رواية الماسة المكسورة الفصل الثاني و الاربعون 42 - بقلم ليلة عادل
[ بعنوان النهر الخالد ]
وبعد دقائق من الأفكار المضطربة، توجهت ماسة نحوها حتى توقفت أمام طاولتها بصمت ممزوج بتوتر. رفعت لورجينا عينيها لها باستغراب.
لورجينا بتعجب وهي تضيق عينيها: ماسة؟
تبسمت لها ماسة بإرتباك وهي تفرك أصابع يديها بتوتر، ابتلعت ريقها وقالت: إزيك؟
تبسمت لورجينا بلطف: الحمد لله، أقعدي، واقفة ليه؟
ضمت ماسة شفتيها بخجل: يعني مش عايزة أضايقك.
هزت لورجينا رأسها بنفي وقالت بلطف: مش هاتضايق خالص، اتفضلي أقعدي.
هزت ماسة رأسها بإيجاب بابتسامة رقيقة وجلست على المقعد المقابل لها بنوع من التوتر.
فهي حتى الآن لا تعرف لماذا ذهبت لها! وبماذا ستتحدث معها؟ كل ما أرادته هو الذهاب لتتعرف على تلك الفتاة التي شاركتها في زوجها من قبل!!
عادت بشعرها للخلف ومسحت على عنقها بتوتر. تنهدت، فكان توترها ملحوظًا لدرجة أن لورجينا شعرت به بشدة، فتحدثت معها لتشعرها بالراحة.
لورجينا بتساؤل: إنتي لوحدك؟ ولا سليم هنا؟
رفعت ماسة عينيها نحوها: لا، أنا مع صافيناز.
رفعت لورجينا حاجبيها بتعجب: غريبة؟
ماسة باستغراب: إيه اللي غريب؟
لورجينا بتوضيح: يعني هما من وقت ما تجوزتي سليم اختفوا من الساحة! لا بقوا بيجوا النادي ولا الجيم ولا حتى التجمعات العائلية والحفلات، ولما يظهروا تكوني معاهم! مش حاسة إن ده غريب؟
تحدثت ماسة بهدوء وبراءة: بصي، أنا هجاوبك على الجزء اللي عارفاه. أنا رجعت مصر من كام شهر ، طول السنة اللي كنت فيها برة ما كانش فيه علاقة تمامًا، بس لما رجعنا زي ما تقولي كده، بدأوا يتقبلوا الأمر الواقع ويحاولوا يتقبلوا إني مرات ابنهم… علاقتي بفريدة وياسين كويسة جدًا، طه ما أقدرش أقول وحشة ولا أقدر أقول كويسة، هو بيبقى لطيف معايا لما بنتقابل صدفة، صافيناز بتحاول تتقرب مني وتصاحبني، نسيت رشدي برده عادي، الباشا بصراحة مهذب جدًا في التعامل، أما الهانم للأسف لحد اللحظة دي مش قادرة تتقبلني، بس برضه مقدرش أنكر إن عمرها ما عملتلي حاجة، يعني ظهوري معاهم في الوقت الحالي إعلان منهم إنهم خلاص بدأوا يتقبلوني، مش بس بينهم وبين نفسهم، لا كمان وسط أصحابهم والمعارف.
لورجينا بعقلانية: اممم، ممكن. بصي، رضا الهانم مش سهل خالص، بس ما تقلقيش، مع الوقت هتتقبلك زي صافي، لأن قبول صافي وكمان تصاحبك دي حاجة كبيرة. بعدين، اللي يهمك أكتر سليم، إنه بيحبك ومبسوط معاكي، غير كده طز.
ماسة بتأييد: صح.
لورجينا: إنتي فعلاً كنتي شغالة عند منصور؟
هزت ماسة رأسها بنعم: آه، خدامة منصور، إنتي تعرفيه؟ ما شفتكيش في المزرعة قبل كده.
لورجينا: آها، أعرفهم، شفتهم كتير، بس هنا في القاهرة مروحتش المزرعة خالص.
صمتت لثوانٍ وهي تدقق النظر لها، فهي تريد أن تعرف ماذا تريد ماسة منها! أكملت بتساؤل.
لورجينا: ماسة، إنتي عايزة إيه؟
عادت ماسة بشعرها خلف أذنها وزمت شفتيها بحيرة: هتصدقيني لو قلتلك أنا ما أعرفش عايزة إيه؟
عدلت من جلستها قليلاً واقتربت من الطاولة وهي تنظر بتركيز في وجه لورجينا. أكملت: صدقيني، أنا مش عارفة أنا جيتلك ليه؟ جوايا إحساس قوي عمال يقولي روحي اتكلمي معها، بس مجرد ما جيت ووقفت قدام ترابيزتك لقيتني بقول لنفسي: هو أنا إيه اللي جابني هنا؟ أنا عايزة منها إيه؟ لكن ما لقيتش إجابة! ولا حتى كلام! (تنهدت) يمكن قلبي هو اللي سحبني ليكي بعد ما عرفت اللي كان بينك وبين سليم وصل لإيه!! يعني! عايزة أعرف مين إنتي؟ بالرغم إن سليم أكدلي إن كل حاجة انتهت من قبل ما يعرفني بـ سنتين، ودلوقتي أنا اللي مراته وحبيبته واختارني أنا! بس برضه مش عارفة ليه جوايا الإحساس ده؟
لورجينا بلطف وعقلانية: على فكرة، ده رد فعل طبيعي، حتى لو إنتي في مركز قوة، بس إحساسك وغريزتك ومشاعرك وغيرتك هتخليكي تتصرفي تصرف زي ده، أنا لو مكانك كنت هاعمل كده، هبقى عايزة أعرف مين الست دي اللي كانت تعرف جوزي قبلي وشاركتني في تفاصيله، لدرجة إن كان ممكن يكون له طفل منها.
هزت ماسة رأسها بنعم. أكملت لورجينا بهدوء:
أنا، أنا شخص عادي يا ماسة، ويمكن أقل من العادي، ومعتقدش إني أملك من التفاصيل اللي ممكن تخليكي تشغلي دماغك بيا! لإن مهما كانت مميزاتي!! مقصرتش في سليم، بالعكس ده يمكن أنا اللي كنت محتاجة القاعدة دي مش إنتي!!
زادت من نظراتها بتأثر… فهي التي كانت ترغب في معرفة لماذا اختار سليم تلك الفتاة البسيطة وتزوج منها، وأصبح ضعيفًا لهذا الحد معها، بينما تركها هي، هي التي تمتلك الكثير من المميزات مقارنةً بماسة الفقيرة الجاهلة صاحبة الخامسة عشرة عامًا عندما التقى بها.
أكملت لورجينا بتأثر وعين اغرورقت بالدموع:
أنا فعلاً قولتها لسليم، أنا نفسي أعرف إيه اللي في ماسة خلاك تتجوزها بعد ما كنت مقرر إنك يستحيل تتجوز أو تخلف!! ويوم ما تتجوز تختار بنت بالبساطة دي!! أنا آسفة، مقصدش خالص أي إساءة أو تقليل… بس، أعذريني، إنتي كنتي خدامة، كمان عرفت إنك مش متعلمة ومن الأرياف!!
مررت عينيها عليها بتعجب وحيرة… أكملت!
إيه الميزة اللي فيكي، خلتك يرضى بيكي وبكل عيوبك وبكل الفروق الجوهرية اللي بينكم ويتجوزك؟ إيه الميزة اللي فيكي خلتك يتنازل عن الميراث والعيلة عشان بس يكسبك ويكتفي بيكي؟ وما كانتش محاولة تهديد منه! تؤ، كانت حقيقة سافر، ومشي ورمى كل حاجة ورا ظهره، وما بصش وراه لثانية واحدة، وما رجعش غير بشروطه، ولما هما طلبوه منه يرجع، خلاهم يقبلوك يا ماسة غصب عنهم… حتى لما سمحلك تحملي، والحمل مكملش، زعل ودموعه نزلت!!
برجاء وضعف اضافت بنبرة مهتزه هاشه: إنتي اللي جاوبيني يا ماسة، إيه المميز فيكي خلا سليم يحبك أوي كده؟ ويتغير عشانك؟ ويبقى بالضعف ده معاكي؟ وشخصيته تتحول للدرجة دي! وأشوف النظرة دي في عينه، النظرة اللي عمري ما شفتها غير ليكي! قوليلي، جاوبيني، ليه اختارك؟ ورفضني بكل مميزاتي؟
كانت تستمع لها ماسة بتركيز وهي متأثرة مما قالته، فقد وصل لها كم الوجع الذي تشعر به بداخلها…
تبسمت لها برقة، وضعت كفها على كفها وربتت عليه بحنان وهي تهز رأسها بنفي.
ماسة بلطف وحيرة: معنديش إجابة، وأعتقد حتى هو حتى عنده إجابة!! يمكن لأني مختلفة!!!
أخرجت شفتها السفلية للخارج بعدم معرفة، أكملت:
حقيقي ماعرفش ليه سليم اختارني وحبني كده…
رفعت يدها عن يد لورجينا وأكملت بشغف:
بس تعرفي، جوايا شغف أعرف سليم القديم كان عامل إزاي؟ الكل بيقولي إن شخصيته زمان كانت حاجة مختلفة مليون في المية، حتى هو أكدلي ده، بس فضولي مخليني عايزة أعرف كان إزاي؟ وبقى إزاي؟ برغم إن سليم طبعه بحسه مازال صعب وغامض شوية.
لورجينا: حتى لو في بقايا من صفات سليم القديمة، أكيد مش زي زمان، وده شيء ملموس جداً. اللي يعرف سليم كويس هيحس بالفرق ده. سليم ما كانش عنده نقطة ضعف، ولا قلب ولا بيؤمن بالحب، كان حاد جداً، شخصية من الأفضل إنك ما تعرفيهاش.
ماسة بإعتراض ودفاع: لا يمكن تكون شخصية سليم بالشكل البشع والمخيف اللي بتحاولوا توصلوه لي خلال الـ24 ساعة؟ ممكن أوقات بتفلت منه حاجات، بيغضب، بيبقى عنيف، لكن دي مرات بسيطة مش دايماً. وإلا مكنتيش حبتيه وسألتيني ليه اختارني وسابك؟
لورجينا بتأييد: بالظبط مش في الـ24 ساعة بيبقى سيكو، لكن سليم معاشرته صعبة. إنتي لازم تنسي الماضي وتنسي اللي فات، خليكي في الحاضر. عايزة إيه من اللي فات؟ ومن شخصيته القديمة؟ إنتي بس عشان لسه صغيرة فضولك مخليكي عايزة تعرفي كل حاجة.
ماسة بإرتباك: ممكن سؤال شوية شخصي؟
هزت لورجينا رأسها بالموافقة، أكملت ماسة حديثها بنوع من الترقب. ابتلعت ريقها واستجمعت قوتها وسألتها بخجل خفيف.
ماسة بتلعثم: هو… هو سليم كان بيضربك؟
ارتسمت على شفتي لورجينا نصف ابتسامة وهي تهز رأسها بإيجاب: آه، كان بيضربني، بس مين اللي قالك؟ سليم؟
ردت ماسة مسرعة بنفي: لا والله، مش هو، حد تاني. لكن اعفيني إني أقولك هو مين.
لورجينا: أكيد مش هيخرج برة رشدي وصافيناز وفايزة، بس عادي. كملي سؤالك.
ماسة بتردد: طب كان بيعتذر منك وبيندم، وبيوعدك إنه هيتغير وما بيتغيرش؟ مهما أديتيله فرص؟
وفور انتهاء ماسة من حديثها، عقدت لورجينا حاجبيها بتعجب، وهي تضيق عينيها وقالت بدهشة:
لورجينا: سليم يعتذر؟ ويقول أنا آسف؟!
هزت ماسة رأسها بنعم بترقب، وهي تتمنى أن تجيبها عن سؤالها، وتتمنى أيضاً أن تكون إجابتها أنه يندم ويحاول أن يتغير، وليست مجرد وعود فقط.
ضحكت لورجينا ضحكة صغيرة بسخرية وأكملت: سليم مابيعتذرش، مستحيل يقول “أنا آسف”. كان آخره أوي يقول لي “ماتزعليش، إنتي اللي عصبتيني، إنتي اللي خليتيني أعمل كده، بطلي تعملي اللي بيضايقني,،وأوقات تانية مكنش بيتكلم أصلاً، كان ممكن أنا اللي أروح وأعتذر منه، لكن يندم؟ ويوعد يتغير؟ يستحيل. وكل ده بسبب حب التملك، لإنها ماينفعش يتقال عليها غيرة وحب.
صمتت لحظة، وهي تمرر عينيها عليها وقالت: شكله بيضربك؟
أجابتها ماسة بسرعة، وهي تهز رأسها بنفي: لا، مابيضربنيش.
ابتسمت لورجينا: إحنا اتفقنا نكون صرحاء.
ابتلعت ماسة ريقها بإرتباك، فهي من فتحت الحديث لابد أن تكمله وتكون صريحة كما كانت صريحة معها.
ماسة بثبات نسبي: بصي، هما كانوا تقريباً مرتين تلاتة بس، وبينهم وقت كبير، وكان بيتأسف لي في كل مرة. وكل مرة اعتذاره وندمه بيكون أقوى، فبسامحه. دموع بتخليني أنسى كل حاجة. أنا بحبه، بس خايفة لو فضل يكررها حبه يقل.
لورجينا بعينين اغرورقت بالدموع قالت بضعف: لما سليم جالي واتكلمنا في موضوع ابني والبيبى بتاعكم، شفت في عينه نظرة ما شفتهاش قبل كده في حياتي، دمعة اتمنيت لو مرة وحدة أشوفها بالغلط ليا، وقتها أدركت إن الموضوع معاكي مختلف تماماً، بس هتصدقيني لو قلت لك أنا فرحانة إنك طلعتي الشخصية دي من سليم؟ أنا طول عمري بحس إن سليم فيه حاجة كويسة اوي، بس محتاج تطلع لبره. أنا حاولت بس ماعرفتش أطلعها، لكن إنتي عرفتي.
( مدت وجهها بحيرة) يمكن إحنا ما عرفناش نطلع الحلو اللي في سليم، أو ما حاولنا كفاية؟! وما عرفناش، بس أنا حاولت لكن للأسف ما عرفتش.
