رواية الحصان و البيدق الفصل الخامس 5 - بقلم ناهد خالد
"تسوقنا الاقدار لعكس طرقنا المرغوبة، ولكن لربما نكتشف لاحقًا انها كانت افضل الطرق واصلحها"
فتحت عيناها بعد نوم هادئ استمر لساعات، هكذا ظنت، حين بدأت تتحرك وتفتح عيناها ظنت انها تستيقظ من نومها كما معتاد، لكن ما إن رأت عيناها سقف الغرفة واشتمت انفها لروائح غريبة تعود لمستحضرات طبية، مالت برأسها للجانب لتبصر حامل معدني مُعلق عليهِ محلول متصل بكفها، وحينها أدركت انها في مستشفى ما، وقذف لذهنها المشاهد الأخيرة قبل الإغماء..
_مصطفى!
كان الاثنان يقفا أمام باب الغرفة من الداخل، و"مراد" يحادثه في أمر ما! لكنه التف فورًا حين سمع همسها، فالتفت فورًا ناحيتها ليجدها قد استفاقت فاوقف حديثه مع شقيقها وخطى نحوها بخطوات واسعة متلهفة، و"مصطفى" الذي لم يسمعها لكنه انتبه لحركة "مراد" تحرك على الفور هو الآخر ما إن ابصرها تحرك رأسها بوهن.
_ خديجة أنتِ سمعاني؟
هتف بها "مراد" وهو ينحني قليلاً وعيناه تتفحص ملامحها بلهفة، كانت قد اغمضت عيناها حين شعرت بقربه، والآن ربما حُبس نفسها وهي تشم رائحته وتشعر بهِ بهذا القرب، وبالفعل لم تخطئ، فحين فتحت عيناها مجبرة ابصرته يطل عليها من علو، لتشيح برأسها للجهة الأخرى فوجدت شقيقها يناظرها بابتسامة سعيدة لاستفاقتها، فغمغمت بضيق:
_ هو ايه الي حصل يا مصطفى؟
اختفت ابتسامته رويدًا ونظر لمراد بتوتر فليس لديهِ القدرة على اخبارها بما تعانيه، أشار له "مراد" بعينيهِ بحركة فهمها على الفور، فاخبرها بعدما انحنى يقبل جبهتها بحنو:
_ معلش يا حبيبتي هروح بس اجيب حاجه اكلها اصل ماكلتش من وقت ماجينا هنا،وأبيه مراد هيحكلك الي حصل، مش هتأخر.
_ مصطفى!
نادته وهي ترى هرولته للخارج لكنه لم يجيبها، ولم يلتفت لها حتى! قطبت ما بين حاجبيها غاضبة، وقررت عدم السؤال، لا تريد أن تعرف، او ربما يأتي الطبيب الآن وتعرف ما تجهله منه، لا داعي للتواصل مع هذا الكائن الذي لا تتقبل وجوده من الأساس.
ظل ينظر لها بضع ثواني فاستشعر قرارها في عدم الحديث، خاصًة وهي لم تعود برأسها تجاهه، ولكنه ماكر.. يعرف كيف يجعلها هي من تحثه على الحديث.
اعتدل واقفًا واصطنع الضيق والجدية وهو يسألها بصوت بهِ نبرة حادة:
_ ازاي ما تصارحنيش بحاجة زي دي؟ مش شايفه ان كان من حقي اعرف؟ مش معقول بعد ما ابقى جوزك تفاجئيني كده.
رمشت باهدابها عدة مرات بعدم فهم، علام يتحدث هو؟ أي شيء هذا الذي لم تخبره بهِ! ظلت صامته لثواني لكنها لم تستطع بعد أن آكلها فضولها، فسألت وهي على نفس الوضعية:
_ تقصد ايه؟ اي الي خبيته؟ محدش هنا خبى حاجه غيرك.
رفع رأسه معتزًا بنفسه وقد نجح في لفت انتباهها، وأجابها بوضوح وجدية خالية من أي مكر او دهاء:
_ أنتِ متعرفيش موضوع تعبك؟
لفت رأسها له هذه المرة وهي تخبره بتقطيبة حاجب:
_ اتكلم بوضوح.
تردد قليلاً في القاء الخبر عليها، فقد شعر أنها ليست على دراية بالأمر، نظر لها قليلاً بصمت، يحاول انتقاء كلماته، واخيرًا لفظ انفاسه وهو يخبرها:
_ بصي هو.. أنتِ وقعتِ واحنا بنتكلم وجبتك هنا، الدكتور كشف عليكِ وقال إن دي كانت غيبوبة.
وصمت.. علها تدرك ما يريد ايصاله من كلمته الأخيرة، وان لم تفعل سيضطر اسفًا للتوضيح، والغريب كان رد فعلها، حين تنهدت تنهيدة عميقة قبل أن تقول براحة:
_ فكرت حاجة تانية.
رفع حاجبه الأيسر بدهشة يسألها:
_أنتِ كنتِ عارفة بجد؟
اغمضت عيناها بسأمٍ تجيبه باقتضاب:
_ ايوة.
