت غريب ، وِلد عمها أولى بيها وبمالها وبعرضي ..

=العمدة عاوز بناتنـا تتكشف على الغُرب ، ليه وهي من قِلة الرجالة اللي في العزايزة !!

*بتي ادفنها قبـل ما تنام في حُضن الغُرب .. 

اهتزت ساق هارون بتوتر إثر كظمه لغيظـه ومعاتبته لنفسه كيف أقسم أن يحافظ على هذه الأعراف الحمقاء ، كيف تجرأ من قبل ووقف أمام قلبٍ يملأه العشق ومنعه !! وهو ينكوي بناره الآن! كيف … رفع أحد الأعيان عينيـه  ناحية هارون وسأله :

-أيه قولك يا عُمدة .. اتفضل سمعنـا ..

تمالك أعصابه بصعوبة بالغة هو يُفارق أبيه ويقف أمامهم ليقـول : 
-الدِنيا عتتغيـر ، والزمن مش هو الزمن ، والعزايزة أشرف من يمشهم عُرف له سنين .. 

عارضه الشيخ :
-والله لو مش عاچبك عُرفنا تقدر تسيبها وتمشي .. طالما مش كد العُمدية كيف أبوك ..

هاجت الأصوات بالقاعة والجميـع يؤيد رحيله حتى أخرسهم الشيخ متبعًا :
-كمل للآخر يا عُمدة !!

انفجر هارون مُدافعًا عن قلبه وما يدفنه بمقبرته ، عن عجزه بالتصريح عن مشاعره وهو يقول مستعينًا بالدين :

-الأمراض الوراثية في النجع الغربي مبهدلة الدِنيا ، لازمًا يبقى فيه وقفه قبل ما العزايـزة ينقطع نسلهم واحد ورا التاني وديه مش كلامي .. ديه كلام الصحابة والسلف .

 ثم نظر للجالسين وأتبع :
-سيدنا ‏عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لبني السائب - وقد اعتادوا الزواج بقريباتهم:
‏"مالي أراكم يا بني السائب قد ضَوَيتم؟!، غرّبوا النّكاح لا تضووا"
‏بمعنى :تزوجوا الأباعد لئلا يضعف نسلكم!
‏. 
ديه كلام أميـر المؤمنيـن رضى الله عنه ، وجيه أكده  الإمام الشافعي رحمه الله لما قال:

‏"ليس مِن قوم لا يُخرِجون نسائهم إلى رجال غيرهم، ولا يُخرجون رجالهم إلى نساء غيرهم، إلا جاء أولادُهم حَمقى!!".
‏.
عارضه رجل آخر :
-والله أحنا من زمان على ديه الحال لا شوفنا أمراض ولا نيلة إلا هي تقاليـع فارغة بتتحججوا بيها ..وبتعترضوا على خِلقة ربنا. 

فسأله الآخر :
-واشمعنا دِلوق يا عُمدة اللي چاي تتكلم !! 

اقتحم خضر أبو سويلـم المجلس وعدو هارون الأول ، بشماتـة :
-هقولكم ليـه ، ديه بس عشان عُمدتنا وقدوتنـا طب وقلبه سايقه وعاوز العزايزة يتساقوا معاه كيف عدم اللامؤاخذه الغنـم !! 

ثم قهقهه بحقد يملأه ليُرد ضربات هارون الماضيه ويقول مُكملًا :
-حضرة العُمدة حابب بت اسكندرانيـة ،  المذيعة اللي كانت ضيفتهم ، ومقضي معاها يومين عسـل على البحر .. 

ثم رفع كفيـه مبرئًا نفسه :
-معنديش خبر إذا كان كتب عليها ولا لا ، بس اللي حُصل أنيل ..

انقض عليـه هارون مغلولًا ممسكًا بياقة جلبابه وبصوته الذي هز حيطان الساحة :
-لما تتكلم على كبير العزايزة تظبط وتعرف أنتَ عتتكلم عن مين ، أنت هتنسى نفسك ولا أيه يا خضر !! 

تلقى الآخيـر تعنيف هارون له بضحك :
-أبلع ريقك يا عُمدتنا ، أنا مش چاي أرمى بلاي عليك !!

ثم تخلص من قبضـة وهو يفتح هاتفـه على مسجل صوت وصورة لرقصة هارون وليـلة على شواطئ اسكندرية في حالـة من الحُب لا تخفى عن الأعمى !! فتح هاتفه أمام أعيان المجلس وهو يجمهر :

-خدوا شـوفوا وملوا عنيكو !! الكبير عيرقص حُرمة غريبة عنيـه على البحر ، دي ولا أفلام أبيض وأسود .. 

في لحظة واحدة؛ تبدلت الأحوال وثارت العواصف ، وانفجرت الهتافات وثرثرت العقـول والألسن التي لم ترحم هارون .. الجميع يلومه ويعاتبه ويسخر من حكمه ويذكرونه بفعل هلال من قبـل .. انقلب السحر على السـاحر وتسلطت الألسن وبساط الحُكم والعُمدية ينسحب شيئًا فشيئًا من تحت أقدامه ، ومن بين كل هذا لم ينجٌ خضر من تسديد هارون له لكمة تحت أنفه التي سالت منها الدماء .. ثورة غير الثورة اندلعت ولا يمكن إخمادها بقلب مجلسهم الظالم .. 

وثب خليفـة صائحًا بقلب المجلـس ليضع حدًا للأفواه المفتـوحة بنيرانها بوجههم ، كي ينقذ ابنه وغفران ونفسه من سُم العزايزة الذي أن نطق بطرف الحقيقة سيُكذبوه قطعًا :

-محصلش ، ولا في بينهما وبين ولدي حاجة !! خضر بيرمي بلاه على هارون والدليل ..

كاد أن يُعارضه أحد الأعيان فلم يمنحـه الفرصة وهو يقول بنبرته الحاسمـة :

-فرح ولدي على بت صالح العزايزي آخر السبوع .. ومش عاوز حد يفتح خشمـه تاني في الموضوع ديه ، مش هارون ولدي اللي يتجرأ ويخالف شرع ربنا .. 
انتهينا يا عزايزة …

هنا في هذه المدينة الظالم أهلها لم يقتلونا ويقتلوا قلوبنا  بالرصاص بل قتلونا بالقرارات..❕
•••••••••••••

يتبع‼️
🩶 الآصرة الثلاثون 🩶 ج2

كتب أحدهم في وصف حبيبته  :

قد تدفعك فتاة واحدة إلى أن تُحب النجوم، ثم الكواكب، ثم الأرض، ثم أصحاب الفكر ،ثم القصص الخيالية، ثم عناقها ، ثم جِدار غرفتها، ثم لونها المفضل، ثم إبتسامتها، ثم المشي لمسافات طويلة عبر أغنية، ثم أدق تفاصيلها، إمراة واحدة كافية لتجعلك تُغرم
 بمدينة ، ثم حي ، ثم شارع ، ثم أصحاب الدكاكين الموجودة فيه ، ثم الجيران ، ثم بيتها ،  ثم قهوتها ، ثم التفاصيل الصغيرة ، فتاة واحدة بعيونها  قادرة على جعلك حيّ بكل ما تحمله كلمة حي من حياة مخزونة .

عنوان الفصـل :
" من سيُعيد لي قلبي  " 🩶

•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

"يقولون أن يشيخ المرء عندما يتقدم به العمر، لكنه في الحقيقة يشيخ عندما ينطفئ ضوء ما كان يسكن بروحه".

عاد هارون برفقـة أبيـه بعد غروب الشمس .. وما أن ظهر شبح عودتـه من الباب هرولت صفية لعندهُ تعاتبـه بحُرقة تحت أصوات صرخات زينـة بالداخـل التي مازالت مستمرة تصدح في جميع أرجاء البيت .. ضربته أمـه على كتفه بقهر ولوم :

-حرام عليك يا هارون ، البت صوتها اتنبح من چوة ، بزياداك البت هتروح فيه ، أهو محدش كسـر كِلمتك وأبوها كل هبابة يسألني عليها أقوله قاعدة مع البنات فوق سيبها .. عشان خاطر أمك هات المفتاح افتح لها .

تجاهل أعين الجميع المصوبـة نحوه وبدون أدنى كلمة معارضة أخرج المفتاح من جيبـه ورماه بالأرض ، ثم جر ذيول يومه المكدس بالأحداث اللعينة ولجأ لغُرفتـه الشاهدة على ألوان ابتسامته ونجوم الحُب المتلألأة بعينه كُل ليلة وصوتها العذب الذي يغرد في المساء بدلًا من عصافير الصباح .. انحنت صفية لتأخذ المفتاح المرمي وركضت نحو الغُرفـة لتُحرر أسر ابنة أخيهـا الخبيثة .. لحقت هيام خطوات أخيها وهي تُنادي عليه فأوقفها بصرامة :

-مش عاوز أشوف وش حد ! 

ضربت أحلام على صدرها وهي تنظر لهيام بحسرة :

-يا قلبي يا حبيبي… أخوكي چراله أيه يا بت !! ماله؟!

-مبقاش زينة لو ما ندمتك على اللي عملته ، أنا مش هعديها .

خرجت البومة من قفص أسرها وهي تنوح كالغُراب  وتتعود وتهدد بأنها لم ترك الأمر يفوت عبثًا ، حاولت أن تُخرسها عمتها وتهدئها ولكن بدون جدوى حتى جاء صوت خليفة السيف القاطع :

-خفي نواح يا بت ، روحي بلغي أبوكي وقوليلو الحچ خليفة أمر فرحك أنتِ وهارون مع فرح هاشم أخوه ، يالا اتحركي ومش عاوز كِلمة زيادة… 

حلت النازلة على وجه البومة وعمتها بسعادة لا تُوصف وتبدل حالهم من حال لحال ، نست زينة كافة تهديداتها وتوعداتها لهارون واندلعت صوت سعادتها بالمكـان وهي تزُف الخبر .. ولكن كان للخبر أثر مدوى على مسامع أحلام التي هبت معترضة  :

-يعني أيه الحديت الماسخ ديه يا حچ !! يعني أيه هارون هيتچوزها !! أنت نسيت اللي عملته مقصوفة الرقبة دي ! لا وو

فتدخلت هيام تؤيد رفض أحلام :
-بس ديه ظُلم يا أبوي !! كفاياك ظُلم لهارون .. هو ما رايدش زينة ما تسيبه على راحته . 

صرخت أحلام بقهرة :
-عتعمل في الواد كِده ليه يا خليفـة !! البت زينة دي لو دخلت البيت أنا اللي هسيبه وأمشي .. ويبقى أنتَ اللي اخترت. 

فأتبعت صفية وهي تمسح على كتفه :
-عين العقل يا حچ زيتنا في دقيقنا والعيال متربيين سوا .. هو هيلاقي زي بت خاله فين !!دي طايشة وغلبانة وهيحطها تحت جناحه تشرق تغرب بطوعه . 

كان هاشم جالسًا يُتابع حوارهم في صمت ساخر حتى حسم خليفـة الأمر:

-اللي سمعتوه هو اللي هيُحصل ، مش عاوز اسمع حِس مراة منيكـم. 

هزت هيام رأسها رافضة وهي تقطع درجات السُلم ركضًا  :

-أنا هروح أشوف أخوي .. 

دخل هيثـم بلهفة ليطمئن :
-حصل أيه يا أبوي في المچلس !! البلد برة ملهاش سيرة غير هارون و لـ….

قاطعه أبيه قائلًا :
-خد عاوزك في مُصلحة ….. 

~الاسكندريـة .. 

" مُجرد أن اسمع صوتك يهدأ عقلي الثائر في موقد الغياب  " ..

كانت ليلة تتحرك بخطوات عبثية في غرفتها ، تعض على أطراف أصابعها قلقًا ، تجوب ذهابًا وايابًا منتظرة اتصاله على مراجل من نار .. 
زفرت باختناق وهي تفتش عما ينقص يومها بملل .. عن صوته الذي اعتادته كل ساعة  ، عن شعور الونس والألفة في حضرته ، كل هذا بات ناقصًا بل معدومًا في ظل غيابه المفاجئ ، القلب والعقل يبحثان عن ملجأهم ولكن بدون فائدة غربت شمسه عنها ولم تشُرق حتى الآن .. حاولت الاتصال به مرة جديدة ولكن بدون رد .. 

وضعت الهاتف بـ جيب بيجامتها الشتوية وشدت غطاء رأسها وهبطت من الغُرفة لتشغل فكرها عنه قليلًا .. نادت على مساعدة منزلهم :

-دادة .. هي دكتورة نادية جت !

-لا أنسة ليلة ، واتصلت وقالت هتتأخر شويـة ومعملش حسابها في الغدا ..أجيب لك تأكلي . 

أدركت ليلة سبب تأخير أمها وربطته بـ لقائها مع زوجها السري ، فقالت بفتور :

-تمام يا دادة ، ممكن تعملي لي نيسكافية ، وأنا هقعد في مكتب بابي شوية ..