نظرت لها بتركيز وقالت بنبرة حازمه نوعاً ما اضافت:
أنا مش طيبة اوي زي ما إنتي شيفاني، يمكن اللي مخليني حذرة وأنا بتكلم معاكي إني بخاف من سليم… بس أنا هقولك على حاجة، ماسة بليز لو شفتيني تاني بلاش تتكلمي معايا! لأني مش عارفة المرة الجاية هكون معاكي لطيفة زي ما أنا لطيفة معاكي دلوقتي ولا لأ؟ أنا عايزة أربي ابني بعيد عن أي مشاكل، ومش ضامنة نفسي، لأني بصراحة غيرانة منك وبكرهك. عارفة إنك ما أذيتنيش في حاجة! بس تخيلي كده لما أنا أكون بالشكل ده! ومتعلمة وأهلي ناس كبار! وبعد كل الحب وكل اللي قدمته لسليم والسنين اللي عشناها سوا، يتخلى عني! ويختارك إنتي! فدي لوحدها صعبة عليا!
نهضت ورمقتها من أعلى لأسفل، أكملت بتحذير.: إنتي بنت طيبة قوي وبريئة وده باين عليكي إن سهل يتضحك عليكي بسهولة، وزي ما قولتلك أنا مش ضامنة نفسي. المرة الجاية ممكن أعمل إيه؟! فارجوكي بلاش تكرريه تاني عن إذنك.
ارتدت نظارتها وغادرت.
نظرت لها ماسة وهي تعقد حاجبيها باستغراب على حديثها الأخير! فهو كان تهديد مبطن…
كل هذا وصافيناز تشاهدهما من بعيد بخبث أفعى رقطاء، وفور ابتعاد لورجينا اقتربت صافيناز حتى توقفت أمامها.
صافيناز وهي تسحب المقعد لتجلس: هاي، سوري اتأخرت.
ماسة تساءلت مستغربة: كنتِ فين كل ده؟
صافيناز: ولا حاجة يا ستّي، قابلتني صحفية أخدت مني كلمتين ومشيت.
ماسة: امم… أمال فين أصحابك؟
صافيناز: لسه ما جاشوا، شوية وجايين.
ماسة: تمام.
صافيناز: عملتي إيه لوحدك؟
ماسة: مفيش، شفت لورجينا وقعدت معها، وتكلمنا شوية.
صافيناز بمكر: بجد؟ لا استني بقى، نشرب حاجة وتحكيلي.
❤️______🌹بقلمي_ليلةعادل🌹_______ ❤️
قصر الراوي الرابعة مساءً
جناح نوم سليم وماسة
نشاهد سليم يدخل من باب غرفته، ممسكًا بين يديه وردة حمراء وشنطة هدايا. مرر عينيه في الغرفة، ثم تقدم واقترب من الشرفة وهو يبحث بعينيه عن ماسة. وضع الوردة والشنطة على الكومودينه… ثم خرج من الغرفة واتجه نحو الدرج. وأثناء هبوطه، قابل إحدى الخادمات.
سليم بتساؤل: عفاف، ماسة هانم فين؟
وأثناء ذلك، اقتربت منه فايزة وهي تقول:
فايزة بلؤم: خرجت.
عقد سليم حاجبيه بتعجب، وقال: “خرجت؟!”
هزت فايزة رأسها بنعم، ثم توقفت أمامه وقالت:
فايزة: اممم، مع صافي… راحت النادي.
أكملت بخبث: هي ما قالتلكش؟
نظرت له بخبث، محاولة استنباط أثر هذا الحديث عليه.
كان يبدو على سليم الضيق لأنها خرجت دون علمه. لكنه حاول الثبات، ولجم غضبه، وأجابها بإقتضاب:
سليم: أنا فوق.
صعد الدرج، بينما كانت فايزة تراقب تحركاته بعينيها حتى دخل غرفته وأغلق الباب. رفعت هاتفها بابتسامة ماكرة، وقالت:
فايزة: سليم جه، ساعة كده. تحركي من عندك.
على إتجاه آخر
جناح سليم وماسة
نشاهد سليم وهو يجلس على الفراش، والغضب يخفي ملامح وجهه. يهز قدميه، ممسكًا بهاتفه، ويقوم بعمل مكالمة. بعد ثوانٍ، رن هاتف ماسة. فور استماعه لصوت الجرس، نظر بعينه نحو الهاتف، فوجدته موصولًا بالشاحن على الكومودينه. جز على أسنانه أكثر وهو يقلب عينيه بتوعد.
بعد وقت
جاءت ماسة وفتحت الباب. فور فتحها للباب، وجدته مازال جالسًا كما هو على الفراش. تقدمت نحوه بابتسامة، ثم توقفت أمامه.
ماسة بإبتسامة ناعمة: كراميلي، جيت إمتى؟
رفع عينيه، التي غامت بسواد الغضب، واتسع بؤبؤ عينيه. قال بجمود: كنتِي فين؟
ماسة ببراءة: كنت في النادي مع صافيناز.
توقف سليم أمامها وهو ينظر لها بتركيز، محاولًا بأقصى قوة أن يلجم غضبه. عاد بذراعيه حول ظهره وشبك يديه ببعضهما من أجل حمايتها، لكي لا يقوم بضربها أو حتى مسكها من كتفها بقسوة. كان يحاول علاج نفسه، وقال:
سليم: إزاي تخرجي من غير ما تقوليلي؟ وسايبة تليفونك ليه؟
شعرت ماسة أن خلف تلك النبرة وتلك النظرات عاصفة قادمة قد تهلكها. تراجعت عدة خطوات للخلف بخوف وقالت بتوتر:
ماسة بخوف وتوتر: كان بيشحن ونسيت، بعدين أنا اتصلت بيك ٣مرات وسبتلك رسالة إني هخرج. والله العظيم مخرجتش من وراك. شوف تليفونك.
سليم وهو يتحدث بين أسنانه: ده مبرر عشان تخرجي من غير ما تستأذنيني، ها؟
ماسة بتبرير: سليم، إنت مش سامعني؟ بقولك اتصلت وسبت رسالة. بص حتى…
أقترب منه وأخرجت هاتفه من جيبه، فتحت رسالتها وأطلعته عليها. أكملت وهي تشير بيدها على الهاتف:
ماسة: بص أهو. كتبتلك: “كراميلي، أنا هخرج مع صافيناز هاروح النادي معها. كلمني لما تفضى.
قلب سليم عينيه التي كانت محمرة من شدة الغضب، وعروق رقبته التي برزت، قائلاً بنبرة جهورية تهتز لها أقوى القلوب:
سليم: ماســـة!
انتفضت ماسة على تلك النبرة المرعبة بخوف.
أكمل سليم بنبرة منخفضة لكنها مرعبة، وهو يقرب وجهه من وجهها: ماردتش يبقى تقعدي في البيت. بعتي رسالة وماردتش عليها، بردو تقعدي في البيت. إنما تكلميني وما أردش عليكي وتخرجي… ده معناه إنك خرجتي من ورايا… (بنبرة جهورية) فهمتي؟
انتفضت ماسة بخوف وهي تهز رأسها بنعم بصمت. كادت دموعها تنهمر من شدة الخوف والتوتر، وبدأت دقات قلبها تتسارع من شدة خوفها.
مرر سليم عينيه عليها، فشعر كم هي متوترة وتخشى منه، ودموعها التي كادت تسقط.
جز على أسنانه بقوة، وكاد أن يفتك بها من شدة الغضب. أغمض عينيه وأخذ يصارع نفسه، يصارع تلك الشخصية الأخرى التي يتحول إليها عندما يغضب ويثور.
كانت هناك أفكار كثيرة تضرب في رأسه كأنها معركة دامية في عقله…
كان يحاول السيطرة عليها بكل قوته، كي لا تهزمه تلك الشخصية وتدفعه لارتكاب أشياء يندم عليها.
أخذ يدور حديثًا بينه وبين تلك الشخصية في عقله بإضطراب، كأنه على حلبة مصارعة يتبادل اللكمات القوية معها على وجهه وجسده. قال لنفسه:
سليم: اهدأ، اهدأ، مكنتش تعرف! بعتت رسالة وكلمتك، إنت مردتش! عادي… خرجت مع أختك، فهمها، ماتعدهاش تاني. الموضوع بسيط. سليم، اهدأ، أوعى تعمل حاجة تندم عليها. الموضوع بسيط، ماتكبرهش. اهدأ… اهدأ، إنت وعدتها إنك هتتغير. لو زعلتها المرة دي هتخسرها زي ما مروان قالك… سليم، مش نهاية الدنيا إنها خرجت من غير ما تعرف… غلطة بسيطة. اهدأ
أخذت أنفاسه تتعالى بشدة، وضربات قلبه تدق بسرعة حتى شعَر وكأن قلبه يضخ الدم بعنف داخل صدره…
فالصراع الذي يعيشه الآن من الصعب تحمله وتخطيه بسهولة…
فسليم يخوض الآن معركة داخلية لابد أن يفوز بها وإلا سيهلك…
بعد دقائق من الصراع المضطرب، أخذ نفسًا عميقًا وفتح عينيه بابتسامة…
تقدم نحوها حتى توقف أمامها مباشرة، وزاد من ابتسامته التي ترتسم بجاذبية على وجنتيه، ثم قال بنبرة لطيفة.
سليم وهو يمسح على كتفها: عشقي، خلاص عادي، حصل خير، بس ممكن بعد كده ماتخرجيش إلا لما تعرفيني؟
ماسة ببراءة: بس أنا اتصلت وبعتلك رسالة وكنت مع صافيناز. ماعرفش إنك ممكن تزعل كده… أنا آسفة يا سليم.
سليم بابتسامة وهو يمرر أصابع يده على شعرها بحنان كأنه يتحدث مع طفلته المدللة: عارف يا عشقي، بس لازم أقولك بنفسي روحي، وبعدين إنتي عارفة إني مستحيل أرفض إنك تخرجي، لكن لازم أكون عارف يا روحي، خصوصًا بعد الحادثة إللي اتعرضتي ليها. أنا خايف عليكي يا ماسة، خليكي واثقة من ده. بعدين مش إتفقنا نقول حاضر ونسمع الكلام؟
هزت ماسة رأسها بنعم بابتسامة وبراءة: حاضر.
تبسم لها سليم وقبلها من خدها وتنهد براحة… فقد نجح هذه المرة في الفوز بتلك المعركة واستطاع أن يسيطر على غضبه كما وعدها.
توجه إلى التسريحة وتوقف أمامها وهو يقلع ساعته ويفك أزرار قميصه بتساؤل.
سليم: عملتي إيه بقى في النادي؟
توجهت ماسة إلى الشماعة وجلبت منها تيشرت وبنطال منزلي خاصين بسليم وهي تقول:
ماسة: مافيش. قعدنا نستنى أصحاب صافي ومحدش جه. روحنا لعبنا إسكواش.
اقتربت منه وهي تتقدم له وتواصل حديثها بضحك:
وتعلمت شوية ههههه، بس كان منظري يفطس من الضحك وأنا باجري ورا الكورة ومش عارفة أمسكها ههههه. وأختك ضحكت ضحك عليا لسنتين قدام.
توقفت خلفه وساعدته في خلع قميصه. أكملت:
بس قالتلي إن رشدي أحسن واحد فيكم بيلعبها، خليه يعلمك.
ألتفت سليم لها وأخذ منها التيشرت وهو يرتديه وقال بتأييد: فعلاً، رشدي أحسن واحد بيلعبها فينا… ضيق عينه معلقًا: بس إنتي ناوية تخليه يعلمك؟
تبسمت ماسة وأحاطت خصره بذراعيها وهي تنظر له بدلال: طبعًا لا، قولتلها أنا هاخلي كراميلي حبيبي يعلمني.
هبط سليم عينيه لها وأحاط ظهرها بذراعيه: بس كده، عيون كراميل ليكي.
قبلها من أعلى رأسها بابتسامة جميلة، ابتعد وجلس على مقعد التسريحة وخلع حذاءه وجسده موجه لها…
نظرت له ماسة بتوتر، فيبدو أنها تريد قول شيء. حاولت أن تفتح الحديث معه.
ماسة: حبيبي، أكلت؟
رفع سليم عينيه لها: تؤ على الفطار.
ماسة: طب أخليهم يحضرولك أي حاجة؟
هز سليم رأسه بلا: مش لازم، كلها ساعتين والعشا يجهز.
نهض وبدل ملابسه لملابس بيتية مريحة، كل هذا وماسة تقف أمامه مترددة. تريد أن تروي له ما حدث مع لورجينا لكنها خائفة من ردة فعله. ابتلعت ريقها وقالت:
ماسة بتساؤل: سليم، إنت متعصب؟
رفع سليم عينيه باستغراب: لا، مش متعصب.
ماسة بتوتر: أصل عايزة أقولك على حاجة حصلت النهاردة بس مترددة وخايفة تتعصب.
نظر لها سليم وهو يعقد حاجبيه باستغراب: تقصدي في النادي؟
هزت ماسة رأسها بنعم بإرتباك. أكمل سليم بنبرة مازحة قليلاً:
عملتي إيه يا قطعة السكر؟ اعترفي.
ابتلعت ماسة ريقها بتوتر: هقولك لأني متعودة مخبيش عنك حاجة.
توجهت إلى الباب وفتحته، كان سليم ينظر لها بتعجب. عادت وتوقفت أمامه.
سليم بتعجب: فتحتي الباب ليه؟
ماسة: عشان لو اتعصبت أجري.
تبسم سليم بتأييد: فكرة.
نظرت له ماسة، حاولت استجماع قوتها وقالت بثبات: بص من الآخر، أنا شفت لورجينا وقعدت معاها واتكلمنا سوا.
مال سليم برأسه قليلاً وهو يضيق عينيه باستغراب ليستمع لباقي حديثها.
نظرت له ماسة لكي تستشف تأثير الحديث عليه، شعرت أنه هادئ… أكملت: يعني شوفتها بالصدفة، حسيت إني عايزة أتكلم معاها، سلمت عليها وتكلمنا شوية.
هز سليم رأسه بعدم إكتراث للأمر: ماشي.
ماسة باستغراب: مش عايز تعرف إيه اللي حصل؟
سليم بعدم اهتمام: لو عايزة تحكي، حكي.
ماسة: آه، عايزة… هاحكيلك كل حاجة حصلت.
أخذت تروي ما حدث بالتفصيل لكنها لم تروي له آخر كلمات قالتها لورجينا عندما هددتها. كان يستمع لها سليم بعدم اكتراث، فيبدو أن الأمر عادياً بالنسبة له ولم ينزعج. بعد الانتهاء…
ماسة: بس كده.