_ من امتى!؟
_ من كذا سنة، بعد موت ماما على طول.
_ازاي بجد مقولتليش؟
رددها بتساؤل مستنكر، غير مصدقًا انها لم تخبره بأمر كهذا، امر بالغ الأهمية، فتحت عيناها ونظرت له بسخرية مريرة مردفة:
_مابلاش أنتَ.
أدرك مغزى جملتها، فقلب عيناه بضيق وهو يخبرها:
_ الموضوع مختلف، أنتِ كان لازم تبلغيني، لأن ببساطة من حقي كجوزك اعرف، عشان ابقى دايمًا ملاحظك والحقك لو حصل حاجة، النهاردة لما وقعتِ كده لو كنت اعرف كنت فهمت انها لها علاقة بيه، بعدين ازاي مقولتيش طول فترة الخطوبة، يعني كنتِ ناوية تخبي لامتى وتخبي ليه اصلاً؟
احتدت ملامحها وهي تجيبه:
_ انا مخبتش قاصده، انا بس الموضوع عندي مش لدرجة تخوف، تقريبًا ممكن يحصل مرة كل شهرين او اكتر، غير كده سكري منتظم على الاغلب، وعمري ما دخلت في غيبوبة، كنت بلحق نفسي على طول، عشان كده مشوفتش الموضوع مهم للدرجة، بعدين انتَ اخر واحد تلومني اني خبيت حاجة، على الاقل يوم ما خبيت، خبيت حاجة تخصني لوحدي، عدم معرفتك بيها مش هتأذيك في حاجة.
هز رأسه موافقًا حديثها وقال:
_ انا فاهمك على فكرة، بس الي أنتِ خبيتِ عليه زين مش مراد، زين الي كان طبيعي جدًا يعرف ان خطيبته عندها مرض زي ده، يعني متبرريش لنفسك، فاكره لما خرجنا وجبتلك مولتن كيك، وقتها كلتي معلقة واحدة ورفضتي تكملي، وقولتيلي انك مبتحبيش الحلويات، رغم اني عارف انك من صغرك كنتِ بتعشقيها، بس وقتها قولت يمكن اتغيرتِ، لكن دلوقتي فهمت.. وفهمت برضو الكميات القليلة الي كنتِ بتاكليها من اي نشويات، كان ممكن في اي مره من دول تقوليلي الحقيقة.. عرفتي بقى ان مفيش حاجة اسمها مجاتش فرصة.
وقبل ان تتحدث قطع حديثها فتح الباب ودلوف شقيقها ومعه الطبيب، الذي القى نظرة أخيرة عليها ليخبرهم بعدها:
_ لا تمام كده، هكتبلك على خروج فورًا، مستوى السكر بقى عال وثابت بقاله شوية كويسين.
_ دكتور ياريت متنساش طلبي.
اومئ موافقًا يخبره:
- بالفعل كلمتهم، وهيتشحن من بكره، خلال يومين هيكون عندك، وده أحدث نوع نزل وكل الدكاترة بيشكروا فيه جدًا، بس هو له مدة وبعدها لازم تجدده، يعني غالبًا هتحتاج واحد كل شهرين. ودي مدة طويلة بالنسبة لصالحية باقي الاجهزه المشابهه عشان كده غالي شويتين.
هز رأسه بلامبالة وعقب:
_ اطلبلي ١٠ واول ما يوصلوا بلغني.
اتسعت أعين الطبيب بذهول الجمه لثواني، ثم حرك راسه باستنكار يقول:
- ١٠ ايه! لا حضرتك مش متخيل سعره، ا...
_ جرا ايه يا دكتور! انا عارف انا بقولك ايه؟
هتف بحدة وقد ضاق صدره، لتمرر "خديجة" انظارها بينهما وقد ادركت ان الحديث الدائر حول شيء يخصها، فنظرت للطبيب تسأله:
_ هو ايه ده؟
نظر لها الطبيب ومازالت ملامحه مدهوشة، مستنكرة:
- جهاز لقياس السكر، عشان يعرفك اذا كان عالي ولا واطي، وكمان بيدي تحذير قبل ما تتعبي بوقت كافي عشان تلحقي نفسك، بس الاستاذ مش عاوز حتى يسمع السعر مني، لانه اكيد مش هيطلب العدد ده بعدها.
_ بكام؟
سألته بفضول، ليقاطعها "مراد" قائلاً:
_ مفيش داعي نعرف.
_لا في...
حولت انطارها له وهي تخبره بتحدي وكبرياء:
_ فيه اني مش هسمح انك تجبهولي، انا هجيبه لنفسي، شكرًا لخدماتك بس مستغنيين عنها.
اعادت ببصرها للطبيب تسأله بالحاح:
_ بكام يا دكتور؟
رأى الطبيب الاصرار يلمع في حدقتيها فاضطر لاخبارها وقال:
_ الجهاز الواحد ب ٤٥٠ دولار لانه لسه حديث.