تحركت ليلة نحو غُرفة أبيها التي لم تدخلها منذ أربع سنوات و المزدحمة بالكُتب التي ورثها أبيها عن جدها من قبل ، والتي تتشابه كثيرًا مع غرفة هارون ولكن الفارق بأنه الوحيد الذي اقنعها بحُب الكتب والقراءة بعد محاولات متعددة من أبيها وجدها باتت بالفشل .. 
أشعلت الأنوار وأخذت تتفقد الكُتب بالمكتبة.. ظلت ذكرياتهم الجميل تتردد أمامها وتبتسـم .. استحضرت ذاكرتها هيئته الأنيقة بالنظارة الطبية وتركيزه العالي أثناء قراءة الكُتب ، لقد أحبت ملامحه التي دلتها لحُب الكُتب ، شدت أحد الكُتب بشغفٍ لتقرأها وهي تتجه لمكتب أبيها وتتقمص جلسته بملامح هارون التي استولت على عقلهـا وقلبها  .. 

ما كادت ان تطلع على الفهرس فجاءت المساعدة حاملة كوب القهوة بيدها وهي تقول :
-طلبك أهو أنسة ليـلة ..أي أوامر تانيـة ؟؟ 

-تسلم أيدك يا دادة ، لو سمحتي اقفلي الباب وراكي بس . 

خرجت السيدة وفعلت مثلما أمرتها" ليلة" ، وانغمست الأخرى في الاطلاع على الكتاب بذهن شارد نحو هارون بل كانت تنظر على هاتفها بعدد كلمات الصفحة على أملٍ أن تجد منه مكالمة واحدة تطمئن قلبها المشغول عليه … 
مرت قرابة النصف ساعة وبعد ما فرغ كوب القهـوة من يدها ، راقت لها فكرة الاتصال " بهيام "، ولكن هي الآخرى لم ترد على هاتفها ، تسرب القلق لرأس ليلة التي خشت أن يكون قد أصاب أحدهم مكروهًا ، وثبت لتتفقد تفاصيل الغرفة التي لم تدخلها منذ سنوات ولم تهتم بتفاصيلها .. شئ مجهول حركها لكي تقـف أمام خزنة أبيها وتفتحها لأول مرة بعمرها رغبة في إيجاد صوره لهما معًا .. تنهدت بشوق :

-وحشتني يا سيادة اللواء ..

وقفت للحظة أمام الخزانة الخاصة به بعيدًا عن خزنة الأعمال وتحاول أن  تتذكر كلمة السـر ، فربطتها بكلمة سـر هاتفه وهي تاريخ ميلادها .. 1/1/96 ، فتحت الخزانة  من أول محاولة ، فتبسمت بارتياح:

-ياحبيبي يا بابي … 

ظلت تفتش بين أوراق أبيها بحُب وتكتشف بعض صورهم معًا وتغوص في تفاصيلها وتصورها بكاميرا هاتفها لتشاركها مع هارون .. استغرقت وقتًا طويلاً في استرداد ذكرياتها مع الصـور ، تركت الألبوم جنبًا ثم لفت نظرها عُلبة صغيرة ، أخذتها بفضول :

-وأيه دي كمان يا سي بابي!!

فتحت العُلبة الصغيـرة فوجدتها تحوي على ميدالية فضيـة مُعلقة بدبوس صغيـرة والصدمة كانت باسم "ماهر العزايزي " بخط عربي دائري مميز .. جحظت عينيـها بذهول:

-أحيــه !! دي زي بتاعت هيثم بالظبط بس مكتوبـة باسمه ، وكمان هارون كانت معاه واحدة  !! بس أيه جابها هنا !! ومين ماهر ده !! 

#فلاش_باك ..

عادت لليوم الذي كانت غاضبة منه وأثناء توريطها معه بسبب تخلي هيثم عنها ، واليوم الذي أجبرت فيـه أن يكون مرشدها بحظيرة العزايـزة .. استقلت سيارته بالمقعد الخلفي مرتدية رداء الخصام الطفولي :

-متكلمنيش ولا تبص عليـا في المراية لو سمحت !

لم تمهله الفرصة للرد كي يخبرها بأنه يشاهد الطريق خلفه ليس عيونها الجميلة ووجهها الذي يزينه العبوس الطفولب ، فتحركت للجهـة الأخرى من السيارة وقالت :

-كده احسن .. سوق وأنتَ ساكت بقا !ومتتكلمش يا ريت . 

زفر بضيق وهو يستغفر ربـه بسره وقال :
-عارفة لو حد غيرك كلمني بالأسلوب ديه مكنش هيطلع عليـه شمس !!

ارتسمت ابتسامة خفيفة على ثغرها لتميزها :
-واشمعنا أنا بقا !! أفرق أيه عن كُل دول؟ 

صعد بسيارته على الطريق وهو يقول :
-خدنا في الكُلية أن فاقد الأهليـة مش عناخدوا بأقواله …

ركلت المقعد الأمامي بقدمها وهي تتمتم بغضب :

-عارفة أنك بتجر شكلي ومش هرد عليك عشان مش بكلمك أصلًا .. اف  !! 

ثم التفت لشيء ما وقع من جيب المقعد فانحنت لتكتشفه ، إذًا بميدالية مكتوب عليها اسمه بالخط العربي الدائري فقالت بصوت مسموع :

-هارون العزايزي !! 

رد بعفوية :
-في أيه تاني !!!

-مش بنادي عليك على فكرة ؛ خد مفاتيحك دي لقيتها واقعة !!

تناول منها الميداليـة بعرفان :
-والله انتِ بت حلال ، زين لقتيهـا .. كنت دايخ أبرم عليها وشكيت أنها وقعت في الچبل. 

سألته بفضول :
-هاه هاه ليه هي مهمة أوي يعني !! قصدي ممكن حد غالي عليك ادهالك هدية وو أنا بسأل بس ما تقولش عليا فضولية .. 

رد ليشرح لها سبب أهميتها  :
-مفيش الحديت ديه ! دي بيعملوها في المچلس ، كل نفر عزايزي لازمًا يشيلهـا ، واللي يموت تتاخد منيـه وتتسيح .. والبنات لو تلاحظي لابسين سلاسل عليها اسم العزايزة .. دي ميزة وشرف لناسنا ..

لم تهتم بالحوار بل قالت بعجب:
-أحيه !!

-ياصبر الصبر ؟! 

بررت سريعًا :
-خلاص خلاص أنا شفت عندكم العجب مش هستغرب لا ، اتعودت … اتعودي يا ليلة ! 

#باااك 

ثم فكرت للحظات :
-ممكن جدو لما كان هناك أخدها هدية من حد اسمه ماهر ، أو قبض على حد منهم بالاسم ده   !! صح مفيش تفسير تاني غير كده .. هابقى أوريها لهارون وهو يقولي يعرف أيه … بس ازاي !!

دستها بجيبها ثم أكملت تفتيش بمحتوى الخزنـة حتى تعثرت على ملف طبي .. قرأت الاسم فوجدت اسمه أمها وبالملف الآخر اسم أبيها منذ عام 2008..، تحاليل الخاصة باعتراف عدم قدرة نادية على الانجاب ..  تسرب القلق لقلبها بخوف :

-وايه التحاليل الكتيرة دي !! دي أصلاً مش في مصر !! معقولة مامي بتشتكي من حاجة ومخبية عليا!!

حاولت فحص التحاليل بصعوبة ولكنها لم تفهم أي شيء.. ففتحت كاميرا هاتفهـا وأخذت تلتقط صور لنتائج التحاليـل بيدها ، ثم قامت بتحديدهم وإرسالهم لهيام ، مع تسجيل صوتي :

-هيوم ، فاكرة أن الدكتور عمار اداكي رقمـه قبل كده ، ممكن تبعتي له التحاليل دي يقولي فيها أيه !! سوري هتعبك .. بس محتاجة اطمن على مامي.. 

ضغطت على زر ارسال ثم تذكرت شيء آخر فعادت بتسجيل صوتي جديد:

-هيام أنتوا كويسين !! يعني كلكم بخير !! قصدي هارون كويس بكلمه مش بيرد ….. ممكن تطمنيني بليز ! 

~العزايزة .

صاحت هيام من الخارج وهي تضرب على باب غُرفته بتوسل :
-هارون ، افتح لي وفهمني في أيه بس !! 

صرخ بها وهو يدخن بشراسـة :
-هيام كبري مُخك مني . 

يأست هيام من محاولة إقناعه بفتـح الباب فتقهقرت عنوة وهي تقول بضيق:
-طب يا أخوي على راحتك … 

لم ينجٌ خليفة من سطـو استجواب أحلام له والتي ما دخلت الغُرفة عليهم وطردت هيثـم بعد اتفاقه السري مع أبيه لـ تنفرد بزوجها  :

-ما أنتَ مش هتچنني يا حچ !! زينة مين قليلة الربايـة اللي يتچوزها هارون!! على چثتي ، ورب الكعبة ما أقعد لك فيها .. ما تريح قلب أحلام الله يريحك ..

انفجر بوجهه مندفعًا :
-كُنتِ عايزاني أعمل أيه يا أحلام ، كنت رايح معاه المچلس وناوي أفتح قضية بت ماهر ، لقيت الدِنيا عكت وولد سويلم چاب على محموله كِده فيلم ماسخ لهارون وليلة وهما عيرقصوا على البحر !! بقيت في نُص خلچاتي بين الخلق !! عشان ازيح التُهمة عن الواد قولتلهم هيتچوز زينة !! 

خيـم الحزن على ملامح أحلام بعدم تصديق:
-عيرقصوا على البحر !! هارون !! هو ولدك عِشقها للدرچة اللي ينسى فيهـا نفسيه ودينه يا حچ !! الواد عشق وأنت في يدك الحل وبدل ما تچمعوا بحبيبته چاي تچوزه العقـربة دي !! يا وچع قلبي عليك وعلى قلبك يا حبيبي يا حظك المنيل كانلكم فين الحِزن المخفي ديه يا ولاد صفية  .. أنا راكبـة له يا خليفة  .

أوقفها بحزم :
-چرالك أيه يا أحلام !! عقلك خف ليه أنتِ التانية .. اُقعدي هفهمـك اللول ….

فتح هارون غُرفته بعد ما ارتدى جلبابه الصعيدي باللون الأسود كلون أيام المُقبلة والخالية منها ، ووضع هاتفه على وضع الطيران كي لا يؤلمه أكثر مكالماتها المتكررة .. تدلى سريعًا على درجات السُلم فارتطم بهلال العائد متأخرًا من لجان امتحانات المعهد .. فأوقفه :

-مالك يا هارون !!واخد في وشك وزاعق!! 

تجاهل سؤال أخيه وهو ينظر لهاشم الجالس يحرق في لفافات تبغه بعد ما مل من محاولات اتصاله بـرغد وكأنه يخرج بركان من صدره لعلها تخرج معه ، فرمقه بضيق :

-وأنت ما كفاياك عفيـر عميتنا !! أرحم صدرك وصحتك لوچه الله .. 

امتعض وجه هاشم بضيق قائلًا :
-هلال أنا مش ناقصـك .. حل عن نفوخي الساعة دي .

دنى منه متسائلًا :
-مال أخوك واخد في وشه وماشي ، وسامع كلام وحديت فالبـلد يمخول الرأس ، لعله خيـر !! 

قدم له هاشـم سيجارة من عُلبتـه ليونسه جلسته ، فرفع كفه ممتنعًا :
-حد الله .. لست بحاجة إليها !! لا أحب شيئًا أن يُعكر قلبي الممتلئ بحُب الله ورسوله ، ثم رقيـة .. 

مال هاشم فمه بسخرية على حال أخيه :
-ااه رُقية اللي ماشوفتهاش من يوم الدُخلة ياشيخنا !! 

-الرؤية رؤية القلب وليس رُؤية العين يا أخ هاشم ، ثم خليك في حالك يا سيدي !! 

ثم جلس بجواره قائلًا بنُصح  : 
-هاشـم ، أنا خايف على صحتك ، الأ تسمع عن خطورة التدخين على الصحـة،، ديه أنتَ حتى عريس وعنقولو يا رب سلم  !! 

حدجـه هاشـم بوجهٍ ساخر يحمل الهزء مرتديًا ثوب النُصح بمنظوره  :

-يارب سلم دي تقولها وأنت رايح تمتحن فالمُعجم والوجيز ، أما أحنا قلبنا ميت ياشيخنا .. نتشاهدوا ونتشقلبو چواة المعارك .. ويا قاتل يااا قاتل .  

تنهد هلال مستلهمًا الصبر :
-نفسي أقعد معاك قعدة واحدة وألاقيك متربي !! الله يهديك وينور بصيرتك .