سليم: المهم تكوني ارتحتي.
ماسة باستغراب: ارتحت؟! ارتحت إزاي يعني؟
سليم بتفسير: يعني أكيد بعد القعدة اللي إنتي قعدتيها دي، فيه حاجة اتغيرت.
ماسة: هو ماكنش فيه حاجة عشان أرتاح! كل الحكاية، أنا كان جوايا فضول إني أتكلم معاها زي ما حكيتلك، هتصدقني لو قلتلك حتى بعد قعدتي وكلامي معها مش حاسة بأي فرق.
سليم بتأكيد: أكيد فيه حاجة اختلفت، على الأقل ممكن تكوني عرفتي البنت اللي أنا كنت أعرفها قبلك عاملة إزاي.
ماسة هزت رأسها بإيجاب: صح، أنا فعلاً كنت محتاجة أعرف الإنسانة اللي كانت قبلي وكانت مشاركاني في جوزي، وكان ممكن يكون له طفل منها، شكلها إيه، شخصيتها عاملة إزاي كده يعني.
سليم: تمام.
نظرت له ماسة باستغراب: هو إنت مش متعصب؟
سليم بتعجب: هتعصب ليه؟
ماسة: يعني عشان قعدت مع لورجينا واتكلمنا.
سليم بنفي ممزوج بلطف: لا، مش هتعصب، المهم إن إنتي تكوني ارتحتي ويكون قلبك هدي من ناحية الموضوع ده، هو ده اللي يهمني أكتر يا ماسة.
ماسة بتعجب: على فكرة، إنتَ راجل غريب! تتعصب على الحاجة اللي ماينفعش تتعصب عليها؟ والحاجة اللي ممكن تتعصب عليها، تبقى عادي!!!
توقف سليم أمامها وقرصها من خدها بمزاح: معلش، سيكو.
تبسمت ماسة بتأييد: على فكرة ده حقيقي، بس عارف لورجينا؟ لذيذة، طريقة كلامها لطيفة ومتواضعة، يعني مش بتتكلم من مناخيرها وعقلانية وحلوة أوي.
ارتسمت على شفتي سليم ابتسامة جذابة. لقد فهم ما ترمي إليه، يريدها أن تكمل حديثها: وبعدين؟
ماسة: يعني مش شايفة إن فيها حاجة تخليك تسيبها أو متحبش تكون معها عيلة؟
تنهد سليم وتساءل: من وجهة نظر مين؟
ماسة: المنطق.
اعترض سليم بمزاح: جننتيني إنتي والمنطق بتاعك ده… أكمل بعقلانية… بصي يا ماسة، لورجينا بنت حلوة وعاقلة وفيها مواصفات هايلة، أنا منكرتش ده، بس ماتنفعش تكون زوجة لي! تنفع صاحبتي، لكن زوجة لسليم الراوي، تؤ، هي دي كل الحكاية.
ماسة: يعني ماسة اللي تنفع؟
دقق سليم النظر في عينيها وهو يضم وجهها بكفيه بحب وتأييد: أيوة، ماسة بس هي اللي تنفع. عندك اعتراض؟
تبسمت ماسة بحب: أنا هتغر كده.
سليم: حقك… قبلها من خدها.
ماسة بدلال أحاطت بذراعيها حول خصره: بس عارف، إنت طلعت قد وعدك، أنا أخدت بالي وأنت بتحاول متتعصبش عشان خرجت من غير ما تعرف.
سليم تبسم: أنا وعدتك إني هحاول، وهفضل أحاول لحد لما أكون الزوج اللي بتتمنيه.
تبادلا الابتسامات بحب وضما بعضهما بقوة.
ابتعد قليلاً وهو يمرر عينه عليها بإستغراب قائلاً بمزاح لطيف: بس تعالي هنا، إنتي كل كم يوم تطولي شوية… أنا حاسس كلها سنتين وتجبيني.
ماسة بمزاح: إنت اللي أوزعة.
توسعت عينا سليم باندهاش: أوزعة!!! أنا 180 يا أم لسان أطول منك.
ماسة بعند وهي تضيق عينيها: أوزعة برضه.
سليم: كده!! طب تعالي هنا.
جذبها من ذراعها بقوة وأخذ يقوم بدغدغتها مع محاولة ماسة الهروب، وتعالت صرخاتها وضحكاتها.
ماسة وهي تضحك بتوسل: سليم بس، ههههه، بس عشان خاطري… خلاص ســليم.
سليم وهو يدغدغها بوعيد: مش أنا أوزعة، هوريكي الأوزعة هيعمل فيكي إيه؟
أخذ يدغدغها وهي تحاول التخلص منه حتى وصل إلى الفراش وهو مازال على ذلك الوضع، وهي تضحك.
ماسة وهي تحاول إبعاده: خلاص بقى بجد، أنا اللي أوزعه… ههههه، خلاص بقى بالله عليك مش قادرة… وحياتي عندك.
رفع سليم يده من عليها وهو يضحك: خلاص، بس لو وعدتيها تاني، إنتي عارفة.
ماسة وهي تضحك: لا خلاص، الطيب أحسن… ههههه، أنت بتستقوي عليا عشان أكبر مني، بكرة هكبر وأخد حقي منك… هههه.
أخذ سليم نفسه من الضحك ونظر لها بغمزة: في الإجازة هاننزل نشتريلك شوية حاجات عشان الكام سنتي اللي طولتيهم دول وكمان عشان فيه حاجات كبرت!!
نظرت ماسة له بتعجب وهي تعقد حاجبيها وأخذت نفسها: حاجات إيه؟
وجه سليم نظرات عينيه إلى أماكن أنوثتها…
اتسعت عينيها بخجل وهبطتها لأسفل قائلة: إنت قليل الأدب أوي على فكرة.
سليم بابتسامة: إنتي اللي بتتكسفي أوي، مش فاهم إزاي؟ بس عارفة، برغم إن ماينفعش تتكسفي لأني جوزك ولإننا بقينا واحد، بس بحبك وبعشق خجلك، ومش مدايقني ومتقبل منك كل حاجة يا قطعة السكر… قبلها في إحدى عيونها.
مرر عينه عليها بحب وهو يمرر أصابع يده على وجنتيها… أكمل بعشق: عارفة أحلى حاجة في موضوع جوازنا وإنتي صغيرة إيه؟ حتى لو هو غلط!!!
ماسة برقة: إيه؟
زاد سليم من نظراته العاشقة بنبرة تتلألأ على أنغام العشق: إننا اتجوزنا وإنتي صغيرة، يعني هاعيش معاكي وهشوفك بعينيا وإنتي بتكبري، وملامحك بتتغير، وجسمك بيكبر… تفاصيل حلوة أوي، إحساس جميل مش هيحس بيها غير الزوج اللي عاش التفاصيل دي مع شريكة حياته وحب عمره.
ماسة وهي تمرر أطراف أصابع يدها على لحيته وتركز النظر داخل عينيه: وأنا كمان فرحانة إني هاعيش معاك المراحل دي، وإني كمان هاشوفك وإنت بتكبر من شاب عشريناتي لراجل ثلاثيناتي، ومش بس كده! لا.. هنفضل نكبر ونكبر سوا لحد ما وشنا يكرمش ونبقى جدود… هفضل أحبك كل يوم أكتر وأكتر من اليوم اللي قبله.
سليم بنبرة عاشقة: وأنا كمان هفضل أحبك في كل لحظة أكتر وأكتر، ولحد آخر نفس ليا، هتفضل ماسة جوة قلب وعقل وعين سليم… بحبك، بحبك أوي يا أحلى هدية ربنا هداني بيها.
ماسة بعشق: وأنا كمان بحبك أوي أوي يا قلب ماسة.
دقق سليم النظر أكثر في ملامح وجهها بعشق ورغبة بعينيه اللتين لا ترفان بنظرات تجمد الأنفاس، جعلتها تتوه في تلك اللحظة، وقلبها ينبض بسرعة، وتذوب بين ذراعيه وتشعر بتلك القشعريرة التي تسكنها كل مرة أمام شوقه ونظراته المتعطشة.
ابتعدت ماسة وهمست في أذنه: كراميل الباب مفتوح.
رفع سليم عينيه نحوها وقال: حالًا هقفلها.
ابتعد وهو يبتسم لها بجاذبية، ثم نهض وتوجه إلى الباب، أغلقه بالمفتاح. اقترب منها مرة أخرى، ومرر عينيه عليها بشوق، ثم خلع التيشرت واقترب مبتسمًا، وووو…
💕______________بقلمي_ليلةعادل
في أحد الكافيهات الكبرى الساعة الرابعة عصراً
يجلس مكي وسليم معًا على إحدى الطاولات وهما يدخنان السجائر.
سليم باهتمام: أنا سامعك، سبتك تهدى يومين… ها، اتكلم.
مكي بهدوء وعقلانية: صدقني يا سليم، ما فيش حاجة ممكن أقولها. أنا خدت قراري ومش هرجع فيه، ومستعد لكل عواقبه.
سليم بتعجب: طب اقنعني… اقنعني إزاي تتخلى عن الإنسانة اللي بتحبها بسهولة كده، عشان شوية أفكار! للمرة المليون بأقولك إنها صح، بس مش مع دول.
عدل مكي من جلسته واقترب أكثر: سليم، أنا فاهم كل ده، فاهم كل حاجة… بس!!!
صمت لثوانٍ… أطفأ السيجارة في الطفاية بتوتر، ثم تحدث باتساع عينيه وبعقلانية:
سليم، حاول تفهمني… أنا مش هانكر إني حبيتها، ومش عارف ليه هي بالذات اللي حبيتها. والأصعب، إنّي مش قادر أوقف الحب ده، بالعكس، لما قربت منها حبيتها أكتر.
بغضب من نفسه، حكّ جبينه قائلاً: سليم، أنا مش قادر أشوف نفسي قاعد في الكوشة مع بنت تقريبًا لسه 16 سنة. إنت نفسك لما قررت تتجوز ماسة، فكرت كتير وحاولت تهرب كتير، بس انهزمت قدام حبك ومشاعرك. وإنت من جواك عارف إن خطوة جوازك منها في سنها ده كانت غلطة.
ثم أكمل بنبرة جادة:
انت بنفسك أكدت لي إنه لولا العريس اللي جالها، ما كنتش هتاخد الخطوة دي. معاك إنك نجحت معاها، علاقتكم نجحت، لكن مش بالضرورة أنا أنجح مع سلوى، إحنا الاثنين مختلفين يا سليم، وحتى سلوى مختلفة عن شخصية ماسة الجواز مسؤوليه كبيره الانبهارات المنبهره بيها سلوى دلوقتي مش هتبقى متواجده بشكل مستمر بعد الجواز..
زفر باختناق، فك رابطة عنقه وعاد بظهره إلى المقعد: بص، أنا مقتنع باللي في دماغي. مقتنع إني لازم أبعد عشان لما أرجع تاني، تختارني بقلبها وبعقلها. ما تبقاش عواطفها هي السبب الوحيد اللي مخليها توافق عليّا… أو توافق بس عشان أنا مكي الحارس الشخصي لسليم الراوي.
كان سليم يستمع لحديث مكي بتركيز شديد. تنهد وأخذ نفسًا أخيرًا من السيجارة، ثم أغلقها واقترب بجسده قليلًا من الطاولة وعيناه مثبتتان على ملامح مكي.
سليم بعقلانية وهدوء: بص يا مكي، أنا مش هعارضك في أي كلمة قلتها. اللي إنت بتقوله كله صح، لكن صدقني، أنا خايف من حاجة واحدة… خايف تندم! خايف بعد كذا سنة تقول “يا ريت”.
أكمل بحذر:
ممكن خلال الفترة دي حد تاني يشغلها، حد تاني يتقدم لها. وقتها هتوافق لأنك حتى ما عرفتهاش إنك كنت معجب بيها. يمكن تفكر إنك كنت بتتسلى، وتوافق على أول عريس يتقدم لها انتقامًا منك. دماغ البنات كده.
(نظر إليه بثبات)
فكر تاني، وأنا مش هضغط عليك ولا هفتح الموضوع ده مرة تانية معاك، وهاحترم قرارك. بس كل اللي بطلبه منك… أدي لنفسك فرصة تانية للتفكير. مش لازم تتجوزها على طول، ممكن تخطبها. في بنات كتير، على فكرة، بيتخطبوا في السن ده، في وسطنا… مش في وسطها هي بس.
هز مكي رأسه بإيجاب، بصمت.
💕________________بقلمي_ليلة عادل
منزل مكي ـ الساعة 10مساءً
غرفة مكي
نشاهد مكي يقف أمام النافذة يدخن سيجارة ويحتسي قهوة. يبدو مستغرقًا في التفكير، حيث يسيطر عليه الشوق والقلق بعد مرور أسبوعين دون رؤية سلوى. كانت تلك الأيام ثقيلة على قلبه، إذ اشتاق لرؤيتها وسماع صوتها. أفكاره تتصارع داخله: هل كان ما فعله صحيحًا أم خاطئًا كما قال سليم؟ هل ستعتقد سلوى أنه كان يتسلى بها؟ هل يجب أن يعود ويتخذ خطوات جدية ليضمن ألا تضيع منه؟ أم يستمر في التمسك بأفكاره حتى تختاره بإرادتها الحرة؟ الأفكار تتلاطم في رأسه مسببة صداعًا يرافقه باستمرار، حتى بدا أن عقله توقف عن التفكير.
بعد دقائق، تدخل والدته ليلي إلى الغرفة، وتشعل النور بنظرة مستغربة.
ليلي: في بداية الخمسينات، حسنة المظهر، تنظر إليه بتعجب
ليه قاعد في الضلمة كده؟
ينظر مكي نحوها، مغمضًا عينيه وهو يحاول الاعتياد على الإضاءة.
مكي: أمي!
تقترب ليلي منه حتى تقف أمامه مباشرة، تحدق في ملامحه بتركيز: قاعد في الضلمة ليه؟
مكي بلامبالاة: قاعد.
تلتفت ليلي بنظرها نحو علبة السجائر الموضوعة على النافذة، تلاحظ أنها أوشكت على النفاد.
ليلي بعينين متسائلتين نحو العلبة: هي مش دي العلبة اللي شاريها العصر؟
يهز مكي رأسه بنعم، دون أن ينبس ببنت شفة.
ليلي ترفع عينيها نحوه، تتابع بعتاب مليء بحنان الأم: كده يا مكي! حرام عليك صحتك. طب لو مش خايف على صحتك، خاف عليا. إنت عارف لما بشوفك كده، قلبي بيتقبض وسكري بيعلى.