ابتعلت ريقها بتوتر وهي تسأله بأعين زائغة:
- هو الدولار بكام دلوقتي؟
ابتسم لمظهرها وهو يجيبها:
_ ب ١٦ الف ج، بصي الجهاز تكلفته ٧٢٠٠ج، عشان كده بقول ان ال ١٠ اجهزه هيكون مبلغ، يعني هيكون ٧٢ الف جنية، فده الي كنت عاوز اوضحه.
بُهتت وهي تستمع لتلك الارقام الخيالية، يا للسخرية سعر الجهاز الواحد يكفي معيشتها لثلاثة اشهر كاملة! ( افتكروا اننا في عام ٢٠٢٠)، ان حاولت التدبير لشرائه ستحتاج لستة اشهر ربما! وستدبرهم بعناء، ابتلعت ريقها لتُذهب تلك الغصة التي انتابتها وهي تقول:
_ شكرًا يا دكتور متطلبش حاجة.
رفع الطبيب نظره ل "مراد" الذي اشار له بعينيهِ بألا يهتم لحديثها، وهي فهمت ملامح الطبيب حين هز رأسه بلا معنى وذهب، ليتأجج غضبها وتطيح بهِ وهي تقول:
_ على فكره فهمت انك غمزتله..
قاطعها مشيرًا لنفسه بذهول، مرددًا باستنكار انهاه بنبرة عبثية:
_ انا اغمز لده؟ انا مغمزش لحد غيرك يا جميل.
شهقت بتفاجئ من جملته الأخيرة، والتي اتبعها بغمزة حقًا من عينه اليسرى! هل هذا وقته! وكيف يتعامل باريحية هكذا!
_ على فكره لو جبته مش هاخده، فوفر فلوسك.
ابتسم ببساطة يخبرها بصدق واضح:
_ فلوس ايه بس، هي دي فلوس! على فكره لو كان قالي الواحد بمليون كنت هجيب ١٠ برضو ومش ببالغ ولا بفتح صدري على الفاضي، بس انا عمومًا مبهتمش للفلوس ولا بركز معاها، هركز بقى وهي مصروفة في حاجة تخصك! المهم متخضنيش عليكِ تاني كده.
قال جملته الأخيرة وقد تغضن جبينه بالحزن، كما ظهر التأثر جليًا على وجهه، لتشيح برأسها وهي ترى صدق شعوره، وتوقن مصدقية حديثه.
_ يلا عشان نخرج ولا ايه؟
قالها "مصطفى" منهيًا الحديث في ذلك الموضوع الشائك، فليكفي قبل أن يتحول النقاش لشجار وتتعنت شقيقته أكثر.
_ اه يلا انا اتخنقت.
رددتها وهي تعتدل محاولة الاستناد على ذراعيها للنهوض بعد ان ازال الطبيب الابره من كفها، واسرع شقيقها يساندها، بينما وقف "مراد" مانعًا ذاته بالكاد من الاقتراب، فقط كي لا يخلق مشكله، وهو يعلم رفضها، ويعلم انها لن يتقبل الرفض صراحًة هكذا.
استندت على ذراع شقيقها وسارت معه وأمامهما "مراد" حتى وصلا لسيارته، فاستقلت المقعد بالخلف بصمت، ولم يعقب أحد، واستقل "مصطفى" المقعد المجاور" لمراد".
__________________
ترجلت من سيارتها ودلفت للمستشفى على الفور، اخذت تشق طريقها الذي تعلمه جيدًا حتى تصل لمكتبه، ولكن حين وصلت لم تجده، ظلت تلتفت حولها حتى وجدت ممرضة تمر من جانبها فاوقفتها تسألها بعجالة:
_ لو سمحتِ دكتور باهر فين؟
_ الدكتور بيمر على مريض، خمس دقايق وهتلاقيه هنا تقدري تنتظريه.
وانسحبت لتجلس "جاسمين" أمام باب غرفة مكتبه، تنتظر مجيئة، واحنت رأسها بارهاق جلي، تشعر بالأرض تدور بها من فرط مجهودها ربما منذ ان علمت الخبر.
دقائق قليلة وكان يقف أمامها، لتنتبه له، فرفعت رأسها تواجهه، ونهضت بعدها تقف أمامه، طالت النظرات الصامتة بينهما، وكلاهما يتفحص الآخر، هو يبدو مرهقًا، شاحبًا، تائهًا! وهي تبدو مُتعبة، حزينة، يائسة، الأعين خلت من العتاب من جهتها، لكنها شعرت أن أعينه تعاتبها هي، فعضت شفتها السفلى بتوتر وبعدها هتفت بارتعاش:
_ انا.. انا مكنتش اعرف.. لسه عارفه، البقاء لله.
منذُ رآها وادرك انها علمت بالخبر، لا يهم من أين، لكنها علمت وأتت لتواسيه، هز رأسه قليلاً وهو يقول بجمود:
_ الدوام لله وحده.
اصابها التوتر اكثر لتفرك كفيها ببعضهما باحثة عن حديث مناسب، حتى قالت:
_ اا.. يعني مكانش المفروض تنزل الشغل، كان المفروض ترتاح.