ثم رفع حاجبه وهو يشعل سيجارة إضافيـة ليخمد حرائق جمة بصدره :

-طب وأنا قولت أيه !! قصدي أقولك ويچي الچواز أيه قصاد اللي عنشوفوه في سينا. 

ضاق صدر هلال من دُخانه المُتعفر فشد السيجارة من يده وثناها بقلب المطفأة :

-هاشم مالك !! أنت مش عتولع في صدرك غير لما يكون چواك حاچة وحاچة تقيلة طول عمرك ضارب الدِنيا باللي في رچلك ؛ حُصل أيه  !! قول يمكن نحلوها !!

زفر هاشم بكلل من عبء أحزانه المُتكدسة :
-أقول لك أيه بس!!

خاطب هلال قلبـه كعادته :
-السجاير مش حل ولا عمرها بتحرق الهّم المتعبي چوة صدرك .. لو اللي چواك مايتحكيش قوم اتوضى وصلي لك ركعتين وربنا هينور بصيرتك .. هو حاسس بيك .. ولو على الشغل مشاكله معتخلصش . 

نظر له هاشم مستفتيًا :
-قول لي يا هلال .. لو قلبك عاوز حاچة لكنها مستحيـلة ، وعقلك عاوز حاچة ومتيسرة قدامك  .. هتختار أيه !! 

حاول هلال أن يقرأ سبب حزن أخيه بعينيه ولكنه فشـل ، هز رأسه مُخاطبًا بأسلوب المجهول :

-يبقى في هذه الحالة تستفتي ربك ، وهو اللي هيخلق لك من ضلع المستحيـل مُناك ، يا إما هيقنعك باختيـار عقلك ويدخل جواه الرضا .. وهترضى غصب عنك .. 

ثم ربت على كتفه :
-قوم صلي ركعتين يعدلوا حالك وحياتك وهتلاقي الإشارة جات لك من عنده .. 

~الاسكندريـة .

بعد ما محت أثر تفتيشها بخزانة أبيها واحتفاظها بالميداليـة القديمة التي كانت مُعلقة في ملابسـها عندما أعطاها ماهر لـ رفعت الجرهري كضمان وحيد على نسبها للعزايزة ، واحتفظ سامح بأمانته .. قفلت " ليلة" خلفهـا باب الغرفة وهي تَرُد على اتصال رغد من رقمها الجديد ، فـ ردت بعفويتها:

-وحشتني يا رغود ، كده هتخليني أندم إني قولتلك ارجعي شغلك ، مكنتش أعرف إنك هتنسيني كده .. 

بلعت رغد أحد حبـوب الڤيتامين ثم قالت لها :
-أبدًا والله ، تعب الحمل مخليني أنام كتير واليوم بيعدي بسرعة أوي ، وأنا مش كده !! 

تلهفت ليلة متسائلة :
-يا حبيبتي.. صحيح هو ولد ولا بنت ؟!

وضعت رغد كفها على بطنهـا بحزن شديد :
-هاشم كان نفسه في بنت شبهي ، بس أنا نفسي في ولد ، ولد يطلع زي باباه … 

-هو محاولش يكلمك تاني ! أو يجي؟!

ردت بأسف :
-اخر مرة اتفقنا على الطلاق وأجرت شقة تانية و .. خفت يا ليـلة أعرفه أني حامل يتهور وعيلته يعرفـوا وأبقى بأذيه ، وكمان ممدوح الشيمي ، بيطاردني في كُل مكان عايزني أرجع لهاشم عشان يضغط عليـه بيا ، فأفضل حل الانسحاب .. 

سألتها بقلب يتتوق من لوعة ساعات الفراق:
-لسه بيوحشك !!

تنهدت بمرارة فأسهبت في سرد تفاصيل حُبها :
-فوق ما تتخلي ، أنتِ متعرفيش أنا وهاشم علاقتنا كانت أزاي ، أنا بالنسبة له كنت الحضن الحنين اللي بيهرب بيه من الدنيا  ، أنا عشت معاه أحلى سنتين عشقته يا ليلة ، سنتين عدو زي الحلم ، عارفة هاشم مجنون ومتهور شوية ، بس دول أكتر حاجة عجبتني فيه ، كنت بقوله واحشني بس ، تاني يوم ألقاه واقف على الباب وواخدني في حضنه .. علاقتنا أن وهاشم مستحيل حد يفهمها ولا يعيش زيها ، أحنا الاتنين روح واحدة في إزازة ..

ثم انخرطت دمعة من عينيها :
-لولا بس النصيب .. بس أنا عمري ما هبطل استناه وآكيد في يوم هيرجع قلبي مصبرني بكده ، أنه راجع ، مفيش حاجة مصبراني غير أبنه اللي تاعبني ده زي باباه بالظبط..

ارتسمت ابتسامة الحزن علو وجه لليلة وهي تتكئ على وسادة فراشها بنبرة متيمة لا تختلف عن نبرة صوت رغد :

-أنا معرفتش هاشم ، يعني كلامي معاه كان قُليل .. بس عرفت هارون حالة نادرة جدًا .. تعرفي هادي جدًا رزين ، ردود أفعاله مش متوقعة راجل أوي  ، شخص متعرفيش تشبعي منه أبدًا .. هارون أكتر شخص مختلف ويجننك باختلافه ده .. بجد وو

قاطعتها رغد لتفوقها :
-ليلة حبيبتي ، فوقي .. أنا شامة ريحة حب وياسمين وفراشات !! انفدي بجلدك يامامي ، طيب أنا ادبست وكُنت مغلفة ، أنتِ عالبر أهو وبقول لك أهربي .. أنا مش هسيبك تغرقي زيي.. ولاد طنت صفية هيجننونا معاهم .  

انفجرت ليلة ضاحكـة وهي تقول :
-معاكي حق ، بس أعمل أيه عجبني ومش قادرة أبعد عنه يا رغد .. خطفني ابن طنت صفية واللي كان كان .. أعمل ايه يا رغد ، شكلي ادبست وحبيته .. وهو كمان قلبي حاسس بكدة .. هارون بقا كل حاجة ليا الفترة الأخيرة .. أحساس أني قوية أوي عشان هو بس في ضهري ومعايا، أحساس كنت مفتقداه كتير..

أتاها صوت رغد ناصحة :
-يبقى تفرملي قلبك يا ليلة ، وأعملي زيي ، أنا أصلًا مكلماكي عشان أقول لك إني مسافر السويد عند خالو ، يمكن أقدر أنسى هاشم ..

انفرجت ملامح ليلة مذهولة :
-هتسافري !! هتهربي يا رغد وتحرمي أب من ابنه !!! لا مستحيل أقبل أنك تعملي كده آكيد في حل !!

~العزايـزة .

وصل هارون لأسطبل الخيول الخاص بيهم.. فلم يجد ملجأ لأحزنه إلا حضن "غيم " الذي اعتاده .. اقترب منه ومسح على رأسه بيده المدججة بشقوق الأيام المحفورة على قلبه .. تلقى "غيم" لمساته بهدوء بدون عتب على أيام غيابه وتقصيره بحقه ..و على أهماله له .. يبدو أنها وافق بوجود" ليلة " كشريكة معه بقلبه .. أن يتسابق مع مُهرة مقلها بفسحة قلب صاحبه  من فيهما يصل أسرع يا ترى .. خطواته أسبق أم قلبها المُحلق في سُحب الحب أسرع !

وضع هارون رأسه برأس "غيم" و يناطحه اللوم والعتب والندم وهو يوبخه :

-محذرتنيش ليه !! كان لازمًا توقفني .. روضتني كيف ما روضتك أهو وسابتنا مشت أنا وأنت والحزن !! بس تصدق عذرتك لما مشيت معاها من أول مرة ، كانت إشارة لراسي ولقلبي وأنا اللي كملت .. قِدرت على أصعب فرس في العزايزة بعفويتها ما بالك بقلب هارون يا غيم !! 

دوّى صهيـل صوت غيم بالمكان كأنه يقدم لصاحبه اعتذاره ..فوبخه :
-لساتك فاكر !! بعد أيه !! 

ثم انحنى ليحرره من مربطه وسحبه خلفه بهدوء متجهاً نحو ساحة الخيول  .. كانت خطواتهُ ثقيلة محملة بثقُلِ الأيام والحب الذي داهم قلبه بدون إرادته .. غضبه الدفين من "خضر" وما فعله به وكيف سيرد له الصاع صاعين !! كيف يتجرأ أن يكشف سترته وكيف صورهما وكيف عينيه لن تُلاحظا وجود أحد يتتبعه !! يبدو أن حضروها حجب العالم بعينيه مكتفياً برؤيتها وحدها  ..

وصل لساحة الخيول الرميلة وشرع في تمشية غيم بهدوء وصوت غناء منير يدوي بقلبه بالسماعة المُعلقة بأذنهِ :
-
"سمع بكايا الحجر نهنه وقال مالك؟ 
فتفت قلبي وأنا ببكي على حالك 
في حاجه غالية عليك يا شاب ضايعالك 
أنا قلت ضاع الأمل مني ومش آمن 
بحلم أعدي الزمن في نطة مش ضامن"
-

وصل مع غيم بمنتصف الساحة وهو يحركه حول فلك حزنه بدوران  .. يصدح "غيم"  بصوته الرخيم يُناجي أبواب الشوق أن ترأف بقلب صاحبه  .. ويزأر الشوق بصوت هارون الذي يشجعه أن يزيد من سُرعته ،  وصل صراخ هارون لمسامع الجميع حتى انخلع قلب أحلام من مكانه مفزوعة :

-ديه صوت هارون !! يا كبدي يا ولدي!!

فنادت على هيثم متوسلة :
-ياهيثم يا هيـثم روح طمني على أخوك والله ما قادرة أقف على رچلي .. 

يدور غيم حوله مثلما يدور حبه المفقود حوله .. مثل ما استحضرت ذاكرته حديثه مع أبيه الذي أجبره أن يفارق المجلس بعد رمي قذيفته بقلبه أولًا وبوجه الجميع ثانيًا  .. 

#فلاش بالك ..

 -ليه عملت إكده يابوي !! ليه !! عشان تملي مهاودك ونعم وحاضر وكلمتك معتتكسرش ولو على رقبتي .. تعمل في كِده !! طب فين الرحمة !! 

تحت أحد الأشجار البعيدة عن مقر المجلس .. انفجر هارون بوجه أبيه الذي حكم على قلبه بالاعدام خنقاً .. وفراقاً .. وحرقةً .. ضرب خليفة عكازه بالأرض :

-عملت كده عشان خاطر مصلحتك ! أومال كُنت عاوزني أعمل أيه !! 

-ولما حلفت على امي طلاق عشان اسيب القضاء كان لمصلحتي بردك !! أنت لساتك شايفني عيل صغير مش عارف مصلحته !! أنا هارون .. هارون العزايزي .. انت أكتر واحد عارف مين هو هاورن .. مش مستني نصحية من حد !!

جهر أبيه بوجهه :
-افهمني يا هارون يا ولدي !!

قاطعه وهو يخرج الوحش الذي يسكنه :

-افهمني أنت يابا !! أنا المرة دي مش هكون تحت طوعك .. المرة دي هختار أني أعيش .. ليه عاوز تهدني .. ليه عاوزني اتجوز زينة بعد كُل اللي عملته .. مش عاوزها ولا تلزمني ..عارف ليه ؟!

واجهه أبيه بالحقيقة التي يعلمها جيدًا :

-عشان زمام قلبك فلت يا هاورن وهاويت !! وأعوذ بالله يا ولدي من هوى الرجال .. العشق اللي قلعك توبك وضميرك .. وواقف هيمان في حضنها معذور مش هلومك سكك القلب مرفوع من عنيها القلم  .. فكرك أبوك مش عارف ونايم على وداني ..لاا خليفة العزايزي لساته بجبروته .. خلاك تسوق بس مشلش عينه من عليكَ .. ومش هيسيبك تغرق يا هارون .

لم يخجل من أبيها ليعلنها أمامه :
-حبيتها يا أبوي .. حبيتها ومش هخليها تضيع من يدي حتى ولو التمن موتي .. لقيت معاها هارون التايه من سنين .. المرة دي محدش هيوقفنـي حتى ولو كان أنتَ يا عمدة .. 

ضرب خليفه الأرض بمؤخرة عكازه بمرارة :
-جيه اليوم اللي ساقك فيه قلبك يا ولدي .. جيه اليوم اللي كنت خايف منه !! ياما حذرتك من الحُب ووقايعه .. وأهو چالك في الوقت الغلط ..

-مش أنت دايما اللي عتقولي اسمع صوتك قلبك .. وبعقلك  ديه خليه ينفع !! هو ديه اللي أنا عملته ! هخلي بعقلي كل اللي عاوزه قلبي متاح .. 

عارضه أبيه بصرامة :
-على حساب روحك وروحها وأعراف هوارتك اللي أقسمت إنك تحافظ عليها !! الراجل من كلمته يا هارون ! 

