رواية عقاب ابن الباديه الفصل الرابع و الخمسون 54 - بقلم ريناد يوسف
اما في مكان آخر:
- نوف يانوف.. نوف انتظري.
-ايش تريد؟
- أ انا هلال ولد الشيخ قصير ماعرفتيني؟
- اعرفك كيف مااعرفك.
- ودريتي اني رهنتك ولا بعده عمي قياتي ماقال لك؟
- دريت.
- وايش رأيك؟
- رايي بيش، ليش انتوا تتركون مجال للبنت تقول رأيها؟ ولا البنت لها رأي من الأساس بقوانين الغابه التتزوجون وتعيشون بيها؟
-قوانين غابة ايش، نوف الله يهديك انا ماأفهم الحكي الوعر واريدك تفهميني شوي شوي.. أنا الحين شايفك مزعوجه مني وماطايقه تحكي معي، واريد اعرف السبب، أنت ماتريديني يعني؟
- تفرق؟
-اكيد تفرق.
-تفرق بيش.
- تفرق باني أسوي مجهود زياده لترضين وتكوني هانيه وفرحانه وترضين بي وعني.. انت تعرفين اننا مانقول حلو الكلام بس نفعل أفعال، وانا من اليوم أعاهدك ماتشوفين مني إلا اليسرك، بس اريد اعرف انت ايش تحبين وايش تكرهين، إيش يفرحك وأيش يزعلك.
- اكتر شي اكرهه بالدنيا عيشة القبايل واعرافها وناسها وتفكيرهم، وأموت ولا أسكنها.
- لكن إذا تزوجنا وين تسكنين؟
-ماادري، انا انتظر معجزه من ربي، واذا كان زواجنا محتوم إنسى إني أسكن خيمة وافيق الصبح احلب غنم واطبخ على هاد الشو يسمونه واملا المي من البير.
- اسويلك بنايه متل بناية عقاب وما انقص عليكي شي.
- ووين راح تبني البنايه، انا مو هليت كلامي بأني اكره القبايل وعيشتها؟
- حيرتيني معك يانوف، يعني إيش تريدين الحين؟
- اريدك تفك نهوتك عني ياهلال.. أقول ليش ماتاخد عفراء؛ هي تحب حياة القبايل وتشوف متعه في العيشه هين، خدها وتصير الشيخ وهي الشيخه، والله عفراء تفرح فرحة عمرها وتشيلك انت والقبيلة كلها فوق راسها.
- بس العين وماهوت يابنت العم، وانا عفراء ماشفتها لي حرمه، أنا من اول ماطاحت عيني عليك شفتك راعية خيمتي وأم وليداتي.
- اهووو يقولي راعية خيمتي..
ياااخ اكره لخيام ماتجيب طاريها، اقولك روح ياهلال شوف وين كنت رايح وكمل طريقك.
- ماكنت رايح مكان، انا كنت ادور عليك وجاي لك مخصوص حتى احكي معك.
- وحكيت.. وانا بعد حكيت العندي.
- طيب اقول تعي معي للوادي نقنصوا ، راح اعلمك القنص واليوم تاكلي من صيد يدك لحم طازج.
نظرت له عفراء بإشمئزاز وردت وهي تواجه شعور شديد بالغثيان:
- ويزعل وقت أقول قوانين الغابه! انت ليش ما تخاف الله، إيش تحس وانت تقنص أرنب كل ذنبه انه طلع من جحره يدور طعام فيصير هو طعام، ماسألت حالك الارنب القتلته مات جوعان ولا عطشان، كان يدور شربة مي مثلاً ونهيت عمره قبل مايشربها، مايصعب عليك غزال صغير شرد من أمه يدور العشب وقبل لا ياكل ولا يشبع فاضت روحه بسببك،
والعشيه تلتفون حول هالمساكين تشوون وتاكلون لحمهم، إيش تفرقون عن الضباع والوحوش قول لي.. عرفت انا من ايش اكره القبايل وأسلوب حياة اهلها.
صمت هلال قليلاً لا يستطيع إستيعاب كل هذه التهم التي قذفته بها، فرد عليها بتيه:
- بس الصيد والقنص حلال يانوف، ليش انت تشوفينها جريمة؟!
- بس مو كل الحلال محبوب ياهلال.
ربك احل اشياء كثيره بس مايسويها إلا المضطر، حللها لتكون سبب بنجاة إنسان أذا ضاقت بوجهه كل السُبل.
