رواية الماسة المكسورة الفصل الثالث و الاربعون 43 - بقلم ليلة عادل
[بعنوان: بلا ضجيج]
ظلّ طه و ابنه يتفحصان الصور ويتحدثان عن الأشخاص الموجودين فيها، حتى وقعت عيناهما على صورة لمنى مع سليم. في الصورة، كانت منى تضع رأسها على كتف سليم بطريقة بدت حميمية.
نظر طه إلى الصورة باستغراب، وأغمض عينيه لحظة كأنه يحاول استيعاب ما يراه، ثم عبس قليلًا و أمسك بالصورة، وقربها إلى منى.
رفع طه حاجبيه مع تضييق عينيه.: إيه ده يا هانم؟!
نظرت منى للصورة للحظة، وتوترت وشعرت بأن قلبها اهتزّ، لكن سرعان ما استجمعت قوتها وقالت: مالها يعني؟
تساءل طه بحدة: إزاي متصورة مع سليم كده؟
هزت منى رأسها بوقاحة و وجهها يظهر عليه اللامبالاة: وايه يعني؟ لما أتُصور معاه كده؟
محسسني إننا متصورين في أوضة نوم!!
نظر طه إليها باستغراب وعينيه تتسعان
(بمعنى كيف تتحدث معه هكذا في وجود ابنهم)
نظرت منى إلى ابنها وقالت: أنس، روح أوضتك.
أنس بطاعة: حاضر مامي.
خرج أنس من الغرفة، وقالت: مش تاخد بالك إن ابنك موجود.
طه رفع حاجبيه مستغربًا: أن والا أنتي؟؟ بعدين إنتِ عايزاني اشوف صورة زي دي واكون عادي؟
منى ببرود ولا مبالاة: طبعًا عادي!! مفيش حد غريب، ما أنت عارف إن أنا وسليم كنا زمان أصحاب. مش أنا وهو وبس كلنا كنا أصحاب، عادي يعني، لما أتصور معه كدة وليا كمان صور مع رشدي شبه كدة هي اول مرة تشوفها؟؟ الألبوم بقاله سنين هنا.
طه بضيق وغيرة: اه، أول مرة أشوفها، بعدين إنتي إزاي كنتي بتبصيله كده؟
منى تنهدت بضيق: في ايه؟ طه مالك؟؟ ده سليم!!
طه: مافيش بس الصورة استفزتني.يعني نظراتك غريبة.
اقتربت منه بابتسامة محاولة تهدئته، أمسكت يده: يا حبيبي الصورة عادية مفيهاش حاجة، بلاش الجنون ده. هتغير من سليم ده اخويا الصغير، بعدين ده سليم أخوك اللي بيطيق العمى ولا يطيقني.. ده انا فاكرة يومها أخدت الصورة منه عافية عشان كنت متراهنه مع اسما صاحبتي، توتي هدى بطل غيرة يا مجنون .. وضعت قبلة على خده. هروح اخد حمام.
تحركت إلى المرحاض توقفت أمام المرآة.. كان قلبها يخفق بقوة. فتحت الحنفية وغسلت وجهها، وأخذت تسترجع ذكرى مضت.
فلاش باك قبل عدة سنوات
أحد الملاهي الليلية.
نشاهد سليم في أوائل العشرينات يدخل مع أصدقائه، بينهم مكي. بينما منى في أواخر العشرينات ترقص مع أصدقائها.. أشارت لها صديقتها
وعيناها تلمعان بحماس: سليم هناك!
نظرت منى وتبسمت بإشراق، وتوجهت نحوه.
منى: هالو سليم! وحشتني!
اقتربت منه ووضعت قبلة على خده، بينما ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة.
سليم ببرود: عاملة إيه؟
منى: تمام، ايه لسه مع لورجينا؟
سليم: أممم
منى: شكلك مطوّل المرّة دي.
سليم بضجر: وإنتي مالك.
زمت منى شفتيها: سليم، عمرك ما كنت قليل الذوق! في إيه؟
سليم: مفيش، عن إذنك.
حاول التحرك، فأمسكته من كتفه. تعال نشرب كاس سوا، عايزة أكلمك شويّة.
سليم: طيب. أشار بيده، وجلس معها على البار وطلب نوعًا من الخمور.
منى: هو أنت عارف إنهم عايزين يجوزوني طه؟
سليم: أممم.
منى: إنت رأيك إيه؟
سليم: ماليش في الموضوع ده، المهم إنتِ
منى: صراحة أنا محتارة. ماتيجي نتصور مع بعض؟
سليم: نتصور ليه يعني؟
منى: إيه المشكلة؟” اقتربت منه، ووضعت رأسها على كتفه، وأشارت للمصور ان يأخذ لهما الصورة.
سليم وهو ينهض: أنا هقوم. فكّري كويس. طه بيحبك.
نظرت منى له كأنها تقصده هو: أممم، المهم أنا بحب مين؟
نظر إليها سليم من أعلى لأسفل وتحرك بعيدًا.
اقتربت صديقتها منها: مش شايفك انسي بقى..
منى بتحدى: أنا وراه لحد ما أجيبه.
صديقتها:حقيقي هو يهوس وقمر، بس حقيقي مش شايفك.
منى بتحدي: قولتلك أنا وراه لحد ما أجيبه وهتجوزه.
باااك
نعود إلى منى التي تقف أمام المرآة تنظر بغل وحقد وهي تجز على أسنانها
على اتجاه آخر
نرى طه يتوقف في الشرفة، يدخن سيجارة، يبدو على ملامحه الضيق والغيرة، يفكر فيما قالته منى وتلك الصورة التي أثارت غيرته ثم تذكر شيئًا…
فلاش باك – قبل سنوات
أحد النوادي الرياضية.
نرى منى وطه يرتديان ملابس رياضية، وكل منهما يحمل مضرب تنس ويتحركان معًا في أحد الممرات.
تساءل طه: خلاص هعمل حسابي إنك هتيجي.
منى: أكيد، بس هو سليم جاي؟
طه سألها: لا، بتسألي ليه؟
منى تجيبه: عادي، بحب قعدته.
توقف طه وقال متعجبًا: بتحبي قعدة سليم؟ غريبة! سليم غلس جدًا، مش بيتكلم كتير، وحاد.
منى بإعجاب: ما دي حلاوته… دي كاريزما.
طه بغيرة: إنتِ معجبة بسليم؟
اهتزت منى للحظة ثم أجابت بجدية: لا طبعًا.
طه بضيق: أمال بتسألي عليه دايمًا ليه؟
داعبته منى بدلع: هو أنت بتغير عليا من سليم؟
طه بغيرة: طبعًا، لازم خصوصًا لما أحس إن فيه إهتمام غريب.
ابتسمت منى بدلع: إنت مجنون يا توتي، متقلقش، ما فيش غيرك بقلبي. يلا تعال نشرب حاجة.
بااااك
نرى طه يتوقف وهو يمسح على وجهه بحركة عصبية ويقول: اللهم خزيك يا شيطان، أستغفر الله العظيم. مستحيل… يعني هي هتسيب الصورة كده عادي ! طه، انت غبي؟ دي مراتك وأم أولادك… وده أخوك سليم. فوق!
💕_____________بقلمي_ليلةعادل 。◕‿◕。
فيلا مجاهد_الثامنة مساءً
نشاهد سعدية وهي تجلس مع مجاهد، وهما يتحدثان ويحتسيان الشاي.
سعدية: بس البيت اللي جبناه إيه علوي اوي! ولسه لما يتدهن هيبقى آخر أُبَّهَة.
مجاهد: أحسن إنك اخترتي بيت كبير عشان كل واحد من العيال يكون له شقة.
سعدية: والله سليم ده ابن حلال، بس لو البت ماسة كانت جابت منه عيل، كنا ضمناه. الواحد خايف يا أبو عمار، بعد كل العز ده، نرجع زي الأول ويطلقها.
مجاهد باستهجان: يطلقها ليه؟ والبت مريحاه وهو بيحبها! يا سعدية، لو مش بيحبها كان عمل ده كله؟! بعدين كلها سنتين والبت تجيب لها عيل. سليم مش حارمنا من حاجة، ولا بيحوش علينا حاجة. أهو جاب لنا بيت من بابه من غير ما نطلب، وكل شهر بيبعت عشر بواكي متقفلين، غير الصيغة اللي كل شوية تنزلي تشتريها من محلاتهم، وفريدة هانم مش بتدفعك جنيه. عايزة إيه تاني؟ هو بيحب البت. إنتي بس انصحيها وخليها تحافظ عليه وما تزعلوش… هيشيلها بين رموش عنيه.
سعدية: ما تقلقش، كل شوية بكلمها وأوعيها. عقبال سلوى كده ما تتستر هي كمان.
مجاهد: يا رب.
سعدية وهي تعتدل في جلستها بتردد:
بقول لك إيه يا أبو عمار؟ أنا عايزة أخد رأيك في حاجة كده، إيه رأيك لو كلمت البت ماسة؟ تقول لسليم يشغل الولا بدر، إبن هالة، أنت عارف إننا بنساعدهم و مرزوق جوزها، من ساعة ما قعد من الشغل بسبب المرض اللي عنده والدنيا معاهم بقت صعبة.
تساءل مجاهد: انتي مش بتعتّي لها فلوس كل أول شهر هي وأختك فاتن وصفوت أخوكي؟
سعدية: أيوه، بعتلهم لكل واحد 700 جنيه، زي أخواتك، ولما بسافر باخد معايا اللي أقدر عليه وبراضي العيال، بس أنت عارف إن الحياة بقت غالية، والراجل بيغسل كليته كل أسبوع والولا بدرى يوم شغل وعشرة لا وخلاص داخل على العشرين أهو.
مجاهد: كلمي سليم، ده راجل محترم، بس هو بدر معاه حاجة؟
سعدية:يشغله أي حاجة، إن شاء الله ساعي في شركة، هنقول لا، نحمد ربنا المهم يكون ليه مرتب كل أول شهر يساعد أبوه وأمه.
مجاهد: وده هيقعد فين؟ مش هينفع يقعد معانا علشان البنت.
سعدية: يقعد في أي مكان، ممكن يكون سليم عندهم في المصانع بتاعتهم، مكان للناس اللي من البلاد، أو يسافر، إيه المشكلة؟ هنحلها. حتى لو هنقعدهم في الأوضة في الجنينه هنا.
مجاهد: خلاص كلمي ماسة وهي تقول له: بس أنا خايف يحس إننا طمعانين فيه، لأنه لسه جايب لنا البيت ….صمت لوهلة وتبادلا النظرات بحيرة اكمل: ولا أقول لك: كلميها وخير إن شاء الله، أهم حاجة إن نيتنا تكون خير.
قصر الراوي – العاشرة مسًاء
نرى ماسة تجلس في الغرفة على الفوتيه تتحدث في هاتفها:
ماسة: خلاص يا ماما، هكلمه تمام…. بكرة إن شاء الله هعدي عشان أخد سلوى. …ما عرفش، بس غالبًا هنرجع للفيلا…. إن شاء الله تمام. …حاضر، سلمي لي على اللي عندك..
وأثناء حديثها، خرج سليم من المرحاض ونظر إليها، فابتسمت وقالت:
سليم: سلميلي عليهم.
ماسة: ماما سليم بيسلم عليكِ: الله يسلمك. حاضر، هقول نظرت لسليم قالت: ماما بتقولك مش هتيجي عشان تعمل لكِ ورق عنب.
سليم تبسم: قولي لها يوم السبت هاجي وأقعد معاها اليوم كله، إن شاء الله.
ماسة: ماما بتقول لكِ هتيجي يوم السبت. خلاص، ماشي. هقول لسليم دلوقتي. هكلم سوسكا، هي فين؟ طيب، سلام.
اغلقت هاتفها ووضعته بجانبها، ثم جلس سليم بجوارها.
سليم تسأل: كنتِ هتقولي إيه؟
ماسة باستحياء تسألت: هو أنتم مش عايزين حد يشتغل عندكم في المصنع في الفترة دي؟ أي حاجة، إن شاء الله يمسح.
سليم نظر لها بعيون ضيقة: يمسح؟
ماسة هزت رأسها بإيجاب: أيوه، أي حاجة. يقدم مثلًا شاي، يشتغل ساعي، يمسح المكان. أي حاجة تنفع لحد، هو مش متعلم، بصراحة.
سليم تساءل متعجباً: عايزة تشغلي مين؟
ماسة يخجل: عايزة أشغل بدر، ابن خالتي الكبيرة هالة، قد عمار أو أكبر منه بسنة، بس هو مش متعلم، لكن بيعرف يقرأ ويكتب بسيط. أنا عارفة إنه طلع من رابعة ابتدائي عشان يساعد في البيت…أصلاً عمي مرزوق كان شغال عامل في مصنع نسيج، بس جاله فشل كلوي وبقى بيغسل الكلى كل أسبوع. فإحنا عايزين نشغله في مكان كويس ليه رزق على طول. لأنه كان بيشتغل يوم وعشرة لا والبلد مافيهاش شغل.
هز سليم رأسه بإيجاب: ماشي، ما فيش مشكلة. خليه يجي يوم الاثنين ويجيب معاه الورق بتاعه، البطاقة وشهادة الميلاد، وأنا هشغله. ولو في حد عندك عايز يشتغل، ولاد عمك أو ولاد خالتك، ما فيش مشكلة ابعتي.
ماسة: طب، في أماكن للناس من البلاد يباتوا فيها عندكم؟
سليم: اممم في باصات للعمال، بس موضوع المحافظات مش متاكد منه، بس عادي، ممكن أجيب لهم سكن يباتوا فيه، إنتِ كلمي والدتك؟ خليها تكلم كل قرايبك اللي محتاجين شغل، وما فيش مشكلة. نشغل كل واحد في المكان المناسب له.
ماسة: مافيش حد فيهم اتعلم؟ أجدع واحد فيهم، محمد ابن عمي رفيع، معه دبلوم صنايع.
ابتسم سليم وقال: ما فيش مشكلة مش لازم شهادة، هاتي اي حد عايز يشتغل وأنا أشغله في المصانع بتاعتنا اتكلمي بس والدتك خليهم يجوا مع بعض عشان اديهم ميعاد مناسب، تبسم وقال بلطف: طب أقول لكِ على حاجة حلوة؟ كنت بفكر، أعمل حاجة لله. ممكن كل شهر نبعث لهم مبلغ صغير. أصلاً، ما ينفعش أهلك يكونوا عايشين في المستوى اللي أنتِ كنتِ بتكلميني عنه، وأنتِ واهلك عايشين كده.
ماسة: ومين قال لك بقى إن احنا سايبينهم؟ أمي وأبويا الله يبارك لهم، بيبعتوا لهم فلوس كل أول شهر. مبلغ صغير، لعمتي، وعمامي الاثنين، ولخالي وخالاتي الاثنين.
سليم بلطف: طب كويس، بس مهما كان المبلغ اللي بيبعتوه، أكيد مبلغ صغير، يا ماسة. مش بيكمل 1000 جنيه فخليني أساعدهم.
ماسة باعتراض: لا يا سليم، ما ينفعش! أنت شغلهم وكتر خيرك على كده، تيجي تبعت لهم فلوس؟ هتدلعهم وهيبقوا زي إخواتي، لا شغلة ولا مشغلة! وفي الآخر هيبقوا معتمدين عليك طول الوقت، عايز تساعد حد؟ شغله، لكن لو هتدي له فلوس، هتعلمه الكسل. زي ما المثل بيقول: لا تعطيني سمكة، لكن علمني كيف اصطادها..مستر جميل قالي كدة في الدرس.
تبسم سليم وقال بتوضيح: يا عشقي، افهمي، أنا مش قصدي أدلعهم ولا أفسدهم. أنا عايز أبعت لهم مبلغ أول الشهر عشان يعيشوا حياة كريمة. على الأقل يبقى عندهم أكل كويس ولبس محترم أهم حاجة، ما يمدوش إيديهم لحد. بلاش تمنعي رزق حد، خلي الخير يوصل للناس.
تحرك ماسة رأسها، ثم تبتسم بشكل خفيف: والله يا سليم، مش قصدي أمنع رزق حد، بس كل اللي خايفة منه إنك لو دفعت لهم فلوس كل شوية، هيتعودوا عليها وبعدين مش هيقدروا يتحملوا مسؤولية نفسهم.
سليم يبتسم بحب، ويطمئنها: ماتقلقيش، المبلغ هيكون بسيط، حاجة تخليهم يعيشوا حياة كريمة وما يطلبوش حاجة من حد. وأكيد اللي عايز يطور نفسه أو يحسن مستواه، هيشتغل أكتر.
ماسة هزت رأسها بإيجاب: عندك حق، لكن برضو ما ينفعش تشغلهم كلهم، ده حمل كبير عليك.
سليم يظهر عليه الإصرار، بينما يبتسم بحسم: إيه المشكلة؟ خلي خالاتك وعماتك يسيبوا شغل البيوت والكلام ده ويرتاحوا شوية، وأولادهم و أزواجهم يشتغلوا في المصانع عندنا، اتكلمي مع والدتك واعرفي مين جاهز يشتغل، عشان نحدد معاد ونبدأ.
ماسة عانقته: ربنا يخليك ليا، بجد مش عارفة أقول لك إيه انت أحلى كراميل في الدنيا
💕_________________بقلمي_ليلةعادل
قصر الراوي، الساعة السابعة صباحًا
السفرة
في الصباح، اجتمع جميع أفراد عائلة الراوي واحدًا تلو الآخر على طاولة الإفطار كعادتها، كانت فايزة أول الحاضرين. دخل طه ومعه منى.
طه: صباح الخير يا ماما.
فايزة: صباح الخير.
كاد طه أن يجلس على مقعده، لكنه توقف للحظة ونظر بضيق إلى مقعد سليم. ضغط على أسنانه ثم توجه وجلس عليه.
طه متحدثا لمنى: تعالي أقعدي جنبي.
نظرت إليه فايزة متعجبة: ده مكان سليم وماسة.
طه بشدة: لا، ده مكاني من النهارده… أنا الكبير.
قاطعتهم صافيناز: مالك يا طه؟
طه: مفيش.
دخل سليم ومعه عزت. نظر عزت لوهلة ثم قال: طه، ليه مش قاعد في مكانك؟
طه بجمود: أنا قررت أقعد هنا، لأن ده الترتيب الصح. أنا ومنى قصاد الهانم (مشيرًا إلى فايزة)، وفريدة وإبراهيم جنبها. صافيناز وعماد جنبنا، وسليم وماسة قصادهم، ورشدي وياسين براحتهم.