ولى وجهه وهو يركل جذع الشجرة بقدمه لفرغ طاقات غضبه :

-وعلى حساب أي حد يقف في طريقي يا أبوي حتى .. وأولهم بت صالح مش هتكون على ذمتي ولو القيامة قامت .. 

صرخ عليه أبيه بحسـم  :
-لازمًا تكون يا ولدي .. لازمًا تكون عشان تغير اللي مش عاجبك .. هو ديه اللي عقولك عليه حكم عقلك عشان توصل للعاوزه قلبك يا هارون .. متمشيش تطبش من غير وعي هتغرق !!

أحمر جمر الغضب بوجهه  :
-أنت عاوز توصل لأيه يا أبوي ؟! 

رفع وجهه بعيني أبنه وهو يطوى حقيقة ليلة في صفحات قلبه ، لانه متأكدًا لو علمها هارون سينفلت زمام أمره ولم يضع أخد بحسبانه فيخسر كل شيء :

-هجوزهالك ، هچوزك اللي قلبك رايدها  .. وديه وعد من خليفة العزايزي .. و رب العزة ما هتتجوز غيرها .. بس أسمع كلام أبوك المرة دي  وبس يا هارون يا ولدي ما توجعش قلبي ..أنا عارف اللي أنتَ متعرفهوش ! 

عارضه بعد اقتناع :

-شايفني عيل صغير هتضحك عليه بكلمتين عشان يقول نعم وحاضر .. أبا أنا هتجوزها ومش هتجوز غيرها واللي يحصل يحصل ..أنا مش هبقى تحت طوع حد ..

صرخ عليه ناصحاً بصوت بنافس الرعد بقوته :

-ولا ينفع تكون تحت طوع قلبك كّمان .. اسمعني ؛ قوانين العزايزة عشان تغيرها بعقلك لازم تاخد زينة ستارة ليك من شرهم .. وعشان توصل للي بتحبها لازماً تتجوز زينة .. هتقولي ليه زينة بالذات ونظلموها معانا .. هقولك عشان هي اللي اختارت مصيرها .. هي اللي هتقع في فخ شرها وهتخلص منها بالساهل  .. زينة اللي جابته لروحها ولازماً تتربي وتتعلم أن في حاجة اسمها نصيب ..نهايتها من جنس عملها .. 

ثم مسك ذراع أبنه راجياً :
-اسمع كلامي ومش هيخلص الشهر إلا وأنا مجوزك البت اللي عاوزها .. عشان خاطر أبوك يا هارون متخربش اللي في راسي .. لو عاوز البت متضعش من يدك اسمع كلام أبوك المرة دي وبس !!

صرخ رافضا قطعا :
-وايه اللي في رأسك يا أبوي عرفني يمكن اساعدك ...

#باك ..

جلجل صوت صرخته وكأنه ينافس صوت وجع غيم الذي يعاني من ألم صاحبه .. وصوت منير يصدح بصدره :
-
يا حمام بتنوح ليه؟
فكرت عليا الحبايب
يا حمام ضاع منك إيه؟
دوبتني كده فوق ما أنا دايب
والحلم أنادي عليه
لا بيسمع ولا بيهدي..

ونفس الحالة كنت تعيش تفاصيلها ليلة ..التي طال غياب حبيبها عنها وخلى الليل من صوته وكلماته وصوت ضحكته التي تبذل قصارى جهدها لتسمعها قبل أن تنام .. شدت الستائر وتأملت الهلال فوقها الذي يعلن افتراق عشاقه وهي تتنهد بوجع يحرق بقلبها واستدل قلبها على نفس الأغنية التي يسمعها فاتخذت من منير ونسياً لها ليصبرها على ساعات غيابه .. ليغني واصفا حالة قلبها :

-
عيبًا إن أقول على نفسي إحترت
أو أقول وليف روحي هجرني
من بين عيون الناس إختارت
جوز العيون إللي قتلني
-

ثم تنهدت بتعب وشوق يتضاعف بدون وقوف :
-أنت فين بس يا هارون !! يارب طمن قلبـي عليـه !

ثم فتحت هاتفها لترسل له مجدداً رسائل صوتية 
1-على فكرة أنت غايب ليك كتير .. قلقتني عليك!

2-تعرف اليوم وحش أوي من غير صوتك .. طلعت حد مهم أوي في يومي  ..أنت فين بقا ! 

3-هزعل أوي لو نمت من غير ما تطمني .. أنا مستنياك من وقت ما قولت لك على فكرة ..

4-هارون طيب أنت كويس !! خايفة أكلم حد من البيت أكون مكبرة الموضوع لوسمحت أول ما تسمع رسايلي كلمني في أي وقت .. أنا صاحية مش هنام .. رغم أني هموت وأنام بس لازم اطمن عليك الأول ..

ثم زفرت بتعب لا يوصف وهي تتنفس بعناء مرارة غيابه عنها ..

أشفقت "هيام" على أخيها الذي تراقبه من أعلى بأعين مدمعه وتتساءل :
-مالك بس يا هارون متوجعش قلب أختك عليك..

ثم تذكرت هاتفها الموجود على الشاحن لتحاول أن تكلم أخوتها ليدخلوا بالأمر ولكنها فوجئت برسائل "ليلة" الكثيرة ..قرأت هيام محتوى الرسائل ثم عادت لمكالمتها مكالمة صوتيه .. خفق قلبها للحظة وهي تتمنى أن يكون الاتصال منه .. فوجدتها "هيام" التي ردت عليها بلهفة :

-هيام أخيراً رديتي ؟؟!

-حقك علي يا ليلة ...بس

قاطعتها :
-أنتو كلكم كويسين .. في حاجة حصلت .. أنا هموت من القلق عليكم ..

تنهدت هيام بحزن :
-أقول لك أيه بس يا ليله .. البيت حاله ميسرش واصل ..مش فاهمة أيه حاصل؟

جلى حلقها بقلق :
-طمنيني بس .. هارون بخير .. هو فين بكلمه مش بيرد !!

-ولا هيرد عليكِ ولا على حد .. قاعد مع غيم تحت ..

-الله !! ليه طيب في حاجة زعلته !!احكي لي يا هيام !! 

ترددت هيام قبل أن تبلغها الخبر ، ثم قالت  :
-مش عارفة أقول لك أيه ولا فاهمة ، بس أبوي جيه وقال جواز هارون وزينة أخر الأسبوع ومحدش يعارضه ومن ساعتها البيت والع .. وهارون مش عارفه ماله !!

حلت النازلة على قلبها لتدرك ما قالته هيام بنيران تأكل بروحها  :

-أيه !! يعني أيه هارون يتجوز زينة يا هيام !!أكيد في حاجة غلط مش كده !

•••••

يتبع الجزء كمان شوية

لينك الجزء الاخير
من الفصل


🩶نهايـة الجزء الأول🩶

عندما سألوا قيس عن ليلتـه : 
‏- هَل ماتتْ لَيلى ؟
” لَيلى لاتمُوت، لَيلى فِي قلبِي، أَنَا لَيلى “

هذا هو الحُب أن مات كل شيء لا يموت حبيبك بقلبك سيظل حيًا مهمـا توهمت النجاة منه فهو حي ، يتنفس معك ، يعيش معك الحلم والحب وأي شعور جميل يسكنك .. 
هذا هو تعريفي للحُب … لا ينتهي حتى وأن انتهينا نحنُ فهو حي يرزق في دفاتر الحُب المُخلدة … 

#نهال_مصطفى ..

عنوان الفصـل : 
" من يعيـد لي قلبي ..
من يعيد لي ليلـي….  "🌼
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

" يعزّ علي قلب المُحب إغلاق الباب الذي تمنى أن يظل مفتوحًا لآخر عُمره "

إن حَناني الذي ذقتَهُ على يدي ، كان كل ما أعتصرَه قلبي لأجلك ، كان كل ما لديّ . . لِمَ مشيت !! ألم أغريك بالبقاء أم أغراك غيري بالذهاب !!

مرت أسوأ _ليلة وضُحاها_ على قلب " ليلة " التي اعتزلت الحياة والعالم كله هاربة تحت لحافها الذي يحميها من ظُلم العالم ، لا يوجد شيء أقسى من أن يخذلك من ظننت أنه نجاتك بهذه الحيـاة .. لتتأكد مقولة أبيها ذات مرة "فِي زمننا هذا، إياكِ أن تشعري أحد باحتياجك لهُ"

 مرت الساعات على قلبها ببطء شديد ، اختفى صوت هارون تمامًا خاصة بعد ما سمع رسائلها فضرب عرض الحائط بهاتفه ، وسيلة الاتصال الوحيدة بينهم تحطمت على الأرض .. كما تحطم كل شيء بينهم .. كمحاولة لنسيانها ، محاولة لقطع السُبـل .. ولكن الحقيقة هي لا شيء يُرسخ الأشياء في القلب ، كالرغبة في نسيانها …

جاء اليوم الجديد الذي حسمت فيه ليـلة قرارها بذهابها للـ" عزايزة " استعانت بمصاحبة " عم حسن" سائق أبيها والشخص الذي كان ونيس رحلة عمرها .. تجاهلت أوامر أمها ، توسلات أصدقائها ومحاولة إقناعها بـالبث الهوائي الذي سيعرض بعد يومين ، ولابد أن تتحرك نحو القاهرة وليست قنـا !! ولكن كيف يمكن إقناع بُوصلة قلب حسم نقطة جهته ووجهته ومقصده وقِبلتـه .. 

وقبل فجر هذا اليوم الجديد انطلقت ليـلة بدون علم أمها للعزايزة .. سكة سفر طويلة كانت برفقة ذكرياتهم معًا و بصوت منيـر .. مرت الساعات الطويلـة حتى وصلت لمقصدها مع غروب الشمس نفس اليوم .. فتح لها الحارس البوابة بترحاب ، فدلفت من السيارة طالبة من السائق أن ينتظرها متحررة من حقيبتها وقالت :

-هارون بيه فين يا عم جابر !!

-لساته داخل من دچايچ يا ستِ ليلة .. اتفضلي اتفضلي !! 

لم يكد يمضي القليل من الوقت لانفراد أحلام بقلب ابنها البكري ، فزفت له فردوس خبـر لم يتوقع حدوثه قط ، خاصة بعلمه الحتمي بأنها من المفترض أن تكون بالقاهـرة !! نزع عباءته الصعيدية بقلب يزُف فرحًا لرؤيتها .. ووثب ملهوفًا :

-عن اذنك يا أحلام ..هي كيف چات هِنه!!

صاحت أحلام متأملة في تجمع الأحبة :
-أبقى هاتها يا هارون وتعالى .. مستنياكم ياولادي ..

حملقت عيني صفية برؤيتها وخاصة بعد ما انكشف سر هارون برغبته فيها أمام العالم ، تراقصت شفتيها المذمومة :
-ودي عاوزة أيه ما تسيب الواد في حاله .. حيـة وبچحة عاوزة أيه من واحد فرحه بعد يومين …. 

ثم صرخت :
-شهلي يا فردوس ، العفش الچديد بتاع العرسان قـرب يوصل …

‏لا يمكن للإنسان أن ينسَى ما حّلَّ على قلبه بصُحبته.. رأته من بعيد فاندفعت نحوه بلهفة الشوق التي تغمرها وعينيها المتورمة وهي تلومه محاولة إخفاء الشوق الساطع بقلبها عنه :

-هونت عليك يا هارون متكلمنيش كُل ده .. شوفت أنا أجدع منك أزاي يا عُمدة .. أنت فين كُل ده ؟!

رغم شوقه لها الذي يفتت قلبه ، ارتدى قناع الجدية :
-چيتي ليه يا ليلة !!!

تلقت سؤاله بصدمة :
-يعني أيه جيتي ليه !! مسافة فوق الألف كيلو وبتسألني جيتي ليه !! هي دي حمدلله بسلامتك يا عمدة !! آكيد جاية عشانك !! 

"كنَّا حَبِيبَيْنِ والأيّامُ مُؤْنِسَةٌ ‏صرْنَا نتفارقُ والأيّامُ وقلبي تَرْتَعِدُ"

أشاح بنظره لبعيد كي لا يضعف أمامها فقالت :
-هارون ، ممكن تبص فـ عينـي وتكلمني !! أنت بتبص بعيد كده ليـه !! وأيه الأسلوب ده !! 

اقتربت منه متشبثة بكف يده المسنود على السيارة والدموع تنهمر من بحيرتي عينيها وأكملت بنبرة هستيرية :

-أنا غصب عني لقيت قلبـي بيتعلق بك .. بقيت حابـة وجـودك حابة اكلمك كل شوية .. بقيت كُل حاجة بالنسبـة لي  .. وأكبر دافع خرجني من اللي كُنت فيـه .. عارفة أن الكلام مش وقته وأنت خلاص هتتجوز بس .. بس لأزم أقوله قُدام عيونك .. 