هز رأسه نافيًا وقال:
- مفيش داعي.
حركت رأسها باتجاهه مكتبه لتهتف بنفس التوتر:
_ ينفع ندخل بدل وقفتنا دي؟
وبدون ان يجيبها تقدم يفتح الباب لتتبعه واغلقت الباب خلفها، بينما اتجه هو للأريكة وجلس فوقها بارهاق واضح، وثبت نظره على الأرضية اللامعة، اقتربت وجلست على المقعد المجاور له تنظر له تارة وتتنهد تارة أخرى، ظلت هكذا لدقيقتان على الاغلب حتى قررت الحديث:
_ باهر.. أنتَ كويس؟
اومئ برأسه والتزم الصمت، لكن تأكيده لم يفرق معها فهي تدرك كذبه، لذا اصرت على الضغط عليهِ، فقالت بكلمات تبدو سخيفة:
_ كويس ازاي! أنتَ والدك لسه متوفي امبارح! طبيعي تكون كويس يعني!؟
رأته يغمض عيناه وتهتز جفناها بشكل مبالغ، لا تعلم هل من العصبية ام يحاول التحكم في نفسه، وسمعته يقول بنبرة ارتعشت في اخرها:
_ اعمل ايه يعني؟ اقعد انوح زي النسوان؟ ولا اروح ادفن نفسي جنبه!؟
_ مقولتش كده بس...
قاطعها حين فتح عيناه وهو يردف بصوتٍ مرتفع قليلاً:
_ هو مدنيش فرصة لأي حاجة اصلاً راح فجأة من غير حتى ما اودعه.. راح من غير ما..
صمت وأخذ يتنفس بسرعة، وقد علىَ صوت تنفسه وكأنه يلهث، لتنهض على الفور وجلست بجواره تشاركه الاريكة، ودون تردد وضعت كفها فوق ذراعه تمسد فوقه بمؤازرة وتقول:
_ خرج الي جواك يا باهر.. كتمانك ده وحش وه..
قاطعها حين تشنج جسده فجأة اسفل كفها، ورفع كفيهِ يغطي وجهه، لتسمعه ينخرط في نحيبٍ حارٍ، لتتساقط دموعها فورًا بتألم، وهي تجذبه لحضنها تحيطه بذراعيها بقوة وهي تقبل رأسه تارة، وتمسد بكفيها على ظهره تارة أخرى علّه يهدأ.
فقدان الأب شعور لا يوصف مدى بشاعته، وهذا في العموم، أما بالخصوص إن كان رجلاً صالحًا، حنونًا، متفهمًا، رحيمًا باولاده، يكن غيابه جرح غائر لا يلتئم مهما مر الزمن، ولحظة فقدانه تكن كسره حقيقية لظهر اولاده، كسرة لن تعالجها العمليات الجراحية ولا امهر الاطباء، وتشعر أنك قفزت بسنوات عمرك لتصل لسنوات مضاعفة من المسؤولية، والهم، والحزن، والتشتت، وتقذفك الحياة لحيثما تشاء، فلا تجد من يواجه تخبطها بدلاً منك، وتحتمي أنتَ بظهره.. بظله.
_____________
توقفت السيارة ففتحت عيناها وقد ظنت انها وصلت لحارتها المألوفة، لكنها قابلت مكان غريب لا تعرفه، مبنى معماري غريب عليها، جميل وانيق، بشكل آثار قلقها، حتى المنطقة السكنية جميعها على نفس السياق، تلتفت حولها وهي بالسيارة ليزداد ذعرها وهي تدرك أنها في أحد الأحياء الراقية المنتمية للطبقة المخملية، عادت برأسها له في حدة تسأله بنظرات تطلق شرارًا:
_ أنتَ جبتنا فين؟
نظر لها عبر المرآة الوسطى، واجابها بهدوء:
_ بيتك يا حبيبتي.
استشاطت اكثر لتضرب جانب مقعده بكفها بعنف وهي تصرخ بهِ:
_بيت مين أنتَ شارب حاجة، انا لايمكن اقعد هنا، رجعني بيتي فورًا، انتَ سامع.
_ صوتك عالي اوي يا حبيبتي ومزعج بصراحة.
قالها ببرود تام، فتعالت انفاسها الغاضبة، وما كادت تطيح بهِ مرة أخرى حتى اوقفها حديث شقيقها:
_ خديجة، مش هتفرق كتير دلوقتي من اخر الاسبوع، مش كنتوا هتيجوا هنا اخر الاسبوع؟
ارتفع صوتها أكثر وهي تجيبه:
_ ده كان قدام باهر الكلام ده، لكن عمري ما كنت هسمحله يحصل، انا بس سكت عشان مش وقته وباهر فيه الي مكفيه، لكن كنت ناوية اكلمه وافهمه كل حاجه قبل الاسبوع ما يخلص.
رفع مراد أصبعه وهو يردد بمرح زائف:
_ شوفي عشان نيتك دي، حصل موضوع تعبك ومينفعش اسيبك تكوني في البيت لوحدك.