عزت متحدثًا بهدوء وهو يجلس: مالك يا طه؟
طه: مفيش… أنا عايز كده.
سليم بابتسامة هادئة: حبيبي، أقعد في المكان اللي يعجبك. فعلاً ده الصح… أنت الكبير، مكانك جنب الباشا.
تحرك سليم للجهة الأخرى، وربت على كتفه وهو يسحب مقعد ماسة ويجلس بجانب إبراهيم.
بدأ الجميع بتناول الإفطار، لكن كان طه ينظر بين الحين والآخر إلى سليم بضيق دون إرادة منه. بدا واضحًا أن الصورة زادت من انزعاجه.
كانت منى تراقب الأمر دون أن تعلق، وسليم بدوره لاحظ نظرات طه الحادة.
تساءل سليم: طه في حاجة؟!
طه: لا، ليه بتسأل؟
سليم: أصلك بتبصلي بطريقة غريبة.
طه بسخرية: بحاول أتعلم من أخويا الصغير عشان أبقى زيك… كاريزما.
نظر عماد إلى صافيناز بنظرة تعني أن هناك شيئ غير طبيعي.
انتهوا من الإفطار وبدأ الجميع في التحرك للخروج إلى العمل، لكن منى توقفت بضيق.
منى بحزم: طه، تعال ورايا على الأوضة حالًا.
طه: بعدين.
منى بحدة: لو مجيتش، مش هتلاقيني هنا لما ترجع… فاهم؟
صعدت مسرعة. اقترب سليم من طه وقال بهدوء: طه، مالك؟ أنا زعلتك في حاجة؟
طه: لا.
سليم: أمال في إيه؟
طه: زعلان عشان أخدت كرسيك.
ضحك سليم بهدوء: إنت عارف إن أنا مش سطحي والكلام ده بالنسبة لي هبل، اللي يهمني إنك تبقى كويس… أنت كنت بتبصلي بطريقة غريبة.
صمت طه للحظة وهو ينظر له لا يعرف ماذا يقول، تنهد وبرر: أنا اتخانقت مع منى، عمالة تزن عليا…اتعلم من سليم عشان تاخد مكانه. أنت الكبير، والكلام ده ضايقني.
سليم: يا سيدي، بكره تبقى أحسن مني كمان. بس ركز وبطل تسمع لمنى.
طه بابتسامة صغيرة: أنت بتقول كده وأنت غرقان في عشق ماسة.
ابتسم سليم: ماسة مش زي منى.صدقني إنت تستاهل حد يستاهلك يا طه.. تعال نروح المجموعة مع بعض.
طه: ماشي بس هطلع أشوفها عايزة إيه.
سليم ربت على كتفه: طب رُوق.
اقترب طه من سليم فجأة وضمه. ابتسم سليم وربت على ظهره، ثم تحرك كل منهما في طريقه.
في الخارج عند السيارة
كانت فايزة وعزت ينتظران سليم. سألته فايزة:
فايزة بفضول: عرفت مالُه؟
سليم: منى سخنته عليا شوية، قالتله كلام زي “اتعلم تكون زيه، هو مش أحسن منك.. حاجات كده.
فايزة: فعلاً حقيرة.
عزت: المهم ما تزعلش منه.
سليم: مقدرش أزعل منه. على فكرة يا فايزة، أحسن حاجة ممكن تعمليها إنك تحاولي تطلقيهم… بجد هتعملي خير فينا وفي البشرية.
فايزة بحسرة: ياريت ينفع.. لكن للأسف ده مجنون بيها زيك… أنتم بتعاقبوني بيهم.
ابتسم سليم ووضع قبلة على خدها بلطف: روقي مش هنتخانق على الصبح صباح الفل، غمز لها..
تحرك نحو سيارته، بينما تنهدت فايزة بتعب وهزت رأسها برفض.
في غرفة طه
تتحرك منى في منتصف الغرفة وعلامات الغضب واضحة على وجهها، تحرك يديها بانفعال. فجأة، يُفتح الباب ويدخل طه. توقفت منى، ونظرت إليه بنظرة حادة من أعلى إلى أسفل، ثم صرخت قائلة:
منى بغضب: أنت اتجننت؟! إيه إللي أنت عملته على السفرة ده؟!
تقدم طه نحوها محاولاً تهدئتها: وطي صوتك لو سمحتي.
منى بانفعال: أوطي صوتي بعد اللي أنت عملته ده، إزاي تتوقع مني أقعد معاك دقيقة واحدة؟!
تحرك طه نحوها بسرعة محاولاً السيطرة على الموقف: ما تتجننيش، غصب عني.
منى بتهكم: غصب عنك إيه؟! وهبل إيه؟! إيه اللي أنت بتقوله ده؟! أنت محسسني إني بخونك! الصورة دي كلنا متصورين زيها، إيه الجديد فيها؟! أنا بهزر معاه قدامك، بالإيد والسلام بنا بالأحضان. إيه التفكير المتخلف ده؟!
طه بحدة: قلت لك إني غيرت!
منى بعصبية: تغير من إيه؟! تغير من إيه؟! أنا مش شايفة أي سبب يخليك تغير أصلاً!
طه بحزم: إنتِ بتعلي صوتك ليه؟
منى بشدة وغضب: أنا مش بس هعلي صوتي، أنا هسيب لك القصر وهمشي لحد ما تفوق من جنونك ده! صورة ملهاش أي قيمة، ما فيهاش حاجة تخليك تعمل كده! ما تخلينيش بكرة أكبرها وأحطها في نص الهول! اللي بيعمل حاجة غلط يا حبيبي ما بيسيبهاش بالطريقة دي! لأي حد ممكن يشوفها.
اتجهت منى نحو خزانة الملابس لتأخذ أشياءها.
ركض طه نحوها محاولًا منعها: ما تتجننيش يا منى! ما تكبريش الموضوع!
منى بحدة: أنا مابكبرش الموضوع! أنت اللي مكبره بأسلوبك! بتشك فيا؟! هي حصلت؟!
طه باندفاع: إيه العبط ده؟ مستحيل!
منى: أمال ده اسمه إيه بقى؟
طه بهدوء: اسمه غيرة يا منى.
منى: غيرة؟! أنا شايفة إنه جنون مش غيرة!
طه يحاول تهدئتها: يا منى، اهدي… حقك عليا. حقيقي، غيرتي عمتني. نظرتك لسليم مكانتش عادية!
منى: لو العبط ده حصل تاني، والله العظيم، يا طه، هسيب لك القصر ومش هرجع. كفاية اللي أنا مستحملاه من أسلوبهم وكرههم ليا!
طه باستسلام: طيب اهدي، خلاص بقى…
يقترب طه منها ويضع قبلة على وجنتها. تنظر له منى بنظرة تمثّل الزعل، ثم تقول
: بتشك فيا؟! أنا؟! اخص عليك يا طه! إنت عارف إني بحبك قد إيه، ومتحملة كل ده عشان خاطرك.
طه بصدق: والله العظيم، ما شكيت فيكي. أشك فيكي إيه؟! إنتِ مراتي وحبيبتي، وهو أخويا. صدقيني، دي كانت غيرة بس..
منى: يا حبيبي، ما تخليش غيرتك تجننك كده. أوعى تزعلني منك تاني طب هتصالحني إزاي بقى؟
طه بضحكة: أنتي عايز إيه؟
منى بذكاء مستغلة الموقف: تعال نسافر كندا.
طه: ماشي.
ثم ضمته بحب وترتسم على وجهها ابتسامه شيطانيه.
سيارة سليم الحادية عشرصباحاً
نشاهد ماسة وسليم يجلسان في المقعد الخلفي، بينما يجلس مكي في المقعد الأمامي بجانب السائق.
ماسة بتردد: كراميل، إنت متضايق إن سلوى هتيجي معانا الفيلا تساعدني في اختيار الحاجة؟
سليم بلطف: لو متضايق كنت هاقولك.
تبسمت له ماسة وقبلته على خده.
بعد دقائق، وصلوا إلى باب فيلا عائلة ماسة، حيث كانت سلوى تنتظرهم.
فور أن رآها مكي، تسارعت دقات قلبه، وأخذت أنفاسه تتعالى من فرط الاشتياق لرؤيتها، ونيران الهجر التي أحرقت فؤاده.
هبط من السيارة محاولًا التماسك، وتمثيل اللا مبالاة.
مكي بعملية: صباح الخير يا هانم… فتح لها باب السيارة اتفضلي.
رمقته سلوى من أعلى إلى أسفل بجمود وقوة، ثم صعدت السيارة وجلست بجانب ماسة.
سلوى بمرح: ماســة!
قبلت سلوى خد ماسة وضمتها، ثم صعد مكي إلى السيارة.
ماسة: وحشتيني أوي، كل ده في البلد؟
سلوى: هاحكيلك… ثم وجهت نظرتها لسليم… عامل إيه يا سليم؟
سليم بمجاملة: الحمد لله، حمد الله على سلامتك، عاملة إيه؟ انبسطي في البلد؟
سلوى: انبسطت والله. لازم المرة الجاية تيجي معايا.
سليم: إن شاء الله… يلا يا مكي نطلع على الفيلا.
طوال الطريق، كانت ماسة وسلوى تتبادلان الأحاديث وتضحكان بمرح، بينما كان مكي يسترق النظر إلى سلوى عبر مرآة السيارة من حين لآخر. ورغم صلابته الظاهرة، إلا أنه ما زال يشتاق إليها، ويبتسم كلما رآها.
عند وصولهم إلى الفيلا، بدأوا جميعًا بمشاهدة الأثاث واختيار الموديلات من الكتالوجات. طوال الوقت، كانت عينا مكي مسلطتين على سلوى، يراقبها كلما تحركت أو ضحكت، لتظهر على وجهه ابتسامة مشرقة. لكنها لم تُعره أي اهتمام.
بعد الانتهاء، توقفت ماسة وسلوى لتحتسيا النسكافيه وتتابعا الحديث.
سلوى بابتسامة: ما شاء الله، الفيلا والحاجات حلوين أوي. مبروك عليكِ يا حبي.
ماسة: الله يبارك فيكِ، هي فعلًا أحلى من التانية وأكبر كمان. قوليلي بقى، عملتي إيه في البلد؟
سلوى: عادي… غيرنا جو وشوفنا خالاتك وعماتك. بيسلموا عليكِ أوي. ربنا يهدي سليم ويسيبك تروحي.
ماسة: يا رب.
سلوى: أمك جابت بيت ٤ أدوار، كل دور شقتين. الثالث لينا، والرابع لعمار ويوسف، وتاني لأمك وأبوكِي هيفتحوا الدور على بعض، ولاول مضيفه بس الصراحة حلو وكبير وأخد ناصيتين.
ماسة بإحراج: أنا اتكسفت أوي من سليم لما قالي.
سلوى: بس أمك ما طلبتش منه. هو اللي جاب، والكلام كان قدامنا.
ماسة: عارفة، بس برضو باتكسف… بقولك، هو مكي مكلمكيش خالص؟ أنا أخدت بالي وهو بيبص عليكِ.
سلوى: لا، ولا حتى رنة، بس فيه رقم بعتلي رسالة: “ألف مبروك النجاح. افتكرته هو، اتصلت من تليفون أمك لقيته مقفول بس قبل منسافر البلد على طول شفته خاول يكلمني وأنا رفضت.
ماسة: ما انتي حكيتلي اقصد كلمك بعدها
سلوي: لا.
سلوى: أنا بطلت أفكر فيه. مركزة دلوقتي في دراستنا وإني أكتسب لغة أهم، زي ما اتفقنا.
ماسة: شاطرة.
اقترب منهما سليم وخلفه مكي.
سليم بتهذيب: يلا يا مادموزيلات يا حلوين، خلينا نمشي.
ماسة: يلا.
سليم: هنروح نتغدى، وبعدين تروحوا، وأنا هروح الشركة عندي اجتماع مهم.
ماسة: سلوى هتروح المكتبة، مش هتيجي معايا.
سليم: أوكي، يلا بس خلينا نمشي ونتكلم.
توجهوا إلى أحد المطاعم، حيث تناولوا الغداء معًا. طوال الجلسة، كان الجو مفعمًا بالمرح، لكن نظرات مكي ظلت تبحث عن سلوى، بينما هي تتابع أحاديثها بلا اكتراث.
أمام باب سيارة سليم
نظر سليم إلى مكي وطلب منه أن يوصل سلوى، مفسحًا المجال لهما للحديث.
سليم: مكي، وصل إنت سلوى للمكتبة.
مكي: تمام.
سلوى بارتباك: ليه؟ ما أروح معاكم ووصلوني في الطريق؟
سليم: المكتبة بعيدة عن طريقنا، مكي هيوصلك. فتح لها باب السيارة… يلا، اركبي.
نظرت له بارتباك ثم صعدت السيارة مع مكي. لوحت لها ماسة بالسلام، وصعدت هي الأخرى سيارة سليم. تحركت السيارتان.
داخل سيارة سليم
ماسة باستغراب: إنت ليه خليت مكي يوصلها؟ كنا وصلناها في طريقنا.
سليم: الطريق بعيد جدًا ومختلف… فين المشكلة؟
نظرت له ماسة بارتباك، فهي لا تريد إخباره بما حدث بين سلوى ومكي. أعادت شعرها للخلف وهي تهز رأسها نفيًا.
ماسة: طيب، هتتأخر؟
سليم: اممم… هاجي على العشا.
داخل سيارة مكي
كان مكي يقود السيارة، بينما تجلس سلوى في الخلف، تنظر من النافذة محاولة تجنب التقاء عينيها بعينيه. وعند وصولهما أمام المكتبة، هبطت سلوى من السيارة. لحق بها مكي بسرعة، واقترب منها وهي تتحرك.
مكي باهتمام: هتعملي إيه؟
سلوى: ولا حاجة، هاقعد شوية. في حاجة؟
مكي: تمام… اتفضلي.
دخلت سلوى المكتبة وهو خلفها. توقفت فجأة ونظرت له بتساؤل.
سلوى باستغراب: إنت رايح فين؟
مكي: معاكِي.
سلوى برفض: لا، خليك عند العربية.
مكي بجدية: ما ينفعش… رجلي على رجلك.
تنفست سلوى بضجر، محاولة إخفاء انزعاجها.
سلوى بثبات: طيب.
بدأت تتجول بين أرفف المكتبة وتختار بعض الكتب، بينما يتبعها مكي من الخلف. بعد دقائق، جلست على إحدى الطاولات وبدأت تقرأ، بينما كان مكي يراقبها من بعيد بابتسامة اشتياق. لم يمض وقت طويل حتى اقترب شاب يبدو في بداية العشرينات وجلس أمامها رغم وجود طاولات فارغة.
الشاب: مساء الخير.
سلوى ترفع عينيها: مساء النور.
الشاب وهو يجلس مقابلها: أول مرة أشوفك هنا.
سلوى برقة: لا، أنا جيت كذا مرة.
الشاب بغزل: وإزاي ما شفتش الجمال ده قبل كده؟
ابتسمت سلوى بخجل، لكن قبل أن ترد، انا فتحي وانتي
كادت ان تجيبه لكن…
اقترب مكي بسرعة وقال بجمود بنبرة سخرية:
مكي: فتح الله عليك يا سيدي… يلا قوم، ده مكاني.
الشاب برخامة: مكانك إزاي؟ ما فيه أماكن كتير… يلا يا حبيبي، من هنا.
مكي يتبسم محاولًا تمالك نفسه: حبيبك…
وفجأة، تبدلت نظرات عينيه إلى نظرة حادة كأنها نظرة أسد غاضب على وشك افتراس فريسته. اقترب بخطوات ثابتة، وقال ببرود يخفي وراءه التهديد:
مكي: طب يا حبيبي، بقولها لك تاني .
وضع يده على كتف الشاب بثبات، ونبرات صوته الرجولية تملأ المكان: يلا، عشان ما يحصلش مشكلة… شكلك محترم، بلاش أحسن لك.
سحب مكي الشاب بقوة من كتفه ليقف، ثم جلس مكانه بثقة.
الشاب، وقد تفاجأ بردة الفعل، نظر إليه باستغراب للحظة، ثم أدرك أن مواجهة هذا الشخص ليست خيارًا حكيمًا. لملم كتابه ورحل دون أي كلمة.
سلوى بضيق واضح: إيه اللي إنت عملته ده؟
مكي باستغراب: كان المفروض أعمل إيه يعني؟ وهو بيعاكسك؟
سلوى: ما كانش بيعاكسني، كان بيسأل عن اسمي! وبعدين، إيه المشكلة؟ أنا اشتكيت لك؟
مكي: مش محتاجة تشتكي. ولما أشوف تصرف غلط، لازم أتدخل.
سلوى بقلب عينيها بضجر: قلت لك أنا ما بغلطش. وبعدين، بصفتك إيه تتدخل؟
مكي تبسم برخامه: الحارس الشخصي. وبعدين أنا باتكلم عليه، مش عليكي.
سلوى: طب، يلا قوم روحني.
مكي: تحت أمرك.
نهضت سلوى وجمعت متعلقاتها، ثم تحركت نحو السيارة وهو خلفها. عند وصولهما، فتح لها الباب الأمامي، لكنها نظرت له بضيق ثم فتحت الباب الخلفي وصعدت.
جز مكي على أسنانه بضيق، وهو يقول لا حوله ولا قوه الا بالله
أغلق الباب بعصبية، وتوجه إلى مقعد القيادة. أثناء القيادة، ظل ينظر إليها في المرآة بصمت.
مكي بتساؤل: هو إنتِ بتتعامليني كده ليه؟
سلوى بجمود: المطلوب أتعامل مع الحارس الشخصي لجوز أختي إزاي؟ أنا باتعامل معاك بالحدود اللي تسمح بالتعامل ده.
مكي: إنتِ شايفة كده؟
سلوى: طبعًا. ويستحيل أعيد غلطة الماضي.
مكي: بكرة هتفهمي الحقيقة وإنك ظلماني.
سلوى بتعجب: ظلمتك؟ هاظلمك ليه؟
مكي: ولا حاجة. عموماً، عرفت إنك نجحتي… ألف مبروك.
سلوى: الله يبارك فيك.