تمزق قلـبه أربابًا .. فأردف بجفاء بريء منه :
-روحي يا ليلة ، أنتِ أيه اللي جابك ؟! روحي أرچعي بلدكم .. الحديت ممنوش فايدة دِلوق .. وبعدين هنتكلموا . 

ردت باندفاع تحت سُحب عينيها المنخرطة بالدمع :
-قلبي .. قلبي اللي جابني من اسكندرية لحد عندك .. وبردو هو نفسه قلبـي اللي واقف قُدامك وهيبص في عينيك ..

ثم ارتعشت نبرة صوتها بماس الاعتراف بـ دينامو الحُب الملتهب بصدرها :

-هيبص في عينيـك ويقول لك أنه صدق ما لقاك . رغم المستحيل اللي ما بينا حبك ، واتمنى قُربك ، أنا أول مرة قلبي دق فيها كانت ليـك أنتَ وبس .. ومعرفش ده حصل ازاي وامتى ولا أيه نهايته متسألنيش  ، بس أنا مش قادرة اخبي مشاعري أكتر من كده !! مشاعر جوه بتحرق قلبي يا هارون .. عايزاك تبقى لآخر العمر عايش معايا .. 

ثم تمسكت بيديه راجيـة وتتوسل إليه :
-طمنـي وقول لي أن جوازك من زينة كذبة  ، طمنـي وقول لي الحُب ده هيستمر وإنك هتعمل المستحيل عشانه ، الحُب ده مصيره أنا وأنت نكون مع بعض ومحدش يقدر يفرقنـا .. طيب بُص في عيني وقول إنك بتحبني زي ما بحبك .. أنا قلبي حاسسها وعايشها والله من غير ما تقولها .. بس نفسي أسمعها منك .. قولها وهستناك بعدها سنين والله.

أحس بذعر واتفاضة جسدها أمامه وهي تُكمل باكية :
-طمني بس وحياتي عندك ، وأنا والله مستعدة استناك عمري كله ، بس المهم أنك تيجي بس أوعدني تحاول عشاني أنت بقيت كُل حاجة بالنسبة لي .. هارون .. 

ثم جلى حلقها تحت ضباب السماء الملبدة بالغيوم كمصير قلوبهما :
-هارون أنا حبيتك غصب عني ..
متوجعش قلبـي أنتَ كمان .. 

كل ما آلفه ، يُغرّبني ويغرقني بضبابـه ، لِمَ ها هو حال قلوبنا أن أحبت !! لِمَ خُلق الفراق التؤام الملاصق للحُب !! لِمَ الهزيمة أمامها وأنا واقف مُكبل مغلول الأيدي والدمع !! يستعصى على قلبي المغرم أن يرى دموعك ويعجز أن يكفكفها بحضنه !! تنهد بآهات ملتاعة :

-ليلة مچيتك أهنه مش صح ، أنتِ متعرفيش حاجة روحيِ روحي وبعدين هفهمك…. 

-يعني أيه أروح !!! أنا لو مشيت من هنا مش هتشوف وشي تاني يا هارون .. هو ده اللي أنتَ عايزه !! حتى مش هتحاول عشاني!! أنا مستهلش طيب!! 

بتر قلبه من مكانه وقال منفذًا لوعده مع أبيه وهو يعصر جفونه المتحجرة من كثرة الدمع  :
-يعني روحي يا ليلة دِلوق مش عاوز حد يوعاكي .. خلاص .

-طيب وقلبـي !! هارون أنت كنت بتكذب عليا !قول لا عشان خاطري متسبنيش كده! 

-أنا موعدتكيش بحاچة ومنفذتهاش كل اللي وعدت بيه نفذته .. و 

جاء هاشم خلفه بعد طلب أحلام أن يبلغه رسالتها ، فلاحظ حِدة الحديث بينهما "وليلة" تخرج عن صمتها وحبها وتصرخ بوجهه :

-تصـدق أنا غلطانة أني جيت لك وغلطانة أني حبيتك ووثقت فيك !! غلطانة لما فكرت أنك مختلف عن كل اللي قابلتهم .. أنت طلعت ولا حاجة ولا حاجة يا هارون .. يا خسارة نزلت أوي من نظري..واعتبر دي آخر مرة هتشوفني فيها !! كان لازم من الأول أعرف أنه لا ومستحيل وو

ثم أشارت نحو هاشم الوقف خلفه و بصرخة متقنة الإخفاء في مكان خالٍ :

-هيبة وصيت وجسم رياضي يصارع الأسد ، بس للاسف فاضي من جوه يا عمدة .. طلعت جبان ، جبان زي أخوك بالظبط ….. 

كان يود ولو يقطع  حَديثها واتهامها القاسي له بِـ : "قُبلـــــــــــــة !"
قُبلة طويلة في الخلاء تمحـو كل ما قالته تنزع شوك روحه المتوقة إليها  ، قبلة يفضي بها نيران شوقه ، قبلة أن طالها سيحترقا معًا بها ولا يهتم لوجود أحد ..  

قيـل: ((لاَ البَوحُ يَطفِأُ مَا في القَلبِ مِنْ 
‏وَجعٍ ولا الدُّموعُ تُسَلِينِي فَتنهَمِرُ
و‏عَلِقتُ مَا بينَ كِتمانٍ يُؤرِّقُنِي
‏وبينَ قلبٍ مِنَ الخذلانِ يَنصَهِرُ .))

رمت قذيفـة اتهامها وركضت نحو سيارتها حاملة هموم بثقل جبال ودموع بقدر بحـر .. رمقتها بأسهم الخسة وهي تستقل سيارتها وتودع حلمها وقلبها الذي نبت بهذا المكان .. تودع الحُلم الذي خُلق معـه وهو يودع معها الحياة التي أراد أن يُكملها بحضنها ويستقبل حياة الجحيم التي فُرضت عليه ،  لقد.  أسرف بالكتمانِ حتى تآكلت روحه فلم يبقى منه شيء ، اطمئن قلبه على وجود السائق معها ثابتًا راسخًا عن مبدئه الذي دعس به قلبه وما يحويه بقسوة ... حك هاشم أنفه بارتباك متمتمًا بشكٍ حول اتهامها  :

-أحم وهاشم ماله بس !! هو في أيه يا هارون تقصد أيه بكلامها !! 

هتف باختناق لرغبته في سماع صوتها :
-هاشم اديني محمولك !!

-ليه يا هارون!! أنت لسه مصلحتش محمولك لدِلوق ولا چبت واحد !! 

زفر بضيق وهو يلوح بيده :
-خلاص مش عاوز منك حاچة ولا عاوز محاميل من أصلو !! 

••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

طمرت القـلوب في أكفان أقدارهـا ومصائرها .. عادت ليلة لاسكندرية ترتمي في حضن الأفعى ، حضن أمها التي لم تكُف عن تقديم الاعتذار لهـا ، وتترجاها أن تُسامحها أن تغفر لها ذنب تكذيبها  ، ألقت ليلـة نفسها في جوف النيران التي قُدمت لها الفُرصة على طبق من ذهب ، تخلصت "نادية" من كل أدويتها الطبية وجاءت بأدوية أخرى تنفيذًا لمخططها ولكن هذه المرة كان صوت الذنب يصدح بقلبها ، دورها كأم منحتها الأيام هدية مثلها اشتعل بقلبها صوت الضمير والندم  ..ولكن  ودومًا ما جاءت تهديدات رشدي لتحرق كل أحاسيسها هذه وبخ سُمه بمسامعها … بدأت نادية في رحلتها بقتل ليلة بجُرعات مكثفـة حتى تصل لمرحلة معينـة تتولى فيها السيطرة عليها وعلى كل ما تملك بالإضافة لإقناعها المستمر بالعودة لـشريف … 

لا يوجد ألم أكثر فظاعة من الألم الذي يحمله الإنسان في روحه.. كان سيجن جنونه حول فكرة الوصول إليها ، حول الاطمئنان عليها ، حول كيف سينفذ أبيه وعده الذي يقضي على روحه قبل أن يناله ، كانت ثقته في أبيه عمياء حد الاستسلام لأوامره بشرط أن لم يمر الشهر ولم تُكتب على ذمته سيترك العزايزة ويذهب لعندها حتى ولو كان الثمن حياته ، هو ليس جبان ولم يوهمها الحب ، ولم يعش شعورًا زائفًا معها ، كله كان حقيقيًا للغاية وأكثر توهجًا مما تظن ولكن المسألة باتت مسألة وقت لا أكثر .. الفاصل أيام وتعود له حبيبته الجميلة ، كيف ومتى وأين !! لا يعلم ولكن قلبه يؤمن برب ضارة نافعة !!

ربما لو أستطعنا الطيران لأزدحمت السماء بالهاربين .. مثلما قررت رغد التي علمت بحقيـقة زواج هاشم من ابنة خاله في هذه الليلة التي تضُب فيها حقائب سفرها وتلحق بأمها بسبب تأخر بعض أوراقها .. كان الأبم أشبه بخناجـر تطعن بروحها، أن تجرد روحك من جسدك وتغادر ، تغادر صوب المجهول .. لم تخلٌ حقيبتها من ملابس هاشم التي لم يهن عليها أن تتركها بمفردها فريسـة للغبار .. رغم أنها هانت عليه وتركها فريسة للغياب !! الغياب مصيرها النهائي !!! 
"لَو أَني أعرِفُ خاتمتي ما كُنتُ بدأت "

~ العزايــــــزة ..

لقد حل اليوم الموعود على العزايزة والمشئوم على قلب هارون وهاشم ..الجميع يركضون على قدم وساق لإعداد الحفل في ساحة قصر العزايزة الواسعة .. 
الوجوه محقونة بالغضب لكل منها علتهـا .. تجلس أحلام على المقعد المُطل على الحديقة تلف أحجار سبحتها السوداء بسواد ليلتها التي ترى فيها تدهور حالة أولادها وكسرة قلوبهم أمام عينها ظلت تستغفر ربها كثيراً حتى لمحت مرور هاشم الصامت عكس عادته  فنادت عليه بصرامة :

-هاشم !!!

زفر بضيق وهو يرمى هاتفه بجوارها ويجثو على ركبتيه أمامها :
-خير يا أحلام ! أنا فيّ اللي مكفيني مش ناقص والله . 

-خير أنت يا ولد يدي !! كلمت مرتك وصلت لها ؟! 

أحمر وجهه بجمر الغضب والعجز :

-مالهاش أثر يا أحلام لا بترد ولا عارف لها طريق .. ومش عارف اللي أنا بعمله ديه صح ولا غلط رأسي هتشت .. شايفها في كل حتة حوليّ .. ملازماني زي ضلي .

-اللي بيعفر عفار يا ولدي بيجي على رأسه؟ 
كظمت غضبها بالاستعانة بذكر الله والاستغفار :
-وحكيت لنغم الحقيقة ..؟

رد بكلل :
-محكتش يا أحلام .. وعاوز أسيب البلد كلها وأهج .. نغم متعلقة فيَ كأني طوق النجاة ليها من العزايزة .. وأنا حاسس إني اتورطت ومش عارف أعمل أيه .. قلبي عند رغد وعقلي هنه وسط أهلي وناسي !! وحشتني يا أحلام مش عارف أنا عملت فيها إكده كيف !

فركت  أحلام كفوفها بعجز وقلة حيلة :
-وناوي تقول لنغم ميتي !! هتكدب عليها هي كمان !! هاشم أنت لو مصارحتش البت أنا اللي هقولها .. 

ثم زفرت بضيق :
-دانتو كتب كتابكم بعد ساعة !! غلط يا هاشم .. غلط يا ولدي ظلم الولاية ..

تنهد تنيين الهم من داخله :
-طيب يا أحلام هقولها ..بس أنا كيف يدي هتقدر تلمس واحدة بعد رغد !! عقلي مش مستوعب يا أحلام .

عاتبته بوشوشة :
-وأيه اللي رماك على المر غير العصبية والتهور اللي أنت فيهم !! بدل ما تهدى وتحل المشكلة مع مرتك وتعرف راسك من رجليك معاها .. رايح تتجوز واحدة غيرها !! وتدخلها بينكم .. تمن اللي أنت عملته يا هاشم هيدفع واعر قوي ..أنا حزينة حزن سنين عليك وعمالة أقول ربنا يسترها عليك !!

رد بأسفٍ :
-ممسوك من قلبي المرة دي يا أحلام.. قلبي مش عاوز يخون رغد بس عقلي عاوز ينساها بواحدة تانية ، كنت فاكر الجواز هو الحل بس طلع نار فوق النار .. ومش عاوز أطلع عيل قصاد أبوي وناس نغم بعد ما اتفقنا ؟

مسحت على رأسه بحنية أم انفطر قلبها وجعا على ابنها :
-يبقى تسمع كلامي .. تعرف نغم الحقيقة وتتقي ربنا فيها يا ولدي .. وتسافر لمرتك تحكي لها كل حاجة طالما قلبك رايدها.. وعرفها هي قابلة جوازكم يبقى على السنة العمر كله !! هل قابلة متخلفش منك !! هل قابلة واحدة تانية بقت مرتك قصاد الخلق ؟! 