_ليه نوغة! رجعنا قولتلك.
صرخت بالأخيرة ليضع كفه فوق أذنه بتأفأف زائف، وعقب "مصطفى" :
- معاه حق، انا نفسي هبقى خايف عليكِ وانا رايح الدروس او المدرسة، وجودك هنا أأمن، ده كمان في خدم يعني حتى لو انا وابيه مش موجودين في عشرة غيرنا موجودين هياخده بالهم منك، ويلحقوكي لو حصل حاجة.
_ انا بقالي سنين عايشة لوحدي وعارفة وضعي كويس مش محتاجة حد ياخد باله مني متعصبنيش أنتَ كمان، دي مش حاجة جديدة عليَّ!
رفع منكبيهِ بعدم اهتمام بحديثها:
_ انا مش هبقى مرتاح بعد ما عرفت، وهفضل قلقان عليكِ...
وقبل أن تتحدث كان يسأل "مراد" مبتسمًا:
_ قولي يا أبيه في pool جوه؟
حرك رأسه ببساطة:
_ طبعًا.
_انا بقول انزل اشوفه لاحسن هموت واشوفه على الحقيقة، مش في الصور وبس.
انهى حديثه وفتح باب السيارة مترجلاً منها، تحت نظرات الدهشة من "خديجة" التي صرخت باسمه بعصبية بالغة والحقته بسبة بذيئة لحد ما، قبل أن تحاول فتح بابها للنزول خلفه، لكن لم يُفتح..
_ افتح الزفت ده احسنلك.
قالتها وهي تشرب على الباب بعصبية وقد أدركت انه من اغلقه، ليلتفت بنصف جسده لها وهو يخبرها بنظرات ثابتة:
_ مش قبل ما نتفق.
- نتفق!
"سر من الماضي "
"بعض الخبايا تظل سرًا لسنوات حتى يأتي الوقت الذي تُكشف فيهِ، وبعضها يظل سرًا أمد العمر، كالاسرار تمامًا فبعضها يُكشف وبعضها يُدفن مع صاحبه"
_ نتفق على ايه؟ مفيش اتفاق ممكن يجمعنا.
قالتها بعدائية واضحة، ليرفع حاجبيهِ مع زفرة قوية منه، يبدو أن الطريق سيكون اطول مما توقعه معها، ولكن هو نفسه اطول، تحدث بنبرة هادئة قدر المستطاع:
_ حبيبتي تعرفي ان...
صرخت بهِ وهي تنهره على ما تلفظ بهِ:
_ متقولش حبيبتي دي، انا...
قاطعها وهو يقول باستفزاز:
_ ماشي يا عمري، المهم خلينا في موضوعنا، تعرفي ان مصطفى بنفسه الي طلب مني نييجي هنا النهاردة، يعني الحقيقة الموضوع كان في بالي بس هو سبقني وطلب مني ده، وأنتِ شوفتِ اهو سبقنا لجوه، فياترى هترجعي البيت لوحدك؟
_ انا استحالة اسيب اخويا معاك.
كان يتوقع ردها، كان متأكد من عدم تركها لشقيقها لذا كان هو ورقته الرابحة، حدقته بنظرات غاضبة وتطاير منها شرارات الغيظ قبل أن تضرب بقبضتها الباب وهي تهتف:
_ افتح الزفت ده.
ضغط على زِر فتح الباب وهو يخبرها بابتسامة ساحرة:
_ حسني ملافظك يا ضي، عيب كده.
قطبت ما بين حاجبيها بتعجب وهي تسمع هذا الاسم منه، ولم تستطع كبح فضولها وهي تسأله:
_ ده ايه ده كمان؟
غمز لها بعينيهِ اليسرى وهو يخبرها:
_ هتفهمي بعدين، يلا انزلي خليني افرجك على البيت.
ضغط على اسنانها وهي تردف بغيظ:
_ ده انا الي هفرج الناس عليك لو مبطلتش استفزاز.
ضحك بخفوت وهو يردف قبل أن يترجل من السيارة:
_ اول مره اكتشف ان لسانك طويل.
ترجلت هي الأخرى واستدارت حول السيارة لتقول ما إن وصلت له:
_ عشان زين مكانش يستاهل اوريه طولة اللسان دي، لكن انت حتى طولة الأيد تستاهلها.
_ ده من كرم اخلاقك.
أردف بها وسبقها للداخل تطأ قدماه فوق البساط الاخضر الممتد بمسافة كبيرة قبل أن يصل لدرجات قليلة تصل بهِ لباب الفيلا الأبيض.