نظر مكي إليها في المرآة بضعف للحظة، محاولًا التماسك أمامها. أخذ نفسًا عميقًا وأكمل طريقه في صمت
قصر الراوي
جناح ماسة وسليم – الثانية عشرة صباحًا
نرى سليم مستغرقًا في النوم على الفراش، وماسة تجلس بجانبه، تتحدث في الهاتف وهي تضحك مع هبة.
ماسة بحماس: خلاص والله، ماشي بكرة.
نظرت إلى سليم وصمتت لوهلة بتردد، تخشى أن يرفض خروجها مع هبة وأصدقائها، ثم قالت:
ماسة: بصي، هأكد عليكي بكرة… لا، إن شاء الله سليم هيوافق. إيه اللي هيخليه يرفض؟
أتاها صوت هبة من اتجاه آخر: المهم عرفيه بس باقي الجدول بتاع الأسبوع، ولو قال حاجة هكلمه أنا وياسين.
ماسة وهي تنظر له بثقة: مش هيقول حاجة. المهم، قوليلي مين جاي غير كارمن وإيناس ودليدا؟ عشان أنتِ عارفة سليم ما بيحبنيش أخرج مع نانسي وصوفيا.
في صباح اليوم التالي
نرى ماسة تساعد سليم في ارتداء ملابسه باهتمام. قامت برش عطره ونظرت إليه، يبدو أنها تريد شيئًا. بينما كان سليم يهتم بمظهره أمام المرآة ويرتدي ساعته.
ماسةبدلع: سالوملوم.
نظر لها سليم متعجبًا بابتسامة على ذلك الدلع الجديد وقال معلقًا: حلو سالوملوم ده.
ماسة وهي تقرصه في خده: خلاص، هقوله لك على طول يا سالوملوم. (وضعت قبلة على خده) عارف، أنا وهبة فضلنا نكلم بعض طول الليل، تخيل نمت على الساعة 3:00 الفجر.
مد سليم وجهه متسائلًا: امم؟
ماسة: هنروح النهاردة الملاهي.
وجه سليم جسده ناحيتها:ده فجأة كده؟
ماسة: اتفقنا بالليل، هتعدي عليا بالعربية الساعة 10:00 نروح الملاهي في أكتوبر، وبعدين هنروح المول ونتغدى، هيكون معانا أصحابها.
سليم: فيهم ولاد؟
مدت ماسة شفتيها بعدم المعرفة وهزت رأسها عدة مرات: ماعرفش، هي قالتلي كارمن وإيناس ودليدا، ماجابتش سيرة ولاد.
سليم: طب كلميها واسأليها، عشان لو فيه شباب مش هتروحي.
ماسة: طب، استنى.
أمسكت هاتفها وقامت بمكالمة:
ماسة: صباح الخير يا حبيبتي… آسفة صحيتك. يا بنتي هنا بنصحى من الساعة 6:00! معلش، كنت عايزة أسألك: هو إحنا هيجي معانا ولاد؟… طيب. ها، سليم وافق. أوكيه، هصحيكي الساعة 9:00. ماشي، باي.
أغلقت ماسة الهاتف ونظرت لسليم: زي ما قلتلك: كارمن وإيناس ودليدا، واحتمال ريتال.
سليم: خلاص، ماشي.
ماسة: وبكرة هنروح الأهرامات، والحديقة الفرعونية، والحسين، والمتحف. وبعده هنروح مزرعة الفيوم بتاعة بابا كارمن ونقضي اليوم هناك. اليوم اللي بعده هنشتري لبس سوا، وبعدين ممكن نسافر إسكندرية يوم أو السخنة.
تبسم سليم وهو يمد وجهه باستغراب: ده إنتم عاملين جدول مع بعض! أسبوعك حافل بالخروجات.
مدت ماسة ذراعيها وأحاطت رقبته، تحدثت بدلال واستعطاف: سليم، أنا ما صدقت يبقى عندي أصحاب أخرج معاهم. إنت عارف إني كنت هطق! بعدين، مش إنت عملت عليهم تحريات وطلعوا بنات محترمة؟ خلاص بقى. وبعدين بعد كده الدروس هتبدأ، ومش هيكون عندي وقت. أصل دليدا مسافرة لندن، فعايزة نقضي الأسبوع كله سوا. وحياتي.
أحاط سليم بذراعيه حول خصرها، وضع قبلة صغيرة على شفتيها: لا يا روحي، ما تطيقيش. اخرجي براحتك وانبسطي، بس الجاردات هيكونوا معاكي ومكي ملازمك.
ماسة: ماشي، مفيش مشكلة. يلا بقى ننزل نفطر.
مجموعة الراوي الثانية عشر ظهراً
مكتب عزت
نشاهد عزت يجلس خلف مكتبه الكبير، يتصفح بعض الأوراق. وإسماعيل يجلس على الجانب، وجميع ابناؤه وفايزة يجلسون حول الطاوله ما عدا سليم.
إسماعيل: خلاص يا باشا، تمام. أنا هظبط الموضوع مع ريمون، التأمين كله هيبقى على أعلى مستوى.
عزت بصوت حازم: تمام. ينظر لياسين:
ياسين، تبقى مع إسماعيل. اتعلم منه كل حاجة، وسافر معاه انت هتبقى مكان سليم.
ياسين بهدوء: حاضر يا بابا.
عزت يحول نظره إلى رشدي: وانت يا رشدي، هتأمن هنا لازم المخازن تكون تحت عينك.
رشدي بابتسامة ساخرة: تمام، يا كبير.
إسماعيل: طيب كده، سليم مش هيشتغل تاني حتى في الأحجار؟
فريدة تقاطع بهدوء: سليم ابتعد عن كل حاجة. المهم دلوقتي، نركز على التنوع.
(تمد لعزت ورقة) أنا كتبت لك كل اللي محتاجينه. مش بس ألماس.
عزت يتفحص الورقة: كميات؟
فريدة: محتاجين لؤلؤ، فيروز، زفير، ياقوت، زمرد، وتنزانيت. توباز وحجر قمر، كل الأحجار اللي عليها طلب عالي كميات مفتوحه.
اسماعيل: سليم معاه حجر تنزانيت أربعين قيراط.
فايزة متعجب: مع واحد كبير كدة وبالجمال ده فين.
رشدي يضحك بخفة: أكيد شايلة لقطعة السكر عشان يديهلها هديه في عيد ميلادها، عشان شبه لون عينيها وعينه شويه أزرق، شويه أخضر، وشويه أصفر رومانسي سليم.
الجميع يضحك، لكن عزت يضرب المكتب بخفة ليعيد الانتباه.
عزت: كفاية هزار. (ينظر للجميع)
دلوقتي، فريدة كتبت كل الاحتياجات. لو لقيتوا أي حاجة إضافية، تجيبوها عادي اي احجار كريمه، ماس تجيبوا اي كميه.
إسماعيل: خلاص يا باشا. أنا كده كده مكلم ريمون. هنظبط كل حاجة على أكمل وجه.
عزت: و انتي يا صافيناز هتبداي بقى تشتغلي على الدعايه والاعلام عايز دعاية قوية عن تصميم الجديدة لمجوهرات الراوي.
صافيناز: اوكي بوص
ـ في أحد الكافيهات الرابعة مساءً.
نرى نانا نور يجلسان على احد الطاولات ويتبادلون الأحاديث.
نور متهكمة: يعني بجد يا نانا؟! أنا ما كنتش متوقعة إن عزت الراوي هيتجوزك.
عقدت نانا حاجبيها متعجبة: ليه يعني يا نور؟
نور: هو عزت الراوي أي حد؟
ضحكت نانا بسخرية: مافيش راجل يقدر يقف قدام ست، مهما كانت قوته.
نور باستنكار: أنا مش فاهمة إزاي تقبلي تعيشي حياة بالشكل ده! مع واحد قد عزت الراوي… ده قد أبوكي يا نانا!! يعني مش سليم، ولا رشدي، ولا حتى طه…
نانا بثقة وابتسامة ساخرة: أنا مع الملك، والباقي كلهم مجرد تماثيل ..عارفة لولا إن سليم من زمان مسافر وصعب الوصول ليه، كنت فكرت فيه.
رفعت نور حاجبها بدهشة: جد!!
أكملت نانا بجديّة: اممم تعرفي إيه اللي خلاني أوصل لعزت؟
صمتت للحظة وكأنها تسترجع الماضي: الشوق والحرمان. لكن سليم (تبتسم بسخرية) مكانش محروم،،لكن عزت محروم، محروم من الهدوء، من الدلع، ومن حاجات كتير.
نظرت نور لها نظرة تحذير: بس أوعي تضمنيه يا نانا. ممكن يكون فاهم اللعبة وعمل كل ده بمزاجه.
نانا بابتسامة واثقة: أنا فاهمة. هو عمل كده بمزاجه، وحتى لو شاف إن تمثليتنا مكشوفة… برضه عملها بمزاجه.
نور بصوت منخفض ومليء بالقلق: وإنتِ متأكدة إنك هتكملي في ألاعيبك دي ومش هيجي يوم ويوقفك.
نظرت نانا لها بثبات: مش مهم دلوقتي. المهم إن معايا ورقة مهمة.
نور بحذر وقلق شديدين: إنتِ بتلعبي بالنار يا نانا. ده عزت الراوي!
نانا بابتسامة غامضة: ولولا النار، ما كانش للعبة طعم.
💞_______________بقلمي_ليلةعادل
قصر الراوي
مكتب سليم – الخامسة مساءً
نشاهد سليم جالسًا على مقعد مكتبه، يطالع الأوراق ويوقعها بتركيز. كان مكي يقف بجانبه حتى ينتهي.
بعد دقائق، دخلت ماسة مرتدية فستانًا أسود محتشمًا أنيقًا جدًا مرسومًا على جسدها، وترتدي برنيطة على رأسها، كأنها جنية صغيرة خرجت من إحدى أفلام الثلاثينات. خلفها أحد الحراس يحمل أكياسًا.
اقتربت من المكتب وهي تبتسم برقي يليق بها. رفع سليم عينيه نحوها بحب وابتسامة عريضة. توقف لاستقبالها وهو يمد يده بطولها.
ماسة اقتربت منه ومدت يدها باشتياق ونظرات عاشقة وقالت: حبيبي.
أمسكا بيد بعضهما بحب، وتبادلا النظرات.
سليم يدقق نظره في عينيها وقال: وحشتيني.
ماسة باشتياق ردت: وأنت كمان وحشتني اوي.
وجهت نظرتها إلى مكي بتهذيب وقالت: هاي مكي… أنت كويس؟
مكي أجاب باحترام: بخير يا ماسة هانم.
سليم باهتمام، وهو يداعب أنفها بأطراف أصابعه، سأل: جبتي كل اللي نفسك فيه يا روحي؟
ماسة بحماس، وهي تهز رأسها، أجابت: اممم.
نظرت إلى الأوراق على المكتب وسألت بتساؤل: أنت خلصت شغل ولا لسه؟
سليم رمقها بنظرات عاشقة، ولمس خصلات شعرها الظاهرة من أسفل البرنيطة، ثم قال بوتيرة عاشقة: ماستي الحلوة وصلت، يبقى الشغل خلص.
نظر لها بشغف، وكأنه لا يريد أن يسحب عينيه عنها ولو لثوانٍ، ثم تحدث وهو يعطي ظهره لمكي: مكي، نكمل بعدين. الشغل خلص.
مكي: تحت أمرك.
أخذ مكي الأوراق وخرج.
ماسة التفتت خلفها وقالت للحارس الذي يحمل الأكياس: ممكن تطلع الحاجة فوق، بس استنى.
اقتربت منه وأخذت أحد الأكياس، ثم قالت: ممكن تطلع.
رحل الحارس، والتفتت لسليم واقتربت منه وهي تبتسم حتى توقفت أمامه مباشرة.
قدمت له الشنطة وقالت بتمني: حبيبي، ممكن تقبل مني دي؟
سليم نظر لها باستغراب ولطف وقال: إيه دي؟
ماسة بابتسامة ردت: افتحها وهتعرف.
سليم أخذها وأخرج ما بها، فكانت علبة قطيفة. فتحها، وكانت تحتوي على سلسال من الفضة به آية الكرسي. نظر سليم باستغراب ممزوج بالسعادة.
ماسة أمسكت كفه بحب وقالت: حبيت أجبلك حاجة تحفظك ليا، ومافيش أجمل من كلام ربنا، خصوصًا آية الكرسي.
سليم تبسم لها بسعادة غامرة، ودقق النظر في عينيها دون أن يتحدث، وكأن عينيه تقولان كل شيء.
ماسة أكملت برجاء: ممكن ألبسهالك وتوعدني متقلعهاش أبدًا، إلا طبعًا لما تدخل الحمام عشان حرام.
سليم بتأييد: من غير ما تقولي يا قطعة السكر.
ماسة ألبسته السلسال، وسليم قبّل يدها بحب وعينيه معلقة بها.
ماسة وضعت يدها على خده بعشق وقالت: أنا بحبك أوي يا سليم.
سليم مرر أصابع يده على خدها وقال: وأنا كمان بحبك أوي.
قبلها من إحدى عينيها بعشق، وأخذ يتبادلان النظرات العاشقة.
سليم سأل بابتسامة: خلصنا خروجات الأسبوع ولا لسه جدولك مشغول؟
ماسة تبسمت وقالت: آه، خلصنا، بس مش اوي يعني. خلاص مش هخرج كل يوم، دليدا هتسافر بكرة.
سليم : ماشي يا روحي.
♥️________________بقلمي_ليلةعادل
في أحد المراكب الشراعية الخامسة مساءً
نرى هبة وياسين يجلسان معًا على طرف المركب، مياه النيل تتلألأ تحت ضوء الغروب الذهبي. النسيم العليل يحرك شعر هبة بلطف، بينما ياسين ينظر إليها بابتسامة دافئة.
ياسين بصوت هادئ: عارفة يا هبة… كل مرة بكون فيها معاكِ، بحس إن الدنيا كلها واقفة، وإن كل حاجة حواليا مجرد خلفية لصورتك.
هبة تبتسم بخجل، وتنظر بعيدًا نحو النهر: تعرف يا ياسين… بحس ان٦كلامك أحيانًا بيكون أكبر مني. أنا مجرد شخص عادي.
ياسين يمسك يدها بلطف: عادي إيه بس؟ أنتِ الاستثنائي الوحيد في حياتي.
هبة بنظرة عميقة: طب لو قلتلك إن كل مرة أبص فيها للنيل، بحس إن وجودك جنبي هو اللي مخليه أجمل؟
يضحك ياسين بخفة، ثم ينظر إليها نظرة تحمل مزيجًا من الحب والإعجاب.
طب لو كده، خلينا نوعد بعض حاجة. نفضل مع بعض طول العمر، نعيش زي النيل… دايمًا هاديين، بس ماشيين سوا.
هبه: وعد اوعى بس انت تتغير.
ياسين بصوت هادئ: “اتغير؟!! صدقيني يا هبه من ساعه ما دخلتي حياتي وانا حياتي اتغيرت؟ أنا إللي ساعات بخاف إن اللحظات دي تعدي بسرعة. بخاف إن الدنيا تحاول تبعدني عنك.
هبة تنظر إليه مطمئنة: ومين قال إن الدنيا هتقدر؟ إحنا مع بعض متمسكين ببعض مهما حصل، وده اللي مهم. أي حاجة تانية مش فارقة واي حاجه ممكن تهزنا هنقف في وشها بحبنا لبعض.
ياسين بنظرة مليئة بالإعجاب: افهم من كدة أنك عايزة علاقتنا تبقى أقوى من أي حاجة؟ حتى لو الدنيا حاولت تكسرنا؟
هبة تنظر إليه بحب وابتسامة دافئة: بالضبط. خلينا نتفق على حاجة: لو حد فينا زعل من التاني أو عمل موقف مش مقصود، سواء كانت حاجة صغيرة أو كبيرة، نسامح بعض. نفهم بعض الأول، ونفضل ندّي فرصة لبعض.
ياسين يبتسم بتفهم: ده وعد؟
هبة بحماس: وعد. عارف، أنا بعشق علاقة ماسة وسليم، يا نهاري!، نفسي نكون زيهم، ماسة جميلة مهما عمل معها بتديله فرصه لانه بيحاول عشانها، ودي حاجة مش سهلة نفسي نكون زيهم.
ياسين ضاحكًا: بس أنا مش مجنون زي سليم، ما تقلقيش يعني مشكلنا هتاخد شكل تاني بس فعلا لازم نستفيد بطريق تمسكهم ببعض.
هبة ممازحة: بظبط، بس أوعى تمد إيدك في لحظة غضب. ما فيش حاجة تبرر كده
ياسين يمسك يدها بلطف: وإنتِ شايفة إني ممكن أعمل كده؟ أنا اهدى واحد في إخواتي أصلاًا ماتقلقيش
هبة تضحك: عموماً، أنا بحبك كده. وإحنا كمان هيبقى عندنا علاقة أقوى وأجمل منهم، إن شاء الله.
ياسين يبتسم بحب: أنا موافق جدًا. بس الفرق بيننا وبين أي حد إننا مش هنتغير عشان بعض، إحنا هنبقى أحسن مع بعض.
💕__________________بقلمي_ليلةعادل。◕‿◕。
قصر الراوي
_ الهول الخامسة مساءً
نشاهد فايزة تجلس على الأريكة مع سيدة تبدو في الخمسينات من عمرها. تدعى سهير، ترتدي عباءة وطرحة سوداء، وتبدو من الأرياف من طريقة حديثها، كانت تجلس على الأرض بالقرب من قدم فايزة التي كانت تحتسي القهوة.
فايزة بتنبيه: المهم يا سهير، عرفتي هتعملي إيه؟ ولا أعيد تاني؟
سهير بنفاق: طبعاً يا ست هانم، فهمت. إحنا في خدمتك في أي وقت، دلوقتي حالاً هروح لسعدية وأعمل كل اللي قولتيلي عليه.
نظرت فايزة إليها وأخذت من على الطاولة ظرفاً مدّت يدها وأعطته لها.
فايزة: الفلوس دي عشان تجيبي لولادك حاجة وإنتي مروحة.
سهير وهي تأخذها منها بطمع: والله مالهاش لزوم يا ست هانم، خيرك مغرقنا.
فايزة: معلش، خليهم معاكي.
سهير: كتر خيرك يا ستي… قبلتها من يدها ونهضت. “آني هروح بقى عشان ما أتأخرش عليها.