ثم تنهدت بحرقة وهي تقاوم دموع عينيها :
-ديه الحل الوحيد لو عاوز تاخد كل حاجة لروحك .. حل أناني وظالم قوي يا هاشم ميرضيش ربنا وربنا يسامحني عليه .. بس مش هاين على يا ولدي أشوف قلبك محروق بنار قلة الحيلة والحب ..

ثم ربتت على كتفه وأتبعت :
-قوم عدي ليلتك وبعدين يحلها ربك من عنده .. 

~بغُرفة هاجر ..

كانت تستعد لحفل زفاف أخوتها وهي ترتدي الملابس الأنيقة و الجلباب الصعيدي المتميز الذي يضيف على جمالها جمالاً .. كانت تتغنج وتتمايل أمام المراة فتذكرت حضن أخيها هلال وهو يستقبل زوجته أمام المحطة غير مكترثاً بالمارة حولهما .. فضحكت متوعدة وهي تثني حجابها :

-طب يا هلال والله ما مفوتاهالك !! دانا كنت أحضنك قصاد مخلوق يركبك مية عفريت !! الحب يعمل المستحيلات يا ولاد !!

جربت لون الوشاح على وجهها لترى مدى تناسبه مع العباءة .. فتراجعت وهي تهذي مع نفسها ساخرة على أخيها وهي تُقلد نبرة صوته :
-شُرب المية فتنة !! ديه فتح لنا مائدة رحمن في العربية !! أه ياناري منك يا هلال يا ولد صفية والله ما حد هيخلص حقي منك غير أبو الهياثم ..

ثم أخذت تدندن مع نفسها ببعض الكلمات "الحلوة الحلوة الحلوة .. برموشها السودة الحلوة شغلتني نادتني خدتني "
ثم تنهدت مغرمة بصوتها :
-والله صوتك طرب يا بت يا هاجر .. ادينا ورثنا حاجة من مولانا !!

ما كادت أن تضع دبوس حجابها فتراجعت أثر رنين هاتفها .. شبح ابتسامة خفيفة بدّ على ملامحها عند رؤيتها لرقم المتصل .. فردت بعفوية :

-وبعدهالك عاد !! دي مكنتش حركة جدعنه عملتها معاي هتتصل كل هبابة !!

مدد شريف على فرشته مبتسما مواصلا سير خطته بعد ما اقتحم حياتها بمخطط دنيء مثله :
-أيه الوش ده كمان .. ما كنا حلوين !!

-أحنا مش اتفقنا متكلمنيش واصل طول منا في العزايزة ..وأنت وافقت وقولت أمين !!رچعت في اتفاقك ليه !!!

-مكنتش عامل حساب للشوق يا بنتي .. ورجعت في كلامي عادي!!

-الصعايدة ماعيرجعوش في كلامهم واصل!

-بس عندنا في اسكندرية الحب له استثناءات عادي .. خليكي معايا تكسبي.

لمعت بوجهها كلمات الحب التي تحتاجها كل فتاة بيومها فقالت مترنحة :
-وبعدهالك !! أحنا صحاب وبس .. هغير رأيي ومش هتعرفلي طريق !!

-لا أنا عارف كل طرقك !! طريق بيتكم .. طريق جامعتك .. طريق سكنك .. والأهم طريق قلبك !!

تحررت من حجابها وهي تعبث بشعرها بشرود :
-لا والله !! وايه هو طريق قلبي يا شريف بيه ..عشان شكلك سبت الداخلية واشتغلت بوسطجي ...

انفجر شريف ضاحكاً وهو ينسج سحره كأنثي العنكبوت حولها وقال :
-معنديش مانع اشتغل بوسطجي طول ما أنا هبقى مرسال في بحر هواكِ..

أحمر وجهها خجلاً :
-هقفل على فكرة ..

-خلاص خلاص وعلى أيه الطيب أحسن .. فرح أخوتك الليلة ؟..

-أيوة عقبال فرحك !!

-اسمها عقبال فرحنا عشان أنا خلاص نويت ..

ردت ساخرة :
-نويت في أحلامك السعيدة .. أنا عزايزية يا بني .. فوق وأعرف أنتَ عتكلم مين .

-مش مهم هخطفك ومحدش يعرفلنا طريق ..بس مش هسيبك .

خفق قلبها بحماس لسماع المزيد منه ولكن عقلها حضر وهي تقول :
-يا وقعة سودة.. أقفل أقفل .. أمي عاوزاني تحت !!

أنتهت المكالمة بوجهه وغاصت في الضحك الغير مبرر وغاص هو في بحر أوهامه ومخططاته الخبيثة متوعدا :
-مبقاش شريف أبر العلا يا عزايزة لو ما خليتكـم تحفوا ورايا .

ثم قطع تفكيره اتصال أبيه الذي يخبره :
-أنت فين يا شريف ... ما بتردش ليه ؟

كذب قائلا :
-كنت نايم يا بابا خير ؟!

فتح رشدي زر قميصه وهو يجلس على مقعد مكتبه :
-مبروك يا سيدي نادية لسه قافلة معايا وقالت لي ليلة موافقة تكتبوا الكتاب مع أول أجازة ليك ..مبروك يا عريس البت جات تحت  أيدك وسلمت ..فوق بقا للعب التقيل.

تأفف بضيق لسماعه الخبر ولكن لا صوت يعلو على صوت المصلحة فقال :

-وادي ورطة كمان ..أوامرك يا رشدي بيه ..وأدي ضربة جديدة لهارون العزايزي .. ابن حلال ويستاهل .. يلا بالشفـا . 

•••••••••••

~بغرفــة هلال .. 

-"كلهم يطيروا العقل يا شيخ هلال .. تسلم مجايبك والله .. بس تعبت روحك"

كانت رقية واقفة أمام المرآة تستعد لحضور حفل زواج كل من هاشم وهارون وهي تقيس الملابس الجديدة التي أحضرها هلال طوال فترة غيابها بأسيوط .. تغنجت أمام المرأة بفستانها الأسود من الخامة القطيفة و أكمام فضفاضة ويغطي كعب قدمها من الوراء بحزام خصر يفصل بين مواطن جمالها الأنثوي التي أغرقت رجل دين يود أن يُقيم بمخيمها كافة حدود الله ، رجل هادئ تقي  تاه وضل على شط هواه المحُلل ..
حك ذقنه وهو يراقبها بعيونه المائلة التي تتفحصها بحرية من رأسها للكاحل .. كل شيء متناسق كما قال الكتاب إلا شيء واحد فقط ، ألا وهو رباط رأسها الذي لم تتخلى عنه في حضرته أبداً ..

اقترب منها ليفصل بينها وبين صورتها المنعكسة بالمرآة كأنه أراد أن ينفرد بجماله لوحده لا يريد أن تشاركه فيه حتى المرآة .. وقف أمامها صامتاً ذائباً في حرم حسنها .. ورغم وزنها المفقود كثير إلا أن كل هذا لم يؤثر قط على سحر جمالها الغالب .. ويقول متغزلًا :
-"يكادُ حُسنكِ أن يُغوي ملائكةً،
فما تظُنين بابنِ الطينِ والماء !؟"

تأرجحت عينيها بخجل من جراءة نظراته وهي تسأله بخدود متوردة :

-شيخ هلال .. هو فيه أيه ..بتبصلي كِده ليـه !! أنا فيّ حاچة !! وأيه الكلام الكبير ديه !! 

ارتسمت معالم الجدية على وجهه :
-هناك أمران لا ثالث لهما ..

ثم حملق بوجهها الأبيض :
-تحلو اسامي الأحبة أن سبقها ياء الملكية أو ثمة غزل يوحي بذلك .. فالألقاب ما هي إلا مسافات تبعدنا وتُشتتنا .

تراقصت جفونها بتوجس :
-يعني أيه .. قصدي يعني أيه يا شيخ هلال ..؟!

-يعني بدون شيخ يا رقية .. أي شيخ هذا الذي تذكرونه في غُرفتنا !!غُرفة نومنا .. فـ مثلمـا نتجرد من كُل شيء بيننا ، فما الحاجة بوجود ألقاب خانقة !! 

تفرغ فاهها بصدمة :
-يعني أيه بردك .. هو أنت مش شيخ ! ولا أنا قولت حاجة غلط ؟ طب أقول لك أيه !

فرك حاجبيه بتحير في أمرها :

-كلا .. شيخ ولكن خارج هذه الغرفة .. أما بيني وبينك فأنا هلال أو على الأحرى زوجك .. وعلى الأحب رفيق روحك .. وعلى التودد فأنا حبيب عمرك وشريك أنفاسك هذه .. كلها ملكي .

غار الورد منها ففجر حمرته بوجهها الخجول من شدة غزله فتراجعت خطوة للوراء وهي تتحاشى عينيه المركبتين :

-أومال أقول أيه ؟؟ قصدي مش هعرف أقول غيرها .. لا لا أنت شيخ هلال وبس ..

استغفر ربه سراً :
-لا .. هلال وبس إلي أن يحن هذا اللسان بألقاب أخرى .. بدون شيخ .. 

ثم اقترب منها الخطوة الفاصلة بينهما وقال معترضاً على حجابها :

-ألا تسمعين بقول أمنا عائشة رضي الله عنها "سبحان من زين الرجال باللحى والنساء بالذوائب "

ردت بتوتر سيطر على عقلها اليقظ دوما :
-يعني ايه !!

تسللت أنامله تحت حجابها الأسود المربوط للوراء لينزعه عن رأسها بجرأة غير معهودة وهو يقول :

-ألا تدرسين عن أهمية الهواء للشعر و للقلب تحديدًا لقلبي !! .. لِمَ تكفني هذه النعمة في قطعة قماش بالية..

لم يتوقف عند حد نزع حجابها فقط بل امتد كفه ليحرر شعرها الأسود الطويل المرسل خلف ظهرها .. لقد كان بلمعة و نعومة ثوب أسود من الحرير ليتأوهه أمام حسنها معبرا :

-اوووه الله أكبر .. سبحان الخالق فيما أبدع وصور.

ثم أشاد بحسنها مُستعينًا بأحد الأبيات الشعرية :
-هل يا ترى من بعدِ شَعْركِ سوف ترتفعُ السّنابل؟

لم تشعر بنفسها إلا وهي تغطي شعرها بكفوف يدها كمحاولة لإخفاء خجلها منه .. أحس باضطرابها وتعريها أمامه وأمام عينيه التي لم ترحمها لم تتنازل عن إفشاء رغبته فيها كلياً بجراءة .. أمسك بكفوفها وبنظرة تحذيرية :

-رقية انتهى الأمر وهذا أمر مني .. لا تخفي عني ليلك مثلما لم تخفيه السماء عنا .

أودت الهرب منه وغيرت مجرى الحديث :
-طب أنا عاوزه أكمل لبسي .. الناس هتيجي وأنا متأخرة !!

دارت نصف دورة حول نفسها مزهرة عباد الشمس ثم عادت إليه لتسأله :

-أنت ليه مش هتكتب كتاب أخواتك ..أنت بردك مش مأذون ؟!

تبسم بهدوء :
-أنا لا أكتب عقدا إلا على قلوب الأحبة .. أما ما يفعلونه بالأسفل أنا بريئ منه ليوم الدين ..

-يعني ايه مفهمتش ؟!

لجأ للهجته الصعيدية :
-يعني هارون واضح أن زينة مش اختياره .. والرضا مش موجود بيناتهم .. 
وهاشم مش فرحان ومش عارف أوصل للي في راسه حاسه تايه  وفي حاجة مش مريحة قلبي وعقلي ..

أومأت متفهمة وهي تستأذنه بعيونها بحياء :
-طب عاوزة أكمل لبس ممكن توعى من قِدامي ؟!

ثم أعقبت :
-كل الحاجات اللي جبتها حلوة قوي قوي تسلم يدك .. 

رفع حاجبه متعزلا :
-هتحلى بيكي .. انتظري ....

ثم تحرك نحو ضلفة دولابه وأخرج منها علبة قطيفة ثم عاد وفتحها أمامها :
-شبكتك يا رقية .. اعذرني جبتها على ذوقي ويارب تعجبك بس اللي مش عاجبك نغيروه عادي ..

شهقت بفرحة وهي تتطلع بكفوف يدها الخالية من محبس زواجها .. كأي عروس ترى شبكتها تبرق أمام عينيها ..فتحت العلبة أمامها لتجد به سلسال كالشمس يشبهها كثيراً .. وثلاثة غوايش وحلق ومحبس زواجهما واساورة بخاتم أنيقة .. وخاتم آخر بطول أصبعها .. انبهرت بجمال اختياراته فارحة :

-دي حلوة قوي .. الله كل ديه ليّ !!