كانت تتفحص معالم المكان وهي تسير خلفه، مساحة خضراء لا بأس بها، مريحة للعين والنفس، والفيلا بأكملها طُليت باللون الأبيض "لونها المفضل في المنازل" تشعر أنه يبعث سلامًا من نوع خاص، بدى كالقصر رغم صِغر حجمه، صعدت الدرجات القليلة وتخطت بابها لتنبهر بالتصميم الداخلي، كل شيء راقي بشكل لا يوصف، بعيد عن أي بهرجة او مظاهر مستفزة للترف، مجرد ردهة صغيرة على الحائط الأيمن بها ثلاث طاولات متجاورات بعد الباب وفوقهم فازات بها ورود جميلة، والحائط المقابل مرأة بطول الشخص، وعلى الحائط الأيمن أيضًا فتحة مدخل توقعت انه للمطبخ ربما، والردهة تنتهي لردهة أخرى أكبر، واسعة وبها صالون فخم، وشاشة عرض ضخمة، وبمنتصفها درج عالي يصل للأعلى، بينما تحاط بزجاج يعكس الرؤية للخارج، ومنه استطاعت رؤية "مصطفى" وهو يقف على حافة المسبح الكبير، والذي يحاط بخضرة وكراسي طويلة وشمسية وبجواره حوض ملئ بالزهور، وقفت في منتصف الردهة تنظر للذي التف لها وهو يخبرها بينما يشير خلفها:
_ الطرقة الي دخلتِ منها على يمينك المطبخ وحمام واوضتين للخدم، ودول اصلاً مش هيكون ليكِ اي علاقة بيهم بس حبيت اعرفك، والخدم ليهم باب على الجنينة على طول مش هيطلعوا من الباب ده، ولا هتشوفيهم في الفيلا غير لو طلبتيهم، وده الpool زي مانتِ شايفة وله باب خاص من الصالة، والباب ده..
اشار على باب آخر لم تكن منتبهها له يقبع على يمينها..
_ هيخرجك على طريق فيه كل المولات والمعارض والنوادي الموجوده في الكمبوند، اي حاجة هتلاقيها هناك، تعالي نشوف فوق.
_ ناديلي مصطفى.
أردفت بها وهي تهز ساقها بعصبية واضحة، وبدى أنها لم تهتم بأيًا مما قاله، رضخ لرغبتها ونادى على شقيقها الذي أتى فورًا وهو يهتف بسعادة وابتسامة واسعة لم تراها على وجهه من قبل:
_ خديجة شوفتِ الفيلا حلوه ازاي، دي فيها كل حاجة، وال pool يجنن، ولا الورد الي بره ريحته تحفة ومالية المكان، تعالي شوفيه مش أنتِ بتحبي الورد.
تلجمت في الحديث وهي ترى حماسة شقيقها وسعادته، حاولت أن تتحدث اكثر من مرة لكنها اخفقت وهي ترى الفرحة تشع من عينيهِ، والجمها اكثر حين اكمل:
_ بقولك ايه احنا اصلاً مش محتاجين نروح الشقة ولا نجيب منها حاجة، احنا ممكن نجيب بس الورق المهم والحاجات دي، لكن حتى اللبس مش محتاجينه، ابيه مراد قالي انه هياخدنا بليل وننزل المولات هنا نجيب كل اللبس الي عاوزينه... خديجة ده فيه هنا بلاستشين.. وفيه نادي كمان هقدر العب فيه كرة السلة الي كنت هموت واتعلمها.
كيف لها أن تحطم آماله؟ كيف لها أن تحرمه من السعادة بعد أن حُرم منها طوال عمره؟ مصطفى لم يعش طفولته ولا صباه، دومًا أراد اشياء لم يحصل على القليل منها حتى، دومًا كان لديهِ طموحات كان موقنًا أنها مستحيلة النيل، حتى ابسط حقوقه في الطعام أو الملبس لم يحصل عليهِ كما أراد، وترددت في أذنيها القليل من شكواه سابقًا حين كان يفيض بهِ الكيل..
" نفسي اكل ايه؟ ده على اساس اني لو قولتلك عاوز اكل لحمة هتعرفي تجبيها! دي مبنشوفهاش غير كل عيد، احنا اخر الشهر يا خديجة ومعروف اننا في الوقت ده مبناكلش غير الجبنه فبتسأليني في ايه!"
" ايوه يعني اروح العب كورة مع صحابي بالشبشب! ولا اخد الكوتشي الجديد عشان ينقطع وميبقاش عندي غير الشبشب برضو! "
" عشان من حقي اعيش زي صحابي، ده انا حتى الكتب بيطلع عيني على ما بجيبها، وبتمرمط اني اروح لده وده انقل منه الواجب على ما تعرفي تجبيلي الكتب"
" مش هينفع اروح اتمرن كرة سلة في النادي الي جنبنا، هم طالبين في الشهر ١٥٠ج اشتراك، هتدفعيهم ازاي ده أنتِ بتجيبي معظم طلباتنا بالقسط، والاكل بتدبري فلوسه بالعافية"
" خديجة انا مش بلومك والله، بس انا نفسي اعيش حياة احسن من دي، لكن أنتِ كتر الف خيرك بتعملي كل الي تقدري عليه، بس الحياة صعبة يا خديجة خصوصًا لما تكون الي متحملة المسؤولية بنت صغيرة زيك وانا مش عارف اساعدك"
_ خديجة مبترديش ليه؟
هتف بها" مصطفى " لتستفيق من شرودها، وابتسمت له بالكاد بينما قد اخذت قرارها، ستضحي.. ستضحي للمرة التي لا تعلم عددها من اجل شقيقها، أمانة والدها لها، فوجهت نظرها ل" مراد " تقول بجمود:
_ هطلع اتفرج فوق..
