رواية صراع تحت القمر الفصل الثالث 3 - بقلم اسماعيل موسى
) جزيرة التيه(
عندما استيقظوا، وجدوا أنفسهم على شاطئ رملي رمادي، الجزيرة كانت مكانًا غريبًا، مليئًا بالأشجار العملاقة ذات الأوراق السوداء والمياه الداكنة التي بدت وكأنها تعكس الكوابيس بدلاً من النجوم، الجو كان خانقًا، والسماء دائمًا ملبدة بالغيوم
كان وسط الجزيرة محاطًا بسلسلة جبال شاهقة تُعرف باسم “أسوار الضياع”، وهي تشبه المتاهة التي لا يمكن الخروج منها،كل من حاول تسلق الجبال أو عبور المياه المحيطة انتهى به المطاف يعود إلى نفس النقطة، الجزيرة نفسها كانت حية، تتحكم في كل شيء؛ الاتجاهات تتغير، والطرقات تُغلق، كأن الجزيرة ترفض السماح لأي كائن بمغادرتها.
قال أركان بعد أن تجول بيصره فى الجزيره، لا أعرف اين نحن لكن أشعر أن علينا البعد عن البحر، اشتم رائحة الخطر داخله، قال لوسيان وهو يحدق بعينيه فى البحر معك حق
لحظة التقاء برانتا وأركان
كانت الأميرة برانتا تجلس على صخرة مسطحة في أعماق الجزيرة، حيث النسيم البارد يداعب خصلات شعرها الذهبي. عيناها الشاردتان تحدقان في الأفق البعيد، كأنها تتحدث مع البحر بلغة لا يفهمها أحد. بلقيس ومازده كانتا خلفها، تحاولان جمع الفاكهة من الأشجار النادرة التي نمت في بقع عشوائية من الجزيرة.
في تلك اللحظة، خرق هدوء المكان صوت خطوات متسارعة وصرخات مكتومة. نهضت برانتا بسرعة، وعيناها تمتلئان بالدهشة والخوف. رأت مجموعة من الأشخاص يظهرون من خلف الغابة الكثيفة، وجوههم مرهقة وثيابهم ممزقة. كان أركان في المقدمة، عيونه البرّاقة تعكس مزيجًا من الحذر والتصميم، وخلفه كيرا ولوسيان يحاولان اللحاق به.
وقفت برانتا بثبات، رغم شعورها بعدم الارتياح. عرفت أن الغرباء في الجزيرة نادرون جدًا، وأن ظهور أي شخص جديد لا يمكن أن يكون صدفة. تقدمت بخطوات حذرة نحوهم، وأمسكت بلقيس بمعصمها محاولة تحذيرها، لكن برانتا رفعت يدها بثقة، تشير لها بأن تبقى هادئة.
عندما وصل أركان أمامها، توقف للحظة، محاولًا فهم هذه المرأة الغامضة التي تقف أمامه. كانت هالتها ساحرة بطريقة لا يمكن تفسيرها.
“من أنتم؟ وكيف وصلتم إلى هنا؟” سألت برانتا بصوت هادئ لكنه يحمل نبرة حزم واضحة.
رد أركان وهو يلتقط أنفاسه: “نحن سجناء مثل الجميع هنا. نحاول إيجاد مخرج، لكن الوحش واللعنة يحاصروننا من كل جانب.”
نظرت برانتا إلى كيرا ولوسيان، ثم عادت بعينيها إلى أركان. “اللعنة… إذًا أنتم أيضًا وقعتم ضحية لهذا المكان.”
شعر أركان أن هناك شيئًا مختلفًا في هذه المرأة. كان جمالها لا يوصف، لكن عيناها تحملان حزناً عميقاً وتجربة مريرة. “من أنتِ؟” سأل أخيرًا.
أجابت برانتا بصراحة، “أنا الأميرة برانتا، الوريثة السابقة لمملكة إيلورياس. نُفيت إلى هذا المكان بسبب خيانة أحدهم. وهذه الجزيرة أصبحت سجني.”
للحظة، شعر الجميع بثقل كلماتها. كان واضحًا أن قصتها ليست أقل مأساوية من قصصهم. لكن قبل أن يتمكن أحدهم من الحديث، اهتزت الأرض تحت أقدامهم، وصوت هدير البحر تردد كأنه ينبئ بخطر قادم.
أدرك الجميع أن الليل بدأ يقترب، والوحش الذي يسيطر على الجزيرة سيظهر قريبًا. برانتا، بخبرتها في الجزيرة، سارعت إلى إرشادهم. “علينا العودة إلى القصر القديم الآن. المكان الوحيد الذي يمكننا الاحتماء به من الوحش.”
قادهم الجميع بخطوات سريعة نحو القصر المهجور الذي كان ملاذ برانتا لسنوات. أثناء الطريق، بدأت علاقة غريبة تتشكل بين أركان وبرانتا. كان كلاهما يحمل في داخله عبء الماضي، وكلاهما يبحث عن خلاص من سجن الظلام الذي حاصر حياتهما.