-الدنيا كلها تحت رجليكي يا رقية .. 
ثم غمز بطرف عينيه :
-ماينفعش مراة هلال العزايزي تنزل على الناس ويدها فاضية !! أنت عاوزاهم يأكلو وشي ويقولوا متچوزك بلوشي !

تأمل ابتسامتها الخفيفة التي فتحت طاقة من النور بقلبه .. دار ووضع العلبة على التسريحة ثم أمسك بخاتم زواجهم وطلب يدها :
-يدك عاد عشان ألبسهالك !!

مدت كفها المهزوز لراحة كفه التي تستقلبها بكل حب .. وضع ختم ملكيته بأصبعها ثم رفع كفها لمستوى ثغرها يلغفه بقُبلة أحدثت زلزالا بقلب المسكينة .. 
كانت قبلة بمذاق الشوق والشوك .. رغم حنانها إلا أن ملمس لحيته أثار قشعريرة غريبة بجسدها ثم أرسل لها غمزة وهو يراقب تغير ملامحها التي يخترقها شيئا فشيئا .. ثم عاد ليلبسها باقية حٌلي يدها متعمدا لمسها بكافة الطرق التي تسرب حبه لقلبها المتجمد .. أن يصهر بلمساته قلبها الجليدي!

ما فرغ من يدها انتقل لجدار عنقها ليزينه بحبه .. لمس شعرها بحرية ولملمه كله أقصى اليمين فازداد الحلى والحٌلي بعينيه وهو يتنهد بشوق لاذع :

-يالله !!!!هذا الجمال كثيراً عليّ ..برب محمد قلبي أضعف من أن يتحمله !!

وقف أمامها مخترقاً قوانين المسافات بدون أدني شفقة على المسكينة التي تنهار خجلا بين يديه متعمدا قفل السلسال على رقبتها .. فدمدم بسُكره المُحلل مُنشدًا :
-أُغالِبُ فيكَ الشَوقَ وَالشَوقُ أَغلَبُ وَأَعجَبُ مِن ذا الهَجرِ وَالوَصلُ أَعجَبُ

ذاب في قربها وذابت في عطره الذي جعلها تقفل جفونها ساكرة ثملة منها .. تاهت اعينه في خيوط الليل فأراد أن يستدل بخريطة عنقها الذي أغراه بنفسٍ ثم ملامسة لطيفة ثم قبلتين بمذاق الشوق والتردد والأذن .. 

ابتعدت أنفاسه قليلاً وكأنه يمنحها فرصة للاعتراض كي لا يخترق حصونها عنوة .. فلم يجد أمامه إلا  فراشة مضمومة جناحيها وهي تتنفس رحيق الزهرة وتنكمش بحضنه.. ابتدت قبلاته الخفيفة من تحت أذنها ليشبع كل إنشاً بها بماء حبه .. تجرأ في شوقه أكثر وهو يلف ذراعه حول خصرها ويقربها منه أكثر مكملا مهمته ويغرق في بحرها شيئا فشيئا وبين كُل قبلة والأخر يتنهد رحيق هواها ...فيحرك ألف ساكن بكيانها النحيل !

كانت لمساته على قلبها كسقوط قطرات الغيث على أرض جافة أوشك أن تموت ثمارها ، بقبلته لذة غامضة .. كان شعور غريب لا تعرف معناه أ هل له صدي العجب أو النفور .. ولكنها كانت مستسلمة تريد المزيد من جملة المشاعر المبهمة التي احتلتها حتى تفهم معناها .. سرت الصدمات الكهربائية بجسدها الهزيل وهي تغرق في بحر حبه الهادئ المنهمر فوق قلبها .. وبين الموج الثائر الذي اخترق حصونها قهرا وظلما .. شتان الفارق بين هنا وهناك .. شتان الشعور بين كون قلبي بيد أمينة مثله وبين وضعه بين أنياب الذئب المكار !! 

كان حبه المتدفق يزداد شيئا فشيئا مع كل قبلة تنهار قواها للدرجة التي لم تقاومه فيها بعد .. اختلطت لمساته الحرة والحنونة مع خربشات الذئب المتوحش للتذكر تفاصيل هذه الليلة المُرة التي عاشتها .. لتخمد كل مشاعر الانثى التي أحياها شوقه وتثور مشاعر النفور والرفض .. 

وفي اللحظة التي ظن هلال أنه امتلكها حتى ولو سيفوته الفرح والزفاف والناس المهم يكسر الحاجز بينهما مستعدا لخوض معركته الآدمية مع قلبها التي تنسيها كل مُر مر عليها .. باغتته بدفعة قوية وهي تعلن رفضها القاطع لقربه  .. تعلن خوفها رغم انجذابها لقربه الساحر والمميز .. تعلن أنها لم تستطع التخلص من الماضي وأن هذه العلاقات السامية لا تليق بقلبها المخدوش والمُتهري .. تخشى أن تعيش نفس الألم مرتين .. جملة من المشاعر منحتها القوة الكافية لتخلصها من أسره ليرتطم ظهره بالمرآة وهو يحاول استيعاب تصرفها الغامض لتقول ببكاء وهي تتأهب هاربة من سطو عتابه واعتذارها :

-أعذرني بس ماقادراش !! 

••••••••

‏تتعدّد الآمال، وتمتد المخاوف و يهون السفر الطويل في مناكب الأيّام باليقين وحده، بالإيمان بأنّك في معيّة مدبّر الأمر كله

~بغُرفة هارون ….

• "العايز اهبل ، وانا مستغني عن الدنيا بحالها"

•"حب الحريم يذل ، وأنا ما عاش ولا كان الـ يذلني"

كان يذكر نفسه بوعوده التي كسرتها و مبادئه ومعتقداته بالحيـاة وأدخلته في سجن  حبها المستحيـل حتى وقف أمام صورته معترفًا :
-الصبي اللي بيرعى الغنم كُل صُبح ، حر اكتر مني .. ياريتني كنت بداله..

يقف أمام المرآة يستعد لاستكمال مسرحيـته مع أبيه التي عقـد على نفسه وعدًا بالوفاء !! ماذا لو كانت هي وحدها ليلتها ستُزف إليه هذه الليل !! ماذا لو كانت الليالي الخالية من صوتها تُكافئه الليلة وتأتي بها كلها بين ذراعيـه ؟! ماذا ولو تحول المستحيل لممكن !! والفراق لقُرب !! والغياب لعناق طويل تقرقع فيه عظامنا !! ماذا لو !!!! 

~بمدينـة الانتاج الإعلامي " القاهرة "

كانت " ليلة" جالسة أمام المرآة شاردة بعالم آخر ، الجميع يتهامس من ورائها يتراهنون على فشلها ، تقف الفتاة المختصة بالتجميل لوضع اللمسات الجمالية على ملامحـها الشاردة بعيدًا وبالأخص إلى " العزايزة " التي آسرت قلبهـا .. لا تسمع لأي صوت حولها إلا صوت قلبها الذي يصدح بصراخ الرفض والفراق والإعدام على جنين حُبها قبـل أن يولد ، لقد قُتلَ في زحمة الأعراف والقوانين وظلم البشر، وظلم شخصًا مزيفًا اتخذته حبيبـًا ..

أقبل أحد أشخاص الإعداد الذي يتهامس مع رفيقه بضيق والعين المرصودة من رشدي:
-أنا مش عارف دي هيطلعوها هوا تفضحنا !!

فهمس له الآخر :
-وسايط يا عم ، أحنا مالنا !

-قصدك فضايح .. دا أحنا هنشوف العجب ..

ثم فتح غُرفة البروڤو وصاح:
-يلا يا أستاذة …

قفلت " نادية " هاتفها وتقدمت نحو ليلة التي حُشيت خلايا جسدها بالأدوية السامة ، ربتت على كتفهـا ممثلة دور الأم ببراعة :

-يلا يا ليلة ، بيستعجلوكي ..

فأتبعت جوري معترضة:
-طنت نادية !! ليلة هتطلع أزاي هوا بالشكل ده !! دي مش معانا أصلًا !!! 

أبعدت الفتاة عنها بدون ما تفحص هيئتها ثم وثبت قائلة بهدوء ما يسبق العاصفة ، فلم تكترث أي أهمية لوجع رأسها مُقارنـةً بصراخ قلبها .

حتى لو اقتضى الأمر أن تخلع قلبك وتمضي من دونه، المهم أن لا تبقى مرهونا بالمشاعر التي تمرر لجوفك القلق والأذى وتبقيك راكدًا ... وقالت:

-أنا جاهزة ….. 

ما كادت أن تخطو خطوة فأصيبت بالدوار فتلقتها أيدي صديقتها صارخة باسمها ثم أتبعت:
-طنت نادية دي تعبانة أوي ..

استجمعت نفسها مستندة على عكاز الوجع وقالت بمقاومة:
-أنا تمام .

ثم نظرت للمُعد الذي يُراهن علي فشلها :
-يلا  … 

~غُرفة هاشـم …. 

وفي النهاية تموت الأشياء والشعور، وتبقى الذكريات مغبرة على رف النسيان، يصبح كل شيء باردًا وهادئًا، تكاد تكون كالجثة متبلد الأطراف والشعور وأنت مُشاهد فقط !! 

فتح هاشم غرفته وخرج منها بخطوات عاصية غير راضية تمامًا على تصرفه الذي ورط نفسـه فيـه مع كل خطوة كان يسترجع خطوات يومه مع رغد وتفاصيلها ومشاعرها !! أين ذهبت جُملة هذه المشاعر خلفها!! 

 فرغن العرائس من ارتداء ملابس الزفاف بأحد غُرف البيت واحتشد الجميع في انتظار العرسان ، شباب العزايـزي …

-""شوفي ياخَيتي  وكمان صيغها وجايبلها شيء وشويات""

-""مرزقة بت صفاء من يومها ""

كانت رُقية تسير خائفة تتمسح بالجدران من هول النظرات الخبيثة عليها وهمسات النسوة التي تتجاهلها بصعوبة ، حتى داهمها فجأة وجود "هلال" الذي امتلك خصرها النحيل إثر سماعه لبعض الكلمات المزعجة وتعمد أن يقربها له أمام الجميع ويطبع -قبلة- إعلان ملكيته على رأسها وفخره بها رغم خلافهم ، رغم رفضها له وكسر قلبه الذي تحمس لملكيتها دهرًا ،  ولكن كل هذا لم يُقلل شعوره بدعمها ومساندتها .. نظرت له بامتنان ، فحذرها ناصحًا :

-أنتِ هِنه صاحبة البيت واللي مش عاجبه يمشي يا رقية .. أرفعي رأسك دي !! أنتِ مراة هلال العزايزي ..وأنا چارك لو عُوزتي حاچة . 

-أهم حاجة يا عمتي قصقص ريش طيرك أحسن يلوف على غيرك !!
كانت السعادة تتقاذف بمعالم وجه زينة التي تتهامس مع عمتها وتجلس بجوار أبيها المُعارض للزواج ولكنه لم يعارض فرحة ابنتـه .. لكزتها صفية بحرقة:
-جاكي قص لسانك يا فقرية ، بعد الشر على ولدي..

كانت أحلام سجينة غُرفتها ، فلم تطأ أقدامها أعتاب الحفل الذي يُخالف لرغبة القلوب وهي تدعي ربها جهرًا وعلانية أن يحل مأزق أولادها .. بالخارج هتف هيثم مُعلنًا بوصول المأذون …

تقدم هاشم مناديًا على نغم التي ترتدي فستان أبيض من الستان بسيط للغاية وقال بهدوء:
-نغم ؛تعالي عاوزك …. 

•على الجهـة الآخرى من العزايزة ..

تسللت نجاة ليلًا مرتدية عباءتها السوداء برفقـة صغيرها وهي تختبئ تحت الجدران بعد ما هيأت لها أسماء الطريق ، لتستقل سيارة رؤوف الذي ينتظرها أمام الباب الخلفي ، صعدت هو وولدها بالكنبة الخليفة وانطلق رؤوف على الفور وهي تسأله:

-صح اللي عنعملوه ديه يا رؤوف !!

-صح وچيه متأخر كمان يا نچاة .. خلصت ..

~عودة للبث المباشر . 

 
لحظات قليلة باقيـة على خروجها على الهواء مباشرة وعلى أكبر القنوات التلفزيونية التي دُفع لها بواسطة " هاورن"  كي تقبل برنامجـها .. كانت واقفة بكامل أناقتهـا وبيدها باقات عناوين الحلقـة ، بدأ العد التنازلي لفتح الكاميرات معلنًا استعدادها حتى هتف المخرج بكلمته الآخيرة صارخًا :

-يلا هووا ….. 

أخذت نفسًا عميقًا وهو تتطلع بالكاميـرا الموجهه إليهـا ومع ابتسامة مزيفة قالت :

-يا مساء الخـير على حضراتكم وعلى كُل اللي بيشوفني لأول مـرة ، أحب أعرفكم بنفسـي ، أنا الإعلاميـة ليـلة الجوهري .. وهكون معاكم في برنامج حكاوي الليلة مع ليـلة .. 