واستدارت صاعدة الدرجات بخطوات كارهة، وما ان غابت عن انظارهما حتى شقت البسمة وجه "مراد" الذي تنهد براحة لم يظن انه سيدركها، ثم نظر ل "مصطفى" ورفع ذراعه يحيطه بهِ بحميمية بينما يثني على فعلته:
_ جدع عملت المطلوب منك واحسن كمان.
_ عجبتك؟ انا عملت زي ما قولتلي بالضبط وبينتلها قد ايه فرحان ومتمسك بحياتنا الجديدة.
انزل ذراعه من عليهِ واخرج محفظته ملتقطًا بعض العملات الورقية بينما يقول:
_ عجبتني جدًا، وادي مكافئتك زي ما وعدتك.
التقطهم منهُ، وقال بجدية وصدق:
_ ابيه أنتَ اكيد عارف اني لو مش متأكد إنك هتحافظ على اختي وبتحبها عمري ما كنت هوافق اتفق معاك ولا اقف في صفك، انا كل ده ميسواش حاجه قصاد سعادة اختى، بس انا كنت شايف قد ايه كانت تعبانة وشقيانه في حياتنا القديمة، وعاوز اوفرلها هي حياة احسن قبل ما اوفرها لنفسي، عاوزها تكون مرتاحة وتعيش حياتها احسن من الأول لانها عانت كتير اوي.
ربط "مراد" على كتفه وهو يخبره:
_ اوعدك انك عمرك ما هتندم انك وقفت في صفي وشوفتني الخيار الصح لاختك، اختك هتكون معززة، مكرمة معايا، وبكره تشوف سعادتها بعينك، بس الموضوع محتاج شوية وقت لحد ما تتقبل الحياة دي..
اومئ متفهمًا، وحاول تغيير الجو الكئيب، ليبدأ في عد المال وهو يسأله بمرح:
_ قولتلي دول كام؟
ابتسم "مراد" ابتسامة صغيرة وهو يخبره:
_ ١٠٠٠ جنية يا خفيف، مش كان اتفاقنا!
اومئ مؤكدًا وقال:
_ اصل انا اكبر مبلغ مسكته في حياتي ٤٠٠ج وكانوا بتوع الدروس، فتلاقيني مرتبك.
_ المهم، انا لازم اروح مشوار ضروري، مش هوصيك، عينك على خديجة عشان انا مضمنهاش لحد باب الفيلا ده.
وضع "مصطفى" كفه على رقابته وهو يردد ببسالة:
_ رقابتي، اتكل أنتَ على الله وهتيجي تلاقيها قتلاني بعون الله.
هز "مراد" رأسه يائسًا قبل أن يخطو للخارج مرة أخرى، فلديهِ أمر بالغ الأهمية يجب عليهِ اتمامه..
وبالداخل..
بالأعلى، سارت في ممر طويل متعرج حتى وصلت لآخر غرفة بهِ وقد مرت على سبعة غرف قبلها، قررت الدلوف لها بما أنها لن تعود كل هذه المسافة مرة أخرى، وما إن حاولت فتحها لم تُفتح، فزفرت بضيق على حظها التعيس قبل أن تقرر فتح الغرفة التي تسبقها، ونجحت بفتحها.. دلفت لتجدها غرفة جميلة وهادئة بشكل اراحها، فقررت البقاء فيها ولم تجد فضولاً لتفحص باقي الغرف، فاغلقت الباب وحرصت ان تغلقه بالمفتاح خلفها، وتحركت في الغرفة التي لم تحتوي سوى على فراش وثير وسراحة ومرآة طويلة وخزانة من الزجاج متوسطة الحجم، وأريكة بُنية، وطاولتان أحدهما صغيرة قرب الفراش والآخرى متوسطة أمام الاريكة، وباب مغلق اردكت انه للحمام الملحق..
خلعت نعليها وصعدت فوق الفراش لتنام ببطء فوقه كأنها تختبر تحمله لجسدها، وما إن أراحت رأسها حتى اغلقت عيناها... وبعد ثواني كانت دموعها الغزيرة تنسدل على جانبي وجهها وصدرها يعلو ويهبط بتنفس سريع.. وشهقاتها بدأت في العلو رغمًا عنها...
____________
وصل لمنزله الآخر.. منزل والده على الأحرى..
دلف للداخل باحثًا عن والدته، لكنه اصطدم بمن لم يرد الاصطدام بهِ الآن.. والده الذي كان يخرج من مكتبه في طريقه للخروج من الفيلا..
توقفا الاثنان ونظراتهما لبعضهما تنم عن عاصفة ستندلع، والتي بدأها "مراد" وهو يقول:
_ ارتاحت؟ هديت لما عرفتها، ولا ده كان من قهرك انك ملحقتش تبوظ جوازتي!؟
بدى وجه "حسن" باردًا وهو يجيبه:
_ كنت فاكر اني هسكت بعد ما روحت اتجوزتها من ورانا؟
_والي عملته ريحك يعني؟
_ مش هيريحني غير لما ترجعها للمكان الي جت منه.