-اقول كلامك وعر وماافهم عليك تزيدين الغاز؟ يعني تقصدين تطلعيني ماافهم الحكي.
- وهاد ثاني اكبر شي ياهلال، أنت مو متعلم وانا متعلمه وعقولنا ماتوالم بعضها وماراح تفهم علي.
- من قال إني مو متعلم.. انا متعلم واعرف اقرأ واكتب وأحسب، بس مو هاداك العلام التاخذونه بالكتب وتحفظونه،
انا بوي قدملي بمدرسة الحضر بس ماداومت، جابلي مدرس هين بالقبيلة علمنا انا وباقي الوليدات القرايه والكتابه والحساب وبطلت امشي للمدرسه، بس ماتحسبيني على الجاهلين.
-لا ياهلال هاد مايناسبني، الدارسه ماتاخذ إلا دارس، وانت إذا كنت مشيت المدارس كان عرفت انا ايش أقصد.. ياابن الحلال انا وانت مشروع زواج فاشل.
- لا مو فاشل، انا بسوي كل شي يطلع بيدي لجل ينجح المشروع، وغدوه لتشوفين ايش راح يسوي هلال.. والحين اتركينا من القنص والصيد طلعنا ماعندنا قلب ولا رحمة إذا صدنا، تعال نتمشى بالخيل للوادي واوريك جمال الطبيعة والبراح الماشفتينه بعمرك.
- مااريد وما احب البراح.
- يابنت ايش تقولين انت! فيه حد مايحب البراح؟ لتكوني طير من اليحبسونه بالاقفاص وصار مايعرف الحريه!
- اي انا طير اقفاص،وانت طير براح، وكل واحد على حسب ماتربى، يلا طير انت وأشقي بروحك واتركني بقفصي انا هيك مرتاحه.
انهت كلماتها ثم انطلقت مبتعدة عنه ووقف هو يراقبها ويهتف لنفسه:
- عنيده يابت عمي وراسك يابس، بس ورب الحلا اللي شايلتيه لأكون كسار هالراس واخليك تحلفين بحياة هلال وماتطيقي تتنفسي الهوا إلا لو قاسمك فيه.
عقاب ٥٤
عادت نوف لغرفة آدم وهي حانقة بسبب كل مايحدث، وخاصة بعد أن تحدثت معه ورأت ان لا لغة للحوار بينهم ولا توافق من اي نوع، فهو ربيب الخيام والصحاري ولا يفقه من كلامها شيء.. وهذا في حد ذاته سبب قوي للرفض، فماذا عن باقي الأسباب؟
جلست بمفردها حتى إقتحمت عفراء خلوتها وقاطعت أفكارها قائلة:
- حياكم الله ردوا التحية أو اعطونها بدالها قروش، شفتك واقفه مع هليل من شوي، هااا اشوفه سلب العقل بكلمتين والبال إنشغل.. بشري بشري.. كيف شفتيه؟
- كيف اشوفه يعني واحد همجي تربى بالصحاري، مجرم يغدر الحيوانات الضعيفه وياكلها بدون رحمه..انسان مو طبيعي تربي ببيئة غير طبيعية.. لا ويريد يعلمني الإجرام مثله وزهق الأرواح.
- وهي الحيوانات ليش انخلقت إلا للوكل؟ اقول يانوف والله يابنت أمي انت اللي مو طبيعه.. طيب انا شفته ركب فرسه وفر صوب الوادي وخذ قوسه وسهامه .. يعني هو راح يقنص الحين.
- قصدك راح يقتل.
- طيب إذا مشيتله يعلمني القنص تزعلين يانوف؟
-انت بعد تريدي تصيري مجرمه ياعفراء؟
- اي انا من زمن والاجرام يجري بدمي بس ماكنت لاقيه فرصه اظهرو، والحين تزعلين وتغارين لو لا؟
- عليش اغار، روحي لجهنم الحمرة انت وهو وخليه يعلمك القتل ياحفنة أوغاد.. والله هاد الهلال مايتوالم غير معك، طنجره وغطاها، بس ماأدري ليش هو ماشايف الطنجره المناسبه ولاحقني.
غادرت عفراء المبني وهي تقفز من الفرحة، فلأول مرة ستمارس هوايتها المفضلة على أرض الواقع، بعد ان كانت تمارسها في حديقة منزلهم علي الزجاجات الفارغة.
ذهبت لأبيها وطلبت منه ان يحضر لها قوس وسهام، فحقق لها رغبتها وهو يرى حماسها تجاه التجربة، وإطمئن قلبه لوجود هلال هناك.