يمسك مكي يدها بحنان ويقبلها معتذرًا.
مكي: بعد الشر عليكِ يا حبيبتي. أوعدك مش هاشرب تاني النهاردة.
تبتسم ليلي، تفهمه جيدًا.
ليلي: قولي، إيه اللي مضايقك؟ بتفكر في إيه؟
مكي بعقد حاجبيه وبابتسامة متعجبة: أنا؟ ولا زعلان ولا متضايق.
ليلي تبتسم وتدقق النظر في وجهه، تضع كفها على خده وتربت عليه بلطف: إنت حتة مني، وأعرفك أكتر من نفسك. إنت مش بتقعد في الضلمة كده ولا تشرب كل السجاير دي إلا لو في حاجة شاغلة بالك. ها؟ هتقولي؟
مكي يتنهد بعينين زائغتين: شوية شغل، بس متقلقيش يا ست الكل.
ليلي تبتسم بهدوء، تعلم أنه يكذب:عليها هستناك تيجي تحكي لي…
يرد مكي بابتسامة خفيفة، ينظر للأسفل بحزن.
ليلي: هي راحت فين؟ أوعى تكون هي اللي عاملة فيك كل ده؟
مكي: بدهشة، يعقد حاجبيه هي مين؟
ليلي، وهي تحرك يدها بمزاح: البنت اللي كانت بتسهرك للفجر وتروح من غير نوم وعينك مش قادر تفتحها، شغلك، وضحكتك إللي بتبقى مسمعة الشقة كلها. ها، شكلك مزعلها؟ ما أنا حفظاك مالكش بحوارات البنات، ها راحت فين؟ أنا كنت عايزة أتعرف عليها..
مكي بصوت مكتوم، ينظر إلى الأرض: خلاص راحت.
ليلي بتعجب: راحت فين؟ للدرجة دي زعلتوا؟
مكي يهز رأسه إيجابًا، ويخرج أنفاسًا متعبة: بصي… الموضوع ما كانش موضوع. هي معرفتش حاجة عن مشاعري.
تصمت ليلي في انتظار التفاصيل، فيواصل مكي:
هي أخت ماسة، مرات سليم. أصغر منها بسنة، يعني 16 سنة.
ليلي بدهشة واستنكار: ودي فيها إيه حرك مشاعرك؟ دي طفلة! ولا هي حلوة أوي زي أختها؟
مكي: بعشق أحلى كمان…
مكي بنبرة عاشقة: أحلى كمان من أختها… أكمل بحيرة… صدقيني يا أمي، أنا نفسي أعرف إيه خلاني اتجننت وأحبها، فيها مغناطيس غريب شدني ليها من غير إنذار، يمكن براءتها، نقاء قلبها، شكلها!!! معرفش!!! بس إللي متأكد منه إني غلطت فبعدت، بس مش عارف إللي أنا عملته صح ولا غلط؟
ليلي بحدة خفيفة: طبعا صح، دي عيلة يا مكي، الشكل مش كل حاجة، دي هتتكلم معاها إزاي؟
مكي بتوضيح: دماغها كبيرة وواعية جداً وسابقة سنها.
ليلي: بس برضو مينفعش.
مكي: عشان كده بعدت، لما اتكلمت مع سليم قال لي إني غبي، وإنهم في البلد بيجوزوهم أصغر من كده، وإن البنات إللي من نوعية سلوى وماسة بيكبروا قبل أوانهم، لإن طريقة التربية والظروف الاجتماعية مختلفة تماماً، الحياة بتربيهم بدري، وإن حتى كان المفروض على الأقل أخطبها عشان أضمن وجودها، ربما بعد فترة تتخطب خصوصاً إنها حتى ما تعرفش إني معجب بيها وبحبها
، ويمكن كمان تكون فهمت إني كنت بتسلى بيها، ويمكن أول واحد هيتقدم حتوافق…
(أخرج أنفاس متعبة)… مش عارف أنا صح ولا غلط، أنا يا أمي لما شفتها قولت نبقى أصحاب إخوات، وهتعامل معها كأخت ويستحيل أعدي حدودي معاها، لحد مايجي الوقت المناسب وهافتحها في الموضوع، بس مع الوقت غصب عني كلامي بدأ ياخد شكل تاني معاها، طريقة متنفعش معاها، تنفع مع اتنين بيحبوا بعض، فتأكدت إني بدأت أضعف فقررت إني أبعد، بس أنا مشتاقلها، نفسي أعرف أخبارها، أشوفها، أسمع صوتها، إشتقت لكلامنا وسهرنا… فرجعت اكلمها تاني لحد ما حصل اخر موقف اخوها شافني واحنا مع بعض قررت وابعد عنها
زفر بضيق وهو ينظر إلى أعلى ثم نظر لها…
قوليلي، أنا صح ولا غلط؟
نظرت له ليلي وهي تربت على كتفه، وقالت بعقلانية: إنت صح يا مكي، أصلاً خروجك وكلامك معاها من البداية غلط، بس خلاص إللي حصل حصل، مش عيب إن إحنا نغلط! بس عيب إننا نستمر في غلطنا، وإنت اتعلمت. أنا حقيقي مش قادرة أفهم إزاي مشاعرك جذبتك لواحدة زي سلوى، برغم إنك عارف إن سنها صغير، حتى لو دماغها كبيرة وشكلها أكبر من سنها، بس مش هنكذب على بعض هي بنت صغيرة، واللي قدها لسه يا دوب داخلين أولى ولا ثانية ثانوي، مش هنعمل زي الناس الجاهلة، ونجوز بناتنا وهم صغيرين، سلوى لو بنتي وزي ما بتقول كده، ده أنا حافظ عليها وأعلمها، وأغليها لحد ما تكبر وتعرف تختار شريك حياتها بعقل…
قاطعها مكي قائلاً: وهو ده إللي أنا فكرت فيه، أنا عايزها بعقلها وقلبها، بس أنا خايف تروح مني يا أمي.
ليلي بحكمة وهي تربت على قلبه: لو ليك نصيب فيها هتاخدها غصب عن عين أي حد، ولو مالكش نصيب فيها! والله ما هتاخدها لو عملت إيه! إللي مكتوب لك هتشوفه، مافيش مهرب من المكتوب، لو كنت اعترفت لها بحبك وحبيتوا بعض واتخطبتوا، مش يمكن يوم كتب الكتاب تتخانقوا!!! ولا يحصل حاجة وكل واحد يروح لحاله!!!!! وممكن بعد ما بعدتوا طول السنين دي تتجمعوا، وتبقى من نصيبك وساعتها هتقول لها إنت ليه عملت كده؟ وقتها هتفهمك وهتحترمك جداً، وهتحبك أكتر، لإنها هتعرف قد إيه حبيتها، ومضحكتش عليها بشوية هدايا وسفر وكلام حلو… مغرتهاش!! بالعكس سبتها عشان ترجعلك بإرادتها… حتى لو هي دلوقتي فاهمة غلط، هو إنت قلت لها إنك بتحبها؟
هز مكي رأسه بنفي: ولا طلعت من بقي، كل مقابلاتنا وكلامنا كانت عادية جداً، بين أي اثنين أصحاب أو إخوات، بس هي أكيد يعني ترجمت اهتمامي ده إنه إعجاب أو حب.
ليلي: إنت تتحاسب على الكلمة إللي خرجت منك.
قاطعها مكي بإعتراض: لا يا أمي وحتى على أفعالي، وأنا أفعالي كانت مبينة كل حاجة أنا عايز أقولها من غير ما أقولها.
ليلي بحكمة: هارجع أقولك تاني صدقني هتفهمك، واللي إنت عملته صح، سيبك من صاحبك المجنون ده، مش سليم إللي تاخد منه نصيحة، هو نفسه غرقان مع ماسة في غلط، جاب البنت من البلد واتجوزها، ومدهاش أي حق في الإختيار.
مكي: بس سليم بيحبها وبيتعامل معاها كويس، لو شفتي علاقتهم مش هتحسي إنها صغيرة كده، بس أنا كمان شايف زيك سليم مدهاش حق الإختيار وعشان كده مستحيل أعيد إللي عمله.
ليلي: فوق كده لنفسك وإدعي ربك إنها إن شاء الله هتكون من نصيبك.
رفع مكي عينه لأعلى وهو يقول: يا رب.
ليلي: بس أنا عايزة أقولك حاجة.
هز رأسه بنعم، استمع لها بتركيز. أكملت بعقلانية وتحذير…
يوم ما تفكر تتجوز، سيب شغل مع سليم، اشتغل معاه أي حاجة تانية إلا الحراسة. أوعى توجع قلب مراتك وولادك عليك، ماتعملش زي أبوك كفاية إللي أنا شفته.
مكي: بس أنا مابعرفش اشتغل غير الشغلانة دي.
ليلي: هتعرف لو بتحبها وبتحب ولادك، لازم تعرف… بعدين أنا بقولكش أبعد عن سليم، أنا عارفة إنك بتحبه زي أخوك وهو كمان، اشتغل معاه أي حاجة وهو مش هيقولك لا، أنا متأكدة.
مكي: لسه بدري يا ست الكل، قدامك ثلاث سنين ولا حاجة.
ليلي: هيعدوا زي الهوا.
اقترب منها مكي وقبلها من رأسها بإحترام وهو يقول: ربنا يخليكي ليا يا أمي، أنا ارتحت لما اتكلمت معاكي.
ليلي وهي تمسح على كتفه: ربنا يسعدك يا حبيبي ويريح قلبك.
💕__________________بقلمي ليلةعادل
في أحد المنازل المجهولة…
نشاهد سيارة عماد تتوقف أمام مدخل بناية قديمة. يهبط منها، خطواته قوية وغاضبة، وجهه مشحون بالغضب والتوتر. يصعد السلالم بسرعة، وكأنه يحمل جبلاً على كتفيه. يصل إلى أحد الطوابق ويطرق الباب بعنف، صوت الطرق يُحدث صدى في الممر الضيق.
بعد لحظات، يُفتح الباب ببطء. تظهر سارة، بوجه يحمل مزيجاً من التوقع والبرود. تنظر إليه لوهلة، ثم تبتسم بسخرية، تستدير بلامبالاة وتبدأ في الابتعاد عنه دون أن تقول كلمة واحدة.
عماد، الذي يكاد ينفجر من الغضب، يتحرك بخطوات حازمة نحوها. يمسك بكتفها بعنف، يجذبها نحوه ويصرخ بنبرة غاضبة مهددة:
إنتِ بتستهبلي؟ بتلعبي معايا يا سارة؟!
سارة، التي بدا عليها الضيق، لكنها تحتفظ برباطة جأشها، تدير وجهها له بابتسامة ساخرة وتقول بهدوء مستفز:
لا، مش بلعب معاك. أنا بس كنت عايزة أوريك لو فكرت تلعب من ورايا تاني إيه اللي ممكن يحصل. المرة الجاية مش هتعرف توصل لي، يا عماد، لو وقفت على رموش عينك. أنا اللي خليتك توصل لي أصلاً! فتحت لك كل حاجة، تليفوني، عربيتي، وكل حاجة تحدد موقعي بسهولة. كنت عايزة أشوف، بتحبني قد إيه؟ وهل حبك كفاية عشان يخليك توصل لي؟
ملامح عماد تزداد صرامة، والغضب يتصاعد في عينيه مع كل كلمة تنطقها. يصرخ بها بصوت يهتز له المكان:
كل الجنان ده عشان سافرت من وراكي؟!”
سارة ترفع حاجبيها بسخرية، تحتفظ بلهجتها الهادئة الواثقة وترد:
ما هو اللي يخليك تسافر من ورايا يخليك تعمل أكتر من كده، يا عمدة! خليني أشوف بقى، هتتصرف إزاي؟!”
لحظة صمت ثقيل، نظرات مشحونة بينهما وكأنهما على وشك الانفجار. فجأة، يكسر عماد الصمت بصوت أقل حدة، ولكن أكثر ألماً:
عماد: سارة، متخليش الغيرة تعميكي. أنا كنت عامل زي المجنون، مش عارف أعمل إيه. قولتلك اصبري، كل ده عشانك.
سارة، التي بدأت دموعها تتسلل إلى عينيها، تقول بصوت مكسور:
أصبر على إيه بالضبط؟ أنا تعبت، يا عماد. نار جوة قلبي بتاكلني وأنا عارفة إنك معاها.”
عماد يحاول الإمساك بيدها، صوته منخفض لكنه مليء بالجدية: أيوة، أنا معاها بجسمي، لكن قلبي ملكك إنتِ، سارة. إنتي عارفة ده.
سارة ترفع رأسها بغضب ممتزج بالحزن وتقول بصوت متهدج: لا يا عماد، أنا عايزاك كلك ليَّ. مش جزء منك، ولا حتة منك… كلك ملكي!
عماد ينظر إليها بعيون متعبة، يمرر يده على وجهه بحركة عشوائية ويقول بصوت منهك: إنتي عارفة كويس إني ما بحبش صافيناز. كل اللي بيني وبينها مصلحة وبس، زمان لما عرفتيني عليها، كنتي إنتِ اللي عايزة تنتقمي منها لأنها سرقت منك خطيبك. وأنا… استغليت إعجابها بيا عشان أوقعها و
سارة تقاطعه، صوتها يفيض بالاتهام: آه، واللعبة عجبتك، وبدل ما توقفها، خليتها جواز!
عماد يرد بسرعة: لأن الملايين اللي غرقانة فيها تخليني أعمل كده! خلاص بقى، حقك عليا. أنا وعدتك، وهفي بوعدي.
سارة: بص يا عماد، عشان ننتهي من المشكلة دي، أي حاجة هتحصل لازم أعرفها وأوافق عليها. غير كده، مش مسموح. ولو حصل العكس، ممكن أقلب الترابيزة وأقول كل حاجة.
عماد: بلاش لهجة التهديد دي، إنتِ عارفة إني ما بحبهاش.
سارة: أنا مش بهدد، أنا بوضح اللي هيحصل. عرفت تجيبني إزاي؟
عماد: كلمت ناس وشفت الشبكة بتاعتك، لقطتها منين؟ مازن فين؟
سارة: نايم جوه.
عماد تنهد وتحرك نحو الغرفة. دخل ليجد ابنه نائمًا. اقترب ليقبّله بحنان.
عماد وهو ينظر إليه: هفضل اقولك، كل اللي بعمله ده عشان نعيش في نعيم.