ابتسم بقسوة لا تظهر عليهِ كثيرًا ألا حينما يتعلق الأمر بشيء لا يقبل فيهِ التفاوض، وقال بابتسامة ساخرة ملتوية:
_ حسن بيه، احتمالية انك تدخل الجنة هي نفسها احتمالية انك تعرف تبعدها عني.
وبالطبع دخوله للجنة احتمالية صفرية بحتة! فأي جنة سيشم ريحها وهو لم يترك محرم الا وفعله! ولا ينوي التوبة حتى، هز رأسه بلامبالاة بحديث الأول وقال:
_ هنشوف يا مراد بيه.
تحرك "مراد" خطوتان وقال بعدها بخطورة متوحشة:
_ بس نصيحة متحاولش.. عشان الي هيفكر يقربلها مش هبقى عليه، وأنتَ عارفني محدش عزيز عليَّ... غيرها.
اردف بكلمته الأخيرة مصححًا، ليستشيط "حسن" غضبًا والتزم الصمت، فلن يجدي الحديث نفعًا ولكن لنرى من سينتصر في الأخير.
رأى والدته تدلف بكرسيها من الحديقة الخلفية، ليخبرها على الفور:
_ يلا يا ماما عشان هنمشي.
_على فين؟
سألته "ليلى" بجهل، ليجيبها وهو ينظر لوالده بثبات:
_ لبيتي.. هتعيشي معايا ومع.. مراتي.
_ نعم ياروح امك!
أردف بها "حسن" بعد أن خطى الخطوة الفاصلة بينهما جاذبـًا "مراد" من ياقة قميصه بعنف، وقد تحولت ملامحه للشراسة كأنه سيفتك بهِ أمام ملامح الأخير الباردة.
_ سيبه يا حسن.
هتفت بها "ليلى" بذعر وهي ترى تناطح الاثنان كأسدان يتقاتلان على فريسة للفوز بها.
____________
واثناء اغماض عيناها لاحت بذاكرتها ذكرى قديمة... تعود لها بعد وفاة شقيقتها..
_ نعم؟
_ قوليلي يا خديجة أنتِ مبقتيش تقعدي مع مراد زي الأول ليه؟
توترت وفركت كفيها الصغيرتان بتردد، وكذبت وهي تجيب:
_ م... مفيش.
_ قولي يا خديجة متخافيش.
هزت رأسها ثابتة على موقفها بالنفي، ليخبرها المتحدث:
_ اقولك انا؟ عشان هو الي قتل سارة مش كدة؟
شهقت بصدمة وجحظت عيناها وهي تضع كفها فوق فمها بذهول، ولم تنطق، ليكمل المتحدث..
_ يبقى صح، عمومًا انا مقدر خوفك، خايفة ليقتلك في يوم زي اختك صح؟
لم تجيب لفترة، ليصرخ بها بغضب:
_ ردي!
هزت رأسها سريعًا بخوف موافقة على حديثه، ليبتسم بمكر مرددًا:
_ ده وارد يحصل فعلاً..
واتسعت ابتسامته حين رأى ذعرها يزداد، واكمل متلاعبًا بها:
_ اصل الي يقتل مره يقتل الف، وخصوصًا ان مراد مبيشوفش وقت غضبه، واديكِ شوفتي النتيجة، عشان كده انا حابب اساعدك وانقذك.
تلهفت للحل وللمساعده التي كانت ترجوها طوال الليالي الماضية، فانتبهت له واحسنت الانصات لحديثه وهو يقول:
_ لازم تمشي من هنا، كلمي ابوكِ وامشوا من هنا في اقرب وقت، قوليله انك خايفة من المكان ومش قادره تفضلي فيه، واطلبي منه ترجعوا بلدكوا، ومتسبيهوش غير لما يوافق، حتى لو اضطريتي تمثلي انك تعبانه وبتشوفي كوابيس كل يوم عشان يمشي، المهم تهربي يا خديجة سامعة؟
سألته بتردد وتوتر في آنٍ واحدٍ:
_ طب ومراد لو عرف...
_ مراد مش هيعرف.. مش لازم يعرف حاجة، هتتعاملي معاه عادي جدًا وهتمشي من غير ما يعرف، وإلا مش هيسيبك وهتخسري فرصتك في إنك تهربي وتنجدي بنفسك، ها قولتي ايه؟
صمتت لثواني تفكر، قبل ان تدرك انه الحل الوحيد والاصوب لها، فهزت رأسها موافقة وهي تقول:
_ حاضر...
عادت من ذاكرتها لتهمس وكأنها مازالت في الماضي:
_ حاضر..... حاضر يا حسن بيه.
وها قد كُشف "سر من الماضي"...!!!
- تابع الفصل التالي "رواية بك احيا" اضغط على اسم الرواية