عندما دخلوا القصر وأغلقوا الأبواب الثقيلة خلفهم، نظرت برانتا إلى أركان بعمق وقالت:
“إذا كنت تريد النجاة من هذه الجزيرة، فإن الوحش ليس عدوك الوحيد. هناك أسرار دفينة هنا، وحلولها لا تُكشف بسهولة.”
رد أركان بثقة، “أياً كان الثمن، لن أستسلم. إذا كنتِ تعرفين طريقة لوقف اللعنة أو الخروج من هنا، فأنا مستعد لمواجهتها.”
كانت تلك اللحظة بداية تحالف بين أرواح تحمل العبء ذاته، لكنها أيضًا بداية مواجهة مع خطر أعظم كان ينتظرهم جميعًا.
سألها أركان كيف نخرج من الجزيره؟
الخروج من الجزيره
وفقًا لبرانتا، الخروج من الجزيرة مستحيل إلا إذا تم العثور على حجر القمر، وهو حجر مخفي في أعماق غابة السراب داخل الجزيرة،الحجر يمكنه أن يفتح بوابة زمنية قصيرة تقودهم إلى عالمهم. لكن المشكلة أن غابة السراب مليئة بالفخاخ والكائنات التي تشبه كائنات الظل.
غابة السراب
غابة السراب كانت قطعة من عالم آخر، ملتصقة بحواف الواقع، كأنها تخدع العقل والحواس مع كل خطوة داخلها،عند المدخل، تمتد أشجار عالية بأوراقها الفضية التي تعكس ضوء القمر كالمرايا، مما يخلق وهجًا غريبًا يُشعر الداخل إليها أنه يتحرك داخل حلم لا ينتهي.
جذوع الأشجار ملتوية كأنها تعاني من ألمٍ قديم، متشابكة في تشكيلات معقدة تُصعّب على أي شخص تحديد الاتجاه.
أرض الغابة مغطاة بسجادة من الضباب، يكاد يخفي الصخور المتلألئة التي تشع ألوانًا باهتة تتغير باستمرار، مثل تنفّس الغابة نفسها. ومع كل خطوة، يتغير المشهد ببطء؛ الأشجار تتحرك، الأرض ترتفع وتنخفض، كأن الغابة تعيد تشكيل نفسها لمنع الزوار من الوصول إلى عمقها.
الهواء بارد وخفيف، لكنه يحمل رائحة غريبة، مزيج من الزهور الذابلة ورائحة الأمطار القديمة.
أصوات غامضة تملأ المكان: همسات غير مفهومة تأتي من بين الأشجار، وخطوات خفيفة كأن أحدًا يراقب من بعيد.
في مركز الغابة، تظهر بحيرة صغيرة دائرية تُعرف ببحيرة الظلال، مياهها داكنة تمامًا، كأنها مرآة سوداء تعكس السماء دون أن تظهر قاعها.
هذه البحيرة تحيط بالحجر الأسطوري: حجر القمر، الذي يطفو بهدوء فوق منصة صخرية وسط المياه، يشع نورًا باهتًا يتغير مع نبضات الضوء المحيطة.
حجر القمر يُقال إنه محاط بهالة سحرية، تجعل كل من يحاول الاقتراب يرى خيالات ماضيه وأوهام مستقبله.
ومن يُطِل النظر إليه قد يضيع في أوهامه إلى الأبد، حيث يُقال إن الغابة نفسها تتغذى على أحلام التائهين.
وفق الأساطير التى كتبت على الكهوف ، غابة السراب ليست مجرد مكان؛ إنها كائن حي، أو ربما سجن مخلوق قديم، وهي تحمي حجر القمر بغيرة مفرطة.
يُقال إن الغابة تختار من يستحق الوصول إلى الحجر، وإنها تلفظ الغرباء بتشويه طريقهم أو جعلهم يختفون للأبد.
الساعون إلى الحجر يجدون أنفسهم في معركة دائمة مع الغابة نفسها، التي تستخدم الضباب ليُظهر كائنات غامضة أشبه بالأشباح، تهاجم الدخلاء بلا رحمة.
الخروج من الغابة يكاد يكون مستحيلًا إلا لمن يملك قلبًا شجاعًا وعقلًا حادًا، قادرًا على فك ألغازها.
غابة السراب ليست مكانًا… بل اختبارًا.
اتفقوا جميعًا على توحيد قواهم للبحث عن الحجر، مستعينين بمعرفة برانتا وشجاعة أركان ودهاء لوسيان وقوة كيرا. الجزيرة لن تجعل الأمر سهلًا عليهم، لكنهم أدركوا أن هذه المحاولة قد تكون فرصتهم الوحيدة للعودة، وربما لمواجهة داركوس مرة أخرى.
لكن كان امامهم خطر الوحش الذى يتجول ليلآ والذى يمحى حجر القمر
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية صراع تحت القمر) اسم الرواية