فكت قيد أحد الأحصنة وإمتطته وغادرت مسرعة نحو الوادي، وحينما إقتربت رأت هلال جالس خلف صخرة كبيره ومصوب سهمه فى إحد الاتجاهات.. ولما ركزت رأت تيس بري يرعى، فأوقفت الحصان ونزلت ونزعت قوسها من فوق كتفها وعمرته بسهم وسمت الله وفي ثانية أصابت التيس أوقعته، فنظر هلال مبتسماً في الإتجاه القادم منه السهم ظناً منه بأنه عقاب أو رابح وربما سالم، لأن هذه حركتهم المعتادة، ولكنه تفاجأ بها، عاد ينظر للتيس وموضع السهم فوجد الضربة في مكان قاتل، فصاح لها:
- يبه عاشت يدك حظ المبتدئين هاد.
فتقدمت عفراء من هلال وقالت وهي تمسح المكان بعينيها:
- بس الاعرفه حظ المبتدئين مايحالف غير بأول رميه، شوف الثانيه واحكم إذا حظ مبتدئين او مهارة.
انهت جملتها وعمرت قوسها بسهم آخر وإبتعدت بهدوء وهي تهمس لهلال:
- التيس مايمشي إلا بقطعان، وابي علمنا إن الشارد لابد وأخوانه قراب منه.
رد عليها وهو يتبعها:
-صدق علام ابوك، وهي المنطقة بيها وااجد تيوس.
نظرت إليه عفراء ولم تستطع إخفاء إبتسامتها وردت عليه:
- اي منتبهه على هالشي.. انهت جملتها وضحكت فرد عليها هلال بغضب:
- ضميرك مو تمام ونواياك خبيثه تفهمين الكلام على هواك.
- انا ماقصدت شي خلي نيتك صافيه وواسع البال وخد الحياة ببساطه.. انت قلت معلومة وانا صدقت عليها.
- والله تقصدين شي، وشي سيء ومو انا النيتي بحاجة صفا ياتيسة الحضر انت.
- بس الحضر مافي تيوس، التيوس بس بالبوادي والوديان تعيش.
- اقول يابت عمي قياتي روحي من هالصوب وانا بروح من هالصوب وماتردى إلا بعد ماتنتهي وتخلصي سهامك ، وإذا ماعرفتي تردي خذي هالمسدس اضربي باروده بالجو وانا اعرف اندل عليك.
- يكون افضل، حتي انا ما ارتاح مع الاشخاص اليحرفون الكلام.
-والله تقصدين الإهانه وانا مو غبي حتي ما افهم.
- زين.. كانت مزحه.. شقه.. طُرفه.. لا تاخذها إهانه وتأسرها بنفسك وتقلبها عداوه وانت راح تصير زوج اختي، يعني اخي، والاخ مايتزاعل مع اخته.
- حصل خير، بالمناسبه خلصي وتعي اريد احكي معك بخصوص اختك .
- ماتريدك ولا تريد القبيلة ولا تحب هالعيشه كلها وعلى تكه تريد تحرق روحها.
-اعرف. ماقولتي شي جديد، بس انا اريدك حتي تعرفيني كل شي عنها ايش يرضيها ويفرحها ويرسم البسمه على شفافها.
-منك انت ولا شي، لا تحاول كل محاولاتك راح تفشل.
- اقول روحي ياعفراء ترا صراحتك تصيب أدق من السهام اللي بيدك وتستقر بمواضع الامل تقتلها..امشي الله يهديك.
غادرت عفراء وهي تبتسم وبدات رحلتها لأمتع شيء فعلته طوال عمرها.
اما في القبيلة..
- حييييه عليك وعلي، ايش تقول ياصياح، فضيت نهوتك على رجوه بت الشيخ؟
- اي فضيتها وكنت ناوي اخذ بت قياتي بس الحظ ماحالفني، ولا طلت بلح الشام ولا زبيب اليمن.
صالحه
-عليك من الله ماتستحق ياطماع ياغبي ياقليل العقل ضيعت من يدك الهيبة والسند.
- وينها الهيبة وهي كل شوي تفتح راسي وتسيح دماي، اقول انا مااريد اتزوج، وإذا عالقروش انا اعرف اجيبها بذراعي من بطن السبع، انا ماقليل لجل انتظر حرمه تفتحلي ابواب الخير، انا بروحي اكسر لبواب.
ردت عليه خوله..
- بس دير بالك وقت تكسر لبواب تسقط فوق راسك الكبير تفلجا نصفين.
-خوله تسكتين ولا اقوم اقطعك اذبحك واقطعك وارميك للضباع تتعشى بك، انا الحين ماطايق حالي.
-تذبح من انت؟
والله ماتقدر، انا الحين لي سبع ياكلك إذا قربت مني.
-سعود الخايس صار سبع؟ لا وياكلني بعد! والله هم يضحك وهم يبكي، تدري سبعك التتحامي فيه هاد انا مااتعب روحي وارفع يدي عليه، انا بس ارشه بسطل مي يموت بأرضا.. وموته وموتك على يدي من قريب قولي أنشالله:
-سويها وانا أشوفك الجحيم ونار الحميم كيف يكون ياصياح،ورجلي ما خايس، واذا تجيب طاريه وتتكلم عنه تكلم بأدب وتقول الشيخ سعود.
وهنا قفز صياح وأمسك خولة من رقبتها خنقها واخذ يتحدث من بين اسنانه المطبقة:
-شاخ عمرك وعمره، الحين موتك على يدي ياخايسه إنت وشيخ الخوايس الفرحانه به، والله ياخوله مااتركك إلا وانت راقده ماتتحركين.
اخذت خوله تعافر حتى تتخلص منه وتضرب الهواء بايديها وأرجلها، ولم يخلصها منه سوى أمها التي صرخت بكامل صوتها:
- وااااك عليكم ياخلفة الشوم يااشجار حنظل نبتت ببطني وسكنت خيمتي.. وااااك تعالوا يااهل القبيلة واتفرجوا علي خيبتي القوية وشوفوا ولادي يموتون بعض والاخ يخنق بأخته.
-هي العالت بي وانا ما احتكيت بها، قوليلها من الحين ماتفتح خشمها علي ولا تقول عندي اخو اسمه صياح.
خوله
-لجهنم الحمرة صياح واسمه وصورته.. الله ياخذك ياعديم الرحمة روحي على تكه وفاضت.
-لسانك راح ينهي عمرك ياخوله تذكري هالشي.
-تذكر انت انك من الحين صرت عدو لي.. وحيات تراب صالحه لادفعك ثمن قسوة قلبك.
صالحه:
-اي تراب صالحه التحلفين به! تفاولين علي بالموت ياداشره، رد اخنقها ياصياح وهالمرة ماتتركها إلا جثه وانا بيدي ادفنها واحط فوقها التراب.
- والله إذا مابعدتوا عني اخذ اغراضي واروح عند سعود وامه بخيمتهم بدون عرس ولا اي شي، لتفكرون إني مالي حد وطيره مكسور جناحها.. اصحوا انا خوله مرت سعود.
صالحه:
-خ... ه عليك وعلي سعود بساعة وحده، اقول ياصياح انا ماشيه عند حريمات القبيلة إذا جلست بالخيمة اكثر راح انجلط، وانت روح شوفلك مكان اجلس به ولا تيجي الخيمة وانا مو فيها حتي لا تغيلها.
- اي والله انا ماطايقها ولا طايق اشوفها،امشي احسن لي
خوله:
- اي امشي، أمشي يامرفوض ياللي قياتي مارضي يزوجك بته ياعار القبايل ياعرة الرجال.. ماتصير رجال غير على خوله بس.
- اذبحها الحين؟
- لا امشي أمشي، أمشي وسيبها يرزقها بذيب ينهشها علي غفلة ونفتك منها ولا تلوث يدك بيها.
خرج صياح وإبتعد عن الخيام وهو يفكر فى الطريق الجديد الذي سيسلكه نحوا حلمه بعد أن أُغلق طريق الزواج، وهل سيكون سهلاً إم صعب، فهو لا يحب الطرقات الوعرة ولن يصبر إن كانت الطريق طويلة.
أما عقاب، فقبل قليل كان يجلس مع رابح، وانضمت إليهم معزوزه بعد أن أحضرت لهم القهوة التي طلبوها منها، وجلست بجوارهم تحتسيها معهم، فقال لها آدم:
-هي القهوة مو خطر على الجنين يامعزوزه ولا ايش؟
ليرد عليه رابح منزعجاً:
-مع من تتكلم أنت، معزوزه مايهمها خطر ولا مطر، الولد ببطنها وهي معدتها مامتحمله وانا تعبت احذرها من القهوة وهي ماترد.