توجهت سهير للخارج، وفور خروجها اقتربت صافيناز وتوقفت أمام فايزة.
صافيناز: ها، كله تمام؟
نهضت فايزة بعدم رضا وتحدثت (بإرستقراطية بخنافة من طرف أنفها، قالت بغيظ وغرور): أنا فايزة رستم أغا، حفيدة آل عثمان، أقعد وأتكلم واتساير مع واحدة زي دي؟ وأتفق معاها؟! إيه… هي الآية اتقلبت؟! إنتي السبب، خلتيني أقعد مع الصعاليك والرعاع دول.
صافيناز بعقلانية: يا مامي، هدي نفسك، مش غلط إننا نتنازل شوية عشان نوصل للمراد.
نظرت لها فايزة بتعجب ممزوج بضجر: نتنازل لدرجة إننا نقعد ونتفق مع الخدامين يا صافي؟
صافيناز بغل: والبوابين والسفراجية وأي حد ممكن يساعد في نجاح الخطة. أنا كان ممكن أقعد معاها بس كده أفضل. إنتي إللي كان لازم تقعدي معاها. خليكي معايا، وصدقيني كم شهر ونخلص من الفيلم الهندي الممل ده.
فايزة: إنتي للدرجة دي واثقة إن الخطة الساذجة دي هتنفع؟
صافيناز بثقة: طبعاً هتنفع، والدتها أكيد هتقعد تلعب في دماغها عشان خاطر يكتبلها أي حاجة، حاجة غير الفيلا والبيت اللي جابه في البلد، عشان تأمن مستقبلهم، وأكيد هي هتوافق! مامي، إنتي عايزة تفهميني إنها بتموت في غرام سليم! ومش عايزة منه أي حاجة؟ ولو نفترض بتحبه، طبيعي إنها تأمن نفسها ومستقبلها. وإنتي عارفة سليم وحفظاه كويس، إنه عند نقطة الفلوس دي بتجنن. هو يديكي من نفسه، لكن تطلبي منه!! تبقى ما بتحبهوش. وإحنا هنوصله إنها بتحب فلوسه، وساعتها هيرميها.
فايزة: أنا خليني ماشية وراكي، وماشية ورا خطتك لحد ما أشوفك هتودينا لفين.
صافيناز بثقة: هوصلك للحلم الكبير إن ماسة وسليم حيسيبوا بعض (بغل ووعيد). ومكونش صافيناز عزت الراوي لو مكنتش طلقتهم من بعض ورجعت الخدامة دي لمكانها الطبيعي.
_ فيلا عائلة ماسة الثانية مساءً
نشاهد سهير تدخل، وهي تنظر من حولها بانبهار، وكانت سعدية بجانبها.
سهير أثناء تحركها وهي تنظر من حولها بانبهار: أش أش! إيه كل الجمال ده؟ إنتوا كنتم بجرة وطلعتوا لبرة.
سعدية بتهكم: جرى إيه يا ولية؟ إنتي جاية تحسدينا في بيتنا ولا إيه؟
سهير: لا يا ختي، آني أقدر أحسدكم؟ ده إنتي حبيبتي. عاملة إيه يا سعدية؟ وأخبارك إيه؟
أخذت تقبلها من خدها وهي تقول: وحشاني يا غالية. وأخذت تقبلها أكثر من مرة على خدها.
سعدية بترحيب: وإنتي كمان والله يا سهير. ادخلي يا ختي، اتفضلي البيت فج نوره. مش كنتي تقولي من بدري.
سهير: والله جت على غفلة. بعتاب، كل ده ما تجيش تشوفي أهلك وأصحابك؟ ولا كأننا كنا عشرة خالص. الفلوس غيرتك.
سعدية بتوضيح: طب خشي بس اقعدي، خلينا نتكلم وأفهمك.
وصلتا إلى الريسبشن وجلستا على مقاعد الانتريه.
سعدية بتفسير: والله يا ختي، الموضوع مش كده خالص. بس البت من وقت ما رجعت، وهي هنا معظم الوقت… ومش باعرف أجي البلد، خصوصًا ماليش بيت هناك. يعني هأقعد عند فاتن أختي ولا هاله، وانتي عارفه بيتهم صغير، محبش أضايقهم ولما جيت من كم أسبوع، إنتي كنتي مسافرة.
سهير وهي تضرب على صدرها: سليم بيغضبها؟
سعدية: بعد الشر يا ختي، ما تقوليهاش كده. هو فيه زي سليم؟ الله أكبر عليه ما شاء الله، عمره ما زعلها. هو بس مشغول بشغله، بيرجع متأخر، فهي بتيجي تقعد معانا، وهو ياخدها وهو راجع. قوليلي، عاملة إيه؟ وإيه إللي جابك؟
سهير: زي ما إحنا، عقبالنا كده لما نبقى في الأملة دي. كنت جاية أجيب فطير وعسل وجبنة للست فايزة. قلت أما أعدي أطمن على أختي. إنتي عارفة يا سعدية آني بحبك قد إيه. بقولك إيه؟ وهي تنظر من حولها بفضول. سليم بيه ما كتبش حاجة للبت؟
سعدية وهي تتفاخر عليها: آه، الفيلا إللي قاعدين فيها. هو الشهادة لله، هو مش حرمها من حاجة، وإللي بتعوزه بيجيبه ومن غير ما تطلب كمان. دهب ولبس وسفر. حتى إحنا شايفه الفيلا دي، كاتبها بإسم مجاهد جوزي، وقال لي دوري على فيلا واشتريها في البلد عشان يكون ليكم دار خصوصي. بس أنا قولت هجيب بيت أحسن عشان العيال. وجبت واحد على الشارع، إنما إيه؟ حاجة فوق. دفعنا المقدم ولسه الباقي، وبرضه هايكتبه بإسم مجاهد.
سهير وهي تقلب شفتيها بتعجب: بس!!! يعني سليم بيه بجلالة قدره طول السنتين ما جابلكوش غير الفيلا دي والبيت إللي لسه هتشتريه بس؟ أوعي تكوني بتضحكي عليا عشان تخزي العين.
سعدية بنفي: والله ما كتب للبت حاجة ولا جاب حاجة. أكذب عليكي ليه؟
سهير بتهكم وهي تضرب على صدرها: يا خيبتك يا سعدية يا خبيتك! وآني كنت فاكراكي هتخلي الواد زي الخاتم في صباعكم! ولا تخليه يكتبلها حاجة؟ دول عندهم إشي وشويات، على الأقل يحط لها كم مليون بإسمها في البنك، ومحل من محلات الذهب بتاعتهم عشان تضمني مستقبل البت.
سعدية باستغراب: وإحنا هنستفيد إيه لما يكتبلها محل دهب؟ إحنا مش بنفهم بالحاجات دي. بعدين كفاية إللي جابه، إحنا مش طمعانين فيه، كفاية إنه سترنا ونجدنا من الشقى والخدمة ده جبلي خدامين كمان شغله ولاد اخواتي ولاد اخو مجاهد كمان ربنا يبارك له يا رب.
سهير باستهجان: هتستفيدوا كتير يا هبلة، هو إنتي تايهة عن الرجالة إللي من عينة سليم! دول يا حبيبتي مش بيفضلوا متجوزين كتير! دول بيزهقوا بسرعة ولو زهق بيطلق، ووقتها هتخرجي من المولد بلا حمص! وهترجعوا تاني تخدموا! أمال هتصرفوا منين؟ الفلوس إللي بيبعتها أكيد هيمنعها ساعتها، هتجيبوا منين عشان تفضلوا في العز ده؟
بشيطانية أخذت توسوس لها كما أمرتها ستها فايزة:
لازم تضمنوا حاجة غير الفيلا والبيت، لازم يعمل مشروع لمجاهد ويحطلكم في البنك فلوس كتير ويكتب للبت محل، مش هقولك شركة ولا أسهم في شركاتهم إللي مالية البلد، تؤ محل… كمان عايزاكي تضحكي عليه الحاجة إللي بعشرة قولي عشرين، وخلي البت كل شوية تطلب دهب ويبقى تقيل وغالي، وشليه هنا ولا عند فاتن. آه، أوعي تخلي الدهب هناك لحسن يخدوه… أمني مستقل بتك مش عيب ولا حرام والله، طلق إحنا بأمان مطلقش يبقى برده الحاجة مش عند حد غريب دي لمراته وأهلها.
نظرت سعدية لها بطمع، يبدو إن حديثها أعجبها وهي تضع يدها أسفل ذقنها وتحركها بإيجاب: حقة! حتى الراجل مبيشتغلش، وسليم إللي بيبعت لنا كل شهر مبلغ كده عشان نمشي بيه… تصدقي راحت من على بالي خالص يا سهير والله، نورتيني… أنا لازم أكلم البت وأخليها تقوله يكتبلها حاجة ويديها شوية فلوس، وكل الصيغة بتاعتها هاخليها عندي لحسن يطلقها وياخد منها كل حاجة… أنا كنت حاطة أملي إنها تحمل ووقتها هنلزق فيهم للأبد، مش هيقدروا يرجعونا مطرح ما كنا. بس البت نزلت العيل والدكتور قال مش هينفع تخلف لمدة ثلاث سنين، الحمل خطر عليها.
سهير بفحيح أفعى: خلاص يا ختي إنتي روحي زوري البت، هو بيحبها ويموت فيها زي ما بتقوليلي، هيكتبلها نور عينيه ومش هيعز عليها أي حاجة.
سعدية: عندك حق يا سهير، الناس إللي زي سليم دول مش مضمونين يا ختي، وأنا قولت لماسة بس هي غبية ما بتسمعش كلامي. خلاص من بكرة هروح واتكلم معاها
🌹_____❤️بقلمي ليلةعادل ❤️_____🌹
قصر الراوي
غرفة ماسة وسليم – الرابعة مساءً
نشاهد سعدية تجلس مع ماسة في الغرفة وتتكلمان.
سعدية: بت هما لسه برضو قارشين ملحتك؟
ماسة: فايزة بس، وأنا خلاص اتعودت وبطلت أركز.
سعدية: أحسن. وسليم عامل معاكي إيه؟ كويس كده؟ ولا بدأ يتغير ويتأخر ويتكلم بالساعات في التليفون؟ بتشمّي ريحة حريمي في هدومه؟
ماسة باستغراب وعقد حاجبيها: برفان حريمي تؤ!! وسليم زي ما هو. بالعكس، ده أنا بحسّه كل يوم بيبقى أحسن.
سعدية بتوعية: الله أكبر عليه. بس عايزكي برضو تفتحي عينك، الرجالة كلها عينهم زايغة. عايزاكي تجنّنيه، تخلي عينه شبعانة على طول. ألبسي وغيري شكل شعرك وتحطي مكياج، وكل يوم قميص نوم شكل، وادلعي عليه. وقولي حاضر ونعم. فاهمة؟ لحسن يزهق ويطفش منك.
ماسة بطاعة: حاضر يا ماما.
على الاتجاه الآخر.
خرج سليم من المكتب مع عزت ورشدي وهما يتحدثان.
رشدي: تمام كده، عايزين مني حاجة تانية ولا أخلع؟
سليم باستخفاف: إنت مش شاطر في حاجة غير في الخلعان… أخلع.
رشدي بغرور: ما تنساش إني كنت السبب في إنك تجيب مناخير أيوب الصياد الأرض.
سليم: إنت قديم أوي. حاجة واحدة عملتها قدام كل حاجة أنا عملتها.
رشدي: قديمة جديدة، بس من غيري ما كنتش تمت.
عزت بسخرية: أهي هي دي الحاجة الوحيدة اللي إنت شاطر فيها، عشان كده رشحناك. لأن أي حاجة فيها ستات، رشدي.
رشدي يتوقف: عشان تعرفوا برضو، أنا ليا أهمية. باي باي.
سليم: مستفز… باشا. عايز حاجة تانية؟
عزت: لا.
سليم: تمام.
نهض سليم وتوجه للخارج، وخلفه عزت. وأثناء خروجه، تقابل مع فايزة وصافيناز، اللتين كانتا جالستين في الهول.
فايزة: سليم، ماسة كانت بتنادي عليك من شوية. عايزاك تسلم على والدتها.
سليم: هي طنط سعدية وصلت؟
صافيناز: آه، من حوالي نص ساعة.
سليم: طب أنا طالع.
توجه سليم إلى الدرج وصعده.
فايزة: تفتكري هيسمعهم دلوقتي ولا إيه؟
صافيناز وهي ترفع عينيها لأعلى، تشاهد إحدى الخادمات ترفع إصبعها بشكل موافق: أنا خليت كوثر تتصنت عليهم. فشكلهم لسه متكلموش. ماتقلقيش، أنا مرتبة كل حاجة. لو ما سمعش دلوقتي، هسمع تاني.
نظر عزت لهما بعدم فهم.
عزت: بتتكلموا في إيه؟
فايزة: أنا هفهمك.
*********************
_ جناح ماسة وسليم
سعدية: طب استني يا بت عايزة أقولك كلمتين قبل ماجوزك يطلع.
ماسة بتوتر: خير يا ماما في إيه.
سعدية بمكر: أنا عايزاكي يا بت تخلي سليم يكتبلك حاجة بإسمك.
ماسة بإستغراب: يكتبلي حاجة ! مش فاهمة تقصدي ايه؟
سعدية: آه يكتب بإسمك أي حاجة عندهم أملاك كتير .. يديكي شوية فلوس ١٠ مليون جنيه بإسمك في البنك، يفتح لأبوكي محل صغير بإسمه يبيع فيه شوية حاجات، ويأمن مستقبلك ومستقبلنا.
ماسة بتعجب: إيه إللي إنتي بتقوليه ده يا ماما.
سعدية بتهكم: بقول إيه يا نن عين أمك,
بقولك الحقيقة سبق وقولتلك إللي زي سليم دول بيزهقوا بسرعة، وهيرميكي مش هيديكي حاجة هيقولك كفاية إللي اخدتيه، دول عالم جبابرة
مايعرفوش ربنا .. تايهة عنهم ولا إيه؟ ماإحنا كنا عايشين وسطهم، وإنتي عارفة منصور كان عامل إزاي .. !!! وبعدين هو إحنا قولنا شركة ؟ إحنا عايزين شوية فلوس بإسمك ومحل بقالة أبوكي يشتغل فيه بدل ما هو قاعد لا شغلة ولا مشغلة..
دول ولا حاجة بالنسبة ليه، خاتمك ده يعمل بدل المحل عشرة..إفرضي طلقك هنعمل إيه ساعتها؟ أكيد هيرمينا من الفيلا وهيحرمنا من الفلوس بتاعت كل أول شهر..وهنبقى وقعتنا سودا ومنيلة في 60 نيلة هانشحت.، لكن الفلوس لما تبقى في إيدينا هنقدر نأمن مستقبلنا.
ماسة برفض قاطع: ماما إيه اللي إنتي بتقوليه ده؟ أنا مستحيل أطلب منه جنيه، هو أصلاً مش حرمني من حاجة، وإحنا مش محتاجين حاجة، وبعدين هو مش هيطلقني عشان هو بيحبني…هو إدانا كتير، الفيلا إللي قاعدين فيها والبيت إللي هيشتريهولك!! وشغل كل اهلي..
أنا فاكرة كمان إنه إدي لبابا فلوس وقت ماتجوزنا، عايزين منه إيه تاني ؟ خلاص كفاية كدة.
سعدية: ولما يطلقك ويطردك إزاي الحال وقتها؟
توقفت ماسة برفض وثقة: مش هيطلقني ولو طلقني أنا مش عايزة منه فلوس، أنا ماتجوزتهوش عشان خاطر الفلوس، أو عشان يفتح لبابا محل، أنا اتجوزته عشان بحبه، عارفة يعني إيه بحبه؟! أنا مستحيل أعمل كدة، مستحيل يا ماما مستحيل، مش هسمع كلامك المرة دي.. عارفة يا ماما، وسليم هو اللي محتاج مني فلوس ومقدميش غير إني أبيع شعري هبيعه، وأبيع حتى هدومي، أبيع أي حاجة عشان أنا بحبه جدا وعايزاه هو مش عايزة كل اللي بتقولي عليه..
توقفت سعدية وهى تقلب شفتيها يمين ويسار. بإستهزاء: ياختي ..ياأختي ،حبيه ياحبيبتي، بكرة يرميكي رمية الكلاب وترجعي تاني تخدمي في البيوت ولما الهانم الحلوة المطلقة ترجع تخدم في البيوت مش حأقولك بقى بيحصل لها إيه؟ هو إنتي مسألتيش نفسك سليم حبك ليه؟
ماسة: مش عايزة أفكر المهم إنه بيحبني.
سعدية بحيث اقتربت منها ومسكتها من كتفها: مش عايزة تفكري ولا خايفة تفكري متلاقيش إجابة.
صمتت لوهله نظرت لها ماسة بعينيها بخوف ان يتركها سليم لكن سرعان ما استجمعت قوتها وقالت
بقوة: ماما إنتي عايزة إيه؟ قلتلك مش عايزة حاجة منه، أنا بحبه، هو كمان بيحبني هو انا باثق فيه، وبعدين فلوس إيه إللي إنتوا بتتكلموا فيها دي أصلاً… بعدين فين كلامك لما قولتيلي عينك دايماً شبعانة وماتطلبيش منه حاجة هو يجيبها …
وإن كان على بابا، ممكن أقوله يشوفله شغل أكتر من كدة ما أقدرش.
سعديةبغضب: كاتك داهية في شكلك والله العظيم عبيطة وغبية أناعارفة ما اتجوزش سلوى ليه؟! ناصحة كدة، مش،هبلة وعبيطة ومش عارفة حاجة في أي حاجة.. نفسى أعرف بيحب فيكي إيه؟؛ وإنتى هبله كدة ..هو أكيد متمسك بيكي عشان خاطر حلاوتك بس، الحلاوة على الحيطة ياحبيبتي، لما الرجالة بتشبع من الحلاوة بتدور على حلاوة تانية …
وبكرة تشوفي لما سليم يخونك ويرميكي ساعتها هتندمي لما ميبقاش معاكي مليم، وأوعي تنسي إنك ماخلفتيش وحطي كلامي ده حلقة في ودانك مافيش حاجة رابطاكي بيه.
ماسة: مش مهم اللي بيني وبينه اكبر من مجرد طفل يربطني بيه.
سعدية: طب هاتي صيغتك أشيلها عندي.