أحدثت نفضـة مخفية بجسدها وهي تنظر للكاميرا الثانيـة وأتبعت :

-فكرة البرنامج قائمـة ما بين الحقيقة والخيـال .. هنتكلم كُل أسبوع عن مكان مميز في مصر وبالأخص عن خبايا وأسرار المصريين القُدماء ، دايمًا مُؤمنة اللي ميعرفش الماضي مش هيعرف يعيش الحاضر ، هنعرف أيه قصتـه وأيه حكايتـه وأزاي أحنا نتعلم منـه .. هعرفكم من خلالـه عن أسطورة المكـان وأيه علاقتها المشهورة وازاي جـت وهل هي حقيقة أم كذبة !! 

ثم أخذت نفسًا هادئًا وأتبعت :
-وده اللي هيأكدهولنا نُخبة مميزة من علمـاء ودكاترة الآثـار .. اللي هينورونا كُل حلقـة .. والنـهاردة وما بين الكـذب والحقيقـة ، الأسطورة والواقع ، القلب والعقـل .. ومن المفترض هتكون البدايـة من صعيد مصر ، وهي معابـد دندرة.. ااه أول مكان صورت فيه !

ثم ولت وجهها نحو كاميـر 3 مثل ما طلب منها المُخرج خلف نظرات السُخرية من أعين لصوص "رُشدي" .. فاجأت ليلة الجميـع وبدون أي مقدمات قامت بتمزيـق الباقة الإعلامية بيدها ووقعت كُلها تحت قدميها وتحت ذهول وأعين مندهشة من فعلها الجنوني والمهمات أتبعت بحرقة :

-بس مش صح ، البدايـة المفروض تكون من هنا ، من عند ليـلة سامح الجوهري .. مبدئيًا مش عايزة حد يقطع الإرسـال وبقدم كامل احترامي للدكتـور "___" مش هقدر استضيفه النهاردة ، عشان هيكون معانا ضيف تاني !!

ثار الجميع من خلف الكاميـرا كُل منهما يجع مقترحًا بوقف البث عنهـا ، ولكنها تجاهلت كل ذلك وأتبعت وهي تشيـر نحو قلبها :

-ضيف الحلقة دي هو قلبي .. وقلبك وقلب كُل بنت وولد بيتابعونا دلـوقتي .. أنا عيشت عمري كُله نفسي شخص واحد بس يسمعني ويسمع صوت قلبي .. 
لكن دلوقتي وأنا قُدامكم حابـة اتكلم والدنيا كُلها سمعاني … 
الحكـاية ابتدت من عند بنـت عاشت واتربت في ظروف صعبـة رغم المستوى الأجتماعي المتميز اللي هي منـه ، بس هي مكنتش عايشـة .. كانت طول الوقت تايهـة بتدور على مكان تنام فيه وهي مطمنـة .. 
البنت دي اتربت بعيد عن أهلها ، ملهاش حد .. أهلها جابوها في الدُنيـا عشان تتعذب وبس .. من بعد جدها وباباها هي تاهت مكنتش لاقيـة أيد حنينة تطبطب عليها .. 

ثم أغرورقت عينيها بالدمع وتقدمت خطوة للأمام :
-البنت دي كان عندها حلـم ، نفسها تحققه ؛ ولأنها في الحياة لوحدها ملهاش سنـد وقعت كتير أوي ، بالمختصر اتفرمت في عجلة الحياة  ، كُل ما تقدم في قناة تشغلها تترفض لسبب محدش يعرفه …
لحـد ما قررت أنها تاخد بنصيحة جدها وتكشف المجهول ، وتزور المكان اللي اتربت على حكاياته .. " نجع العزايـزة " .. الفضـول أخدها لاكتشاف العيلة دي ، والحكايات الكتيرة اللي جدها زرعها جوا طفلة متعرفش أي حاجة .. افتكرت أن هي دي نقطة البداية ..
قررت هتروح وتعرف العالم كله عن العيـلة دي .. من هما وأيه حكايتهم ؟! أعذروني مش هقدر اتكلم عنهم و أشهر بيهم .. أنا هتكلم عن المتاح وبس ..

تقدمت خطوتين بثقل جبل وهي تلتفت لكاميرا 2:
-القـدر عاندها تانـي ، ووقعها في حاجة عُمرها ما سعت ليها ، وقعت في الحُب ، حُب أكتر شخص ما ينفعش يكون نصيبها حتى في حِلم .. 

صرخ واحد من أصحاب القناة الذي حركته نادية :
-أقفل البث !!!! 

فأتاه الرجل الآخر المسئول عن ذلك بالرفض القاطع : 
-فوزي بيه المشاهدات بتزيد بطريقة وهمية مش هقدر أوقف البث ..

صرخت نادية معارضة :
-يعني أيه مش هتوقفــه !! دي هتودينا في داهية ….بقول لك اقفل البث ! 

عودة لليلة التي سيطرت على الثلاثة كاميرات وبلمعت الحُب التي نافست الإضاءة فوقها :

-فجاة القدر رماها قُدام عينيه ، ساعدها كتير أوصل ، قدم لها الدعم المعنـوي اللي عاشت سنين عمرها تدور عليه  .. ايده الوحيدة اللي اتمددت لها بعد ما كانت خلاص بتغرق بتستسلم .. 

سالت دموع عينيهـا وأكملت :
-معاه حست بحُب أغاني شادية ، ودلع سعاد حسني .. ورقـة فاتن حمامة .. عيشها حلم جميـل اتمنت انه مينتهيش أبدًا .. عرفت يعني أيه حُب حقيقي على أيده ..

ثم خيم على ثغرها ضحكة الآسى :
-في مرة سألتـه تفتكر يوم هوصل لحلمي وأكون مبسوطة !! أكدلها وقال هتوصلي .. هي  فعلاً وصلت ، بس وهي مش مبسوطة ولا عارفة تتبسط بأي حاجة عشان هو مش معاها .. 

ظننتك لقلبي فجرًا ، لكنك غربت كما تغرب الشمسِ ، ثم جلى حلقها :
-الشخص ده وبعد التضحيات دى كلها باع بسهولة ، واستسلم لأعرافهـم الظالمة اللي بتحتم جواز الدم وغيرها من الظُلم ، والنهاردة كتب كتابه على بنت مش …

قطعت الحديث عن زينة و بدأت حروفها من قلبها ترتعش وتذوب في قطرات الدمع:

-كلامي عنه بيخليني أشعر بالحياة ونبضها بقلبي .. جوه قلبي نار مفيش قوة في العالم ممكن تطفيها غير رجوعه ليـا وفي نفس الوقت قلبي زعلان منه أوي وعمره ما هيسامحه ولا عايزة اشوفه تاني !! طيب هو ليه دخل حياتي وهو عارف أنه هيمشي …..

خرت جميع قواها على الأرض وهي تواصل باكيـة :
-بين الحقيقة والكذب ليه أوحى لقلبي أنه عمره ما هيسيبني !! مين الصادق فينا طيب !! قلبي ولا عقلي !! بس الغريب الاتنين متفقين عليه وأنه مستحيل يعمل كده !! 

ثم جففت عبراتها وأكملت بهزل :
-البنت دي واضح أوي انها تبقى أنا ليلة الجوهري اللي دايما بتختار كل حاجة غلط ، عشان هي بتعامل الناس  بقلبها في زمن كله خبث ومكر وكذب وأنانية !! زمن مفيهوش حب ولا قلب ولا بيرحم حد كله بتاع مصلحته وبس !! والسؤال هنا ؛ من سيعيد لي قلبي !!!!!.

ما أتبعت جملتها حتى سقطت مغشيًا عليها على الهواء أمام الجميـع بعد ما تفجرت الحلقة بالمشاهدات وتحولت حديث اللحظة ، فلم يتحمل قلبها جُملة هذه الأوجاع القاسية وفقدت كُل شيء تحت تأثير الجرعات المُكثفة من الأدوية السامـة …..

~العزايـزة …

رفع المأذون صوته مُعلنـا زينة وهارون زوجان على كتاب الله وسُنـة رسوله .. فضرب هارون الأرض بقدمه متسائلًا بمرارة " من سيعيد لي ليلي !!
 تجاهل يد الحية  المدسوسة بذراعه ليميل نحوها متوعدًا :

-يا ويلك من اللي هتشوفيه مني يا زينة !! متفرحيش قوي ….

جاء هيثم راكضًا من الخلف وينادي عليه بفزع :
-هارون عاوزك ….. 

قدمت فردوس الشربات للمأذون ليستعـد لكتب كتاب نغـم وهاشـم .. وبأحد الزوايا ، وقفت هيام تستمع للتسجيل الصوتي المُرسل من " عمار " لانها ترددت كثيرًا قبل ما ترسل لها صور التحاليل حتى حسمت أمرها وأرسلتها عصر اليوم .. رفعت السماعة على أذنها وهو يقول :

-ازيك يا انسة هيام عاملة أيه ، مبدئيًا كل التحاليل دي توحي أن الست اللي قدامنا عقيـم عندها مشاكل وصعوبات كتير في الإنجاب … 

خفق قلب هيام من أثر ما سمعته فطافت عينيها باحثـة عن هارون لتُخبره ، كيف وليلة أكدت عليها بأن هذه التقارير خاصة بأمها !! 

كان هارون يقف بالخارج يُشاهد حلقة ليلة التي زلزلت الميديا وحوارها عنه الذي عصر قلبه عصرًا حتى جاءت اللحظة الحاسمة بسقوطها أرضًا ، لم يتحمل البُعد عنها للحظة ، أخرج مفاتيح سيارته متأهبا للمغادرة فسأله هيثم :

-على فين يا هارون!!

-معدش ينفع أسيبها يا هيثم …

جاءت هيام تركض خلف أخيها وتترجاه:
-هارون اسمعني في حاجة حصلت بخصوص ليلة لازمًا تعرفها ..

أوقف خُطاه سماعه اسمها ، فأتبعت هيام لتروي له أمر التقارير الطبية وحقيقة إرسالها لعمار:

-بصراحة انا اترددت يا خوي وقولت لا ماينفعش يكون معاه نمرتي ، بس عشان ليلة ما تزعلش قومت بعتهم ، والله والله ما زودت ولا قولت كلمة ديه حتى سألني ازيك عاملة ايه ، مردتش عليه واصل!!

نهر أخته بنفاذ صبر:
-هيام اخلصي !قال لك أيه ؟

انتفض جسدها برعب:
-حاضر حاضر هقول أهو، قال أن أمها عقيمة ومعتخلفش وو بس كيف تبقى أمها يا هارون ..!!!

أمرها بعجل  :
-هيام اركبي العربية …. 

أوقفه أبيه متسائلاً عندما وجده يستعد لصعود سيارته :
-على فين يا ولدي !!

رفع سبابته بوجه أبيه:
-أنا عملت اللي يريحك رغم أني مش فاهمه ، سيبني أعمل اللي يريحني واللي فاهمه ، عن أذنك يا أبوي …… 

تنهد خليفة باقتناع أن لا شيء يعلو فوق صوت القلب وقال :
-روحلها يا هارون وهاتها معاك أنت ومعاودة ..

جمهرت الأصوات بداخل بيت خليفة و اتسعت الأعين حول طاولة كتب الكتابة واستعداد المأذون لعقد قرآن نغم وهاشم ، ففاجأته نغم وهي تنزع من يدها خاتم زواجهما وتضعه على الطاولة وتقف أمام الجميع مُعلنـة بحرقة :

-الچوازة مش هتتم وأنا مش موافقة ، والسبب …

ثم أشاحت بنظرة خسة نحو هاشم وأتبعت:
-عنديكم العريس أهو أبقوا اسألوه وهو هيعرفكم …..

قد يحدث أن تُجبر قلبك أن يسير دون إلتفات عندما تشعر أن المشاعر أخذت طريقًا مختلفًا عما بدأت به .. كانت تنويه هربًا وفرارًا ولكن قلبها أراده حبيبًا وأبًا لابنها .. غيرت وجهتها من طائرة السويد ، لتحجز أول طائرة على الصعيد وصلت رغد أمام بوابة العزايـزة في لحظة خروج هيام وهارون منها .. أعطت السائق أجرته الباهظة إثر رفض الجميع من السائقين باقتحامه لنجع العزايزة وولت ظهرها متجه نحو البوابة ، فسألها جابر :

-أنتِ مين وعايزة مين يا ست !! 

وضعت يدها بجيب معطفها الشتوي وقالت :
-عايزة العُمدة خليفة العزايزي وابنه هاشم بيه …

•••••••••••


يتبع الفصل كاملا اضغط هنا ملحوظه اكتب في جوجل "رواية آصرة العزايزة دليل الروايات" لكي تظهر لك كاملة 

 •تابع الفصل التالي "رواية آصرة العزايزه" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent