رواية عقاب ابن الباديه الفصل الحادي و الثلاثون 31 - بقلم ريناد يوسف
الواحد والثلاثون والثاني و الثلاثون والاخير من الجزء الأول
رواية عقاب ابن البادية الفصل الواحد والثلاثون.
غادر أدم الشركة تاركاً عمه وإبن عمه يستشيطان غيظاً، عاد للقصر واخبر والده بما حدث معه وبأنه إستعاد المخازن ولن يحتاج لأوراق ملكيتها، فقد علم أنها مسجلة في الشهر العقاري وكل ماسيتطلبه الأمر هو الذهاب للشهر العقاري وإستخراج أوراق ملكية بدل فاقد، وأما بخصوص حماية المخازن فقد ولى عليها من هو أشد إجراماً وبطشاً من رجال عمه، وعمه قصير والشيخ منصور هم من رشحوهم وكلفوهم بتنفيذ المهمة هاتفياً.
تناول طعام الغداء الذي أعدته مايزه مع ابيه ومع أمه ومايزه ونهض ليتوجه إلى غرفته، بعد أن وزع نظراته بين كارمن وحياة وهو يختار من منهم التي سيبدأ بها أولاً.. فقرر بأنه سيبدأ بكارمن، فهى تبدوا اقل رزانة وأكثر إنجذاباً إليه، حيث ان عيناها لا تفارقانه مادام أمامها، أما حياة فنظراتها له كانت مغلفة بالحرص علي ألا يلاحظها احد، ولكن العقاب ليس باي أحد، فهو يستطيع الشعور بالعيون التي تراقبه حتى دون ان يلتفت إليها.
جلس على تخته وفتح حاسوبه وقام بالبحث عن حسابها الخاص بالفيس بوك، وفي اقل من خمس دقائق كان يلج إليه ويخترقه دون ادنى جهد، واخذ يتفحصه جيداً، فعرف من تصادق ومع من تتحدث، وعرف هواياتها من مقترحات التطبيق على صفحتها، إستمع لمحادثاتها مع صديقاتها، وعرف من خلالها مدى إعجابها به، فقد كانت تصفه وتتغزل به، وليس هذا كل شيئ، بل وهاتفها الذي إخترقه للتو كان مليئ بصوره كانت تلتقطها له طوال الوقت وهو غافل فى أوضاع مختلفة، ومنها تأكد بأن مهمته يسيرة جداً، فالإعجاب موجود والتقرب لن يستغرق سوى بضع كلمات.
اغلق حسابها وولج لحسابه وبدأ في مراسلتها علي الفور:
السلام عليكم.. كيفك يابنت العم عساكي بخير.
لم يلبث سوى دقيقة واحدة وجاءه الرد منها:
- عرفت حسابي منين؟
-الناس ترد السلام بلاول.وللا بوك وامك ماعلموك .
- وعليكم السلام وكل حاجه بس برضوا عرفت حسابي منين؟
- ليش حسابك بدو تعب ليعرفا الواحد.. الحساب بأسمك وماشاء الله حاطه صورتك عليه ماعندك خشا ولا حيا لا وايش كمان متصوره بشعرك وبملابس مايلبسنهن غير العوالم.. بس العيب مو عليكي العيب عالتيوس اللي مسئولة منهم.
- ايه دا يابني إنت هو انت داخل تتعارك معايا، فيها إيه لما اتصور بشعري دي حرية شخصية، وبعدين مسمحلكش تتكلم عن بابا وإخواتي كده وتقول عليهم تيوس.
- لا تسمحي غصباً عن بوزك مامنتظر سماحك، بس للأمانة هم تيوس.. يعني انا إذا معي أخت متل القمر هكي بخلي كل اللي رايح والجاي يشبع من جمالها، ولا لأحطها في قاروره من الالماس ونوصد عليها مية باب وباب لغاية مايجي راجلها ياخذها وماأخلي عين تنضرها.. أصلاً اللي راح يتزوجك ماراح يسامحك لأنك خليتى الكل يشاهد شي ملكه هو لحاله.. بس ايش نقول، البنت برغم جمالها غبية والأهل تيوس.
لم تعرف بماذا ترد عليه، فكلامه عبارة عن إطراء كبير ولكنه مغلف بالسب والتوبيخ.. فهل تصده وتدافع عن اهلها وربما في هذة الحالة ينهي المحادثة ولا يعاود الكرة مرة اخري أبداً، أم تتغاضى وتنتهز فرصة باتت تحلم بها اياماً، فها هو الوسيم تاجر الأسلحة ذو المكانة العالية التي يتحدث عنها الجميع لم يستطع مقاومتها وأتى صاغراً ملبياً لنداء جمالها الفتان.
فقررت التجاهل وردت عليه قائلة:
- طيب ودا اسميه إيه بقى؟
- سميه متل مابدك، كل المسميات أمامك.
- يعني لو سميته غيرة عادي عندك؟
- اي ويش فيها يعني، سميها غيرة وهي عنجد غيرة، اللي مايغار علي لحمه مايحقله لقب أنه يكون رجال، وأنا رجال وإنتى بنت عمي.. ومازلتي صغيرة وبدك من يوجهك ويعلمك الغلط من الصواب.
-انا مش صغيره علي فكره انا عندي..
- اعرف عمرك واعرف تاريخ ميلادك، واعرف كل شي عنك.
- اممم.. دا إهتمام بقى!
- اي إهتمام اكيد، مو قلتلك إنتِ بنت عمي ولحمي.وعرضي
وتوا ودي احكي معاكِ شوي ونتعرف عليكِ، ودي اعرفك اكتر وأكتر.
-ليه؟
-ماندري هادا اللي انريده توا،صار هكي عندى رغبه انتعرف، وشي تاني، من اليوم صار عندك رجال يهتم ويغار، وبيحاسبك يعنى مافي طلعه بشعرك ومافي لبس ضيق، مافي أصدقاء رجال ع الفيس او اي مواقع تواصل، والأهم.. مافي جلوس بملابس البيت هادي اللي تجلسين بيها قدام ولاد خالتك وعيونهم تاكل وتشرب فيك.
تبسمت وصمتت ولم تجبه، فهذا هو ماتريده تماماً، هذه هي صفات فارس أحلامها، غيور وقوى ويهابه الجميع، وفى نفس الوقت وسيم وذو طلة خاطفة، فمن هى الغبية التى تقاوم كل هذا وترفضه؟
أما هو فلما طال سكوتها علم أنه لمس أوتارها الحساسة وإستطاع إختراق نقاط ضعفها، فهي كحال كل الصبايا في عمرها، ينجذبون لمن يشعرهم بأنهم ملكه هو فقط ويستطيع تدمير العالم لأجل حبيبته.. والمهم أنه يغار.
إستأنف حديثه معها وإندمجت هي فى الحديث وفتحت ابواب قلبها لهذا الشعور الجديد الذى يتسلل إليه، وكان هذا أول إنتصار لآدم ونجاح فى إختراق صفوف العدوا وتدميرها، حتي وإن كان الدخول من اضعف نقاطة، فهذه إستراتيجية قتالية بحته، إذا كنت تريد تدمير شيئ فأستهدف نقاط ضعفه.
أنهى حديثه الطويل معها، والذى اسفر عن نجاحه المؤكد فى ثانى خطواته، ثم إستوى على فراشه واخذ يفكر فى الخطوة القادمة.
أما فى القبيلة...
رجوه:
- هاه ياسلومتي امتي راح نمشي لعقاب؟ متى راح ينتهي رابح من تجهيز حاله، ليه ساعات يتسبح، قوله الوصخ ماينضف لو ايش ماعمل وخليه يطلع.وهو اتقول حنش قاعد يصلخ في جلده
- ويش فيك يارجوه ليش متعجله، بعد ساعة بعد تنين رايحين رايحين، طولي بالك واجلسي وحطي صرة ملابسك هادي عالأرض ليش متلفحه بيها.. وبعدين ليش كل هاد هو يوم او يومين هنقعدوهن هناك مامطولين لحتى تاخذي كل ملابس وكإنك راح تسكنين؟ اهمدي وماياخدك العشم اكتر من هكي
- ويش فيها اذا اخدت واجد ملابس، انت تعرف انى انحب انبدل ثيابي كل شوي وكمان عشان اهل الحضر مايقولون شوفوا بنت البادية المسكينه ماعندها ملابس، بس قطعة تنام بيها وتقوم.انا انريد انكون واجهه كل بنات البدو من نظافه للبس وكل شي
- راح تسوين عرض ازياء باين هكي؟
- إي وراح نمشي عاريه مانستر الا قليل من جسمي، ونسبل شعري، ونمشي انتمختر شمال ويمين ونضرب بقدامي ليرن صوت اكعوب نعولي متل ماكانت البنات تمشي بتلفزيون عقاب، وألبس النعل هاااك طولا وانخلى الكل يصفقولي.
- اي احلمي أحلمي وكتري ، ماعليها ضريبه الأحلام.. قال تلبس عاريه وتمشي تتطوح، والله نقنصك وأنموتك بأرضك وندعس ع راسك.
- وانهون عليك سلومتتتي؟
تنهد وهو ينظر إليها ويتأملها، وقبل منها يتأمل حال قلبه الذى ينقلب من النقيض للنقيض فقط بكلمة منها، ويبيع جميع القضايا بإبتسامة، ويعلن الخضوع علي الفور ما أن تناديه بأقرب الأسماء لقلبه على الإطلاق"سلومتي".. فأردف لها في قرارة نفسه:
- والله تهون الروح ولا تهونين على سلومتك يانبض سلومتك إنت، تدللي علي كيف ماتريدي يارجوتي.
تنحنح وحاول العودة من العالم الوردي الذى تاخذه إليه بكلمة واحدة ويذهب معها دون أدنى إعتراض، وبدأ في هندمة ملابسه التي لا تحتاج لهندمة ورد عليها بخشونة مصطنعه:
-تهونين ونص إذا ودك تصيرين فانص العُربان كلها مو بس فانص قبيلتنا.
انهي حديثه وتحرك من أمامها على الفور فهو يعرف جيداً مالقادم إليه.. وقد كان، فقد بدأت رجوة تقذفه بوابل من الشتائم جعلت إبتسامته تتسع مع كل كلمة تخرج منها:
- ويش قولت.. انا فانص، يعني حتي أنت ياتيس صرت تقولي فانص كيف القبيله، ولك روح الله يبعتلك ذيب ياكلك مايبقي فيك شي، الهى تعشش بجتتك البراغيث ياسالم وتمشى تحك جلدك بالصخور متل الصخال المبرغته.. ألله يقطع هاللسان اللي صار ينقط سم.. الله...
كان قد إبتعد المسافة الكافية وبدأ صوتها ينخفض ويتلاشى، حتي وصل عند أبيها، عمه قصير فقال له:
- هااا عمي ماقلتلي اتوصي على شي من الحضر؟
- لا ماودي شي ياسالم، ماودي إلا تدير بالك ع بلوتك اللي معك.
- لا تشيل هم ياعمي رجوتي بعيوني والله.
- بعرفك كفووو ياإبن اخي، ولو ماهيك ماابعثها معاك لاي مكان بعيد وهي دوبك رهينتك ماعقدتوا عقد، بس انا نعرف سالم إبن اخي زين، ينآمن عالعرض وعالروح.
- والله ياعمي إذا تعرف سالم زين ماتحاول تعطيه رسايل بطريقة غير مباشرة وانت تعرف زين انه يفهم عليك.. واذا على حكي القبيلة وأنه سالم خد بت عمه وطاف بيها بالبلاد فهادا اتركه على عمتي عوالي، هي راح تفهم الكل انه نزلنا نجيب حاجات للعرس.
- اي عرس هادا ياسالم؟ لتكون ودك تعرس قبلي! والله فسماه إذا حصلت لنحرق الخيمه اللي راح تتزوجون فيها وأنتم جواها وبليلة عرسكم.. يعني انا نصبر سنين ويجو الصغار يتزوجون قبلي!
كان هذا صوت رابح الغاضب، فأجابه قصير على الفور:
- هدي حالك يارابح مين جاب سيرة زواج واعراس،انت صارلك عفريت اسمه زواج وبعدين من يزوج المهبوله للتيس بهادا العمر، مازالو صغار كتير.
وبالمناسبه جوازك من معزوزه مرهون بيك انت، يعنى لو جيتني وقلت ياعمي انا جاهز للزواج ايش اللي يأخرني انا.. ثم إن عمك الشيخ منصور بذاته كلمني من نقال قياتي ووصاني عليك وعليها ويقول كافي صبروا لمن مل منهم الصبر زوجهم، قولتلوا والله التقاعس اصبح من رابح مو مني.
رابح:
- خلص ياعمي إذا الأمر مرهون بي راح انوكل مهمة تجهيز العرس لعمتي عوالي، والخيمة بتتنصب من غدوة، وأنا بس انعاود من عند عقاب يتم العرس باليوم التالي.
وتوا الاذن منك نعدي ازف البشرى لمعزوزه بروحي وانفرحها وانخليها تستعد للعرس.
- اذنتلك يا يابوي اربح افرح وخبر خطيبتك .
تحرك رابح سريعاً يتسابق مع دقات قلبه حتي يزف البشرى لمعزوزته، وفور أن رآها تخرج من خيمتها وقف أمامها يلتقط أنفاسه بصعوبة وعلت وجهه إبتسامة جعلتها تبتسم تلقائياً مع دقات قلبها التي بدأت تضطرب وهي تقرأ في عيونه سبب فرحته وسألته هامسة:
-خلص يانبض القلب آن الآوان.
أومأ لها برأسه مجيباً ثم إقترب منها أكثر ولم يعد يفصلهما غير بضع إنشات وهمس لها:
-باقي بس ايام يامعزوزه والروح ترد لجسدها وتدب الحياة فيها.. باقي بس أيام وتصيري أم بيتي وأم قلبي وأم أولادي بمشيئة الله، باقى بس أيام وتتحقق كل الأحلام اللى ظنيت بيوم انها ماراح تتحقق.. الحين انا مسافر لعقاب وهنن يومين بس وأنردلك يانبض القلب وضي العين.. ودي انرد القاكي احلا عروس.. ودى اعاود انلاقيكي بإنتظاري كيف ماتنتظر الجنه التقى.. ودي انعم بيكي ياجنتي.. استعدي لعرسك ياعزيزة القلب ومعزوزة الروح، لقروش كلهم معك، بس يطلب منك مرسول اعطيه هو راح يعمر الخيمة ويجيب اغراضها من الحضر انا بوصيه، واللي تطلبه الشيخه عوالي وأمي للعرس اعطي، والدبايح من حلالي قولي لابوكى وهلال يختارون الاعفى والأعتى من بينهم وكل يوم يذبحون كبشين للقبيلة كلها لحين ارد.. الفرحة بدت من اليوم.. وأنت ياروح الروح خذي كيف مابدك مصاري وانزلي الحضر مع عمتي عوالي وجيبي اللي تطيب عليه نفسك، ماتبخلى على نفسك بشي.. كل اللي تهواه عينك جيبيه وأنا ماراح اقولك ايش جبتي وايش صرفتي وقديش بقيتي.. رابح واموال رابح فداكي ياعرِق عيني.
-. الله يحفظلي رابح ويسعدلي قلب رابح ويهنيني برابح اللي مافي متلوا بكل الدنيا لو غربلوها غربله.. ابشر ياحبيب الروح والقلب والعين.. بس ترد راح تلاقي عروسك منتظرتك وكل شي جاهز ماباقي غير اقولك زوجتك نفسي وانت تقول قبلت وتلتقى الارواح.
غاصت العيون في نظرة تمني طويلة قطعها الصوت الذي يبغضه رابح كثيراً:
-مووو كافي ياعنتر البوادي وإنت ماتستحين ياعبل القبايل.. ماتقول ورانا سفر وطريق طويل ونترك التسبيل لبعدين.. هاي اموركم الفارغه تنتظر أما الطريق والسفر ماينتظرون.
إستدار نحوها رابح وهو يعض على شفته السفلى بغضب وهمس لها من بين أسنانه:
-انقلعي انتظريني بالسيارة ياراس البين وبلا كتر حكي.
- واللله مااتحرك من هين إلا ورجلى على رجلك، ليش مااعرفك انا وقت تصفن علي معزوزه يتوقف بيك الزمان وتصير متل صخره لو الدنيا خربت من حولك ماتبالي.. هيا يارابح ومعزوزه باقيه والتسبيل باقي ماراح يروح لمكان.
نظر رابح لمعزوزته مرة اخرى وقال لها:
-. معزوزه اعطي لهلال قروش يشتريلك نقال وخط من الحضر وخلي يدق عليا منه، ودي ماينقطع عني صوتك، كنت ناوى اجيبا إلك بس بكل مره مااعرف ايش يعطلني.
- أبشر ياربح قلبي، كل اللي تريده راح يتم، سافر وكون هاني، ودير بالك ع حالك أمانه عليك، وردلي سريع يارابح وماتزود البعاد ساعة إذا بتقدر تنهيه.
- حاضر ياعيون رابح.. يلا استودعك ربي ياغلا روحي.
انهي حديثه وانطلق مبتعداً على الفور من امامها، فهو مثل ماقالت رجوه تماماً ينسى دنياه ونفسه إن وقف أمامها ويتوقف به الزمان.. ونظر لرجوة وقال لها آمراً:
-هيا يالفانص اتبعيني.
وصعد ثلاثتهم السيارة وبدأت رحلتهم نحوا آدم، ورحلة رجوه نحوا تحقيق أهدافها.
وصلوا إلى القصر بعد رحلة إستغرقت عدة ساعات لم تكف فيهم رجوه عن الثرثرة إلا عند تناولها الطعام أو الشراب، ورابح صنف الرحلة بانها رحله جحيمية بمصاحبة هذا المزياع بغيض الصوت الذي يقاطع افكاره ويطرد طيف معزوزته من أمام عينيه كلما إستدعاه بصرخة قوية تهز بدنه كلما رأت شيئاً غريباً، مما يجعله يسبها فى السر والعلن بشتى انواع السباب.
أما سالم فكان يسبح فوق الغيوم من فرط سعادته بقربها وأحاديثها التي لا يمل منها ابداً، ينظر إلى فمها وينتظر منه الكلمة وفرحته تشبه فرحة طفل لرؤية هلال العيد، ولا يصدق ان رجوته قريبة منه لهذا الحد الذي جعله ينهل من ملامحها حد الثمالة ويهيم قلبه على وجهه لا يعرف له ملجأ إلا عينيها.
وتمنى لو إنقضى العمر وهو على نفس جلسته أمامها ويتوقف الوقت وتتعطل الساعات.
ولكنها تظل أمنيات..
وصلوا إلى القصر ودق سالم على جوال آدم الذي لم يصدق حين اخبره سالم بأنهم امام القصر، طلب منهم الدخول وغادر الشركة على الفور راكضاً حتى يلاقى رفقاء الروح والقلب.. وفور مغادرته دلف ياسين إلى مكتبه الذي إغتصبه من أبيه وأخذ يقلب فى كل الأوراق فيه، وإتكأ بعدها على الكرسي يواصل التفكير في خطته التي عزم على تنفيذها فور إكتمال أركانها رغماً عن إعتراض أبيه والجميع.
داخل القصر.. كان الإستقبال لسالم ورابح ورجوه ملكياً من محمود وعايده، وحتى مايزه التي شمت بهم رائحة قبيلتها التي إشتاقت لها وبدأت تشعر بالإختناق هنا تحت الأسقف وبين الحوائط التي تمنع عنها البراح، وجلسات السمر مع نساء القبيلة... والأهم من هذا كله.. شيختها "عوالى".
بدأت رجوه تلتفت حولها وتتفحص القصر وجميع زواياه بفم منفرج إنبهاراً، فما رأته كان أجمل من كل الكلمات التى وصفته عن لسان رابح وسالم، فالحقيقة دائماً تختلف عن الخيال، إما أجمل أو أقبح، ولكن التطابق نادراً.
إنتهت مراسم الإستقبال ومحمود اخذ رابح وسالم لحديقة القصر وتطوعت عايده بإعداد الطعام بيديها للجميع هذا اليوم، وتركت مايزه تنفرد برجوه، فقد رات حاجتها للحديث معها، وقد كان، فأصطحبت مايزه رجوه علي الفور لغرفتها واجلستها امامها بعد ان رمت صرة ملابسها على الأرض وهي تصيح بها:
ويش هاد؟ طويتي خيمة بوك وامك وجبتيها بالصره، انكلبتي جايبه كل هي الصره متل متكوني مهجره؟
- ويش فيك يامايزه جايبه ملابسي، ولا ودك البس معك بملابسك واصير عجوز البين متلك؟
- عجوز بين لما تاكلك يافانص ياام اللسانين، والله ودك كوي بسيخ عوالي وبس ارد للقبيلة انا بروحي اللي راح احطه عالنار واخليه يتنر واقولها ادفسيه بكل مكان بجسم هي الفانص.
- اللي يرد معكم للقبيلة سيخوه.
- ويش تقصدي؟
- سلامتك ياعجوز القبيلة..واكملت وهي تنظر حولها متفحصة غرفة مايزه وفراشها وخزانتها:
- والله ونضفتي يامايزه وصرتي تنامين على سراير من بعد ماكان النمل وحشرات القبيلة واخدينك عشوش ليهم، وبس كنتي تحكي جسمك ينزل النمل والخنافس.. زمن دوار والله.
- نمل وخنافس لما ياكلونك حيه
- ششش صكري فمك يامايزه واحترمي صاحبة القصر اللي لامك ومنضفك.
- والله إنك انهبلتي والله.. المهم فوتينا من اهبالك واحكيلي يالفانص ويش علوم القبيلة واهلها وناسها الجبير والصغير وحلالها وجمالها وخيلها وحتي رمالها اوصفيلي حالهم.
وبدأت رجوه تقص عليها أخبار القبيلة وتجيبها على كل أسئلتها، وتنقل لها اخبار كل من سألت عنه،وظلت هكذا إلى ان ألمت مايزه بجميع المستجدات فى قبيلتها الحبيبة، وسكتت رجوه عن الكلام حين سمعت صوته الذي زلزل كيانها، فتركت مايزه وخرجت تتقصي مكانه، وفور أن راته بهيئته وهندامه، بحلته التي جعلته يبدوا مثل أمراء الحكايات، مع قصرة مع الهالة التي حوله إنطبق عليه التشبية، وبدا كأنه أمير هارب من زمن الأساطير.
واثناء تأملها له دلفت من باب القصر كارمن التي جعلتها تفتح عيناها على وسعهم، كانت ترتدى زي مدرسي وتربط فوق رأسها قماشة بالكاد تغطي الجزء العلوي وتتاثر خصلاتها بعشوائية حول وجهها الأبيض المستدير، فبدت جميلة حد الفتنة، وغير هذا رأت نظرة آدم الجانبية لها فشعرت بناقوس الخطر يدق فى روحها، ولم تلبث أن تتجرع الصدمة حتى دلفت من الباب فتاة أخري، ولكنها كانت محجبة وتبدوا أقل جمالاً من الأخري، ولكنها حازت علي نظرة جانبية أخري من عقاب..فدقت داخلها جميع نواقيس الخطر في آن واحد فرفعت رجوه يديها فوق رأسها وهمست بغيظ:
- حييييييه عليكي يارجوه حييييه زوز فوانص ياعقاب معك عايشين وانا اللي انتظرك ترد للقبيلة مره تانيه، والله إنك ماراح ترد وتترك هادول الفوانص.
ولم تكن الوحيدة التي لاحظت نظرات آدم، فقد لاحظها سالم أيضاً، وخاصة نحو كارمن والتى قُوبلت بإبتسامات خجولة منها، فقلق سالم من وضع آدم، فقرر أن يتقصى أمره ولكن فيما بعد.
وبعد ان سلم آدم على الجميع وإطمأنوا على أحواله، جلس معهم يتجاذب اطراف الحديث حول البادية وأحوالها ويصف شوقه إلى الصحراء الواضح في كل حرف من حروفه، غادرت رجوه لمساعدة مايزه وعايده في إنهاء تجهيز طعام الغداء، ونهض محمود وذهب إلى مكتبه لينهي بعض الأعمال، وبقي ثلاثتهم، آدم وسالم ورابح، فإستدار سالم وواجه آدم وسأله بشك:
- عقاب في شي عم يصير معك مووو؟
- ايش لاحظت؟
- واااجد اشيا ومستغرب من السرعة.
ضحك آدم فقد فهم عليه وعرف إلي ماذا يرمى، فرد عليه ببساطة:
- خوي لا تشغل بالك وكون هاني عقاب مو صغير.
إنتبه الجميع علي صوت مايزه آت من الداخل وهي تصرخ:
-واااااك عليكي يافانص حلي عني وغوري.
فضحك الجميع عليها، ورفع آدم عيناه على صاحبة الظل الزى ظهر فجأة بينهم، فوجد كارمن تقف فى شرفة غرفتها المطلة عليهم، فتبسم لها وردت له الإبتسامة، وهنا لم يستطع سالم كتمان مايجول فى نفسه وقال له غاضباً:
- ماتقولي ايش فيك احس عيونك زاغت ياخوي، واللي مراقباه العيون مابيه خير، ويش فيك ياعقاب معقوله يكون عقلك بطل يفكر زين بس شفت بنات الحضر وزينتهم، معقوله راح تقع بهي الغلطة العظيمة وتنسى كل شي، معقوله تحب من نسل عمك؟
- ليش ياسالم هو كل النظر حب؟ ولا كل إلتفاته مصحوبة بتمني! روق ياضلع وماتفقد ثقتك بعقاب وتخلي عقلك اللي خربته رجوه يحط افتراضات خربانه متله.
- فهمني لكان؟
- بعدين بتفهم كل شي، والحين قوم خد بلوتك هي اللي جلطت مايزه سبع جلطات من ساعة اللي وصلت وكل شوي مايزه تصيح واااك منها، قوم فررها شوي هون وهون، خد السيارة وروحوا لحالكم، ولا تخبر مايزه راح تدقها ألا تروح معكن.. وإذا بدك مصارى بالغرفه بخزانة ملابسي خد اللي يكفيك ويفيض وأشتريلها كل اللي تشتهيه.. رجوه اذا شافت شي عجبها وماطالته وجابته بتقوم قيامتها.
- لا ياخوي معي خيرات الله واجيبلها كل اللي تريده، ياريت كل هموم الدنيا كانت قروش والله ماكان حد شال هم.
وبالفعل نهض وأخبر رجوة بأنه سيأخذها بجولة، وحين علمت ان عقاب لن يكون معهم رفضت، وأصرت علي البقاء معه بالقصر ومراقبته مع الكارثتين المحيطتين به، ولكن سالم لم يستمع لها وأجبرها على الخروج معه، وأصطحبها بالإكراه بعد أن تناولا طعام الغداء، وبالرغم من أنه قضي ساعات طويلة فى السفر وجسده منهك، إلا أنه وجدها فرصة للتقرب لا تعوض وقرر أن يستغلها،
ونتيجة ذلك لم تكن النزهة كما خطط لها فى عقله، بل كانت عبارة عن تجاهل وصمت مطبق من رجوه، وعدم تجاوب مما جعله ينهيها سريعاً ويعود بها للقصر مرة أخرى خائب الرجاء.
وفور وصولها للقصر أسرعت تجلس بجوار آدم وهي تتفحصه بعيناها وكانها تريد إلتهامه، فوقف سالم مشدوهاً من لهفتها، وكالعادة حارب عقله الذي يحاول أن يخبره بأن هناك شيئ خاطئ يحدث، وأجهض أفكاره قبل أن تتكون.
يتتبع
رواية عقاب ابن البادية الفصل الثاني والثلاثون والاخير في الجزء الأول.
إقترب منها وجلس بجوارها وسألها هامساً:
-عجب لحالتك شايف ضيقتك اختفيت يعنى وملامح وجهك إرتاحت وضحكتك عاودت،اتقول كنتي ميته وردت فيك الروح
إنتبهت إليه وردت على كلامه قائلة:
-حاسدني على هادي ياسالم واسمعها مني
اي ماانا من البدايه حكيتلك واااجد مانريد نطلع بس انت اللي ركبت راسك، من يوم وعيتلك عالدنيا وانت تعمل اللي براسك ولا تهتم اذا رجوه راضيه ولا لا، كل اللي يفرحك انت ويسعد قلبك تسويه، وما تفكر غير براحتك وبس.. انت اكتر واحد اناني بالعالم ياسالم، مهما عملت وعطيت وزاد كرمك للناس، هتفضل تحب نفسك اكتر من اي شي وحاططها فوق الكل. وما بعدك حريقة
- تحكي من جدك انتي ،ويش هادا اللي تقولينه يارجوه، معقوله انا هكي ؟ يعني هادي نظرتك لسالم يابنت عمي؟
- اي ياسالم هادي هي نظرتي لك، بالاول ماكانت هكي بس انت بدلتها بأنانيتك اللي كل ماتكبر بالعمر تكبر معاك وتزيد لما بقت عالعلن كيف قرص الشمس، و متشافه للأعمى.
اخذ نفساً عميقاً وحبسه بداخله لثوانٍ راجياً أن يطفئ لهيب فؤادة من كلماتها اللازعة، ثم اخرجه دفعة واحدة ورد عليها معاتباً:
- والله ان سالم ماتغير ولا جد عليه شي ولا بيوم كان أناني ومن يوم يومه يبديكي على روحه ويرخصلك الغالي وما يستخسر فيكي نجوم السما لو تطلبيهم.. بس الظاهر إن انتِ اللي تغيرتي،ومو عاجبك اللي كنتي ما ترتاحي الا معاه، يارجوة مو انا.اللي ذكرتيه سابق . والظاهر إن كلام جدى منصور بدا توا يتفسر ومعانيه تلوح..
القلب اللي تربى ع يد سالم وكان يحب كل شي منه اليوم كبر وصار بده يخرج عن طوع حبيبه ويشوفله راعى جديد.. بس حسافه عليكى إذا كان اللي انفكر فيه صحيح ومن بين كل الناس مااخترتي راعي لقلبك غير اللي عيونك محاوطينة وقتها راح تكوني رميتي قلبك للى ما راح يرفع عينه ويبصله نص بصة،ولا راح يهنا لك بال بعدها، تعرفين ليش يارجوه ولا ماتعرفين؟
•تابع الفصل التالي "رواية عقاب ابن الباديه" اضغط على اسم الرواية