ماسة بخوف هزت راسها بىفض عدتت مرات: ماما والله العظيم إللي إنتي بتعمليه ده هو إللي هيخلي سليم يطلقني حرام عليكي هتخليه يفتكر إني طمعانة فيه.
سعدية بزن: لو بيحبك فعلا كان أمنلك مستقبلك حتى عشان لو مات يبقى ليكي ورث، حاجة تعيشي بيها لإن أهله دول،هيكلوكي ،مستحيل يدوكي مليم.
ماسة بضيق واختناق: بعد الشر عليه ياماما، كفاية بقى حرام عليكي.
كل هذا، وسليم يقف يسترق السمع بسعادة، ينصت إلى محبوبته ماسة. فقد كان يعلم جيدًا أن ماسة لا تحتاج منه شيئًا، بل تريده هو فقط! ومع ذلك، فإن حديثها ورفضها له بتلك الطريقة أسعده أكثر، وزادت محبتها في قلبه.
فتح الباب مرة واحدة لينهي ذلك الحديث السخف، شهقت سعدية بخوف أن يكون سمعها لكن أتقن سليم التمثيل بإنه لم يسمع.. اقترب منها.
سليم تبسم: طنط عامله إيه؟
سعدية بتوتر: الحمد لله وإنت عامل إيه يا سليم كويس؟
سليم: الحمد لله.
أقترب سليم من ماسة بحب جذبها عليه وقام بضمها بشدة.
ماسة بإستغراب: ده إيه الحب ده؟
سليم وهو يقرصها من خدها بحب: بالظبط هو حب أصلك وحشتيني أوي… وضع قبلة على خدها.
رفع عينه تجاه سعدية وهو يقول: طنط.
سعدية: أيوة يا سليم.
سليم بتأكيد: المحامي كلمني وكمان يومين هيسجل عقد البيت وهيكون بإسم ماسة.
سعدية: إللي تشوفه.
سليم: بالظبط إللي أشوفه يلا خلينا ننزل نقعد تحت.
تركهم وتقدم بعض الخطوات.
اسرعت سعدية من خطواتها وأمسكت ماسة من كتفها بتوتر: بت هو سمعنا ولا إيه؟!
ماسة: ما اعتقدش.
سعدية: أمال ماله.
ماسة: عادي متقلقيش.
سعدية: طيب مش هتكلميه.
ماسه بحسم: لا.
سبقتها ماسة إلى الدرج
نظرت لها سعدية قائلة بصوت داخلي بضجر غبية.
فور هبوطهم للأسفل.
عدلت سعدية من طرحتها وهي تقول: طب أنا هامشي.
ألتفت لها سليم: ليه متخليكي قاعدة ماقعدتش معاكم.
سعدية: معلش مرة تانية أصلي معملتلهمش أكل… السلام عليكم، سلام.
ماسة وسليم: وعليكم السلام.
توجهت سعدية إلى الباب وخرجت للخارج نظر سليم لماسة وهو يقول
سليم: إيه رأيك نخرج بعد العشاء
ماسة: مش هينفع عندى واجب كتير وحفظ أصلاً عايزاك تسمعلي.
سليم: خلاص ماشي.
نظرت له ماسة حاولت أن تتأكد هل سمعهم أم لا
ماسة بفضول: إنت ليه خليت البيت بإسمي
سليم: كدة أفضل.
ماسة بتوتر: في حاجة.
سليم وهو يقرصها من خدها بمداعبة: لا.
قبلها في عينيها تعالى نقعد بالجنينة ، أحاط خصرها بذراعيه وتحركا نحو الحديقة
_مكتب عزت
نشاهد عزت جالسًا خلف مكتبه، وصافيناز وفايزة تجلسان على المقاعد الأمامية للمكتب، وكانت فايزة تتحدث في الهاتف وهي تفتح الميكروفون.
فايزة بتعجب: متأكدة يا سهير؟ يعني سعدية قالتلك كده إن ماسة رفضت تسمع كلامها؟
أتاها صوت سهير من الاتجاه الآخر:
سهير: آه والله يا ست هانم، أمها هتتجنن منها ودعت عليها، والله يا ست هانم لو كنت أعرف أسجلك كنت سجلتلك المكالمة. بس أمها مش طايقاها، وكانت عايزة تضربها لولا سليم بيه دخل عليهم الأوضة.
فايزة بضيق: طب يا سهير، أقفلي.
أغلقت الهاتف وهي تقول: بردو انتصرت علينا وتحسبتلها زفرت بضيق.
توقف عزت بضجر: وصلت بيكي إنك تتفقي مع الخدامين على مرات ابنك؟ للدرجة دي جواز سليم جننك؟ خلاكي تتصرفي التصرفات الطايشة دي؟! ويخليكي تتنازلي وتقعدي مع خدامة؟ وتتناقشي مع خدامة زي مرات ابنك! اللي مش قبلها، ده إنتي بتتكبري تتكلمي مع ماسة اللي بقيت على اسمنا، فتتكلمي مع دي سبحان الله …
وطبعًا الفكرة دي يستحيل تكون فكرتك. أنا حافظك كويس…
وجهه نظرات عينه إلى صافيناز: طبعًا دي فكرة الأستاذة. ماهي ماورهاش أي حاجة غير إنها تفكر إزاي تخلي سليم يطلق ماسة بدل ما تفكر إزاي تبقى ذراعه اليمين وتتعلم منه، وتمسك لها شركة من الشركات أو تعمل لها مشروع باسمها… لا تقعد تفكر وترتب إزاي تطلق ماسة من سليم!
تصدقوا ماسة دي طلعت بنت شاطرة وذكية جدًا، قاعدة في حالها وحاطة حدود لنفسها وعايشة حياتها مع جوزها بسعادة، ولا بتفكر فيكوا ولا أنتم شاغلينها بالعكس هي إللي شغلاكم…
ماسة الخدامة الجاهلة إللي ما كملتش ١٧ سنة خلت فايزة وصافيناز يلجأوا لخدامة عشان يخلوها تتطلق…
أنا أنا أنا لحد اللحظة دي بحاول أصدق إللي عملتوه.
ضرب على المكتب بكفيه بقوة وقال بنبرة حادة رجولية:
اسمعوا بقى إنتوا الإتنين الفرمان الجديد
ماسة من اللحظة دي اسمها ماسة الراوي مرات سليم الراوي وهتبقى كنه القصر… أنا تقبلتها زوجة لابني إللي هيورث العرش والملكة الجديدة، ومش مصلحه يا فايزة المره دي حقيقة…
أنا إللي خلاني أمشي معاكم للآخر؟ إنكم قلتوا إنها طماعة واتجوزت سليم عشان الفلوس وهتفضل تزن على دماغه لحد ما يكتب لها جزء من الأسهم… بس هي ولا طلبت ولا عاوزة حاجة، ولا حتى تعرف عنوان المجموعة..
كادت فايزة أن تنطق، لكن عزت أسكتها بحسم:
خلاص، أنا مش عايز أسمع صوت ولا عايز أسمع ولا كلمة ولا عايز أي مؤامرة تاني… لو سمعت أو حسيت إنكم أنتم الإثنين أو حد تاني فكر يعمل المسرحيات الرخيصة دي تاني، أنا همشيه من القصر وهخليه يتنازل عن كل حاجة. ولو وصلت للطلاق يا فايزة هعملها، لأني تعبت وزهقت… أنتِ خليتيني الغلط زمان ومشيت سليم من المجموعة وخليته يتنازل عن كل حاجة، وإللي كسبته إنهيار كامل للمجموعة لإن اعتمدت على شوية فشلة… وتاني مرة لما وافقت إنكم تقتلوا حفيدي… وثالث مرة لما سبتكم تجربوا وتحاولوا تشوفوها طماعة ولا لأ…
وبصراحة المحاولة دي اتحسبت للبنت وأثبتت إنها عايزة سليم وبس لأنها بتحبه…
ولعلمكم بقى، أنتم الإثنين حتى سعدية شكلها مش طماع، بس أنتم إللي حطيتوا الموضوع في دماغها…
لأنها لو كانت طماعة كانت عملت الخطوة دي من زمان… الناس دول كل إللي فارق معاهم إن بنتهم اتجوزت جوازة حلوة من راجل محترم ومثقف متعلم وشكله حلو ومعاه فلوس يقدر يعيشها عيشة كويسة زي ما كل أفراد الطبقة دي بيفكروا، مش بيفكروا زينا في اسم العيلة وعنده كام!
طريقتهم في التفكير انهم يحافظوا على كل ده بالاطفال، يعني هي هدفها تخلي ماسة تجيب طفل عشان تربط سليم بيها للأبد، عشان تفضل محافظة على الجوازة دي وعلى الحياه الحلوة دي، هي فكرة ساذجة بس هي دي طريقتها في تفكير، هو مش طمع هو ذكاء..
وهو ده آخر حاجة عينيها ممكن تشوفها أو عقلها يفكر فيها، بس أنتم فتحته عين سعدية على حاجه هي ما كانتش بتفكر فيها، بس ماسة كالعادة هتد لكم أملكم ورفضت تنساق ورا العبكم القذرة ..
ركز النظر في ملامح وجههم قال متعجباً:
هو أنتم مش حاسين إنها من ساعة ما حطت رجليها هنا وأنتم عمالين تحفرولها، وكل حفرة أنتم اللي بتقعوا فيها، مش قادرين تفهموا أن صعب تفراقهم؟ وأن المرة الجاية الحفرة دي أنتم اللي هتقعوا فيها فـارجوا أنكم ما تخلونيش أنا اللي أدفنكم فيها بايدي..
بتهديد وجه نظراته نحو صافيناز: صافي لازم تعرفي إن إنتِ مش هتكوني عندي أغلى من سليم. أنا بكلمة واحدة مشيت سليم من هنا، صدقيني مش هافكر مرتين وأنا باخد قرار إني أطلعك بره القصر إنتِ وجوزك، ومش هاندم للحظة مش بس كده هسحب منك كل حاجه وابقي خلي البيه جوزك يوريني هيعمل ايه؟!
عاد النظر الى فايزة قائلا بتهديد صريح:
أما إنتِ يا فايزة، لو استمريتي على إللي إنتِ بتعمليه ومشيك ورا ولادك، هتخسري كتير أوي، تسميها بقى مصلحه! تسميها خوف من سليم تسميها أن ضميري صحي! ما يهمنيش التسميه؟! انا كل يهمني انا عايز اعيش بسلام ومخصرش تاني جنيه واحد من المجموعة…
وتاني اي لعب هيحصل من اي حد فيكم، هخلي رجالتي ترميه بره القصر، و هسحب اسم الراوي من اسمه وهدمره، فاهمين يعني ايه هدمره، أتمني أن كلامي يكون أتفهم.
رمقهم من أعلى لأسفل وأتحرك للخارج.
وفور خروجه…
فايزة بغل: عزت اتجنن.
صافيناز بتوتر وخوف وهي تمسك معصمها: مامي بجد ممكن يمشيني من القصر ويحرمني من الميراث؟
فايزة بتوتر: أنا عارفة عزت لما بيوصل للعصبية دي ما بيهزرش. هو زي سليم، سليم وارث الموضوع ده منه، أنا عارفة… صافيناز، بقولك إيه؟ إحنا عايزين نوقف كل حاجة خلاص… جربنا كل حاجة وكل مرة بتكسبنا…إحنا مش هنعمل حاجة تاني، إحنا إللي عايزين نعرفه عرفناه، بالنسبة لي ده الأهم. وكمان مش كاتبلها أي حاجة باسمها غير الفيلا… المهم إن إحنا مانخسرش عزت ولا سليم.
صافيناز بغل: يعني خلاص هنستسلم ونرضى بماسة تكون مرات أخويا؟ خلاص انتصرت علينا؟
فايزة بتحذير: هنعمل إيه؟ هتقدري تقفي في وش عزت؟ ها…
صافيناز بخوف هزت راسها بلا: بس مش قادرة اقبل ان ماسة فازت علينا.
فايزة نظرت لها داخل عينيها وهي تشير باصابع يديها بتحذير حاسم: صافي وأوعي تتدخلي ولا تعملي حركة كده ولا كده. أنا مش هدافع عنك، الطوفان هيبدأ وساعتها أنا ما ليش دعوة بيكي… أنا ماعنديش استعداد أتنازل عن كل إللي أنا فيه
قصر الراوي
الليفينج روم السابعة مساءً
نشاهد ماسة تجلس على أريكة تشاهد أحد الأفلام…
بعد قليل دخل عليها ياسين يحمل أكواب من العصير
ياسين: اتفضلي يا ستي العصير بقول لك ايه هتتفرجي على الفيلم بتاعك وهتجيبي لي الماتش.
ماسة ضحكت: حاضر يا سيدي أول ما الماتش يجي قولي وأنا هخلع وميرسي على الرشوة.
ياسين: إنتي عاملة ايه؟ أخبار الدراسة ايه؟ سنة كام بقيتي دلوقتي.
ماسة: داخلة أولى اعدادي وتانية اعدادي مع بعض.
ياسين بتشجيع: برافو
أثناء حديثهما اقترب سليم توقف لحظة عند الباب. كان يحاول استيعاب الموقف. نظر لماسة قليلاً، ثم قال بهدوء.
سليم: مساء الخير.
ماسة بابتسامة هادئة: مساء النور.
ياسين: سليم تعال ماسة عاملة مهلبية بالفراولة جامدة.. بجد تسلم ايدك.
ماسة: ألف هنا.
رن هاتف ياسين توجه للخارج اقترب سليم من ماسة
أخبارك ايه؟
ماسة: تمام.. نظرت بخبث تريد معرفة مدى تأثره بجلوسها مع ياسين.. قالت: إنت كويس؟!
سليم تبسم: اممم تمام يا عشقي.. هطلع أغير هدومي وأنزلكم.
وضع قبلة على جبينها وخرج
دخل ياسين مرة أخرى الغرفة.. وأثناء صعود سليم الدرج استمع لصوت ضحكة ماسة وياسين.
توقف للحظك لكنه تنهد وأكمل صعوده ولم يعلق فقد نجح سليم بتجاوز الموقف..
بعد مرور بعض الوقت، انضم سليم إليهم وجلس ليشاهد المباراة. كانت الأجواء بينهما لطيفة، ولم ينزعج أو يغير من حديث ماسة مع ياسين أو مزاحها معه، بل بدا هادئًا على غير عادته.
في خلال فترة
ساد الهدوء في تلك الفترة حاملا نوع من الترقب والانتظار خصوصًا بعد القرار الحاسم الذي اتخذه عزت. هذا القرار خلق حالة من الحذر بين الجميع، وبدت الأمور كما لو كانت في حالة جمود.
أما ماسة، فكانت علاقتها بهبة و صديقاتها تزداد وتحديدًا مع ريتال التي أصبحت ترافقها كثيرًا في جلسات حفظ القرآن ومعهن سلوى، كانت تلك الجلسات تعتبر فرصة ليس فقط لتعميق الإيمان ولكن لتعزيز الروابط بين الجميع
من ناحية أخرى، تغير سليم بشكل ملحوظ، فقد أصبح أكثر هدوءً بعد جلساته مع دكتور مروان، مما ترك أثرًا إيجابيًا على علاقته بماسة.
أما مكي، فقد أظهر تغييرات في سلوكه، فقد توقف عن مراقبة سلوى كما كان يفعل في السابق. أصبح أكثر صبرًا وقوة، كان يتابع أخبارها من بعيد دون أن يتعرض لها بشكل مباشر.
في حين كانت سلوى سريعة التكيف مع الوضع، وظلت تتحرك بثقة، وكأنها لم تتأثر كثيرًا بالتغيرات من حولها.
ومع دخول النصف الأخير من شهر شعبان، قررت عائلة ماسة جميعاً،الذهاب إلى مكة لأداء مناسك العمرة. كانت هذه الرحلة فرصة لهم جميعًا للتقرب إلى الله، واستشعار الروحانية في أجواء مكة المكرمة،خصوصًا في الأيام الأخيرة من شهر شعبان.
أما هبة وياسين كانت علاقتهم في منتهى الجمال لكن فايزة كانت منزعجة من هبة بسبب علاقتها بماسة.
♥️____________ بقلمي_ليلةعادل.
قصر الراوي
حديقة القصر الخلفية السابعة مساءً
نشاهد ماسة وسليم وبعض الحراس وهم يعلقون الزينة الرمضانية في الحديقة، بما في ذلك الفانوس الكبير ..كانت. تجلس بعض أفراد العائلة في جانب الحديقة، ومنهم صافيناز، منى، عزت، وفايزة.
فايزة تعلّق: أول مرة أشوفك مهتم بالحاجات دي.
سليم: لأني أول مرة أجربها ألسنة إللي فاتت، لما عشت رمضان اللي فات مع ماسة، وحبيتها جداً، فحبيت أعيش الأجواء هنا كمان وعلى طول عندك مانع؟
عزت: على فكرة، الحاجات اللي إنت عاملها دي جميلة جدًا. بس يا ريت تكملوا رمضان معانا وما تقعدوش لوحدكم في فيلتكم.
ماسة: أنا اتفقت مع سليم نقضي رمضان هنا، و عند ماما. رمضان بيحب اللمة.
منى تبتسم بخبث: و يا ترى هتصومي؟
ماسة: آه طبعًا هصوم، أنا بصوم من وأنا عندي تسع سنين. وأنتي بتصومي؟
منى:أحيانًا.
ماسة بنبرة جادة: حرام على فكرة الصيام ده فريضة زي الصلاة.
منى بسخرية: ربنا يهدينا
ماسة ببراءة: إبدأي وصومي بكرة وانوي وادعي ربنا.. وباذن الله هيقدرك.
سألت صافيناز سليم: وانتَ بتصوم يا سليم؟
ردت ماسة بسرعة: آه طبعًا، سليم بيصوم وبيصلي كمان. إيه الغريب في كده؟
صافيناز بتبسّم: ما فيش حاجة غريبة. رمضان كريم عليكم.
سليم :عشقي خلينا نكمل.
ماسة تساءلت: علقت فانوس في البلكونه بتاعتنا
سليم: اممم وهلال كمان.
تبسمت فايزة بسخرية عليهم فتلك الأشياء بالنسبة لها تصرفات غير لائقة لكنها لا تستطيع أن تقول شيء…
********************
على السحور
اجتمع سليم وماسة مع فريدة وياسين وإبراهيم حول سفرة السحور. المائدة كانت عامرة بما لذ وطاب، وأحاديثهم تملؤها الألفة والود.