سارة توقت خلفه: وانا فهمتك يا عماد شروطي يا تقبلها يا ننهي اللعبه دي.
نظر لها عماد بصمت
ـ فيلا عائله ماسة السابعة مساء
ـ نرى ماسة تجلس على كرسي التسريحة ترتدي فستانا محتشما باللون الأسود بأكمام وفي منتهى الجمال (يبدو انها ذاهبة لمناسبة) بينما سلوى تجلس وهي ترتدي بيجاما و يبدو عليها الضيق
ماسة؛ فهميني ايه المشكلة، بعدين قولتلك مكي مش هيجي معانا
سلوى: مش عشان مكي، أصلاً مش فارق معايا.
ماسة: آمال ايه؟؟
سلوى بحزن: أنا مخنوقة يا ماسة الموضوع بجد مأثر فيا زعلانه حاسة إني رخصت نفسي، كنت فاكرة إنه بيحبني كان نفسي أعيش قصة حب زيك بس طلعت غلطانة، هو مقلش حاجة أنا اللي اتوهمت وتعشمت.
نهضت ماسة وجلست جانبها وهي تربت على يدها قالت بحب: حبيبتى متقوليش كدة على نفسك فهمه. بعدين هو موعدكيش بحاجة، وانتي لسه الحياة قدامك ركزي في دراستك وبس علشان تحققي أحلامك، بكرة هتقابلي الإنسان اللي يستاهلك وأحسن من مكي متقلقيش أكيد ربنا كاتبلك حاجة حلوة يلا قومي معايا هتنبسطي
سلوى: معلش سبيني.
رن هاتف ماسة كان سليم قالت سلوى: يلا روحي عشان سليم.
ماسة: طيب بكرة هجيلك يا حبيبتى روقي بقى وضعت قبلة على جبينها وتحركت.
نهضت سلوى بعد خروج ماسة وفتحت أحد الدرف وأخرجت منها هدايا مكي أخذت تنظر لها بضيق ووجع وهي تتذكر كل شيء حدث بينهما.
على اتجاه آخر
نرى ماسة تصعد السيارة وتجلس بجانب سليم
سليم: بردو مش عايزة تيجي.
ماسة: تعبانة مش قادرة.
سليم: عندها ايه سلامتها.
ماسة: برد.
هز سليم رأسه بإيجاب وهو يمد وجهه.
على اتجاه آخر نرى سلوى تهبط الدرج للأسفل وتوجهت للخارج حتى صندوق النفايات ووضعت الهدايا به بغيظ وضيق، وهي تقول: هنساك وكأنك ولا حاجة..
فيلا عائلة هبة الثامنة مساءً
– أجواء احتفالية
امتلأت الفيلا بالأضواء و الزينة التي أضفت أجواءً دافئة وساحرة على الحفل. المدعوون متوزعون في أرجاء المكان؛ البعض يتبادل أطراف الحديث حول الطاولات المزينة بدقة وأناقة، والبعض الآخر يستمتع بالموسيقى الهادئة التي تعزف في الخلفية، بينما ينشغل آخرون بالرقص على أنغام الموسيقى، ومن بينهم العروسين، هبة وياسين، يتألقان بظهور مميز في وسط الحضور
على طاولة عائلة الراوي
جلست عائلة الراوي بأناقة في مكانهم الخاص، ملابسهم الفاخرة تعكس رقيهم ومكانتهم المرموقة، وهم يتابعون أجواء الحفل بسعادة وهدوء.
اقترب والد ووالدة هبة وشقيقتها، بابتسامات مشرقة تعكس حفاوة الترحيب.
زيدان بصوت مرح و ودود: أهلاً أهلاً عزت باشا، أهلاً فايزة هانم. نورتونا! ينحني باحترام ليضع قبلة خفيفة على يدها.
فايزة تبتسم برقة:ميرسي، ده من ذوقك يا زيدان بيه.
سامية بابتسامة مرحبة: سليم، أهلاً بيك! يا ترى عامل إيه؟
سليم بهدوء:الحمد لله يا هانم.
تلتفت سامية نحو ماسة وتنظر إليها بإعجاب:
أكيد انتي بقى ماسة القمر؟
ماسة بابتسامة خجولة ورقيقة: أيوه أنا..
سامية بنبرة إعجاب: فعلاً عنده حق يغير عليكي ويضرب الراجل اللي عكسك.
وجهت نظراتها لباقي العائلة بابتسامة:
طه رشدي، صافيناز حقيقي منورين! عن إذنكم شوية.
لحظة تدخل هنا، شقيقة هبة اقتربت هنا بابتسامة واسعة:
هاي يا سليم نظر لها بابتسامة دون رد: أنا حضرت اللي عملته، بجد برافو عليك!
نظرت ماسة إلى هنا بغيرة واضحة، بينما أمسكت يد سليم بتملك واقتربت منه أكثر.
سليم يهز رأسه بإيجاب دون تعليق، ليقطع الموقف اقتراح ماسة
ماسة: حبيبي، تعالى نبارك لهبة وياسين.
تحرك سليم وماسة بخطوات هادئة نحو العروسين، هبة وياسين، اللذان كانا يرقصان بسعادة وسط الحضور، والتفت العروسان بسعادة و بابتسامات مشرقة لاستقبال المهنئين.
ماسة بإبتسامة رقيقة: ألف مبروك يا هبوشا، زي القمر النهارده يا روحي.
التفتت هبة لها بإبتسامة مليئة بالفرح:
الله يبارك فيكي يا حبيبتي، وإنتِي أحلى وأرق.
سليم بابتسامة دافئة وهو ينظر إلى ياسين:
مبروك يا أصغر ما أنجبت عائلة الراوي.
ياسين يرد بابتسامة مليئة بالمودة:
الله يبارك فيك يا أعقل وأذكى ما أنجبت عائلة الراوي.
ضحك الأخوان وضما بعضهما بحرارة.
سليم بعد لحظات قصيرة: عن إذنكم.
هبة بحماس:خليكم شوية، وبالمناسبة، ليه مجبتيش سلوى يا ماسة؟
ماسة بابتسامة خفيفة:تعبانة شوية.
هبة بنبرة مليئة بالحب: ألف سلامه عليها، خلي بالك منها.
سليم بابتسامة هادئة: إنجوي بقى، النهارده ليلتكم استمتعوا بها على قد ما تقدرو.
أبتسم سليم لماسة، ثم أمسك يدها برفق وعاد بها إلى طاولتهم، حيث جلسا وسط أجواء دافئة مليئة بالمودة.
بينما أشارت هبة إلى ياسين قائلة بابتسامة مشرقة: تعالى نرجع للرقصة، الحفلة مستنيانا.
ياسين بابتسامة مشاكسة: وأنتي فاكرة إني هسيبك النهارده.. غمز لها يلا بينا.
عاد ياسين وهبة إلى وسط الحضور لاستكمال الرقص وسط التصفيق والفرح، بينما كان سليم ينظر لماسة بحب وهو يقول بهدوء:
ليلة جميلة…بس وجودك معايا بيجمل كل حاجة في حياتي.
ابتسمت ماسة بخجل، وردت وهي تشد على يده بلطف:وأنا مبسوطة طول ما أنت جنبي.
غرق الاثنان في لحظات دافئة، وسط أصوات الفرح والاحتفال التي ملأت المكان.
في أحد البواخر النيلية الكبيرة العاشرة صباحاً
-كانت الأجواء هادئة، والموسيقى خافتة تضيف لمسة رومانسية. يجلس هبة وياسين على إحدى أجمل الطاولات، يحدقان في بعضهما بابتسامات دافئة، ويمسكان بأيدي بعض وكأنهما يخشيان فقدان هذه اللحظة.
ياسين بنظرة مليئة بالحب: إيه إحساسك دلوقتي وإحنا مع بعض في أول خروجة لينا بعد الخطوبة؟
ابتسمت هبة بخجل وأخفض عينيها قليلا: إحساس جميل… تعرف إنه مختلف؟ ما توقعتش إن الإحساس هيبقى كده. من ساعة ما اتخطبنا ولبست الدبلة امبارح، وطول الليل بنتكلم والنهارده، وإحنا مع بعض، حاسة بشيء جديد كأننا في بداية قصة جديدة. وانت؟
ياسين يضغط على يدها برفق ويبتسم: أنا كمان حاسس إن كل حاجة بقت مختلفة. بحس إنك بقيت ملكي أكتر… أو بمعنى أصح، بقيتي تخصيني أكتر. وكمان حاسس بمسؤولية جديدة، بس الصراحة أنا مبسوط جدًا.
هبة بنبرة مليئة بالامتنان: وأنا كمان مبسوطة جدًا. وإن شاء الله حياتنا من اللحظة دي كلها هتبقى مليانة سعادة.”
نظر ياسين في عينيها بابتسامة دافئة: وأنا بوعدك إن حياتنا تكون زي ما بتتمني وأحسن.
قصر الراوي العاشرة مساءً
جناح سليم وماسة
نشاهد ماسة وسليم يجلسان متجاورين على الأريكة ويشهدان التلفاز
ماسة بدلال: سليم، أنا بكره هخرج مع هبة وأصحابها.
سليم بهدوء: ما عنديش مانع. أنا عرفت إنهم ناس محترمة. في بنت اسمها نانسي، والثانية اسمها صفا. بيقولوا لها صوفيا، لو دول جايين، ما تخرجيش معاهم
ماسة مستغربة: ممكن أعرف ليه، إن شاء الله؟
سليم بجدية: عشان البنات دول مش كويسة.
ماسة متساءلة: مش كويسة؟ من مفهوم سليم طبعا!
سليم بحزم: لا، مش كويسة. من منطقك. بيشربوا خمور وسجاير وبيصاحبوا ولاد، وبيعملوا معاهم علاقات.. الباقيين كلهم بنات محترمة. في واحدة منهم محجبة اسمها ريتال، حد محترم جداً.
ماسة بغضب قليل: سليم! إنت ليه مش بتديني فرصة، أنا اللي أختار. يعني سيبني أخرج، وبعدين أجي أقول لك: على فكرة ياسليم في بنات مش كويسة، مش عايزة أصاحبهم.” سيبني أنا أوريك اختياري.
سليم بتعابير صارمة: أنا سيبلك حرية الاختيار بس بحدود. الحدود إنك تختاري الطباع، تختاري الشخصية نفسها. لكن سلوكياتهم أنا اللي أختار. بعدين، إنتِي ينفع تخرجي مع بنات زي دي؟
ماسة بتحدّي: لا، بس أنا اللي هقول.
سليم بإصرار: خلاص، مش عايز كلام كتير. هو ده اللي عندي. اتصلي بيها، قولي لها لو نانسي وصوفيا موجودين، أنا مش جاية. وما ليش علاقة لو هبة مصحابهم، هي حرة، لكن إنتِ مش حرة.
مسحت ماسة وجهها باختناق: طيب.
سليم: طب هتروحوا فين؟
ماسة بهدوء: هنروح البرج، وممكن مطعم مش عارفة.
سليم بقلق: اعرفي برنامجكم إيه وعرفيني.
ماسة بوجه ممتعض قالت بتذمر بحركة شفايف: والله العظيم إنت راجل رخم!!
سليم بتعجب: بتقولي إيه؟
ماسة بتجاهل:لا ما بقولش حاجة. بقول هكلم هبة وهكلم سلوى عشان تخرج معانا.
ماسة وهي تتحرك نحو الشرفة: ألو، إيه يا بنتي؟
كان ينظر لها سليم ويتبسم على طريقتها، ثم قال بصوت: عالي اعملي حسابك كمان يومين هنروح للدكتور مروان.
في اليوم الثاني، التقت ماسة وسلوى بهبة
وأصدقائها، وقررن قضاء وقتا ممتعا معًا. ذهبن إلى برج القاهرة لالتقاط الصور من هناك، ثم توجهن إلى السينما وإلى أحد المولات. قضين وقتًا ممتعًا معًا، وكان أصدقاء هبة ودودين جدًا مع ماسة وسلوى، فلم يشعرن بالغربة وكأنهن أصدقاء منذ سنوات. كانت ريتال، بالأخص الأقرب إلى سلوى وماسة لأنها تشبههن في طريقة التفكير والتربية ولديها فهم عميق لأمور الدين.
بعد قضاء يوم لطيف، جلسن في أحد مطاعم الوجبات السريعة لتناول وجبة الغداء.
إيناس وهو تضحك: يا خرابي يا سلوى، أنتِ شربات! دمك خفيف أوي.
سلوى: والله العظيم، أنتم اللي عسل.
كارمن: خلينا نقضي يوم حلو عندنا في المزرعة، نركب خيل. إيه رأيكم؟ المزرعة في الفيوم.
ماسة: أنا موافقة، بس لازم أستأذن سليم.
إيناس: والله يا ماسة، بعد كلامك عن سليم وإنه كل شوية يكلمك عشان يطمن عليكي، فتحتي نفسنا على الجواز! بس قوليلي يا هبة، هل ياسين زي سليم كده؟
هبة: وأنتِ مش شفتي كم مرة كلمني ! هو شكله زي سليم بالظبط شكل العائلة كلها رومانسية.
ماسة: هو ما فيش حد فيكم مخطوب غير هبة؟
كارمن: أنا مرتبطة من قريب يعني لسه بنشوف بعض، بصراحة هبة شجعتني إني أستعجل للخطوبة الرسمية.
داليدا: بقول لكم إيه؟ ماتيجوا نقضي الأسبوع كله مع بعض، وكل يوم نروح مكان قبل ما أسافر.
سلوى بتساؤل: إنتِ مسافرة فين؟
داليدا: لندن عشان بدرس هناك، الدراسة بدأت.
هبة: خلاص، تمام. بس أنا بكرة عندي ميعاد في البيوتي سنتر ماتيجوا كلنا نروح نعمل كده شوية ماسكات وشعرنا.
داليدا: موافقة.
ماسة بتوضيح: سليم ما بيحبنيش أعمل الحاجات دي عشان بيقولي إني لسه صغيرة وكده.
ريتال: الصراحة عنده حق، بلاش تعملي أي حاجة في شعرك أو بشرتك، وأنتِ كمان يا سلوى لأنكم لسه صغيرين.
كارمن: بس ممكن يعملوا حاجات بسيطة كده، خاصة إنها متزوجة. لازم تعمل شوية حاجات كده خاصة بيها كبنت.
ماسة: أيوه، ما أنا بروح أعمل الحاجات دي في مكان كده بيستخدموا فيه حاجات طبيعية،، في وحدة بتجيلي البيت.
ريتال: خلاص كده، سلوى وماسة أوت، وأنا معاهم. إيه رأيكم بكره نروح مكان بيحفظ قرآن؟
ماسة: يا ريت! ده أنا من ساعة ما اتجوزت بطلت أحفظ قرآن، لدرجة إني بدأت أنسى اللي كنت حفظاه.
سلوى: وأنا كمان كنت حافظة شوية آيات كده من سور مختلفة وبدأت أنساهم.
ريتال: لا، خلاص أنا بروح مكان حلو قوي، وفيه محفظة محترمة جدًا. نروح مع بعض، وبرضه استأذني جوزك، قوليله وعرفيني.
ماسة: ما أعتقدش إنه هيقول حاجة.
سلوى: خلاص، اتفقنا.
قصر الراوي
في جناح سليم وماسة الحاديه عشر مساء.
كانت الأجواء مريحة وهادئة. ماسة مستلقية على الأريكة، رأسها مستند على قدم سليم الذي يجلس ويداعب شعرها بلطف. يتحدثان بود.
ماسة بسعادة: بجد، اليوم كان تحفة! بس كلهم اكبر مني يعني بين ٢٠ و٢١ كارمن ٢٢ سنه.
سليم وهو يمسح على شعرها: أهم حاجة عندي إنك اتبسطتي.
ماسة: جدًا! يا كراميل والبنات زي العسل ، خصوصًا ريتال. كان عندك حق لما قلت لي إنها أكتر واحدة محترمة وهرتاح معاها شكلك تعرفها؟
سليم: أعرفها إزاي يعني؟
ماسة: أمال يعني عرفت منين إنها محترمة وكويسة؟
سليم ببساطة: من سلوكياتها، لما عملت تحريات عنها وعن أهلها، عرفت إنهم ناس محترمين جدآ، والدها شيخ ازهري، ومعظم خروجها بتروح حفظ قران وبتحضر محاضرات دينية، ملهاش خالص في السهر وحفلات الرقص ولا الاماكن اللي فيها خمور والكلام ده ما بتخشهاش، فاستنتجت ده من طريقتها، إنما تصرفات الإنسان وطباعه بتبان مع الوقت والتعامل. فده اللي انتي هتكتشفي لما تعشريها، فاهمة قصدي؟
ماسة: أيوه، صح. ما ينفعش أبني رأيي عن شخص من غير ما أتعامل معاه. مش شرط إن حد بيصلي أو بيقرأ قرآن يبقى كويس.أيام النبي عليه الصلاة والسلام، كان في ناس بتصلي وتقرأ قرآن وهم منافقين، عشان يبانوا قدام الناس، إنهم ناس كويسة مش أكثر لكن حياتهم حاجة ثانية.
سليم: بالضبط! هو ده اللي أنا أقصده. أنا ما عنديش مشكلة إنك تتعرفي على الناس وتاخدي قراراتك. أي نعم بخاف إنك تتصدمي في حد، بس من حقك تعيشي تجاربك. لكن لو الشخص واضح إنه مش محترم أو أفعاله سيئة، لازم تبعدي عنه. ما ينفعش أسيبك في طريق كله أشواك وأقول لك “تحملي”. لازم أوجهك للطريق اللي فيه خير ليك، لكن الحفر اللي هتواجهك في الطريق ده، هسيبك إنتي تواجهيها لوحدك، بس أكيد هتلاقيني جنبك، بدعمك دايمًا.
تبسمت ماسة وأمسكت يده وضعت قبلة عليها قالت: على فكرة، بكرة أنا وريتال هانروح نحفظ قرآن وسلوى معانا.
سليم: ماشي، بس عايزك تحذري بردو متتعشميش بأي حد إلا بعد ما تتعاملي معاه أكتر. النهارده أول مرة تخرجوا سوا. لما يحصل مواقف معينة هتقدري تحددي مين ينفع تقربي منه ومين تخلي علاقتك بيه سطحية.
ماسة: فاهمة الكلام ده كله، ما تقلقش عليّ يا كراميلتي.
(تضحك بخفة، وسليم يبتسم لها بحنان.)
ماسة: هنروح للدكتور مروان إمتى؟
سليم: يوم التلات الجاي إن شاء الله.
💕__________________بقلمي_ليلة عادل
في أحد المراكز النفسية
مكتب مروان الخامسة مساءً
يدخل كل من سليم وماسة وهما ممسكان بيدي بعض، كانت تبدو ماسة متوترة بعض الشيء، بينما بدا سليم هادئًا، يحاول طمأنتها بابتسامة صغيرة.
كان مروان يجلس على مقعد مكتبه، عاقدًا يديه أمامه بانتظار وصولهما.
ابتسم مروان بلطف، مشيرًا لهما بالجلوس: أهلًا وسهلًا، أستاذ سليم، اهلًا مدام ماسة.
ابتسمت ماسة بخجل وهزّت رأسها برقة، ثم جلست على المقعد المقابل للمكتب وهي تمسح بكف يدها على فستانها لتزيل أي توتر…
جلس سليم بجانبها، يُربّت بخفة على يدها.
مروان بابتسامة هادئة: ها، إيه الأخبار يا أستاذ سليم؟
سليم مال بجسده قليلاً للأمام وأجاب: الحمد لله، الأمور مستقرة.
نظر مروان لهما بالتفاتة خفيفة وسأل: حصل أي حاجة خلال الأسبوع ده؟
سليم تنهد قليلًا وأجاب: يعني حصل موقف وهي زعلت مني شوية.
مال مروان إلى الخلف، واضعًا كفه على ذقنه وكأنه يدرس كلام سليم: ويا ترى إيه هو الموقف ده؟
تردد سليم للحظة، ثم قال وهو يخفض بصره قليلًا: زعلت عشان ما قلتلهاش عن مدا علاقتي بالبنت اللي كنت مرتبط بيها قبلها، في الحقيقة ماكنتش أقصد أخبي عليها. أنا طبيعتي مش بتكلم كتير أو أقول كل حاجة غير لما حد يسألني.
هز مروان رأسه بتفهم، وقال بابتسامة خفيفة: ده واضح جدًا عليك. أنت فعلًا قليل الكلام وما بتتكلمش عن تفاصيلك غير لو حد سالك.
نقل مروان نظره إلى ماسة التي كانت تنظر للأسفل وهي تلعب بخاتمها، وسألها بلطف: ليه متوترة كده يا مدام ماسة؟
رفعت ماسة رأسها بابتسامة خفيفة وهي تزيح خصلة شعر عن وجهها: لا، خالص، أنا تمام.
مال مروان رأسه قليلًا وكأنه يحاول قراءة تعبيراتها وسأل: لسه زعلانة من سليم؟
رفعت كتفيها بخفة وقالت بصوت منخفض بابتسامة رقيقة: لا، خلاص مش زعلانة.
نظر مروان إلى سليم، ثم عاد إلى ماسة وسأل: طيب، تحبي نتكلم لوحدنا ولا تحبي سليم يشاركنا الجلسة النهارده؟
توترت ماسة قليلًا، وأخذت تلعب بحواف فستانها بصمت ثم قالت: عادي، مش فارق معايا. أنا ما بخبيش حاجة عن سليم.
مروان قال بنبرة هادئة: مافيش مشكلة لو حبيتي تشاركي سليم. بس أعتقد إن الجلسة دي تخصك أكتر، فلو تسمحي، ممكن نستكملها أنا وأنتِي فقط.
نظر سليم إلى مروان بشيء من الغيرة وقال: عايز تتكلم معاها لوحدكم؟
مروان أجاب بثقة فهو يفرض سيطرته على سليم: أيوه، حضرتك عندك أي اعتراض.
حاول سليم السيطرة على غيرته وهو يتنفس بعمق وقال: لا طبعاً مش معترض.
نهض ووضع قبلة على جبين ماسة قائلاً: أنا هستناكي بره قصاد الباب، مش هروح بعيد تمام يا عشقي.
أومأت ماسة برأسها بابتسامة خفيفة، وخرج سليم من الغرفة.
بمجرد خروج سليم، لاحظ مروان أن ماسة مازالت متوترة وسألها: إيه اللي موترك كده؟
ماسة رفعت عينيها بتردد وقالت: مش عارفة، يمكن عشان الموضوع لسه جديد عليا.
سليم بلطف: خليكي مرتاحة، هنتكلم مع بعض عادي، انتي أصغر من أصغر أولادي، انا لو كنت اتجوزت صغير كان هيبقى عندي حفيدة قدك اعتبريني زي والدك مجرد دردشة.
تبسمت ماسة برقة: العفو يا دكتور.. حاضر.
سألها مروان بنبرة أكثر جدية: هو حقيقي سامحتي سليم، ولا لسه بتحاولي؟
ماسة تبسمت: سامحته بجد لأن في حاجات كتير كويسة بينا. ماينفعش عشان غلطة واحدة أنسى كل حاجة.
مروان هز رأسه: بس مش كل الأخطاء سهلة المغفرة.
ماسة رفعت عينيها: معاك حق، لكن أنا شايفة إنه ندمان وماكنش قصده.
تابع مروان: أحيانًا الغفران بدون موقف حاسم ممكن يخلي الطرف التاني يكرر الخطأ. زي الطفل لو كسر حاجة ومافهمش إن ده غلط، هيكررها تاني.
ماسة بدت مترددة وسألت: حضرتك بتقصد مكنش صح إني أسامحه؟
مروان قال بهدوء:لا، قرارك صح، لكن أحيانًا مطلوب ناخذ مواقف حاسمة، عشان ما تحصلش نفس الغلطة تاني، خصوصًا لو الشخص عنده استعداد يكررها بسبب مرضه.
ماسة بصوت منخفض بتوضيح: أنا ما صالحتش سليم على طول، فضلت يومين زعلانة منه، ولما صالحته في اليوم الثالث كانت معاملتي معاه جافة شوية، مش زي طريقتنا المعتادة في التعامل، كانت نظراتي حزينة، وكنت حاسة بشوية توتر.
أضافت بهدوء بابتسامة ترتسم على وجهها بعشق: أنا وسليم بنحب بعض جدًا، وعلاقتنا لطيفة، فيها اهتمام خاص وطريقة معينة في التعامل بينا، بس وقتها ما قدرتش أقدم ده بسبب اللي حصل، بعدين فكرت أني بحبه وقررت خلاص أنسى المشكلة، كل الحكاية أني فعلاً خايفة زي ما حضرتك قلت، انه يكرر الموضوع وزعلي يطول لحد ما يتحول لكره.
مروان سأل باهتمام: مفهوم. طيب، شايفة إيه اللي بيميز علاقتكم؟
ماسة ابتسمت ابتسامة خفيفة وقالت: كل حاجة، بالذات انه عايز يتغير عشاني، وكمان سليم عمل حاجات جميلة جدًا، وأنا عارفة إنه بيحبني أوي وبيخاف عليّا..
اضافت بتعابير وجهها تعكس التردد والحيرة:
لما بيقول إنه ما كانش واعي باللي بيعمله، ببقى متاكدة إنه صادق فعلاً، بس ساعات بحس إن سليم له شخصيتين، أو متعدد الشخصيات.
مروان قاطعها بدهشة: يعني إيه؟
ماسة أكملت بتفكير عميق: يعني معايا بيكون شخص حنون جدًا. صوته، ملامحه، حتى طريقته مختلفة تمامًا، لكن مع كل شخص في حياته بيتعامل بشكل مختلف، مع أخواته ليه طريقة، مع باباه ومامته أسلوب، مع أصحابه حاجة تانية، وفي شغله حاجة مختلفة.
مروان ابتسم بلطف: وانتي بتحبي أنهي شخصية في كل دول؟
ماسة ابتسمت ابتسامة خجولة وقالت: بحب شخصيته معايا، ومع أهلي، ومع مكي صديقه المقرب.
مروان بتفكير: وأفراد العيلة؟
ماسة فكرت للحظة ثم قالت: ممكن ياسين وفريدة، وأحيانًا والده.
مروان سأل بجدية: واضح إن علاقته مع والدته فيها مشكلة.
ماسة زمّت شفتيها بضيق بأسف عميق: حقيقي فيها مشكلة كبيرة.
مروان: طيب، إيه أكتر حاجة بتزعلك من سليم؟
ماسة بهدوء: مافيش حاجة.
مروان بشك: خالص؟
ماسة ترددت للحظة ثم قالت: أمم، حقيقي مافيش. كل حاجة بيعملها معايا حلوة، هو بيتفنن في إسعادي وأنا سعيدة معاه. الحاجة الوحيدة اللي ممكن تكون، بتزعلني منه لما بيتعصب ويمد إيده عليا، بس بصراحة ما عملهاش غير ثلاث مرات.
مروان تساءل متعجبًا: ثلاث مرات؟ بتقولي ثلاث مرات باستهانة كده عشان شايفاه مقابل سنتين حاجة عادية؟ لكن لو كانوا أكتر يبقى مش عادي.
ماسة توضح: لا طبعاً، أنا قصدي إنه مش دايماً بيضربني. يعني، اللي بيضرب دايماً بيكون شخص عنيف بطبعه، وفي السنتين هيضرب أكتر من كده. أنا شفت ده في التلفزيون، وعندي بنت عمي، جوزها بيضربها كتير، يمكن كل أسبوع. لكن سليم مش كده.
مروان دون شيء نظر لها: اممم كان إيه أسبابهم؟
ماسة بحزن: أول مرة عشان ساعدت واحد كان واقع قصادي، ثاني مرة عشان كان في واحد من صحابه دمّه خفيف، وأنا قلت إن هو دمه خفيف. ثالث مرة في واحد أعجب بيا وما كانش عارف إنّي مراته، وهي دي اللي بسببها جه يتعالج عند حضرتك لانه كان عنيف أوي.