- ماتخافوا انا وليدي وارث القوة من ابوه وماراح يصيبه إلا الخير وإذا على معدتي إذا طاوعت حرقتها ماآكل ولا اشرب شي، اتركوني اشرب القهوة برواق الله يرضى عليكم واشقوا باللي جايه صوبنا وخطاويها متل التلبسها جني.
وصلت رجوه ووقفت امامهم ووضعت يديها على خصرها وهدرت بهم:
-والله زين تتقهوجون وتتسامرون مااحلاكم وانا تاركيني أضوق الحنظل من قصير ونباح.
معزوزه:
-ايش فيك يارجوه ليش رياحك تلفح؟
-ابوك مايفوت فرصه إلا ويجيب فوق راس رجوه ويكيل، ماشي عرفنا اني فانص، ليش كل ماتحدث عني مع حد يقول فيها وفيها، يااخ ماتارك حد إلا ويفهمه اني عار.
آدم:
- وين وجه الاعتراض وعلى ايش الزعل، ماانت عار بالفعل!
رجوه:
-ياعقاب انت بالذات لا تزودها لأنها منك غير وتوجع اكثر من الكل، وبالمناسبه صياح فك رهنه لي والحين انا صرت حره واريدك توفي بوعدك وترهني، أو تتزوجني فوراً انت مافي شي يمنعك ولا أنا.
-متى صياح فك الرهن؟
-الحين فكه وراح لحاله الله لا يرده ولا يرد اسمه يقترن باسمي، اتركنا منه ولا تجاوب سؤالي بسؤال، متى توفي ياعقاب.
- ماادري مو الحين.
- لا الحين، ومن هاللحضه انا صرت لك ياعقاب.. ياأهل القبيلة، ياقوم.. يارجال يانساء ياوليدات.. اليوم صياح فك نهوته علي وعقاب طلبني اليوم للزواج وبوي عطاه.
كانت تصرخ بصوتها العالي فتجمع أهل القبيلة على صوتها، فوقف آدم وهو لا يعرف بماذا يبرر.. فبدأ التهامس، وحضر قصير حين رأي التجمع،وبمجرد وصوله سأله أحد الرجال:
-ايش هاد التقوله بتك ياشيخ؟ كيف يعني عقاب خطبها وعطيتوه وهو مو من مجاويزنا.. وين صارت هي لتصير بقبيلتنا؟
صمت قصير وهو لا يعلم ماذا يقول، فلم يكن هذا هو الاتفاق، بل كان إنه سيوهمها ويماطل حتى يعيد لها رشدها، أما الحين فإنه صار مأزق لا يُستهان به.. وهنا تدخلت عوالي قائلة:
-من القال إن عقاب مو من مجاويزنا؟ عقاب له جذور بدوية وينتمي لجدنا الأكبر معاويه، وإلا ليش الشيخ منصور إستقبله وسطنا وسمحله يشب ويكبر بين وليداتنا.
أكيد كلكم تتذكرون الجد غانم اخو معاويه اللي اهله صحيو بيوم مالاقوه، غانم من سنين طلع عايش وسافر العراق وتزوج وعاش ومات بالغربة وماحد رد مصر من نسله إلا محمود أبو آدم، وإذا ماتصدقوني اسألوا واتقصوا بروحكم.
صمت الجميع وأخذوا يتبادلون النظرات المبهمة فيما بينهم ورد عليها احدهم:
- بس الشيخ منصور ولا مره جاب طاري الموضوع، اشوفها غريبه واجد ياشيخه وتريدي الصدق مادخلت مخي.
- تدخل ولا ماتدخل اخر همي، احنا مانخالف اعرافنا لجل اي شي، والحين آدم ولدنا بالدم والعرق، وخطب بت عمه وابوها عطاه، اليريد يسأل يتفظل الطريق مفتوح.
قصير:
-هو متل ماقالت عمتي بالضبط، ومن الحين رجوه لعقاب.
كلمات بسيطة خرجت من جوفه ولكنها كانت كفيلة بأن تحيي قلب رجوه وتجعلها تشعر بأنها اخيراً فازت بالحرب الذي تقاتل فيه بمفردها، واخيراً غلبت الفئة القليلة، أما آدم فكلام قصير وضع بيديه أصفاد لا يعلم من أين أتت وقيدته ، وأماتت ذاك القلب الواقف بعيداً يتابع في صمت.
•تابع الفصل التالي "رواية عقاب ابن الباديه" اضغط على اسم الرواية