ياسين وهو يتناول كوبًا من اللبن: وعلى كده، هتفطروا هنا بكرة والا لا؟
ابتسم سليم ونظر إلى ماسة قبل أن يجيب:
لا، هنفطر عند أهل ماسة.
قاطعتهم فريدة بنبرة هادئة: أحسن بردو، واحنا كمان هنفطر عند حماتي. وأنت يا ياسين، روح افطر عند هبة. بابا وماما والباقيين مش هيصوموا.
أومأ ياسين برأسه: فعلًا عزمتني وهروح.
تدخلت ماسة بابتسامة خجولة: والله بفكر إننا نشجعهم يصوموا معانا. والله هنكسب ثوابهم، بس أنا مش هعرف أتكلم هيكون في حساسية. لكن انتم تقدروا تتكلموا معهم أحسن مني.
ضحكت فريدة برفق وقالت ممازحة: ما تحاوليش.
نظرت إليها ماسة بدهشة طفيفة وقالت:
ليه ما أحاولش؟ أنتم أقرب، لكن أنا مش هعرف، فريدة بجد جربي والله انا لو ينفع أتكلم معاهم كنت تكلمت بس انتي طبعاً عارفة مواقف قد ايه حساسة.
فريدة بابتسامة مشجعة: خلاص، أنا هكلم مامي وبابي وطه لكن الباقي صعب.
سليم مشجعا: ولا صعب ولا حاجة اتكلمي معهم ممكن كمان كم يوم نفطر كلنا مع بعض بس أنتي قوليلهم.
ابراهيم: خلاص انا هتكلم معاهم يا جماعة انا ليا كلام مع كل اللي هنا وبيتقبلوا كلامي.
سليم: خلاص تمام.
أكملوا سحورهم يتبادلون الأحاديث في اجواء دافئة
كان أذان الفجر يرتفع في الأفق، معلنًا بداية يوم جديد من رمضان. قام الجميع لأداء الصلاة، وأعينهم مملوءة بنية صيام الشهر كاملًا في أجواء روحانية دافئة.
—
جناح سليم وماسة
عادت ماسة مع سليم إلى جناحهما بعد السحور والصلاة. الأجواء كانت هادئة في الغرفة، وهما يتحضران للنوم.
سليم وهو يستلقي على الفراش: بقولك إيه، بكرة ما تكلمنيش غير بعد الفطار.
ضحكت ماسة بصوت خافت وهي تجيبه: ماشي.
ثم أكملت بابتسامة ناعمة: إيه، هنطلع العمرة في آخر رمضان زي ما اتفقنا؟
سليم بثقة:آه، خلاص. ظبطت التذاكر يوم 15 هنسافر.
ماسة وهي تغمض عينيها بهدوء: إن شاء الله.. تصبح على خير يا كراميل
سليم:وأنتي من أهل الجنة يا جنتي.
وأغلقت الليلة ستائرها على أحلام رمضان وأجوائه المفعمة بالخير والسكينة.
*********************
فيلا عائلة ماسة وقت الإفطار
كان البيت مليئًا بالحياة، والأجواء الرمضانية تغمر المكان بالدفء. جلس الجميع حول طاولة الإفطار، التي ازدحمت بالأطباق الشهية والروائح الطيبة. الأحاديث كانت تتنقل بين الضحكات والمزاح، بينما كان سليم يتأمل هذه الأجواء بنظرة يغلبها الحنين.
قالت سعدية، وهي تنظر إلى سليم بابتسامة أمومية:
والله يا سليم، أنت منورني. أيوه كده، تعالى دايمًا ونورنا.
ابتسم سليم ابتسامة حملت في طياتها امتنانًا وشوقًا لمثل هذه اللحظات، وقال:
إن شاء الله. أنا عارف إني مقصر معاكم جامد، بس غصب عني. الشغل والباشا زي ما أنتم عارفين بيثق فيا ورامي عليا الحمل كله.
مجاهد، وهو ينظر إلى سليم بابتسامة مليئة بالمحبة:ربنا يخليه لك، أنت الخير والبركة.
بس برده ما تقطعش.ابقى تعالى كده ونورنا. أنا عارف إن إحنا مش قد المقام، بس والله إحنا بنحبك.
ابتسم سليم، ثم عدّل من جلسته ونظر إلى مجاهد بجدية واحترام واضحين: مش قد المقام إيه، بلاش الكلام اللي يزعل.إنتم مقامكم عالي جدًا فوق راسي.ما تقولش كده تاني يا عم مجاهد.
توقف للحظة، وكأن الكلمات كانت تُنسج بعناية داخل قلبه قبل أن تخرج.تابع بنبرة صادقة
والله العظيم أنتم بالنسبة لي مش بس أهل ماسة، أنتم حاجة كبيرة جدًا في حياتي. مش هقول بابا وفايزة، لكن مقامكم عندي كبير…كفاية انكم السبب في وجود ماسة اللي نورت حياتي.
نظر إلى سلوى ويوسف وعمار، واضاف بابتسامة دافئة: وسلوى ويوسف وعمار كمان، أنتم بالنسبة لي زي إخواتي بالضبط.
ساد صمت قصير، لكنه كان محمّلاً بمشاعر عميقة. كلمات سليم لمست قلوب الجميع، خاصة مجاهد الذي بدا عليه التأثر، لكنه أخفى ذلك بابتسامة صغيرة.
قالت سعدية، وهي تضع العصير و البلح أمام سليم:
يا حبيبي والله العظيم كلمتك دي أكبر من أي حاجة. ربنا يخليك لينا وينور حياتك زي ما بتنور بيتنا.
مجاهد: والله يا سليم، ربنا يعلم إحنا بنحبك قد إيه.
عمار ابتسم وأضاف بلهجة ملؤها الحماس:
أيوة والله يا سليم، رغم إنك ما بتجيش كتير، يعني غير كل فين وفين، بس أنت عزيز جدًا على قلبنا. كفاية إنك مفرّح ماسة، وإنك السبب في حاجات كتير اتغيرت في حياتنا. وكفاية إنك خلّصتنا من المنصورة.
يوسف ضحك بخفة وقال: آه والله، كفاية منصور.
سليم الذي بدأ عليه الاهتمام بما يُقال، استند إلى الطاولة وقال بنبرة جادة ولكنها لم تخلُ من الدعابة:
واضح إن منصور كان مدمر حياتكم. لو كنت أعرف إنه مزعلكم بالشكل ده، كنت لعبت معاه لعبة الصياد… بس للأسف، بطلت ألعبها وتبت عنها. بس ما تزعلوش، أنا متأكد إن ربنا هيجيب لكم حقكم.
مجاهد رفع عينيه قليلاً، وكأن الذكريات تمر أمامه وقال بهدوء: الله يسامحه. كان إنسان ظالم، وربنا ما بيسيبش الظالم أبداً.
سلوى قطعت الحديث بابتسامة حانية، وقالت:
ما خلاص بقى، انسوا الحاجات الوحشة دي من الماضي. أنا بجد مبسوطة إن سليم بيحضر معانا رمضان السنة دي. رمضان اللي فات كان مالوش طعم من غير ماسة وحياة ربنا.
عمار نظر لماسة بابتسامة مازحة وقال:
الصراحة رغم إنك رخمة وأوقات بتقعدي تتفرجي على حاجات أرخم، بس وحشتيني!
نظرت ماسة إلى سليم وقالت:
عشان تعرفوا قيمتي ههه، أنا مبسوطة قوي إننا بنقضي معاكم رمضان المرة دي. رمضان اللي فات كان حلو، بس معاكم بيبقى أحلى مظبوط يا سليم.
سليم بتأييد: أكيد مظبوط.
ابتسم سليم لها، لكنه لم يستطع إخفاء ما يجول في داخله. كان يشعر بفراغ كبير في حياته الأسرية. منذ سنوات لم يعش مثل هذه اللحظات في بيته. أجواء الدفء العائلي التي لطالما حلم بها يجدها الآن بين عائلة ماسة.
مع أذان المغرب، بدأ الجميع بتناول العصير قبل أن يذهبوا للصلاة. جلس سليم في المسجد بجانب مجاهد، وكانت كلمات الإمام تلامس قلبه. شعر بطمأنينة عميقة، وكأن رمضان أتى ليعيد له بعض مما فقد.
بعد الصلاة، عاد الجميع إلى المائدة، حيث بدأت الأحاديث من جديد. كان سليم يحاول أن يخفي انبهاره بتلك الأجواء، لكنه داخليًا كان يعيش شعورًا مختلطًا من السعادة والحنين.
سلوى بابتسامة مشاغبة: قولي ياسليم رأيك إيه في الملوخية؟ عشان أمي دايمًا تقولي ملوخيتك وحشة وساقطة.
رفع سليم حاجبيه مستغربًا: يعني إيه ساقطة؟
ضحكت سلوى: يعني الملوخية تبقى واقعة تحت.
نظر سليم إليها للحظات وكأنه يحاول فك الشيفرة، ثم تذوق الملوخية وقال: هي عجباني، وحاسس إنها مظبوطة. إيه اللي أنتِ بتتكلمي فيه ده؟ أنا مش فاهم.
سلوى ممازحة: بص مش مهم تفهم المعنى، المهم انها شبه الملوخية اللي أنت بتاكلها على طول، واللي بتحبها من إيد أمي.
ابتسم سليم وأجاب: صراحة، هي حلوة، بس بتاعة طنط سعدية أجمل. أوعي تزعلي مني.
ضحكت سلوى: ماشي، ما حدش يقدر يقول حاجة على ملوخية سعدية.
قالت سعدية وهي تقدم له قطعة من البطة: كل يا حبيبي، والله العظيم أنت منورنا. لما ماسة قالت لي إنك هتيجي تفطر معانا أول يوم، والله فرحت. ما بقيتش عارفة أعمل لك إيه.
نظر إليها سليم بعينين ممتلئتين بالامتنان وقال:
تسلم إيدك يا طنط. الأكل كله رائع.
أكملوا الفطار بتبادل الأحاديث بمرح مع مشاهدة مسلسل بكار ومسلسلات أخرى.. ثم جلسوا في الراسبشن
قالت سعدية وهي تقدم له طبق الكنافة: كل ده بقى وادعيلي.
سليم بمزاح: طنط سعدية، الكولسترول بيدعي عليا.
ضحكت سعدية وربتت على قدمه بلطف:
كولسترول إيه؟ كل كل وأنا أعمل لك كوباية شاي تدوب كل ده.
ضحك سليم مع الجميع، لكنه في داخله شعر بنغزة خفية. لمَ يستطع أن يشعر بهذا الانتماء مع عائلته؟ لماذا دائمًا كانت الحواجز بينهم أكبر من أن تُكسر؟
عمار: سليم ليك في الكورة؟
سليم بابتسامة: مش قوي، بس بألعب باسكت أكتر. و بلعب سكواش كده، لكن بعرف ألعب كورة بس مش هوايتي.
قال يوسف بحماس: خلاص، تلعب معانا. عندنا ماتش بعد التراويح.
وافق سليم دون تردد. موافق جداً.
ماسة بحماس: وأنا هاجي أشجعكم وأشجع جوزي حبيبي
وبالفعل ذهبوا الى صلاة التراويح كان للنساء أماكنهم وللرجال أماكنهم.. وبعد صلاة التراويح،
عادوا إلى أجواء الدفء. كانت الأحاديث والضحكات تملأ الغرفة، بينما كان سليم يستمتع بكل لحظة. شعر أنه أخيرًا وجد جزءًا من العائلة التي لطالما تمناها، حتى لو لم تكن عائلته بالدم.
وفي الليل
توجه سليم مع عمار ويوسف إلى الملعب القريب كما اتفقوا مسبقًا. انضمت إليهم ماسة، سلوى، سعدية، ومجاهد الذين قرروا الحضور لمشاهدتهم وتشجيعهم.
الأجواء كانت مليئة بالفرح. ماسة وسلوى جلستا على مقاعد بجانب الملعب تهتفان بحماس، بينما سعدية تتابع بابتسامة رضا. مجاهد وقف بجانبهم يعلق على مجريات اللعب،ويشجع اللاعبين بحماس
في الملعب، كانت المنافسة قوية بين سليم ويوسف وعمار. سليم أظهر مهاراته في اللعب، بينما حاول يوسف بكل طاقته إحراز الأهداف. الضحكات والهتافات كانت تعلو كلما حدث موقف مضحك أو مثير.
انتهت المباراة بعد وقت مليء بالمتعة والضحك، وعاد الجميع إلى القصر في أجواء مليئة بالانسجام والدفء. كانوا يشعرون بسعادة حقيقية، حيث جمعتهم لحظات بسيطة لكنها ذات قيمة كبيرة.
مرت الأيام الأولى من رمضان، وكان سليم يقضي معظم وقته مع ماسة في منزل عائلتها. وجد في هذا البيت دفئًا وروحانيات افتقدها في قصر عائلته العظيم،القصر الذي رغم فخامته يفتقر المحبة والمودة والأجواء العائلية الحقيقية. لكن في منزل عائلة ماسة، كانت الأحاديث البسيطة والضحكات الصادقة التي تخرج من القلب على مائدة الإفطار والسحور تمنحه شعورًا بالراحة والانتماء.
كل يوم كان يحمل معه لحظات مميزة، سواء خلال صلاة التراويح الجماعية،أو النقاشات الممتعة بعد الإفطار، أو حتى المباريات الصغيرة التي جمعتهم في الملعب القريب. سليم كان سعيدًا بهذه التجربة، مستمتعًا بأجواء رمضان التي عاشها للمرة الأولى بهذه الحميمية والمودة.
مع دخول النصف الثاني من رمضان، قرر سليم وماسة أداء العمرة كما كانا يخططان. سافرا معًا في رحلة مليئة بالإيمان والخشوع، حيث وجد سليم في مكة السلام الداخلي الذي كان يبحث عنه. عادت الروحانيات إلى قلبه، وعادت ماسة أكثر قربًا منه، وهي ترى انعكاس هذه التجربة على شخصيته وسعادته.
في داخل إحدى الطائرات المتجهة إلى مدينة جدة
نرى سليم يرتدي بنطلونًا وقميصًا، وماسة ترتدي عباءة وحجابًا استعدادًا للذهاب إلى العمرة. كانت الوجوه مليئة بالحماس والترقب، والجو مشحون بالحيوية والسعادة. الرحلة كانت في النصف الثاني من شهر رمضان المبارك، كما أرادت ماسة، مما أضفى على اللحظة طابعًا خاصًا من الروحانية..
كانت الطائرة على وشك الهبوط. النوافذ تعرض منظرًا لسماء جدة المضيئة في الليل.
ابتسم سليم ونظر لماسة: يعني بعد أيام من التحضيرات، أخيرًا وصلنا. أنا من دلوقتي حاسس بالقشعريرة بجسمي.
سليم تبتسم وتنظر من النافذة: فعلاً شعور جميل
أوي
ماسة: هو إحنا المفروض هنعمل إيه دلوقت؟
سليم: ولا حاجة، هننزل وندخل استراحة كدة نبدل هدومنا ونلبس لبس الإحرام. وننوي العمرة ونتوضى ونصلي ركعتين، بعدين نروح الفندق نحط الشنط وننزل نعمل عمرة على طول.
ماسة بفرحة: إن شاء الله ربنا يتقبل مننا.
في مدينة جدة وبعد الوصول الى إحدى الاستراحات الخاصة لتبديل ملابسهم.
في الميقات، حيث يرتدي سليم ملابس الإحرام وماسة تقف بجانبه بجانب السيارة
ماسة: تنظر إلى سليم بابتسامة عميقة وهي تمرر عينيها على ملابس الإحرام: مش قادرة أصدق إننا أخيرًا وصلنا. سبحان الله يا سليم، كل حاجة هنا مختلفة. شكلك في لبس الإحرام مختلف، مليان سكينة.
أمسك سليم يدها، بنظرة مليئة بالسعادة: وأنا كمان يا ماسة حاسس احساس عمري في حياتي ما حسيته، الاحاسيس والمشاعر اللي انا حكيت لك عليها في اول مرة أصوم فيها رمضان وأعيش الأجواء اللي عشتها بفضلك، وكان من المستحيل أفكر أعيشها، وبردو لولاكي كنت مستحيل أفكر أعمل عمرة، بس إللي انا حسيته قبل كدة ولا حاجة من اللي أنا حاسه دلوقتي، انا مديون لك بحاجات كتير ربنا يخليك ليا وما يحرمنيش منك ابداً.. إن شاء الله تكون رحلة مباركة، ونرجع أفضل من الأول لأني أكتر واحد كنت محتاج آجي هنا يا رب يتقبل مني.
ماسة: بحماس: إن شاء الله هيتقبل منك احنا هندعي ربنا يغفر لنا ويحقق لنا كل خير ويديمنا في حياة بعض .
سليم: إن شاء الله، دي هتكون بداية جديدة لينا.
بداية مليانة بالبركة يلا بينا…
فتح لها باب السيارة صعدا وتوجها بعد ذلك إلى الفندق القريب من الحرم المكي.
*****************************
ـ الفندق
-جناح خاص بسليم وماسة المطل على الحرم.
ماسة تقف على الشرفة وتنظر إلى الكعبة من بعيد
ماسة بانبهار: يا نهار، الكعبة باينة من هنا! شكلها حلو أوي.
سليم: إحنا لازم ننزل نعمل عمرة دلوقتي.
ماسة نظرت له: كان نفسي ألحق التراويح هنا، التراويح في مكة ليها طعم تاني.
سليم: انا عارف إن مناسك العمرة متعبة شوية، علشان كده خليت ميعاد الوصول بعد الفطار.
بس طبعاً عقبال ما جينا وبدلنا من هدومنا فتأخرنا شوية.
ماسة: يعني ما ينفعش نعملها بدري بكرة.
سليم: انتي تعبانة وحابة ترتاحي شوية.
ماسة: لا بس مش عارفة ليه عايزة نعملها بدري.