تساءل مروان: المرتين الأولانيين ما خدتيش موقف؟
ماسة بنبرة حزن: لا، ما خدتش موقف بس زعلت. أول مرة لأنه خذلني.ما توقعتش إنه يضربني
اضافت ماسة بتوضيح بعينين تترقرق بالدموع و تنهدت تنهيدة طويلة: حضرتك، أنا في البيت كانوا بيضربوني، سواء عملت حاجة غلط أو ما عملتش، كان في ضرب. وكمان كنت شغالة خدامة عند قرايب سليم، وبرضه كانوا بيضربوني، لكن سليم دافع عني. كان دايمًا يقول لي: ‘أي حد يكلمك، قولي لي. أو حد زعلك متخافيش، محدش يقدر يقرب منك طول ما أنا موجود، ومرة زعق لماما عشان زعقتلي بعد ما اتجوزنا، وحتى قبل الجواز، كنت بشوفه أماني، ملاكي الحارس لو أنا في قفص أسود وسليم معايا، متأكدة إن مفيش حد فيهم هيقدر يقرب مني بخربوش
أكملت بصوت ضعيف: لكن لما ضربني أول مرة، صورتُه اتهزت شويه. حسيت إنه طلع زيهم، زي لورين ومنصور، زي بابا وماما وكل البهوات اللي كانوا بيزعقولي عشان كده زعلت، لكن قلت لنفسي: هو عنده حاجات كتير حلوة. مش عشان عمل معايا كده، أزعل منه وأشيل الموضوع في قلبي. فنسيت الموضوع بسرعة، ووعدني ما يعملهاش تاني وقتها…
اضافت تعكس الارتباك والصدمة التي شعرت بها
قائلة بحزن: لكن لما ضربني تاني وقت صاحبه، بدأت أفتكر كل حاجة. حسيت إني مش قادرة أنسى. بس رجعت وقلت لنفسي: هو بيحبني وعمل معايا حاجات حلوة أوي، وازاي أكون كده؟ وهو اعتذر و تأسف، وفهمني إن هو بغير.. كنت ساعات بحس إن الموضوع غريب ومش منطقي، بس هو فيه مميزات كتير، فغمضت عيني عن النقطة دي…
أكملت ونظراتها تنبض بالحزن بنبرة مخنوقة: لكن يوم ما ضربني جامد، حسيت إن قلبي اتوجع بجد. لأن وقتها ماكنتش عاملة حاجة، فافتكرت كل حاجة وحسيت لحظتها إن سليم طلع أسوأ منهم.
مروان نظر لها بحذر: يعني أنتِي مدركة إن سليم عنده مشكلة، وإن الموضوع معاه أكبر من الطبيعي؟
ماسة هزّت رأسها بإيجاب وقالت بصدق: أيوه، وأنا كمان قلت له الكلمة دي، وهو حتى قال لي: ‘إنتِي ذكية قوي، يتخاف منك. لأني قلت له إنك بتدي الأمور أكبر من حجمها، أكبر من المنطق. أنا ما عنديش مشكلة في طريقة حبه، مش متضايقة منها، أنتم بتقولوا عليها تملك، لكن أنا مش متضايقة، بالعكس، أنا بحب طريقته، لكن مابحبش لما بيمد إيده، ويبص لي بالنظرة اللي بتخوفني منه. لأني ببقى عارفة بعدها إن في حاجة وحشة جاية.
مروان نظر إليها بتركيز، ثم سأل: وإيه تاني بيضايقك من سليم يا ماسة؟
لاحت على وجه ماسة ابتسامة صغيرة، لكنها لم تستطع إخفاء الحزن في عينيها قالت بصوت منخفض، كأنها تكلم نفسها: ما فيش حاجة، بس يمكن موضوع إنه حاطت حدود في تعرفي على الناس، لأنه بيخاف عليا جداً، يعني لما تعرفت على هبة، خطيبة أخوه، مارضيش إني أخرج مع أصحابها. وبعدها عمل تحريات عليهم، في منهم اتنين قال لي ماتعرفيهمش، والباقي عادي.
مروان: وليه قال لك ما تعرفيهمش؟
ماسة تنهدت: عشان هم بيشربوا خمور وبيسهروا وبيعملوا علاقات مع شباب.
مروان تساءل بلطف وهو يكتب شيء: والباقيين شبهك؟
هزت ماسة راسها بإيجاب يعني شوية في طريقة لبسهم، شوية مقفلة، ما بيشربوش،. ما لهمش أصحاب ولاد بالشكل المنفر.
مروان: لكن هو بيسيبك تعرفي على ناس عموماً؟
ماسة: أه، بيسيبني أتعرف على ناس. بصراحة، الأول كنت فاكرة إنه مش هيعرفني. بس لا، حتى في بنت منهم فيها شبه من شخصيتي، يعني ملتزمة وبتروح دروس قرآن. دي أكتر واحدة، مجرد ما يعرف إني خارجة معاها أو هي موجودة، يوافق على طول.
مروان، الذي بدأ يتفهم أكثر، ابتسم قليلاً وقال:
طب وانتي محللة النقطة دي إزاي؟
ماسة رمقته بنظرة مفكرة، ثم أجابت بحذر: إنه هو بيخاف عليا وبيختار أصحاب شبهي عشان ما يأثروش عليا.
مروان عقد حاجبيه وقال: طيب، قلتيلي متضايقة، ليه؟
ماسة شعرت بشيء من الضيق في داخلها، ولم تستطع إخفاءه، فتابعت حديثها بشدة:
عشان عايزة أنا اللي أقول لا. صدقني يا دكتور، أنا كمان بحبش أصاحب ناس بالشكل ده، أصلاً مش طبعي. بس أنا اللي أقول لا، مش هو اللي يقول لا. يسيبني أجرب.
مروان أخذ نفسًا عميقًا، ثم نظر إليها بجدية وقال:
“تمام. من كلامي معاكِي دلوقتي فهمت شوية حاجات، أول حاجة إنك مدركة إن سليم عنده مشكلة، وإنك ما عندكش مشكلة في بعض الجوانب في شخصيته،انتي بتحبي سليم، لكن عندك مشاكل في تصرفاته. هو فعلاً بيحبك، لازم تبقي فاهمة إن في حاجات هتحتاج وقت، وإنه مش هيقدر يغير نفسه بين يوم وليلة. لكن لو كنتي مستعدة تتحملي شوية وتساعديه، هيكون ليكي دور كبير في مساعدته، المشكلة دي عنده من صغره، وهتاخد وقت، هو لقى فيكِي الأم اللي مفتقدها، والحب اللي ما حسش بيه قبل كده، وده مش معناه إنه بيحب المشاعر اللي إنتِي بتقدميها له أو الأحاسيس اللي بيعيشها معاكي بس، لا هو حقيقي بيحبك، وبجانب ده هو كمان بيحب المشاعر اللي إنتِ بتقدميها له.
نظرت له ماسة بتعجب وهي تعقد بين حاجبيها: هو ممكن أسأل حضرتك سؤال؟ آسفة إني قاطعتك.
مروان ابتسم بلطف، قائلاً: تفضلي.
ماسة ترددت قليلاً، ثم سألته بجدية: ماسة ترددت،
– يعني إيه يحب المشاعر اللي أنا بقدمها له وما يحبنيش كشخص؟ إحنا مش بنحب الناس عشان الحاجات اللي بيقدموها لنا، يعني مش معقول واحد ما بيهتمش بيا أو ما بيقدرنيش أو بيئذيني أحبّه؟
ابتسم مروان ونظر إليها بهدوء وقال:
هفهمك. الموضوع معقد شوية، لكن واضح إنك ذكية وهتفهميني. الحب الحقيقي مش مرتبط باللي الشخص بيقدمه ليكي، بل بالشخص نفسه، لأنه مش ممكن الشخص يفضل دايمًا يعطيك نفس المشاعر أو الاهتمام، بنفس الدرجة والقوة أو القدرة، على طول ؟! في أوقات هيفتقد ده، أو يمر بظروف تخليه مش قادر، لحظات ضعف، ضغوط، أوقات هيحتاجك تسانديه بدل ما تستني منه، السؤال هنا: لو مر بأزمة وما قدرش يديك نفس الحب والمشاعر والاهتمام، هتبطلي تحبيه؟
هزت ماسة رأسها وأجابت بتلقائية: لا طبعًا، ده يبقى أنانية.
ابتسم مروان أجاب بعقلانية: بالضبط هو ده مقصود، الحب مش صفقة، مش عطاء مقابل عطاء، الحب الحقيقي هو إنك تحبي الإنسان بكل حالاته، في ضعفه قبل قوته، في لحظات غضبه قبل هدوئه، حزنه قبل فرحه، لأنه مش منطقي نتوقع من أي حد يفضل ثابت في كل الظروف، وأنه يدينا نفس العطايا بنفس الدرجة في جميع الأوقات، خصوصًا بعد الجواز، الحياة بتتغير، المسئوليات بتزيد، والاهتمام بياخد أشكال مختلفة، لو الحب مش حقيقي، ومبني على لحظة أو إحساس معين، مش هيقدر يصمد، الحب وقتها هو اللي هيخليكوا تكملوا مع بعض مش المشاعر اللي بتاخدوها من بعض دي اللي بتتسمى يا ماسة المودة والرحمة زي ما القرآن الكريم ذكر … بسم الله الرحمن الرحيم
“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”
تأملت ماسة كلامه، شعرت أنه يفتح أمامها بابًا جديدًا لفهم أعمق للحب، ليس فقط كشعور، بل كمسؤولية وارتباط حقيقي بين شخصين.
ماسة كانت مشوشة قليلاً، فقالت بحيرة: فهمت طيب، المفروض دلوقتي أعمل إيه؟
مروان نظر إليها بجدية، وقال: كل اللي عايزك تعمليه، لو حسيتي منه بأي ردة فعل عصبي، خدي بعضك وروحي عند والدتك وما ترجعيش، هديك رقم تليفوني لو حصل ده، تكلميني هقول لك تعملي إيه. وعايزك تختبريه، يعني اللي فهمته، سليم بيغير عليكي كمان من أخواته، ومابيخلكيش تهزري مع أخواته، هزري مع حد منهم.
ماسة هزت رأسها بإيجاب، متقبلة حديثه بتركيز، ثم تابع مروان قائلاً: ولازم تفهمي إن في بعض التصرفات اللي سليم بيعملها طبيعية جدًا. يعني طبيعي يغير لو حد أظهر إعجابه بيكِي، طبيعي يغير لو حس إنك بتهزري مع حد من أخواته بشكل مفرط، طبيعي غيرته تزيد لو لبستي لبس ضيق أو حطيتي ميكاب. دي حاجات مرتبطة بالتربية والشخصية، والبيئة اللي بينبثق منها الشخص، أنتي نفسك، طبيعتك كده، مش بتلبسي لبس مفتوح ولا بتحطي ميكاب. سؤالي هنا: هل ده لأنك فعلاً كده، ولا لأن سليم فرض ده عليكي؟
نظرت ماسة إليه بثقة: الصراحة أنا فعلاً كده، بس سليم زود ده أكتر وما بيحبش خالص لما أخرج أحط ميكاب أو أستخدم برفان
مروان ابتسم: تمام، ده شيء طبيعي وبيختلف من شخص للتاني، زي ما قولتلك، كل اللي عايز أفهمه ليكي إن غيرته طبيعية ومش مفرطة، لكن رد الفعل هو اللي بيفرق. المهم إنك تميزي بين الطبيعي والغير طبيعي.
ماسة ردت بحزم: أنا فاهمة ده كويس، لكن أوعى تقول لي إن طبيعي يزعق لي لو واحد بالصدفة وقع قصادي وساعدته
ضحك مروان وقال: لا، دي مش طبيعية خالص. لكن تعليقات الإعجاب البسيطة من صحابه، زي إنك تقولي “دمه خفيف”، حاجات زي دي ممكن تكون سبب للغيرة عند بعض الرجالة، وده طبيعي ما تقلقيش منه. المهم إنك تكوني عندك وعي تفرقي بين اللي يعتبر غيرة صحية، وبين اللي مش طبيعي أو مفرط.
ماسة ابتسمت وقالت: تمام؟ المهم عندي إنه يبقى كويس.
مروان طمأنها: إن شاء الله هيبقى كويس. قولي لي، لما زعلتي منه آخر مرة، هل حصل رد فعل منه ازعجك او حسيتي إنه زيادة؟
ماسة هزت رأسها نافية وقالت: لا، بالعكس، كان بيحاول يصالحني، واتضايق جدًا
مروان ضحك بخفة: تمام، إحنا كدة خلصنا، لما تخرجي ويسألك “اتكلمتوا في إيه؟ ما تحاوليش تجاوبيه. لانه هيسألك مش بدافع الفضول، هيبقى بدافع الغيرة.
ماسة استغربت: بس أنا متعودة أحكي له كل حاجة.
أكد مروان عليها بلطف: لا، المرة دي ما تحكيلوش.
ماسة أومأت: حاضر بابتسامة: اتشرفت بمعرفتك يا دكتور.
مروان بابتسامة وهو يمد يده بكارت: ده رقمي، ابعتي لي رسالة وقولي إنك ماسة الراوي عشان أسجل رقمك.
ماسة: أخذت الكارت: حاضر. شكرًا جداً يا دكتور عن إذنك.
تحرك مروان خلفها إلى الخارج، وفتح لها الباب بتهذيب.
كان سليم يستند بظهره ورأسه إلى الحائط المقابل للباب. وبمجرد أن فُتح الباب، تحرك من مكانه وتوجه نحوها مباشرة.
سليم بتعجب: كل ده، نص ساعة؟
مروان: لسه مخلصين.
نظر له سليم باستغراب: هو كده خلاص؟
مروان رد بهدوء: آه خلاص، إن شاء الله الجلسة الجاية تكون في نفس الميعاد. بس أوعى تتأخر زي المرة دي.
سليم معترضًا: حضرتك ما قعدتش معايا!
مروان بابتسامة: المرة الجاية.
سليم بضيق: أنا بصراحة مش فاهم، أنا ماستفدتش حاجة، حضرتك قلت إنك هتعلمني تقنيات عشان أضبط انفعالاتي، وكلام زي ده، ولحد دلوقتي أنا ما حسيتش بأي تقدم. كل اللي حصل إني رغيت وبس.
مروان بهدوء: هنتكلم وهفهمك كل حاجة المرة الجاية.
في تلك اللحظة، أمسكت ماسة يد سليم وقالت: يلا بينا.
نظر سليم إلى مروان بضيق، مستاءً من طريقته الجافة معه. كان مروان يحاول بشكل غير مباشر أن يعالج سليم ويكسر غروره، لكنه لم ينجح في كسب استحسانه.
ابتسم مروان: شكلك ندمت إنك اخترتني.
سليم بثقة وهو ينظر داخل عينه: سليم ما بيندمش على حاجة عملها.
نظرت مروان لماسة متسائلا: بتعملي إيه ؟ في الأنا العالية دي يا مدام ماسة؟
ماسة ردت بابتسامة وهي تنظر لسليم: دي أجمل حاجة في سليم إنه عارف قيمة نفسه. أنا نفسي مش بشوفها غرور.