سليم: الأفضل نعملها دلوقتي. إنتِ مش متحمسة؟”
ماسة بحماس: طبعًا متحمسة! يلا
قاما بالوضوء واستعدا للخروج من الفندق متوجهين إلى المسجد الحرام لبدء مناسك العمرة
***********************”*”******
في الحرام المكي
نرى سليم وماسة، يقفان أمام الحرم المكي. شعور الحماس والسكينة يغمرهم، وكل خطوة يخطوها في مكة تزداد مشاعرهم عمقًا. تقدما نحو الكعبة المشرفة لأول مرة في حياتهم، وكأن الأرض تحت أقدامهم تهتز من الروعة…
عيونهم مشدودة إلى تلك البقعة الطاهرة، كانا يشعران بقلوبهم تخفق بشدة، وكأنها تتناغم مع أصوات الطواف حول الكعبة. الهواء يحمل بين طياته أنفاساً مباركة، رائحة المسك والماء الزلال تملأ الأجواء ..
ماسة: الله”يا سليم، سبحان الله… إحساس لا يوصف. عمري ما تخيلت اللحظة دي تكون بالشكل ده.
هز سليم رأسه بإيجاب لصمت فهو يشعر بشعور غريب أصاب قلبه …
سليم الذي اعتاد على صخب الحياة، وجد نفسه مشدودًا إلى الهدوء الذي لا مثيل له في هذه اللحظة. شعر بشيء عميق في قلبه، كأن الزمن نفسه قد توقف وكانت أفكاره تتنقل بين الرجاء والتوبة..
أما ماسة، فكانت دموعها تنهمر بغزارة، ليس فقط من فرط الجمال، ولكن من شعور غامر بالسلام الداخلي، وكأنها قد وجدت في هذا المكان ما كانت تبحث عنه طوال حياته..
تقدما بخطى ثقيلة، وكأنهما ينتقلان عبر الزمن، في لحظة لا تتكرر. كان صوت الأذان يملأ الأفق، ويسكن في أعماق أرواحهم. قلب ماسة ينبض بقوة، وفي لحظة، شعرت أن الوقت قد توقف، وأن العالم كله اختصر في تلك اللحظة المباركة التي تجمعهم بالكعبة، بأقدامهم، وبأنفاسهم التي تختلط برائحة الأرض المقدسة.
بعد أن تقدما بضع خطوات داخل الحرم،
أشار سليم إلى مكان بجوار إحدى الأعمدة، وقال.
سليم: ماسة، خلينا نقعد هنا شوية. ندعي ونصلي ركعتين تحية المسجد.
هزت رأسها بإيجاب..جلسا على الأرض، المكان مفعم بالسكينة، وكل منهما في حالة خاصة. ماسة تنظر إلى الكعبة بعينين مليئتين بالدموع، وسليم يغمض عينيه وكأنه يغوص في أعماق دعائه. الشعور الذي يعيشانه صعب أن يوصف، مزيج من الخشوع والفرح والرهبة والروحانيات
كان سليم يشعر بداخل قلبه ثقلًا عميقًا، كما لو أن كل الأثقال التي حملها طوال سنوات مضت، قد بدأت تتناثر من قلبه. كان يهمس في نفسه: يا رب، أنا هنا عشان أبدأ صفحة جديدة، بعيد عن كل أخطائي،عن كل اللي عشته في الماضي، عن كل لحظة ضيعتها، وكل قرار خطأ، أنا عبدك الذليل التائب بين إديك يارب .. كان قلبه يصرخ: أنا تائب وعايز أكون شخصًا آخر، بعيدًا عن ماضيي المظلم. وذنوبه، عايز أغسل قلبي وأبدأ حياة جديدة بين يديك يا الله يا غفور يا رحيم..
وبينما كان ينظر إلى الكعبة، شعر بالسلام الذي يملأ قلبه شيئًا فشيئًا شعر بشئ ما يتغير في أعماقه، كما لو أن الله قد غسله من ذنوبه، وأعطاه فرصة جديدة ليعيش حياة طاهرة، خالية من الأخطاء التي كان تؤرقه..
بينما ماسة كانت تشعر وهي تنظر للكعبة وكأن قلبها يطفو بين يدي الله، يسبح في بحر من الإيمان والطمأنينة. في الكعبة في هذا البيت المقدس، كان قلبها يبدو كأنه ينبض بحياة خاصة، تحمل بين جدرانه كل الآمال والأدعية التي تراكمت في قلبها طوال سنوات. شعرت وكأنها وجدت في هذا المكان ما كانت تبحث عنه طوال حياتها، وكأن كل شيء في الكون قد انسجم معها في لحظة واحدة..
رفعت يديها إلى السماء، وهي تدعو بكل قلبها: ‘اللهم اجعلني وسليم معًا دائمًا، واجعل بيننا المودة والرحمة، وارزقنا ذرية صالحة تقر بها أعيننا
. اللهم أغفر لي وارحمني وأرزقني بحسن الخاتمة
اخذت تدعي هي وسليم لبعض من الوقت.
كان لتلك اللحظة قدسيتها ، كما لو أن كل دعاء من قلبيهما قد وجد طريقه إلى السماء…
بعد أن أتما دعاءهما، توجها إلى الصلاة، وجلسا على ركبتيهما في خشوع تام كأن كل شيء في هذا العالم قد توقف ليصمت أمام هذا المكان المبارك.
وبعد الانتهاء من الصلاة تحية المسجد
جلست ماسة نظرت الى سليم الذي كان يشعر كأنه شخصا آخر لا يجد من الكلمات لكي يتحدث.
ماسة وهي تنظر للكعبة بعينين مليئتين بالدهشة والدموع: يا الله، مش مصدقة إني هنا قدام الكعبة! ده مكان كنت دايمًا بحلم أجيه من صغري.
سليم بكلمات تخرج بصعوبة من السعادة و من عظمة المكان : وأنا كمان، يا ماسة. الحمد لله إننا هنا مع بعض، أنا مش عارف أوصف المشاعر اللي انا حاسسها
ماسة وهى تمسح دموعها من أثر روحانيات المكان: وأنا كمان الصراحة مكنتش متخيلة أن الإحساس بالجمال دة.
تنهد سليم: تعالي نبدا في المناسك العمره، هنطوف لأول ٧ الشواط، خليكي بس جنبي عشان ما توهيش مني خليكي ماسكة فيا كويس أنا هكون وراكي وإنتي كلبشي في دراعي وأنا همسكك.
ماسة: حاضر.
مشيا معًا نحو الكعبة، ومع كل خطوة يتجهان صوب الحجر الأسود. يبدآن الطواف، وحين يصلان إلى الحجر الأسود، يلمسانه بيدهما ويبدآن في التلبية بصوت خافت.
ماسة: بتوتر وحماس، تردد التلبية “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك… يا رب تقبل منا.”
نظر سليم للكعبة وهو يقول”اللهم اجعلها بداية خير لينا يا رب، تقبل منا كل خطوة.”
واصلا الطواف حول الكعبة سبعة أشواط.بعدما أتما الطواف وقفا خلف مقام سيدنا إبراهيم ليصليا ركعتين.
ماسة بعد الصلاة مسحت دمعة على خدها: والله يا سليم كل لحظة هنا بتبقى أحلى من التانية. هنا بنحس إن الدعوات بتتقبل وكل شيء بقى أقرب.
سليم: صح، ده مكان مميز، وكل حاجة فيه بتغيرنا. ربنا يتقبل منا ويغفر لنا.
بعد الصلاة، اتجها إلى السعي بين الصفا والمروة. وقفا على جبل الصفا ينظران إلى المسافة بين الجبلين. ثم بدأا بالسعي، خطواتهما متسارعة في البداية ثم أكثر هدوءًا مع الدعاء حتى اتمام السبع اشواط..
ماسة: وهي على جبل الصفا، ترفع يديها إلى السماء “اللهم اجعلها رحلة مباركة، وسامحنا على كل شيء. اللهم ارزقنا الخير في الدنيا والآخرة.
كان سليم بجانبها، رفع يديه: “آمين، يا رب. اجعلها بداية جديدة لنا، واغفر لنا ولأحبابنا.
أتما السعي بين الصفا والمروة، ثم ذهبا ليحلق سليم رأسه بينما تقصر ماسة جزءً من شعرها. بعد ذلك، شعرا بشعور عميق من الطهر والراحة والسكينة.
ماسة بسعادة تغمر قلبها: بعد أن قصت جزءً من شعرها ابتسمت: حسيت كأن كل شيء اتغير، وكأننا جددنا حياتنا كأني حد تاني يا نهار على الشعور الجميل ده.. وضعت يديها على قلبها. الحمد لله، يارب تقبل منا.
سليم ابتسم وهو ينظر إليها بعينين مليئتين بالأمل: عندك حق، إحنا فعلاً بدأنا من جديد. إن شاء الله حياتنا تبقى أفضل وأفضل. كان عندكِ حق لما قلتِ لي نيجي في رمضان
ماسة بسعادة: لسه بقى لما تصلي التراويح. أنا كنت بشوفها في التلفزيون على قناة المجد، تحفة. بس هو إحنا كده خلاص مش هنروح مكان تاني؟
سليم وهو يمسك يديها برفق، وكأن الكلمات تخرج برقة من قلبه: لا، المفروض نروح المدينة، بس نقضي كام يوم هنا. هنجي كل يوم نصلي الصلوات بتاعتنا، نفطر هنا وندعي. ممكن تعملي عمرة لحد متوفي عزيز عليكِ.
ماسة بدهشة: يعني ممكن أعمل عمرة لستي؟ أصل أنا كنت بحبها قوي.
سليم: اه، ممكن تعملي بس بعد ٣ ايام بتعملي التنعيم بنصلي في مسجد السيدة عائشة وبعدين نعمل كل ده من تاني ايه مقرأتيش الكتاب اللي جبته
ماسة قرأته بس من وقت ماجيت هنا نسيت كل حاجة
سليم: طب تعبتي من الطواف تحبي نمشى ولا نكمل للفجر.
مدت ماسة وجهها : مش أوي يعني. خلينا نكمل للفجر طب كدة مافيش مناسك عمرة تاني مظبوط.
سليم ابتسم وهو ينظر إليها بحب، وعيناه تشعان بالطمأنينة قال.: اها خلاص، إحنا اليومين الجايين دول هنصلي وندعي. وبعدين نعمل عمرة تانية. أنا كمان هعمل عمرة لدادة عفت، ونزور أماكن جميلة جداً زي جبل ثور وجبل عرفات ممكن بكره نطلع على عرفات تكوني ارتاحتي شوية بلبل هطلعك جبل ثور.
ماسة: إنت بقيت أشطر مني في المعلومات .. ماشي، و خلينا نروح غار حراء كمان ده اللي نزل فيه الوحي على سيدنا محمد عليه افضل الصلاه والسلام
سليم: عليه افضل الصلاه والسلام، هنروح كل الأماكن، وممكن بعد أسبوع مثلا أو أكتر نروح المدينة علشان نزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
شعرت ماسة بعينيها تلمعان، وابتسمت بابتسامة واسعة، وكأنها تتخيل اللحظة.: “الله يا سليم! متشوقة أوي أشوف قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
************************
وبالفعل، قضى سليم وماسة بعض الأيام في مكة، يقيمان الصلاة ويكثران من الدعاء خاصة أنها كانت الأيام الأخيرة من رمضان المبارك، كانت عيونهم مليئة بالخشوع، وكل صلاة كانت بمثابة لحظة صافية من التقرب إلى الله، صلاة التراويح هناك كانت جميلة للغاية، والأجواء في المسجد الحرام تبعث على السكينة والطمأنينة. كانت وجوههم تشع بالنور الداخلي، وكل دعاء كان يعبر عن أمل جديد خاصة وهما يصليان صلاه التهجد التى لها معنى خاص، كما كانا يفطران أيضًا داخل المسجد، ويشعران بالقرب من الله.
على اتجاه آخر وفي أوقات مختلفة، يقومان بزيارة أماكن كثيرة، مثل مسجد القبلتين، ومسجد قباء، مزرعة النخيل، جبل أحد، جبل الرماء، وغار حراء، وجبل ثور، وصعود عرفات، وغيرها من تلك الأماكن ذات الروحانيات الجميلة.
بعد أن أتما العمرة لجدة ماسة ودادة سليم، توجها إلى المدينة المنورة في الأيام الأخيرة من رمضان. ..
المدينة المنورة ـــ في المسجد النبوي …
كانا يشعرون بالسلام الداخلي وتملأ قلبيهما السكينة. حرصا على أداء الصلوات داخل المسجد. وتجولا في المدينة وزارا معالمها الدينية، كالبقيع الذي دفنه بيه الصحابة شهداء غزوة أحد وسيدنا حمزة..
وكانت عيونهما تلمع بالإيمان، وقلبيهما يفيضان بالسكينة.
في اليوم الأخير بعد أن أكملا صلواتهم في المسجد النبوي، توجها إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم. كانت عيونهما تلمع بالخشوع، وقلبيهما يمتلئان بالرهبة. وقفا أمام القبر الشريف، لكن بسبب التنظيمات الخاصة، كان لا بد أن يزور كل واحد منهما القبر في وقت مختلف.
كانت ماسة تقف بعيدًا في انتظاره في الخارج في المكان المخصص للنساء
بينما كان سليم يقترب من القبر في وقت الرجال،
سليم بنظرة هادئة ومليئة بالحب:
السلام عليك يا رسول الله، يا حبيبي يا شفيع للمسلمين، اللهم اجعلنا من الذين يسيرون على سنتك يارب
وبينما في الوقت المخصص للنساء كانت ماسة في الداخل وسليم في انتظارها في الخارج
دعت ماسة وعينيها تغرقان في الدموع: “اللهم اجعلنا من أهل شفاعته.”
ثم قربت وجهها قليلًا نحو القبر وقالت بصوت خافت: “السلام عليك يا رسول الله، يا شفيع الأمة، اللهم اجعلنا من أهل الجنة.
كان المكان مليئًا بالسكينة، وكأن الزمان توقف لحظة أمام القبر المبارك. شعرا بخفة في قلوبهما، وكأن دعائهما وصل إلى السماء مباشرة، والهدوء الذي كان يحيط بهما جعل اللحظة أكثر روحانية وخصوصية.
بعد أن أتما عمرتهما بسلام، كان سليم وماسة في طريق العودة في صباح يوم العيد. كانت قلوبهما تنبض بالفرحة والراحة. شعرا بأن الرحلة كانت مليئة بالبركات، وكأن كل خطوة كانت تقترب بهما من أمل جديد. وجوههم كانت مشرقة، والعيد في قلوبهم له طعم خاص، وكأنهما بدأا فصلاً جديدًا من حياتهما مليئًا بالسلام الداخلي والهدوء النفسي..
خاصة سليم فقد شعر بشيء عميق في قلبه. جاء إلى مكة ليبدأ من جديد، ليترك وراءه كل ما مر به من صعوبات وأخطاء وأفعال سيئة ارتكبها في الماضي. هذه هي التوبة الحقيقية التي ستجعله شخصًا آخر. مع كل دعاء وكل خطوة، كان يشعر وكأن الله يغسل قلبه ويمنحه فرصة جديدة. لم يكن يتوقع أن يشعر بهذا الهدوء الداخلي، وكأن الحياة التي عاشها أصبحت خلفه، وأنه من الآن على بداية طريق أفضل وحياة أجمل..
💕______________بقلمي_ليلةعادل
عائلة ماسة العاشرة صباحاً
نشاهد الخادمة وهي تعطي سلوى باقة من الورد وشنطة هدايا. أخذتها سلوى بابتسامة وشكرتها، ثم صعدت إلى غرفتها. عندما فتحت الشنطة المخصصة للهدايا، اكتشفت أنها تحتوي على دمية عروسة صغيرة مبتسمة. امسكت سلوى بالكارت المتواجد على باقة الورد وقرأت ما كُتب عليه:
“عيد سعيد، يا سلوى قلبي، تأكدي أن قلبي معكِ دائمًا، ولا شيء يفرحني أكثر من رؤيتكِ سعيدة.”
تبسمت سلوى، وأعادت شعرها للخلف، وشعرت أن مكي هو من قام بإرسال هذه الهدية لها.
على الجانب الآخر، نرى مكي وهو يتوقف على التلة التي تطل على غرفة سلوى، كان يراقبها عن كثب، يبتسم، وقلبه يخفق بالسعادة. ولكنه ظل مصممًا على الاستمرار في قراره، منتظرًا حتى تنضج ويعود لها ليتعرف ما بداخل قلبه لها.
ـقصر الراوي العاشرة صباحاً
ـحديقة الفيلا
كانت زيزي، صديقة رشدي، بإنتظار ماسة في الحديقة وهي تدخن سيجارة. وأثناء ذلك، دخلت ماسة الحديقة دون أن تعلم بوجود زيزي. توقفت، ثم نادت عليها:
زيزي: يا ماسة، يا عسليه!
فانتبهت ماسة للصوت واقتربت منها زيزي:
عاملة إيه يا قمرية؟
ماسة: الحمد لله، إنتِ أخبارك إيه؟
زيزي: تمام، إنتِ عارفاني.
ماسة: أعرفك، زيزي، مظبوط.
بينما كانت زيزي تلقي سيجارتها: مظبوط، يا بسكوتة. هتفضلي المختفية؟ محدش بيشوفك. تقلانا علينا ولا إيه؟
ماسة تبسمت: لا، والله، خالص. أنا موجودة، حتى بخرج كتير عن زمان.
زيزي: أه، ما أنا عرفت إنك بقتِي صاحبة هبة، وشلة بتاعتها. ما هما برده أصحابنا.
ماسة: خلاص، ابقي تعالي آخرجي معانا.
زيزي: لا، أنا روحت الأماكن اللي أنتوا بتروحوها دي كتير. تعالي بقى، آخرجي معايا، أوريكي أماكن حلوة بدل الأماكن اللي بتروحيها.
ماسة: هو في أماكن أحلى من اللي أنا بروحها؟
زيزي: أكيد، القاهرة مليانة أماكن تحفة. أماكن تسهري فيها، وترقصي فيها. وقبل ما تتكلمي، أنا عارفة إنك ما بتشربيش وما ليكيش في الهلس ده، بس في أماكن فيها رقص من غير الحاجات اللي أنت ما بتحبيهاش.
ماسة بحماس: إذا كان كده، خلاص، هقول لسليم ونخرج مع بعض.
زيزي: خلاص، إحنا فيها، يا مزه. قولي لسليم، ونخرج مع بعضنا. أنا ورشدي النهاردة رايحين نعيد في مكان حلو قوي على النيل.
ماسة: خلاص، ماشي، هقول له. استني.
كل ذلك كان سليم يقف على الشرفة يشاهد ما يحدث، ويبدو عليه التوتر ووجهه متقلب. ويبدو أنه كان يستمع إلى الصوت.
بعد دقائق، دخلت ماسة الغرفة ويبدو عليها الحماس. حتى وصلت إلى الشرفة، وقامت بعناقه من الخلف، ثم وضعت قبلة على خده. التفت إليها سليم وقال لها بشدة، بملامح وجهه الغاضبة:
سليم بغضب: إيه اللي وقفك مع البنت اللي تحت دي؟
ماسة بابتسامة: ايه المشكلة؟
سليم بانفعال: إيه المشكلة؟ إنتِ عارفة مين دي أصلاً؟
ماسة وهي تضحك: أيوه، زيزي صاحبة رشدي. اللي شفتهم بيبوسوها في الجنينة.
اوما سليم براسة قال وهو يمد وجهه: ده أنتِ فاكرها كويس. وهل تعرفي كمان باباها تاجر مخدرات!”
ماسة بصدمه: إيه ده؟ بجد؟! ما كنتش أعرف.
سليم بضجر: حتى لو ما تعرفيش، ما دام إنتِ عارفة إنها بنت مش كويسة، مينفعش تقفي معاها وتتعرفي عليها كمان.
ماسة متعجبة: أنا مش فاهمة. إيه المشكلة لما نخرج كلنا سوا؟ هو أنا هصحبها؟ هي عرضت عليّ عرض، وأنا حبيته. متعصب ليه؟
سليم وهو يتحدث بين أسنانه: ماسة، متحوليش تعصيني وتضيقني بطرقتك دي.
ماسة: سليم اتكلم براحة من فضلك.
نظر سليم إلى ماسة بنظرةٍ تخشاها، وقال بنبرة حازمة جعلتها تهتز من الداخل: ماســـة
عادت بخطوات للخلف بتوتر اكمل:
كلامي يتسمع، مش عايز مناقشة كتير. زيزي دي، واللي من نوعها، متقربيش منها. فهمتي؟
ماسة بضيق وهي تنظر لاسفل: فهمت. أنا عايزة أروح لماما.
سليم: هنخرج سوا، وماتقلبيش وشك.
تنهد سليم واقترب منها وقال بهدوء:
ماسة، البنت دي مش كويسة. المفروض من نفسك ترفضي العرض.
رفعت ماسة عينيها له بضيق قالت: أنا معرفش إنها مش كويسة. مش عشان شفتها مع رشدي وهو بيبوسها، أخد موقف منها. خصوصًا إن الكلام ده عندكم عادي، فهمني براحة، مش تتعصب كده.
سليم: طيب، متزعليش حقك عليا. يلا نلبس ونخرج عشان نحتفل بالعيد.
ماسة تبسمت: يلا.
بعد وقت أقترب سليم وماسة من رشدى وزيري الذين يجلسان في الحديقة في انتظارها بعد تبديل ملابسها
رشدي بتعجب: بجد هتخرجوا معانا؟
سليم: لا، هنخرج سوا. خرجتكم مش شبهنا. سلام.
زيزي و هي تضحك: يالهوي! بيخاف عليها موت، الصراحه ليه حق البت لو خرجت معانا خرجتين هتبوظ شكلها غلبانه اوي.
رشدي بحقد: لولا إن الباشا أخذ فرمان، كنت لعبت عليها.
زيزي: ففكك بقى منهم ولا تكونشي حبتها يا رشروشي.
رشدي: لا ما حبيتهاش بس مستخسرها فيه، كان نفسي تبقى معايا انا، تعرفي هي لو كانت معايا ومراتي، كنت هقفل عليها اكثر من سليم، عشان انا عارف العقارب اللي حوالينا عاملين ازاي، عارفه مشكله سليم ايه؟! إنه مش مخونا، ومدينا الأمان واحنا اللي عمالين نطعنه في ظهره عبيط.
ضحك بسخرية
زيزي باعتراض: لا هو مش عبيط هو محترم، مش متوقع انكم بقذاره دي، يلا خلينا نمشي
في احد المراكز النفسية السادسة مساءً
مكتب مروان
مروان: سليم، إزاي حالك الفترة دي؟ حسيت بتحسن؟
سليم: أفضل كتير الحمد لله بقيت بتحكم جداً في غضبي مع ماسة.
مروان وهو يدون شيئًا: يعني حصل أي موقف من المواقف اللي كانت بتزعجك زمان وبتخليك تتعصب وتغير ومنفعلتش؟!
سليم بتفسير: آه طبعًا، حصل أكتر من موقف. يعني إحنا كنا في العمرة، ففي شاب وقفها وسألها على حاجة لأنه ما كانش عربي، ما كانش لاقي حد حواليه بيتكلم فرنسي وأنا كنت بجيب ميه،. طبعًا ده لو كان حصل زمان، كنت هنفعل جدًا، لكني كنت هادي لدرجة إن حيتها لانها بقت أفضل وتحسنت في اللغة غير أنها بتهزر دلوقتي مع إخواتي. آه في حدود، بس حتى الحدود دي ما كنتش بسمح بيها زمان، وكانت بتعصبني، كمان أكتر من مرة. ممكن أجي ألاقيها قاعدة مع حد من إخواتي في الليفنج روم. زمان كانت من القواعد الغير مسموح بيها. بصراحة، حاولت مرة في مرة، بس بعد كده حسيت إني مش قادر. اتكلمت معها عن الموضوع ده، وقلت لها ميتكررش لأني حقيقي بغير جداً، بس ما كنتش متعصب ولا كنت منفعل. كلمتها بكل هدوء إن الموضوع ده مش قادر أتقبله. اني اجي من بره، اشوفها قاعدة في أوضة لوحدها مع حد من إخواتي؟ لكن طبعًا في الجنينة أو في الهول عادي.
مروان: تقصد الأماكن المفتوحة بتسمح فيها يعني؟
سليم بتوضيح: الليفنج روم بابه مفتوح بس مش قادر أتقبله. فاستأذنتها إن ما يحصلش تاني. هي قالت لي تمام،.. كمان بطلت أحط إيدي ورا ظهري، بقت جنبي وبكلمها عادي. ما بقتش بفضل مغمض عينيا، أو أحارب وأصارع نفسي إني ما تعصبش.
مروان مد وجهه: برافو ده تقدم هايل خصوصًا إنك مريض مشاغب ومش منتظم في مواعيدك.
سليم تبسم بتهذب: حقيقي غصب عني عشان شغلي وفهمت حضرتك أنا كنت مسافر عمرة حتى بعت لحضرتك رسالة.
مروان: مفهوم،، يعنى دلوقت بقيت عادي خلاص من جواك؟ والحرب اللي كانت بتدور عشان تحاول تهدي الغضب ما بقتش موجودة خالص؟!
سليم بتوضيح: أمممم، بس ده في الجانب الخاص بماسَة مع الآخرين لسه. افتكرت موقف كنت فيه شوية منفعل. ملامحي كانت مشدودة كان في بنت صديقة أخويا عندنا، وماسة اجتماعية جدًا، سلمت عليها و وقفت معاها، البنت عرضت عليها إنها تخرج معها وللأسف ماسة رحبت.. غضبت جدًا، وكلمتها بشكل منفعل شوية. البنت دي بتشرب، وبتعمل علاقات غير شرعية. فما عرفتش أمسك نفسي، لكن بعد ما هديت شوية، اعتذرت لماسة.
مروان بابتسامة هادئة: ده طبيعي جداً أوعى تحس أنك رجعت خطوة للخلف، واحتمال الموقف مشابه لده يتكرر تاني، فما تقلقش، بس في حاجات بسيطة هتساعدك، ممكن تعملها أول لما تحس بالغضب، خد نفس عميق وازفر ببطء. جرب كده دلوقتي معايا.
(سليم يأخذ نفسًا عميقًا ويزفر)
مروان وهو يبتسم بثقة: تمام، ده هيساعدك تهدأ بسرعة، كمان لما تحس إنك هتتعصب، جرب تنسحب من مكانك لبضع دقائق، وتخيل مكان هادي زي البحر، هتلاقي نفسك هديت
أضاف وهو يرفع يديه بحركة هادئة، كأنّه يرسم صورة للسلام في الهواء.
بعدين ارجع تاني وكمل كلامك مع الشخص ده. لازم تفهم إن أحيانًا الغضب اللي بيخرج مننا شيء طبيعي جدًا. كلنا بنتعصب، وكلنا بيجي علينا لحظات من الغضب حسب المواقف، لكن امتى يكون غير طبيعي؟
نظر مباشرة في عين سليم، وعيناه تحملان جديّة واضحة.
زي ما قلت لك قبل كده، لما نتصرف في الانفعال ده بتصرفات غير طبيعية، زي لما اعترفت لي وقلت لي إنك رفعت مسدسك على شقيقك رشدي، لأنه قال الاسم اللي بتدلع بيه زوجتك. ليها؟!!
حرك رأسه قليلًا بحركة استنكار، ثم أضاف بحزم:
ده تصرف مش طبيعي، لكن طبيعي إنك تتغير، طبيعي إنك تضايق وترفض ده، بس يعني ممكن تنبهه بنظرات حادة بطريقة فيها نوع من القوة والسيطرة لكن، مش بمسدس، حتى لو ما كانتش المرة الأولى كما بررت.
سليم بتفكير: ممكن. هحاول.
مروان: وخليك دايمًا فاكر، كل مرة تتحكم فيها بنفسك، أنت بتقرب أكتر للتغيير.
سليم بابتسامة صغيرة: هحاول، شكرًا
مروان: وأنا هنا عشان أساعدك. تذكر، أنت مش لوحدك
💞_____________بقلمي_ليلةعادل
أحد الكافيهات، الرابعة مساءً
نرى هبة وماسة يجلسان معًا على أحد الطاولات، وعليها أكواب عصير فارغة.
هبة بعقلانية: الصراحة، عنده حق. زيزى دي شخصية مينفعش تقربي منها خالص.
ماسة بضيق: بس أنا معملتش حاجة. سلمت عليها، كان زي المجنون. هو ما مدش إيده، كانت جنبه طول الوقت، بس تعبيراته كانت صعبة، برغم إنه بقاله كتير جدًا بطل يعمل ده. كان بيتكلم بهدوء أكتر وبيحتويني وهو بيتكلم. بس المرة دي اتجنن، حسيت إنها رجعت تاني للصفر.
هبة باعتراض: لا لا، مرجعتش للصفر ..
عدلت من جلستها لتظهر مدى فهمها لشخصية سليم، شرحت بعقلانية:
بصي، أنا بدأت أفهم شخصية سليم كويس، وحاسة إني اتسرعت في تكوين فكرة عن شخصيته وظلمته. هو مش متملك قد ما هو بيحبك أوي وبيترعب عليكي، عايز يحافظ على برائتك ونقائك. تفضلي توب أبيض زي ما عرفك. أصله لو متملك أو نرجسي أو سيكو مش هيعمل كل ده. يعني هو مش حارمك من الخروج، بالعكس بيخرجك، بس بيختارلك أصحاب محترمين إللي سلوكهم شبه سلوكك، مش بيشربوا ولا ليهم في العلاقات. مشكلته في سلوكه مش في طبعه. يعني مثلًا لو واحدة فينا بعد فترة استندلت معاكي، هو سايبك تعرفيها لوحدك. بس بيجي عند سلوك الشخص والبيئة بتاعته، ولا استوب “أنا إللي هختارلك”، حتى برضه في الطبع أو في الشخصيات إللي شبهك. هو عنده تحفظ شوية، لإنه بيخاف عليكي، بيخاف تنجرحي، بيخاف تنخدعي فيهم وقلبك يتأذي، عشان كده دايمًا بقولك خدي بالك منهم، بلاش تتعشمي، مش تملك منه عشان تبقي ليه وبس، قد ما هو خوف إنك تتوجعي. عشان كده دايمًا بيقولك بطلي تشوفي الناس طيبين أوي زيك، ماتتعوديش عليهم، ماتتعلقيش بيهم. إللي معاكي النهاردة ممكن ما يبقاش معاكي بكرة. ماتحبهمش أوي، عشان ما تتجرحيش، كل الكلام ده مش واحد متملك قد ما واحد خايف عليكي، لو لاحظتي، أكتر واحدة مش ببعترض أبدًا على خروجك معها أي وقت، ريتال. لما عرف إنها ملتزمة، وهي إللي شجعتك تروحي تحفظي قرآن. وبيسيبك تخرجي معايا ونقعد نتكلم بالساعات. بس هو زي أي راجل، عايز لما يرجع من شغله تديله وقتك وتركزي معاه زي ما هو بيديلك وقته أول ما يرجع من شغله. أنا كده مع ياسين لو ياسين وهو معايا، كلم أصحابه وانشغل عني، بتخناق معاه، خوفه عليكي طبعًا زيادة ده غلط. هو عامل زي القطة إللي أكلت ولادها من كتر حبها وخوفها عليهم، أو الدبة اللي موتت صاحبها برده من حبها فيه. بس طبعًا ده مرض برده مش طبيعي. فإحنا نقدر نقول إن سليم خلطة بين تملك وبين الحب الهوسي وبين القلق وخوف مرضي بسبب خوفه إنه يفقدك لإنك مصدر الحنان الوحيد إللي في حياته، وأنظف شخص قابله. هو بقى خايف عليكي تنجرحي، وخايف عليكي تضيعي منه، خايف تتلوثي. ده تحليل إللي قدرت أوصله.
ماسة بتفهم قالت بتوضيح: أنا فاهمة كل ده، أنا ما عنديش مشاكل مع سليم، بس لما حصل موقف زيزي، خوفت إننا نكون رجعنا لنفس النقطة من تاني.
هوا أنا قولتك إني اختبرته عشان أشوف هيعمل إيه وفعلاً اتغير ولا لأ؟
هبة باندهاش: اختبرتيه إزاي يعني؟
ماسة بتوضيح: كان منعني زي ما إنتي عارفة، أهزر مع رشدي وياسين وإخواته عمومًا وأي راجل، حتى ممنوع أقعد معاهم لوحدنا في مكان. مرة دخلت أكلم ياسين وهزرت معاه وسألته عليك، وهو شافني ناداني وقال لي: مش أنا قلت لك ما تقعديش لوحدك مع حد من إخواتي في الأوضة؟ قلت له كنت بتكلم عن هبة معلش. قال لي: طيب بس ما تتكرريش تاني. وطلع الأوضة، قلت يمكن هو عشان واثق في ياسين. أنا عارفة إن رشدي بيجي متأخر دايمًا. نزلت بالليل في وقت إللي هو بيبقى فيه، وقعدت أتكلم معاه. شافني من البلكونة لما طلعت، سألني: بتتكلموا في إيه؟ إزاي تقعدي لوحدك؟ ما بتسمعيش الكلام ليه؟ عايزة تعصبيني؟ فهمته، قابلته صدفة، سلمت عليه يعني، ونصحته إنه يبطل يسهر. قال لي: طب أرجوكي، بطلي تعملي الحاجات إللي بتعصبني. أيده جنبه وكان بيكلمني بهدوء، حتى ملامح وشه كانت هادية، تعبيراته مختلفة. فتأكدت إنه اتغير، ومع مواقف اتأكدت إن سليم فعلاً اتغير كتير.
تنهدت بنبرة ضعف، متأثرة بشعور بضيق:
أنا لو فضلت يا هبة مركزة على سيئاته إللي بيحاول يتخلص منها عشاني، وسبت كل حاجة حلوة هو بيعملها عشاني، هبقى إنسانة مش كويسة. سليم محتاجني يا هبة، محتاجني أخرجه من الحياة إللي هو فيها واتربى فيها. هو قال لي: إنتي غيرتي فيا حاجات كتير، إنتي طوق النجاة، وأنا هفضل أساعده إنه يتغير، لإنه عايز يتغير. مستحيل أتخلى عنه، وأنا دلوقتي عرفت إزاي أتعامل معاه. يمكن زمان كنت صغيرة ومش عارفة، بس دلوقتي بقيت عارفة إزاي أروضه زي الحصان والفارس بتاعه. هو بس حوار زيزي ده قلقني شوية، بس بعد كلامك أنا اطمأنيت.
تبسمت هبة ورتبت على كفها ثم امسكتها بدعم:
كل إللي عايزاكي تفهميه إن أنا معاكي وحابة إن علاقتكم تستمر، لإن علاقتكم حلوة أوي، حبكم جميل، ونفسي أنا وياسين نبقى كده.
ماسة تبسمت بتفهم: أنا فاهمة إنك بتنصحيني يا ستي. لو حصل حاجة إنت جنبي، إنتي بقيتي صديقتي الوحيدة يا هبة. صدقيني، أنا بحبك أوي لإنك بحسك شبهي. أه، إنتي قوية زي سلوي، بس قلبك أبيض زيي.
هبة: والله انا بموت فيكي يا ماسة وانتي حقيقي اختي يابنتي انتي بقيتي انتيمي خلاص، ضحكت بقولك كفاية كلام عقلاني. تعالي نروح نلعب بولينج عشان حابة أضحك عليكي شوية وإنتي بتتزحلقي.
ماسة توقفت وقالت بقوة وفخر: سليم علمني. قالي عشان محدش يضحك عليكي يا سكرتي.
هبة: هنشوف
توجهوا إلى ملعب البولينج يلعبان معًا، وكانت ماسة مختلفة عن كل الأيام السابقة. نعم، لم تفز، لكنها تبدو عليها ملامح التغيير، وكأنها أصبحت أكثر قوة.
هبة: لا لا، ده احنا بقينا جامدين.
أنا ممكن استلف منك سليم شويه عشان يعلمني شويه حاجات. شكله معلم شاطر.
ماسة بغيرة، مازحة: لا يا اختي، خليكي مع ياسين. ملكيش دعوة بسليم، ده ده بتاعي أنا.
ضحكتا معًا بمرح
♥️_______بقلمي_ليلةعادل________♥️
_منزل نانا الثامنة مساءً.
نستمع إلى صوت الجرس. خرجت نانا من إحدى الغرف بملابس مهندمة وذهبت لفتحه. فور فتحها، ارتسمت على شفتيها ابتسامة، وهنا ظهرت فايزة.
نانا: فايزة هانم، اتفضلي.
تقدمت فايزة بخطوات ثقة ممزوجة بكبرياء لا تليق إلا بها. أغلقت نانا الباب بابتسامة عريضة، وتوجهت لها وقالت…
يتبع….
- يتبع الفصل التالي اضغط على (الماسة المكسورة) اسم الرواية