مروان ابتسم وقال: شكلنا هنقعد مع بعض شوية تاني، عشان في بعض الحاجات محتاجة تبقي فاهماها أكتر. بس ده طبيعي في سنك. المراهقة بتكون تحليلاتها أكتر عاطفية عن العقلانية. هاستناك الجلسة الجاية يا استاذ سليم بس ما تتأخرش عن الثلاث
سليم بتهذب فيبدو انه مستاء من مروان وطريقته جداً :أن شاء الله بعد إذنك.
أحاط سليم خصر ماسة بحب وتحركا
تبسم مروان وهو يشاهد اثار تحرك سليم وماسة وعاد إلى مكتبه وفتح احد الملفات مكتوب بها سليم الراوي وأخذ يدون بعض الملاحظات.
💕_______________بقلمي_ليلةعادل◉‿◉
سيارة سليم الخامسة مساءً
نرى سليم يقود السيارة، وآثار الضيق واضحة على وجهه.. نظر إليها بتركيز، ثم سألها بتساؤل:
ها؟ قعدت نص ساعة تتكلمي في إيه بالضبط؟
ماسة، وهي تلعب بشعرها، حاولت تغيير الموضوع:
تعال نروح نتغدى بره، نقضي اليوم مع بعض.
هز سليم رأسه موافقًا: طيب ماشي، بس ما ردتيش عليّا
رفعت ماسة حاجبيها وهزت كتفيها:
“عادي يعني، قال لي: عندك كم سنة ولسه زعلانة من سليم؟’ كلام من ده؟
سليم بتساؤل: أيوه، يعني إيه الكلام ده؟ ما تقولي؟
أجابت ماسة مبتسمة: هو الكلام ده بس لسه زعلانة؟ايه اللي بيضايقك..يعني كده
نظر إليها سليم نظرة غاضبة وقالت بحسم: ما تتكلمي، يا ماسة، هو أنا هسحب منك الكلام.
ماسة: سليم متتعصبش.
سليم بتوضيح وهدوء: متتعصبتش بس انتي بتلفي بكلام من امتى ده بنا.
ماسة زمت شفتيها بتذمر طفولي: هو قال لي ما أقولكش؟
سليم، محاولًا فهم الموقف: يعني إيه قال لك ما تقوليش؟
ماسة، وهي تخرج شفتيها إلى الخارج: معرفش، هو قال لي كدة، تقريبًا جزء من علاجك إني ما أقولكش.
تنهد سليم، ونور أمامه ثم توقف فجأة بجانب الطريق. فسألته ماسة: وقفت ليه؟
سليم، وهو يعدل من جلسته في زاويتها قائلاً باستهجان: الدكتور ده مش عاجبني.
ماسة، متعجبه: ليه؟ ده محترم جدًا، وعليه هيبة كده.
سليم، بعصبية واضحة: هو شكله بيحب الرغي، وعنده وقت فراغ، أنا ما استفدتش منه بحاجة لحد دلوقت. ما بيعملش حاجة غير أنه يسمع وبس.
ماسة، بعقلانية: أكيد، يا سليم. يعني هو لازم يعرف أولاً مشكلتك، ويحددها، ويفهم كل حاجة، وبعدين هيشوف بقى هيعالجك إزاي. هو بردو فضل يتكلم معايا كده، قاعد يسألني: ‘إيه اللي بيزعلك من سليم؟’ وكويس إنك فاهمه إنه عنده مشكلة. وطبيعي مشكلته مش هتتحل بسرعة. لازم تكوني صبورة وتساعديه، ولو زعلك تاني خدى بعضك و روحي عند مامتك و.
اتسعت عيناها و وضعت يدها على فمها وقالت بحيرة: يا نهار يا سليم، خليتني أحكيلك! اسكت بقى! ما أعرفش إزاي بتعرف تخليني احكي لك.
سليم، معترضًا: أنا ما استفدتش حاجة أصلاً من اللي أنتي حكيته. كنت متوقع الكلام ده. يعني ما قلتيش حاجة جديدة. أنا مش متوقعها (تساءل) ما قالكيش حاجة تانية ازاي تتعاملي معايا لما أتعصب؟ غير إنك تسيبيني وتروحي عند والدتك.
ماسة، بابتسامة صغيرة: تؤ، هو بس قال لي كده، وقال لي ما أقولكش على الكلام اللي دار ما بنا (ضربته على كتفه بمزاح) واديني حكيت لك.
سليم، زافرًا بضيق: بفكر ما أروحش ليه تاني. بيتكلم معايا بطريقة رخمة، كأني جوز أمه. المفروض الدكتور النفسي ده يتعامل مع المريض بلطف، بحنان، ويخليه يحبه. أنا بكرهه.
ماسة، مبتسمة: بس أنا حبيته، وحاسة إنه حد كويس.
نظر لها سليم بضيق، مال برأسه قليلاً بغيرة تخرج من عينه: حبتيه إزاي؟ إيه حبتيه دي؟ اسمه دكتور كويس وشاطر، من غير حبيته دي.
ماسة نظرت داخل عينيه بتحذير سليم، ما تتعصبش.
سليم، موضحًا بهدوء: الا الله الا الله، ولا حول ولا قوه الا بالله، يا ستي أنا مش متعصب والله، بس بقول لك لو سمحتي احترمي غيرتي ومشاعري، واستخدمي كلمات غير اللي بتعصبني.
ماسة، مبتسمة بلطف: حاضر يا كراميل.
أقتربت منه لتضع قبلة على خده، وأمسكت يده بحنان، وقالت بدلال: صدقني، هو دكتور كويس. إنت لما قلت لي إنك هتروح للدكتور مروان، قعدت أتفرج على البرامج بتاعته. فعلاً هو محترم، والناس كلها بتتكلم عليه. بيقولوا إنه شاطر جدًا، واخد جوائز و شهدات عالية.. ودي لسه ثاني مقابلة، وإنت ما حضرتهاش. أكيد هو بيفهم أكتر منك، يعني ده شغله. وأكيد يعني في مجال الإدارة والأعمال والشغل بتاعك، مش هيفهم فيه.
سليم، وهو يتنهد: أنا عارف إنه شاطر، عشان كده اخترته، خاصة لما عرفت قصته مع مراته. حسيته إنه هيفهمني.
صمت لحظة، ثم سأل: إنتِي ايه رأيك؟ أديه فرصة كمان.
ماسة بابتسامة: أها.
سليم، وهو يزداد إصرارًا: بس لو فضل يكلمني كده، هشوف دكتور غيره.
ماسة، بابتسامة هادئة: ماشي. بس أنا مبسوطة عشان النهارده ما تعصبتش لما قلت على مروان، إني حبيته.
سليم، مبتسمًا: وأنا كمان مبسوط إني ما انفعلتش. بس إنتِي برده بلاش تعملي حاجات بتضايقني.
ماسة، ضاحكة: صدقني، قلت الكلمة بشكل عادي عفوي.
سليم، هو يمسح على خدها بنعومه بتفهم: أنا عارف إنه عفوي. بس قولي كلام تاني. يمكن النهاردة أنا ضبطت انفعالاتي، بس المرة الجاية ممكن لا.. اصبري عليا شوية.
ماسة، مبتسمة: ماشي. أصلاً مروان قال لي إن في رجالة طبيعتهم كده. دي حاجة عادية. لكن لو رد الفعل زايد ده اللي مش طبيعي، يعني طبيعي تغير لو انا قلت على حد شكله حلو وجميل مع إني بقول الكلام ده، بنية صافية، لكن لو ضربت أو زعقت جامد يبقى ده حاجة غريبة وجنون.
أقترب سليم من وجهها بدلع، ثم قرص خدها وقال:
أنا فعلاً مجنون بيكي، يا ماستي الحلوة.
وضع قبلة على خدها، ثم ابتسم قائلا: أميرتي حابة تروح فين؟
ماسة، بحماس: أي مكان، أنا جعانة جدًا.
تبسم سليم، وقبل يدها بحنان، ثم أدار المحرك وبدأ يقود السيارة.
💕_______________بقلمي_ليلةعادل◉‿◉
عند محل العصير السادسة مساء
كان مكي يجلس على إحدى الطاولات يحتسي عصيره ويتذكر سلوى، ما زاد من وجه قلبه أنها أساءت فهمه، لكنه هذه المرة كان قويًا بما يكفي؛ لم يتصل بها ولم يراقبها كما كان يفعل من قبل. بعد دقائق، اقتربت سلوى من المحل، لكنها لم تلحظه على الفور. كان قلبه يشتعل شوقًا لها، بينما هي أخذت العصير وجلست على إحدى الطاولات. أثناء التفاتها انتبهت لوجوده.صُدمت للحظة، لكنها أشاحت بوجهها بعيدًا.
أخذت تحتسي عصيرها وتحاول أن تبدو غير مبالية، رغم أن داخلها كان مضطربا. فكرت في الرحيل، لكنها أدركت أن ذلك قد يجعله يشعر أنها تأثرت بوجوده. قررت أن تبقى، على الأقل لتثبت أنها قوية.
نهض مكي فجأة وتقدم نحوها حاول أن يبدو هادئًا، لكنه كان مشتعلًا من الداخل.
مكي: سلوى…ممكن أتكلم معاكي؟
سلوى بعصبية: لا ومن فضلك، امشي!
سحب كرسيًا وجلس أمامها رغماً عنها.
سلوى بضيق: ده اسمه إيه بقى إن شاء الله.. أمشي بدل ما أرفع صوتي وأفضحك.
مكي بإصرار: أنا مش جاي أضايقك، كل اللي عايز أوضحه إنك فهمتيني غلط. ما كانش قصدي اننا بنعمل حاجة غلط بس…
قاطعته سلوى بحدة: مش عايزة أفهم حاجة. امشي! بقولك.
مكي بشدة:مش همشي يا سلوى، غير لما تسمعيني.
سلوى بعصبية: عنك ما مشيت، أنا اللي هامشي
نهضت سلوى لكي تغادر ، لكن أحد الشباب الجالسين مع أصدقائه على طاولة قريبة لاحظ انزعاجها. اقترب وسأل:
الشاب: في حاجة يا آنسة؟
سلوى: آه، واحد قليل الأدب بيعاكسني.
توجه الشاب إلى مكي، أمسكه من كتفه وقال بحزم:
الشاب: احترم نفسك، وامشي! ما عندكش إخوات بنات؟
مكي بغضب: أوعى تمد إيدك عليّا بدل ما أقطعهالك.
تدخل أصدقاء الشاب وقالوا: هتقطع إيد مين يا حبيبي؟ تعال نشوف مين هيقطع إيد مين!”
بدأت المشاجرة بينهم، وكان عددهم أكبر، مما جعل مكي يتلقى النصيب الأكبر من الضرب وعندما شعر أنه لن يتمكن من الخروج لكي يلحق بسلوى التي غادرت دون أن تلتفت وراءها ، أخرج سلاحه ورفعه في وجه الجميع قائلاً بغضب:
مكي: محدش يقرب خطوة واحدة.
الجميع تجمد في مكانه، ومكنه ذلك من التراجع بهدوء خارج المحل. بمجرد أن خرج، تحرك سريعًا مبتعدًا عن المكان …
ركض مكي بخطوات سريعة نحو سلوى، التي كانت تتحرك باندفاع نحو السيارة. أمسك بكتفها ليوقفها قبل أن تصعد، بنبرة مليئة بالغضب.
مكي: إيه اللي انتِ عملتيه ده؟!
تراجعت سلوى قليلاً، نظرت إليه بتحدٍ، ثم رفعت يدها لتبعده: المرة الجاية، لو فكرت تتكلم معايا تاني… أنا مش هسكت! هقول لسليم، وهقول لأبويا وأمي، وهتبقى فضيحة. لو سمحت، ابعد عني. مش إنت اللي قلت مش عايزين نتكلم تاني؟ عايز مني إيه؟
مكي بصوت هادئ لكنه متوتر: عايزك تعرفي اني، عملت كده عشانك لأني خايف عليكي. ومش عايزك تكرهيني.
نظرت إليه سلوى بسخرية مريرة وهي تهز رأسها:
أكرهك؟ انا ولا بكرهك ولا حتى فارقلي وجودك أصلاً. انت مجرد حارس شخصي لجوز أختي… لا أكتر ولا أقل.
حولت نظرها فجأة إلى يده التي تمسكها من كتفها. جزت على أسنانها بعصبية، لكنه شديد الملاحظة، وكأن عيناه تراقبان كل حركة منها. حاولت بسرعة أن تضع يدها على الحظاظة تريد انتزاعها من يده.. لكنه كان أسرع منها و أمسك يدها بحزم وحدّق في عينيها بصرامة.
مكي محذرًا: أوعي تفكري تعمليها… أوعي!
حاولت سحب يدها منه بعنف.
سلوى بعناد: سيبني! أنا حرة. دي بتاعتي، وعايزة أخدها.
ترك يديها بحدة، لكنه لم يتراجع. نظر إليها بنظرة تنم عن إحباط عميق، ثم فتح لها باب السيارة بقليل من العصبية.
مكي: واضح إن الكلام معاكي صعب دلوقتي اتفضلي اركبي.
تراجعت سلوى خطوتين للخلف، ووجهت إليه نظرة غاضبة ممتزجة بالتهديد.
سلوى: لو فكرت تتكلم معايا تاني… مش هيحصلك كويس.
صعدت السيارة وتحركت بها ضرب مكي الهواء بيده بغضب شديد وهو يجز على أسنانه.
قصر الراوي – غرفة طه العاشرة مساءً
يجلس طه على الأريكة مع أحد أبنائه الذي يبدو أنه أكبرهم . بينما كانت منى تجلس على الفوتيه القريبة، منشغلة ببرد أظافرها، كان طه يطلع ابنه على الصور القديمة.
الابن: وده مين يا بابي؟
طه: ده أنكل تحسين، عمي أخو جدك.
ظل الاثنان يتفحصان الصور ويتحدثان عن الأشخاص الموجودين فيها، حتى وقعت عيناهما على صورة لمنى مع سليم. في الصورة، كانت منى تضع رأسها على كتف سليم بطريقة بدت حميمية وهي تنظر له بحب.
نظر طه إلى الصورة باستغراب، وأغلق عينيه للحظة كأنه يحاول استيعاب ما يراه. ثم أمسك بالصورة، وقربها إلى منى.
طه بحدة: إيه ده؟!
يتبع….
- يتبع الفصل التالي اضغط على (الماسة المكسورة) اسم الرواية